مشاهدة النسخة كاملة : تتبع سياسي تأريخي للصراع في اليمن ودور القوى الاستعمارية
ابواحمد
04-02-2015, 10:55 PM
تتبع سياسي تأريخي للصراع في اليمن ودور القوى الاستعمارية. (الجزء الأول)
كتب/عابد النور سلمان
1/ 2/ 2015م
من لم يعِ التأريخ في صدره ***لم يدر طيب العيش من مره
ومن وعى أخبار من قد مضو**** أضاف أعمارا إلى عمره
إنه لمن السطحية والسذاجة النظر للصراعات المحلية في دويلات العالم الإسلامي"الشرق الأوسط" ومنه اليمن ، بوصفها صراعات محلية صرفة ، لأنه لا يمكن للأدوات المحلية أن تمتلك إمكانيات الصراع الطويل و وسائلة اللازمة من المال والسلاح .. ، كما أن التأريخ للأحداث والحروب المحلية دون إدراك لحقيقة الصراع الجاري في العالم وصعيده الأصلي ، وإغفال تأثير القوى الاستعمارية المؤثرة على المسرح السياسي الدولي ومخططاتها ضد الإسلام والأمة ، إنما هو نوع من الدجل والتشويه المتعمد لحقائق التأريخ لتزييف فكر الأجيال وتدمير وعيها لهويتها وعدوها ، وإصابتها بالعمى السياسي عن إدراك حقيقة ما جرى ويجري سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي .
وما من شك أن معظم الأقلام والكتب التي أَرخت لواقعنا _الماضي أو الحديث والمعاصر بأحداثه وصراعاته_ قد كتبت على هذه الشاكلة ؛ فكانت ثمرة ذلك ونتيجته جيلا ضائعا ، سطحي التفكير منحرف الفهم ، ممسوخ الهوية ، فاقدٌ للوعي الفكري والسياسي ؛ ألعوبة في أيدي أعدائه ، ومطية لأدواتهم من العملاء المحليين ، وضحايا تذبح قربانا لتنفيذ المؤامرات الاستعمارية .
وكمساهمة مخلصة صادقة منا في بناء الوعي السياسي الصحيح لدى شباب الامة ، وتعزيز هويتنا الحقة ، نكتب هذا التتبع السياسي التاريخي للصراعات بين القوى السياسية والحروب المحلية في اليمن منذ أن سلخ عن جسم الامة وكيانها(دولة الخلافة)حتى الآن ، لكشف المستور أو المسكوت عنه في كتب تأريخنا المعاصر مما وراء الصراعات السياسية والحروب ، من ادوار ومؤامرات خفية للقوى الاستعمارية .
فبنجاح المؤامرة الاستعمارية _بقيادة رأس الكفر بريطانيا_ في إسقاط دولة الامة ووحدتها في مطلع القرن العشرين ، أنفرط عقد وحدة المسلمين ، ووقعت معظم البلاد الإسلامية _لاسيما المنطقة العربية ، وبضمنها اليمن_ تحت الاستعمار ، فعملت بريطانيا على شطر اليمن إلى شمال وجنوب ، وأخضعت جنوبه لنفوذها الاستعماري العسكري ، فيما خضع الشمال لنفوذها عبر وجود أسرة حميد الدين في الحكم ، بعد أن سخرت الإمام يحي ومولته لتضليل بعض أبناء الامة في اليمن وقيادتهم للحرب بالوكالة عنها ضد الخلافة العثمانية خدمة للأطماع البريطانية . وهكذا وقع اليمن بشطريه تحت النفوذ البريطاني حال منطقة الخليج ومعظم المنطقة العربية . وظل الحال كذلك ، حتى برزت الولايات المتحدة قوة أولى في العالم _بعد الحرب العالمية الثانية_ وانقسم العالم إلى معسكرين متصارعين على أساس أيدلوجي(مبدئي)، ونشوب الحرب الباردة بين المعسكرين، فلعبت أمريكا دور القيادة في المعسكر الرأسمالي الديمقراطي ، فيما تزعم الاتحاد السوفيتي المعسكر الاشتراكي . وأخذت أمريكا تتطلع _بتأثير مبدئها الرأسمالي الديمقراطي فيها_ للحلول محل بريطانيا وفرنسا في استعمار المنطقة ونهب كنوزها وثرواتها واستعباد أهلها . غير أن مخاوف أمريكا من انشقاق داخل المعسكر الغربي يفقدها زعامتها له ، ويقوى المعسكر الشيوعي في مواجهة معسكرها الرأسمالي ، قد جعلها تحجم عن السير في استعمار المنطقة بالأسلوب العسكري ، وتبنت أسلوبا جديدا للاستعمار عرف بـ"الاستعمار الجديد" أو غير المباشر .
ثم عقدت القيادة الامريكية لقاء سريا في "فينا" بالقيادة السوفيتية _من وراء ظهر بريطانيا وفرنسا_ واتفقتا فيه على تصفية الاستعمار القديم من الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم الثالث عموما ، واقتسامه بينهما . وكذا استبعاد بريطانيا وفرنسا من النظر في القضايا الدولية ، وقيام كل منهما بالتغطية على عملاء الأخرى .
وبموجب هذا الاتفاق _الذي كشفه حزب التحرير للأمة في ستينات القرن المنصرم_ أخذت الدولتان في شن هجوم لاذع ضد الاستعمار العسكري(البريطاني والفرنسي)من خلال منبر الأمم المتحدة ، وإطلاق الشعارات التحررية لبناء رأي عام عالمي ضد الاستعمار ، وتبني قرارات دولية داعمة لثورات الشعوب وحقها في التحرر والاستقلال وتقرير المصير. وبهذا الأسلوب نجحت أمريكا بداية في اقتلاع الوجود والنفوذ البريطاني من مصر ، بإيصالها جمال عبدالناصر للحكم بانقلاب عام 1952 ، وقد وفر له الاتحاد السوفيتي الغطاء لإخفاء علاقته بأمريكا .
ثم سارت أمريكا في استخدام عبدالناصر لاستقطاب العملاء وصناعة ما سمي قادة التحرر _في البلاد العربية الخاضعة للإستعمار الأوروبي_ وإمدادهم بالمال والسلاح ، وربطهم بها وإشعال الثورات ضد الاستعمار البريطاني وأذنابه من حكام المنطقة ، واستطاعت بذلك إدخال معظم بلدان المنطقة تحت نفوذها بأسلوب الاستعمار غير المباشر .
وبالنسبة لليمن كجزء من المنطقة فقد سعت أمريكا لانتزاع شماله من بريطانيا ، وإخضاعه لنفوذها_ ليكون بوابتها للسيطرة على جنوب اليمن والخليج_ حيث عملت من خلال عبد الناصر لصناعة الثوار والثورة في شمال اليمن لإسقاط الحكم الأمامي . وقد نجحت عام 1962 في إسقاط الحكم الإمامي وإعلان قيام النظام الجمهوري بقيادة المشير عبدالله السلال ، وساعدها الاتحاد السوفيتي بتقديم قدر من الدعم للسلال .
أما بريطانيا التي فوجئت بالأمر، فقد سارت في حشد دعم عملائها من حكام المنطقة _وعلى رأسهم حكام الخليج بقيادة المملكة السعودية_ لإسناد القوى الملكية في حربهم لإسقاط النظام الجمهوري وإعادة الملكية ، إلا أن محاولاتها بائت بالفشل ، لفاعلية الدعم المصري الذي بلغ حد التدخل العسكري المباشر _بإرسال ما يزيد عن سبعين ألف مقاتل من الجيش المصري لشمال اليمن لدعم الجمهورية_ ، بل وقام عبد الناصر بزيارة لشمال اليمن وألقى عدة خطابات ثورية في صنعاء وتعز لتدعيم قوى الجمهورية ، وتحريك الجماهير في شمال اليمن وجنوبه ضد الوجود البريطاني في عدن ، كما عمل مع السلال عام 1963 على تأسيس وتشكيل ما سمي"جبهة تحرير الجنوب" وقدما لها الدعم المادي والإعلامي والسلاح للسير في الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية ، كما دعمت أمريكا عام 1965 صدور قرار من "هيئة الأمم المتحدة" يلزم بريطانيا بمنح الاستقلال لجنوب اليمن . وسار عبدالناصر في بذل جهود ومحاولات لاحتواء قادة "الجبهة القومية" الموالية للانجليز، بدمجها في "جبهة تحرير الجنوب" . حيث وجهت القاهرة دعوة لقيادة الجبهتين إلى مصر، وقد مثل"الجبهة القومية" مجموعة من قادتها على رأسهم مؤسسها قحطان الشعبي _الذي شغل عدة مناصب وزارية في حكومة الاحتلال في عدن_ فيما مثل "جبهة التحرير" مجموعة من قياداتها، وعلى رأسهم عبد القوي مكاوي . وقد فشلت مفاوضات الدمج بداية ، بإعلان قحطان الشعبي رفضه المطلق للدمج .
غير أن المفاوضات استمرت ، وخاصة بعد استمالة احد قادة الجبهة القومية المؤثرين في الداخل(على احمد السلامي)، وبعد تنسيق بين القيادات في الداخل والخارج ، وخلافات كبيرة حول نصيب كل طرف في قيادة التنظيم الموحد ، ونصيب كل طرف في السلطة وحكم البلاد _إلى درجة أن هناك من طرح مقترحا للأخذ بالنظام الفدرالي في جنوب اليمن_ وأخيرا وبعد ضمان فريق القومية الأغلبية في قيادة التنظيم الجديد ، أعلن في 13 يناير1966 ، اندماج الجبهتين في جبهة موحدة سميت" الجبهة القومية لتحرير الجنوب" بقيادة عبد القوي مكاوي(أمينا عاما)، وتسعة أعضاء آخرين، ستة منهم من قيادات"الجبهة القومية"وثلاثة من "جبهة التحرير" .
يتبع.........
ابواحمد
04-02-2015, 10:57 PM
وحين أدركت بريطانيا أبعاد اللعبة الأمريكية وخطورة الوضع عليها ، وأن لا مناص من ترك جنوب اليمن ، أعلنت خارجيتها في 8/ نوفمبر 1967م ، أنها قررت الخروج من البلاد ؛ إلا أنها وضعت خطتها للخروج بقواتها من البلاد مع إبقاء نفوذها فيها ، بتسليم الحكم لعملائها . ولتحقيق هذه الخطة دفعت عملائها للانشقاق عن التنظيم الجديد"الجبهة القومية لتحرير الجنوب"، فعقد مجموعة من قادة القومية لقاء سريا شمال اليمن _منطقة "جبلة"_ وقرروا إعادة بناء "الجبهة القومية" ، والحفاظ على هيكلها ، وجرى تشكيلها بقيادة سالم رُبيع علي ، كما قرروا تبني العمل المسلح والانفراد فيه .
وفعلا باشروا _بعد تلقيهم دعما بريطاني_ في العمل المسلح ضد معسكرات القوات البريطانية في 14/ أكتوبر 1967 ، ودون أن يعلنوا انشقاقهم عن التنظيم الموحد ليضمنوا التأييد المصري . لكنهم بعد اعلان القيادي محمد سالم باسندوة _من فريق جبهة التحرير_ عقد اجتماع قيادة التنظيم الموحد(الجبهة القومية لتحرير الجنوب)بثلاثين عضوا ، أعلن فريق القومية ، بيان انسلاخ الجبهة القومية بقياداتها وأعضائها ، عن"جبهة تحرير الجنوب" ، وبرروا موقفهم في بيانهم ، بـ:"أن دمج الجبهتين تم بشكل قسري من قبل المخابرات المصرية".
وقد نجم عن اعلان الانشقاق هذا ، اغتيالات متبادلة لقيادات في الجبهتين ، تحولت لتصفيات دموية شاملة وحرب أهلية ذهب ضحيتها مئات القتلي وآلاف الجرحى من الأبرياء . فأوعزت بريطانيا لقيادة الجيش الاتحادي _الذي صنعته على عينها منذ احتلالها الجنوب_ بالانضمام للجبهة القومية لتقويتها في مواجهة "جبهة التحرير" ، وزاد من ضعف"جبهة التحرير" أيضا ، انحسار الدعم المصري عنها بسبب ارتباك وضع عبدالناصر جراء اللطمة التي وجهتها إليه بريطانيا "نكسة 67 " بيد إسرائيل .
وبعد تصفيات دموية وتهجير لكثير من قادة"جبهة التحرير" وأغتيال أبناء عبد القوي مكاوي، تفردت الجبهة القومية في الساحة ، وسارت وفقا للخطة البريطانية في العمل المسلح ضد معسكرات الجيش البريطاني ، لحشد الجماهير حولها والتأسيس لشرعية تفاوضها مع بريطانيا واستلام الحكم في البلاد . ومما يؤكد هذا الأمر، البرقية التي أرسلها سيف الضالعي "رئيس المكتب السياسي للجبهة القومية" في11/ 11/ 1967، إلى وزارة خارجية بريطانيا _عبر المندوب السامي في عدن_ يعلمها بأن الجبهة اصبحت مسيطرة جماهيريا وأنها جاهزة للتفاوض والحكم . فأعلنت بريطانيا اعترافها بالجبهة ممثلا شرعيا وحيدا للجنوب ، ودعت وفد الجبهة إلى جنيف للتفاوض ، حول مصير الجنوب .
فتوجه الوفد برئاسة قحطان الشعبي إلي المؤتمر ، ثم صدر البيان الختامي في 29/نوفمبر1967 متضمنا اعلان الطرفين التوصل لاتفاق . وبناء عليه أعلنت قيادة الجبهة في 30/نوفمير1967 "قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" ، وقرارها بتعيين قحطان محمد الشعبي أول رئيس للجمهورية . وهكذا نجحت الخطة البريطانية في تسليم الحكم لعملائها ، لينال جنوب اليمن استقلالا وانفصالا حقيقيا عن بقية اليمن وشعبه والأمة _حال غيره من بلاد الإسلام_ واستقلالا شكليا عن الكافر المستعمر، كما هو واضح في وثيقة الاستقلال ذاتها . ولتثبيت هذا الوضع فقد سارع أدوات بريطانيا من حكام الخليج والمنطقة للاعتراف باستقلال الجنوب ونظامه الجمهوري بقيادة قحطان الشعبي .
فأخذت أمريكا بكشف دور الانجليز في صناعة الجبهة القومية ، كما قامت "جبهة التحرير" ، وبدعم وإسناد نظام عبدالناصر ونظام السلال شمال اليمن بحملة إعلامية لفضح ولاء "الجبهة القومية" وعمالة قادتها للانجليز، فأقيل قحطان الشعبي من منصب الرئاسة ، ووضع تحت الإقامة الجبرية وعين سالم رُبيع علي رئيسا لمجلس الرئاسة في69 ، وأوعزت بريطانيا لأدواتها في الجبهة بالتحالف مع"الجبهة الوطنية"بقيادة عبدالفتاح إسماعيل _"الماركسي" المدعوم من الاتحاد السوفيتي_ للتغطية على علاقتهم ببريطانيا . وهكذا لبس القوميون في الجنوب ثوب الاشتراكية ، ونشأ الحزب الاشتراكي . و مع ذلك ورغم الدعم السوفيتي للحزب الاشتراكي في الجنوب وبناء السوفييت قاعدة "العند" العسكرية ، إلا أن السلطة الفعلية ظلت بيد رجال بريطانيا وظلت البلاد تابعة ومرتهنة لها .
أما في شمال اليمن فقد تطورت الأمور باتجاه وقف الصراع المسلح بين الأدوات المحلية ، حيث رعت المملكة السعودية وبدعم عبدالناصر مؤتمرا للصلح _بين قادة الجمهوريين والملكيين_ في جده ، أعلن فيه قادة القوى الملكية التزامهم بالنظام الجمهوري والعودة إلى البلاد ، أما أولاد الإمام وأسرته فقد توجهوا للعيش في بريطانيا .
وبعودة القوى الملكية إلى صنعاء نجحت بريطانيا بعد عامين من حكم السلال في تدبير انقلاب عليه _أثناء زيارته للعراق مما أضطره للعودة إلى مصر والبقاء فيها_ وجاءت المخابرات البريطانية بالقاضي عبدالرحمن الارياني لرئاسة الجمهورية . فيما عملت أمريكا من خلال سفارتها ووكر مخابراتها النقطة الرابع في"تعز" _العاصمة الثقافية للبلاد_ للترتيب للإطاحة بحكم القاضي الارياني، غير أن المخابرات البريطانية علمت بالأمر، فدبرت "انقلابا ابيض" على القاضي الارياني ، ونقل السلطة إلى المقدم إبراهيم الحمدي .
وهكذا ظل اليمن بشطريه تحت النفوذ البريطاني عبر العملاء في قيادة الشطرين . وحرصا منها على تثبيت نفوذها في اليمن وقطع الطريق أمام الاطماع الامريكية في اليمن والخليج ، فقد دفعت قيادة الشطرين(سالم رُبيع والحمدي)للسير في مباحثات اعادة وحدة شطري اليمن . لكن المخابرات الامريكية سعت لإفشال الخطة البريطانية ، باغتيال الرئيس"إبراهيم الحمدي" قبل أيام فقط من الموعد المحدد للقائه الرئيس"سالم ربيع علي" للتوقيع على الاتفاق النهائي لإعلان الوحدة ، ونجحت بالمجيء بـ"احمد الغشمي" إلى الحكم خلفا للحمدي ، وعاد شمال اليمن مجددا إلى الحضيرة الامريكية..
وعلى الرغم من نجاح بريطانيا في الإطاحة بالغشمي من الحكم بعد ستة أشهر فقط من توليه الرئاسة _باغتياله بواسطة حقيبة دبلوماسية مفخخة أرسلت إليه عبر مكتب الرئاسة في الجنوب_ إلا أن عملائها لم يتمكنوا من السيطرة على الحكم، لأن المخابرات الامريكية كانت قد دفعت الغشمي بمجرد وصوله للرئاسة لتنفيذ مجموعة من الترتيبات لمنع خروج البلاد من يدها في حال أطيح به ؛ ومن تلك الترتيبات التي تمت ، استحداث الغشمي لمنصب نائب رئيس المجلس الجمهوري، وتعيين القاضي عبدالكريم العرشي فيه ، ليتولى نقل الحكم _بشكل سلس لغيره من الموالين لها ، وهو ما حدث فعلا بتسلم المقدم"على عبدالله صالح" للحكم بعد الغشمي . وقد حاولت بريطانيا الإطاحة بـالعقيد صالح _في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات_ بانقلاب قاده الحزب الناصري ، لكنه فشل ، وتمت تصفية كثير من الانقلابيين . هكذا تطورت أحداث الصراع في شمال اليمن بين القوى المحلية حتى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات .
أما تطورات الأوضاع في الجنوب ، فقد انضوت بعض قوى"جبهة التحرير"في الحزب الاشتراكي، وأصبح الحزب الماركسي مضلة لقوى الجبهات الثلاث _الجبهة القومية ، وجبهة تحرير الجنوب ، والجبهة الوطنية_ المختلفة في ولائها وتبعيتها ومصالحها . ورغم نجاح عبدالفتاح إسماعيل ومجموعته في إعدام الرئيس "سالم رُبيع علي" _بذريعة وقوفه خلف حادثة اغتيال رئيس الشمال"احمد الغشمي"، ومحاولة الاستئثار بالسلطة_ ومجيء عبد الفتاح إسماعيل للرئاسة خلفا له ، إلا أنه أقيل من الرئاسة بعد عامين تقريبا ، وغادر البلاد إلى موسكو ، وخلفه على ناصر محمد الحسني في الرئاسة ، ومع ذلك كله فأن السلطة الفعلية والتأثير الأقوى في الحكم ظل بيد قادة "الجبهة القومية" الموالية للإنجليز .
والذي مكن عملاء بريطانيا من الإمساك بالسلطة الفعلية في البلاد بالإضافة لكون معظم ضباط الجيش _وبخاصة القيادات الكبيرة تربوا في المدارس البريطانية وعلى عينها وتشربوا الولاء لها_ هو ما خصت به بريطانيا قادة القومية وأسرهم من امتيازات في الداخل و في لندن ، وأن بريطانيا هي المتعهد بتمويل ميزانية الدولة رغم الطابع الاشتراكي الماركسي للحكم .
وقد أدى إدارة السلطة في الجنوب من خلال هذه الأجنحة _المتناقضة الولاء والمصالح والأهداف_ تحت مضلة الحزب الاشتراكي، إلى إغراق البلاد وأهلها في بحور من الدماء بسبب المؤامرات والصراعات والانقلابات والتصفيات والمحاكمات بين هذه الأجنحة الساعية لخدمة مصالح أسيادها من المستعمرين . ولقد مثلت أحداث 13/يناير1986، بعد عودة عبدالفتاح من موسكو ، أحد محطات هذا الصراع ، وكانت مجزرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى . أما لماذا حدثت؟ فقد دفعت أمريكا أدواتها _مع بروز مؤشرات سقوط القطب الشيوعي ، والضعف البريطاني_ بقيادة الرئيس على ناصر محمد ، لتصفية عملاء الانجليز والماركسيين في قيادة الحزب والسلطة ، لتحويل البلاد لخدمة المصالح الامريكية .
فسار على ناصر بالتحضير لذلك ، ونجح على ناصر ومن معه فعلا في تصفية كبار القادة العسكريين والسياسيين الموالين للانجليز، وكذا القيادات الماركسية البارزة ، غير أن رجال"الجبهة القومية"_بسبب الولاء المتجذر لبريطانيا في صفوف ضباط الجيش وبخاصة قادة وحدات الجيش_ قد تمكنوا من الاحتفاظ بالسلطة وإجبار على ناصر وبقايا "جبهة التحرير"، على الفرار إلى شمال اليمن، بعد مجازر رهيبة بين أجنحة الحزب الثلاثة خدمة لمصالح أسيادها من المستعمرين ، وضحوا فيها بما يقارب مائة ألف نسمة من أبناء الأمة في الجنوب اليمن ، قتل معظمهم ودفنوا في مقابر جماعية ، ومنهم من دفنوا أحياء .
وبفرار من سمو(الزمرة)من عدن ، وآلاف من أتباعهم _الذين ضاق بهم البطين الأيمن من يمن الإيمان والحكمة ، واستقروا في بطينه الأيسر_ برز في قيادة الحزب والحكم حيدر العطاس ، وعلي البيض الذي تولى رئاسة البلاد بعد علي ناصر. وبذلك خلصت قيادة الحزب والسلطة في الجنوب لبقايا أدوات بريطانيا من رجال"الجبهة القومية"وخلص الجنوب تماما للنفوذ البريطاني .
غير أن الضعف والعجز الذي لحق بريطانيا _بسبب نجاح المخططات الامريكية في تصفية نفوذها في معظم أجزاء الشرق الأوسط وأفريقيا_ قد جعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه نظام الجنوب _وفي وقت كان فيه الاتحاد السوفيتي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وعاجز عن المساعدة_ قد جعلها تدفع عملائها باتجاه الوحدة مع الشمال لإنقاذهم من أزمتهم المالية والاقتصادية ، بالاستفادة من موارد الشمال الذي كان يعيش حالة اقتصادية مرتفعة نسبيا ، وبنت حساباتها على أساس أن يتمكن الحزب الاشتراكي بعد الوحدة _بما يمتلك من قوى عسكرية وعناصر حزبية وتخريبية في الشمال من السيطرة على اليمن كله ، لتقوية نفوذها في الخليج . فيما دفعت أمريكا السلطة في الشمال باتجاه الوحدة ، وبنت ستراجيتها على أساس التخلص من قيادات الحزب الاشتراكي والوسط السياسي الموالي لبريطانيا في اليمن شماله وجنوبه ، كما سارت في استغلال صدام ونظامه لإيجاد الذرائع لاحتلال الخليج عسكريا والسيطرة عليه ، لوضع أخر حفنة تراب على ما تبقى لبريطانيا من نفوذ في المنطقة ، والشروع في تنفيذ مخططاتها للسيطرة على العالم .
ابواحمد
04-02-2015, 10:59 PM
اعلان الوحدة اليمنية:
سارت القيادة السياسية في شطري اليمن في مباحثات إعادة الوحدة ، وجرى تبني مشروع دستور جديد يعتمد النظام الرأسمالي الديمقراطي، كما اتفق على فترة انتقالية عامين يتم خلالها دمج الحزبين والجيشين والمؤسسات ، ثم أعلنت الوحدة الاندماجية وقيام(الجمهورية اليمنية)في22/مايو1990، وتولى علي صالح _رئيس النظام في الشمال، رئيس حزب المؤتمر الشعبي_ منصب الرئيس في دولة الوحدة ، وعلي البيض _رئيس شطر الجنوب، أمين عام الحزب الاشتراكي_ نائبا للرئيس ، وكلف حيدر العطاس بتشكيل الحكومة ، ثم اُقر دستور دولة الوحدة باستفتاء شعبي صوت عليه أبناء الامة في اليمن _ رغم علمانيته ومناقضته للإسلام عقيدة ونظام_ تحت تأثير حبهم للوحدة وإيمانهم بها كفريضة شرعية وقضية مصيرية عقيدية . غير أن حسابات القوى السياسية المحلية ومصالح أسيادها ومخططاتهم ، قد جعل الفترة الانتقالية تمر دون نجاح عملية دمج حزبي السلطة ، وبالتالي لم يتم دمج الجيش .
فأوعزت أمريكا لـ"علي صالح" مطلع عام 93 ، _وفق خطتها لاحتواء المجاهدين العرب في أفغانستان ، بعد استغلالهم في حربها ضد الاتحاد السوفيتي_ قبول عودة أعداد منهم للعيش في اليمن ودمج قادة هؤلاء"المجاهدين" في الجيش . وقد تلا ذلك اغتيال بعض قيادات الاشتراكي ، فبدأت صحف الحزب الاشتراكي ومثقفوه بالترويج لفكرة الفدرالية والكنفدرالية .. وأدخلت البلاد في أزمة عميقة بسبب ارتهان الأطرف السياسية للمستعمرين ، وبعد وساطات عربية _تحت تأثير ودعم دولي_ تم توقيع الرئيس ونائبه في عمان _برعاية ملكها _حسين بن طلال_ ما سمي"وثيقة العهد والاتفاق" .
وعلى عكس ما شُرط في الوثيقة من عودة البيض للعاصمة ، فقد توجه إلى لندن ثم إلى السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة ومنها إلى عدن جنوب اليمن . وألقى بعد وصوله كلمة _بثها تلفزيون عدن_ فجرت الأزمة والصراع ، وتحركت على إثرها مباشرة معسكراته في بعض محافظات الشمال مسنودة ببعض قوى الحزب في محاولة للسيطرة على تلك المحافظات ، لكن القبائل وقادتها من أعضاء الحزب قد خذلته ، وتمكنت القوات الموالية لحزب المؤتمر وحلفائه(جماعة الإخوان) ، بعد مواجهات خفيفة من محاصرتها ورضخ قادتها للتسليم . كما جرى محاصرة معسكرات القوات _التي انتقلت أثناء إعلان الوحدة من الشمال للمحافظات الجنوبية_ من قبل الوحدات العسكرية الموالية للحزب هناك ، ثم أعلن البيض قرار انفصال الجنوب عن دولة الوحدة ، وتشكيل حكومة برئاسته ، وعبدالله الاصنج وزيرا للخارجية ، وهيثم وزيرا للدفاع .. غير أن الرأي العام _وحتى داخل المعسكرات التابعة للبيض_ قد وقف رافضا للحرب من اجل الانفصال ، وهب أبناء الإسلام في اليمن _شماله وجنوبه_ لإسناد ودعم قوات الجيش ضد قوى الانفصال ، والاستماتة دفاعا عن وحدة البلاد وأهلها بوصفها قضية عقيدية مصيرية . فسقط مشروع الانفصال ، رغم تلقى البيض ومن معه دعما كبيرا بشكل غير معلن من دول الخليج وبخاصة السعودية _بالمال وشراء صفقات أسلحة متطورة خفيفة وثقيلة دعما لقوى الانفصال ، منها مدفعية ذاتية الحركة ، ومقاتلات ميج 29 الروسية_ ، لكنها بل وحتى بريطانيا لم تجرؤ _خشية من أمريكا_ على اعلان تأييدها لقرار الانفصال .
وفي الخلاصة فقد كان للرأي العام في عموم اليمن المؤمن بدينه ووحدته وأخوته الأثر الحاسم ، في إسقاط الانفصاليين والحفاظ على وحدة البلاد وأهلها ، وفر البيض ومن معه من قيادات الحزب الانفصالية للخارج .. وبذلك سقط المخطط البريطاني _كأخر محاولة نفذتها للسيطرة على اليمن ، أو إعادته لما قبل الوحدة . وبفشل محاولتها هذه ، فقد تضعضع عملائها في اليمن وخسرت ولائهم _بعد هروب البيض ومن معه من قادة الانفصال_ وبرزت قيادات جديدة للحزب الاشتراكي آثرت الارتماء في أحضان أمريكا ، وصارت تتسكع على أبواب سفارتها حال غيرها من القوى والأحزاب السياسية . بل وأدى ذلك لخسارة بريطانيا ما تبقى من عملائها في عموم المنطقة ، كما خسرت من قبل ولاء جماعة الإخوان ،بعجزها عن دعمهم في مواجهة بطش النظام التابع لأمريكا في مصر وسوريا ، وكما خسرت ولاء حكام الخليج بعد احتلال صدام للكويت . الأمر الذي زاد بريطانيا ضعفا على ضعفها ، وتفرد النفوذ الأمريكي في المنطقة والشرق الأوسط . لكن شهوتها في البقاء والحضور على مسرح السياسة الدولية ، ورغبتها في تأمين ما بعض مصالحها ، قد اضطرها للسير خلف أمريكا وضمن مشاريعها للمنطقة والعالم .
مخطط الشرق الأوسط الكبير/الجديد:
تحت تأثير الرغبة الأمريكية في الحفاظ على حالة الأحادية القطبية في السياسة الدولية وتفرد نفوذها في المنطقة والشرق الأوسط عموما وتحقيق حلمها في السيطرة على العالم ؛ وهواجسها من الرأي العام المتنامي للإسلام"الصحوة الإسلامية" في المنطقة ، وحرصها على احتواء توجه المسلمين نحو الإسلام كأساس للنهضة والوحدة ، وقطع الطريق أمام الدول الاستعمارية الأوروبية في معاودة التأثير في المنطقة وقلقلة نفوذها ، وحرصها على تثبيت دويلة يهود ودمجها في المنطقة لإبقائها خنجرا مسموما في قلب الامة الإسلامية ؛ فقد شرعت في وضع خططها لإحراق خارطة(سايكس/بيكو)وإعادة رسم خارطتها بما يحقق أهدافها في القضاء على الإسلام والمسلمين كأمة معينة ، كخطوة في طريق سيطرتها على العالم . فجاءت بمشروعها الاستعماري(الشرق الأوسط الكبير/الجديد)والذي وصف بأنه سايكس بيكو جديد للمنطقة .
وقد قام هذا المخطط الاستعماري _المصمم لتمزيق المنطقة وبضمنها اليمن كجزء من بلاد الإسلام_ على بعدين:
البعد الأول: إسقاط طواقم الحكام في دويلات المنطقة واستبدالهم بوجوه جديدة(إسلامية معتدلة) _حسب المقاييس الامريكية للاعتدال_ وتحضى بتأييد شعبي ، لتسخيرها في إلباس العلمانية ونظمها الرأسمالية الديمقراطية وقيم الثقافة الغربية ثوب الإسلام ؛ لإبقاء الإسلام الصافي النقي بعيدا عن التطبيق في الدولة وعلاقات المجتمع .
والبعد الثاني: ضرب تطلع المسلمين للنهضة والوحدة بإحراق خارطة (سايكس بيكو)، بأيدي المسلمين الذين يتخذون المذهبية الطائفية دينا وهوية "سنة" أو"شيعة" كانوا ! واستخدامهم وقودا وضحايا لمخططها الإجرامي، وإشعال الحرائق لفرض مشاريع الفدرلة على المنطقة والأمة ، لتحويلها إلى دويلات أوهن بنيانا واضعف جندا واشد فقرا وهوانا ، وتبعية للغرب من دويلات سايكس بيكو القائمة .
يتبع......
ابواحمد
04-02-2015, 11:00 PM
ثورات الربيع :
باشرت أمريكا السير في تنفذ مشروعها السابق الذكر منذ العام 2001 _بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر_ بطرح وفرض وصفتها للإصلاحات الديمقراطية على حكام المنطقة ، إلا أن الحكام وقفوا حائرين في تنفيذها ، لأن بعض جوانبها يشكل مساسا للمعلومات من الدين بالضرورة لدى الأمة ومساسا بلقمة عيش الناس ، مما يزيد من سخطهم على الحكام ، ومنها ما يتضمن تهديدا مباشرا لحكمهم . ولهذا فقد تعامل الحكام مع وصفة الإصلاحات بقدر من الانتقائية ، حيث ساروا في تنفيذ بعض الإصلاحات المتعلقة بمناهج التعليم لإفراغها مما بقي فيها من محتوى إسلامي وتركيز الثقافة الغربية العلمانية ، وكذا تكريس الحريات الديمقراطية لإفساد المرأة المسلمة والناحية الاجتماعية ، بالإضافة للإصلاحات الاقتصادية ، بخصخصة ما جعله الإسلام ملكية عامة للأمة ، من الثروات الطبيعية _المنجمية وغير المنجمية_ بنقلها إلى ملكية الشركات الاستعمارية ، وكذا خصخصة المرافق الخدمية الضرورية لحياة المجتمع ورقيه وتيسير حياة أهله _كالمشافي والتعليم والاتصالات والكهرباء_ لوكلائها المحليين(القطاع الخاص) . أما الإصلاحات السياسية المطلوبة ضمن الوصفة ، فقد تلكأ الحكام في تنفيذها ، لانطوائها على تهديد مباشر لوجودهم وأسرهم في الحكم .
ولهذا السبب ، فقد دشنت أمريكا السير في فرض إصلاحاتها بالقوة من الخارج ؛ بإسقاط نظام صدام واحتلال العراق وفدرلته كمقدمة لتقسيمه ، والقبض على صدام ومحاكمته وإعدامه ؛ موجهة بذلك لكل إذنابها في المنطقة رسالة مفادها: أن الشنق مصير من يتلكأ منهم في إطاعة إرادتها وخدمة مشاريعها . فعلى صراخ حكام المنطقة مطالبين بأن تجري عملية الإصلاح من الداخل ..
ثم طرحت أمريكا في 2004 ، مشروعها _للشرق الأوسط الكبير/الجديد_ أمام قمة الدول الثمان بشكل معلن ، لمناقشته وتوزيع الأدوار والمهام ، وفعلا جرى تنقيحه والاتفاق عليه . كما قامت في العام نفسه بتوزيع نص المشروع على أنظمة المنطقة ومنها اليمن _الذي تسلمت فيه السلطة والمعارضة نسخة مترجمة ، لأخذ ملاحظاتهم حوله والسير في تنفيذه_ وحينها حصلت مشادات بين أحزاب المعارضة وبين السلطة التي اتهمت قادتها بالسعي لتنفيذ أجندات خارجية .
ولقد كان من ابرز التطورات التي شهدتها الساحة السياسية اليمنية منذ العام 2003 ، تشكل الحراك الجنوبي ، وتوالي مرتزقة المخابرات الامريكية من معسكر تدريبهم في جوانتنامو إلى جنوب اليمن لصناعة القاعدة والإرهاب ، وكذا دفع ودعم السفير الأمريكي بصنعاء للتقارب بين حزب الإصلاح(إخوان اليمن)ذو الشعارات الإسلامية، مع الحزب الاشتراكي، وتحول العلاقة بينهما من حالة العداء الأيدلوجي وتناقض الولاء ، إلى التقارب الفكري والسياسي والتنظيمي . وقد سلك الطرفان لتحقيق ذلك وبالتوازي، مسلكين:
الأول:على الصعيد الأيديولوجي:
حيث قام الحزب الاشتراكي حينها بإعادة النظر في أيديولوجيته(عقيدته ، وثقافته الاشتراكية) ، وتطويرها ليس باتجاه الإسلام طبعا ، بل باتجاه الأيدلوجية الرأسمالية . وفي المقابل قيام حركة إخوان اليمن بإجراء مزيدٍ من المراجعاتِ لثقافتها الإسلامية لتقريبها من الثقافة العلمانية الرأسمالية الديمقراطية ، وإدماج قيمها(الحريات الغربية)في ثقافة الجماعة بشكل أعمق من ذي قبل . وكتتويج لجهود التقارب بين الحزبين ، فقد جائت حادثة مقتل جار الله عمر ، وتوريط على احمد جار الله في اغتياله ، بمثابة اعلان الطرفين استعدادهما للتخلص من المتشددين الأيديولوجيين لديهما ، وتبنيهما صراحة للمنهج الرأسمالي الديمقراطي الليبرالي . وهو ما ينسجم تماما مع البعد الأول للمشروع الاستعماري الأمريكي الشرق الأوسط الجديد .
الثاني:على الصعيد التنظيمي والسياسي:
وذلك بتوسيع تكتل أحزاب اللقاء المشترك بانضمام جماعة الإخوان إليه عام 2006م ، إلى جانب الحزب الاشتراكي والبعث والناصري وحزب الحق.. وكذا اتفاق هذه الأحزاب وبضمنها الإخوان وتوقيعها على برنامج سياسي موحد لكل الأحزاب المكونة للقاء المشترك _نشرت نسخة البرنامج عام2011م ، ضمن كتاب(التغيير: الإصلاح الديمقراطي في اليمن)للدكتور/محمد المخلافي ، وزير الشؤون القانونية ، والقيادي البارز في الحزب الاشتراكي_ ويجد المطلع على نص البرنامج ، أن هذه الأحزاب قد تبنت الفدرلة لضرب وحدة البلاد _كقضية شرعية مصيرية_ وتحويلها إلى دولة اتحادية ، منذ العام 2006 ، وهو ما يؤكد انخراطها المبكر في خدمة المشروع الأمريكي للمنطقة . كما ظهرت أقصى الشمال ، وبدعم إقليمي ، جماعة الحوثي كجماعة مذهبية لتبدأ دورها في استنزاف الجيش ورفع يد الدولة عن محافظة صعده وبسط نفوذها عليها ، والانسياب والتمدد إلى المحافظات المجاورة لصعده ، لتمهد للصراع الطائفي بين ما يسمى الشيعة والسلفية الوهابية في السعودية واليمن .
غير أن مقاومة أبناء الامة في العراق وأفغانستان قد أدت لاستنزاف أمريكا اقتصاديا وعسكريا وأوشكت على الغرق في الوحل ، فاضطرت للتخلي عن ستراجية التغيير من الخارج بالقوة ، وتبني أسلوبا جديدا لتنفيذ مخططها تمثل في ستراجية "الفوضى الخلاقة"التي أعلنت عنها الوزيرة الامريكية "رايس"عام 2006 من لبنان . وبناء على هذه الستراجية الجديدة ، فقد سارت أمريكا وفقا لتوصيات مراكز أبحاثها _وبخاصة مركز"رآند" التابع للبنتاجون_ في دعم من تسميهم اللبراليين الجدد"بقايا الأحزاب اليسارية"، وبناء الشراكة مع التيارات الإسلامية"المعتدلة"وفقا لتصنيف مركز"رآند" .
وللإستيثاق من جدوى هذه الشراكة ، فقد عُقدت ندوتين عامي 2006 ، 2007 ، بمركز دراسات "القدس" في الأردن، برعاية المخابرات الامريكية ، حضرها ممثلون عن جماعات الإسلام المعتدل(الإخوان ، والسلفية السرورية ، والشيعة ، والصوفية)_ من 16 دولة عربية منها اليمن ، التي شارك منها الدكتور محمد قحطان عن جماعة إخوان الإصلاح ، والدكتور مرتضى زيد المحطوري عن ما يسمى"شيعة اليمن"الحوثيين ، وآخران عن التيار الصوفي والجماعة السلفية . وخلصت نتائج ما دار فيهما من نقاشات وحوارات إلى تبني هذه الجماعات دمج الثقافة والقيم والنظم الرأسمالية الديمقراطية العلمانية في الثقافة الإسلامية ، في مقابل رفع أمريكا الغطاء عن الحكام في هذه البلدان ، ودعمها إسقاطهم ووصول هذه الجماعات للحكم ، لتجديد دماء النظم العلمانية في المنطقة وتطبيقها ، مستلهمين التجربة التركية في المزج بين العلمانية والإسلام ، وإعطاء الشرعية لمشاريع الفدرلة والتقسيم في المنطقة .
وعليه سارت أمريكا في تقديم الدعم المباشر لجماعات"الاعتدال"، و"الليبراليين الجدد"، من خلال المنظمات الامريكية والأوروبية غير الحكومية العاملة في هذه البلدان، أو بشكل غير مباشر من خلال بعض دويلات المنطقة كقطر والسعودية وإيران . كما تم استقطاب بعض شباب هذه الجماعات والأحزاب ومنهم الاخوانية"توكل كرمان"إلى أمريكا وبعض بلدان أوروبا الغربية والشرقية ، لإخضاعهم للتدريب على صناعة الثورات غير العنيفة ، وأساليب قيادة المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية وتنفيذ الاعتصام ، واحتلال المراكز الحكومية ، وكيفية إرباك قوات الشرطة والجيش وإسقاط هيبتها أو تحييدها واستمالتها ، وأما شباب ما يسمى الشيعة فقد جرى استقطابهم إلى لبنان ..
هكذا سارت الأمور وتطورت باتجاه صناعة فوضى "الربيع العربي" الذي انطلق مطلع يناير2011 من تونس مرورا بمصر فليبيا واليمن .. كما جرت محاكاة ذاتية للأحداث في هذه البلدان في كل من البحرين والعراق وحتى السودان إلا أنها فشلت بسبب الدعم الأمريكي للأنظمة هناك لحاجتها لها في هذه المرحلة الحالية على الأقل .
يتبع.........
ابواحمد
04-02-2015, 11:01 PM
تطورات الأحداث في اليمن:
لقد سارت أمريكا وأدواتها من قوى المعارضة في البلاد لتقويض النظام والتهيئة لإسقاطه بإخضاعه للسير في تنفيذ وصفة الإصلاحات الديمقراطية ، الأمر الذي أرهق البلاد وأهلها بالأزمات الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة والفساد ، وسيطرة الشعور بالظلم على عموم الناس وبخاصة الشباب ، ما جعل الأوضاع قابل للانفجار ومهيئة للثورة . ثم بدأت إرهاصاتها مع اندلاع أحداث فوضى الربيع في تونس ومصر مطلع2011م ، بخروج مسيرات شبابية نظمها وقادها بعض نشطاء منظمات المجتمع المدني في جامعتي صنعاء وتعز تأييدا للثورة الشبابية في تونس ومصر . وقد واكبها زيارة رئيس الوزراء التركي اردوجان"عراب مشروع الشرق الأوسط"، تلاه اليوم الثاني11/ 1/ 2011 وصول الوزيرة الامريكية "هيلاري كلنتن"، التي وصلت مباشرة إلى منزل السفير الأمريكي"جيرالد فايرستن" للاجتماع بقيادات المعارضة "أحزاب المشترك"(الإخوان ، والاشتراكي ، والحق ، والناصري..)، وإعطائهم الضوء الأخضر للتحرك لإسقاط النظام . ومما يؤكد هذا الأمر، تصريحات بعض قيادة المشترك عقب انتهاء الاجتماع في منزل السفير مع الوزيرة_ لصحيفة الزمن اللندنية ، ومنهم الاخواني الدكتور عبد الوهاب الأنسي ، الذي أجاب على سؤال الصحيفة _ماذا طلبت منكم الوزيرة كلنتن؟؟ وماذا رديتم ؟؟"_ ، بقوله: "طلبت منا أن نُعد البديل لمرحلة ما بعد صالح" ، وأضاف "فأوضحنا أنه ليس لدينا بديل حاليا ، ولكننا سنبلغ الخارجية الامريكية عبر سفيرها في وقت لاحق". وبعد مضي أيام فقط من مغادرة الوزيرة كلنتن و أردوجان صنعاء ، تحولت المسيرات المؤيدة للثورة في تونس ومصر إلى اعتصامات في الساحات العامة تطالب بسقوط النظام ورحيله ..
تابعونا في (الجزء الثاني)
بوفيصيل
19-02-2015, 06:56 AM
الله يفتح عليك اخي ابو احمد
لا تنسى اخي ابو احمد بان امريكا سبق وا ن اشترت ولاء القبائل في يمن الحكمة عبر قادتها حتى تكون قد احبكت خيوط اللعبة بما لا يدع مجالات لانتكاسة مخططها في اليمن حيث انها تعتبر منطقة ايمن ذات تاثير قوي من حيث المكان لاطلالتها على المنافذ البحرية وعلى اغنى بقعة غنية بالنفط لا ستخدامها متى دعت الضرورة في السعودية
سبحان الله الهذا المستوى وصل اهل الحكمة والايمان الى ان يتسابقوا لارضاء الغرب الكافر بدل ان يتسابقوا لارضاء رب العرش العظيم
نسال الله العلي القدير ان يجعل تدميرهم في تدبيرهم وما ذلك على الله بعزيز
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.