مشاهدة النسخة كاملة : العدد السادس عشر من مجلة صوت الأمة
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:05 PM
الافتتاحية
سؤال ينبغي أن يُجاب عليه بكل جرأة
هل تتلخص قضايا الأمة ومشاكلها في عداء دول الكفر للأمة الإسلامية بل وحقدها ولؤمها في التعامل مع الأمةالإسلامية؟ أم أن هناك بساطة تصل حد البلاهة تسيطر على عقول أبناء الأمة حتى ينقادوا إلى من انحازوا إلى صف أعدائها من العملاء والخونة وبعض أصحاب المصالح النفعية الضيقة الذين آثروا مصالحهم الضيقة على مصالح أمتهم؟!
لا شك أن أعداء الأمة الإسلامية في مجملهم يملؤهم الحقدُ على خير أمة أخرجت للناس، بدوافع تتعلق بمعتقدات الأمة التي تخالف معتقداتهم، أو دوافع مصلحية حسداً من عند أنفسهم بما حظيت به بلاد المسلمين من موارد، ولذلك فإن صراعهم الذي ¬يأخذ أشكالاً عديدة هو صراع دائم {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، رغم أن الإسلام هو دين الهدى، والمسلمون جرى تكليفهم من الله لينيروا طريق الكفار المظلم بنشر الحق الذي جاءت به رسالة الإسلام التي تعالج مشاكل الإنسان.
ولكن أعداء الله يستغلون حالة غياب الوعي السياسي بخاصة عند الأمة سذاجة كثيرين من أبنائها بواسطة أدواتهم الذين قاموا ببثهم بين صفوف الأمة لينفذوا بواسطتهم ما يخططونه من أجل الكيد لأمة الإسلام؛ بغية إيصالها إلى حالة من الضعف الشديد بانهاك قواها المادية، حتى وصل الحال إلى تسخير الأمة للاصطراع مع نفسها بدل الصراع مع أعدائها، وتحقيق غايات أعدائها على أحسن ما يبتغيه الكفار، حتى دون إراقة قطرة دم لكافر. وقد سبق للورنس العرب أن قال أنه خاض ثلاثين معركة ضد الدولة العثمانية لم ترق فيها قطرة دم جندي إنجليزي واحد.
وما سبق للورنس أن فعله يتكرر حالياً وبجهل وهمجية منقطعتي النظير، حيث سُخِّرت الأمة من قبل الأميركان فقتل أبناؤها بعضهم بعضاً على المذهب أو العرق أو لأسباب أخرى. ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء التفكير بأن من يتلقون منهم المال والسلاح هم أدوات طيعة بيد أميركا والغرب الكافرين. ولم يلفت نظرهم أن السلاح يحقق فقط بقاء حالة التوازن التي تطيل أمد الصراع ولا تحسمه حتى يطول الصراع إلى أقصى مدى ممكن والخاسر الوحيد فيه بكل المقاييس هو الأمة! ليتحقق ضعفها حتى لا تقوى على النهوض ودفع صولة أعدائها لعقود قادمة.
ولا يقتصر إضعاف الأمة على وسيلة واحدة؛ بل إن أميركا والغرب الكافرين يسيران بالأمة إلى الهاوية بكل ما يملكونه من وسائل وأساليب، ومن ذلك إعادة إنتاج خرائط سايكس وبيكو؛ لتزداد فرقة الأمة ويزداد احترابها وتقطيع أوصالها، ولزيادة تفتيت بلاد المسلمين، وهو ما يتم تنفيذه حالياً في العديد من مناطق العالم الإسلامي، وهو موضع اهتمامنا في هذا العدد الجديد من المجلة حيث تم إفراد أكثر من نصف حجمها لملف تقسيم بلاد المسلمين .
وكل ما سبق يصاحبه حرب أعتى على صعيد فكر الأمة وغايتها للانعتاق من سيطرة الغرب وهيمنته على كل أنظمة الحكم في بلاد المسلمين. ويزداد الخطر بتسخير نفر من أبناء الأمة لتشويه صورة الإسلام بممارسات هي أبعد ما تكون عما جاء في الكتاب الكريم وهدي رسولنا الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالمحصلة فإن الأمة إن لم تتدارك نفسها، وتمعن التفكير في واقعها وما أوصلها إليه أعداؤها، فإنهم سيستمرون بالسير بها إلى مصير أشدَّ سواداً إن استمر الحال على ما هو عليه لا قدر الله.
نعم إن لم تدرك الأمة حقيقة أعدائها وما يكيدونه لإغراقها في بحور من الدماء، وزيادة تفكيكها، وخراب البلاد بعد قتل العباد، إن لم يحصل كل ذلك، وتنقذ نفسها بالوعي على مكائد أعدائها وفتَنِهم وتبتعد عن الوقوع في تلك الفتن فإن الدم والخراب والجوع وفقدان الأمن سيعم بلاد المسلمين لا قدر الله.
وإن تداركت الأمة نفسها وعرفت سبيل الخروج من قبضة أعدائها وردت كيدهم إلى نحورهم، وتوحدت في كيان واحد، يطبق الإسلام في الداخل ويحمله إلى الخارج، فحين ذاك سيفرح المؤمنون بنصر الله بعد اعتصامهم بحبله المتين، وحينئذ ستنزل السماء ببركاتها وتخرج الأرض خيراتها، وسيكون للأمة الأمن الحقيقي الذي ما بعده أمن {أولئك لهم الأمن} وسيتحقق في أعداء الله وعيده لهم {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:06 PM
لا يخفى على أي متابع أن الأمة الإسلامية اليوم تعيش في أحلك أيامها وفي أصعب ظروفها، وقد تكالب عليها القريب والبعيد. وقد أحكمت المخططات وحِيكت المؤامرات لإبقاء هذه الأمة عاجزة عن أن تصحح أوضاعها وتتولى أمورها بنفسها. فبعد أن أشغلوها عشرات السنين بقضية فلسطين، أشغلوها عشرات أخرى بقضية العراق، ثم بقضية "الحرب على الإرهاب" ثم بقضية "مشروع الشرق الأوسط الكبير" وجميع هذه الإشغالات، بل قل هذه المؤامرات، هو إبعاد للأمة عن قضيتها المركزية لتنشغل بقضايا أخرى تبقيها في دوامة الصراع مع هذا الغرب الكافر، ولكنه صراع غير متكافئ ففي الوقت الذي ينظر إلينا الغرب كأمة واحدة، يتعامل معنا كأجزاء متفرقين، بل ويسعى إلى تكريس هذه التجزئة وهذا الانفصال بتركيز العدواة بيننا ما وسعه إلى ذلك من سبيل.
إن قضيتنا المركزية ليست فلسطين ولا العراق ولا سورية ولا مصر، بل هذه قضايا مصيرية ناتجة عن القضية المركزية وهي قضية إيجاد الإسلام في معترك الحياة. وأي عمل لغير هذه القضية هو إشغال للمسلمين وتطويل لأمد بقاء الكفار جاثمين على بلادهم.
أما ما يتعلق بالقضايا المصيرية المتفرعة عن القضية المركزية كقضية سورية وقضية العراق وفلسطين، فإن العمل المنتج الوحيد لحل هذه القضايا هو العمل في بلد أمانه بيده ومتحرر من الوجود العسكري للكفار ولديه مقومات الدولة ليكون نواة لدولة الإسلام بالعمل الجاد والفعال لصهر الناس بالإسلام عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ينظم جميع شؤون الحياة. بحيث يجري العمل عليها، وتحضير هذا البلد بتحضير أهله وقواهم لنصرة الإسلام، وإقامة الدولة الإسلامية التي تأخذ على عاتقها ضم ما تبقى من البلاد إلى كيانها، والعمل على تحرير المحتل منها بطرد قوى الاحتلال منها.
وأما موقف المسلم في سورية تحديداً فإنه عليه أن يدرك أن القتال الدائر فيها هو بين نظام مجرم يدير معركة يقتتل فيها المسلمون وتُدمر فيها بلادهم وتُستنزف فيها قواهم، ويشرف على هذه الحرب القذرة هذا العدو الماكر الذي يتربص بالمسلمين الدوائر، وهو الغرب الكافر ومعه روسيا، حيث يقومون بتطويل أمد الأزمة لزيادة إضعاف النظام ومعارضيه؛ ليفرضوا عليهم إملاءاتهم، ووضع خارطة طريق نحو قيام دولة علمانية على أنقاض النظام العلماني البعثي الجاثم على صدر المسلمين في سوريا. فإذا أدرك المسلم ذلك أدرك مكانه وموقعه في هذه المعركة، فهو لا ينحاز لنظام علماني بعثي كافر يقتل المسلمين، ويضرب بعضهم ببعض. كما لا ينحاز لمعارضة تعلن جهاراً نهاراً علاقتها بعدو هذه الأمة الماكر وتستجديه أن يتدخل عسكرياً أو أن يمدها بالأسلحة النوعية. وهذا لا يعني أن يقف المسلم محتاراً ماذا يصنع، بل عليه العمل على وقف إراقة الدماء إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، وله أن يدفع عن نفسه وأهله وماله حال مداهمته من أي صائل على حرماته ومن أي جهة كان. وإن لم يستطع أن يدفع عنهم فلينجو بهم إن استطاع. ويبقى عمله الدائم ووظيفته الأصلية أنه جندي من جنود الإسلام يعمل لعودته بإقامة دولة الإسلام. هذا هو المطلوب من ناحية شرعية.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:09 PM
ملف تقسيم المنطقة (1)
خطة دي مستورا وتقسيم سوريا
لقد بات الحديث عن تقسيم سوريا والعراق من قبل مسؤولين في الإدارة الأميركية يتم بشكل علني لا مواربة فيه. ومع ذلك فإن هذه التصريحات لم تصدر من البيت الأبيض أو من وزارة الخارجية حتى لا تبدو وكأنها تصريحات رسمية. وفوق ذلك فإن سياسة أميركا في تنفيذ كثير من مخططاتها المتعلقة بتقسيم البلاد الإسلامية باتت تمر عبر منظمة الأمم المتحدة ومبعوثييها الدوليين الذين أصبحوا أحد أهم أدوات أميركا في إضفاء الصبغة الدولية على مؤامراتها الإجرامية في حق الإسلام والمسلمين. وفي هذا السياق تتنزل ما بات يعرف بخطة المبعوث الأممي دي مستورا التي يجري إعدادها تحت غطاء التسوية السياسية وهي في حقيقتها مشروع لتقسيم سوريا.
فقد أعرب مجلس الأمن الدولي بتاريخ 17/8/2015 عن تأييده لمبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف. ويعد بيان مجلس الأمن الدولي أول وثيقة له صدرت بالإجماع بشأن التسوية السورية. ومما جاء في بيان مجلس الأمن أنه دعا إلى وضع حد للحرب من خلال "إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري". وحسب البيان فإن المرحلة الانتقالية تتضمن "تشكيل هيئة قيادية انتقالية مع سلطات كاملة، على أن تشكل على أساس تفاهم متبادل مع تأمين استمرارية عمل المؤسسات الحكومية".
وتنفيذًا للمبادرة فقد تم تشكيل 4 مجموعات عمل تغطي أربعة مجالات هي: "السلامة والحماية بما في ذلك إنهاء الحصار وضمان وصول المساعدات الطبية، والمسائل السياسية والدستورية مثل إنشاء هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات، والمسائل العسكرية والأمنية بما في ذلك مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار، والمؤسسات العامة والتنمية مع التركيز على إعادة إعمار البلاد".
الدعم الدولي للمبادرة
ومن الجدير ذكره أن بيان المبادرة قبل مباشرة تنفيذها بتعيين رؤساء اللجان قد اشتركت في صياغته الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، في أعقاب تقرير قدمه وسيط الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في أواخر تموز/يوليو الماضي. وجاء اقتراح دي ميستورا بدعوة الأطراف المتحاربة في سوريا إلى المشاركة في مجموعات العمل الأربع التي ترأسها الأمم المتحدة؛ لأن هذه الفئات ليست مستعدة بعد لعقد مباحثات سلام رسمية. ولذلك جاءت هذه المبادرة كحل وسط من أجل "مفاوضات سياسية وانتقال سياسي" على أساس بيان جنيف، الذي هو بمنزلة خارطة طريق تبنتها القوى العالمية في حزيران/يونيو من عام 2012، وتدعو إلى انتقال سياسي بالرغم من أنها لم تحسم مسألة دور الرئيس بشار الأسد في هذه العملية السياسية كلها.
وعليه فإن مبادرة دي مستورا حظيت بدعم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي التي صاغت بيانه بالإجماع إلى درجة أن مساعد الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، ألكسي لاميك، وصف هذا التفاهم حول المبادرة من أجل محادثات سلام في سوريا بأنه "تاريخي". وقال: "للمرة الأولى خلال عامين، يتوحد مجلس الأمن ويوجه رسالة دعم لعملية سياسية في سوريا". ومن هنا تنبع خطورة مبادرة دي مستورا ليس فقط من جهة التصريحات التي رافقتها بل أيضًا من ناحية التحركات السياسية التي سبقتها وأعطتها زخمًا دبلوماسيَّا وإعلاميًّا.
الدور الروسي
يبدو واضحًا أن روسيا تتولى القيام بدور كبير بالتعاون مع أميركا في الترويج والتنفيذ لهذه العملية السياسية بحكم أنها تقف ظاهريًّا إلى جانب النظام السوري مع أنها تقوم بذلك من أجل مصالحها الإقتصادية ووجودها العسكري في طرطوس، وكذلك لأن لها علاقات مفتوحة مع كل أطراف الصراع. وفي هذا السياق تفهم مبادرة روسيا في أواخر حزيران/يونيو الفائت بالدعوة إلى قيام تحالف دولي جديد لمحاربة تنظيم "داعش" يضم تركيا والعراق والسعودية بالإضافة إلى النظام السوري، ويفهم كذلك تعزيز الوجود العسكري الروسي على الساحل السوري.
والحقيقة أن فلادمير بوتين استغل المبادرة الروسية كمجرد واجهة لتمرير خطة دي مستورا، فقام بدعوة قادة كل من السعودية وتركيا والعراق وسوريا وإيران وجماعات المعارضة السورية والأكراد إلى مفاوضات مشتركة لوضع حد للقتال وإعادة الأمن إلى سوريا.
وقد أوضح سيرغي لافروف لاحقًا أن المبادرة الروسية التي طرحها الرئيس بوتين بهذا الشأن لا تتعلق بتشكيل حلف عسكري بالمعنى التقليدي للكلمة. فالحديث بالنسبة لروسيا لا يدور حول تشكيل قوة مشتركة بقيادة موحدة ترسل إلى منطقة النزاع، بل عن تنسيق جهود جميع الأطراف الموجودة في منطقة النزاع لكي يركز الجميع على الهدف الرئيسي المتمثل في"محاربة الإرهاب".
وخلال الفترة الماضية وقبل اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة الأخير في 28/9، عقد الرئيس الروسي فلادمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف لقاءات كثيرة مع أغلب الفاعلين الرئيسيين في الأزمة السورية من أجل إنجاح مبادرة دي مستورا. ويبدو أن من أهم نقاط الخلاف هي ما إذا كان الأسد سيظل رئيسًا للدولة السورية الكونفدرالية أو سيُعزل من منصبه، وهو ما تريده السعودية وتركيا والولايات المتحدة من أجل إقناع المعارضة بالمشاركة وإيهام الرأي العام في سوريا أن هناك تغييرًا قد حصل بعد كل القتل والتهجير والدمار.
محادثات لافروف في الدوحة
فأثناء المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الدوحة مع نظرائه القطري والأميركي والسعودي يوم 3/8/2015، اعتبر لافروف أن تنظيم "داعش" هو أكبر تهديد للمنطقة. وقال الوزير بهذا الخصوص: "نعم، نحن نقدم دعمًا عسكريًا تقنيًا للحكومة السورية في مواجهتها لهذا التهديد... ولدينا أسباب للاعتقاد بأنه من دون هذا الدعم لكانت مساحة الأراضي التي يسيطر عليها هذا الكيان الإرهابي، أكبر بمقدار مئات آلاف من الكيلومترات المربعة". كما أكد لافروف نية موسكو التشاور مع دول أخرى تشارك في العملية التفاوضية وتتمتع بتأثير على أطراف سورية مختلفة. وقال: "أنا أقصد قطر وتركيا ومصر والأردن وإيران.. إن غياب التفاهم بين اللاعبين الخارجيين الذي يحظى كل منهم بنفوذ لدى هذا الطرف أو ذاك، فمن الصعب أن ننتظر أن تكون للعملية السياسية بداية جدية وأن تكون هذه العملية ثابتة وناجحة".
المحادثات الروسية السعودية
وبعد أسبوع فقط من هذا اللقاء الرباعي أجرى لافروف في موسكو بتاريخ 11/8/2015 محادثات مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بخصوص مبادرة بوتين. وقال لافروف في المؤتمر الصحفي المشترك: "أنا واثق من أننا سنواصل بحث المبادرة، وقد تم تحقيق نتائج أولية محددة". وأضاف: "لدينا موقف متطابق من ضرورة توحيد الجهود في مكافحة الخطر الذي يهدد الجميع والمتمثل في تنظيم "داعش" وجماعات إرهابية أخرى. إنه خطر واقعي على روسيا وعلى المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة وخارجها".
ثم ربط لافروف بين مبادرة بوتين والتسوية السياسية في سوريا مما يؤكد مرة أخرى أن روسيا ليست سوى جزء من اللعبة الدولية التي تديرها أميركا في ترويض الشعوب والتحكم بالدول من خلال فرية "محاربة الإرهاب". فذكر لافروف أن روسيا والسعودية نسقتا خطوات عملية لتسوية الأزمة السورية، وأن الطرفين اتفقا على تنسيق الخطوات العملية لاستئناف الحوار السوري-السوري الشامل برعاية دي ميستورا. وقال وزير الخارجية الروسي بالحرف: "يكمن موقفنا في ضرورة أن يقرر السوريون أنفسهم جميع مسائل التسوية بما في ذلك ملامح المرحلة الانتقالية والإصلاحات السياسية. ولقد سُجّل في بيان جنيف أن هذه المسائل يجب أن تحل عن طريق التوصل إلى توافق واسع بين الحكومة وجميع أطياف قوى المعارضة". وأضاف أن إحدى النتائج العملية للقائه مع الجبير تتعلق بالاتفاق على المساهمة في توحيد صفوف المعارضة على أساس قاعدة بناءة توضح رؤية قوى المعارضة لمستقبل البلاد، وتسمح بإجراء الحوار بصورة فعالة في إطار تعده الأمم المتحدة حاليًا.
أما وزير الخارجية السعودي فقد تمسك بمبادئ بيان جنيف واحد، بما في ذلك توحيد صف المعارضة السورية على أساس قاعدة بناءة والحفاظ على مؤسسات الدولةالسورية. وقال الجبير أنه يجب الحفاظ على الجيش السوري واستخدامه في حرب "داعش" بعد رحيل الأسد. وقال الجبير: "نعتقد ونؤمن أن نظام بشار الأسد وبشار الأسد نفسه انتهى. إما يرحل بعملية سياسية أو ينتهي بسبب العمليات العسكرية. ونحن نأمل في أن يستطيع المجتمع الدولي أن يجد وسيلة لإخراج بشار الأسد عبر عملية سياسية تقلص سفك الدماء في سوريا وتقلص الدمار في سوريا وتحافظ على المؤسسات الحكومية والعسكرية في سوريا".
وعليه فإن ما يقتضيه توحيد صفوف المعارضة الذي تحدث عنه كل من لافروف والجبير أن يتم اضعاف قدرات بعض قوى المعارضة التي ترفض السير في العملية السياسية، أو يصعب جعل المنتمين إليها يتقبلون السير في العملية السياسية، ويبدو أن مثل هذه المهمة قد أسندت للقوة الجوية الروسية وإن لزم الاشتراك في تدخل بري محدود بالاتفاق مع الأطراف الداعمة لقوى المعارضة السورية، وهذا ما يفسر الضربات الكبيرة والمتلاحقة لمواقع جبهة النصرة وأحرار الشام في حماه وإدلب وغيرها من المواقع منذ عدة أيام.
اللقاء الروسي مع وزير الخارجية الإيراني
ومن اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الروسي لقاؤه في موسكو بتاريخ 17/8/2015 مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف حيث أكد لافروف: إن جميع اللاعبين الخارجيين والإقليميين يتفقون حول ضرورة أن يكون الحل في سوريا سياسيًا، على الرغم من بقاء بعض الخلافات، لا سيما فيما يخص مصير الرئيس بشار الأسد. وأوضح أن موسكو ترفض توجه بعض شركائها في الغرب والخليج إلى مطالبة الأسد بالرحيل كشرط مسبق لبدء التفاوض. وقال: "إننا ما زلنا متمسكين بالقاعدة المتينة المتمثلة في بيان جنيف الصادر في 30 يونيو/حزيران عام 2012، والذي ينص على حل جميع مسائل الأزمة السورية عبر مفاوضات بين الحكومة السورية ووفد للمعارضة يمثل جميع أطياف خصوم القيادة السورية. كما أن البيان يؤكد أن أية اتفاقات بشأن الخطوات الانتقالية والإصلاحات.. يجب أن تتخذ على أساس توافق بين الحكومة وخصومها". واعتبر لافروف أن على اللاعبين الخارجيين المشاركين في تسوية الأزمة السورية، الكف عن "التظاهر بأن المنظمة الوحيدة فقط للمعارضة السورية والتي قدمها ما يسمى بالمجتمع الدولي، تتمتع بالشرعية الكاملة". وأضاف أنه يجب تشكيل وفد للمعارضة يمثل جميع أطيافها، وستتمثل مهمة هذا الوفد في وضع قاعدة بناءة دون أية شروط مسبقة لإجراء المفاوضات مع وفد الحكومة الشرعية في سوريا".
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:13 PM
اللقاء الروسي مع وفد المعارضة السورية
وقبل ذلك بأيام التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية خالد خوجة الذي سبق وأعلن رفضه اقتراح الكرملين تشكيل ائتلاف جديد ضد "الإرهاب" يضم الجيش السوري. وقال لافروف في بداية لقائه خالد خوجة "لدينا جميعًا مصلحة في قطع الطريق على الإرهاب ، والأهم الآن هو في تحويل هذه الرغبة إلى أفعال ملموسة ومنسقة".
وبعد لقائه مع خوجة استقبل لافروف وفدًا من تجمع مؤتمر القاهرة برئاسة هيثم مناع، بالإضافة إلى الدبلوماسي المصري رمزي عز الدين رمزي مساعد المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا. والتقى لافروف أيضًا صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، الذي أعلن عن إدارة ذاتية مؤقتة للأكراد في شمال سورية والتي هي بمثابة مقدمة حكم ذاتي كردي على طول الحدود التركية مع سورية. ومن الواضح أن الروس يسعون بالنيابة عن أميركا في التمهيد لتسوية سياسية ترعاها الأمم المتحدة، ظاهريًا من أجل تقاسم السلطة وحقيقة من أجل تثبيت مواقع كل طرف على الأرض وبخاصة بالنسبة لنظام بشار الأسد الذي لم تعد له سيطرة فعلية إلا على نحو 20 في المائة من الأراضي السورية.
الأمم المتحدة وتقسيم سوريا
وتلعب الأمم المتحدة بالنيابة عن أميركا دورًا خطيرًا في تثبيت وضع التقسيم داخل سوريا سواء تحت مسمى التسوية السياسية أو إيجاد هدنة بين أطراف الصراع. وأن اقتراح تقاسم السلطة والتسوية السياسية ليست سوى مجرد غطاء دبلوماسي من أجل الجلوس للتفاوض على التقسيم بدليل ما صرَّح به بشار الأسد نفسه في الوقت الذي كان فيه رئيس مخابراته علي مملوك يقوم بزيارة سرية إلى عمان والسعودية وبدليل ما جرى من مفاوضات في الزبداني.
فقد دافع بشار الأسد بتاريخ 26/7/2015 عن جيشه الذي تعرض لانتكاسات خلال الفترة الأخيرة، معتبرًا أنه يواجه نقصًا في الطاقة البشرية وقد يضطر للتخلي عن مواقع بهدف الاحتفاظ بمناطق أخرى أكثر أهمية في الحرب ضد المسلحين. وقال الأسد إن الحديث عن حل سياسي للأزمة "أجوف وعديم المعنى"، ومع ذلك فإنه يؤيد أي حوار سياسي حتى لو كان له أثر محدود على حل الأزمة. وفي نفس الوقت الذي كان بشار الأسد يدلي فيه بهذا التصريح كان علي مملوك يقوم بزيارة إلى عمان والسعودية. فقد ذكر تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أن رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، زار العاصمة العمانية مسقط نهاية تموز/يوليو الماضي، وذلك نقلًا عن مصادر سعودية وأخرى مقربة من الرئيس بشار الأسد.
وجاء في التقرير أنها "المرة الأولى التي تدعو فيها كلّ من السعودية وعمان مسؤولًا سوريًا رفيعًا لمناقشة حلّ سياسي للأزمة السورية"، مشيرة إلى أن زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لمسقط بداية شهر آب/ أغسطس الحالي جاءت بعد زيارة مملوك. ويتابع التقرير قوله أن "مملوك زار مسقط وجدّة لاستكمال مناقشة طروحاته السياسية من أجل إنهاء الصراع في سوريا". وعن زيارة مملوك للسعودية، قالت "فورين بوليسي": إن الحل السياسي الذي طرحه مملوك يقضي بأن توقف السعودية دعم المعارضة المسلحة مقابل انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة، ما سيهيئ الطريق لإنشاء جبهة موحدة لمحاربة تنظيم الدولة، على أن تقوم إيران بسحب كل مسلحيها ومليشياتها من سوريا.
أما بالنسبة لمفاوضات الزبداني فقد دخلت قوات المعارضة بزعامة حركة أحرار الشام في مفاوضات مع ممثلي النظام بتاريخ 12/8 من أجل وقف شامل لإطلاق النار في مدينة الزبداني الخاضعة لسيطرة المعارضة وقريتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب الشمالي. والغريب أن إيران هي التي تولت المفاوضات بشأن المناطق الثلاث بدعوى أن بلدتي الفوعة وكفريا ذات أغلبية "شيعية"، بينما تولت حركة "أحرار الشام" التي لها وجود قوي في الزبداني وفي محيط بلدتي كفريا والفوعة التفاوض نيابة عن المعارضة.
وبعد 48 ساعة من الهدنة الأولى انهارت المفاوضات مع الطرف الإيراني قبل إقرارها بعد ذلك، وكشفت بعض المصادر أن انهيار المفاوضات الأولى سببه إصرار المفاوض الإيراني على خروج العسكريين والمدنيين ليس من مدينة الزبداني وحسب، بل من المدن والبلدات المجاورة لها مثل مضايا وسرغايا وبقين إلى مناطق الشمال السوري، مقابل استيطان سكان بلدتي كفريا والفوعة في مناطقهم. أما وفد حركة "أحرار الشام" الذي كان يمثل المعارضة السورية في المفاوضات، فقد طلب إفراج النظام عن 40 ألف معتقل من سجونه. وقد وافق الوفد الإيراني على ذلك مقابل الشروط الآنفة، لكن وفد الحركة رفض الصفقة بهذا الشكل وعرض خروجاً آمناً للمدنيين والعسكريين في المناطق المذكورة؛ أي الزبداني وجوارها، إضافة إلى كفريا والفوعة، ورفع الحصار عن هذه المناطق بالتزامن.
لقد جرت هذه المفاوضات عبر وسيط من الأمم المتحدة في ظل غياب أي ممثل عن النظام السوري. وكان واضحًا في المفاوضات أن إيران تريد دمشق وريفها في إطار مشروع تقسيم سوريا طائفيًا؛ تمامًا مثلما فعلت في مدينة "القصير" حيث قامت قواتها بتهجير أهالي المدينة ووطنت مكانهم أناسًا من "شيعة" لبنان والعراق.
هل سيجري ضم دمشق للكيان العلوي حال التقسيم
ورغم رغبة إيران في احتفاظ الكيان العلوي بدمشق، إلا أن معارك جديدة أطلقها جيش الإسلام بقيادة زهران علوش بعد صمت طويل بالتزامن تقريبًا مع سريان اتفاق الزبداني الأخير حيث قام بمهاجمة سجن عدرا وسيطر على عدة مواقع محاذية للعاصمة دمشق. ومن المعلوم أن زهران علوش كان يتحدث عن دور جيشه في الحفاظ على مؤسسات الدولة بعد سقوط بشار الأسد. وسبق لعلوش أن أقام استعراضًا عسكريًا يبعد عن القصر الجمهوري سبعة كيلومترات ولم تقم طائرات الأسد بقصفه رغم أن ضخامة عديد جيشه البالغ خمسة عشر ألفاً تشكل خطراً على العاصمة مما يشير إلى وقوف قوة ضاغطة على بشار تمنعه من التعرض لعلوش وجيشه، ولذلك فإنه من المتوقع أن تكون دمشق مستقبلاً خارج نطاق الكيان العلوي، والمرجح أن تكون دمشق عاصمة (مركز) الكونفدرالية السورية قبل التقسيم النهائي للبلاد.
الإرادة الأميركية وراء التقسيم
ومن هنا تأتي مبادرة دي ميستورا تنفيذًا لما تخطط له أميركا بمعونة الدول الكبرى وبخاصة روسيا من العمل على تقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية. فقد بات تقسيم سوريا أمرًا واقعًا بالنسبة لأميركا بعد أن نجحت خلال السنوات الخمس الماضية في زرع أخاديد من العدواة والبغضاء بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين من كانوا أهل ذمة للمسلمين. وفي هذا السياق ذكر السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد في محاضرة له عن الأوضاع في سوريا في أوائل شهر تموز/يوليو الماضي أقيمت في مركز دراسات الشرق الأوسط بواشنطن أن التقسيم في سوريا "بات تحصيلًا حاصلًا"، وأن عدة تصورات بشأن سوريا "ستضع وحدة البلد في مهب الريح".
وقال فورد إن سوريا غدت ذاهبة إلى أن تتحول إلى ست دويلات بلا حدود ثابتة: الدويلة العلوية الممتدة من دمشق إلى اللاذقية مع انفتاح على مناطق سيطرة حزب الله في لبنان، ودويلة جبهة النصرة في منطقة الشمال الغربي في إدلب وجسر الشغور، ودويلة في الشرق تابعة "لداعش" ودويلة كردية في الشمال الشرقي في الحسكة والقامشلي، ودويلة في حلب وضواحيها، ودويلة للجيش السوري الحر في الجنوب كله بما فيه القنيطرة أما العاصمة دمشق فإن وضعها، كما قال السفير الأميركي السابق في دمشق، سيكون كوضع بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية وقت ذروتها.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:14 PM
التقسيم ومشروع الشرق الأوسط الكبير
إن مشروع تقسيم سوريا هو جزء من مشروع تقسيم المنطقة كما تبشر أميركا بذلك فيما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير. وإن ما تريده أميركا في سوريا قد وضحه مايكل أوهانلون الكاتب الأميركي في مقالة كتبها تحت عنوان "تفكيك سوريا: استراتيجية أميركا الجديدة تجاه أكثر الحروب مدعاة لليأس". وقد تحدث الكاتب عن إنشاء مناطق معزولة، لا تكون محكومة من قبل الرئيس بشار الأسد ولا تنظيم "داعش". وكشف الكاتب أن الهدف المرحلي هو إنشاء سوريا كونفدرالية مع وجود مناطق عدة للحكم الذاتي، وقد يتطلب ذلك دعمًا من قوات حفظ السلام الدولية لتوفير الحماية وسيطرة الحكومة عليها، وهذه تفرض حقيقة أن لا رجعة لحكم الأسد أو خلف له. وذكر أن أميركا قد تتغاضى عن تنظيم "داعش" والرئيس بشار الأسد لبعض الوقت، فيما تركز جهودها على إيجاد "مناطق الحكم الذاتي" و"مناطق آمنة" و"سوريا كونفدرالية". وهذا الأمر يشير بأن الهدف الرئيسي من خطة السياسة الأميركية هو تفكيك سوريا إلى وحدات أصغر، بحيث لا تشكل أي تهديد لمشاريع التقسيم في المنطقة ولا على أمن إسرائيل.
وقد بدأت إسرائيل تتعامل مع الوضع الجديد في سوريا كتحصيل حاصل إلى درجة أنها باتت تطلق على الأراضي التي يسيطر عليها نظام بشار اسم "سوريا الصغيرة" وهي في الواقع لا تمثل سوى 20% فقط من كل أراضي سوريا. وتشمل هذه المنطقة العاصمة دمشق وحمص والشاطئ وميناء اللاذقية وطرطوس وجنوب هضبة الجولان. أما جبهة النصرة فهي تسيطر على 10 – 15 % من الأراضي، وتتواجد بخاصة في هضبة الجولان (بما في ذلك القنيطرة) وفي الشمال (إدلب وحلب). أما تنظيم "داعش" فهو يسيطر على حوالي 40% من الأراضي السورية سابقًا، وهي في أغلبها مناطق صحرواية مع الحدود العراقية، وهو يتخذ من مدينة الرقة عاصمة لدولته. أما بالنسبة للأكراد فهم يسيطرون على 15 % من الأرض السورية، وقد نجحوا في إقامة حزام مستقل في شمال شرق البلاد. وما تبقى من من أراضي سوريا فيسيطر عليه عشرات التنظيمات والمليشيات الصغيرة منها من يتبع لما كان يسمى بالجيش السوري الحر.
إن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت المنطقة في بداية القرن الماضي لمصلحة كل من فرنسا وبريطانيا، تعيد أميركا إنتاجها من جديد حسب مصالحها الاستراتيجية. فالظروف الإقتصادية والسياسية والأمنية التي دفعت فيها أميركا المنطقة وحالة الاحتراب التي صنعتها بين أبناء المسلمين بمختلف مذاهبهم وأعراقهم قد أوجدت متغيرات جديدة على أرض الواقع، جعلت من فكرة التقسيم واردة ولها دعاة ومناصرون بعد أن كانت مرفوضة؛ وما يعنيه ذلك من مزيد التفتيت للمنطقة المقسمة أصلًا بسبب مكائد الفرنسيين والإنكليز في القرن الماضي.
إن ما تسعى إليه أميركا في سوريا هو إيجاد كيان اتحادي، أما في العراق فإنها تعمل على إيجاد اتفاق بين "السنة" و"الشيعة" العرب على نوع من الفدرالية أو كونفدرالية فيما بينهم، بينما يتجه الأكراد إلى الإنفصال وتشكيل دولة مستقلة تكون نواة لإنضمام بقية أكراد المنطقة إليها وأولهم أكراد سوريا الذين باتوا يعتبرون ما يجري من أحداث "فرصة تاريخية" يجب اقتناصها.
الترويج لمزايا التقسيم
ولإنجاح مشاريع تقسيم المنطقة تعمل أميركا وعملاؤها للترويج بأن التقسيم سوف يضمن إعادة الهدوء إلى المنطقة بعد أن أوصلت أهلها إلى حالة سئموا فيها العيش في ظل حروب دائمة حيث القتل والتشرد وضياع الأموال والعيال. كما تعمل أميركا عن طريق وسائل الإعلام التي تتحكم فيها للترويج بأن التقسيم نابع من رغبة سكان المنطقة الذين بزعمها لديهم تطلعات قومية بسبب إحساسهم بالظلم الذي وقع عليهم في بداية القرن الماضي بعد سقوط الدولة العثمانية وتقسيم المنطقة على مقتضى اتفاقية سايكس- بيكو. وقد بدأت أميركا وعملاؤها في المنطقة بنشر دعاية إعلامية مفادها بأن أموالًا ضخمة سوف تضخ في الفدراليات الجديدة من أجل إعادة الإعمار بدل خراب الحروب وسفك الدماء الذي أوجدته هي ذاتها وادعت زورًا وبهتانًا أن سببه هو الإختلاف المذهبي والعرقي والطائفي.
وهكذا تعيث أميركا فسادًا وعدوانًا في بلاد المسلمين بشكل مباشر أو من خلال الأمم المتحدة وشركائها الدوليين وعملائها المحليين دون أن تعمل للمسلمين أي اعتبار، وبخاصة بعد موجة الخديعة الكبرى التي انتشرت في الأمة بفعل ما أطلق عليه زوراً اسم "ثورات الربيع العربي". لقد وصل الحد باستعلاء أميركا على المسلمين واستهتارها بالأمة الإسلامية بسبب خيانة حكام المنطقة وانبطاح الفئات الحاكمة فيها أنها باتت تهدد علنًا بتقسيم بلاد المسلمين.
لا يوجد حالة صراع روسي أميركي حول سوريا
أما روسيا بوتين فلا يصح التوهم بأنها في حالة صراع مع أميركا حول سوريا، بل يتضح من نشاطها السياسي وبخاصة في الأشهر الأربعة الأخيرة أنها تتباحث وتنسق مع أميركا وأدواتها في المنطقة، وذلك طمعاً في مصالح اقتصادية وأخرى عسكرية، وقد تكون قد أجرت صفقات سياسية مع أميركا وبخاصة حول أوكرانيا، وسيكون التدخل العسكري الروسي ثمناً للتنسيق مع أميركا التي يبدو أنها ستعمل على تلميع صورتها في المنطقة من خلال إظهار بشاعة التدخل العسكري الروسي لصالح النظام وضد رغبات وتطلعات أهل سوريا للانعتاق من حكم الاسد، بل وضد رغبات معظم الأمة وكثير من دول العالم، كما لا يستبعد أن يجري جرُّ روسيا للتورط في المنطقة رغم تعاونها وتنسيقها مع الأميركان وسيرها عملياً في تنفيذ مخططاتهم، مع ملاحظة أن الروس يُبدون حذرًا شديدًا من التورط، وقد سبق أن صرحوا أنَّ تدخلهم سيقتصر على القصف الجوي وأنَّهم لن يشتركوا في المعارك البرية مع المعارضة السورية.
قوات السلام العربية
وفي الوقت الذي يجري فيه إضعاف بعض قوى المعارضة بواسطة التدخل الحربي الروسي ودعم قوات الأسد بالسلاح الحديث، وتعزيز المليشيات "الشيعية" بمقاتلين جدد وبخاصة من إيران ولبنان، فإن الخطوة الأخرى هي إدخال قوات سلام عربية حسب خطة دي مستورا. وإن كان دخول تلك القوات لن يمنع قتال الفصائل في المنطقة الواحدة فيما بينها وبخاصة في المناطق السنية والتي يبدو أن ترك الفصائل تتناحر فيما بينها يحقق هدفاً مقصوداً في إضعاف "السنة" الذين يتخوف من إمكانية سعيهم لإنشاء دولة إسلامية.
إن ما تخطط له أميركا من حشر أبناء وجنود المسلمين في المنطقة للدخول كـ"قوات سلام" في سوريا، إنما هو لذر الرماد في العيون، والحال أنهم سوف يكونون فعلاً مجرد أدوات لتثبيت عملية التقسيم التي تحملها خطة دي مستورا. فبينما تقوم القوات الروسية والإيرانية ومليشيا حزب الله بتأمين إقليم العلويين، تقوم القوات العربية والدولية التي يريدها دي ميستورا بأمر من أميركا على حماية بقية الأقاليم، في الوقت الذي يقوم فيه "تنظيم الدولة" بحماية مناطقه بنفسه إلى حين ينتهي دوره في كل من سوريا والعراق.
فإلى متى ستبقى الأمة الإسلامية برجالها ومقدراتها مجرد بيادق تحركها أميركا، بل وتسخرها في قتل وتدمير ذاتها حتى بدت الأمة أضحوكة لشعوب وأمم الأرض.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:16 PM
ملف تقسيم المنطقة (2)
علاقة خطة دي مستورا بأزمة اللاجئين إلى أوروبا
إن المدقق في أحداث موجات الهجرة الأخيرة إلى أوروبا وتداعياتها يسترعي انتباهه حجم تلك الموجات الكبير والتغطية الإعلامية الواسعة لها والتي كانت بشكل سينمائي يلفت الأنظار، وكأنه يراد توجيه رسالة واضحة لحكام وشعوب أوروبا بالإضافة إلى شعوب المنطقة مع التغطية على بعض الأمور الأخرى. فالأمم المتحدة التي تتباكى على عذابات اللاجئين في سوريا والبلاد العربية وفي أوروبا ما كانت تستطيع أن تصدر قرارًا واحدًا يمنع بشار الأسد من إلقاء براميل الموت على الناس؛ والسبب أنها أحد أدوات أميركا في تنفيذ مخططاتها.
وبما أن أميركا ترفض إقامة منطقة آمنة أو عازلة في شمال سوريا إلا ضمن شروطها، وهي لا تعمل على إسقاط نظام بشار الأسد أو حصاره بحظر جوي عليه، كما فعلت بصدام حسين في تسعينات القرن الماضي؛ لأنها تريد إقامة كيانات جغرافية وسياسية متعددة في سوريا، كل ذلك جعلها تصدر أزمة اللاجئين إلى دول الجوار في البداية ثم إلى أوروبا حاليًا.
وهذا المنحى الأميركي في التعامل مع أزمة اللاجئين من حرب سوريا خصوصًا يكشف عن تصميمها على تنفيذ خططها السياسية لاعادة صياغة المنطقة. ولو حملت الأمم والشعوب الأخرى كل الأعباء التي تفرضها سيطرة أميركا وتفردها في القرار الدولي. أما المشاعر الإنسانية فهي أبعد ما تكون عن حساباتها وحسابات الغرب الكافر قاطبة وخصوصاً إذا تعلق الأمر بالمسلمين، وإلا لماذا لم تتحرك مشاعر دول أميركا وأوروبا لمئات الالاف من المسلمين في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها وهم يُقتلون في بلادهم من جراء الصراع الداخلي الذي أشعلته أميركا وبمعونة أوروبا الغربية وروسيا لتقسيم بلاد المسلمين وتركيز ديمقراطية الكفر فيها؟!
وأين هي مشاعر الإنسانية الزائفة عند دول الكفر وهم يرون مسلمي سوريا والعراق يلجؤون إلى دول الجوار في تركيا والأردن ولبنان حتى ضجت بهم المخيمات وقدرات تلك الدول الإغاثية؟!
وأين هي مشاعر دول الكفر وهم يرون كل يوم قوارب الموت تبتلع اللاجئين من سوريا وغيرها في البحر الأبيض المتوسط بالألوف خلال السنوات والأشهر الماضية بسبب القتل والجوع والمطاردة على يد حكام وعصابات قتل تتاجر بالإسلام تارة وبالديمقراطية تارة أخرى لحساب دول الكفر وعلى رأسها أميركا؟!
التزامن بين خطة دي مستورا وموجات الهجرة
لقد عملت أميركا على إيجاد تزامن مقصود بين قرب إنطلاق مبادرة دي ميستورا لما يسمى بالتسوية السياسية في سوريا والموجة الكبيرة من الهجرة الجماعية نحو أوروبا. أما الغرض من ذلك فهو إحداث نوع من الضغط على أطراف الصراع السوري قبل بدء المفاوضات وإيجاد دعم دولي وإقليمي لمبادرة دي ميستورا كمقدمة لخداع شعوب المنطقة عندما يحين الوقت لإرسال جنود المسلمين إلى سوريا من أجل تثبيت مخطط التقسيم الأميركي داخلها.
ويكفي للتدليل على ذلك ما صرح به وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قال أنه "مقتنع" بأن دولًا في الشرق الأوسط سترسل "في الوقت المناسب" قوات برية إلى سوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيناقش في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية الشهر الجاري. واستبعد كيري في حديث لشبكة "سي إن إن" في 3/9/2015 الأميركية عن عزم بلاده إرسال قوات برية إلى سوريا، لافتًا إلى "وجود دول هناك في المنطقة (لم يسمها) قادرة على فعل ذلك".
وما صرَّح به وزير الخارجية الأميركي هو عين ما ورد في الخطة التي يحملها دي ميستورا حيث جاء فيها أن هناك ورقة عسكرية تتحدث عن إنشاء قوة ردع عربية إسلامية لحفظ الأمن أثناء الفترة الإنتقالية وإلى حين بناء الجيش السوري. وتقول الورقة العسكرية أن سورية بحاجة إلى 150 ألف جندي عربي وإسلامي سوف تمولهم الأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات بقيمة خمسة مليارات دولار في السنة. ويقترح دي ميستورا أن تتألف القوة من دول مصر والسودان والمغرب والأردن ولبنان وباكستان والصين وتركيا وأندونيسيا وأيضًا من أوروبا وإفريقيا وروسيا.
وفي هذا السياق نلفت الإنتباه إلى أن تحذير وزير الخارجية الأميركي جون كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف يوم 6 أيلول/سبتمبر الماضي من قلق الولايات المتحدة العميق إزاء تقارير تفيد بعزم موسكو تعزيز وجودها العسكري في سوريا، وأن مثل هذا التصرف من شأنه "أن يؤدي إلى تصعيد النزاع وإزهاق المزيد من أرواح الأبرياء وزيادة تدفق اللاجئين، ويعرضها لخطر مواجهة" فهو يربط بين خطر التدخل العسكري الروسي وبين تدفق اللاجئين ويحول الأنظار الى الدور الروسي في زيادة الأزمة بدل العمل على حلها، فهو تصريح مضلل ويتغافل عن أمور أخرى منها:
أولاً، ليس سراً أن هناك قوات روسية تقاتل بجانب جيش الأسد، وأن روسيا تقوم بارسال تعزيزات ومعدات عسكرية لدعم النظام في سوريا، ولها وجود عسكري بارز في طرطوس واللاذقية بعلم وموافقة الإدارة الأميركية. فهذا يدخل ضمن آلية إدارة الصراع الداخلي بين كل الأطراف المتحاربة على قاعدة توازن القوى بما يخدم مشروع التقسيم.
وثانيًا، إن توقيت هذه التصريحات الأميركية التي تزامنت مع انطلاق مبادرة دي ميستورا وخطته العسكرية لإرسال جنود من البلاد العربية والإسلامية يؤكد أنها تصريحات مريبة ويراد منها تضليل شعوب المنطقة وتحفيزها على دعم قرارت عملاء أميركا عندما يحين وقت تكوين القوة العسكرية التي تحدث عنها كيري ووردت في خطة دي ميستورا.
وثالثًا، بعد وصول التعزيزات الروسية، وبدء الضربات الجوية الروسية التي تقصدت في أكثر من 90% من حملتها الجوية فصائل المعارضة التي تجاهر بعض الدول العربية بدعمها باعتبارها معارضة معتدلة، فإن ذلك سيكون دافعًا قويًا لتشكيل القوة العربية البرية التي وردت في خطة دي ميستورا.
وبذلك يتبين أن هناك علاقة وثيقة بين موجات الهجرة الأخيرة وتنفيذ خطط أميركا تجاة سوريا والمنطقة .
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:17 PM
ملف تقسيم المنطقة (3)
الدور المفروض على تركيا لانجاح مخطط التقسيم
لقد بات من المعلوم أنه لا يمكن إنجاح عملية التقسيم في سوريا دون العمل على إقحام تركيا في أتون الحرب السورية وإشغالها بمحاربة تنظيم الدولة تحت مسمى "مكافحة الإرهاب". وهذا ما تعمل عليه أميركا وذلك حتى تعطي فرصة للأكراد بالتوسع والتمدد جغرافيًا وسياسيًا. وعندما أحست تركيا أنها تسير في اتجاه تقوية شوكة أكراد سوريا وتمكينهم من السيطرة على كل الشريط الحدودي بدأت تقوم بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني الذي يلعب دورًا كبيرًا في دعم حزب الإتحاد الديموقراطي من حكم وإدارة مناطق الحكم الذاتي التي أعلنها في الشمال السوري. وهنا لم تجد أميركا بُدًّا من العمل على إرباك الوضع السياسي والأمني في تركيا. فأوعزت إلى حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي بتعطيل عملية تشكيل الحكومة الإئتلافية، ثم أوعزت إلى حزب جبهة التحرير الشعبية الثورية وبدرجة أقل حزب العمال الكردستاني بإدخال تركيا في دوامة جديدة من القتل والتفجير.
وفيما يقوم حزب العمال الكردستاني بتركيز جهده على داخل سوريا من أجل بناء الكيان الكردي هناك، وحتى لا تنهار عملية السلام الجارية بينه وبين الحكومة التركية منذ العام 2012، تم إعادة تفعيل دور حزب جبهة التحرير الشعبية الثورية التركي على ساحة الصراع مع الحكومة التركية.
فهذا الحزب من اليسار الماركسي بجناحيه السياسي والعسكري غير معني بعملية السلام التي لم تتقدم كثيرًا بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. وبما أن غالبية قيادات وأعضاء هذا الحزب هم من علويي تركيا فقد نجح النظام السوري في ربط علاقات وثيقة معه. وفي الوقت الذي تقاتل فيه عناصر من حزب جبهة التحرير الشعبية الثورية إلى جانب النظام السوري، يقوم هذا الأخير بتوفير معسكرات التدريب له استعداداً لتنفيذ عمليات داخل تركيا؛ هذا بالإضافة إلى معسكرات أخرى للحزب في كل من اليونان ولبنان.
وهنا تحاول تركيا تلافي هذا المأزق الذي وضعتها فيه أميركا بإعلان الحرب على حزب العمال وجبهة التحرير الشعبية الثورية في نفس الوقت الذي تقوم فيه ظاهريًا بقتال تنظيم "داعش". لكن ذلك لم يعجب الإدارة الأميركية التي انتقدتها بشدة بزعمها أن إضعاف الأحزاب الكردية في سوريا من شأنه أن يقوي شوكة تنظيم "داعش" ويضعف سياسة "مكافحة الإرهاب". فالأولوية بالنسبة لأميركا هو الحفاظ على الكيان الكردي الناشئ في شمال سوريا وليس القضاء المبرم على تنظيم "داعش". ولذلك فقد سعت بكل قوتها السياسية وعلاقاتها مع الدول والحركات إلى أن تمنع تركيا من تقويض الهدف الاستراتيجي الرئيسي وهو تقسيم سوريا عبر إيقافها عن ضرب مواقع الأكراد في سوريا؛ هذا بالرغم من أن أميركا تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.
وفي محاولة من تركيا لحماية نفسها مما تخطط له أميركا من إنشاء كيان كردي في شمال سوريا، تعمل على إنشاء حزام أمني في شمال سوريا عبر خلق تجمع سكاني سوري مرتبط بها معيشيًا في المناطق الحدودية بينها وبين سوريا وكأنه منطقة تركية عازلة توقف طموح الأكراد بالحكم الذاتي. كما عملت وتعمل تركيا على إقامة علاقات وثيقة مع إقليم كردستان العراق من خلال استثمارها لمبالغ ضخمة بالإقليم وإقامة علاقات تجارية واقتصادية متميزة معه حتى يكون أحد أدواتها في الضغط على الأكراد في قادم الأيام والسنوات لو حصلت أي متغيرات سياسية أو أمنية تهدد حدودها وأمنها.
فتركيا تتخوف كثيرًا من أي تواصل جغرافي بين مناطق الأكراد لأنه سيمكنهم من السيطرة على غالبية الحدود التركية مع سوريا ويوفر لهم تركيز منطقة الحكم الذاتي. وبما أن هذا هو الذي تريده أميركا فإن تركيا تعتبر ذلك تهديدًا خطيرًا لها، فهي قد أكرهت على توجيه ضربات لتنظيم الدولة لأنها تعلم أن ذلك ليس سوى غطاء لتثبيت الوجود الكردي على حدودها. ولهذا السبب فهي تطالب بمنطقة عازلة تمنع الأكراد من ربط مناطق نفوذهم معًا. ولذلك لم تجد تركيا بُدًّا من فتح جبهة ضد حزب العمال الكردستاني لعلمها أن هذا الحزب هو الذراع العسكري لأكراد سوريا حتى ولو أدى ذلك إلى نقض اتفاقية وقف إطلاق النار التي تم توقيعها في نهاية 2012، وما يعنيه ذلك من انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني.
وهذا هو ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 28/7 من أن مواصلة عملية السلام مع الاكراد "مستحيلة" مع استمرار مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شن هجمات دامية على قوات الأمن التركية. وأضاف أردوغان وهو متوجه في زيارة للصين وأندونيسيا: "من المستحيل الاستمرار (في عملية السلام) مع الذين يهددون الوحدة والأخوة الوطنية".
لكن أميركا لم تكتف فقط بمجرد الضغط على النظام في تركيا من خلال التفجيرات وإرباك الحكم فيه، بل عملت على إلزامها بجملة من الإتفاقيات حتى تقيد حركتها في ضرب مواقع الأكراد داخل سوريا. فبعد أن وقعت أميركا مع تركيا في وقت سابق اتفاقًا فتحت بموجبه أنقرة قاعدة إنجرليك الجوية جنوبي البلاد للطائرات الأميركية التي تشارك في شن غارات ضد تنظيم "داعش" في إطار التحالف الدولي، أكدت يوم 25 آب/أغسطس وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة استكملت "التفاصيل التقنية للاتفاق المتعلق بإشراك تركيا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية"، وقالت إن أنقرة ملتزمة بالمشاركة الكاملة بأسرع ما يمكن.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:18 PM
ملف تقسيم المنطقة (4)
أحداث العراق والسير نحو التقسيم
لم يمضِ شهر على تصريحات السفير الأميركي السابق في سوريا حتى أطلق الرئيس السابق لهيئة الأركان في الجيش الأميركي ريموند أوديرنو تصريحات اعتبر فيها أن "تقسيم العراق قد يكون الحل الأمثل لأنهاء الصراع" في المنطقة. وكان أوديرنو قد صرح أمام البنتاغون قبل أن يتقاعد من منصبه بأيام بأن "تقسيم العراق قد يكون الحل الوحيد" لإعادة الهدوء إلى العراق، مشيرًا إلى أن "المصالحة بين السنة والشيعة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم". وأضاف أوديرنو، بكل عنجهية واستعلاء غير عابئ بكيان الأمة وثقافتها، في مؤتمر صحفي في مقر وزارة الدفاع الأميركية أن التقسيم مسألة يعود البت فيها للمنطقة وللساسة والدبلوماسيين، وأنها أمر محتمل الحدوث.
ليس هذا فحسب، بل إن رئيس أركان الجيش الأميركي الجديد جوزيف دنفورد، صرح قائلًا بأن "العراق يمكن تقسيمه لدولتين فقط: للشيعة والأكراد"، مشيرًا إلى عدم إمكانية قيام دولة لـ"السنة" إن تم تقسيم العراق. وفي جلسة موافقة الكونجرس على منصبه كرئيس الأركان في التاسع من تموز/يوليو 2015، رد دنفورد على سؤال تقسيم العراق بقوله إن السنة لا يملكون الموارد الكافية لتشكيل دولة، ما سيكون عبئًا على الحكومة الموحدة، إن تم تشكيلها. وأوضح دنفورد أن "الشيعة" والأكراد أكثر تجهيزًا بكثير من "السنة" إن كانت لهم دول مستقلة، مشيرًا إلى أن القوة البرية الأكثر فعالية في العراق وسوريا هم الأكراد.
ويبدو ما جرى ويجري في العراق من مظاهرات واعتصامات تدخل في سياق تحضير الأرضية لإجراء حوار جدي بين حكومة العبادي وممثلي "السنة" من أجل إرساء نظام الأقاليم في المناطق "السنية" و"الشيعية"، وهي المقدمة نحو الفدرالية. إلا أن ذلك يجب أن يسبقه عملية تجميل مسرحي يتعلق بطي صفحة نوري المالكي عبر تحميله مسؤولية ما حصل في الموصل والتظاهر بمقاومة الفساد عبر إحداث تغيير شكلي على مستوى وزارة العبادي حتى يعطيه ذلك مصداقية في أي عملية تفاوضية قادمة.
ولعل أكبر دليل على ذلك هو تصريحات البنتاغون بشأن الأحداث الجارية في العراق. فقد أبدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية، أليسا سميث، تأييد الوزارة للإجراءات التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإصلاح الحكومة ومعالجة الفساد. وقالت متحدثة البنتاغون في تصريحاتها إن هذه الإقتراحات حصلت على دعم سياسي وشعبي واسع النطاق. وتابعت "مع الإشارة إلى أن هذا المسار مسألة داخلية عراقية، لكننا ننوّه بمبادرة العبادي لتعزيز وتحسين الخدمات الحكومية والشفافية، ما يهدف إلى تعزيز وحدة العراق، بما في ذلك مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية".
فهذا التصريح مع دعوة المرجعية الشيعية إلى مقاومة الفساد وإصلاح القضاء وتصريحات مقتدى الصدر الداعمة للتحركات الشعبية، كل ذلك يؤكد أن المظاهرات التي تركزت هذه المرة في مدن الجنوب ليست سوى تحركات مصطنعة يُراد منها تقوية موقف رئيس الوزراء العبادي داخل حزبه وهو حزب الدعوة الذي ينتمي إليه نوري المالكي نفسه وداخل الأوساط الشيعية وكذلك على مستوى الرأي العام في العراق.
وبتقوية موقف العبادي تستطيع أميركا أن تجعله رأس حربة في تنفيذ مشروع الأقاليم والفدرالية كما صرح بذلك أكثر من مسؤول أميركي. وبعد أن نجح العبادي في القيام بحزمة من الإصلاحات في الحكومة والبرلمان ونجح في تمكين البرلمان من إحالة تقرير إلى القضاء بشأن مسؤولية نوري المالكي عن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" مع عشرات المسؤولين الآخرين، فإنه من المتوقع أن يحقق شيئًا من الإنتصارات على تنظيم الدولة "داعش" يستطيع من خلالها توفير فضاء جغرافي لجزء من "سنة" العراق يقيمون فيه إقليمهم الذي وعدتهم به أميركا وتشجعهم عليه السعودية وقطر عبر وعودهما بضخ الأموال من أجل إعمار البنية التحتية وتوفير فرص العمل.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:21 PM
ملف تقسيم المنطقة (5)
القوات العربية في اليمن ومشروع التقسيم
منذ بداية أيلول/سبتمبر تم الإعلان عن دخول قوات من التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلى اليمن من أجل دعم وجود حكومة خالد بحاح في عدن وتأمين المحافظات الجنوبية من هجوم قوات الحوثي وعلي عبدالله صالح. فقد ذكر نايف البكري محافظ عدن لـ"الشرق الأوسط" بتاريخ 5/9 "عن وجود لواء عسكري سعودي وآخر إماراتي بكامل تجهيزاتهما العسكرية، (أي ما يفوق 8 آلاف جندي) في العاصمة اليمنية عدن يعملان وفق استراتيجية واضحة لدعم الجهود العسكرية والأمنية، كذلك الحفاظ على الانتصارات التي تحققت في الآونة الأخيرة، من خلال إقامة حزام أمني على المدينة ومحافظاتها".
وقد تم الإعلان في بداية أيلول/سبتمبر أن القوات البرية التابعة للتحالف العربي سوف تتمركز في الجوف وصعدة وحجة ومأرب. وكان واضحًا أن الغرض من وراء ذلك هو تخفيف الضغط على عدن وتعز وتقليل سقوط القذائف على السعودية، وأخيرًا من أجل اتخاذ هذه المناطق نقاط انطلاق لاستعادة السيطرة على صنعاء إذا ما تم ذلك.
لكن هذا التقدم لقوات التحالف والقوات الموالية لعبد ربه منصور هادي يلاقي مقاومة كبيرة ومعارك طاحنة من جانب قوات صالح والحوثي خصوصًا في مدينة تعز التي تعتبر بوابة العاصمة صنعاء وفي محافظة مأرب لما تحويه من نفط ولأهميتها الإستراتيجية في استعادة صنعاء وقطع الطريق على إمداد الحوثي وصالح.
إلا أن معركة استعادة صنعاء الجاري الحديث عنها لن تكون بالأمر الهيِّن، وبخاصة بعد أن توالت الأنباء في الفترة الأخيرة عن سقوط العشرات من جنود التحالف العربي وبخاصة من الإمارات والسعودية في معارك عدن وتعز ومأرب.
ولذلك فإنه من المتوقع أن تكون معركة صنعاء هي الأعنف من نوعها لو تمت بعد أن تسربت المعلومات أن قوات صالح والحوثي في حالة تأهب قصوى. فقد سحبوا مقاتليهم من الشوارع وحفروا الخنادق على مداخل العاصمة وبخاصة على الجبهة الشمالية. هذا بالإضافة إلى أن صنعاء مدينة مكتظة بالسكان ومليئة بالثكنات ومخازن السلاح في الجبال؛ وهذا ما يصعب من مهمة السيطرة عليها من قبل قوات التحالف وقوات هادي.
لكن السؤال الملح هنا هو: هل ستقع فعلًا معركة صنعاء؟ وإذا ما وقعت، هل سيتم حسمها بشكل سريع؟
والجواب على هذا السؤال متعلق بما تخطط له أميركا من مصير ينتظر اليمن والسعودية، ونعني بذلك أن أميركا قد حسمت أمرها نحو تقسيم اليمن على شكل اتحادي في المرحلة الأولى ومن ثم تتجه نحو تقسيم فعلي إلى ثلاث دويلات في وقت لاحق مع إبقاء سيطرة صالح والحوثي على المناطق الشمالية كسكين في خاصرة السعودية ومقدمة نحو تفكيكها بعد أن باتت المملكة تعاني عجزًا ماليًا لم يسبق له مثيل منذ تولي الملك سلمان الحكم خلفًا لأخيه عبدالله. ولبيان ذلك بشيء من التفصيل نقول:
أولًا: خطة سلام
يعتبر دور الأمم المتحدة وتحركات مبعوثها لليمن مجرد غطاء وتمويه لتمرير مؤامرة التقسيم. فمفاوضات السلام التي أعلنت عنها الأمم المتحدة في منتصف شهر أيلول/سبتمبر لا قيمة لها أمام تصاعد العمليات العسكرية التي تجري على الأرض. أما دعوة الرئاسة اليمنية يوم 13 أيلول/سبتمبر للحوثيين بالاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي ينص على انسحابهم من الأراضي التي سيطروا عليها، مقابل المشاركة في محادثات السلام التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، فهي دعوة في وادي غير ذي زرع.
وقد سبق لمنصور هادي أن أعلن في نهاية آب/أغسطس عن خطة سلام مكونة من أربع نقاط اشترط فيها على الحوثيين الانسحاب من دون شروط من المدن التي استولوا عليها، وحلِّ قواتهم، وتسليم مؤسسات الدولة وأخيرًا وقف لإطلاق النار لمدة 15 يومًا. وفي مقابل ذلك فإن حكومة هادي ستجري محادثات سياسية يمكن أن تنتهي إلى الاعتراف بحركة الحوثي كطرف سياسي في الحكم.
ولكن واقع الحال والمعارك الدائرة في اليمن منذ ستة أشهر لا تدل على أن الحوثيين وحليفهم صالح أو جماعة منصور هادي في عجلة من أمرهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات حول ترتيبات وضع الحكم في اليمن وإدارة شؤون البلاد لأنهم مجرد بيادق ودمى تحركها المخططات الدولية.
فلعبة الحرب الدائرة حاليًا في اليمن ليست سوى مقدمة نحو تقسيمه في هذه المرحلة إلى دولة فدرالية من إقليمين جنوبي وشمالي يحكم فيها كل جزء بشكل مستقل تحت مظلة الدولة الإتحادية. مع إمكانية الإنفصال في وقت لاحق.
وفي هذا السياق ذكرت وزيرة الإعلام نادية السقاف أن اليمن الجديد سيكون فدراليًا أو دولة اتحادية ولكن عدد الأقاليم لم يتحدد بعد، لكن هنالك توافق بالإجماع حول الرؤية الإتحادية. وقالت السقاف في تصريحات لـ"ميديا لاين" أن هنالك ميولًا سياسية لجعل عدن عاصمة اليمن ربما خلال الخمس سنوات القادمة وسيكون فيها البنك المركزي ومجلس الوزراء وكامل القيادة السياسية للبلد.
ومما يؤكد هذا التوجه هو توقف القوات الموالية لهادي عند حدود المحافظات الجنوبية بحجة حفظ الأمن فيها وتحصينها من عودة قوات صالح والحوثي، والحال أن ذلك مقدمة لثبيت الأوضاع من أجل تركيز عملية الفصل الجغرافي بين الشمال والجنوب.
ثانيًا: شراء القبائل
أورد بعض المسؤولين في حكومة هادي أنه يجري العمل من قبل التحالف العربي على استمالة القبائل المحلية التي تسيطر على المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء من أجل كسر تحالفاتها مع الحوثيين ومن ثم تسهيل السيطرة على صنعاء بأقل التكاليف. وهنا تبذل السعودية بالذات مساعي كبيرة مستغلة نفوذها من أجل تفكيك التحالف القبلي الذي يساند الحوثيين وصالح بالضغط العسكري والإغراءات المالية وشراء المصالح والولاءات.
وبما أن الحوثيين وصالح يتمتعون بدعم قبلي قوي في المناطق الشمالية وقد نجحوا في وضع صنعاء وضواحيها تحت سيطرتهم وأدخلوها في مناطق نفوذهم، فإن مسعى استمالة القبائل ليس بالأمر الهين. وهذا ما يدفع مجددًا نحو تأجيل عملية السيطرة على صنعاء أو يجعل معركتها بحرًا من الدماء، ومن ثم يدفع بالأمور نحو ركود الأوضاع العسكرية حول صنعاء بما يمهد للتحركات الإنفصالية.
ويبدو من التسريبات أن نائب الرئيس هادي، خالد بحاح _المقرب من الإمارات_ يتطلع إلى خطط التقسيم مستغلًا صعوبة السيطرة على صنعاء و"التباطؤ" في تحقيق مكاسب ميدانية كبرى ضد الحوثيين وصالح.
ثالثًا: بعدٌ إقليمي
وحتى تنجح أميركا في مشروع التقسيم قامت بإجراء مفاوضات في سلطنة عُمان منذ فترة بين عناصر رفيعة المستوى من الإدارة الأميركية وممثلين عن جماعة الحوثي، وترددت اقتراحات في هذه اللقاءات تناولت تقسيم اليمن إلى إقليمين بدلًا من ستة، مع وقف القتال وإعادة الشرعية واستبعاد أي دور مستقبلي للمخلوع علي صالح.
وما يعزز هذا التوجه الذي تسعى فيه أميركا هو ما كشفته وثيقة مسربة نشرها موقع "ويكيليكس" تؤكد دعم إيران للإنفصال في اليمن، حيث أوضحت الوثيقة أن إيران تواصلت مع "القوى الانفصالية" في جنوب اليمن لدعم حراكهم، وهي تحاول استقطاب شخصيات بارزة من خلال الدعوات لزيارة طهران.
وهذا التحرك الإيراني فيما يخص القضية الجنوبية لم يعد خافيًا على أحد؛ حيث وضح في الآونة الأخيرة الكثير من المحاولات الإيرانية استقطاب عدد من شرائح المجتمع الجنوبي لتعزيز النزعة الانفصالية لديهم وإقامة تحالف مع وكيلهم الحوثي.
وتعمل الإمارات والسعودية على خط مشروع التقسيم مثل إيران خدمة للمخططات الأميركية. فقد ذكرت التسريبات أن السعودية تتبنى خيار الدولة الاتحادية الفدرالية كما نصت على ذلك مخرجات الحوار الوطني، مع نقل العاصمة والمركز إلى عدن وبناء جيش اتحادي تقوم السعوديةعلى إنشائه وتمويله.
أما الإمارات فهي تسعى نحو التقسيم الفعلي عبر تمويلها وتبنيها للحراك الجنوبي الانفصالي. فقد أورد موقع استخباراتي فرنسي، أن اجتماعًا عُقد في مدينة طنجة المغربية بتاريخ 20 آب/أغسطس، بين قادة الجيش الإماراتي والسعودي أسفر عن اتفاق لتقسيم اليمن إلى مناطق نفوذ في المستقبل. وحسب النشرة الأسبوعية التي أصدرها مركز "أنتليجنس أون لاين" الفرنسي يوم 26 آب/أغسطس فإن الاجتماع كان مثمرًا وجاء لتفادي الخلافات بين السعودية والإمارات مع الاقتراب من العاصمة صنعاء.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:22 PM
رابعًا: صراعُ الداخل
كشفت صحيفة السياسة الكويتية (12/9/2015) على لسان مصدر جنوبي في اليمن عن مشاورات تجري حاليًا على مستوى الرئاسة مع قوى سياسية جنوبية وشمالية لتحديد شكل الدولة المقبل بعد انتهاء الحرب، حيث يكون اليمن دولة اتحادية مكونة من ثلاثة أقاليم، هي إقليم في الشمال وآخر في الوسط وثالث في الجنوب. وأشارت الصحيفة أن هناك موافقة مبدئية من قبل دول الإقليم وبعض القوى السياسية لاعتماد هذا المقترح بدلًا عن مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم الذي سبق وأن خرج به مؤتمر الحوار الوطني وقوبل برفض معظم القوى الجنوبية وخصوصًا قوى "الحراك الجنوبي". ولفت المصدر إلى أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وافق على مقترح الثلاثة أقاليم.
ومن جانبه قال أمين سر "الحراك الجنوبي" فؤاد راشد في تصريح لـ"السياسة" أن "الحراك الجنوبي ما زال بعيدًا حتى اللحظة عن هذه المشاورات ولم يشترك أصلًا في حوار صنعاء ولا يتم مشاورته في هذه المستجدات. وقد حسم الحراك أمره بخيار استعادة الدولة وسيقاوم أي مشاريع تنتقص من هذا الخيار". وأضاف راشد أن "هادي ونائبه بحاح كونهما جنوبيين يتصرفان وكأنهما من قيادات الحراك حين يقطعان في أمور تخص الجنوب فيما هما في سلطة احتلال أصلًا ولا يزيد عن كونهما موظفين لدى القوى السياسية اليمنية".
ومن ناحيته قال ماجد الشعيبي الناشط الإعلامي في المقاومة الجنوبية في تصريح لـ "ميديا لاين" (20/9/2015) أننا لا نرفع علم الوحدة ونحن نقاتل من أجل الإنفصال وعلمنا الوحيد هو علم جمهورية اليمن الديمقراطية .وقد بذل بعض المقاتلين في المقاومة الجنوبية جهودًا من أجل إقامة الحدود الفعلية التي تفصل المحافظات الجنوبية عن الشمال. وقال الشعيبي أن نقاط تفتيش تم تجهيزها وتقوم بالتأكد من أعضاء المقاومة الجنوبية وفصل الشماليين منهم.
إن من أهم الدلائل على أن اليمن يتجه ناحية الإنفصال هي الخطط التي يشرف عليها رئيس الوزراء خالد بحاح لتحقيق الإنفصال بطرق غير مباشرة. وحتى ينجح بحاح بمساعدة التحالف العربي في تنفيذ خطته على أرض الواقع يجب أن يتحقق شرط مهم وهو أن يبقى شمال البلاد تحت سيطرة الحوثيين وصالح لفترة 12 شهر.
ذلك أنه كلما تحررت المحافظات الشمالية من سلطة الحوثيين وصالح بشكل أسرع كلما كان ذلك أدعى لغياب أسباب الانفصال. وعليه فإذا تأخر دخول العاصمة صنعاء وتحرير المحافظات الشمالية فإن خالد بحاح سوف يقدم التماسًا للمجتمع الدولي من أجل تقسيم البلاد تحت غطاء إقامة النظام الإتحادي ليحل محل نظام الأقاليم الستة.
خامسًا: تفكيك السعودية
إن من أهم دوافع حرب اليمن حسب الرؤية الأميركية هو أن تخرج السعودية من حرب اليمن وهي أكثر ضعفًا وهشاشة، حتى يسهل تقسيم اليمن إلى ثلاث دويلات مذهبية وديمغرافية. وهنا يمثل بقاء سيطرة الحوثي وصالح على شمال اليمن خطرًا محدقًا بالسعودية لأنه سوف يعرض حدودها الجنوبية لمرمي نيرانهم.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة للسعودية هو تولي محمد بن سلمان وزارة الدفاع ومنصب ولي ولي العهد واضعًا يده على مقدرات الدولة والبلاد. وقد شهدت الفترة الأخيرة انتقادات وهجوم شرس على محمد بن سلمان وكيفية إدارته لشؤون الدولة وحرب اليمن، بشكل علني وبطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل أمراء في العائلة المالكة.
فقد دعا أحد أمراء آل سعود إلى عقد اجتماع طارئ للعائلة المالكة لمناقشة امكانية استبدال الملك سلمان وابنه ولي ولي العهد محمد. وكشف الأمير سعود بن سيف النصر في تغريدات له على حسابه بموقع "تويتر" أواخر شهر آب/أغسطس عن الأسباب الحقيقية وراء العجز الهائل في ميزانية المملكة قائلًا: للعلم فإن العجز الذي كان مقدراً له أن لا يتجاوز 145 مليار، بلغ الآن 500 مليار وربما يصل عند إعلان الميزانية القادمة أكثر من 800 مليار، موضحًا أن سبب هذا العجز الهائل ليس هبوط سعر النفط فقط بل التخبطات الاقتصادية وصفقات السلاح الهائلة وتكاليف الحرب والسرقات الأخرى التي يمارسها محمد بن سلمان.
وكشف الأمير كيف أن الأمير محمد بن سلمان نجل الملك سلمان وولي ولي عهده يصرف الأموال بلا حساب بالمليارات مما أدى إلى تدهور احتياط السعودية وتأزم وضعها المالي، وهو ما دفع البنك الدولي إلى توجه انذار الى المملكة السعودية.
وقال حفيد الملك عبد العزيز أن السعودية تصدر سندات كي تستدين من أجل سد عجز الموازنة وهذا أمر لم يحصل سابقًا إلا منذ تسلم الأمير محمد بن سلمان منصب رئيس شركة أرامكو وبدأ يصرف بالمليارات. فمنذ أن أصبح محمد بن سلمان رئيسها زاد العجز في شركة أرامكو إلى تسعة مليارات، مما جعله يطلب قروضًا من البنوك ليغطي العجز في الشركة.
وقال سعود: "ليعلم الجميع أن نشاطات محمد بن سلمان في نهب الميزانية والثروات لم تتوقف ولا توجد نية أن تتوقف، وأنه ينوي أن يعوض العجز بإلقائه على كاهل المواطنين، كاشفًا أنه يتم الآن إعداد حزمة قرارات تتضمن زيادة أسعار الوقود أربعة أضعاف ورفع الدعم عن الكهرباء ومن ثم مضاعفة تكلفة فواتيرها إضافة لإجراءات أخرى أشد منها".
وبيّن أن "زيادة سعر الوقود والكهرباء يعني مضاعفة أسعار المواد والخدمات لأنها جميعًا تعتمد على الوقود والكهرباء ومن ثم مضاعفة تكلفة المعيشة عدة أضعاف، مشيرًا إلى أن من ضمن الإجراءات نية المجلس الاقتصادي بتوجيه السفيه بيع ما تملكه الدولة من أسهم في الشركات الحكومية مما يعني موجة جديدة من انهيار الأسهم".
وبناءً على ما تقدم فإنه من المتوقع في ظل هذه الأوضاع الكارثية التي تعيشها المملكة أن تزداد النقمة الشعبية على العائلة المالكة وتنشط حركات المعارضة في الداخل والخارج بدعم من أميركا من أجل احداث اختراقات فكرية وسياسية داخل المجتمع السعودي تعجل بحزمة الإصلاحات الغربية التي تدفع بها أميركا وتسرع بعملية تفكك المملكة من الداخل على يد أبنائها وبفعل دور حركة الحوثي في تهديد جنوب المملكة وتأجيج التحركات السياسية والفكرية في المنطقة الشرقية.
ولذلك فليس غريبًا ما صرح بها باراك أوباما في حوار أجراه مع صحيفة "نيويورك تايمز" بثته يوم 5 نيسان/أبريل 2015، تحدث عن الملفات التي قد تُطرَح في المناقشات بينه وبين زعماء دول مجلس التعاون الخليجي عند لقائه بهم في منتجع كامب ديفيد بذريعة بحث تداعيات الاتفاق الذي توصلت إليه أميركا مع إيران حول ملفها النووي.
فقد علق أوباما على الشؤون الداخلية لدول الخليج بشيء من التهديد المبطن، قائلًا إن "أكبر خطر يهددهم ليس التعرض لهجوم محتمل من إيران، بل السخط داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم". وتابع أوباما أنه ومع تقديم دعم عسكري، ينبغي للولايات المتحدة أن تتساءل: "كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان "السنة" بأن لديهم شيئًا آخر يختارونه غير (تنظيم الدولة الإسلامية)؟".
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:23 PM
{أشدّاء على الكفار رُحماء بينهم}
قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، وقال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين}. هذه هي صفة أتباع محمد عليه وآله الصلاة والسلام، الذين يحبهم الله ويحبون الله، أنهم رحماء بينهم وأنهم أذلّة على المؤمنين. وإذا كان عندهم من اعتزاز أو شدة فهي على الكفار وليس على المسلمين. وقال تعالى: {إنّما المؤمنون إخوة}، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبّك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، وقال: "مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتواصلهم كمَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر"، وقال عليه وآله الصلاة والسلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم وهم يدٌ على مَن سواهم".
وقد ربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّته هذه التربية وجعل للمسلم على المسلم حقوقاً حتى في الأمور البسيطة، ومنها أن يعوده إذا مرض، وأن يشمّته إذا عطس، وأن يهنّئه إذا فرح، وأن يعزّيه إذا حزن، وأن يشيّعه إذا مات، وأن يعينه إذا احتاج، وأن ينفّس كربته، ويستر عيبته، وأن يسدي إليه النصح، وأن يكون طَلِق الوجه حين يلقاه. ونهى عليه وآله الصلاة والسلام عن إيذاء المسلم حتى في الأمور البسيطة، فلا تجوز غيبته ولا احتقاره ولا خذلانه ولا هجره ولا حسده ولا البيع على بيعه أو الخطبة على خطبته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يَبِع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه". وقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نشير مجرد إشارة بالسلاح إلى المسلم، فقال: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار". وقال: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمّه".
فهل يحل لمسلم بعد ذلك أن يقتل أخاه المسلم؟ قتل المسلم من أكبر الكبائر، قال تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزَوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم"، وقال: "لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبّهم الله في النار"، وقال: "من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
هذه هي حرمة المسلم عند الله. ولا يمكن لمسلم أن يقاتل المسلمين إلاّ إذا كان قد انحرف عن الإسلام وتربّى على أفكار غريبة، فالله يقول: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأ}. وإذا كنا نرى أن المسلمين لا يقيمون لأنفسهم حرمة، ويتناحرون ويقتل بعضهم بعضاً في مختلف بلاد العالم، فلا يعني ذلك أن حرمة المسلم قد هانت عند الله, بل يعني أن الذين يتقاتلون في غير سبيل الله هم في ضلال مبين. وقد حذّرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: "لا ترجعوا من بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقد بيّن الله للمسلمين كيف يتصرفون إذا حصل أن وقع بينهم قتل، فقال: {ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}. فلا بد من التحاكم إلى القضاء بالشرع الذي يأخذ الحق من الظالم للمظلوم. فلا يجوز أن يُقتل غير القاتل، ولا أن يُقتل عدد أكثر، ولا يجوز التصرف دون تحقق، ولا يجوز أخذ الحق إلاّ عن طريق التحاكم إلى الشرع.
ولكن إذا وقعت فتنة بين المسلمين، وحصل القتال والهرج، كيف يتصرف المسلم الذي يخاف الله، ويريد أن يلتزم بشرع الله؟
والجواب على ذلك موجود في الآية الكريمة {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتِلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}. فنحن نلاحظ أن الآية طلبت الإصلاح وإيقاف الاقتتال بغض النظر من هو الطرف الباغي والمبغي عليه. فإن أصر على بغيه واستمراره في القتال كان على المسلمين أن يردعوه عن بغيه ولو لجأوا إلى قتاله. وبعد إيقاف القتال يجري الإصلاح بين الطرفين بالقسط، أي تُحصَّل الحقوق لأصحابها. ويلاحَظ أن الآية كررت {فأصلحوا} ثلاث مرات.
وإذا وجد المسلم نفسه عاجزاً عن الإصلاح وعاجزاً عن معرفة من هي من الطائفتين الفئة الباغية، فعليه أن يبتعد عن القتال، ولا يجوز له أن يشارك فيه، حتى لو دُخل عليه بيته، فهو يدفع عن نفسه بالتي هي أحسن ولا يستعمل السلاح ولو أُخذ ماله، ولو أوذي. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي" قال: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي فبسط إليّ يده ليقتلني؟ فقال: "كن كابن آدم" وتلا: {لئن بسطتَ إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين}، وقال عليه الصلاة والسلام: "يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء"، وقال رجل: يا رسول الله أرأيتَ إن أُكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفّين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: "يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار".
إذن في الفتنة التي لا يظهر فيها المُحِق من المبطِل يحاول المسلم أن يُصلِح إن استطاع وإلاّ فعليه أن يبتعد. وإذا أُخذ قهراً إلى أحد الصفين فلا يجوز له أن يقاتل ولو هُدّد بالقتل. وإذا دُخل عليه بيته فلا يجوز له أن يقاتل بل يحاول الهرب أو الدفاع بالتي هي أحسن حتى تنجلي الفتنة.
وهذا يختلف عن موضوع الاعتداء في الحالات العادية، حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدفاع ولو بالسلاح، بقوله: "من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد"، وقد سأله رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "لا تعطه مالك"، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "فقاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "أنت في الجنة"، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار". هذه الأحاديث وأمثالها هي في حالات الاعتداء العادية، أمّا الأحاديث السابقة فهي في حالات في الفتنة العمياء. عافانا الله منها.
على أن للحاكم أي للخليفة أن يقاتل بعض المسلمين إذا خرجوا عن بيعته وطاعته وأرادوا أن يشقّوا الأمّة ويقسموا البلاد. إذ أن المسلمين أمّة واحدة، وقد أوجب الله عليهم أن يكونوا دولة واحدة بإمرة خليفة واحد، قال عليه وآله السلام: "مَن أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"، وقال: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما". هذا هو قتال البغاة، وهو قتال تأديب لحفظ وحدة الأمّة الإسلامية ووحدة البلاد الإسلامية ووحدة الدولة الإسلامية، ولإخضاع الناس لحكم الشريعة الإسلامية.
أمّا القتال الذي يحصل بين المسلمين بسبب اختلاف حكامهم على الكراسي والسيطرة، أو بسبب كون بعضهم عملاء لدولة وبعضهم الآخر عملاء لدولة أخرى، أو بسبب دوافع عصبية أو عنصرية أو إقليمية أو مذهبية، أو بسبب انتمائهم إلى أحزاب متناحرة. مثل هذا القتال هو من أعمال الكفار وليس من أعمال المسلمين، وهو يكبّ أصحابه في النار، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد أن يقتل صاحبه".
إن دماء المسلمين غالية وعزيزة ونضنّ بها أن تراق في غير سبيل الله، وهي رخيصة ويجودون بها بكل سخاء إذا كان ذلك في سبيل إعادة الإسلام إلى الحياة، وفي سبيل تحرير المسلمين من الكفر والكفار، وفي سبيل نشر الرسالة الإسلامية، وجعْل كلمة الله هي العليا، قال تعالى: {فليقاتِل في سبيل الله الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتِل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} صدق الله العظيم.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:24 PM
قتال الفتنة
{لئن بسطتَ إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إن أخاف الله رب العالمين}.
الوصف الأصلي للمسلمين هو أنهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم}، ذلك حينما يكونون ملتزمين بالإسلام.
والوصف الأصلي للكفار هو أنهم {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى}.
ولكننا الآن نرى أن المسلمين صاروا أسوأ حالًا من الكفار في هذه النقطة. فها هم اليهود، رغم خلافاتهم وكثرة أحزابهم، لم يشهروا السلاح على بعضهم ولم يسفكوا دماءهم، وها هم النصارى في المشرق والمغرب، يعصمون دماء بعضهم بعضاً.
أمّا المسلمون فما أرخص دماءهم عليهم! في العراق يقتل بعضهم بعضاً، ليس لله ولا للإسلام، بل سيراً في مخطط مشؤوم يسير فيه قادة مأجورون. وفي سوريا واليمن يسفك المسلمون دماء بعضهم دون رحمة. وقبل ذلك حصلت المواجهات الدموية في ليبيا.
اليهود يقتحمون الأقصى ويقتلون المسلمين في القدس وغيرها، وحفنة غادرة ممن ينتسبون للمسلمين يساعدون اليهود على المسلمين، وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تَرِن في الآذان "لا ترجِعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، و"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، و"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
والأنكى من ذلك أن المتقاتلين يسمعون آيات الله وأحاديث النبي ثم يتولون كأن لم يسمعوها، ويحاول كل طرف أن يجد لنفسه المبررات، ولكن هيهات.
لقد وردت نصوص شرعية تفيد أن المسلم يجوز له أن يستعمل السلاح دفاعاً عن دمه وماله وعرضه، ووردت نصوص تحرّم عليه أن يستعمل السلاح ضد المسلم حتى لو كان معتدياً. ومن ثم فإن الشرع ميّز بين حالتين: حالة يكون الدفاع فيها مشروعاً، وهي الحالة التي يصول فيه صائل لغصب المال أو الاعتداء على العِرض أو النفس. في هذه الحالة يجوز للمعتدى عليه أن يقاتل الصائل، وأن يقتله إذا لم يمكن ردعه بأقل من القتل.
أمّا الحالة الثانية فهي حالة الفتنة بين المسلمين، وهي الحالة التي يختلط فيها الأمر على كثير من المسلمين، ويظن كل فريق أنه على حق. هذه الحالة لها أحكام خاصة، أهمها أنه لا يجوز للمعتدى عليه أن يقاتل المعتدي ولو كان على يقين أنه مظلوم وأن المعتدي ظالم، وكل ما يجوز له هو أن يحاول ردع المعتدي بالموعظة من دون سلاح، وأن يلوذ من وجه المعتدي، فعن سعد بن أبي وقاص قال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي". قال: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي فبسط إليّ يده ليقتلني؟ قال: "كُن كابن آدم" وتلا: {لئن بسطتَ إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين}.
وجاء في الحديث الآخر عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر أرأيتَ إن قَتل الناس بعضهم بعضاً يعني حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: اقعد في بيتك واغلق عليك بابك. قال: فإن لم أنزل. قال: فإت من أنت منهم فكن منهم. قال: فآخذ سلاحي. قال: فإذاً شاركتهم فيما هم فيه، ولكن إذا خشيت أن يردعك شعاع السيف فألقِ طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك".
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في الفتنة أن يقطعوا أوتار قسيّهم، وأن يضربوا حد سيوفهم بالحجارة. فتعطيل أسلحتهم خير من أن يستعملوها لقتل بعضهم.
فمن كان عنده تقوى الله، ومن كان عنده التزام بشرع الله فلا يجوز له قتال أخيه المسلم، وعليه تجنب قتاله، وحقن دمه طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ويبقى دور أهل الإصلاح بين المتخاصمين، فالله يقول: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}. إننا نرى أن الذين لهم قدرة على إصلاح ذات البيْن يتوانون عن استعمال قدرتهم، وينأون بأنفسهم عن ذلك طلباً للسلامة من بطش الحكام، وهم بذلك يخدمون من يريد للفتنة أن تستشري، وأن يقتل المسلمين بعضهم بعضًا.
اليهود يفرحون، والكفار يفرحون، والعملاء يفرحون حين يدمر المسلمون بعضهم بعضاً. والله سبحانه يغضب، ورسوله يغضب، والمؤمنون يغضبون حين يدمر المسلمون بعضهم بعضاً. فهل يتعظ المتقاتلون ويوجهون سلاحهم لقتال اليهود كي يغيظوا عدوهم ويرضوا ربهم وينقذوا أنفسهم من غضب الله وناره؟
قال تعالى: {ومن يَقتُل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} صدق الله العظيم.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:26 PM
سـلام على قلب من الطهر أطهر وروح شفيف في رُبـى الخلد يَخطُر
وأطياف جنـات وأنسـام رحــــــــمة وحبٌ عفيف رائــــــــــــق الـذل أخضـر
وساعـات إسـعاد يظل غمــــامهـا على كل سـاحـــــــــــــات المحبين يمطـر
ترفق بقلبـي فالأعاصيـر تـزأر وسود الرزايا فـي الظـلام تزمجـر
ترفق بقلبـي فالجـراح كثيـرة وذي أسهـمٌ شـتـى عليـه تكسـّر
ففـي أرض شيشان الشهيدة مأتم فهل تسمـع الدنيـا الضجيج وتُبصر
وفي الشام أنّاتٌ ووطـأة غاشـم وليـل وآهــات ودمـع وأقبــر
وفي دار هارون الرشـيد زلازل وآثـار مجـدٍ أحـرقـوه ودمـروا
حنانيك يا بغـداد صـبراً فربمـا يُتـاح لهـذا الكفـر سـيل مطهّـر
لماذا دموع الحزن لستِ وحيـدةً وأنتِ علـى الأيـام عـزٌ ومفخـر
وكل بـلاد المسلميـن مقـابـر وهم صور الأحجـار تنهـى وتأمـر
تماثيلُ لكـن نـاطقـات وإنمـا بـلاء البـلاد النـاطق المتحجــر
جراح بني الإسلام غاب أُساتهـا وأنّاتهـم فـي كـل أرض تضّـور
تسـاقيهم الدنيـا كـؤوس مذلـة علـى أنهـم عُـزّل الأكـف وحُسّر
وتجتمـع الأحـلاف تحت مظلة السـلام لتربـي فارسـاً لا يُعفّــر
ويحشد أرباب الصليب حشودهـم ليستنجـزوا الوعـد الـذي لا يؤخر
فيـا فـارسـاً أطـل زمـانـه تعال فمـا كلٌ علـى الصبر يصبـر
وعودك حق لم نزل في انتظارها وكـل الرزايـا فـي جوارك تصغر
وجـندك منصور وجيشك قـادم ونـورك فـي كـل الدياجيـر يُسفر
تخطيت أسـوار الولايـات كلها لأنـك مـن كـل الولايـات أكبـر
وترهبك الدنيـا ومـا أنت لعنـةٌ ولكنـك السـيـف الـذي لا يكسّـر
وأنت لكــل الظـالمين نهايـةٌ فلا غرو إن صالوا وجالوا وزمجروا
فيا أيهـا المستكبـرون توغلـوا وعيثوا فسـاداً إن أردتـم ودمـروا
وسوموا عذاب الهون كل شعوبكم وقولوا لهـم غيـر الحقيقة واسخروا
وظُنوا بأن الأمر طـوع يمينكـم وأنكـم الحتـم الـذي لا يغيّـــر
فهـذي ديـار الظـالمين تجيبكم وهذا غد الإسلام في الأفـق يخطـر
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:30 PM
الجهاد، التكفير،البيعة
مقدمة:
إن مما يقتضيه عمل المسلم هو النصح والتذكير لإخوانه، وممن ينبغي أن نمحضهم النصح أولئك المخلصون لدينهم الذين جندوا أنفسهم ووضعوا أرواحهم على أكفهم متصورين خدمة دينهم وغامروا بالذهاب إلى "دولة البغدادي" أو وظفوا أنفسهم لخدمتها معتقدين أنهم إنما يضحون من أجل دينهم، فإن أولئك المخلصين من أبناء المسلمين يستحقون أن نعمل على إنقاذهم من أخطائهم وتوجيههم ما أمكننا ذلك. وينبغي أن ندخل مع إخوتنا المدخل الحسن وأن نتجنب الطعن في أشخاصهم ووصفهم بألفاظ لا تليق بالمسلم، وأن نتعامل معهم باعتبارهم يمتلكون فهمًا ينبغي أن نناقشهم به، وأن نبصرهم بحقيقة مقاصد الكفار بالتي هي أحسن، وأن نتعب من أجلهم فهم إخوتنا نريد إنقاذهم، كما نريد بذل الجهد الصادق لإنقاذ الأمة كلها مما يمكر لها أعداؤها. وإننا وإن لم نتعرض لظروف نشأة دولة (تنظيم الدولة) وواقعها، وما سبق إعلانها من تأكيد مستشار أوباما بحتمية قيامها، فإن هناك قناعات فكرية لدى فئة من الأمة ينبغي أن يناقشوا بها؛ لأن قناعات تلك الفئة الفكرية هي الأقرب إلى إمكانية تحول موقفهم كشباب مخلصين.
ولذلك فإن أهم ما يمكن أن يُناقشوا به هو قناعاتهم الفكرية تلك، وعليه كان لا بد من التركيز على نقاط عدة منها:
أولًا: إن الكتاب والسنّة هما مصدرا الأدلة الشرعية والقواعد الشرعية والأحكام الشرعية، ولا يختلف أحد من المسلمين في ذلك مطلقًا.
ولكنهم بحكم الاجتهاد مختلفون في فهم الكتاب والسنّة، فكانوا من جرَّاء هذا الاختلاف في الفهم مذاهب مختلفة، وفرقاً متعددة. ذلك أن الإسلام جعل المسلمين يجتهدون في استنباط الأحكام، وبطبيعة تفاوت الأفهام حصل الاختلاف في فهم الأفكار المتعلقة بالعقائد، وفي كيفية الاستنباط، وفي الأحكام والآراء المستنبَطة، فأدى ذلك إلى وجود الفِرق والمذاهب. وقد حث الرسول على الاجتهاد وبيّن أن الحاكم إذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد وإذا أصاب فله أجران اثنان.
الاختلاف في الفهم والانحراف
ومع اختلاف الأفهام ووجود بعض التأثير لأفكار دخيلة على المسلمين حدث بعض الاختلاف في الفهم والانحراف أحياناً، وإن بقيت أفكار العقيدة سليمة عند الغالبية العظمى؛ وإن علاها بعض التراب في بعض الأحيان، ولذلك لم يكن عجيباً أن يكون هنالك "السنّة" و"الشيعة" والمعتزلة والأباضية الماتريدية وغيرهم من الفرق الإسلامية. ومع إمكانية الاختلاف في فهم الحكم الشرعي عند المجتهدين لم يكن غريباً أن يكون هنالك الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة والجعفرية والزيدية وغيرهم من المذاهب الإسلامية. وجميع الفرق الإسلامية والمذاهب الإسلامية تعتنق عقيدة واحدة هي العقيدة الإسلامية، وجميعهم مخاطَبون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، ومأمورون باتباع الحكم الشرعي لا اتباع مذهب معين، وما المذهب إلاّ فهم معين للحكم الشرعي يقلده غير المجتهد حين لا يستطيع الاجتهاد، فالمسلم مأمور بالتزام الحكم الشرعي لا باتباع المذهب، يأخذ هذا الحكم بالاجتهاد إن كان قادرًا عليه، ويأخذه بالتقليد إن كان غير قادر على الاجتهاد.
الفرق والمذاهب التي تعتنق العقيدة الإسلامية
وعلى ذلك فإن جميع الفرق والمذاهب التي تعتقد العقيدة الإسلامية وتأخذ بالكتاب والسنّة وأنهما وحدهما مصدرا الأدلة الشرعية والقواعد الشرعية والأحكام الشرعية، هذه الفِرَق والمذاهب كلها مسلمة، وهؤلاء جميعهم يُعتبرون مسلمين. ما دامت بدعتهم غير مكفرة فالجعفرية (الإمامية) والزيدية والأباضية هم مسلمون كسائر المسلمين، فلا يُنظر لهم كفرقة ولا كحزب ولا كمذهب بل يُنظر إليهم كمسلمين. وعلى ذلك فإن كونهم جعفرية أو أباضية أو زيدية لا يجعلهم غير عدول ولا ينفي عنهم صفة العدالة، بل هم عدول، والأصل في المسلم أنه عدل إلاّ أن يثبت عليه ما يُخل بالعدالة سواء أكان جعفريًا أم شافعيًا أم أباضيًا أم حنفيًا فكلهم سواء. فيُصلّى خلف الجعفري ويُقلَّد المهام التي يشترط فيها العدالة، ويُقلَّد الخلافة والقضاء ويكون واليًا وعاملًا، وتُسند إليه مهام التدريس ومهام الحكم وسائر المناصب. فلا يجوز التمييز بين المسلمين مطلقًا، ولايصح أن نتأثر بما حصل بين المسلمين في الماضي من اختلاف أدى إلى وجود فرق ومذاهب، وإنما ينظر لكل مسلم في هذا العصر بعينه بغض النظر عن مذهبه، وهذا من شأنه أن يبعد أي احتمال للنظرة المذهبية أو الحزبية أو غير ذلك، فلا اعتبار إلاّ للإسلام ليس غير.
نظرة علماء الحديث لأصحاب الفرق
وإنه من المستقر في تاريخ المسلمين أن هذه الفِرق من المسلمين. فأنت إذا رجعت لكتب الجرح والتعديل مثلًا تجد أن كثيرًا من رواة الحديث من المعتزلة أو الخوارج أو الشيعة الإمامية الجعفرية (من يقولون عنهم روافض) والشيعة الزيدية وأحكامهم عليهم دائرة بين التوثيق وعدم التوثيق مثل بقية الرواة ولم يقولوا عنهم أنهم كفار كفرقة أبدًا .
لا تجوز الدعوة للفرقة أو المذهب أو الحزب
وما يسمى السلفية بكل أشكالها جهادية، قاعدة، سلفية تقليدية، وقعوا في النظرة الفِرقية المقيتة_ أفرادًا وجماعة _ إلا من رحم ربي فدعوتهم لعقيدة "أهل السنة والجماعة" وليس لعقيدة الإسلام ونظرتهم لمن هم خارج إطار أهل السنة والجماعة نظرة فرقية، فمن يخالفهم مبتدعة يجب هجرهم وعدم مجالستهم والتحذير منهم وفضحهم ...الخ هذا إذا نجوا من التكفير وهذا كما تقدم مخالف لطبيعة الإسلام وحقيقته.
ثم إن الدعوة للفرقة والمذهب والحزب لا تجوز شرعًا، فالدعوة يجب أن تكون للإسلام بأصوله القطعية والمعلومة من الدين بالضرورة وتشرح الأفكار التي يتبناها_ سواء ما تعلَّق منها بالعقائد أم بالأحكام الشرعية _ بأدلتها باعتبارها رأيًا إسلاميًا وليس رأي الإسلام؛ أي باعتباره رأيًا صوابًا يحتمل الخطأ والرأي المخالف خطأ يحتمل الصواب. هذا ما يجب أن يكون عليه المسلمون أفرادًا وجماعات ودولة.
النظرة إلى أهل الذمة
أما أهل الذمة فقد جاء الإسلام بأحكام كثيرة لأهل الذمة _وهم رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين_ ضَمِن لهم فيها حقوق الرعية وواجباتها. وأن أهل الذمة لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الإنتصاف.
وهؤلاء الذين يحملون التابعية الإسلامية لا يجوز أن يحصل أي تمييز بينهم لعموم أدلة الحكم والقضاء ورعاية الشؤون، فالله يقول: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} فهو عام لكل الناس مسلمين أم غير مسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" وهو عام يشمل المسلم وغير المسلم، وعن عبد
الله بن الزبير قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم" وهو عام يشمل كل خصمين، مسلميْن أم غير مسلميْن، والرسول عليه السلام يقول: "الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته" وكلمة (رعيته) عامة تشمل جميع الرعية، مسلمين أم غير مسلمين. وهكذا جميع الأدلة العامة مما يتعلق بالرعوية تدل على أنه لا يجوز أن يحصل أي تمييز بين المسلم وغير المسلم، ولا بين العربي وغير العربي، ولا بين الأبيض والأسود، بل جميع الناس الذين يحملون التابعية الإسلامية سواءٌ من غير أي تمييز بينهم أمام الحاكم من حيث استحقاق رعاية شؤونه وحفظ دمه وعرضه وماله، وأمام القاضي من حيث التسوية والعدل، فما بالك بين المسلمين أنفسهم!!
ثانيًا: بالنسبة لموضوع أخذ الحكم وتوليه_ عند السلفية الجهادية "القاعدة وتنظيم الدولة" لا السلفية التقليدية_ فإنه من المعلوم أنهم يجعلون القتال طريقًا شرعيًا لإيجاد سلطان المسلمين وهذا فهم مغلوط لموضوع أخذ الحكم وتوليه،
هل القتال طريق شرعي لأخذ السلطة
إن إيجاد سلطان المسلمين متعلق بموضوع تنصيب حاكم للمسلمين ليطبق عليهم الإسلام بحسب شروط الشرع، وهذه العملية هي في حقيقتها فعل مغاير لفعل القتال، بدليل أن أدلة القتال هي غير أدلة وجوب إيجاد الدولة الإسلامية أي إيجاد سلطان المسلمين فأدلة القتال غير أدلة إيجاد سلطان المسلمين ابتداءً.
فالخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين لتطبيق الإسلام وحمل الدعوة للعالم، وهي عقد بين الأمة وبين فرد من أفرادها لتطبيق الإسلام وحمله للعالم عن طريق الجهاد. وإجراء هذا العقد غير واقع القتال، فالقتال أنواع، إذ القتال بين المسلمين وبين الكفار لإعلاء كلمة الله هو الجهاد وأدلة وجوب هذا النوع من القتال وواقع هذا القتال غير واقع وأدلة تنصيب الحاكم؛ أي إيجاد سلطان المسلمين.
أنواع القتال وأحكامه
إن واقع وأدلة قتال المتغلب والمغتصب لسلطان المسلمين سواء الذي لا يطبق الإسلام أو الذي يطبق الإسلام، هو غير واقع تنصيب الحاكم، ووجوب قتال السلطان المتغلب لا يلغي وجوب تنصيب الحاكم أي إيجاد سلطان المسلمين.
وقتال البغاة _مع الحاكم العدل _ لإخضاعهم لسلطان المسلمين ومشروعية ذلك وأدلته واقعه مغاير لواقع وأدلة وجوب سلطان للمسلمين أي تنصيب الحاكم. ومشروعية القتال للدفع عن المال والنفس والعرض وأدلته هي غير أدلة وواقع تنصيب الحاكم؛ أي إيجاد سلطان للمسلمين.
فكل نوع من أنواع هذا القتال له أحكامه ولا بد من التفقه بهذه الأحكام لمن يريد أن يباشر القتال، فالجهاد له أحكام غير أحكام قتال المسلم للمسلم، والقتال للدفع عن النفس والمال والعِرض مشروع وله أحكامه، وقتال المسلمين لحاكم يحكم بالإسلام ثم غيَّر شرع الله، أو كفر بالإسلام له أحكامه، وقتال الحاكم المسلم _الشرعي العدل_ للبغاة من المسلمين لإخضاعهم للطاعة له أحكامه. وكذا تنصيب المسلمين لشخص منهم لتطبيق الإسلام عليهم له أحكام، وواقع هذا التنصيب غير واقع القتال، وهذا لا يلغي هذا، ولا يغير من وجوب أي منهما على المسلمين.
القتال ليس طريقاً لإيجاد الدولة
وعلى ذلك فطريقة إيجاد الدولة الإسلامية هو بيعة أهل مكان معين تتوفر فيه شروط معينة لشخص تتوفر فيه شروط شرعية. هذه هي الكيفية الشرعية لإيجاد الدولة الإسلامية.
والحقيقة أن السلفية الجهادية و منها تنظيم الدولة قد تبنوا أن القتال (ما يسمونه جهادًا) هو الطريق لإيجاد الدولة وإقامة سلطان الإسلام وهذا الفهم خطأ ومغلوط، وما حصل فعلاً على الأرض هو أن تنظيمًا سيطر على أراض بالقتال ثم أعلن مبايعة زعيمه خليفة للمسلمين! هذا ما حصل بالفعل. وكما تقدم فإن إيجاد الدولة فعل مغاير للجهاد وهذا فرض وهذا فرض، وهذا له أحكامه وأدلته وهذا له أحكامه وأدلته، وهذا له شروط وأركان وهذا له شروط وأركان. فالجهاد حكم شرعي من الأحكام الشرعية تمامًا مثل بر الوالدين وفرض الحج والزكاة والبيع والشراء والزواج..الخ فعندما يباشر المسلمُ البيعَ والشراءَ فإنه يكون بحسب الأحكام المتعلقة بالبيع والشراء، وعند مباشرة الزواج فإنه يكون بأحكام الزواج، وعند مباشرة القتال والجهاد فإنه يكون بأحكام القتال والجهاد، وعند مباشرة أخذ الحكم وتنصيب الحاكم فإنه يكون بأحكام أخذ الحكم وتنصيب الحاكم وهكذا.
ثم إن الجهاد هو قتال المسلمين للكفار لإعلاء كلمة الله، وليس قتال المسلمين فيما بينهم من الجهاد في شيء، بل هو إما أن يكون قتالًا مشروعًا أو حرامًا بحسب الواقع المتعلق به. وكل أنواع القتال لا علاقة لها بتنصيب الحاكم وإيجاد الدولة.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:31 PM
وبذل المهج والأرواح لإرضاء الله ليس محصوراً بالجهاد، فالمسلمون في مكة مثلاً بذلوا مهجهم وأرواحهم من غير الجهاد والقتال. وفي الظرف الحالي كثير من المسلمين بذلوا مهجهم وأرواحهم خدمة لدينهم وإرضاءً لربهم من غير طريق الجهاد، فإن الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر هو من أعلى وأفضل الأعمال شرعًا، ومن أوجب الواجبات، وهو غير الجهاد والقتال. وكلمة الحق لها أجر مثل أجر سيد الشهداء. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذي هو قدوتنا وأسوتنا أوجدَ الدولة قبل نزول أحكام القتال والجهاد فأوجدها بأعمال حمل الدعوة فكريًا وسياسيًا، وذلك بالاتصال بالقوى لإيجاد القناعة والعمل بالإسلام، وحدد أن البيعة هي طريقة تنصيب الحاكم بالشروط التي أوجبها الشرع.
البيعة هي طريقة تنصيب الحاكم في الإسلام
إن طريقة تنصيب الحاكم في الإسلام هي البيعة، وتكون من الأمة أو من يمثلها، لرجل من المسلمين حاز الشروط الشرعية المعتبرة لينوب عنها في تطبيق أحكام الشرع. وهذا يثبت أن أخذ الحكم وتنصيب الحاكم طريقته هو البيعة، والبيعة _كما قلنا_ تؤخذ من الممثلين الحقيقيين للأمة الذين برضاهم يرضى الناس، لا القتال والجهاد. على أن واقع القتال غير واقع تنصيب الحكام؛ فالمناطان مختلفان، ثم إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن أهل الطائف لما رفضوا نصرته، ولم يقاتلهم ليصبح حاكماً عليهم، وأصبح حاكماً دون قتال بل بإقناع أهل المدينة عموماً وزعاماتها بالإسلام ثم بايعوه برضاهم واختيارهم فأصبح حاكماً عليهم بهذه البيعة.
وبعدُ، فإن المسألة متعلقة بأن الشرع جعل لإيجاد سلطان المسلمين وتولية الحكام طريقة معينة هي البيعة برضا واختيار، فهذه هي الكيفية التي جاء بها الشرع لتولية الحاكم لا القتال عموماً، ولا الجهاد الذي هو قتال خاص له أحكام خاصة.
أما من ينصبون الحاكم بغير رضا واختيار الأمة أي بغير البيعة الصحيحة ، فالباب مفتوح أمامهم ويستطيعون أن يُرجعوا الأمر للمسلمين في المكان الذي يسيطرون عليه بأن يختار أهل المنطقة من المسلمين بإرادتهم من يرونه أهلاً لحكمهم بالإسلام بحسب شروط الشرع وعندها تصبح الدولة دولة إسلامية إذا استوفت بقية الشروط الشرعية.
ثم إنه يجب على من يقيموا دولة باسم الإسلام تطبيق الإسلام في جميع جوانب الحياة وإيجاد كل أجهزة الدولة ومباشرة رعاية شؤون الناس على أساس الإسلام وحمل الدعوة للعالم عن طريق الجهاد، ويجب أن يعملوا على ضم الدول وإلحاقها بهم لإيجاد الوحدة بين المسلمين، وهذه أعمال يلزمها رجال دولة، لا مجرد مقاتلين يجزون الرؤوس. ويلزمها قبل كل شيء نشر الوعي على الإسلام الذي يجب أن يطبق في جميع نواحي الحياة.
أما واجب المسلمين عمومًا فإن كانوا تحت ظل مثل تلك الدولة وكانت فعلًا دولة شرعية فإنه يجب عليهم الطاعة والانقياد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الدولة بحسب الإسلام، وإن كانوا غير مقتنعين بأنها دولة شرعية فيجب عليهم أيضاً محاسبة تلك الدولة على أساس الإسلام والعمل على جعلها دولة شرعية بحسب الشرع وأحكامه.
إما إن كانوا خارج حدود المناطق التي تسيطر عليها تلك الدولة ، فإنهم إن كانوا يرون أنها دولة شرعية فيجب عليهم أن يعملوا على ضم الدول التي هم فيها مع تلك الدولة بالأعمال السياسية والفكرية التي يوجبها الإسلام. ويجب عليهم النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتلك الدولة، وإن كانوا غير مقتنعين بأنها دولة فإنه يجب اتجاهها ما أوجبه الشرع من محاسبة لمعالجة أوضاعها حتى تصبح دولة شرعية.
ثالثًا: التساهل في التكفير
يكفر المسلم بأحد أربعة أمور: الأول القول، والثاني الفعل، والثالث الاعتقاد، والرابع الشك.
أمّا الاعتقاد فظاهر؛ لأن من اعتقد أن المسيح ابن الله يكفر، ولو كان يقوم بجميع أعمال الإسلام.
ومن شك في أن القرآن كلام الله يكفر، ولو كان يقوم بجميع أعمال الإسلام.
وأمّا القول فإنه إن كان يدل قطعًا على الجحود؛ أي جحود ما أمر الإسلام بالاعتقاد به أمراً جازماً وثبت عن طريق يقيني؛ أي مما هو قطعي، فإنه يُنظر، فإن نَقَلَه عن غيره لا يكفر، وإن قاله من نفسه يكفر، سواء اعتقد أم لم يعتقد، فمن قال: الله ظالم، ومن قال: القرآن من عند محمد وليس من عند الله يكفر؛ لأن هذا القول يدل قطعاً على الجحود بشيء مما هو قطعي. أمّا إن كان القول لا يدل قطعاً على الجحود بشيء مما هو قطعي ولكن يحتمل ذلك، لا يكفر.
أمّا الفعل، فإن أفعال الكفر كفر لا شك فيها. فصلاة النصارى كفر، والوقوف مع النصارى وقوف صلاتهم أثناء صلاتهم كفر، والسجود للصنم كفر، ولبس شعار الصلاة الذي يصلي فيه النصارى كفر، وعمل إشارة صلاة النصارى أو اليهود كفر. وهكذا هناك أفعال يفعلها الكفرة: النصارى واليهود والمجوس وغيرهم باعتبارهم قد أُمروا بفعلها بحسب دينهم، فهذه الأفعال كفر صراح، فأفعال الكفر التي يفعلها الكفار بموجب عقيدتهم التي أصبحوا باعتقادهم إياها كفارًا، هي أعمال كفر، وكذلك الأفعال التي قال الشرع عنها إن القيام بها كفر، هي أيضًا أعمال كفر. فهذان النوعان من الأعمال، وهما أفعال آمن الكفار أن يقوموا بها حسب عقيدتهم، وأفعال نص الشارع على أنها كفر، هذان النوعان كفر قطعًا. أمّا القيام بهذه الأعمال فإنه يُنظر فيها كما يُنظر في القول، فإن كان العمل لا يقبل تأولًا، بمعنى أن قيامه به لا يقبل تأولًا بأنه قيام بالعمل الذي أمر الكفار أن يقوموا به، أو قيام بالعمل الذي قال الشرع إنه كفر، فلا كلام بأن من قام به كافر، أمّا إن كان العمل يقبل تأويلًا، بمعنى أن قيامه به يمكن أن يؤول بأنه ليس هو الذي أُمر به الكفار فإنه حينئذ لا يكفر؛ لأنه يرجح جانب الإيمان. فلو أخذ التوراة وقرأ فيها لا يكفر؛ لأن الكافر أُمر أن يقرأها تعبّدًا واعتقادًا، وهذا يحتمل أن يكون قرأها للمعرفة أو للرد على ما فيها. ومن دخل الكنيسة لا يكفر؛ لأن الكافر أُمر أن يدخل للصلاة وهذا دخل لرؤية ما فيها من زينة. وهكذا، إذا كان هناك أي تأويل للعمل وليس للنية لا يكفر فاعله. والتبرع لبناء الكنيسة والسجود للصنم والوقوف خاشعًا مع النصارى أثناء صلاتهم وهم واقفون في الصلاة والإتيان بإشارة من إشارات الصلاة وما شابه ذلك، فهذه كلها أعمال كفر؛ أي هي نفسها كفر؛ لأن عقيدة الكفر قد أمرت بها، فمن قام بشيء منها كفر قطعًا وارتد عن الإسلام، فكَفَر من قال الكفر أو عمل الكفر أو اعتقد بالكفر.
ويستثنى من ذلك قول الكفر حكاية فلا يكفر والدليل على ذلك، أن القرآن ذكر أقوال الكفر حكاية عنهم ونحن نقرأها وما زال المسلمون يفعلون ذلك منذ بعثة الرسول ولم يقل أحد أن ذلك كفر.
وكذلك من يقول قول الكفر أو فعل الكفر جهلًا إذا كان من قال أو فعل ممن يجهل لا يكفر، والدليل على ذلك أن الجهل رافع للإثم، والأدلة تدل على أن من يقول أو يفعل الفعل جاهلًا إذا كان ممن يجهل فإنه غير مؤاخذ على ذلك وهي عامة في كل قول أو فعل.
وكذلك من قال القول أو قام بالفعل الكفري خطأ أو استكراهًا، فلا يكفر والدليل على ذلك الآيات والأحاديث التي رفعت الإثم عمن يخطئ أو يُستكره فلا بد من أن يقع القول أو الفعل باختياره حتى يكون مسؤولًا عنه.
وكذلك من يقول القول الكفري أو يفعل الفعل الكفري لتأويل أو شبهة لا يكفر. والدليل على ذلك أن الشبهة والتأويل في الحقيقة فرع عن العذر بالخطأ، وأيضًا فقد عذر الصحابة قدامة بن مظعون وأصحابه حين شربوا الخمر مستحلين شربها، لغلطهم في فهم معنى قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} واعتقاد جواز شرب الخمر كفر، لكن بسبب التأول لم يكفرهم عمر رضي الله عنه ولا الصحابة. ومن المعلوم أن الْخوارِج كفروا كثيرًا من الصحابة، ومن بعدهم، واستحلوا دماء وأموال المسلمين، ومع هذا لم يحكم الصحابة ولا جمهور الفقهاء بكفرهم؛ وذلك لتأْوُّلهِمْ.
ولا بد من التنبه أن الحكم على شخص بالكفر ممكن أن يقع الخلاف فيه فيكفره بعضهم ولا يكفره آخرون، ثم إن التكفير يُبنى عليه إيقاع عقوبة الردة وإيقاع العقوبة محصورة في السلطان وتحتاج لقضاء لإثباتها ولا يصح أن يرجع ذلك لأفراد أو جماعات أبدًا.
ويخطئ من يجعل موالاة الكفار من أفعال الكفر، ذلك لأنها معاص وفعل حرام، وليست من أفعال الكفر. وفاعلها يكفر فى حال إنكاره حرمة هذه الافعال ما دامت معلومة من الدين بالضرورة؛ أي قطعية الثبوت والدلالة، لا قيامه بالفعل كما في الأفعال الكفرية مثل أن يُصلى صلاة النصارى مثلاً. فالجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين هو من موالاة الكفر، وهو ليس من الأفعال الكفرية وقد اختلف الفقهاء في جواز قتله أم لا؟ ومن قال بقتله لم يقل أن قتله بسبب ردته عن الإسلام بهذا الفعل.
وعليه فلا بد من ترك التساهل في التكفير لما يترتب عليه من آثار عظيمة، كاستحلال الدم والمال، وفراق الزوجة، وما شاكل ولا يصح التساهل في هذا الداء؛ لأن عاقبة ذلك هو لعن الله له، وسيُجزى عذابًا عظيمًا يوم القيامة، كما لا يصح إطلاق لفظ الجهاد في الحرب بين المسلمين سواء كانوا بغاة أو يقاتلون مع مغتصب للسلطة أو يقاتلون دفعًا للصائل؛ لأن الجهاد هو قتال للكفار وليس قتالًا لمسلمين، ويقتضي إطلاق لفظ الجهاد على من يقاتل المسلمين أن يقول بكفر الطرف الذي يقابله في القتال.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:33 PM
" قراءات"
(موضوع كتبه د عبدالله علي الميموني / جامعة طيبة)
- كتب الموضوع في موقع ملتقى اهل الحديث -
(انتشرت عبارة عند إخواننا فأردت أن أذكر ما عندي فيها ثبوتًا ومعنى على وجه الإيجاز مرتقبًا آراءكم ومشاركاتكم حول الموضوع).
أقول وفقنا الله وإياكم _لا نعلم_ أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن الشيعة أشد كفرًا من اليهود و النصارى، وهو أعلم من أن يقول هذا بهذا التعميم. فنقل هذا عنه غلط عليه. و أما قوله في النصيرية الباطنية الحشيشية ذلك فالباطنية الغلاة شيء و الشيعة شيء آخر . والشيعة يكفرون الباطنية. ومعلوم أن الإسماعيلية والقرامطة طائفتان مجاهرتان بنبذ الإسلام جملة قائلتان بالمجوسية. وهم غير الشيعة الإمامية و غير الزيدية و غير شيعة الكوفة المفضلة فقط. وما من شك في ضلال الشيعة الاثنية عشرية و أن بعض أقوالهم كفر لكن القول بكفر القول لا يلزم منه كفر قائله.
والخلاف بين الشيعة في تحريف القرآن مشهور ورد بعضهم على بعض معلوم و كتب الأخبار عندهم فيها نقل القول بتحريف القرآن بلا إنكار من أكثرهم، و أما أكثر كتب الأصول عندهم ففيها الرد على من يقول بتحريف القرآن. و كتبهم شاهدة على ذلك و أقرأ إن شئت كتاب أصول الشيعة رسالة دكتوراة للقفاري، واسأل من أمعن في دراسة مذاهبهم و أنصف وكان من أهل العلم المعتبرين تجد ما لم تكن تحسبه من الاختلاف بين أئمتهم في مسألة تحريف القرآن و غيرها وأنه لا يزال خلافًا موجودًا.
والشيعة موجودون حاضرون فمنهم من يصرح بما يقتضي الكفر البين فنكفِّره ونقيم عليه الحجة، ومنهم من لا يصرِّح بذلك فقد يكون يفعله تقية وقد يكون شاكًا، وقد يكون غير مقتنع ببعض المسائل التي يقولها الرافضة، فنزن كل قول بميزان العدل و لا نحكم على الأحياء بكلام الأموات ما لم يؤمنوا به إيمانًا نعرفه. وقد تكون الفرقة من الفرق عندها كتب تعظمها ولكن لا تقول بكل ما فيها من خبر أو نقل أو عبارة.
و قد رأيت شيخ الإسلام يقول إن من يُسلم من النصارى وغيرهم على يد الشيعة فهو خير من بقائه على مذهبه، هذا أو نحوه. و لا يحضرني الآن موضعه ولست أشك أني قرأته في كلامه. ورأيته رحمه الله يجيز زواج المسلم بالشيعية.
تنبيه: و أما التعاون معهم في الضرورة لمصلحة عليا للمسلمين فالأدلة تعضده بشرط الحذر من مكرهم ووجود المقتضى و الحاجة والأدلة تدل على ذلك .
و أخيرًا فالكافر الأصلي ليس كمن يشهد الشهادتين و يصلي إلى قبلتنا. و أما وجود عبارة تكفير عن أحمد ونحوه فلا يلزم تعميمها لكل شيعي عامي أو ذي علم، و لا يلزم أن يكون مقصوده بها الكفر الأكبر في كل وقت، و معلوم تكفيره للقائلين بخلق القرآن ثم ثبوت ما يقتضي عدم تكفيره لهم كفرًا مخرجًا من الملة بما يطول شرحه، و هو معلوم عند العارفين بكلام أصحابه المدققين في النقل .
و الرافضة فيهم من الضلال والهوى والبدع بل والكفر أحيانًا كثيرة ما يعرفه من وفق لاتباع السنن وفهم الحق من الكتاب و السنة غير أن المقصود طلب الحق و الإنصاف لا بد منه).
د. عبد الله علي الميموني/جامعة طيبة
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:34 PM
{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }الصافات
كثيراً ما يرد على أسماع الناس أن المستقبل لهذا الدين، وأن المستقبل للإسلام، وأن النصر قادم إن شاء الله تعالى. فيقول القائل في مرارة وحسرة: أيّة بشرى بمستقبل الإسلام والمذابح الوحشية تلاحق المسلمين في كل مكان، أية بشرى وأيّ أمل والمسلمون يقتل بعضهم بعضاً والكفار شامتون! أية بشرى وأي أمل وقد اتفق أعداء الإسلام - على اختلاف مشاربهم وتعدد دياناتهم - على القضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين، أية بشرى وأي أمل والأقصى يئن تحت وطأة يهود، يدنسونه ويهددون بتقسيمه، وبالرغم من كل هذا بل وأكثر من هذا نقول:
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا فلله أوس قادمون وخزرج
وإن كنوز الغيب تخفـي طلائعـاً صابرةً رغم المكائد تخرج
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، وكان صلوات ربي وسلامه عليه عند تناهي الكرب والشدائد يبشر أصحابه بالنصر والتمكين كما فعل يوم الأحزاب. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً .نعم أيها المؤمنون فإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم لا محالة كقدوم الليل والنهار، وإن أمة الإسلام قد تمرض وتعتريها فترات من الركود الطويل، ولكنها بفضل الله جل وعلا لا تموت، وإن الذي يفصل في الأمر في النهاية ليس هو قوة الباطل وإنما الذي يفصل في الأمر هو قوة الحق، ولا شك أنه معنا الحق الذي من أجله خلقت السماوات والأرض، والجنة والنار، ومن أجله أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، وقبل ذلك كله معنا الله، ويا لها من معية كريمة جليلة مباركة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولكن هل يتنـزل النصر كما ينـزل المطر، ويمكّن للمسلمين وهم قاعدون خاملون لم يبذلوا أي جهد ولم يسلكوا أي سبيل للنصر، لنقرأ الإجابة في قوله عز وجل: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين إنها سنة الله في هذا الكون التي لا تتبدل ولا تتغير، لقد شاء الله وقضى أن يقوم هذا الدين على أشلاء وجماجم أوليائه وأحبابه وعلى أن توقد مصابيح الهداية بدم الشهداء الأبرار الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة قال الله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين عن خباب رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: ((لقد كان من قبلكم يمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظام أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتِمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) ما أحسن الكلمة وما أروع العبارة، لقد كان لها وقع كبير في قلوب المستضعفين في كل زمان ومكان ((ولكنكم تستعجلون)) استدراك عجيب منه صلى الله عليه وسلم ليخبر العاملين المخلصين الواعين أن الصبر هو الوسيلة العظمى والزاد النافع لهم في طريقهم الطويل الصعب الشاق الوعر، ذاك الطريق هو الاستقامة على شرع الله والدعوة إليها المليء بالعقبات، وذكّرهم عليه الصلاة والسلام بمن سبقهم من المستضعفين ليكون لهم زاداً في طريقهم الطويل، ويسليهم حتى يعلموا أن هناك من صبر أكثر منهم وبشرهم ووعدهم حتى لاييأسوا من العاقبة والعاقبة للمتقين.
عبد الواحد جعفر
08-10-2015, 10:35 PM
المتساهلون في الدماء
جاءني صديق بقريب له سجن سنوات طويلة بسبب انتمائه لتنظيم سلفي جهادي، ودار بيننا حديث بصفتي سجينًا سابقًا حول قتل ضابط أمن كان يعامل المنتمين للتنظيمات الإسلامية معاملة راقية _على الأقل ما رأيته منه_، وهو شاب مثقف ومتدين، وكان ذلك السلفي الجهادي قد أجابني بما يتصورونه من حِل قتل رجال الأمن باعتبارهم يحمون الطواغيت، ولمَّا تحدثنا عن حرمة دم المسلم وأن ذلك الضابط وأمثاله إنما يؤدون وظيفة ولم يقعوا في دماء الناس، وأن المعلِّم الذي يعلم الطلاب مادة التربية الوطنية التي تحض على الإقليمية واحترام الدستور والقوانين الوضعية أخطر من الأمني الذي يتعامل مع السجناء أو الجندي الذي يحرس على الحدود، ولكن لم ألمس قبوله لحديثي، ولما تعرضنا للتفجيرات التي يذهب بها أبرياء ليست لهم أية علاقة بمن يتقصدون قتله، أجابني بأن حسابهم على اللهّ!! فقلت لو أن ابنك كان بين القتلى أكنت ترضى بمقتله ويُقال لك حسابه على الله بكل تلك البساطة حينما يقتل مجموعة أشخاص من أجل تقصد رجل يستحق بنظركم القتل؟ لم يجبني وخرج من بيتي ولم يَعد أبدًا رغم طلبي للقاء آخر!!!
وأمني آخر رفض في الحي المجاور لحينا أن يطلق النار على خلية سلفية قائلاً على مسامع من كانوا حوله أنا لا أطلق النار لأقتل مسلمًا، ورغم إلحاح من يجاوره عليه بأن ينفذ الأوامر إلا أنه أصر على رفضه مهما كانت النتائج.
وأمني آخر كان يتعامل بكل رفق مع السجناء (الإسلاميين) وأنه يُحب خدمتهم ويعمل جاهداً على قضاء ما يطلبونه منه. بل إن أحد الشُرط كان يتعاون معهم معرِّضًا نفسة لخطر فقدان وظيفته.
والأمثلة كثيرة مما علمته ومما علمه غيري، والاحترام كان واضحًا من قبل معظم الشُّرط للسجناء (الإسلاميين) وكان الضابط الذي ذكرته في بداية حديثي منهم وقتلوه.
ألم يقرأ أولئك قول الله الذي ترتعش منه قلوب المؤمنين {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهم خالدًا فيها، وغضب الله عليه وأعد له عذابًا عظيمًا}، ثم ألم يسمع أولئك قول رسولنا الكريم "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا" وأي وعيد أعظم مما جاء في هذين النصين مما يتعلق بحرمة الدماء؟! فضلًا عن النصوص الكثيرة من كتاب الله وحديث رسوله الكريم.
إن رجلَ الأمن والجندي إنما هم كسائر أبناء الأمة، وهم الأبناء والآباء والأعمام والأخوال، وفيهم الصالح والفاسد كسائر أبناء الأمة، وفيهم قابلية العمل لدينهم ونصرته، ولا يصح بحال اتخاذهم أعداءً بأفهام غير صحيحة وتعوزها الدقة في الاستدلال .
وبالفهم الذي يأخذون به لا يبقى دم حرام عند أغلبهم إلا من ينتمون إلى جماعاتهم، ويأخذون بأفهامهم، وفي لقاء مع أحدهم انتهى النقاش بتكفيره لوالده لأنه يطيع قانون الكفر. هذا فضلاً عن تكفيره لكل الموظفين في الدولة، ثم انتقل التكفير إلى من يطيعون القوانين،جاهلين أو متجاهلين أن هناك أحكامًا لدار الكفر تختلف عن أحكام دار الإسلام.
وبعد ذلك يطل علينا من يدعو لقتل العساكر والأمنيين، ويحث على أن يبدأ كل فرد بأقرب الناس إليه؟! هداهم الله، وأبعد عنهم سوء فهمهم لدين الله الذي خرج معظمهم ليذود عنه بكل إخلاص.
فليتق الله من يُحرضون على سفك دماء المسلمين قبل أن يحاسبوا على كل قطرة دم سفكت إن كانوا من المتقين فعلاً. وليراجعوا أفهام الفقهاء، وليحترسوا من الاقتراب من هذا الأمر العظيم حيث أن ما جاء في عصمة الدماء نصوص يقتضي أن يراجع المسلم نفسه ألف مرة قبل التفكير في الإقدام على سفك دمٍ حرامٍ هو عند الله أغلى من الكعبة المشرفة، و"كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.