المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أجوبة أسئلة حول لبنان والعراق



عبد الواحد جعفر
03-09-2015, 07:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


أجوبة أسئلة

السؤال: أود أن استوضح عن الآتي بعد نقاش سياسي جرى في إحدى الجلسات مؤخراً:
1- كان الرأي السائد حول ما يجري في لبنان من اعتصامات تتعلق بالخدمات والفساد (طلعت ريحتكم) حيث خرج الناس من مختلف الطوائف، أن المسألة تتعلق بإعادة ترتيب الوضع اللبناني حسب المرحلة الثانية من اتفاقية الطائف التي تتعلق بإلغاء المحاصصة الطائفية في المناصب العليا التي انشغلت الطوائف بها حتى وصل الصراع عليها في ذات الطائفة الواحدة، وهذا ما يفسر عدم التوصل لاختيار رئيس جمهورية منذ سنة ونصف تقريباً هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الاعتصامات التي ساهم فيها أنصار حزب الله والتيار الوطني الحر بشكل رئيسي من شأنها أن تصرف أنظار الناس في لبنان عن تدخل حزب الله في سوريا والذي دفع بكثير من قواه لاستكمال تقسيم سوريا بمحاولة الاستيلاء على الزبداني والغوطة الشرقية لضمها للقوس العلوي الممتد من جبال العلويين إلى دمشق وصولاً إلى منطقة البقاع الأوسط. فهل ما وصل إليه النقاش كان صحيحاً؟
2- في موضوع العراق فإن الحديث تركز على توجيه البرلمان العراقي الاتهام في تسليم نينوى للمالكي وأكثر من ثلاثين شخصية أخرى، وإصلاحات العبادي، والاعتصامات المتعلقة بالخدمات، وقتال تنظيم الدولة في الأنبار والتحضيرات لاستعادة الموصل، وكان الرأي السائد هو أنه يراد تحميل حقبة المالكي أوزار الوضع السابق، والشروع في تقوية الحكومة المركزية بالتزامن مع السير بالفدرلة بعد الأخذ بعين الاعتبار ما صرَّح به السيستاني من التحذير من التقسيم، ولذلك جرى توقع تحجيم نفوذ دولة البغدادي لصالح نشوء إقليم لـ"السنة" يساعد الكيان الأردني في بلورته، فهل ما تم التوصل إليه صحيح؟

الجواب:
أولاً: أما بالنسبة للسؤال الأول ففيه تفصيل؛ فمن ناحية فإن ما تم ذكره من أن اعتصامات وتحركات "طلعت ريحتكم" تتعلق بإعادة ترتيب النظام اللبناني حسبما تم التأكيد عليه في اتفاقية الطائف من حيث وجوب إلغاء الطائفية السياسية ونظام المحاصصة الطائفية في المناصب العليا في السياسة والجيش والأمن فهو راي صحيح . ولكن القول بأن أنصار حزب الله والتيار الوطني الحر هم الذين يقفون وراء حملة "طلعت ريحتكم" حتى يتم صرف أنظار الناس في لبنان عن تدخل حزب الله في سوريا فتعوزه الدقة. هذا مع صحة القول بأن حزب الله هو جزء من الجريمة الكبرى لتقسيم سوريا؛ وللتوضيح نقول ما يلي:
رغم أن الاحتجاجات انطلقت منذ شهر بسبب موضوع القمامة إلا أنها تطورت تدريجياً وتحولت إلى حركة احتجاجية شملت مجالات أخرى للفساد والتقصير الحكومي مثل مشكلة الكهرباء والمرتبات، وبعد ذلك تحولت للمطالبة بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات وفق قانون انتخابي عادل بل والمطالبة بالغاء النظام الطائفي.
أما من يقف حقيقة وراء تلك التحركات فواضح أن وراءها الأصابع الأميركية التي تحرك الدمى كالعادة بأساليبها الخبيثة والملتوية، وذلك للأمارات التالية:
1_ إن منسق حملة "طلعت ريحتكم" هو عماد بزي، هو أحد تلامذة منظمة "أوتبور" (المقاومة الشعبية) الصربية. وهي منظمة مرتبطة بمعهد السلام الأميركي usip، نشطت في عملية إسقاط الرئيس سلوبودان ميلزوفيتش في صربيا، وعملت على تدريب مئات الناشطين من أكثر من 37 دولة في العالم على قيادة وإدارة الانقلابات والثورات "الناعمة والملونة" من خلال تحريك الاحتجاجات المدنية والسلمية، في مركز canvas في بلغراد تحت إشراف المدرب سيرجيو بوبوفيتش.
وقد اختارت مجلة فورين بوليسي عماد بزي في العام 2011م من ضمن أكثر سبعة أشخاص تأثيراً على الإنترنت في الشرق الأوسط، وهذا طبعاً من أجل تلميع صورته وإبراز شخصيته ولفت الانتباه إليه. وكان عماد بزي من أشد المطالبين بعد حرب 2006 بتنحي العماد إميل لحود الذي كان محسوبا على قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، ومن المعارضين للقوات اللبنانية التابعة لسمير جعجع وكان خصماً لقوى 14 آذار الذين طالبوا باستقالته وبخاصة بعد اغتيال رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005. وهذا الأمر يرفع شبهة أن عماد بزي يعمل لمصلحة حزب الله أو التيار الوطني الحر.
وعليه فإن وجود عماد بزي كمنسق للاحتجاجات التي يبدو أنه لا يراد أن يظهر خلفها تيارٌ بعينه مقصوداً، وذلك حتى تكون المطالبة السياسية باسم كافة أبناء الطوائف، وتأخذ وصف الاحتجاج الشعبي العام على غرار ثورات ما يسمى بالربيع العربي.
2_ رغم أن مجلس الوزراء برئاسة سلام تمام قام بإلغاء نتائج مناقصات عقود النفايات إلا أن الاعتصامات لم تتوقف وارتفع سقف مطالبها. وهذا يدل على أن من خطط لهذه التحركات يدرك جيداً أنه بتجميع الناس حول عمل مطلبي يتفق عليه الجميع وهو مشكلة القمامة في البلديات، يمكن بعد ذلك سوقهم في اتجاه مطالب سياسية تخص النظام كله. وبالوصول إلى المطالب السياسية يكون الناس في لبنان قد كسروا ثنائية الاصطفاف مع أو ضد قوى 14 و8 آذار التي تحكم المعادلة السياسية في لبنان منذ سنوات.
وعليه فمن المرجح أنه تم استغلال مشكلة القمامة كذريعة لجلب الناس للشارع للتظاهر ضد عدم قدرة الحكومة على اتخاذ أبسط القرارات التي تتعلق بشكل واضح بالخدمات التقليدية للمواطنين بسبب حالة الانقسام السياسي الشديد، وفي ظل غياب ممارسة السلطة التشريعية لدورها. ويكفي دليلاً على هذا الفشل السياسي هو فراغ منصب رئيس الجمهورية منذ شهور طويلة وعلى مدى 26 جلسة للبرلمان نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني في ظل غياب غالبية أعضاء المجلس وخصوصا من قبل فريق 8 آذار. ولقد ازداد هذا الاستقطاب السياسي الحاد تفاقماً خصوصاً بعد اندلاع الأزمة السورية وانقسام السياسيين اللبنانيين بين الفريقين المتصارعين في سوريا.
3_ يذهب بعضهم للقول أن هناك فئة من قوى 8 آذار هي التي تقف وراء تلك التحركات، لكن ذلك قول غير دقيق. فبعض أنصار حزب الله والتيار الوطني الحر حاولوا توظيف الاحتجاجات على تفاقم أزمة القمامة في محاولة منهم للضغط على حكومة سلام بغية إحداث شلل تام بالبلاد يؤدي إلى استقالة الحكومة نفسها، وبخاصة بعد أن انسحب وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله الأربعة من جلسة رئاسة الوزراء ليوم الثلاثاء 25 آب/أغسطس. ولكن هذا النوع من الصراع ليس جديداً في لبنان. فقوى 14 آذار التي تشمل تيار المستقبل وحزب الكتائب، تحمل مسؤولية الفراغ السياسي الذي يشهده لبنان منذ أيار/مايو 2014 إلى حزب الله وحليفه ميشال عون أو ما يعرف بقوى 8 آذار بسبب تعطيل تلك القوى المستمر للنصاب القانوني الذي يسمح لمجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد.
ولهذا السبب دعم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري موقف تمام سلام ودعاه لتفعيل عمل الحكومة ومعالجة الأزمات العاجلة مثل مشكلة القمامة. أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فقد حذر من استقالة الحكومة ودعا المحتجين للبقاء في ساحة الشهداء بوسط بيروت لحين الضغط على أعضاء مجلس النواب من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد لتسقط الحكومة بعدها وتتم انتخابات برلمانية جديدة. وهذا يوضح أن كل طرف في الأحزاب اللبنانية يحاول استغلال اعتصامات حملة "طلعت ريحتكم" وتوظيفها لمصلحته، ولكن ذلك لا يعني أن حزباً معيناً من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية تصوب الأنظار إليه أنه هو الذي يقف وراءها.
4_ من الواضح أن المصالحة التاريخية بين الطوائف المتحاربة في لبنان بين العام 1975 و 1989 وما نتج عنه من "اتفاق الطائف" الذي يدعو إلى إلغاء الطائفية من الحياة السياسية لم يتم العمل به أو تفعيله رغم كل الشعارات التي يرفعها بعضهم هنا أو هناك. ولكن ومنذ شباط/فبراير 2011 أطلقت أميركا مسار حملة "اسقاط النظام الطائفي" التي وئدت بعد أشهر من انطلاقها بسبب تمسك الأطراف السياسية والطائفية بمواقعها. لكن المدقق في الحراكين يلاحظ أن الوجوه نفسها فيما يعرف بقوى "المجتمع المدني" هي التي تقود تلك التحركات.
وبات واضحاً _وهذا مقصود بحد ذاته_ أن الأحزاب التقليدية المشاركة في مغانم السلطة والثروة في لبنان لا علاقة لها ابتداء بهذه التحركات والإعتصامات . فقبل انطلاق مظاهرة يوم السبت 29 آب/أغسطس كتبت حملة "طلعت ريحتكم" على صفحتها في فيسبوك أن "السلطة اللبنانية مصرة على دفن رأسها في الرمال ضاربة بعرض الحائط مطالب اللبنانيين؛ لأن السياسيين يحاولون استغلال التحركات لتسجيل نقاط وخلق شرذمة بين المتظاهرين؛ لأن قضية النفايات لم تحل بعد، والمعتدين على المتظاهرين لم يحاسبوا". وتضيف الحملة للأسباب التي تقولها "نزول الشباب اللبنانيين بكافة أطيافهم إلى ساحة الشهداء من أجل الدفاع عن صوتهم المستقل ودق إسفين في نعش نظام الطوائف".
وهنا يبرز تساؤل أنه ما دامت أميركا تسعى إلى تقسيم المنطقة طائفياً، فلماذا تعمل خلاف ذلك في لبنان؟ والجواب أن الطائفية متجذرة أصلاً في لبنان، سواء ألغي اتفاق الطائف أم بقي، ولكن إلغاء المحاصصة الطائفية في المناصب العليا يعني تعزيز هيمنة "الشيعة" على القرار السياسي رسمياً باعتبارهم الأكثر عدداً كما يشاع، وبذلك يكون لبنان جزءاً من "الهلال الشيعي" الذي يتقصد إبرازه مقابل "الكتلة السنية" وهو مما يعزز الطائفية بقوة إقليمياً، والتي تستغلها أميركا كأحد أخطر الأساليب لتحقق من خلالها إضعاف المسلمين.

ثانياً: أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو موضوع إصلاحات العبادي في العراق، فما ذكر رأي صحيح، ويبدو فعلاً أن الأحداث الجارية في العراق من مظاهرات واعتصامات في هذه الأيام تدخل في سياق تحضير الأرضية لإجراء حوار جدي بين حكومة العبادي وممثلي "السنة" من أجل إرساء نظام الأقاليم في المناطق "السنية" و"الشيعية"، وهي المقدمة نحو الفدرالية. إلا أن ذلك يجب أن يسبقه عملية تجميل مسرحي يتعلق بطي صفحة نوري المالكي عبر تحميله مسؤولية ما حصل في الموصل والتظاهر بمقاومة الفساد عبر إحداث تغيير شكلي على مستوى وزارة العبادي حتى يعطيه ذلك مصداقية في أي عملية تفاوضية قادمة.
ولعل أبرز دليل على ذلك هو تصريحات البنتاغون بشأن الأحداث الجارية في العراق. فقد أبدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية، أليسا سميث، تأييد الوزارة للإجراءات التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإصلاح الحكومة ومعالجة الفساد. وقالت متحدثة البنتاغون في تصريحاتها إن هذه الاقتراحات حصلت على دعم سياسي وشعبي واسع النطاق. وتابعت "مع الإشارة إلى أن هذا المسار مسألة داخلية عراقية، لكننا ننوّه بمبادرة العبادي لتعزيز وتحسين الخدمات الحكومية والشفافية، ما يهدف إلى تعزيز وحدة العراق، بما في ذلك مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية".
فهذا التصريح مع دعوة المرجعية "الشيعية" إلى مقاومة الفساد وإصلاح القضاء وتصريحات مقتدى الصدر الداعمة للتحركات الشعبية، كل ذلك يؤكد أن المظاهرات التي تركزت هذه المرة في مدن الجنوب ليست سوى تحركات مصطنعة، يراد منها تقوية موقف رئيس الوزراء العبادي داخل حزبه، وهو حزب الدعوة الذي ينتمي إليه نوري المالكي نفسه، وداخل الأوساط "الشيعية" وكذلك على مستوى الرأي العام في العراق.
وبتقوية موقف العبادي تستطيع أميركا أن تجعله رأس حربة في تنفيذ مشروع الأقاليم والفيدرالية كما صرح بذلك أكثر من مسؤول أميركي. وبعد أن نجح العبادي في القيام بحزمة من الإصلاحات في الحكومة والبرلمان ونجح في تمكين البرلمان من إحالة تقرير إلى القضاء بشأن مسؤولية نوري المالكي عن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" مع عشرات المسؤولين الآخرين، فإنه من المتوقع أن يحقق شيئاً من الإنتصارات على تنظيم الدولة "داعش" يستطيع من خلالها توفير فضاء جغرافي لجزء من "سنة" العراق يقيمون فيه إقليمهم الذي وعدتهم به أميركا وتشجعهم عليه السعودية وقطر عبر وعودهما بضخ الأموال من أجل إعمار البنية التحتية وتوفير مواطن الشغل، ويساعد في تكوينه وإنشائه الكيان الأردني.
18/ذي القعدة/1436هـ
2/9/2015م