المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دردشات سياسية حول دخول تركيا الحرب على تنظيم الدولة والأكراد والملف النووي الإيراني



عبد الواحد جعفر
29-07-2015, 03:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

دردشات سياسية
أولاً: النتائج السياسية والعسكرية لتفجير مدينة سروج
وأخيراً استجابت تركيا للضغوط الأميركية بالانخراط في المخطط الأميركي القاضي بتقوية شوكة الأكراد في شمال سوريا على حساب بقية الفصائل المقاتلة. ورغم أن أميركا كانت منذ بداية تأسيس التحالف الشيطاني تستعمل شماعة محاربة "تنظيم الدولة" كأحد أهم وسائلها في جرِّ تركيا للمستنقع السوري، إلا أنها هذه المرة فتحت النار بكل قوة على تركيا بعد أن أظهرت هذه الأخيرة تردداً وتمنعاً من الإشتراك في محاربة "تنظيم الدولة". ويرجع سبب تمنع تركيا وترددها إلى خوفها الكبير من أن تقوى شوكة الأكراد في سوريا، وبخاصة بعد أن أصبح حزب العمال الكردستاني (pkk) هو الموجه والمشرف عملياً على سير المعارك وإدارة الحكم الذاتي التي سيطر عليها الأكراد وبخاصة بعد معركة عين العرب وتل أبيض.
وقد كان واضحاً في تلك المعارك ما ترمي إليه أميركا من تأكيد القومية الكردية في سوريا، وإفراد أكراد سوريا بحكم شمال سوريا على طول الحدود التركية. وهذا هو الهاجس الكبير الذي تخشاه تركيا اليوم بعد أن أصبح للأكراد شبه استقلال تام في العراق؛ يمضون الصفقات التجارية وعقود النفط ويستقبلون الوفود الأجنبية دون الرجوع إلى المركز في بغداد. ولا تخفى تخوفات الاتراك من استنساخ أكراد تركيا ما جرى في العراق وما هو جار لإنشاء كيان للأكراد في سوريا.
ولم تمض أربعة أيام على التفجير الذي وقع يوم 19/7 في مدينة سروج واستهدف مجموعة من الشبان الذي يقدمون الدعم للاجئين القادمين من مدينة عين العرب حتى بدأت المقاتلات التركية في شن غارات جوية على مواقع "تنظيم الدولة" في سوريا. وليس هذا فحسب بل إن تركيا وافقت رسمياً على استخدام التحالف الدولي لقواعدها الجوية في حربه ضد "تنظيم الدولة" وسمحت للطائرات الأميركية بالتمركز في الأراضي التركية. ولأن تركيا تدرك جيداً الأبعاد السياسية والعسكرية من توريطها في الحرب على "تنظيم الدولة" لذلك فإنها تحاول المزج بين "تنظيم الدولة" وحزب العمال الكردستاني في حملاتها العسكرية التي طالت مواقع لـ"تنظيم الدولة" في سوريا ومواقع لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق. كما أن حملة الاعتقالات التي شنتها في 16 ولاية تركية قد طالت المئات من المحسوبين على "تنظيم الدولة" وحزب العمال الكردستاني و"جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري".
أما المنطقة الجوية الآمنة فقد ذكرت صحيفة حرييت التركية، بتاريخ 24/7، أن الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة على السماح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة أنجرليك جنوب تركيا؛ لشن هجمات على" تنظيم الدولة الإسلامية" في سوريا، يتضمن إقامة منطقة حظر طيران على أجزاء من سوريا على الحدود مع تركيا. وذكرت الصحيفة أن الاتفاق يتضمن إقامة منطقة حظر طيران تمتد تسعين كيلو متر بين مدينتي مارع وجرابلس السوريتين، على الحدود مع تركيا، وستقدم هذه المنطقة الدعم لمنطقة آمنة مقررة على الأرض، يمكن أن تمتد حتى خمسين كيلو متر في عمق سوريا.
والمدقق في حدود هذه المنطقة يلاحظ أنها قريبة جداً من عين العرب وعفرين اللتين تخضعان لإدارة الحكم الذاتي التي تشرف عليها قوات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd). وإذا ما تم توسيع منطقة الحظر الجوي في المستقبل فإن ذلك لن يكون إلا بعد أن يُحكم أكراد سوريا سيطرتهم على الشريط الحدودي وتصبح لهم اليد الطولى على بقية الفصائل السورية المقاتلة بما فيها تلك التابعة للحكومة المؤقتة. فمن المعلوم أن تركيا كانت في السابق تطالب بمنطقة عازلة وآمنة مع حظر للطيران حتى تحول دون تفرد الأكراد بشمال سوريا وكانت أميركا ترفض السير في هذا الأمر.
وعليه فإن هذا التغيير في الموقف الأميركي يدل على أن أميركا قد اطمأنت على أن أكراد سوريا قد شقوا الطريق في اتجاه اقتطاع شمال سوريا كما فعل أكراد العراق بعد حرب 1991 ونجحت أميركا وقتها في جعل شمال العراق منطقة حظر طيران على حكومة صدام حسين.
لكن أميركا هذه المرة نجحت في جرِّ تركيا إلى مصير العراق عبر تفجير الأوضاع الأمنية في داخل الأراضي التركية، وكان ذلك رسالة واضحة إلى أن استمرار تركيا في التردد والتمنع بالإنخراط في المخطط الأميركي سوف يكلفها غالياً أمنياً وعسكرياً وسياسياً، ليس فقط على مستوى إرباك عمل الحكومة التوافقية الضعيفة المنبثقة من رحم الانتخابات الأخيرة التي تراجع فيها حزب العدالة والتنمية بل وأيضاً على مستوى عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني منذ اتفاق وقف إطلاق النار في العام 2013.
والملاحظ أن التحركات الأميركية الأخيرة ضد تركيا قد سبقها هجوم ديبلوماسي كبير من بعض المسؤولين الأميركيين ضد حكام تركيا بسبب سماح أنقرة لـ"تنظيم الدولة" بالتواجد في المناطق الحدودية بحرية واضحة، إضافة إلى السهولة الكبيرة التي تجدها العناصر الراغبة في الانضمام إليه بالمرور من الحدود التركية إلى السورية. وبحسب وكالة أنباء "رويترز" (9/7/2015)، فإن جون ألين، الجنرال المُكلف من قِبل الرئيس الأميركي باراك أوباما بتشكيل تحالف لمجابهة "تنظيم الدولة"، قد تحدث إلى العديد من المسؤولين الأتراك، معرباً عن استيائه البالغ من موقف بلادهم المتخاذل في "محاربة الإرهاب".
وليس غريباً من خلال كل هذا الانصياع لرغباتها أن تتمكن أميركا من تنفيذ مشروعها (الشرق الاوسط الكبير) بكل سهولة وبمجرد تحريك أدواتها وأذنابهم خدمة لمصالحها، وبخاصة مع رعايتها لزيادة خصوبة التربة المنبتة للفتن العمياء من مذهبية وعرقية ومناطقية وطائفية. وانصياع حكام تركيا يظهر من مواكبتهم لمصالح أميركا بدعم "تنظيم الدولة" أو محاربته حسب ما تقتضيه مصالح أميركا وتنفيذ مشروعها في المنطقة.

عبد الواحد جعفر
29-07-2015, 03:47 PM
ثانياً: أبعاد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الست
بعد أن توصلت إيران ومجموعة خمسة زائد واحد يوم 14/7/2015 إلى اتفاق وصف بـ"التاريخي" حول الملف النووي الإيراني الذي أثار كثيراً من الصخب الدبلوماسي والسياسي والتلويح بالهجوم العسكري مدة 12 عاماً، تعالت التصريحات بالتأييد والرفض والتخوف حول هذا الإتفاق الذي جاء في ختام مفاوضات ماراثونية استمرت أكثر من 21 شهراً.
فقد دافع الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمة متلفزة من البيت الأبيض عن هذا الإتفاق ووصفه بـ"الاتفاق التاريخي" بين إيران والدول الكبرى؛ لأنه قطع كافة الطرق أمام إمكانية امتلاك طهران أسلحة نووية وأوقف انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط. كما تعهد أوباما باستخدام حق النقض ضد أي محاولة من الكونغرس لوقف تمرير الاتفاق النووي مع إيران، وأكد أن الاتفاق النووي مع إيران يتيح الفرصة لاتباع اتجاه جديد في العلاقات مع طهران.
أما الرئيس الإيراني روحاني فقد حاول تسويق هذا الإتفاق داخلياً بأنه حقق جميع الأهداف المرجوة من المفاوضات مع القوى الكبرى والتي تشمل الحفاظ على التكنولوجيا والنشاطات النووية داخل الأراضي الإيرانية والاستمرار بها، إضافة لإلغاء الحظر والعقوبات وإلغاء كل القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن، وأخيراً إخراج الملف النووي الإيراني من تحت الفصل السابع. كما اعتبر أن الاتفاق فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة تقوم على الحوار لحل الأزمات، مشيراً إلى أن نتائج الاتفاق متبادلة ولا يوجد فيها ربح أو خسارة للأطراف.
إن أميركا تدرك جيداً أنه لا يوجد خطر حقيقي من إيران على أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية؛ لأن إيران منذ أن وصل الخميني إلى الحكم بعد الصفقة التي عقدها مع أميركا في فرنسا بحضور وزير العدل وقتذاك رمزي كلارك وهي مجرد عصا غليظة تستعملها لرعاية المصالح الأميركية وتثبيت نفوذ أميركا في المنطقة رغم كل شعارات العداء لأميركا التي كانت تضحك بها على عامة الشعوب وأشباه السياسيين والمفكرين. ومع ذلك فما هي أهداف أميركا من إبرام هذا الإتفاق النووي مع ايران.
1_ زيادة التوتر بين إيران وبين دول المنطقة من أجل إضعاف الجميع بالتفريق بين المسلمين وضرب إمكانية وحدتهم
فإيران التي تتزعم "الهلال الشيعي" سيكون الاتفاق الدولي معها بمنزلة جرعة معنوية كبيرة لـ"شيعة" المنطقة الذين استجابوا في مجملهم للفتنة المذهبية بدعم من طهران التي كانت تعاني من الحصار، وسينعكس ذلك على اندفاعهم في حرب إخوانهم ونزع مشاعر الاحباط التي بدأت تأخذ طريقها إلى جزء منهم، وضرب جهود العقلاء والمخلصين من ضرورة التوقف عن الانغماس في الفتنة والسير في الحروب القذرة ضد إخوانهم بعد أن كان العداءُ موجهاً لليهود والأميركان.
ولذلك تجهد الماكينة الإعلامية وهي أداة طيعة بيد أميركا والغرب الكافرين بتضخيم ما تظهره أنه نصر لطهران في صراعها الطويل من أجل الملف النووي، وفك الحصار عنها، وما سينتج عن ذلك من تضخيم إمكاناتها, وكل ذلك ستستخدمه أميركا من خلال أدواتها وأذنابهم لزيادة الفجوة بين أهل المنطقة واستمرار الصراع بين أبنائها حتى تتحقق الغاية منه، وهي إضعاف أهل المنطقة المسلمين بقتل شبابهم وإضاعة ثرواتهم وتبديدها في الانفاق على السلاح لزيادة القتل والدمار والوصول إلى شرخ المنطقة وتفتيتها وإبقائها تحت سيطرة أميركا. وعليه، وبعد الإتفاق النووي، سوف تتفرغ إيران أكثر لخدمة المشاريع الأميركية في المنطقة وبخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
2_ نشر الرعب في إسرائيل ودول الخليج لزيادة ارتمائهم في أحضان أميركا
رغم أن أميركا تدرك جيداً أنه لا يوجد أي خطر نووي من إيران على إسرائيل ودول الخليج، سواء قبل الإتفاق أو بعده، لكن الإتفاق قد زاد من الرعب في إسرائيل ودول الخليج لأنه حافظ لإيران على منشآتها النووية بمباركة دولية. وهذا الأمر سوف يبقي الخطر النووي الإيراني فزاعة تدفع بإسرائيل ودول الخليج لمزيد من الإرتماء في حضن السياسات والمشاريع الأميركية.
ولذلك فليس غريباً أن يكون موقف إسرائيل ودول الخليج ممزوجاً بالخوف والمرارة سواءٌ على مستوى الرأي العام أو على المستوى الرسمي الذي يبدي تمثيلاً للشارع. ورغم أن باراك أوباما وعد إسرائيل بعدم التخلي عنها بمواجهة أي تهديدات إيرانية أو "إرهابية"، ومع ذلك فقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع القوى الكبرى حول ملفها النووي "خطأ تاريخياً"، وتعهد بنيامين نتنياهو بالعمل على عرقلة طموحات إيران النووية. وأضاف "ستحصل إيران على الجائزة الكبرى، جائزة حجمها مئات المليارات من الدولارات ستمكنها من مواصلة متابعة عدوانها وإرهابها في المنطقة وفي العالم، هذا خطأ سيئ له أبعاد تاريخية".
أما حكام الخليج فقد أصابهم صمت القبور فيما تحدثت وسائل الإعلام هناك بأن الاتفاق سيء جداً لأنه سوف يسمح لإيران بالمزيد من العبث في المنطقة بعد أن أزاحت ملفها النووي من طاولة البحث الدولي واعترف لها بحقها في إبقاء منشآتها النووية ورفع العقوبات عنها. ورغم توصل أميركا إلى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي إلا أن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر ذكر في 22/7/2015 خلال جولته في الشرق الأوسط لطمأنة عملاء أميركا، أن الولايات المتحدة لا تستبعد اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية ضد إيران في حال واصلت الأخيرة عملها على تصنيع سلاح نووي. ليس هذا فحسب بل إنه رغم التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران أعادت الإدارة الأميركية الحديث عن مشروع إقامة منظومة إقليمية موحدة في دول الخليج العربية للدفاع المضاد للصواريخ الإيرانية كانت قد طرحته سابقاً مراراً.
وهذا يدل مرة أخرى على أن أميركا ما زالت تستخدم ورقة "الخطر الإيراني" المزعوم لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة التي من بينها حث دول الخليج على إنفاق الأموال الطائلة لشراء كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية للدفاع ضد مخاطر وهمية صنعتها لهم أميركا في أذهانهم لتبقيهم عبيداً لها.
3_ الإمعان في نهب بترول المنطقة بما فيها إيران واستنزاف اقتصاديات الدول الخليجية بخاصة
ولذلك يعتبر الاتفاق النووي الإيراني بالنسبة لدول الخليج كارثة ليس فقط لأن هذا الإتفاق النووي قد ثبت المنشآت النووية الإيرانية في مكانها ولم يستطع أن يزيح شبح السلاح النووي من أذهان حكام المنطقة، بل إن هذا الإتفاق قد رفع العقوبات عن إيران وما يعنيه ذلك من عودتها لسوق النفط العالمي مما ينذر بنشوء الخلافات داخل منظمة أوبك. فقد جعل انخفاض سعر البترول منظمة أوبك تضخ منذ أشهر بمعدل يفوق مستهدفها البالغ 30 مليون برميل يومياً. وقد جاء الاتفاق النووي ليعيد فتح احتياطي طهران الضخم من النفط والغاز أمام الشركات الغربية. وهذا سيجعل التنافس بين إيران ودول الخليج يزداد بشكل أعمق، سواء من أجل الفوز بحصة في السوق تعوض خسارته من تدني أسعار النفط بالنسبة لدول الخليج أو من أجل إعادة بناء اقتصادها والخروج من العزلة بالنسبة لإيران.
فإيران لديها رابع احتياطي نفطي في العالم وهو لم يفتح بسبب العقوبات الدولية؛ وهذا الأمر أتاح المجال للسعودية أن تضخ مزيداً من النفط في الأسواق العالمية. ولكن بعد الاتفاق النووي مع إيران سيتغير الوضع سلباً على دول الخليج والسعودية بالذات والتي يعتمد 93% من اقتصادها على صادرات النفط. وإذا أضفنا إلى ذلك أن السعودية تواجه حالياً عجزاً في ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار النفط إلى 53 دولار للبرميل وبسبب الحرب على الحوثيين التي ورطتها فيها أميركا، ندرك أهم أسباب تخوفها من الإتفاق النووي وخطر ذلك في المدى المتوسط على بقاء عائلة آل سعود في الحكم وحفاظهم على حدود المملكة.
4_ هناك مكاسب ستجنيها أوروبا من رفع الحظر عن إيران وبخاصة في استبدال السوق الإيراني بالسوق الروسي بعد الخسائر التي منيت بها أوروبا نتيجة العقوبات على روسيا، وسيمكن رفع الحظر عن إيران الشركات الأوروبية من الولوج إلى السوق الإيراني بقوة، بل إن استمرار انخفاض اسعار النفط سيدعم اقتصاديات دول أوروبا وبخاصة التي تعاني من صعوبات كاليونان، مما يخفف العبء عن دول الاتحاد المتبرمة من دعمها، والمكاسب التي ستجنيها أوروبا تشير إلى رضى أميركي عن تجاوب الدول الأوروبية مع سياساتها.
12/شوال/1436هـ
28/7/2015م