المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليق السياسي حول حصار مضايا وإذكاء الفتنة المذهبية



عبد الواحد جعفر
28-01-2016, 07:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التعليق السياسي
يأتي حصار بلدة مضايا وتجويع أهلها ضمن مصائب أبناء الأمة الإسلامية التي أمعن الكفار في الكيد لها وحفر الأخاديد بين أبنائها حتى يبقى الصراع الداخلي يحمل صفة الديمومة وبخاصة مع تعزيز الفصل المذهبي وتركيز وجوده.
ومع وضوح اليد المجرمة لأميركا والغرب الكافرين وتتبعهم روسيا الذين كانوا جميعاً سبباً فيما نال الأمة من مصائب وويلات، ومنها حصار بلدة مضايا مع قدرتهم أن يأمروا الدمية بشار الأسد والمليشيات التابعة له بفك الحصار عن البلدة، إلا أنهم لن يفعلوا ذلك حتى تكتمل الجرعة الجديدة والقوية من الشحن المذهبي الذي من شأنه أن يفتك بالأمة ومقدراتها ثم يمارسوا كعادتهم دور المنقذ البريء.
إن أحداً لن يستطيع أن ينكر أن الحلف الذي يلقي القنابل على مدى الأشهر الماضية على رؤوس أهل سوريا بإمكانه أن يلقي المعونات الغذائية والطبية لإنقاذ المحاصرين في مضايا، ولكن كل ما جرى ويجري يتضح منه قصد الكيد للأمة وإيقاع الفتنة بين أبنائها.
ومع استمرار الشحن المذهبي الذي يؤججه بعض أذناب العملاء من المشايخ والمعممين، أو من يغتر بحديثهم من السذج والجهلة في فهم أهداف الكفار وأدواتهم، يمضي عملاءُ أميركا والغرب الكافرين في القيام بالأعمال السياسية التي من شأنها بلورة مشروع شق المنطقة مذهبياً، والإيذان بمستقبل أكثر سواداً للأمة الإسلامية ينذر بحروب أوسعَ تترك بلاد المسلمين تسبح في الدماء مع دمار أشد مما حصل لسوريا والعراق إنْ لم يتدارك المسلمون أنفسهم، وينتبهوا لكيد أعدائهم الذين سيكونون أكثر فرحاً مع نجاح مخططاتهم في الفتك بالأمة الإسلامية ومقدراتها.
ومن أخطر الأعمال السياسية مؤخراً التحريضُ المذهبيُّ سياسياً وإعلامياً بين السعودية وإيران، وما اتخذته إيران من خطوات وردت عليه السعودية من قطع العلاقات مع إيران ليَصُب الزيت على نار المذهبية التي تستعملها أميركا كما أسلفنا كأحد أهم أدواتها في تقسيم المنطقة.
فبمجرد إعلان السعودية يوم 2 كانون ثاني/ينايرعن تنفيذ حكم الإعدام في حق47 شخصاً من بينهم القيادي (الشيعي) نمر باقر النمر، انطلقت من إيران تصريحات شديدة اللهجة، فيها وعيد وتهديد بزوال حكم آل سعود. فقد اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري، السعودية بدعم الإرهاب، زاعماً "مساندة الحكومة السعودية الإرهابيين والمتطرفين التكفيريين، بينما تعدم وتقمع المنتقدين داخل البلاد، وستدفع ثمناً باهظاً على هذه السياسات". وقد أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وحتى يُعلم أن قطع العلاقات بين السعودية وإيران هو عمل مقصود يأتي في سياق تنفيذ سياسة الإصطفاف المذهبي الذي تسير فيه أميركا من أجل تقسيم المنطقة وتفتيت وحدة الأمة يكفي النظر في الأعمال والتصريحات لكلا الدولتين على مستوى المنطقة من قبل السعودية وإيران فيما يجري في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
لقد جاء قطع العلاقات الدبلوماسية وما تبعها من قطع للعلاقات التجارية كما صرَّح بذلك عادل الجبير ليكشف عن حجم الاصطفاف الطائفي الحاد التي تقوده السعودية وإيران تنفيذاً للمخططات الأميركية وخدمة لمصالح أميركا وأوروبا. وما يؤكد ذلك هو ما صرح به وزير الخارجية السعودي في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات مع إيران من أنه قد: تمت هزيمة إيران في اليمن، وهي لن تتمكن من انقاذ الأسد في سوريا. وهذا يدل على أن كلا من السعودية وإيران يقومان بتأجيج المنطقة مذهبياً عن قصد وخدمة لأميركا ومشروعها المسمى الشرق الأوسط الكبير.
ثم أضاف الجبير متباهياً بتصدي السعودية ليس لأميركا أو إسرائيل بل للتحركات الإيرانية في المنطقة قائلا: "هناك إنجازات تم تحقيقها للتصدي لمحاولة إيران السيطرة على المنطقة".
وحتى يدرك أن أميركا هي التي تقود المنطقة في سياسة الشحن المذهبي يكفي الإشارة إلى بعض الأعمال ذات العلاقة بتقسيم المنطقة مذهبياً.
فقد أعلنت السعودية يوم 15/12/2015 عن انشاء تحالف إسلامي لـ"مكافحة الإرهاب" يضم 34 دولة كلها محسوبة على "أهل السنة". وأوضح بيان بثته وكالة الأنباء السعودية أن "الدول المشاركة قررت تشكيل تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، وأن يتم في مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب".
لقد جاء إعلان السعودية عن هذا الحلف من أجل تحقيق عدة أهداف تسعى أميركا لتحقيقها أهمها: تركيز التقسيم المذهبي للمنطقة بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير. ويظهر ذلك في غياب كل من إيران وسورية والعراق وحتى عُمان عن هذا "التحالف الإسلامي" الذي أعلنت عنه السعودية.
وهكذا يمكن القول أن أميركا قد نحجت من خلال إعلان السعودية عن هذا "التحالف الإسلامي" في إيجاد "ناتو سني" بقيادة السعودية مقابل "ناتو شيعي" بقيادة إيران من أجل طحن المسلمين في صراع مذهبي لا يعلم نهايته إلا الله تعالى. وهذه السياسة هي من صميم مخططات أميركا في تركيز مفهوم قيادتها للعالم من الخلف.
فبعد أن نجحت أميركا في دفع الدول الأوروبية للسير في مخططاتها طوعاً وكرهاً وتحمل "مسؤولياتها" الأمنية والعسكرية مع أميركا داخل القارة الأوروبية وخارجها عبر إثارة مشكلة "مكافحة الإرهاب وتدفق المهاجرين"، تدفع اليوم بالمسلمين وروسيا معهم للقيام نيابة عن أميركا في العمل على انجاز تقسيم المنطقة مذهبياً بدعوى "محاربة الإرهاب والتطرف".
على أنه من أهداف الحلف الجديد نشر جنود مسلمين ليُسَخَّروا نيابة عن أميركا في مناطق الحروب والنزاعات التي صنعتها أميركا بدعوى نشر السلام ومحاربة "الإرهاب". ويظهر ذلك في كثرة الدعوات الأميركية لحكام دول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية، بتحمُّل مسؤولياتها في "مواجهة الإرهاب".
فكثيراً ما ردد الرئيس باراك أوباما قوله بأن أميركا لن تحارب "الإرهاب" نيابة عن دول المنطقة، وكان عضوا مجلس الشيوخ الأميركي، "جون ماكين" و"ليندسي غراهام"، قد دعيا في 29/11/2015، إلى تشكيل قوة من 100 ألف جندي معظمهم من دول المنطقة "السنية"، إضافة إلى جنود أميركيين، لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا. وقال ماكين إن "حشد هذه القوة" لن يكون صعبًا على مصر، سيكون صعبًا على السعوديين، كما سيكون صعبًا على الدول الأصغر"، لكن تركيا كذلك يمكن أن تساهم بقوات.
ومن تلك الأهداف محاربة الإسلام ومحاصرة أي فكر إسلامي يناهض الرأسمالية ويصارع الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة. وهذا هو ما أكد عليه ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان عندما قال: بأن "التحالف سيقوم بجهود لمحاربة الإرهاب على الصعيدين الفكري والإعلامي، ولن يقتصر على المحاربة الأمنية". وهذا الأمر جعل الإدارة الأميركية ترحب بهذا الحلف كما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي في 17/12/2015.
وحتى يُعطى شيءٌ من الزخم المذهبي لهذا "التحالف السني" قام رجب طيب أردوغان بزيارة إلى السعودية في 28/12/2015. وفي هذه الزيارة تم الإعلان عن اتفاق بين الرياض وأنقرة على إقامة تعاون عسكري استراتيجي، بعد أن أعلنت تركيا دعمها الكامل لهذا "التحالف الإسلامي" في مواجهة التحالف الذي تتزعمه روسيا.
وانسياقاً من أدوات أميركا الدمى في تسعير الفتنة المذهبية في المنطقة فقد نقلت وسائل الإعلام بتاريخ 30/12/2015 أن 40 عضواً في البرلمان البحريني وافقوا على مذكرة قدمها 5 من زملائهم إلى رئاسة المجلس، تدعو للاعتراف بالأحواز "دولة عربية محتلة". وتدعو المذكرة إلى اعتبار الأحواز وهي عاصمة ومركز محافظة خوزستان من الأقطار العربية التي تقع شرق الوطن العربي، وتصف شعبها بكونه "عربياً يخضع للاحتلال الإيراني".
وقد أثار هذا الأمر حفيظة النظام الإيراني، الذي دفع وسائل إعلامه إلى مهاجمة البحرين والسعودية باعتبارهما يقفان خلف هذه المذكرة البرلمانية. فقد أوردت وكالة فارس نيوز التابعة للحرس الثوري تقريراً بهذا الشأن تحت عنوان "الأحواز تتعرض إلى هجمة سعودية بحرينية".
وفي المحصلة يجب أن لا ننسى أن النظامين السعودي والإيراني تابعان لأميركا، وهما يتفقان في خدمة المصالح الأميركية ومخططاتها المتعلقة بضرب الإسلام والمسلمين وتقسيم بلادهم. وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري بينهما لكنهما مجرد أدوات في يد أميركا التي دفعتهما لخوض حروب في اليمن وسوريا والعراق نيابة عن أميركا من أجل انجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير في تفتيت الأمة طائفياً وعرقياً ومذهبياً.
أيها المسلمون..
إن ما أقدمت عليه السعودية من قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران بحجة الاعتداء على مقار بعثتها الدبلوماسية ليس سوى ذريعة من أجل التغطية على ما تشهده المنطقة من حروب إعلامية وعسكرية تؤجج أميركا ومعها أوروبا نارها بين المسلمين على أساس الصراع بين "السنة" و"الشيعة" بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المسلمين الطويل.
أيها المسلمون..
إن أميركا قد نجحت هي وملحقاتها من دول أوروبا وروسيا في تركيز نفوذها وهيمنتها على المنطقة من خلال سياسة مكافحة "الإرهاب" واشعال الحروب بين المسلمين على أسس عرقية (عرب وكرد وترك وفرس) ومذهبية (سنة وشيعة) من أجل تقسيم المسلمين على مقتضى خريطتها الجديدة للشرق الأوسط والتي ستنهي بها اتفاقية "سايكس بيكو" للعام 1916.
وقد بات واضحاً منذ انطلاق خديعة الربيع العربي في العام 2011 أن أميركا بمساعدة حلفائها قد أدخلت المسلمين في حروب وصراعات تريد من ورائها الإمعان في تفتيت الأمة وصرفها عن قضاياها المصيرية وتضليلها عن أعدائها ومخططاتهم في استعمارها ونهب ثرواتها ومنعها من توحدها وإقامة دولتها.
وإنه من أشد المصائب أن تبقى الأمة غافلة عن كيد أعدائها لها واستغلالهم لغفلتها القاتلة التي أزهقت فيها مئات الآلاف من الأنفس ودمرت بها البلاد وشرد الملايين، رغم كل ذلك الوضوح في دفع الكفار للأمة للاصطراع فيما بينها بل ووضوح تغذيتهم استعداء بعضها على بعض، وقدرتهم على إنهاء النزاع بين أبناء الأمة بكل سهولة لو شاؤوا ذلك، فالقرار الدولي بأيديهم، وصياغة القرارات التي من شأنها إنهاء الصراع بأيديهم، ولكنهم بكل بساطة يحولون دون أي تصرف لوضع حد للصراع بل هم معنيون باستمراره وتأجيجه.
أيها المسلمون..
لقد آن الأوان لإنقاذ أنفسنا قبل أن تحدث كوارثُ أشدُّ وأكبرُ، وآن لكل صاحب نفوذ وقوة أن يضغط من أجل منع أي احتراب جديد، بل والعمل على إنهاء ما يجري من سفك الأمة لدمائها. وآن لكل مخلص من أصحاب الرأي أو الإعلاميين أو المحاضرين أو الخطباء أن يقف في وجه مشروع أميركا المدمر للأمة، ووجه أدواتها الرخيصة وأذنابهم الذين يذهبون بالأمة نحو الهاوية بالعمل الدؤوب لرفع مستوى التفكير عند من بقي غافلاً من أبناء الأمة وتنبيههم أن المؤامرة عليهم في أخطر أدوارها إن لم يتداركوا أنفسهم ويديروا ظهورهم لكل ناعق بالفتنة المذهبية والعرقية التي ما يزالون يكتوون بنارها نتيجة الغفلة والجهل الذين يستغلهما الكفار بدهاء وحقد شديدين.
إن الكفار يسعون لانهاك الأمة واندثارها وانهيار مشروعها؛ إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وقد سبق أن أرعبتهم صحوة الأمة فعمدوا إلى كل تلك الفتن ليبعدوا الأمة عن دينها ومشروعها الذي به تعود عزتها ومكانتها بين أمم الأرض، وليضعفوها بقتل أبنائها وتشريدهم وتفتيت بلادهم التي سبق أن نجحوا بتقسيمها بعد تشويه مشروعها والتنفير من إسلامها حتى لا يقوم لها قائمة لا قدر الله. فهل يبقى أبناء الأمة أدوات طيعة بأيدي الكفار يتلاعبون بمصيرهم ويوصلونهم الى المهالك وهم ينظرون؟!
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}
28/ربيع الأول/1437هـ حزب التحرير
9/1/2016م