مشاهدة النسخة كاملة : تغير المنكر باليد متى يجوز
ورد جواب سؤال بخصوص تغير المنكر للموسس رحمه الله وهو :
- قال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ...) إلى آخر الحديث، فهل هذا الحديث عام؟ أي هل هو خطاب عام لجميع المسلمين؟ وهل يتوجب على المسلمين تنفيذه مع الحكام أيضاً فنغيّر منكرهم باليد مثلاً؟ وهل ينفذ الأفراد والجماعات التي تقدر على التغيير ما فيه؟ راجياً توضيح ذلك.
الجواب: الحديث عام، ولكن في ظل الدولة، أية دولة، قد حُصِر التنفيذ الفعلي في السلطان.
21/12/1969
السؤال حقيقة لم افهم جواب الشيخ هل فعلا حصر تنفيذ تغير المنكر باليد في ظل الخلافة من قبل الافراد ؟؟؟
هل يجوز تغير وانكار المنكر على الحكام من قبل الحزب بالقوة المادية ؟؟؟
وما الفرق بين تغير المنكر و انكار المنكر ؟؟؟
وما قصد الشيخ بقوله " اية دولة " ؟؟؟
عصائب التوحيد
02-02-2016, 04:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إنكار المنكر فرض
واستعمال القوة المادية لإزالته منوط بالاستطاعة
المنكر هو كل ما قبّحه الشرع وحرّمه مِن ترك واجب، أو فعل حرام. وإنكار المنكر حكم شرعيّ أوجبه الله سبحانه على المسلمين جميعاً، أفراداً وجماعات، كتلاً وأمة ودولة. روى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكَراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وقد أوجب الله على المسلمين أن يقيموا من بينهم تكتلات وجماعات ليأمروا بالمعروف ولينهوا عن المنكر، قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
وقد شرّف الله سبحانه هذه الأمّة بأن جعلها خير أمّة أِخرِجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله حيث قال: (كنتم خير أمة أِخرِجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
وقد فرّق سبحانه بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) وحيث قال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
وقد توعّد الله سبحانه المسلمين بالعقاب إن هم سكتوا عن المنكر، ولم يعملوا على تغييره وإزالته، عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمُرُن بالمعروف ولَتَنهَوُن عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)، وعن هيثم قال: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يُعمَل فيهم بالمعاصي، ثم يَقدِرون على أن يغيّروا، ثم لا يغيّروا، إلا يوشك أن يعمّهم الله منه بعقاب)، وعنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد قوله: (إن الله لا يعذِّب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب الخاصة والعامة).
فكل مسلم يشاهد منكراً -أي منكر- أمامه، وجب عليه أن يعمل على إنكاره وتغييره بأحد الأساليب الثلاثة الواردة في حديث أبي سعيد الخدري السابق حسب استطاعته، وإلا لحقه الإثم.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المسلمين في كل الأحوال، سواء أكانت هناك دولة خلافة إسلامية أم لم تكن، وسواء أكان الحكم المطبّق على المسلمين هو حكم الإسلام، أم حكم الكفر، وسواء أحسن الحاكم تطبيق أحكام الإسلام أم أساء التطبيق. وقد كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجوداً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام الصحابة وأيام التابعين وتابعيهم، وسيبقى حكمه قائماً حتى قيام الساعة.
والمنكر قد يحصل من أفراد، أو من جماعات، أو من الدولة. والذي يعمل على إنكار المنكر وتغييره هو الدولة والأفراد والتكتلات، والأصل في الدولة الإسلامية أن يكون الحاكم فيها هو القوّام على رعاية شؤون الناس بأحكام الشرع، وهو المسؤول شرعاً عن منع المنكرات، سواء حصلت من أفراد أو من جماعات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته). وقد أوكل الله إليه أن يُرغِم الناس أفراداً وجماعات على القيام بأداء جميع الواجبات التي أوجبها الله عليهم، وإذا استدعى الأمر استخدام القوة لإرغامهم على أدائها وجب عليه أن يستخدمها. كما أوجب الله عليه أن يمنع الناس عن ارتكاب المحرمات، وإذا استدعى الأمر استخدام القوة لمنعهم من ارتكاب المحرمات وجب عليه استخدامها. فالدولة هي الأصل في تغيير المنكر وإزالته باليد، أي بالقوة لأنها مسؤولة شرعاً عن تطبيق الإسلام، وعن إلزام الناس بأحكامه.
أما تغيير الأفراد للمنكر، فالفرد الذي يرى أمامه منكراً -كأن يرى شخصاً يشرب الخمر، أو يسرق، أو يهمّ بقتل شخص، أو الزنى بامرأة، أو غير ذلك من المنكرات، وجب عليه أن ينكر هذا المنكر، وأن يعمل على تغييره وإزالته، ويأثم إن لم يقم بذلك. فإن كان قادراً -ولو بغلبة الظن- على إزالة هذا المنكر بيده، وجب عليه أن يبادر إلى تغييره وإزالته بيده، فيَمنَع الشخص من شرب الخمر، أو من السرقة، أو من القتل، أو من الزنى، يَمنع كل ذلك ويزيله بيده، لأنه قادر على تغييره باليد، تنفيذاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) واستعمال القوة، أي القوة المادية لتغيير المنكر، منوط بالقدرة الفعلية -ولو بغلبة الظن- على تغيير عين هذا المنكر وإزالته باليد، فإن عُدِمت قدرة الإزالة لا يستعمل اليد، لأن استعمالها عندئذ لا يحقق الغرض الذي استُعملت اليد من أجله، وهو تغيير المنكر وإزالته، فمناط استعمال اليد الوارد في الحديث منوط بالقدرة على تغيير المنكر بالفعل، بدليل أن الحديث نفسه جعل الانتقال إلى إنكار المنكر باللسان عند عدم الاستطاعة، أي عدم القدرة على تغيير المنكر وإزالته باليد، حيث قال: (فإن لم يستطع فبلسانه) وإنكار المنكر باللسان لا يعتبر تغييراً للمنكر، وإنما هو تغيير على مرتكب المنكر، أي إنكار عليه ارتكابه المنكر، فإن لم يستطع الإنكار بلسانه فعليه أن يكره ذلك المنكر بقلبه وأن لا يرضى به.
هذا كله في المنكر الذي يحصل من أفراد أو جماعات. أما المنكر الذي يحصل من الحاكم، كأن يأكل أموال الناس بالباطل، أو يمنع الحقوق، أو يهمل في شأن من شؤون الرعية، أو يقصّر في واجب من واجباتها، أو يخالف حكماً من أحكام الإسلام، أو غير ذلك من المنكَرات، ففرضٌ على المسلمين جميعاً أن يحاسبوه، وأن ينكروا عليه ذلك، وأن يعملوا على التغيير عليه، أمّةً، وجيشاً، وتكتلات، وأفراداً، ويأثمون بالسكوت عنه، وبترك الإنكار والتغيير عليه.
ويكون الإنكار والتغيير عليه عند ارتكابه منكراً من المنكرات بطريقة المحاسبة باللسان، لِما روى مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرِفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رضي وتابع)، ولِما روي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... كلاّ والله لتأمُرُنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر ولتأخذُنّ على يد الظالم، ولتأطرنّه على الحق أطراً، ولَتَقصُرُنّه على الحق قصراً، أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننّكم كما لعنهم). كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قولة الحق عند سلطان جائر أفضل الجهاد، حيث أجاب الرجل الذي سأله: أي الجهاد أفضل؟ قال: (كلمة حق عند سلطان جائر)، ولورود أحاديث تحرّم الخروج عليه بالسلاح إلا في حالة واحدة استُثنيت من حرمة الخروج عليه بالسلاح، وهي حالة ما إذا ظهر الكفر البواح الذي فيه من الله برهان بأنه كفر صراح لا شك فيه. أي إذا أظهر الحكم بأحكام الكفر الصراح وتَرَك الحكم بما أنزل الله. فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم) قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف، فقال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) والمراد بإقامة الصلاة الحكم بالإسلام، أي تطبيق أحكام الشرع من باب تسمية الكل باسم الجزء، وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرِفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا)، أي ما قاموا بأحكام الشرع ومنها الصلاة من باب إطلاق الجزء على الكل، وعن عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العُسر واليُسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)، وزاد في رواية: قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).
فمفهوم هذه الأحاديث الثلاثة ينهى عن الخروج على الحاكم بالسلاح إلا في حالة عدم حكمه بما أنزل الله، أي في حالة حكمه بأحكام الكفر البواح الذي فيه من الله برهان بأنه كفر صراح لا شك فيه.
وعليه، فإن أي حاكم من حكام المسلمين لم يحكم بما أنزل الله، وحَكَم بأحكام الكفر الصراح، وجب على المسلمين جميعاً الخروج عليه بالسلاح لإزاحته عن الحكم، ولإزاحة حكم الكفر الذي يحكم به، ووضْع ما أنزل الله من أحكام موضع التطبيق والتنفيذ.
ووجوب الخروج عليه بالسلاح منوط بالقدرة على إزاحته وإزالة حكم الكفر الصراح بالقوة المادية، ولو بغلبة الظن، لأن استعمال اليد، أي القوة المادية، لتغيير المنكر والحكم بأحكام الكفر من أكبر المنكَرات، منوط بالاستطاعة على إزالة المنكر إزالة فعلية بتلك القوة المادية، فمناط حديث وجوب تغيير المنكر باليد، ومناط حديثي وجوب الخروج على الحاكم الذي يحكم بأحكام الكفر الصراح بالسلاح مربوط بقدرة القوة المادية واستطاعتها على تغيير المنكر والكفر الصراح وإزالته بالفعل، ولو بغلبة الظن، ولكن إذا لم تكن القوة المادية قادرة بالفعل، أو بغلبة الظن، على تغيير المنكر وأحكام الكفر وإزالته بالفعل، فإنها لا تُستعمل، لأن استعمالها حينئذ لا يحقق الغرض الذي أوجب الشارع لأجله استعمالها، وهو تغيير المنكر وأحكام الكفر وإزالتهما بالفعل، ويُعمل عندئذ على إنكار المنكر باللسان، كما يُعمل على زيادة القوة حتى تصل إلى حد استطاعتها، ولو بغلبة الظن، على تغيير المنكر وأحكام الكفر بالفعل، وعند ذلك يجب استعمالها.
والأمة بمجموعها إذا وحّدت إرادتها، والجيش بما يملك من القوة المادية، والقبائل الكبيرة ذات النفوذ والتي تملك القوة، والتكتلات السياسية التي لها قوة كبيرة مؤثرة في الجيش أو في القبائل الكبيرة أو في الأمّة، كل واحد منهم إذا ملك القدرة على إزاحة الحاكم الذي يحكم بأحكام الكفر الصراح ولا يحكم بأحكام الإسلام، كان واجباً عليه شرعاً الخروج على ذلك الحاكم، ليزيحه عن الحكم، وليزيل أحكام الكفر، وليعيد الحكم بما أنزل الله.
هذا حكم أساسي من أحكام الإسلام، رأينا واجباً علينا أن نبلّغه للناس، ليكونوا على بصيرة من أمرهم على هداه.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
28 ذي القعدة 1409هـ حزب التحرير
1/7/1989
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.