المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليق السياسي حول اتفاق الهدنة الأخير في سوريا



عبد الواحد جعفر
23-02-2016, 11:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التعليق السياسي
في الساعات الأولى من فجر هذا اليوم الثلاثاء أعلن وزيرا الخارجية الأميركي والروسي وقفاً لإطلاق النار على الأراضي السورية بين الأطراف المتنازعة باستثناء تنظيم الدولة وجبهة النصرة أو أي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن بحسب البيان الصادر من الولايات المتحدة وروسيا ابتداءً من يوم السبت المقبل الموافق 27/2/2016م.
وكان قد سبق الإعلان الذي مهد له مؤتمر ميونخ تقدم سريع على الأرض لقوات النظام والقوى المتحالفة معها في حالة هي أشبه ما تكون باستكمال ترسيم الحدود لإقليم كردي، فضلاً عن الإقليم العلوي الذي بات يشاع أنه سيشمل ما يطلق عليه النظام بـ"سوريا المفيدة".
وجاءت الهدنة بعد إضعاف ما يسمى بالمعارضة المعتدلة والتي قلصت من سقف مطالبها إثر خسارتها على الأرض، وبخاصة بعد التدخل الروسي الهمجي إلى جانب قوات النظام السوري وحلفائه، وفقدان العديد من فصائلها للدعم شبه الكلي بالسلاح والمال الذي كانت تتلقاه منذ أشهر، ولذلك باتت المعارضة مهيأة للقبول بما يُملى عليها من حلول مع نظام بشار.
وقد جاءت هذه الهدنة لتخفف الحرج الشديد ولو بشكل مؤقت عن الحكومة التركية االتي ترفض إنشاء كيان كردي في شمال سوريا، والتي كانت تطمع في إيجاد منطقة عازلة تحول دون إنشاء ذلك الكيان، ومصدر الحرج هو الرأي العام في تركيا الرافض لتقسيم البلاد الذي يرجح أن تنطلق شرارته مع إنشاء كيان كردي في شمال سوريا تحت اسم (روج افا)؛ أي كردستان الغربية، والذي سيكون محاذياً لجنوب تركيا ذي الأغلبية الكردية. وكانت الحكومة التركية قد أطلقت على ألسنة مسؤوليها تحذيرات وتهديدات عديدة من سيطرة وحدات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية الجسم الرئيسي لها على مدينة أعزاز القريبة من الحدود التركية والتي تسيطر عليها المعارضة، وقامت بالفعل بقصف مدفعي لوحدات الحماية الكردية واعتبرت السيطرة عليها خطاً أحمر ستتخذ تركيا إجراءً مناسباً حال تخطيه.
أما الروس فقد جاء الاتفاق ملبياً لرغبتهم القوية في انتهاء الأزمة السورية عند حد مقبول يوازي ما يتوقعونه من المكاسب السياسية والاقتصادية، بدل الانزلاق بشكل أكبر في وحل المستنقع السوري لعدم ضمانهم إمكانية الوقوع في فخاخ تودي بمكاسبهم وتورطهم في حروب تستنزف قواهم. فبعد تدخلهم الذي أعاد التوازن على الأرض بل رجح كفة النظام السوري، ورسم حدود إقليمي العلويين والأكراد، فقد باتوا على وشك الاحتكاك المباشر بالأتراك أو حلفائهم، وبخاصة إذا دخلت القوات التركية الأراضي السورية لإبعاد الأكراد، أو إذا تدخلت قوات ما يسمى بالحلف الإسلامي بقصف الأراضي السورية بذريعة قتال تنظيم الدولة، حيث سيشكل تدخل هذه الأخيرة كذلك لو حصل خياراً صعباً أمام الروس إزاء ما أعلنوه من وقوفهم إلى جانب النظام السوري، ويشمل ذلك حماية الأراضي السورية من الاعتداء عليها وبين ما أظهروه من دعوى محاربة "الإرهاب" والمتمثل بخاصة في تنظيم الدولة، مما سيضطرهم للوقوف صفاً واحداً مع الأتراك والسعوديين الذين يقودون ما يسمى بالحلف الإسلامي ويتذرعون بمحاربة تنظيم الدولة كذلك الأمر.
ولقد كانت تصريحات السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين قبل اتفاق لافروف وكيري الأخير تشير بقوة إلى موقف روسيا من ضرورة وضع حد للأزمة في سوريا بالسير نحو حل سلمي حيث قال: "روسيا استثمرت بجدية بالغة في هذه الأزمة سياسياً ودبلوماسياً والآن أيضاً على الصعيد العسكري ... والآن بالطبع نود أن يأخذ بشار هذا في الاعتبار"، وقال: "روسيا ساعدت الأسد على تغيير موازين الحرب ولزاماً عليه الآن اتباع الخط الروسي والتزام محادثات السلام" بل وصل الأمر إلى ما هو أشبه بتوجيه الأمر إلى الرئيس السوري بقوله: "على الرئيس السوري بشار الأسد الإصغاء إلى نصيحة موسكو فيما يتعلق في حل الأزمة في بلاده".
ويتوقع قبل سريان تنفيذ الهدنة استكمال قوات النظام وحلفائهم وبدعم روسي السيطرة على مناطق تقع ضمن الإقليم العلوي أو الإقليم الكردي اللذين يجري العمل لإنشائهما، وقد يتم استثناء الدخول إلى مدينة أعزاز مؤقتاً، وعدم استخدام مطار منِّغ لأغراض عسكرية من قبل الأكراد حالياً استرضاءً للأتراك.
ولا ينتظر أن تكون الهدنة التي تم الاتفاق عليها هي نقطة النهاية للنزاع في سوريا، وإنما بداية مرحلة جديدة يتوقع أن تكون أبرز معالمها:
أولاً: تأمين حدود الكيانين العلوي والكردي تحت مسمى أقاليم، وبذلك يتم تثبيت تقسيم سوريا عملياً. وللوقاية من إمكانية عودة المعارضة للسيطرة على مناطق تقع ضمن حدود الكيانين، استثنيت النصرة التي تنتشر في معظم مناطق المعارضة من الهدنة، وبذلك يكون من السهل توجيه ضربات لمن يحاول المساس بحدود الكيانين لسهولة الادعاء أن المقصود منها هي جبهة النصرة.
أما "السنة " فسيكون الصراع الدموي هو العنوان الأبرز لما يُخطط لكيانهم.
ثانياً: تنفيذ إعدامات جماعية باتفاق دولي في حق عشرات الآلاف من شباب المسلمين الذين ساقهم الحماس من خارج سوريا وداخلها لنصرة إخوانهم أو لمواجهة الظلم غير المسبوق الذي أوقعه عليهم طاغية سوريا ويظهر ذلك من استثناء النصرة وتنظيم الدولة من الهدنة.
ثالثاً: تقوية نفوذ قوات سوريا الديموقراطية والفصائل ذات التوجه العلماني، وذلك لطرد التوجه الإسلامي الطاغي على جماعات المعارضة.
رابعاً: استعمال قوات سوريا الديموقراطية لخديعة الشعب التركي إذا تقرر السيطرة على باقي الحدود بين تركيا وسوريا، باعتبار أن تلك القوات تضم عرباً وتركمان ونصارى سريان وأرمن إضافة إلى الأكراد، ويعني ذلك استبعاد تفرد الأكراد في السيطرة مما يساعد على تخفيف حدة الاندفاع التركي لإبعاد شبح الكيان الكردي، وبذلك يتم القضاء كذلك على فكرة المنطقة العازلة، ويساعد في محاولة صرف أنظار الأتراك عن إنشاء كيان كردي في شمال سوريا إثارة اضطرابات داخلية في داخل تركيا للفت أنظار الناس وإشغالهم عن التوجه إلى خارج الحدود، ولذلك لا يستبعد أبداً أن يكون تفجير أنقرة الأخير هو بداية لمثل تلك الأعمال.
خامساً: استخدام قوات عربية لمراقبة مواقع التماس بين الأطراف المتنازعة، وذلك لطمأنة الطرف "السني" بخاصة، وبحجة الوقوف في وجه "الإرهاب"، وبذلك يتم تأمين فواصل واقعية ولمدة طويلة بين أطراف النزاع.
وعليه تكون الولايات المتحدة الأميركية قد سارت خطوات في تنفيذ مشروعها لإضعاف المنطقة وإعادة تقسيمها جغرافياً على أساس عرقي ومذهبي.

أيها المسلمون..
ما أشبه البارحة باليوم في تكالب الكفار على المسلمين، إنه في الوقت الذي دفعت فيه بريطانيا في العام 1916 العرب إلى القيام بـ"الثورة العربية الكبرى" للمطالبة بـ"الإستقلال" عن الدولة العثمانية ثم أدركوا أنهم كانوا مجرد أداة استعملت للقضاء على الخلافة العثمانية، نجد اليوم أن أميركا دفعت بالشعب في البلاد العربية للقيام بـما سمي بـ"ثورات الربيع العربي" من أجل "شرق أوسط جديد" يتجه نحو تقسيم المقسم وفق مخطط سايكس-بيكو أميركي بامتياز. وهذا الأمر نراه عين اليقين في العراق وسوريا واليمن ونراه علم اليقين قي المستقبل القريب لا قدر الله في ليبيا والسعودية وتركيا.
ولذلك فإننا لا نبالغ إن قلنا أن المنطقة تمر بأخطر أزماتها على الإطلاق منذ سقوط الخلافة وتقسيم المنطقة على يد الإنجليز والفرنسيين، بل لا نبالغ إن قلنا إن هذه الهجمة المستعرة على الإسلام والمسلمين وبلادهم لم يسبق لها مثيل منذ الغزو الصليبي والمغولي لبلاد المسلمين.

أيها المسلمون..
لقد ظهر جلياً أن الذي بيده قرار وقف الاحتراب في المنطقة هم غيرنا، وهم من كان بيدهم ولا يزال إشعالها من جديد بإثارة الفتن المذهبية والعرقية، فكانت أمتنا بتضليل واستغفال أعدائها لها هي من جنت على نفسها فقتل أبناؤها بعضهم بعضاً، ودمروا بلادهم، واستنزفوا مقدراتها، وكانت أميركا ودول الكفر ينظرون إلى ذلك كله مستخفين بل شامتين بنا، ويأملون أن نستمر في غفلتنا عن كيدهم لنا.
ألم يأْنِ لأمتنا بعد كل تلك الدماء والدمار أن تنتبه إلى نفسها، فتدرك ما يخططه لها أعداؤها لإضعافها والفتك بها فتقلب الطاولة على رؤوسهم، بابتعادها عن الوقوع في الفتن المذهبية والعرقية؟! وأن تأخذ على يد كل مروج لها بعد تنبيهه لخطورتها، وأن يتوجه بالعمل الجاد لإنجاز ذلك كل أبنائها وبخاصة المؤثرين من ذوي العقول الراجحة والعلماء وخطباء المساجد والإعلاميين وأصحاب القوة والنفوذ، وأن تكون غايتهم إيجاد كيان واحد يحكمهم بشرع ربهم يتوجه بهم لقتال أعدائها وقلع أدواتهم.
{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}

14/جمادى الأولى/1437هـ حزب التحرير
23/2/2016م