عبد الواحد جعفر
17-03-2016, 05:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أجوبة أسئلة
السؤال الأول: ما هي أبعاد وتداعيات سحب روسيا لقواتها الرئيسية من سوريا؟
الجواب: جاء الانسحاب الروسي متزامناً مع استئناف المحادثات المنعقدة حالياً في جنيف، حيث لم يخفِ بوتين أن انسحاب قواته سيدعم المفاوضات إيجابياً بين المعارضة والنظام السوري. والمفاوضات التي يُتوقع أن تتمخض عن حكم انتقالي تجرى على خلاف رغبة الأسد ورجاله، مما سيجعل الانسحاب الروسي مضعفاً لموقفهم بل سيجبرهم على الإذعان لما سيُملى عليهم. ولذلك فإن الانسحاب الروسي جاء باتفاق واضح مع الأميركان الذين خدمهم الروس فيما يخططونه لتقسيم سوريا، ويظهر ذلك جلياً في طرح الروس الحل الفدرالي لسوريا قبل أيام، وهو الحل الذي سبق لبريمر أن ثبته في الدستور العراقي الجديد بعد الاحتلال، فضلاً عن أنه ذات الحل الذي خرج به المؤتمر الوطني الذي عقد في اليمن قبل نحو سنتين برعاية الأمم المتحدة، وهو الحل الذي اقترح لإنهاء أزمة الحكم في ليبيا، وهي حلول خادمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته الإدارة الأميركية لاضعاف المنطقة بتفتيتها على أسس عرقية ومذهبية.
على أن توقيت الانسحاب الذي يخدم المفاوضات الدائرة حالياً في جنيف كان الفرصة الذهبية التي تمنع ظهور روسيا بمظهر غير لائق عسكرياً وسياسياً إذا ما تورطت في المستنقع السوري بشكل أكبر، وأرادت بعد ذلك _متأخرة_ إنهاء تورطها كما حصل مع سلفها _الاتحاد السوفييتي_ في أفغانستان وانسحبت بشكل مخز لا يليق بدولة عظمى، بل إن توقيت خروجها الحالي أظهرها أنها خادمة للعملية السلمية في سوريا وغير منحازة كلياً لجانب نظام بشار الهمجي مما شوَّه سمعتها إقليمياً ودولياً.
وقد كان إبراز الاجتماع الثلاثي الذي ضم بوتين مجتمعاً ووزيري خارجيته ودفاعه مقصوداً، حيث عدد هذا الأخير انجازات القوات الروسية وأنها أنهت ما كلفت به بنجاح. أما في الجانب السياسي والذي أكد فيه بوتين عن ربط الانسحاب بما يجري في جنيف فقد ظهر فيه الوجه الطيب لروسيا التي جعلت انجازات الجيش الروسي توظف لخدمة السلام في سوريا مخفية بذلك أعماله البربرية.
لقد أنجزت روسيا بتدخلها العسكري في سوريا بعد قصفها الشديد لمعاقل المعارضة وحواضنهم الشعبية ضغطاً واضحاً على فصائل المعارضة، مما خفض من سقف مطالبها، وقبول من كان لا يقبل منها الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النظام، وأضعفت قدرات القوى الرئيسية فيها، وأحدثت تعديلاً في ميزان القوى الذي تم ترجيحه لصالح قوات نظام الأسد التي باشرت تحت الإشراف الروسي في استعادة مناطق واسعة من أيدي المعارضة، راسمة بذلك حدود الكيان العلوي أو ما أطلق عليه النظام السوري (سوريا المفيدة)، كما رسم التدخلُ الروسيُّ والذي وجَّه مسار العمليات على الأرض حدود كيان آخر وهو الكيان الكردي، بل إن ما أخذه النظام من أيدي المعارضة من أراض تجاوز حدود ما هو مفترض كهوامش تفاوضية على مستقبل الأقاليم التي من المتوقع أن تتشكل منها جمهورية سوريا الفدرالية في الدستور السوري الجديد الذي سيصدر في الفترة الانتقالية للحكم.
أما ما الذي حصلت عليه روسيا لقاء تدخلها في سوريا، فهي بالتأكيد لا تقدم خدمات مجانية، ولذلك يرجح أن هناك صفقات تم ترتيبها مع الجانب الأميركي ويتوقع أن تتعلق بإنهاء أو تخفيف العقوبات المفروضة عليها إثر تدخلها في أوكرانيا واحتلالها القرم وضمه إليها، وإنهاء حرب أسعار البترول التي أنهكت الاقتصاد الروسي، ووقف التهديد بمنافستها على سوق الغاز المصدَّر لأوروبا، والذي أحدث إضافة لحرب أسعار الطاقة قلقاً واضطراباً للاقتصاد الروسي وخططه التنموية. والذي يؤشر على بوادر نتائج تدخلها ثم انسحابها هو الارتياح الأوروبي بخاصة مما يوحي بإنهاء عزلتها السياسية _إثر الأزمة الأوكرانية_ بتعاونها مع ما يسمى بالمجتمع الدولي في إيجاد حل سلمي للأزمة السورية.
أما في الجانب الاقتصادي فقد سبق الهدنة في سوريا بعشرة أيام اجتماع (سعودي، فنزويلي، روسي، قطري) لتثبيت كميات الانتاج النفطي حيث قفزت الأسعار فور دخول الهدنة السورية حيز التنفيذ من 28 دولار للبرميل إلى 41 دولار. وقد زار موسكو مؤخراً أمير قطر تميم بن حمد حيث تصنف قطر بأنها من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي، وقد صرح نارشكين رئيس البرلمان الروسي بقوله: (إن موسكو تأمل في تعزيز التنسيق مع الدوحة في سياق "منتدى الدول المصدرة للغاز" مما يوحي بإزالة القلق الروسي حول تصديرها الغاز من أراضيها أو من الإقليم العلوي المنتظر، ومن المعلوم أنه قد سبق لها أن وقَّعت اتفاقيات حول استغلال الغاز على السواحل السورية وبنسبة 60% لصالح روسيا في بعض الاتفاقيات مع حكومة بشار، حيث تقدر الاحتياطيات في الحقول الواقعة على السواحل السورية قرابة 12 مليار متر مكعب. وقيل كذلك إن هناك صفقات أسلحة روسية ضخمة قد يتم عقدها بتمويل خليجي فضلاً عن توجيه استثمارات خليجية كبيرة نحو روسيا الاتحادية.
على أن الإعلان الروسي بالإنسحاب لا يعني أن روسيا سوف تنهي وجودها العسكري من سوريا، بل إن احتفاظها بقاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية أمر لازم لحماية الدويلة العلوية، وإبقاء التوازن العسكري، وما يعنيه ذلك من فرض للفدرالية كخيار وحيد مفروض على المسلمين في سوريا. وإذا ما رفضت أطراف الصراع هذا الخيار فإن الخطة البديلة هي العودة للحرب كما صرح بذلك دي مستورا نفسه قبل أيام.
ومما يؤكد أيضاً التفاهم الروسي الأميركي في ضبط حركة نظام بشار ولجمه حتى لا يفسد على أميركا قطف الثمار السياسية العفنة للحرب القذرة التي قامت بها روسيا نيابة عن أميركا في الضغط على بعض فصائل المعارضة، هو تصاعد الدعوات الدولية فجأة بالمطالبة بمحاكمة بشار الأسد ومواليه بتهمة قيامهم بجرائم حرب. ولعل آخر هذه الدعوات هو القرار غير الملزم الذي صوت عليه أعضاء مجلس النواب الأميركي يوم الاثنين 14 آذار/مارس بالتحقيق في ارتكاب النظام في سوريا "انتهاكات خطيرة ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
السؤال الثاني: من يقف وراء التفجيرات في تركيا والتي حدثت منتصف الشهر الماضي ومنتصف هذا الشهر تقريباً وما هي أبعادها؟
الجواب: من الواضح أن أميركا هي الوحيدة القادرة لوجيستيا واستخباريا على التخطيط ومن ثم الدفع بعناصر من حزب العمال الكردستاني أو من تنظيم الدولة (داعش) للقيام بتفجيرات داخل تركيا، وآخرها ما حدث يوم 13 من الشهر الجاري، وقبل ذلك في يوم 16/2/2016 م داخل المربع الأمني بالعاصمة. إن اختيار مكان وزمان وآلية التفجير، ليدل دلالة كبيرة على أن ما يقع من تفجيرات هو إرهاب دولة كبرى بامتياز.
إن أميركا كانت على علم قبل يومين من الهجوم الدامي الذي استهدف أنقرة مساء الأحد 13/3 وقتل فيه العشرات. فقد أصدرت سفارة الولايات المتحدة في العاصمة التركية تحذيراً أمنياً لـ"مواطنيها" يوم 11 آذار/مارس الحالي، جاء فيه أن لدى سفارة واشنطن "معلومات عن هجوم إرهابي محتمل على مباني حكومية وسكنية في منطقة باهتشلي"، وهي تبعد بضعة كيلومترات عن ساحة كيزيلاي التي وقع فيها الهجوم. وطلبت السفارة الأميركية من مواطنيها "الابتعاد عن تلك المنطقة ومراجعة خططهم الأمنية والبقاء في حالة يقظة وحيطة ومتابعة الأخبار المحلية والاستجابة لتوجيهات السلطات".
أما غاية أميركا من وراء هذه التفجيرات، وما قد يلحق بها من تفجيرات أخرى، فهو إشغال تركيا بشؤونها الداخلية ومنعها من التدخل السياسي والعسكري في الشأن السوري. والدليل على ذلك أن منسوب التفجيرات ازداد بعد أن رفضت الحكومة التركية _التي تواجه حرجا أمام الرأي العام_ بشكل علني الإمتثال لأميركا فيما يتعلق بالسماح لقوات سوريا الديمقراطية وحركة وحدات حماية الشعب الكردي من التحكم بمدينة أعزاز حتى تستكمل سيطرتها الكاملة على الشريط الحدودي وما يعنيه ذلك من فرصة إقامة الكيان الكردي.
وما يؤكد على أن أميركا هي التي تقف وراء هذه الأعمال بالتعاون مع أدواتها _وما أكثرهم_ هو غضبها الشديد من إصرار تركيا على قصف مواقع الأكراد في محيط أعزاز ومطار منغ قبل بدء الهدنة السورية نهاية الشهر الماضي وسعيها إلى إقامة المنطقة الآمنة. ورغم أن تركيا تراجعت في حدود هذه المنطقة التي تطالب بها من عمق 45 كلم إلى عمق 10 كلم فقط إلا أن أميركا ترى في إقامة هذه المنطقة مانعاً من ربط المناطق التي سيطر عليها الأكراد مؤخراً بفضل القصف الروسي في شرق الفرات مع عفرين غرب الفرات.
إن ما يؤلم القلب ويجعله يبكي دماً، أنه رغم إدراك حكام تركيا للمؤامرة الأميركية الكبرى على تقسيم سوريا حالياً ثم تركيا في وقت لاحق، ومع ذلك فإنهم مترددون في أخذ القرار السياسي بخلع التبعية لأميركا، وفي أخذ القرار العسكري بالتدخل مباشرة في سوريا، وضم مناطقها وبخاصة الشمالية منها إلى تركيا؛ بحجة حفظ الأمن القومي كما فعلت روسيا عندما ضمت شبه جزيرة القرم في أذار/مارس 2014م. إن مشكلة الأمة أن حكامها العملاء يثقون بوعود أميركا مصداقاً لقوله تعالى {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}. فهذا أحمد داود أوغلو صرَّح قبل أسابيع أن ما يجري في سوريا هو "سياكس- بيكو" جديد، ومع ذلك ما زال يطلق التصريحات وراء التصريحات ويستجدي أميركا بأن تقف مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي !!.
أجوبة أسئلة
السؤال الأول: ما هي أبعاد وتداعيات سحب روسيا لقواتها الرئيسية من سوريا؟
الجواب: جاء الانسحاب الروسي متزامناً مع استئناف المحادثات المنعقدة حالياً في جنيف، حيث لم يخفِ بوتين أن انسحاب قواته سيدعم المفاوضات إيجابياً بين المعارضة والنظام السوري. والمفاوضات التي يُتوقع أن تتمخض عن حكم انتقالي تجرى على خلاف رغبة الأسد ورجاله، مما سيجعل الانسحاب الروسي مضعفاً لموقفهم بل سيجبرهم على الإذعان لما سيُملى عليهم. ولذلك فإن الانسحاب الروسي جاء باتفاق واضح مع الأميركان الذين خدمهم الروس فيما يخططونه لتقسيم سوريا، ويظهر ذلك جلياً في طرح الروس الحل الفدرالي لسوريا قبل أيام، وهو الحل الذي سبق لبريمر أن ثبته في الدستور العراقي الجديد بعد الاحتلال، فضلاً عن أنه ذات الحل الذي خرج به المؤتمر الوطني الذي عقد في اليمن قبل نحو سنتين برعاية الأمم المتحدة، وهو الحل الذي اقترح لإنهاء أزمة الحكم في ليبيا، وهي حلول خادمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته الإدارة الأميركية لاضعاف المنطقة بتفتيتها على أسس عرقية ومذهبية.
على أن توقيت الانسحاب الذي يخدم المفاوضات الدائرة حالياً في جنيف كان الفرصة الذهبية التي تمنع ظهور روسيا بمظهر غير لائق عسكرياً وسياسياً إذا ما تورطت في المستنقع السوري بشكل أكبر، وأرادت بعد ذلك _متأخرة_ إنهاء تورطها كما حصل مع سلفها _الاتحاد السوفييتي_ في أفغانستان وانسحبت بشكل مخز لا يليق بدولة عظمى، بل إن توقيت خروجها الحالي أظهرها أنها خادمة للعملية السلمية في سوريا وغير منحازة كلياً لجانب نظام بشار الهمجي مما شوَّه سمعتها إقليمياً ودولياً.
وقد كان إبراز الاجتماع الثلاثي الذي ضم بوتين مجتمعاً ووزيري خارجيته ودفاعه مقصوداً، حيث عدد هذا الأخير انجازات القوات الروسية وأنها أنهت ما كلفت به بنجاح. أما في الجانب السياسي والذي أكد فيه بوتين عن ربط الانسحاب بما يجري في جنيف فقد ظهر فيه الوجه الطيب لروسيا التي جعلت انجازات الجيش الروسي توظف لخدمة السلام في سوريا مخفية بذلك أعماله البربرية.
لقد أنجزت روسيا بتدخلها العسكري في سوريا بعد قصفها الشديد لمعاقل المعارضة وحواضنهم الشعبية ضغطاً واضحاً على فصائل المعارضة، مما خفض من سقف مطالبها، وقبول من كان لا يقبل منها الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النظام، وأضعفت قدرات القوى الرئيسية فيها، وأحدثت تعديلاً في ميزان القوى الذي تم ترجيحه لصالح قوات نظام الأسد التي باشرت تحت الإشراف الروسي في استعادة مناطق واسعة من أيدي المعارضة، راسمة بذلك حدود الكيان العلوي أو ما أطلق عليه النظام السوري (سوريا المفيدة)، كما رسم التدخلُ الروسيُّ والذي وجَّه مسار العمليات على الأرض حدود كيان آخر وهو الكيان الكردي، بل إن ما أخذه النظام من أيدي المعارضة من أراض تجاوز حدود ما هو مفترض كهوامش تفاوضية على مستقبل الأقاليم التي من المتوقع أن تتشكل منها جمهورية سوريا الفدرالية في الدستور السوري الجديد الذي سيصدر في الفترة الانتقالية للحكم.
أما ما الذي حصلت عليه روسيا لقاء تدخلها في سوريا، فهي بالتأكيد لا تقدم خدمات مجانية، ولذلك يرجح أن هناك صفقات تم ترتيبها مع الجانب الأميركي ويتوقع أن تتعلق بإنهاء أو تخفيف العقوبات المفروضة عليها إثر تدخلها في أوكرانيا واحتلالها القرم وضمه إليها، وإنهاء حرب أسعار البترول التي أنهكت الاقتصاد الروسي، ووقف التهديد بمنافستها على سوق الغاز المصدَّر لأوروبا، والذي أحدث إضافة لحرب أسعار الطاقة قلقاً واضطراباً للاقتصاد الروسي وخططه التنموية. والذي يؤشر على بوادر نتائج تدخلها ثم انسحابها هو الارتياح الأوروبي بخاصة مما يوحي بإنهاء عزلتها السياسية _إثر الأزمة الأوكرانية_ بتعاونها مع ما يسمى بالمجتمع الدولي في إيجاد حل سلمي للأزمة السورية.
أما في الجانب الاقتصادي فقد سبق الهدنة في سوريا بعشرة أيام اجتماع (سعودي، فنزويلي، روسي، قطري) لتثبيت كميات الانتاج النفطي حيث قفزت الأسعار فور دخول الهدنة السورية حيز التنفيذ من 28 دولار للبرميل إلى 41 دولار. وقد زار موسكو مؤخراً أمير قطر تميم بن حمد حيث تصنف قطر بأنها من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي، وقد صرح نارشكين رئيس البرلمان الروسي بقوله: (إن موسكو تأمل في تعزيز التنسيق مع الدوحة في سياق "منتدى الدول المصدرة للغاز" مما يوحي بإزالة القلق الروسي حول تصديرها الغاز من أراضيها أو من الإقليم العلوي المنتظر، ومن المعلوم أنه قد سبق لها أن وقَّعت اتفاقيات حول استغلال الغاز على السواحل السورية وبنسبة 60% لصالح روسيا في بعض الاتفاقيات مع حكومة بشار، حيث تقدر الاحتياطيات في الحقول الواقعة على السواحل السورية قرابة 12 مليار متر مكعب. وقيل كذلك إن هناك صفقات أسلحة روسية ضخمة قد يتم عقدها بتمويل خليجي فضلاً عن توجيه استثمارات خليجية كبيرة نحو روسيا الاتحادية.
على أن الإعلان الروسي بالإنسحاب لا يعني أن روسيا سوف تنهي وجودها العسكري من سوريا، بل إن احتفاظها بقاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية أمر لازم لحماية الدويلة العلوية، وإبقاء التوازن العسكري، وما يعنيه ذلك من فرض للفدرالية كخيار وحيد مفروض على المسلمين في سوريا. وإذا ما رفضت أطراف الصراع هذا الخيار فإن الخطة البديلة هي العودة للحرب كما صرح بذلك دي مستورا نفسه قبل أيام.
ومما يؤكد أيضاً التفاهم الروسي الأميركي في ضبط حركة نظام بشار ولجمه حتى لا يفسد على أميركا قطف الثمار السياسية العفنة للحرب القذرة التي قامت بها روسيا نيابة عن أميركا في الضغط على بعض فصائل المعارضة، هو تصاعد الدعوات الدولية فجأة بالمطالبة بمحاكمة بشار الأسد ومواليه بتهمة قيامهم بجرائم حرب. ولعل آخر هذه الدعوات هو القرار غير الملزم الذي صوت عليه أعضاء مجلس النواب الأميركي يوم الاثنين 14 آذار/مارس بالتحقيق في ارتكاب النظام في سوريا "انتهاكات خطيرة ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
السؤال الثاني: من يقف وراء التفجيرات في تركيا والتي حدثت منتصف الشهر الماضي ومنتصف هذا الشهر تقريباً وما هي أبعادها؟
الجواب: من الواضح أن أميركا هي الوحيدة القادرة لوجيستيا واستخباريا على التخطيط ومن ثم الدفع بعناصر من حزب العمال الكردستاني أو من تنظيم الدولة (داعش) للقيام بتفجيرات داخل تركيا، وآخرها ما حدث يوم 13 من الشهر الجاري، وقبل ذلك في يوم 16/2/2016 م داخل المربع الأمني بالعاصمة. إن اختيار مكان وزمان وآلية التفجير، ليدل دلالة كبيرة على أن ما يقع من تفجيرات هو إرهاب دولة كبرى بامتياز.
إن أميركا كانت على علم قبل يومين من الهجوم الدامي الذي استهدف أنقرة مساء الأحد 13/3 وقتل فيه العشرات. فقد أصدرت سفارة الولايات المتحدة في العاصمة التركية تحذيراً أمنياً لـ"مواطنيها" يوم 11 آذار/مارس الحالي، جاء فيه أن لدى سفارة واشنطن "معلومات عن هجوم إرهابي محتمل على مباني حكومية وسكنية في منطقة باهتشلي"، وهي تبعد بضعة كيلومترات عن ساحة كيزيلاي التي وقع فيها الهجوم. وطلبت السفارة الأميركية من مواطنيها "الابتعاد عن تلك المنطقة ومراجعة خططهم الأمنية والبقاء في حالة يقظة وحيطة ومتابعة الأخبار المحلية والاستجابة لتوجيهات السلطات".
أما غاية أميركا من وراء هذه التفجيرات، وما قد يلحق بها من تفجيرات أخرى، فهو إشغال تركيا بشؤونها الداخلية ومنعها من التدخل السياسي والعسكري في الشأن السوري. والدليل على ذلك أن منسوب التفجيرات ازداد بعد أن رفضت الحكومة التركية _التي تواجه حرجا أمام الرأي العام_ بشكل علني الإمتثال لأميركا فيما يتعلق بالسماح لقوات سوريا الديمقراطية وحركة وحدات حماية الشعب الكردي من التحكم بمدينة أعزاز حتى تستكمل سيطرتها الكاملة على الشريط الحدودي وما يعنيه ذلك من فرصة إقامة الكيان الكردي.
وما يؤكد على أن أميركا هي التي تقف وراء هذه الأعمال بالتعاون مع أدواتها _وما أكثرهم_ هو غضبها الشديد من إصرار تركيا على قصف مواقع الأكراد في محيط أعزاز ومطار منغ قبل بدء الهدنة السورية نهاية الشهر الماضي وسعيها إلى إقامة المنطقة الآمنة. ورغم أن تركيا تراجعت في حدود هذه المنطقة التي تطالب بها من عمق 45 كلم إلى عمق 10 كلم فقط إلا أن أميركا ترى في إقامة هذه المنطقة مانعاً من ربط المناطق التي سيطر عليها الأكراد مؤخراً بفضل القصف الروسي في شرق الفرات مع عفرين غرب الفرات.
إن ما يؤلم القلب ويجعله يبكي دماً، أنه رغم إدراك حكام تركيا للمؤامرة الأميركية الكبرى على تقسيم سوريا حالياً ثم تركيا في وقت لاحق، ومع ذلك فإنهم مترددون في أخذ القرار السياسي بخلع التبعية لأميركا، وفي أخذ القرار العسكري بالتدخل مباشرة في سوريا، وضم مناطقها وبخاصة الشمالية منها إلى تركيا؛ بحجة حفظ الأمن القومي كما فعلت روسيا عندما ضمت شبه جزيرة القرم في أذار/مارس 2014م. إن مشكلة الأمة أن حكامها العملاء يثقون بوعود أميركا مصداقاً لقوله تعالى {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}. فهذا أحمد داود أوغلو صرَّح قبل أسابيع أن ما يجري في سوريا هو "سياكس- بيكو" جديد، ومع ذلك ما زال يطلق التصريحات وراء التصريحات ويستجدي أميركا بأن تقف مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي !!.