المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العذر بالجهل واصول التوحيد



أبو مثنى
17-04-2015, 07:42 PM
يقول –تعالى- في سورة الأعراف: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) .
قال الشنقيطي رحمه الله :
" فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَعْنَى أَخْذِهِ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ : هُوَ إِيجَادُ قَرْنٍ مِنْهُمْ بَعْدَ قَرْنٍ ، وَإِنْشَاءُ قَوْمٍ بَعْدَ آخَرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) ، وَقَالَ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ) ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) : أَنَّ إِشْهَادَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا هُوَ بِمَا نُصِبَ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ بِأَنَّهُ رَبُّهُمُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ لِأَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى (قَالُوا بَلَى) أَيْ: قَالُوا ذَلِكَ بِلِسَانِ حَالِهِمْ لِظُهُورِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ .
الْوَجْه الْآخَر فِي مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَ جَمِيعَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِنْ ظُهُورِ الْآبَاءِ فِي صُورَةِ الذَّرِّ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِلِسَانِ الْمَقَالِ : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) ثُمَّ أَرْسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّسُلَ مُذَكِّرَةً بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ الَّذِي نَسِيَهُ الْكُلُّ وَلَمْ يُولَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ، وَإِخْبَارُ الرُّسُلِ بِهِ يَحْصُلُ بِهِ الْيَقِينُ بِوُجُودِهِ .
وهَذَا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ يَدُلُّ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ " انتهى من " أضواء البيان " (2/ 42-43) .

والسؤال هو هل يعتبر هذا إقامة حجة على الخلق في معرفة الخالق وتوحيده بالفطرة ؟ وهل فيها حجة لمن يقول انه لا يوجد عذر بالجهل في اصول التوحيد ؟

عبد الواحد جعفر
19-04-2015, 11:56 PM
الآية الكريمة تصور مشهداً في عالم الغيب، أي مما لا يقع عليه الحس، بأن الله عز وجل أخذ من بني آدم منظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم بأنه ربهم، فشهدوا بذلك. ولم يذكر لنا القرآن الكريم كيف حصل ذلك وما هي حقيقته، فلا نعلم، ولا سبيل إلى علم ذلك. إذ أن كيفيات فعل الله _سبحانه_ غيب كذاته. ولا يملك الإدراك البشري أن يدرك كيفيات أفعال الله ما دام أنه لا يملك أن يدرك ذات الله. إذ أن تصور الكيفية فرع عن تصور الماهية. وتصور الماهية مستحيل؛ لأنها لا تقع تحت الحس، فكذلك الكيفية. ومع التسليم بحصول ذلك فإنه لا يمكن تصوره، ولا كيفيته كما أسلفنا. أما كون ذلك كاف في إقامة الحجة على الخلق في معرفة الخالق وتوحيده بالفطرة، فهذا يحتاج إلى نظر. إذ أن القرآن الكريم أورد في نص واضح أن الحجة لا تقوم إلا بإرسال الرسل، قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} فلو كان "الإشهاد" وحده حجة لما احتيج إلى الرسل ولا إلى الرسالات، فكان من المحتم أن الحجة هي البلاغ الذي يأتي به رسول أو نبي من عند الله تعالى. أما كونه؛ أي "الإشهاد"، ينفي العذر بالجهل في التوحيد، فهذا أيضاً يخالف منطوق الآية التي علقت العذاب على إرسال الرسل، وبينت أن الحجة تقوم عليهم بهم لا بغيرهم.. فنفي العذاب مطلقاً، وتعليقه على إرسال الرسل، يدل على أن إرسال الرسل حجة ومفهوم المخالفة يدل على أنه يعذر بالجهل بالتوحيد من لم يأته رسول من الله؛ أي لم تصله رسالة؛ اي الحجة القاطعة على وجود الله وإفراده بالعبادة.
وبناء على ذلك فإن العذر بالجهل في العقيدة قائم وموجود، بل ومعمول به أيضاً، بحسب دلالة النصوص التي تناولت الموضوع ومنها قوله تعالى آنف الذكر: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}..