المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أجوبة أسئلة حول تداعيات سحب روسيا لقواتها من سوريا وتفجيرات تركيا وغير ذلك



عبد الواحد جعفر
17-03-2016, 05:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أجوبة أسئلة
السؤال الأول: ما هي أبعاد وتداعيات سحب روسيا لقواتها الرئيسية من سوريا؟
الجواب: جاء الانسحاب الروسي متزامناً مع استئناف المحادثات المنعقدة حالياً في جنيف، حيث لم يخفِ بوتين أن انسحاب قواته سيدعم المفاوضات إيجابياً بين المعارضة والنظام السوري. والمفاوضات التي يُتوقع أن تتمخض عن حكم انتقالي تجرى على خلاف رغبة الأسد ورجاله، مما سيجعل الانسحاب الروسي مضعفاً لموقفهم بل سيجبرهم على الإذعان لما سيُملى عليهم. ولذلك فإن الانسحاب الروسي جاء باتفاق واضح مع الأميركان الذين خدمهم الروس فيما يخططونه لتقسيم سوريا، ويظهر ذلك جلياً في طرح الروس الحل الفدرالي لسوريا قبل أيام، وهو الحل الذي سبق لبريمر أن ثبته في الدستور العراقي الجديد بعد الاحتلال، فضلاً عن أنه ذات الحل الذي خرج به المؤتمر الوطني الذي عقد في اليمن قبل نحو سنتين برعاية الأمم المتحدة، وهو الحل الذي اقترح لإنهاء أزمة الحكم في ليبيا، وهي حلول خادمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته الإدارة الأميركية لاضعاف المنطقة بتفتيتها على أسس عرقية ومذهبية.
على أن توقيت الانسحاب الذي يخدم المفاوضات الدائرة حالياً في جنيف كان الفرصة الذهبية التي تمنع ظهور روسيا بمظهر غير لائق عسكرياً وسياسياً إذا ما تورطت في المستنقع السوري بشكل أكبر، وأرادت بعد ذلك _متأخرة_ إنهاء تورطها كما حصل مع سلفها _الاتحاد السوفييتي_ في أفغانستان وانسحبت بشكل مخز لا يليق بدولة عظمى، بل إن توقيت خروجها الحالي أظهرها أنها خادمة للعملية السلمية في سوريا وغير منحازة كلياً لجانب نظام بشار الهمجي مما شوَّه سمعتها إقليمياً ودولياً.
وقد كان إبراز الاجتماع الثلاثي الذي ضم بوتين مجتمعاً ووزيري خارجيته ودفاعه مقصوداً، حيث عدد هذا الأخير انجازات القوات الروسية وأنها أنهت ما كلفت به بنجاح. أما في الجانب السياسي والذي أكد فيه بوتين عن ربط الانسحاب بما يجري في جنيف فقد ظهر فيه الوجه الطيب لروسيا التي جعلت انجازات الجيش الروسي توظف لخدمة السلام في سوريا مخفية بذلك أعماله البربرية.
لقد أنجزت روسيا بتدخلها العسكري في سوريا بعد قصفها الشديد لمعاقل المعارضة وحواضنهم الشعبية ضغطاً واضحاً على فصائل المعارضة، مما خفض من سقف مطالبها، وقبول من كان لا يقبل منها الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النظام، وأضعفت قدرات القوى الرئيسية فيها، وأحدثت تعديلاً في ميزان القوى الذي تم ترجيحه لصالح قوات نظام الأسد التي باشرت تحت الإشراف الروسي في استعادة مناطق واسعة من أيدي المعارضة، راسمة بذلك حدود الكيان العلوي أو ما أطلق عليه النظام السوري (سوريا المفيدة)، كما رسم التدخلُ الروسيُّ والذي وجَّه مسار العمليات على الأرض حدود كيان آخر وهو الكيان الكردي، بل إن ما أخذه النظام من أيدي المعارضة من أراض تجاوز حدود ما هو مفترض كهوامش تفاوضية على مستقبل الأقاليم التي من المتوقع أن تتشكل منها جمهورية سوريا الفدرالية في الدستور السوري الجديد الذي سيصدر في الفترة الانتقالية للحكم.
أما ما الذي حصلت عليه روسيا لقاء تدخلها في سوريا، فهي بالتأكيد لا تقدم خدمات مجانية، ولذلك يرجح أن هناك صفقات تم ترتيبها مع الجانب الأميركي ويتوقع أن تتعلق بإنهاء أو تخفيف العقوبات المفروضة عليها إثر تدخلها في أوكرانيا واحتلالها القرم وضمه إليها، وإنهاء حرب أسعار البترول التي أنهكت الاقتصاد الروسي، ووقف التهديد بمنافستها على سوق الغاز المصدَّر لأوروبا، والذي أحدث إضافة لحرب أسعار الطاقة قلقاً واضطراباً للاقتصاد الروسي وخططه التنموية. والذي يؤشر على بوادر نتائج تدخلها ثم انسحابها هو الارتياح الأوروبي بخاصة مما يوحي بإنهاء عزلتها السياسية _إثر الأزمة الأوكرانية_ بتعاونها مع ما يسمى بالمجتمع الدولي في إيجاد حل سلمي للأزمة السورية.
أما في الجانب الاقتصادي فقد سبق الهدنة في سوريا بعشرة أيام اجتماع (سعودي، فنزويلي، روسي، قطري) لتثبيت كميات الانتاج النفطي حيث قفزت الأسعار فور دخول الهدنة السورية حيز التنفيذ من 28 دولار للبرميل إلى 41 دولار. وقد زار موسكو مؤخراً أمير قطر تميم بن حمد حيث تصنف قطر بأنها من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي، وقد صرح نارشكين رئيس البرلمان الروسي بقوله: (إن موسكو تأمل في تعزيز التنسيق مع الدوحة في سياق "منتدى الدول المصدرة للغاز" مما يوحي بإزالة القلق الروسي حول تصديرها الغاز من أراضيها أو من الإقليم العلوي المنتظر، ومن المعلوم أنه قد سبق لها أن وقَّعت اتفاقيات حول استغلال الغاز على السواحل السورية وبنسبة 60% لصالح روسيا في بعض الاتفاقيات مع حكومة بشار، حيث تقدر الاحتياطيات في الحقول الواقعة على السواحل السورية قرابة 12 مليار متر مكعب. وقيل كذلك إن هناك صفقات أسلحة روسية ضخمة قد يتم عقدها بتمويل خليجي فضلاً عن توجيه استثمارات خليجية كبيرة نحو روسيا الاتحادية.
على أن الإعلان الروسي بالإنسحاب لا يعني أن روسيا سوف تنهي وجودها العسكري من سوريا، بل إن احتفاظها بقاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية أمر لازم لحماية الدويلة العلوية، وإبقاء التوازن العسكري، وما يعنيه ذلك من فرض للفدرالية كخيار وحيد مفروض على المسلمين في سوريا. وإذا ما رفضت أطراف الصراع هذا الخيار فإن الخطة البديلة هي العودة للحرب كما صرح بذلك دي مستورا نفسه قبل أيام.
ومما يؤكد أيضاً التفاهم الروسي الأميركي في ضبط حركة نظام بشار ولجمه حتى لا يفسد على أميركا قطف الثمار السياسية العفنة للحرب القذرة التي قامت بها روسيا نيابة عن أميركا في الضغط على بعض فصائل المعارضة، هو تصاعد الدعوات الدولية فجأة بالمطالبة بمحاكمة بشار الأسد ومواليه بتهمة قيامهم بجرائم حرب. ولعل آخر هذه الدعوات هو القرار غير الملزم الذي صوت عليه أعضاء مجلس النواب الأميركي يوم الاثنين 14 آذار/مارس بالتحقيق في ارتكاب النظام في سوريا "انتهاكات خطيرة ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

السؤال الثاني: من يقف وراء التفجيرات في تركيا والتي حدثت منتصف الشهر الماضي ومنتصف هذا الشهر تقريباً وما هي أبعادها؟
الجواب: من الواضح أن أميركا هي الوحيدة القادرة لوجيستيا واستخباريا على التخطيط ومن ثم الدفع بعناصر من حزب العمال الكردستاني أو من تنظيم الدولة (داعش) للقيام بتفجيرات داخل تركيا، وآخرها ما حدث يوم 13 من الشهر الجاري، وقبل ذلك في يوم 16/2/2016 م داخل المربع الأمني بالعاصمة. إن اختيار مكان وزمان وآلية التفجير، ليدل دلالة كبيرة على أن ما يقع من تفجيرات هو إرهاب دولة كبرى بامتياز.
إن أميركا كانت على علم قبل يومين من الهجوم الدامي الذي استهدف أنقرة مساء الأحد 13/3 وقتل فيه العشرات. فقد أصدرت سفارة الولايات المتحدة في العاصمة التركية تحذيراً أمنياً لـ"مواطنيها" يوم 11 آذار/مارس الحالي، جاء فيه أن لدى سفارة واشنطن "معلومات عن هجوم إرهابي محتمل على مباني حكومية وسكنية في منطقة باهتشلي"، وهي تبعد بضعة كيلومترات عن ساحة كيزيلاي التي وقع فيها الهجوم. وطلبت السفارة الأميركية من مواطنيها "الابتعاد عن تلك المنطقة ومراجعة خططهم الأمنية والبقاء في حالة يقظة وحيطة ومتابعة الأخبار المحلية والاستجابة لتوجيهات السلطات".
أما غاية أميركا من وراء هذه التفجيرات، وما قد يلحق بها من تفجيرات أخرى، فهو إشغال تركيا بشؤونها الداخلية ومنعها من التدخل السياسي والعسكري في الشأن السوري. والدليل على ذلك أن منسوب التفجيرات ازداد بعد أن رفضت الحكومة التركية _التي تواجه حرجا أمام الرأي العام_ بشكل علني الإمتثال لأميركا فيما يتعلق بالسماح لقوات سوريا الديمقراطية وحركة وحدات حماية الشعب الكردي من التحكم بمدينة أعزاز حتى تستكمل سيطرتها الكاملة على الشريط الحدودي وما يعنيه ذلك من فرصة إقامة الكيان الكردي.
وما يؤكد على أن أميركا هي التي تقف وراء هذه الأعمال بالتعاون مع أدواتها _وما أكثرهم_ هو غضبها الشديد من إصرار تركيا على قصف مواقع الأكراد في محيط أعزاز ومطار منغ قبل بدء الهدنة السورية نهاية الشهر الماضي وسعيها إلى إقامة المنطقة الآمنة. ورغم أن تركيا تراجعت في حدود هذه المنطقة التي تطالب بها من عمق 45 كلم إلى عمق 10 كلم فقط إلا أن أميركا ترى في إقامة هذه المنطقة مانعاً من ربط المناطق التي سيطر عليها الأكراد مؤخراً بفضل القصف الروسي في شرق الفرات مع عفرين غرب الفرات.
إن ما يؤلم القلب ويجعله يبكي دماً، أنه رغم إدراك حكام تركيا للمؤامرة الأميركية الكبرى على تقسيم سوريا حالياً ثم تركيا في وقت لاحق، ومع ذلك فإنهم مترددون في أخذ القرار السياسي بخلع التبعية لأميركا، وفي أخذ القرار العسكري بالتدخل مباشرة في سوريا، وضم مناطقها وبخاصة الشمالية منها إلى تركيا؛ بحجة حفظ الأمن القومي كما فعلت روسيا عندما ضمت شبه جزيرة القرم في أذار/مارس 2014م. إن مشكلة الأمة أن حكامها العملاء يثقون بوعود أميركا مصداقاً لقوله تعالى {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}. فهذا أحمد داود أوغلو صرَّح قبل أسابيع أن ما يجري في سوريا هو "سياكس- بيكو" جديد، ومع ذلك ما زال يطلق التصريحات وراء التصريحات ويستجدي أميركا بأن تقف مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي !!.

عبد الواحد جعفر
17-03-2016, 05:33 PM
السؤال الثالث: سبق لوزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير أن أكد بأن الأردن سوف يكون شريكاً في الخطة (ب) البديلة في حال تعثر الهدنة في سوريا فما هو مضمون الخطة (ب) هذه، وما هو دور الأردن فيها؟
الجواب: الخطة "ب"؛ أي الخطة البديلة، والتي هي في حقيقتها خطة أميركا بدعم دولي وإقليمي لفرض الفدرالية في سوريا بقوة النار والسلاح في حالة تعثر المسار السياسي في جنيف عن تحقيق ذلك. أما محتوى هذه الخطة البديلة "ب" فهي أن أميركا تريد دخول قوات برية أردنية من الجنوب السوري وقوات سعودية تركية تقود ما يسمى بالحلف الإسلامي للتدخل في الشمال السوري بعد تواجدها في جنوب تركيا، تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة (داعش) ولكن غايتها الحقيقية هي تثبيت كل الأطراف المتصارعة في مواقعها من أجل تشكيل الأقاليم التي ستؤسس لنشأة جمهورية سوريا الفدرالية واقعياً، وتثبيت حدود الأقاليم وحمايتها سيجعلها أمراً واقعاً فعلاً يجري التفاوض عليه.
ودور الأردن في تنفيذ الخطة البديلة (ب) حال تعثر الهدنة في سوريا يرجّح أن يكون بتدخل وحدات قتالية من خلال التحالف الدولي تدخل إلى منطقة درعا جنوب سوريا، وكان إطلاق صواريخ من راجمات صواريخ أميركية عبر الحدود بين سوريا والأردن بحجة قصف تنظيم الدولة (داعش) مقدمة لإمكانية تقدم بري تحت قيادة قوات التحالف وبحجة مكافحة "الإرهاب" وبخاصة إذا تم افتعال أحداث على غرار ما جرى في مدينة إربد تدفع الرأي العام في الأردن لتأييد تدخل وحدات من قواته ضمن قوات دولية أو ضمن قوات من التحالف الإسلامي بحجة حماية أمن الأردن وحدوده.
ومع تأكيد وزير الخارجية السعودي على مشاركة الأردن في تنفيذ الخطة (ب) البديلة، فإن حقيقة المشاركة الأردنية ستكون داعمة لتفتيت سوريا إلى كيانات عرقية أو مذهبية يجمعها مؤقتاً نظام فدرالي هش لا يلبث أن يزول وتحل مكانه كيانات مستقلة، وليس من المستبعد أن يجري مستقبلاً ضم جنوب سوريا إلى الأردن بعد اختفاء الدولة السورية بحجة توطين اللاجئين السوريين، وحماية من تبقى من "السنة" في الجنوب السوري الذي سيحاذي الكيان العلوي من جهة والكيان الدرزي المحتمل من جهة الشرق، وسيكون ذلك مطمئناً لإسرائيل بعد استبعاد الفصائل الإسلامية المسلحة.
وفي سياق إمكانية استبعاد الفصائل الإسلامية المسلحة من جنوب سوريا وأهمها جبهة النصرة، يمكن فهم عملية إربد في بداية الشهر الحالي وما تحمله من أبعاد أمنية يُراد منها بث الرعب في الناس من إمكانية تعاون التيارات (الجهادية) الموجودة في الأردن مع مثيلاتها في جنوب سوريا. وقد لوحظ حجم التغطية الإعلامية والسياسية الواسعة للعملية التي أريد لها ولغيرها من أعمال أمنية داخلية أن تقوم ببناء رأي عام داخلي يدعم أي مشاركة عسكرية للأردن في مشاريع أميركا التدميرية للأمة وبخاصة في محافظة درعا ضمن الخطة البديلة "ب" تحت ذريعة مكافحة "الإرهاب" وتأمين حدود الأردن .متناسين أن أعداء الأمة من الأميركان وحلفائهم لن يتركوا تخريبهم لبلاد المسلمين وإضعافها، ومنها الأردن والسعودية وتركيا وإيران وغيرها، إلا لفترات مؤقتة يحين فيها استكمال خططهم بتفتيت بلاد المسلمين بعد استخدام بعضها أدوات تلزمهم للإمعان في جرائمهم في حق الأمة الإسلامية، فإن رَضِيَ العملاء في استكمال سيرهم في خدمة أسيادهم، وهم راضون، فإلى متى يسكت عن ذلك رجال الأمة وأحرارها؟!

السؤال الرابع: ما حقيقة الاشتباكات بين الجيش وقوات الأمن التونسية والمجموعات التي قيل أنها تابعة لتنظيم الدولة في مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا؟
الجواب: ما جرى في جنوب تونس في مدينة بن قردان من اشتباك بين الجيش التونسي و"مجموعة مسلحة" محسوبة على تنظيم الدولة (داعش) في مدينة بن قردان غايته الأساسية تسخين الأوضاع وتهيئة الرأي العام في تونس الرافض بقوة لأي تدخل عسكري في ليبيا أو مشاركة تونس فيه. فأميركا التي اعتبرت تونس "حليفاً استراتيجياً من خارج حلف شمال الأطلسي"، وجعلتها تحتل المرتبة الأولى في قائمة المساعدات المالية والمعدات العسكرية في دول المغرب العربي، تريد من تونس أن تفتح أجواءها وأرضها وبحرها للجيش الأميركي وجيوش أوروبا حتى ينطلقوا منها في أي غزو بري أو ضربات جوية على ليبيا.

السؤال الخامس: ورد في إصدار سابق أن أميركا تعمل على القيادة من الخلف فما هي فحوى هذه السياسة؟
الجواب: إن ما يجري في سوريا مثلاً وبخاصة ما يتعلق بالتهجير الممنهج للسكان هي من معالم "الفوضى الخلاقة" التي صرحت بها كوندوليزا رايس في العام 2005. وحيث أن أميركا لا تستطيع أن تقوم بهذه الفوضى الهلاكة بنفسها تبنت في العام 2008 مبدأ "القيادة من الخلف" والذي هو في جوهره أن تستعمل حلفاءها الدوليين وعملاءها الإقليميين لخوض حروب بالوكالة عنها أو القيام بأعمال سياسة قذرة مكانها، وذلك ضمن أسلوب توزيع الأدوار الذي تتولى الإشراف عليه بنفسها. ولكن هذا لا يعني أن أميركا قد تخلت عن "مبدأ بوش" (من ليس معنا فهو ضدنا) الذي أعلنت عنه العام 2001، أو تخلت عن "مبدأ الحرب الإستباقية" الذي أعلنت عنه في العام 2002 ضد الإسلام والمسلمين، بل كل ما في الأمر أن أميركا تريد أن تحافظ على مقدراتها الإستراتيجية وتقحم بقية "العالم" في خدمة مصالحها ولكن وفق سياسة الإستنزاف للحلفاء "ومبدأ التدمير الذاتي" لعملائها في منطقة الشرق الأوسط.

السؤال السادس: ما هو سبب الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الوزراء التركي إلى طهران يوم 4/3/2016 م وما هي أبعاد تلك الزيارة ؟
الجواب: الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الوزراء التركي إلى طهران يوم 4/3/2016 م جاءت بطلب من حكام إيران، فرغم أنه قد جرى الحديث في هذه الزيارة عن إمكانية عقد صفقة لتصدير الغاز الإيراني إلى تركيا بأسعار تفضيلية إلا أن أهم سبب للزيارة هو بحث مسألة الكيان الكردي في شمال سوريا.
صحيح أن ايران قد خدمت مشاريع أميركا في أفغانستان والعراق وفي مقابل ذلك سهَّلت لها أميركا فرض سياساتها في العراق وفرض التشيع في سوريا ولكن ذلك لا يعني أن إيران هي من يملك القرار في العراق وسوريا أو حتى اليمن ولبنان. فإيران وهي الدولة التابعة قد نجحت أميركا في توريطها واستنزافها في سوريا والعراق بنفس القدر الذي ورطت فيه السعودية في حرب اليمن. ولكن أميركا وهي الدولة المتفردة في القرار الدولي لها خطط ومصالح استراتيجية تريد إنجازها في المنطقة وهي تستعمل عملاء من "الشيعة" و"السنة" على حد سواء وقوداً وحطباً لإنجاح مشاريعها وبخاصة مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وكان واضحاً أن مشروع الكيان الكردي في شمال سوريا قد تلكأت فيه إيران؛ لذلك أقحمت أميركا روسيا في الملف السوري بسبب خوف حكام إيران من ارتدادات وجود كيان كردي سوري عليهم. ولا يجب أن ننسى أن إيران تحوي أكثر من 7 مليون كردي، وإن أول حركة كردية أرادت الإنفصال هي حركة قاضي محمد الذي أسس مع مصطفى البارزاني جمهورية مهاباد عام 1946 التي استمرت 11 شهراً بدعم من جوزيف ستالين. وإذا علمنا أن ايران فيها قوميات أخرى غير العرق الفارسي مثل العرب والبلوش والأذريين ومذاهب أخرى مؤثرة (المذهب السني) أدركنا مدى الخطر المحدق ببلادنا، والذي يحس به الحكام ويقفون منه موقف المتفرج، إذا ما نجحت أميركا في فرض الإقليم الكردي في سوريا. فخطر التقسيم في سوريا لا يتهدد تركيا فقط بل إنه سوف يطال إيران بشكل أكبر وأسرع من النار في الهشيم.
وهذا ما يجعل حكام تركيا وإيران ترتعد فرائصهم من الفيدرالية وبخاصة بعد التصريح الذي أطلقه رئيس الاستخبارات الأميركية السابق مايكل هايدن من أن الأوقات الحالية التي يمر بها الشرق الأوسط تشهد تغييرات "تكتونية"؛ أي نسبة إلى تحرك طبقات الأرض التكتونية التي تسبب الزلازل وتحرك القارات وتغير تضاريس الأرض. وقال هايدن في مقابلة مع cnn (26/2/2016): "الذي نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي، نحن نرى انهياراً (بالاتفاقيات) التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضاً انهياراً في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول بأن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجوداً ولن يعود كلاهما أبداً، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة".
إن مثل هكذا تصريح وغيره من التصريحات والتحركات الأميركية هي التي دفعت أحمد داود أوغلو أن يشدد يوم 6 آذار/مارس؛ أي بعد يومين من زيارته لإيران وفي طريقه نحو بروكسل للمشاركة بالقمة التركية الأوروبية، على أن تركيا ترفض أي مشاريع لتقسيم سوريا، مشيراً إلى أن الزيارة التي قام بها إلى طهران كانت ناجحة، وختم بالقول: إننا "لا نريد أن يتم تمزيق سوريا. قبل مائة عام تم تمزيق المنطقة خلال اتفاقية سايكس بيكو، وعلينا ألا نسمح بتقسيمها مرة أخرى". ولكن ما لم يفهمه حكام تركيا وإيران رغم وعيهم لمخططات أميريكا التقسيمية أن عمالتهم لأميركا تمنعهم من التصدي الحقيقي لمخططاتها التي عزمت على استبدال اتفاقات كيري-لافروف الجديدة باتفاقات سايكس- بيكو القديمة. ورغم إدراك عملاء أميركا في المنطقة أنهم ذاهبون إلى حتفهم وتفكيك بلدانهم عاجلاً أو آجلاً لكنهم لا يملكون الفكاك من هذه الحروب التي حشرتهم فيها والفخاخ السياسية التي نصبتها لهم. والحق أن سببَ عجز هؤلاء العملاء عن الحركة هو ركونهم إلى الذين ظلموا، وارتباط وجودهم برضا أميركا عليهم، وتبنيهم للرأسمالية عقيدة للدولة، وعدم اعتمادهم على أمتهم وما فيها من قدرات روحية وفكرية ومادية تمكنهم من طرد أميركا ودول الغرب بل وقلع نفوذهم من كل المنطقة.
7/جمادى الآخرة/1437هـ
16/ 3/2016م

عمر1
30-03-2016, 09:06 PM
اخي جعفر ارجواان تفرغ صندوق رسائلك حتى اتمكن من ارسال رسالة لك

نائل سيد أحمد
30-06-2016, 06:26 PM
رمضان 1437هـ .