عبد الواحد جعفر
10-01-2015, 07:28 PM
الموقف من الفتنة المذهبية
الإسلام هو الدين الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لتنظيم علاقات الإنسان الثلاث، علاقته بخالقه، وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره من بني البشر وسائر المخلوقات. وقد ارتضى الله لنا الإسلام ديناً، وسمى من يؤمن به مسلماً.
وقد وجد على مدار تاريخ المسلمين مجتهدون وفقهاء وثق الناس به، وقلدوهم في آرائهم، فذاع صيتهم، وانتشر في الآفاق فقههم، فنشأت المذاهب الفقهية. ونتيجة اختلاف الأفهام في بعض المسائل العقيدية وجدت أفهام معينة لبعض المسائل الجزئية وحملها الناس، مما أوجد الفرق الإسلامية. أي جماعات تحمل آراء معينة في بعض المسائل العقيدية.
كل هذا؛ أي وجود المذاهب الإسلامية وكذلك الفرق أمر مقبول وتعدد محمود في الرأي، ما دام الجميع يجعل كتاب الله وسنة رسوله الأساس في الفهم، ويفهم ما يفهم في حدود لغة العرب وأساليب كلامهم. فوجود مثل هذه المذاهب والفرق الإسلامية أثرى فقه المسلمين، وأوجد نشاطاً فكرياً بارزاً في مواجهة العقائد والثقافات الأخرى والتي اصطدم بها المسلمون نتيجة أعمال الفتح وضم البلاد للدولة الإسلامية.
وكانت حواضر العالم الإسلامي كالمدينة والكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط وبغداد في العصر العباسي تعج بالعلماء والفقهاء من شتى المذاهب والفرق، وشهد العالم الإسلامي في تلك الحقبة نشاطاً ثقافياً؛ فكريا وفقهياً عالي المستوى، ولم يسبق له مثيل في تاريخ المسلمين، وكان يسمى العصر الذهبي للفقه والمعارف الإسلامية.
وبعد رحيل الأئمة الفقهاء والعلماء أخذ العالم الإسلامي ومنذ القرن الرابع الهجري يسير نحو الجمود. وبدأ التعصب المذهبي والفرقي الخبيث بالظهور، وقاد هذا التعصب إلى الخلاف، وأدى الخلاف إلى الاختلاف والتخاصم، ووقعت حالات من تحول هذا التخاصم إلى عراك وشجار بالأيدي وضرب بالجريد والنعال. وبدأت تظهر الفتاوى والآراء الغريبة والعجيبة والمتأثرة بهذا الخصام، فليس عجيباً أن يحرّم علماء الشافعية زواج الشافعي من حنفية، إلا بالقياس إلى الكتابية، في حين حرّم الأحناف الصلاة خلف الشافعية، لأن الإمام الشافعي أباح للرجل الزواج من ابنته التي جاء بها من الزنا، وهلمّ جرّا...
ولم يقتصر الاختلاف والتخاصم على مذهب أو فرقة بعينها، بل عم التعصب المذهبي الجميع ولم يسلم منه أحد، وبدأ العالم الإسلامي بالنزول عن مكانته التي كان بها، حتى وقع فريسة سهلة للغزو المغولي، والذي كان التعصب المذهبي بين المسلمين أحد أهم أسبابه. ونتيجة انتشار الفتاوى السخيفة المتأثرة بالتعصب المذهبي، وتجرؤ الكثيرين على الفتوى ظهرت دعاوي غلق باب الإجتهاد، وتجريمه. وهكذا انتهى الجمود إلى الانحطاط. وأدى الانحطاط إلى هدم دولة الخلافة وتمكن الغرب الرأسمالي من بسط نفوذه على العالم الإسلامي. والذي ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم..
وبعد سقوط دولة الخلافة وتمزق الأمة إلى عرقيات ووطنيات يعبث بها الغرب الكافر ويسخرها لتحقيق مصالحه، وجد بين المسلمين من يدعوهم إلى العودة إلى سيرتهم الأولى، وإلى التصدي للانحطاط بإشاعة المفاهيم الصادقة والعقائد الصحيحة وتحديد الهدف بأنه استئناف الحياة الإسلامية، ونتيجة هذه الجهود العظيمة التي بذلها المخلصون العاملون لدينهم بدأت الأمة تستعيد وعيها وأخذت تتطلع إلى سابق عهدها وسبب عزها ومجدها، فالتفت الكفار إلى ذلك، وأخذوا يحاربون هذا التوجه ويصرفونه عن وجهته الصحيحة.
فأخذوا يبثون أفكار الحضارة الغربية بين المسلمين، ولما لم يفلحوا في ذلك، حيث لفظ المسلمون هذه الأفكار، عمدوا إلى إسباغ ثوب الإسلام عليها؛ فـ"أسلموا" هذه الأفكار عبر بعض المشايخ وحملها بعض الناس مضللين بها. ومع هذا النجاح الجزئي في تمرير هذه الأفكار إلا أنه لم يكن بالشكل الكافي لصرف المسلمين عن عودتهم للإسلام. فاستعمل الغرب أقذر أساليبه في إثارة الفتنة المذهبية بين المسلمين، وإعراء بعضهم ببعض، وعندما غزا العراق واحتله قرب إليه أتباع المذهب "الشيعي" وأبعد عنه أتباع المذهب "السني" بل واضطهدهم، وأخذ يغري كل طرف بالآخر، حتى اندلعت الفتنة وتعمقت وسالت الدماء وأصبح القتل على الهوية "المذهبية"، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كان احتلال العراق من قبل أميركا سنة 2003 الشرارة التي أوقدت الفتنة المذهبية بين المسلمين، وكان للأعمال التي قامت بها أميركا في العراق أكبر الأثر على إيقاظ الفتنة النائمة، وبعثها من سباتها، فما أن أطلت سنة 2006 برأسها حتى كان العراق يموج في آتون فتنة مذهبية صدمت العالم الإسلامي، بل ألقت بظلالها على العالم كله. وبخاصة مع عمليات التفجير والقتل المتبادل بين ما يسمى "السنة" و"الشيعة" فمن تفجير المراقد والحسينيات وقتل المصلين، والتفجير في الأسواق التي يرتادها غالبية "الشيعة" إلى عمليات الاختطاف التي تقوم بها فرق الموت التابعة لوزارة الداخلية العراقية ومليشيا بدر التي كانت تختطف "السنة" من بيوتهم ليجري تعذيبهم بأقسى أنواع التعذيب كالثقب بالمثقاب الكهربائي "الدرل" ثم إطلاق رصاصة على رأس الضحية لتنتهي إلى رقم على قارعة الطريق..
وهكذا أُدخل العراق آتون فتنة مذهبية لا ترحم، وشيئاً فشيئاً أخذت أميركا تترك العراق لإيران تُنَصِّب فيه من تشاء وتعزل من تشاء، إلى أن وقعت أميركا والحكومة العراقية الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية سنة 2008 والتي وضعت خارطة طريق لانسحاب القوات الأميركية من العراق. وبذلك انتهت المهمة الرئيسية للقوات الأميركية في العراق بإطلاق شرارة الفتنة المذهبية ورعايتها، ومحاولة استيلادها في أماكن أخرى من البلاد العربية.
ومع انطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربي في تونس، ووصولها إلى كل من مصر وليبيا وسورية واليمن، كان يعد لبذر بذور هذه الفتنة في كل من سورية واليمن، وبالفعل سرعان ما تحولت هذه الثورات إلى صراع مذهبي يقتل المسلم أخاه المسلم، بل ويتقرب إلى الله بهذه القتل، حتى امتلأت النفوس غيظاً وكمداً على بعضهم البعض، ولم يبق للأخوة الإسلامية مكان بينهما أبداً. وصار القتل والاحتراب هو عنوان العلاقة الوحيد بينهما، ولا زلنا حتى اللحظة ندفع ثمن هذه الفتنة وليس من المرشح أن تنتهي في المدى المنظور.
إن وجود وبقاء الفتنة المذهبية بين المسلمين يهدد أخوَّتهم الإسلامية ويجعلها في مهب الريح، وبالتالي يقضي على أي أمل أن تعود الأمة الإسلامية أمة واحدة من دون الناس، بل ويقضي على أي أمل في عودة دولة الإسلام؛ دولة الأمة الإسلامية بكافة مذاهبها وفرقها. ولذلك كان لا بد من الوقوف وقفة رجل واحد في وجه هذه الفتنة البغيضة والعمل على إماتتها وقلعها من حياة المسلمين.
إن الله عز وجل جعل الأخوة بين المسلمين وحدهم، ونفاها عمن سواهم، قال تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} وجعلهم يداً واحدة على من سواهم قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جيمعاً ولا تفرقوا} وقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}. وقال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة، كما أخرجها البيهقي في السنن الكبرى: "هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة دون الناس".
وحرم دماء المسلمين بينهم فقال في خطبة يوم العقبة كما أخرجها ابن أبي شيبة في مسنده: "ألا إن دماءكم عليكم حرام إلى أن تلقوا الله ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" وقال فيها: "ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري: "سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر". أي أن قتل المسلم لا يفعله إلا الكافر تشديداً وتفظيعاً لحرمة دمه.
والدعوة إلى وأد الفتنة المذهبية يجب أن يسير على خط واضح وثابت، وهو حرمة الفرقة والتنازع بين المسلمين، وأن الأخوة الإسلامية هي وحدها الرابط الذي يربط المسلم بالمسلم.
سائلين المولى عز وجل أن يعيد المسلمين إلى رشدهم وأن يحقن دماءهم ويجعل كيد الكفار بهم في نحورهم، وأن يجنبنا والمسلمين شرورهم.
الإسلام هو الدين الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لتنظيم علاقات الإنسان الثلاث، علاقته بخالقه، وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره من بني البشر وسائر المخلوقات. وقد ارتضى الله لنا الإسلام ديناً، وسمى من يؤمن به مسلماً.
وقد وجد على مدار تاريخ المسلمين مجتهدون وفقهاء وثق الناس به، وقلدوهم في آرائهم، فذاع صيتهم، وانتشر في الآفاق فقههم، فنشأت المذاهب الفقهية. ونتيجة اختلاف الأفهام في بعض المسائل العقيدية وجدت أفهام معينة لبعض المسائل الجزئية وحملها الناس، مما أوجد الفرق الإسلامية. أي جماعات تحمل آراء معينة في بعض المسائل العقيدية.
كل هذا؛ أي وجود المذاهب الإسلامية وكذلك الفرق أمر مقبول وتعدد محمود في الرأي، ما دام الجميع يجعل كتاب الله وسنة رسوله الأساس في الفهم، ويفهم ما يفهم في حدود لغة العرب وأساليب كلامهم. فوجود مثل هذه المذاهب والفرق الإسلامية أثرى فقه المسلمين، وأوجد نشاطاً فكرياً بارزاً في مواجهة العقائد والثقافات الأخرى والتي اصطدم بها المسلمون نتيجة أعمال الفتح وضم البلاد للدولة الإسلامية.
وكانت حواضر العالم الإسلامي كالمدينة والكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط وبغداد في العصر العباسي تعج بالعلماء والفقهاء من شتى المذاهب والفرق، وشهد العالم الإسلامي في تلك الحقبة نشاطاً ثقافياً؛ فكريا وفقهياً عالي المستوى، ولم يسبق له مثيل في تاريخ المسلمين، وكان يسمى العصر الذهبي للفقه والمعارف الإسلامية.
وبعد رحيل الأئمة الفقهاء والعلماء أخذ العالم الإسلامي ومنذ القرن الرابع الهجري يسير نحو الجمود. وبدأ التعصب المذهبي والفرقي الخبيث بالظهور، وقاد هذا التعصب إلى الخلاف، وأدى الخلاف إلى الاختلاف والتخاصم، ووقعت حالات من تحول هذا التخاصم إلى عراك وشجار بالأيدي وضرب بالجريد والنعال. وبدأت تظهر الفتاوى والآراء الغريبة والعجيبة والمتأثرة بهذا الخصام، فليس عجيباً أن يحرّم علماء الشافعية زواج الشافعي من حنفية، إلا بالقياس إلى الكتابية، في حين حرّم الأحناف الصلاة خلف الشافعية، لأن الإمام الشافعي أباح للرجل الزواج من ابنته التي جاء بها من الزنا، وهلمّ جرّا...
ولم يقتصر الاختلاف والتخاصم على مذهب أو فرقة بعينها، بل عم التعصب المذهبي الجميع ولم يسلم منه أحد، وبدأ العالم الإسلامي بالنزول عن مكانته التي كان بها، حتى وقع فريسة سهلة للغزو المغولي، والذي كان التعصب المذهبي بين المسلمين أحد أهم أسبابه. ونتيجة انتشار الفتاوى السخيفة المتأثرة بالتعصب المذهبي، وتجرؤ الكثيرين على الفتوى ظهرت دعاوي غلق باب الإجتهاد، وتجريمه. وهكذا انتهى الجمود إلى الانحطاط. وأدى الانحطاط إلى هدم دولة الخلافة وتمكن الغرب الرأسمالي من بسط نفوذه على العالم الإسلامي. والذي ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم..
وبعد سقوط دولة الخلافة وتمزق الأمة إلى عرقيات ووطنيات يعبث بها الغرب الكافر ويسخرها لتحقيق مصالحه، وجد بين المسلمين من يدعوهم إلى العودة إلى سيرتهم الأولى، وإلى التصدي للانحطاط بإشاعة المفاهيم الصادقة والعقائد الصحيحة وتحديد الهدف بأنه استئناف الحياة الإسلامية، ونتيجة هذه الجهود العظيمة التي بذلها المخلصون العاملون لدينهم بدأت الأمة تستعيد وعيها وأخذت تتطلع إلى سابق عهدها وسبب عزها ومجدها، فالتفت الكفار إلى ذلك، وأخذوا يحاربون هذا التوجه ويصرفونه عن وجهته الصحيحة.
فأخذوا يبثون أفكار الحضارة الغربية بين المسلمين، ولما لم يفلحوا في ذلك، حيث لفظ المسلمون هذه الأفكار، عمدوا إلى إسباغ ثوب الإسلام عليها؛ فـ"أسلموا" هذه الأفكار عبر بعض المشايخ وحملها بعض الناس مضللين بها. ومع هذا النجاح الجزئي في تمرير هذه الأفكار إلا أنه لم يكن بالشكل الكافي لصرف المسلمين عن عودتهم للإسلام. فاستعمل الغرب أقذر أساليبه في إثارة الفتنة المذهبية بين المسلمين، وإعراء بعضهم ببعض، وعندما غزا العراق واحتله قرب إليه أتباع المذهب "الشيعي" وأبعد عنه أتباع المذهب "السني" بل واضطهدهم، وأخذ يغري كل طرف بالآخر، حتى اندلعت الفتنة وتعمقت وسالت الدماء وأصبح القتل على الهوية "المذهبية"، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كان احتلال العراق من قبل أميركا سنة 2003 الشرارة التي أوقدت الفتنة المذهبية بين المسلمين، وكان للأعمال التي قامت بها أميركا في العراق أكبر الأثر على إيقاظ الفتنة النائمة، وبعثها من سباتها، فما أن أطلت سنة 2006 برأسها حتى كان العراق يموج في آتون فتنة مذهبية صدمت العالم الإسلامي، بل ألقت بظلالها على العالم كله. وبخاصة مع عمليات التفجير والقتل المتبادل بين ما يسمى "السنة" و"الشيعة" فمن تفجير المراقد والحسينيات وقتل المصلين، والتفجير في الأسواق التي يرتادها غالبية "الشيعة" إلى عمليات الاختطاف التي تقوم بها فرق الموت التابعة لوزارة الداخلية العراقية ومليشيا بدر التي كانت تختطف "السنة" من بيوتهم ليجري تعذيبهم بأقسى أنواع التعذيب كالثقب بالمثقاب الكهربائي "الدرل" ثم إطلاق رصاصة على رأس الضحية لتنتهي إلى رقم على قارعة الطريق..
وهكذا أُدخل العراق آتون فتنة مذهبية لا ترحم، وشيئاً فشيئاً أخذت أميركا تترك العراق لإيران تُنَصِّب فيه من تشاء وتعزل من تشاء، إلى أن وقعت أميركا والحكومة العراقية الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية سنة 2008 والتي وضعت خارطة طريق لانسحاب القوات الأميركية من العراق. وبذلك انتهت المهمة الرئيسية للقوات الأميركية في العراق بإطلاق شرارة الفتنة المذهبية ورعايتها، ومحاولة استيلادها في أماكن أخرى من البلاد العربية.
ومع انطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربي في تونس، ووصولها إلى كل من مصر وليبيا وسورية واليمن، كان يعد لبذر بذور هذه الفتنة في كل من سورية واليمن، وبالفعل سرعان ما تحولت هذه الثورات إلى صراع مذهبي يقتل المسلم أخاه المسلم، بل ويتقرب إلى الله بهذه القتل، حتى امتلأت النفوس غيظاً وكمداً على بعضهم البعض، ولم يبق للأخوة الإسلامية مكان بينهما أبداً. وصار القتل والاحتراب هو عنوان العلاقة الوحيد بينهما، ولا زلنا حتى اللحظة ندفع ثمن هذه الفتنة وليس من المرشح أن تنتهي في المدى المنظور.
إن وجود وبقاء الفتنة المذهبية بين المسلمين يهدد أخوَّتهم الإسلامية ويجعلها في مهب الريح، وبالتالي يقضي على أي أمل أن تعود الأمة الإسلامية أمة واحدة من دون الناس، بل ويقضي على أي أمل في عودة دولة الإسلام؛ دولة الأمة الإسلامية بكافة مذاهبها وفرقها. ولذلك كان لا بد من الوقوف وقفة رجل واحد في وجه هذه الفتنة البغيضة والعمل على إماتتها وقلعها من حياة المسلمين.
إن الله عز وجل جعل الأخوة بين المسلمين وحدهم، ونفاها عمن سواهم، قال تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} وجعلهم يداً واحدة على من سواهم قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جيمعاً ولا تفرقوا} وقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}. وقال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة، كما أخرجها البيهقي في السنن الكبرى: "هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة دون الناس".
وحرم دماء المسلمين بينهم فقال في خطبة يوم العقبة كما أخرجها ابن أبي شيبة في مسنده: "ألا إن دماءكم عليكم حرام إلى أن تلقوا الله ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" وقال فيها: "ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري: "سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر". أي أن قتل المسلم لا يفعله إلا الكافر تشديداً وتفظيعاً لحرمة دمه.
والدعوة إلى وأد الفتنة المذهبية يجب أن يسير على خط واضح وثابت، وهو حرمة الفرقة والتنازع بين المسلمين، وأن الأخوة الإسلامية هي وحدها الرابط الذي يربط المسلم بالمسلم.
سائلين المولى عز وجل أن يعيد المسلمين إلى رشدهم وأن يحقن دماءهم ويجعل كيد الكفار بهم في نحورهم، وأن يجنبنا والمسلمين شرورهم.