المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معلومات سياسية من حزب التحرير حول حقيقة الأهداف الأميركية في زعزعة استقرار تشاد والسو



مؤمن
07-06-2009, 05:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة الأهداف الأميركية في زعزعة استقرار تشاد والسودان
بعد يومين فقط من توقيع السودان وتشاد اتفاق مصالحة في الدوحة مساء يوم الأحد 3/5/2009 برعاية قطرية ليبية، كخطوة أولى في انتظار عقد قمة بين عمر حسن البشير وإدريس ديبي بطرابلس في موعد لم يحدد بعد، توالت الأنباء منذ صباح الخامس من أيار/مايو أن المعارضة التشادية بدأت هجوماً عسكرياً جديداً لإسقاط نظام ديبي في إنجامينا. وكالعادة جاءت التصريحات والإتهامات مثل سابقاتها. فقد قال المتحدث باسم حكومة تشاد في تصريحات نقلتها الإذاعة الحكومية أن "الهجوم بدأ من جانب نظام الخرطوم بطابور من المدرعات قبل أن يجف مداد اتفاق المصالحة".
أما واشنطن فأدانت توغل قوات المعارضة إلى داخل الأراضي التشادية انطلاقاً من الأراضي السودانية بحسب قول المتحدث باسم وزارة خارجيتها روبرت وود، وأدانت الاشتباك مع القوات الحكومية بمنطقة مكتظة بمعسكرات اللاجئين. وشدد المتحدث الأميركي على ضرورة انسحاب المتمردين وتخليهم عن استخدام السلاح والدخول في مفاوضات مع الحكومة لتحقيق السلام والأمن، داعياً في الوقت نفسه الخرطوم إلى تفكيك قوات المعارضة التشادية الموجودة على أراضيها. وبعد أربعة أيام من القتال قال وزير الدفاع التشادي أدوم يونسمي أن قوات حكومته حققت نصراً حاسماً على المتمردين الذين يخوضون قتالاً ضد القوات الحكومية شرقي البلاد وبخاصة جنوب مدينة أبيشي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن يونسمي قوله "إن المتمردين قد يكونون بحاجة إلى عامين أو ثلاثة أعوام لإعادة تنظيم صفوفهم". وأضاف أن "استراتيجيتنا هي جذب المرتزقة لأطول مسافة ممكنة عن قواعدهم بحيث لا يمكنهم الرجوع إليها بعد القصف"، معتبراً أن "النصر الذي تحقق يعود إلى احترافية جيشنا والتجهيزات التي يتمتع بها".
وقبل أن نبين أسباب اندلاع المعارك والاشتباكات العسكرية الأخيرة بين المعارضة والحكومة في تشاد والتي تطورت إلى تصعيد علني بين تشاد والسودان وكأنهما على أبواب حرب، لا بد أن نسجل الملاحظات التالية حتى تتجلى لنا صورة الموقف جيداً وحقيقة المخططات الأميركية في هذه المنطقة من العالم الإسلامي:
1ـ تكررت اتفاقات المصالحة بين تشاد والسودان بشكل لم يسبق له مثيل بين الدول. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، هناك اتفاقي طرابلس في 8/2/2006 وفي 15/2/2007. وهناك اتفاق الخرطوم في 28/8/2006 واتفاق الرياض في 3/5/2007. وأخيراً وليس آخراً اتفاق الدوحة في 3/5/2009. ويلاحظ أن أهم بند في كل هذه الاتفاقات هو الذي ينص عليه الطرفان بالقول: "نتعهد بمنع أي نشاط للمجموعات المسلحة واستخدام أراضينا لزعزعة أي من الدولتين". وبنفس القدر الذي تكررت فيها المصالحات بين تشاد والسودان تكررت فيه الاتهامات المتبادلة بين النظامين في رعاية كل منها للمعارضة والوقوف وراءها في محاولة لإسقاط وزعزعة النظام الآخر؛ فيما يشبه مسلسلاً تلفزيونياً ركيك التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج.
2ـ تكررت أيضاً الهجومات العسكرية للمعارضة التشادية بين كل اتفاق مصالحة وآخر يحدث بين تشاد والسودان. ففي 23/12/2005 أعلنت تشاد عن حالة الحرب مع السودان بتهمة تقديمه الدعم المادي للقوات المتمردة في شرق تشاد. وفعلاً توالت بعد ذلك محاولات المعارضة التشادية لإسقاط نظام ديبي على فترات متراوحة بدأت بالهجوم على العاصمة في 13/4/2006، ثم عدة هجمات مسلحة في جنوب شرق وجنوب وسط تشاد في 13/4/2007. ثم تجددت المعارك بين المعارضة والنظام في شرق تشاد بين 26/11 و4/12/2007. وبعد ذلك شهدت العاصمة إنجمينا أكبر هجوم عليها في 28/1/2008 من المعارضة إلى درجة أن فرنسا عرضت على إدريس ديبي "مساعدته في مغادرة تشاد إذا اعتبر أن حياته فى خطر" كما صرح مصدر مقرب من الإليزيه في حينه. ثم جاء الهجوم الأخير في 5/5/2009.
3ـ أما في الجانب السوداني فمنذ استيلاء حركة تحرير السودان في 25/4/2003 على مقرات قيادة مدينة الفاشر بولاية دارفور، وهي نفس السنة التي جرى فيها اكتشاف النفط في تشاد، بدأت الأحداث السياسية والعسكرية في التصاعد داخل السودان. ورغم توقيع الحكومة السودانية اتفاقية أبوجا في 5/5/2006 مع حركة تحرير السودان جناح مني* ‬أركو مناوي، وكذلك توقيعها وثيقة تفاهم مع حركة العدل والمساواة جناح خليل إبراهيم في الدوحة بتاريخ 17/2/2009، فإن حركات المعارضة والأطراف الدولية، وبخاصة أميركا، اتخذت من قضية دارفور سبباً في تبرير العمليات العسكرية والضغط السياسي والقضائي على النظام في الخرطوم، ففي 11/5/2008 شن متمردون من حركة العدل والمساواة فصيل إبراهيم خليل، سليل قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس التشادي، هجوماً على مدينة أم درمان القريبة من العاصمة الخرطوم. ثم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 4/3/2009 مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة المسؤولية غير المباشرة في تصفية مدنيين والتهجير القسري والتعذيب والإغتصاب في إقليم دارفور. وأخيراً وليس آخراً توالت الأنباء يوم 25/5/2009 عن سيطرة حركة العدل والمساواة على بلدة أم بارو بولاية شمال دارفور على الحدود مع تشاد حيث وقعت معارك عنيفة بين الحركة والجيش السوداني الذي أعلن تحريره للبلدة ومتهماً تشاد بالوقوف وراء الهجوم. ويأتي كل هذا قبل يومين من انطلاق جولة جديدة من المباحثات بين حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية في الدوحة بقطر.
4ـ إن الاضطراب السياسي والعسكري لا ينحصر فقط في السودان وتشاد بل يمتد أيضاً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني هي أيضا حالة تمرد في الشمال على الحدود السودانية وعادة ما تتهم الخرطوم بالوقوف وراءها. وكان آخر هذه الأحداث هو سيطرة إتحاد القوى الديمقراطية للتجمع برئاسة الجنرال أبكار سابوني على مدينة بيروا شمال البلاد. وهنا قالت السلطات في إفريقيا الوسطى أن المتمردين الذين احتلوا المدينة قدموا من دارفور التي تسودها الفوضى، فيما عبّر متحدث رئاسي عن إدانة بلاده لـ"الهجوم البربري الذي جاء من أراضي دولة شقيقة"؛ أي "من الأراضي السودانية". وهنا طلب رئيس الوزراء إيلي دوت من مجلس الأمن نشر قوات لحفظ السلام في المنطقة الحدودية بين تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان لضمان الأمن. أما رئيس إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيز فقد اتهم السودان بإرسال متمردين مسلحين عبر الحدود لاحتلال مدينة بيروا التي تقع في شمال شرق البلاد. وقال بوزيز للصحفيين عقب محادثات في تشاد مع الرئيس إدريس ديبي "في الساعات الثماني والأربعين الماضية تعرضت جمهورية إفريقيا الوسطى لهجوم من جانب نفس الدولة التي ألحقت الضرر بتشاد. لنكن واضحين..على الدولة السودانية التوقف عن التصرف على هذا النحو". وأضاف "هذا البلد الشقيق الصديق يستخدم الكثير من الموارد لتسليح الأشخاص الذين يرسلهم الى منطقة إفريقيا الوسطى دون داع. لا يمكن أن نفهم كيف يتصرف السودان على هذا النحو".
إن ما يجري في غرب السودان وشرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى من أحداث سياسية وصراعات عسكرية منذ 2003 وحتى يومنا هذا، هو في الأساس مسلسل أعمال دولية ضمن التخطيط الإستراتيجي الأميركي للقارة السوداء بتسخير فرنسا وإطماعها وبمساعدة من أهل المنطقة سواء كانوا في الحكم أو المعارضة. إن غرض السياسة الأميركية في هذه المنطقة هو تحقيق أهداف حيوية محددة، وعلى رأسها تثبيت وجود مقر القاعدة العسكرية الأميركية الدائمة للقيادة الأميركية لإفريقيا، الأفريكوم. أما كيف ستصل أميركا إلى تحقيق ذلك فهذا ما سنراه من خلال تتبع أهدافها من وراء تفجير الصراع السياسي والعسكري على الحدود بين تشاد والسودان وإفريقيا الوسطى من حين لآخر، وعلاقة ذلك بوجود القوات الدولية والأوروبية والإفريقية في هذه الدول الثلاث. وهنا يمكن أن نرصد ثلاثة أهداف واضحة تريد أميركا إنجازها بمعية فرنسا من وراء كل الصراعات السياسية والأحداث العسكرية الجارية داخل وعلى حدود الدول الثلاث محل التخطيط. أما الهدف الأول فيتعلق بترسيخ الحاجة إلى وجود قوات دولية بدعوى حماية اللاجئين، والهدف الثاني هو دفع دول العالم وعلى رأسها أوروبا إلى تحمل تكاليف عملية انتشار القوات الدولية. أما الهدف الثالث وهو الناتج الاستراتيجي من الهدفين السابقين ويتعلق بتثبيت الحجر الأساس في بناء القاعدة العسكرية للأفريكوم عبر الربط العملياتي والتكتيكي بين القوات الأممية والأوروبية والإفريقية. ولنبدأ في تناول هذه الأهداف الثلاثة.

1ـ إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار لغاية ترسيخ الحاجة إلى وجود قوات دولية دائمة لحماية اللاجئين:

تروج أميركا للصراع في دارفور باعتباره سبب المشاكل في كل ما يحصل داخل تشاد وإفريقيا الوسطى وفي السودان نفسه. ولذلك جعلت أميركا الأحداث السياسية والعسكرية تتكرر وتتصاعد من فترة لأخرى في شرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى، وذلك لإبقاء عنصر عدم الاستقرار وتعريض حياة اللاجئين للخطر موجودين. وهذا من شأنه أن يؤكد الحاجة إلى وجود قوات أممية على النحو الذي تخطط له أميركا وتعينها فرنسا في ذلك. وإذا أضفنا إلى هذا تلكم التصريحات النارية التي يُطلقها المسؤولون في إنجامينا ضد عمر البشير وحكومته، بتهمة الاعداد لحرب مباشرة أو بالوكالة من أجل إسقاط النظام التشادي، بينما تتهم الحكومة السودانية تشاد مباشرة بالتآمر مع فرنسا عبر التدخل في دارفور في إطار "المؤامرة الغربية" على السودان لتقسيمه. وفوق كل هذه العناصر نضيف أيضاً عنصراً آخراً حتى تكتمل الخطة السياسية، وهو تكرار فشل المصالحات البينية المباشرة أو عبر الوساطة الإقليمية بما يؤكد عجز الحلول الذاتية والإقليمية عن توفير الأمن والاستقرار في ربوع هذه المنطقة، ومن ثم وجوب طلب التدخل الدولي والقبول بالقوات الأممية. وبناء على جملة هذه العناصر السابقة اعتبر مجلس الأمن في قراره رقم 1778 بتاريخ 25/9/2007، وكذا قراره رقم 1834 بتاريخ 24/9/2008، وقراره رقم 1861 بتاريخ 14/1/2009 "أن الحالة في منطقة الحدود بين السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى تشكل ﺗﻬديداً للسلم والأمن الدوليين"، ومن ثم فعلى المجلس أن "يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
وهكذا فإن مربط الفرس والغاية من إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار في هذه المنطقة هو التدخل العسكري عبر تشكيل قوات تابعة للأمم المتحدة في شرق تشاد وشمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى تحت مسمى "مينوركات" إلى جانب القوات الأوروبية "يوفور"، وذلك بدعوى حماية المدنيين في مساحة "مثلث الموت" أي دارفور (غرب السودان) وأبيشي (شرق تشاد) وبيراو (شمال إفريقيا الوسطى). فموجب القرار 1778 تشكلت بعثة الأمم المتحدة المؤلفة من 350 فردا ما بين شرطة وموظفين تدعمهم قوة عسكرية من أوروبا قوامها 3700 جندي قدمت فرنسا أكثر من نصفهم، وهي التي تتولى قيادتها الميدانية في أبيشي (شرق تشاد) برئاسة الجنرال الفرنسي جان فيليب جاناسيا. وعندما تتهيء الأوضاع على الأرض فإن قوة عسكرية تابعة للأمم المتحدة هي التي ستحل محل قوة الإتحاد الأوروبي، بموجب القرار1834 الذي صاغته فرنسا، بعد أن يتضاعف عددها إلى 6000 جندي أممي. وتكون مهمتها مثل سابقتها الأوروبية، أي حماية موظفي الأمم المتحدة وتسهيل عمل الإغاثة الانسانية وتحسين الوضع الأمني للاجئين والنازحين في شرق تشاد وشمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى والمقدر عددهم بأكثر من 500 ألف نسمة، منهم 285 ألف سوداني من دارفور مقيمين في شرق تشاد، و180 ألف من تشاد نفسها، و48 ألفاً من مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى، كلهم نازحون جراء أعمال العنف الدائر على الحدود.

مؤمن
07-06-2009, 05:17 PM
إن من أهم مهام قوات اليوفور كما جاء في قرار مجلس الأمن 1778 هو إجراء اتصالات وثيقة مع الحكومة السودانية والإتحاد الأفريقي بقصد التحضير لإنتشار 26 ألف رجل من القوة المشتركة بين الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي تدريجيا في دارفور مع حلول منتصف عام 2008؛ وإلى الآن لم ينتشر منهم سوى 9000 عنصر. إن كون قوات اليوفور غالبيتها من القوات الفرنسية ومن مهامها التحضير لنشر قوات الهجين في دارفور ليؤكد على مهمتها الاستعمارية، وهو ما جعلها مصدر شك من قبل عدة جهات ومنها المتمردين التشاديين الذين حذروا تلك القوات عدة مرات من التدخل في الصراعات الداخلية، بل إن إدريس ديبي نفسه، وعلى إثر هجوم شنه المتمردون في 11 يونيو 2008، إتهم بتاريخ يوم 17/6/2008 القوات الأوروبية (يوفور) المنتشرة في شرق البلاد بمساعدة المتمردين. وقال الرئيس ديبي في كلمة متلفزة "رحبنا بيوفور ولكننا فوجئنا بأنه في أول حادث عدواني، تعاونت هذه القوة مع الغزاة". وأضاف "من حقنا أن نتساءل حول جدوى هذه القوة ومدى فائدة وجودها في تشاد". وتحدث ديبي عن "مؤامرة دولية تهدف إلى إغراق تشاد مجددا في الحرب الأهلية"، واتهم يوفور بأنها "غضت النظر عن المجزرة المعدة مسبقا بحق المدنيين واللاجئين"، وبأنها سمحت للمتمردين بالإستيلاء على "سيارات الإغاثة وحرق مخزونات المؤن والوقود".
إن الحقيقة التي لا يعيها العملاء من أمثال إدريس ديبي أن هناك تفاهما بين أميركا وفرنسا يتم بموجبه بقاء قوات "إيبرفييه" (الصقر) الفرنسية مرابطة في تشاد مقابل تعاون فرنسا مع أميركا على تثبيت الوجود الأميركي تحت غطاء دولي في مثلث دارفور أبيشي بيراو. إن الحضور العسكري الفرنسي في تشاد إرتبط بالصراع الحدودي بين تشاد وليبيا على شريط أوزو الغني باليورانيوم منذ ثمانينات القرن الماضي. فقد وقعت فرنسا اتفاق التعاون العسكري مع تشاد في عام 1976، وبموجب هذا الإتفاق يقوم الطيران الفرنسي بطلعات استطلاعية بواسطة الميراج f1cr، كما يرابط على الدوام 1350 جندي في تشاد، منهم 900 في إنجامينا و200 في أبيشي، هذا بالإضافة إلى تعهد فرنسا بتقديم المساعدات الإستخباراتية والدعم اللوجستي والطبي للحكومة التشادية. ولكن منذ أن أعادت ليبيا شريط أوزو إلى تشاد عام 1994 وتخلي القذافي عن مشاريعه النووية عام 2005 وتحكمت أميركا بتشاد من خلال صناعة النفط والبنك الدولي والمعارضة المسلحة لم يعد هناك مبررا لفرنسا أن تحتفظ بقوات الصقر في تشاد. وهنا تذرعت فرنسا ودعمتها أميركا في ذلك ضمن التفاهم المشترك، أن المنطقة وخاصة في السودان لا زالت تعيش أجواء حرب أهلية تطال بشظاياها كل جيرانها، والحال هذه يشكل الوجود العسكري الفرنسي إلى جانب الوجود الأممي قوة ردع واستقرار في المنطقة وقوة حماية للاجئين والنازحين. وبناء عليه فعّلت فرنسا اتفاق التعاون العسكري الموقع عام 1976 بين باريس وإنجامينا واستخدمت قوات الصقر في إنقاذ نظام ديبي من السقوط وحالت دون استيلاء المتمردين على السلطة في نجامينا، بل وأنزلت 2100 جندي فرنسي إضافي ضمن القوات الأوروبية.
هذه هي حقيقة التعاون الفرنسي الأميركي في تشاد. فالقوات الأوروبية التي هي نواة قوات المينوركات، وهي في مجملها قوات فرنسية بثوب أوروبي، تعمل على تصعيد التوتر وإشاعة أجواء عدم الاستقرار على جانبي الحدود وبخاصة في معسكرات اللاجئين وذلك لتأكيد الحاجة إلى الوجود الدائم للقوات الأممية في المنطقة كمشروع عسكري تقف وراءه أميركا. فقد جاء في القرار رقم 1861 أن مجلس الأمن "يقرر كذلك أن يأذن لبعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد باتخاذ جميع التدابير اللازمة، في حدود قدراﺗﻬا، وفي نطاق منطقة عملياﺗﻬا في شمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى من أجل الاضطلاع بالمهام التالية، من خلال إنشاء وجود عسكري دائم في بيراو، وبالتنسيق مع حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى". ولتغليف هذا الهدف الاستعماري يزداد الضغط الغربي والأميركي على السودان بينما تتدفق المعونات المالية والعسكرية بسخاء على تشاد وإفريقيا الوسطى بدعوى حماية اللاجئين ودعم الاستقرار والوقاية من أية صراعات مستقبلية. والحقيقة التي لا لبس فيها أن أميركا بتسخير فرنسا وإطماعها في آن واحد هي التي تخطط للتواجد العسكري الدائم في هذه المنطقة عبر جنود فرنسا وأوروبا على أمل تخفيف وجودها العسكري في العراق لتصبح قادرة على الزج بجنودها إلى بلاد حفظة القرآن، دارفور.

2ـ دفع أوروبا خاصة إلى التسريع في تحمل ودعم تكاليف عملية انتشار القوات الأممية في تشاد ودارفور:
تعتبر عملية انتشار القوات الأوروبية يوفور في تشاد أكبر عملية عسكرية ينفذها الإتحاد الأوروبي خارج القارة الأوروبية ودون مساعدة حلف شمال الأطلسي. ولهذا واجهت قوات (يوفور) صعوبات كبيرة في تشكيلها وتوفير الوسائل اللوجستية. فقد كان من المقرر أن تنطلق هذه القوات في تشرين ثاني/نوفمبر2007 بموجب القرار رقم 1778، لكن تأخر انتشارها خمسة أشهر بعد خمسة اجتماعات متتالية عقدها العسكريون الأوروبيون في بروكسل عاصمة أوروبا. ورغم إعلان المتحدث باسم القوة الأوروبية المقدم فيليب دوكوساك أن (اليوفور) بدأت مهامها رسمياً في 12/2/2008 إلا أن هذه القوات لم تبدأ انتشارها الفعلي والواسع إلا في 17آذار/مارس 2008 بعد أن تعهدت بعض الدول الأوروبية وبخاصة بلجيكا وبولندا بسد العجز في الرجال والعتاد اللازمين لاتمام عملية الإرسال والانتشار. وقد لعبت فرنسا دوراً كبيراً في تشكيل هذه القوات والضغط على أروربا للسير في هذا المشروع بحكم التفاهم الأميركي الفرنسي حول الغايات القصوى للتواجد العسكري الأوروبي في المنطقة. فقد حاول نيكولا ساركوزي أن يقنع الدول الأوروبية بأن مهمة هذه القوات هي مشروع أوروبي في ظل امتناع بريطانيا وألمانيا عن المشاركة في هذه القوات سواء من حيث الرجال أو العتاد أو الدعم اللوجستي. فخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الإيطالية رومانو برودي في ختام قمة فرنسية إيطالية عقدت في نيس بتاريخ 30/11/2007 قال الرئيس الفرنسي: "لقد قررنا إرسال قوة أوروبية عند أحد جانبي الحدود وإرسال قوة مشتركة عند الجانب الآخر (السودان)؛ لأن ثمة مشاكل وثمة صعوبات. ولو لم يكن الأمر كذلك لما أرسلنا جنوداً". وأضاف ساركوزي: "إن هذه العملية مستمرة" و"يجب أن تبقى عملية أوروبية". وختم يقول "لدى فرنسا كتيبة كبيرة جداً (في تشاد) لكن يجب أن تبقى العملية أوروبية لذا فان المشاركة الأوروبية حاسمة".
ويتضح مما سبق أن بعض الدول الأوروبية مترددة في إرسال أبنائها وفي المساهمة المالية واللوجستية في مشاريع لا ترى فيها تهديداً مباشراً أو غير مباشر لأمنها القومي. وإلا كيف نفسر أن بلدان أوروبا العجوز التي يبلغ عدد جيوشها 1.7 مليون جندي ـأي أنها تتفوق على الولايات المتحدة (1.4 مليون جندي)ـ تعاني كل هذه المصاعب من أجل جمع 3700 رجل تحت راية (الـيوفور)؟ وكيف نفسر كذلك تأخر الاتحاد الأوروبي في جمع الوسائل المالية والعسكرية والطبية واللوجيستية المطلوبة لمهمة (اليوفور) رغم صدور قرار أميركي بذلك من مجلس الأمن هو القرار رقم 1778؟ وحتى يعطي عملية نشر (اليوفور) قوة ودفعاً قام نيكولا ساركوزي بزيارة قصيرة بتاريخ 27/2/2008 إلى تشاد، وقبل أن يجري محادثات رسميةً مع إدريس ديبي في مقر الرئاسة توجه من المطار إلى القاعدة العسكرية الفرنسية في إنجامينا حيث تفقد القوة الفرنسية المنتشرة في تشاد في إطار عملية إيبرفييه (الصقر)، بينما توجه وزير خارجيته برنار كوشنير في اليوم التالي إلى أبيشي في شرق تشاد حيث يوجد المقر العام لقوة (اليوفور). وأهم ما يمكن ملاحظته في هذه الزيارة هو طبيعة الوفد المرافق لساركوزي، فإضافة إلى وزير الخارجية كان معه وزير الدفاع إيرفي موران ووزير الدولة لشؤون التعاون جان ماري بوكل ورئيس أركان القوات الفرنسية الجنرال جان لوي جورجولان وكذلك المفوض الأوروبي لشؤون التنمية والمساعدات الإنسانية البلجيكي لوي ميشال. إن اصطحاب ساركوزي في زيارته إلى تشاد المفوض الأوروبي لشؤون التنمية والمساعدات الإنسانية إنما هو من باب الإيحاء بأن زيارته تمثل أوروبا كلها وأنها تتسم بالطابع الإنساني، في محاولة لإخفاء الانقسام الأوروبي وكذلك لإخفاء الوجه الاستعماري القبيح لفرنسا.
ويعتبر المفوض الأوروبي لشؤون التنمية والمساعدات الإنسانية البلجيكي لوي ميشال من أهم أدوات التسويق لمشاريع أميركا في أوروبا والعالم. فقد قام لوي ميشال في أواخر كانون أول/يناير 2008 بجولة إفريقية كان أهمها زيارته لمخيم الجبل في جنوب شرقي تشاد، حيث اطلع على أوضاع 15 ألف من اللاجئين السودانيين النازحين من إقليم دارفور. وأكد ميشال أثناء زيارته "أن أوروبا لن تتخلى عن واجبها في مساعدة اللاجئين السودانيين في تشاد" الذين "لا يرغبون في شيء إلا العودة إلى قراهم في إقليم دارفور ولكن عندما تستقر الأوضاع الأمنية" هناك. وأوضح المفوض الأوروبي أن مخيم الجبل حيث يعيش لاجئون سودانيون وتشاديون معاً "يظهر عمق أزمة إقليم دارفور ببعديها المحلي والإقليمي"، وقال "دون تأمين الاستقرار في تشاد وجهورية إفريقيا الوسطى، يبقى من الصعب الحديث عن أي استقرار في دارفور" في السودان. وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل أن زيارة ميشال إلى تشاد وقتها بأنها لتقييم الحالة الإنسانية شرق البلاد، في إطار التحضيرات الجارية للإتحاد الأوروبي لإتمام عملية نشر قوات عسكرية أوروبية، شرق تشاد وشمال شرقي جمهورية إفريقيا الوسطى، كما تأتي هذه الزيارة في إطار دعم الجهود التي تقوم بها المفوضية الأوروبية في تشاد لمعالجة أزمة دارفور. ولإعطاء زخم كبير لهذه الزيارة وإظهار بعدها الإنساني على حساب البعد الاستعماري أعلنت المفوضية الأوروبية أنها خصصت مبلغ سبعة عشر مليون يورو إضافية لعام 2008 لدعم المساعدات الإنسانية الموجهة للاجئي دارفور والسكان المتضررين من تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى جراء الصراع في الإقليم السوداني، منها ثلاثة عشر مليوناً لتأمين الغذاء للسكان الأكثر احتياجاً في تشاد. هذا بالإضافة إلى عشرة ملايين يورو خصصتها المفوضية لتدريب قوة شرطة تشادية بقصد دعم الأمن في مخيمات اللاجئين.
إن إصرار المفوض الأوروبي لوي ميشال على عدم تخلي أوروبا عن واجبها في مساعدة اللاجئين والنازحين في شرق تشاد وعودته بعد شهر للمنطقة مع نيكولا ساركوزي ليؤكد الجهد الكبير الذي تبذله أميركا وفرنسا لإنجاح عملية (اليوفور). فالانتشار السريع والواسع لـ(اليوفور) من شأنه أن يعجل بتثبيت قوات (المينوركات) التي ستحل محلها، وهي القوات الدائمة للأمم المتحدة في تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى. وكذلك فإن نجاح قوات (اليوفور) و(المينوركات) في مهمتهم الإنسانية ظاهراً والاستعمارية فعلاً من شأنه أن يوثر في استكمال انتشار وتركز قوات (اليوناميد) أي القوات الإفريقية والأممية المشتركة في دارفور. وهذا يدل على الصفة التكاملية للقوات الأوروبية والإفريقية والأممية الموجودة على مثلث دارفور ـأبيشيـ بيراو. إلا أن قوات (اليوناميد) في السودان هي المعول عليها أميركيا في قيادة المشروع الاستعماري لسلخ دارفور وجعله الحاجز الجغرافي والسياسي الذي يفصل بين المسلمين في الشمال العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك تثبيت هذا الجزء من السودان، بعد ضمه عملاتياً إلى شرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى، قاعدة عسكرية للقوى الغربية تنطلق منها أميركا كبوابة نحو غرب إفريقيا الغني بالنفط ونحو شرق إفريقيا حيث باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن. ولهذا السبب يجب فهم إصرار أميركا أن تكون القوات المتمركزة في دارفور تابعة للأمم المتحدة أو غالبيتها منها وهي لا تحبذ اشتراك القوات الإفريقية فيها.
وبما أن (اليوناميد) قد حلت محل قوات "الأميس"؛ أي قوات الإتحاد الإفريقي في السودان، فقد بدأت قوات (اليوناميد) في الكشف عن بعض من مشاريعها التي توجهها أميركا بغرض الفصل بين المسلمين العرب والمسلمين الأفارقة بمشاركة

مؤمن
07-06-2009, 05:18 PM
الحكومة السودانية. فبتاريخ 16/2/2009 أعلن المتحدث الرسمى باسم بعثة (اليوناميد) نور الدين المازني عن انطلاق بث إذاعة "اليوناميد إف أم" في ولايات دارفور الثلاث بعد موافقة السلطات السودانية على ذلك. وقال المازني: "إن هذه الإذاعة ستهتم ببث أخبار بعثة (اليوناميد) بدارفور، فضلاً عن نشر ثقافة التعايش السلمي بولايات دارفور". ولكن هل من ضمن ثقافة التعايش السلمي أن تعلن (اليوناميد) أنها ستنشئ إذاعة متخصصة في ولاية جنوب دارفور تشترط لغة الفور والزغاوة والمساليت والبديات بجانب اللغة العربية، مع أن معظم منتسبي المجموعات المذكورة خارج ولاية جنوب دارفور؟! إن الواقع أن ولاية جنوب دارفور هي أغنى ولايات دارفور الثلاث وغالبية سكانها من القبائل الزنجية التى تمارس الزراعة والتجارة، أما نسبة العرب (قبيلة البقارة) فيها فهي قليلة جداً، بينما ترتفع نسبة الأمية لتصل إلى حدود 45%. إن الهدف الحقيقي من وراء إذاعة (اليوناميد) وخاصة في ولاية جنوب دارفور هو ضرب نسيج التعاون القبلي بين المجموعات الساكنة في دارفور وإثارة النعرات القبلية عبر إيجاد التناحر بين العرب والزنوج وعبر ضرب أهم عناصر انصهار القبائل الدارفورية بعد العقيدة الإسلامية ألا وهو عنصر اللغة العربية. ففي ظل الصراع السياسي والعسكري بين الحكومة والمعارضة في السودان تعمل أميركا عبر (اليوناميد) على إحياء اللغات واللهجات المحلية وضرب اللغة العربية وهو ما يسهل فصل الزنوج المسلمين عن اللغة العربية كمقدمة لإبعادهم عن التمسك بالإسلام وتنصير بعضهم عبر مشاريع اقتصادية وسياسية وثقافية تتستر بغطاء المساعدات الإنسانية وشعارات التعايش السلمي.

3ـ الربط العملياتي بين القوتين الأمميتين في أبيشي ودارفور لتثبيت الحجر الأساس في بناء قاعدة الأفريكوم:

عندما أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في 6/2/2007 من داخل الكونغرس عن قرار إنشاء مركز قيادة عسكرية إقليمية جديدة للقوات الأميركية بإفريقيا تحت اسم (أفريكوم)، كشفت الولايات المتحدة الأميركية عن طبيعة توجهها الاستراتيجي نحو قارة إفريقيا. لقد كانت القوات الأميركية قبل الإعلان عن نشأة الأفريكوم تتحرك على مسارح العمليات فيما وراء البحار، في إطار أربع قيادات إقليمية، هي القيادة الوسطى، والقيادة الأوروبية والقيادة الجنوبية وقيادة المحيط الهادي. وكانت المشكلة بالنسبة لأميركا أنها تتابع أعمالها وتحركاتها العسكرية والأمنية في إفريقيا من خلال ثلاث قيادات. فالقيادة الوسطى (سنتكوم) تغطي 27 دولة منها 7 دول إفريقية أهمها دول شمال إفريقيا ومصر. وقيادة أوروبا (يوكوم) تتعامل مع 91 دولة منها 42 دولة إفريقية، وهي التي تتولى قيادة عمليات إفريقيا جنوب الصحراء. أما قيادة المحيط الهادي (باكوم) فهي التي تتولى العمليات في إفريقيا مدغشقر ومجموعة الجزر الواقعة في شرق القارة. وبدخول قيادة الأفريكوم مسرح العمليات في 30/9/2008، تكون أميركا قد حسمت مشكلة التداخل في الصلاحيات والعمليات بين مختلف القيادات العسكرية. وبحسب إعلان وزير الدفاع الأميركي في 2007 فإن كافة الدول الإفريقية سوف تكون تابعة لقيادة الأفريكوم في الشؤون الأمنية والعسكرية باستثناء مصر نظراً لوضعها الخاص المتعلق في منطقة الشرق الأوسط.
والسؤال هو: ما هو سبب هذا التحول الأميركي الكبير من ناحية عسكرية باتجاه إفريقيا؟ وما علاقة ذلك بالقواعد العسكرية التي تبنيها أميركا في دارفور وأبيشي وبيراو على يد القوات الأممية (اليوناميد) و(المينوركات) والقوات الأوروبية يوفور؟
في الواقع هناك ثلاثة أسباب استراتيجية دفعت أميركا لإنشاء قيادة عسكرية إقليمية خاصة بإفريقيا:
1 ـ الأمن: تعتبر أميركا أن أمنها القومي لا حدود له، ولذلك فهي بنفس القدر الذي تنظر فيه إلى العالم باعتبارة مزرعة قابلة للنهب الاستعماري فإنها أيضا تنظر إلى هذا العالم كمجال حيوي لمد نفوذها الاستراتيجي والأمني. وبالنسبة لإفريقيا، فقد أصبحت القارة السمراء في قلب الاهتمامات الاستراتيجية للولايات المتحدة منذ العام 2002. وهذا ما أكدت عليه وثيقة الأمن القومي الأميركي التي صدرت في 20 أيلول/سبتمبر 2002 أو تلك التي صدرت في 16 آذار/مارس عام 2006. ففي كلتا الوثيقتين أصبحت إفريقيا تحتل مواقع متقدمة في الاستراتيجية الأميركية، حيث نصت الوثيقة الأخيرة على أن "تكتسب إفريقيا أهمية جغرافية – استراتيجية متزايدة وتشكل أولوية في جدول أعمال الإدارة الأميركية". ولقد جاءت زيارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن إلى خمس دول إفريقية هي السنغال وجنوب إفريقيا وبتسوانا وأوغندا ونيجيريا في تموز/يوليو 2003 بمنزلة إعلان رسمي لهذا التوجه الأميركي وتكريس للاستراتيجية الجديدة.
لقد ركزت أميركا ـمنذ حكم الإدارة السابقةـ في أذهان الرأي العام الدولي أن إفريقيا تعاني من تهديدات أمنية كبيرة ترتبط حصريا بوجود حركات إسلامية في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي وإفريقيا جنوب الصحراء، مع احتمال انتشار هذه الحركات إلى دول أخرى جنوباً وصولاً إلى زامبيا. ففي شهر نيسان/أبريل من عام 2003 صرح الجنرال الأميركي جيمس جونز - أعلى مسؤول عسكري أميركي في القيادة الأوروبية ـبأن الولايات المتحدة تريد زيادة وجودها العسكري في إفريقيا للرد على ما وصفه بـ"التهديدات الجديدة التي يمثلها تعرض بعض الدول لعدم الاستقرار؛ لوجود مناطق شاسعة دون سلطة تتيح المجال لنشاط تجارة المخدرات وتدريب الإرهابيين"، معلناً أن وزارة الدفاع الأميركية تنوي خلق مراكز استراتيجية في العالم للتدخل السريع في إطار ما أسماه "تحول القوات الأميركية لجعلها أكثر قدرة على التحرك".
وبناء على ما تقدم وبدل أن تجعل أميركا جل اعتمادها في إفريقيا على الجُـيوش الحليفة أو القواعد البعيدة قررت العمل على إنشاء قواعد عسكرية ثابتة لها في هذه القارة وفي البحار والممرات المحيطة بها؛ بغرض التغلغل فيها وتحزيمها عسكرياً من خلال تلك القواعد العسكرية تارة ومن خلال الاتفاقات تارة أخرى. فقد ذكره تقرير نشرته مؤسسة "أكسفورد أنليتيكا" للأبحاث والدراسات في شهر أيلول/سبتمبر 2003 أن كلاً من الكاميرون والجابون وغينيا الإستوائية توصلت بالفعل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة يتم السماح بموجبها للأميركيين استخدام مطارات تلك الدول. كما نجحت الإدارة الأميركية في إنشاء قاعدة عسكرية أميركية متاخمة للبحيرات العظمى ومنابع النيل في أوغندا وزادت من عدد جنودها في جيبوتي من 1800 إلى 2300 جندي. واستغلت أميركا الأزمة الليبيرية فقامت في آب/أغسطس 2003 بالتدخل عسكرياً في ليبيريا ومارست ضغوطًا على الرئيس تشارلز تايلور حتى تنحى عن السلطة، ونجحت في إبرام اتفاق سلام بين الحكومة وحركتي التمرد الرئيسيتين في البلاد بعد صراع استمر 14 عامًا. ومنذ تدخلها حولت أميركا مطار "روبرتسفيلد" الدولي في ليبيريا إلى قاعدة رئيسية لإعادة تموين الطائرات العسكرية الأميركية بالوقود في المحيط الأطلسي، هذا بالإضافة إلى بنائها على الأراضي الليبيرية محطة إرسال تابعة لوكالة المخابرات الأميركية وكذلك قاعدة بحرية تعتبر واحدة من أكبر ست قواعد بحرية خارج الأراضي الأميركية.
إلا أن أهم مشروع قاعدة عسكرية تعمل أميركا على إنجاحه فهو ما يجري تنفيذه الآن في غرب السودان وشرق تشاد وشمال جمهورية إفريقيا الوسطى على مرأى ومسمع ودعم من الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، تحت ذريعة حماية اللاجئين والنازحين من الصراع الدائر بين الحكومة والمعارضة في كل بلد. إن المستهدف من بناء هذه القاعدة العسكرية الكبرى في غرب دارفور ليست الأنظمة القائمة، فلا يوجد أخلص منها لأميركا، بل المسلمين الذين يكتوون صباح مساء بالكفر والاستعمار الأميركي الذي يشن حرباً استباقية فعلاً ضد الإسلام المسلمين. ففي حديثه عن منطقة المغرب العربي ومستقبل الوجود الأميركي فيها أكد الجنرال ماجور جوناتان مدير المخابرات والسياسة وعمليات التقييم بقيادة القوات الأميركية بأوروبا خلال مائدة مستديرة نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن في 16/2/2006 "أن خطر الإرهاب أحدث تغييراً هاماً في استراتيجية الولايات المتحدة على اعتبار أن العدو الجديد مجهول الهوية ولا يوجد داخل الحدود الجغرافية المرسومة ولا يخشى الموت، ومن ثم يتعين التحرك بشكل وقائي لمواجهته".
2 ـ النفط: إن من أهم أسباب وجود القيادة الإقليمية للأفريكوم هو تأمين امدادات النفط الإفريقي في المواقع التي قد تتعرّض فيها تلك الإمدادات للتهديد. ومن هنا أيضاً يفهم سبب سعي أميركا الحثيث للحصول على وجود قوات أميركية في جمهورية ساوتومي وبرنسيبي على الساحل الغربي لإفريقيا بغرض تأمين خط أنابيب تشاد- كاميرون الذي يضخ 250 ألف برميل من النفط يومياً في اتجاه الأطلسي، وكذلك تأمين الشريط الساحلي المليء بالنفط بين أنجولا ونيجيريا؛ وهو ما يعرف بخليج غينيا الذي يتعدى انتاجه النفطي 5.4 ملايين برميل يوميًا. وفي إطار سعى الولايات المتحدة لوضع يدها على منابع النفط في العالم ولتنويع مصادر حصولها على النفط وتخفيض اعتماد استهلاك أميركا الداخلي على نفط الشرق الأوسط إلى أدنى المستويات، وجدت على ما يبدو ضالتها في البترول الإفريقي ذي الكلفة السياسية القليلة. ومن هنا جاءت أهمية النفط الإفريقي؛ ولذلك ليس غريباً أن يصرَّح "والتر كانستينر"، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، منذ مطلع شباط/فبراير 2002 قائلاً: "أن النفط الإفريقي أصبح مصلحة إستراتيجية قومية لأميركا". وبما أن أميركا تعمل على إعادة صياغة قلب العالم الإسلامي؛ أي البلاد العربية أو بلاد المركز، جغرافياً وسياسياً وفكرياً فإن عنصري عدم الاستقرار والمقاومة من أهل المنطقة تدفع بأميركا مرة أخرى إلى التوجه نحو نفط إفريقيا؛ وتحديداً نحو دارفور.
إن إلقاء نظرة بسيطة على جغرافيا إفريقيا يتجلى بوضوح أن دارفور تشكل المدخل الرئيسي لغرب إفريقيا حيث يتركز فيها مجمل النفط المستخرج حالياً. إن موقع دارفور محاذٍ لبحيرة من البترول تمتد من إقليم بحر الغزال مروراً بتشاد والنيجر وموريتانيا ومالي والكاميرون وصولاً إلى نيجيريا، تعتبر بالنسبة لأميركا صمَّـام أمان بالغ الأهمية لتدفق النفط المستخرج من هذه المنطقة. هذا بالإضافة إلى أن أميركا تعمل على فصل إقليم دارفور عن السودان للعمل على بناء أنبوب لنقل بترول الإقليم بعد استخراجه وربطه بالأنبوب الذي ينقل النفط من السودان وتشاد إلى ميناء دوالا في الكاميرون على المحيط الأطلسي. وهكذا فبسبب الموقع الحيوي الذي تتمتع به دارفور وما تزخر به من خيرات، فإنه قد بات واضحاً أن الإهتمام الأميركي بدارفور يتخفى وراء مسألة الإعتبارات الإنسانية، ليزيد من اعتماده على نفط إفريقيا التي تشكل واحدة من أسرع المناطق نمواً في انتاج البترول مع تصاعد نسبة الاحتياط فيها. إن نفط إفريقيا يوفر نسبة 10% من النفط الذي تستورده أميركا، وهنا أشارت دراسة أجرتها المجموعة الوطنية لتطوير سياسة الطاقة في واشنطن عام 2002 إلى أن الولايات المتحدة سترفع وارداتها النفطية من إفريقيا بنسبة 25% بحلول 2015، بحيث أنه سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تستورد من إفريقيا ما يُـعادل نفس الكمية من البترول التي تستوردها حاليا من الشرق الأوسط.
3 ـ المنافسة: إذا نجحت الولايات المتحدة في السيطرة على مخزونات النفط الإفريقي بجانب السيطرة على نفط العراق والخليج فإن ذلك سيمكنها من التحكم كليا في الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول المنافسة، وبخاصة أوروبا واليابان والحيلولة دون تجاوز الصين الحد المسموح لها به في التوسع الاقتصادي واستغلال موارد القارة الإفريقية. وتعتبر الصين ثالث أكبر شريك تجاري مع إفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا، وهي المستورد الرئيسي للنفط الإفريقي بنسبة 25% منه. وتسعى الصين إلى تقليل حجم اعتمادها على النفط الخليجي، الذي يشكل نسبة 61% من وارداتها النفطية وتعويضه بالنفط الإفريقي. وفي هذا السياق أنشأت الصين منذ 1997 منتدى التعاون الصيني – الإفريقي، وكثف المسؤولون الصينيون من زياراتهم إلى إفريقيا، وزادوا من نسبة إستثماراتهم فيها بمعدل يفوق 40 مليار دولار عام 2006 وعلى أمل أن يصل حجم

مؤمن
07-06-2009, 05:18 PM
التجارة البينية إلى 100 مليار دولار أميركي بحلول 2010. كما ألغت الصين ديوناً مستحقة على إفريقيا بمقدار يفوق 2.7 مليار دولار. وكل هذه التحركات مكنت شركة النفط الصينية الحكومية من الحصول في نيسان/أبريل 2006 على حصة نسبتها 45% في حقل نفطي رئيسي في نيجيريا وعقد اتفاقية معها لاستخراج النفط من أربع مناطق. كما تمكنت الشركة الصينية الحكومية من شراء 40% من أسهم شركة النيل الأعظم النفطية في السودان، التي تضخ 300 ألف برميل يومياً. كذلك قامت شركة (سينوبك) الصينية بإنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتراً لنقل الإنتاج النفطي إلى ميناء بورسودان على البحر الأحمر، ومنه إلى ناقلات النفط المتجهة إلى الصين. كما أنشأت هذه الشركة محطة لتكرير النفط قرب العاصمة الخرطوم، وهي أيضاً تسيطر على معظم حقول النفط في جنوب دارفور التي يرجح أنها تستغلها بناءً على صفقة سياسية لإبعادها عن روسيا بعد أن عرضت هذه الأخيرة إمداد دول منطقة شنغهاي 6 بالنفط والغاز ومواد أولية أخرى وأطمعت الصين والهند بمنطقة متكاملة اقتصادياً.
وفي ظل هذا التواجد الاقتصادي الصيني الكثيف والمتزايد في إفريقيا فإن أميركا تعمل على تحجيمه ومحاصرته ومن الجدير التنويه إليه أن حماية مكتسبات أميركا من موارد القارة هي إحدى غايات تشكيل القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا (الأفريكوم) بحجة الاهتمام باقتصاديات القارة. فقد كشف أحد المسؤولين الأميركيين يوم الإعلان رسمياً عن بدء مهام الأفريكوم في 1/10/2007 عن الشق الاقتصادي الذي سوف تقوم به هذه القيادة الإقليمية قائلاً: "إنها تهدف إلى المساعدة في تعزيز الاستقرار والأمن في القارة الإفريقية من خلال الحكم الرشيد وحكم القانون وتحسين الأوضاع الاقتصادية"، وكان الكونغرس الأميركي قد قام في تشرين أول/أكتوبر 2000 بإنشاء "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأميركية- الصينية" كأداة لمتابعة ودراسة واقع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وانعكاس تلك العلاقات على الأمن القومي الأميركي والمصالح الأميركية. وفي التقرير الذي صدر عن هذه اللجنة وقدم إلى الكونغرس في 16 تشرين ثاني/نوفمبر 2006، جاء فيه أن السودان تمثل أحد الأمثلة البارزة لطبيعة المنهج الصيني في إفريقيا، وإمعاناً في العمل على كبح جماح التمدد والاندفاع الصيني في استغلال موارد القارة الإفريقية واتخاذها سوقاً استهلاكية فقد أظهرت "كارولين بارثولوميو" Carolyn Bartholomew، نائب رئيس "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأميركية- الصينية"، في مداخلتها بمؤتمر معهد "أميركان أنتربرايز" أن الصين "ترغب على ما يبدو في التعامل مع الدول المارقة للحصول على النفط موازنة النفوذ الأميركي". وأضافت "بارثولوميو" أنه "لا توجد علاقات ثنائية هدامة في القارة الأفريقية أكثر من العلاقات الصينية- السودانية، سواء بالنسبة للمصالح الأميركية أو بالنسبة لمصالح الشعب السوداني". ويظهر جيداً أن هذا التقرير جاء رداً على ما أعلنه رئيس الوزراء الصيني "وين جياباو" Wen Jiabao أثناء القمة الصينية- الإفريقية في بكين خلال يومي (4- 5) تشرين ثاني/نوفمبر 2006 من أن "المساعدات الصينية لإفريقيا هي مساعدات مخلصة، غير أنانية وغير مشروطة".
وقد عملت أميركا على التفاهم مع فرنسا صاحبة الماضي والحاضر الاستعماري الطويل في إفريقيا على معاونة أميركا في مد نفوذها الإستراتيجي والعسكري في إفريقيا. وتجلت قمة التفاهم الفرنسي الأميركي عندما أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 11 آذار/مارس 2009 أن فرنسا تعتزم العودة إلى هيكل القيادة العسكرية للناتو بعد أن كان الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول قد أخرج بلاده من هيكل هذه القيادة فى عام 1966. وقد جاء هذا الإعلان الفرنسي الجديد قبل بضعة أسابيع من انعقاد قمة رؤساء دول الناتو يوم 3 نيسان/أبريل بمناسبة الذكرى السنوية الستين للحلف، ليعلن للعالم أن فرنسا أحد القادة الرئيسيين في أوروبا وباتت أهم حليف للولايات المتحدة. لقد قررت فرنسا ضمن تفاهمها مع أميركا أن تكون قوة قائدة في أوروبا تقوم باحتواء ألمانيا بدعم من الولايات المتحدة، في مقابل أن تتخلى عن طموحاتها كقوة عالمية مزاحمة لأميركا بل وتصبح جزءاً من المشروع الأميركي في السيطرة على العالم. وبناءً عليه لم تر فرنسا حرجاً من توفير جل العناصر اللازمة لقوات (اليوفور) العاملة في تشاد بل ومن تحويل هذه القوات بعد 13/3/2009 إلى قوات أممية تحت قيادة قوات (المينوركات).
هكذا تبدو مناطق النفط في إفريقيا وعلى رأسها السودان ودارفور تحديداً هي محور تنافس على الموارد، ورغم أنه يرجح أن جهود شركة شيفرون الأميركية من اكتشافات وإنجازات في التنقيب عن النفط في السودان كانت ضمن صفقة ساهمت في إبعاد الصين عن روسيا، ولم يكن خروج شركة شيفرون دون مقابل، إلا أنه لا يظن أن أميركا ستسمح للشركات الصينية باستغلال نفط منطقة دارفور وإن حصل شيء من ذلك فسيكون ضمن اتفاقيات خاصة تحتفظ للشركات الأميركية بنصيب الأسد. وكانت شركة شيفرون الأميركية هي التي اكتشفت النفط في غرب السودان وجنوبه منذ أكثر من ربع قرن، وأنفقت حينها ما يفوق المليار دولار قبل أن تخرج من السودان عام 1992.

الخاتمة:
إن قوات (اليوفور) بقيادة فرنسا المرابطة في تشاد، وإن تحولت إلى قوات أممية، هي مكملة ومتكاملة مع قوات (اليوناميد) في دارفور، بل هي أداة الضغط وعدم الاستقرار وربما البديل التكتيكي لها حال عدم نجاح عملية الانتشار الكامل والتمركز الدائم لـ(اليوناميد) في السودان بالشكل الذي تريده أميركا. وقد وجدت أميركا في منظمة العفو الدولية خير من يسرع في عمليتي الانتشار والتمركز لـ(اليوناميد) في دارفور، فقد صرّح مدير برنامج إفريقيا في منظمة العفو الدولية "إيروين فان در بورغت" قائلاً: "ينبغي على الحكومة السودانية أن تقبل باتفاقية الاتحاد الأفريقي – الأمم المتحدة المتعلقة بتركيبة القوة، وأن تسمح بتزويد القوة بالإمكانيات المناسبة التي تُمكِّنها من ممارسة صلاحياتها، بما في ذلك تزويدها بالأسلحة ووسائل النقل البرية والجوية الكافية، وضمان عدم فرض أية قيود على حرية حركة (يوناميد)، والتجهيز الفوري للأرض اللازمة لإنشاء قواعد (يوناميد)". هكذا يتضح أن نشر قوات أممية بمقدار31 ألف جندي (26 ألف يوناميد + 6000 مينوركات) على جانبي حدود دارفور هو المكان المناسب لوضع حجر الأساس في بناء مقر قاعدة الأفريكوم. ولم تجد أميركا أفضل من التخفي وراء لباس وقبعة الأمم المتحدة لتنفيذ هذا المشروع بعد أن سبق لها الفشل في محاولة تأسيس هذه القاعدة الكبرى في شرق إفريقيا عام 1992 ضمن برنامج "إعادة الأمل" لأميركا في إنزال 27 ألفاً من قواتها في الصومال بدعوى القيام بمهام إنسانية.
رغم أن القيادة الإفريقية (أفريكوم) لا تزال تدار مؤقتاً من قاعدة عسكرية أميركية في مدينة شتوتغارت الألمانية، ورغم أن المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن ثلث منتسبي القيادة الجديدة سيكونون من الدبلوماسيين وموظفي الإغاثة الدولية وليسوا من العسكريين، ويضيفون أن وجود أفريكوم لا تعني تأسيس قواعد عسكرية جديدة في إفريقيا، فإن المتابع للتحركات السياسية والدبلوماسية والعسكرية لأميركا في القارة الإفريقية يلاحظ سعي أميركا الإستراتيجي والحثيث في الحصول على قاعدة عسكرية كبرى في إفريقيا تكون بمنزلة مقر دائم للقيادة الإقليمية للأفريكوم. وما يرجح أن دارفور هي نواة مقر القاعدة العسكرية للقيادة الإقليمية لأفريكوم، إضافة لكل ما ذكرناه آنفاً، هو المعارضة العلنية بإيعاز أميركي لمنظمة تنمية تجمع الجنوب الإفريقي (سادك) نشر "أفريكوم" في دول جنوب القارة. فقد قال رئيس زامبيا ليفي موانواسا الرئيس السابق لتجمع "سادك": "لن تتواجد قاعدة عسكرية في زامبيا أو في أي دولة من دول إقليم سادك"، وأضاف "إن الوجود الأميركي في إفريقيا يشبه السماح لعملاق بالبقاء في منزلك". والدولة الوحيدة التي عرضت علنياً استضافة "أفريكوم" هي ليبيريا، حيث قال وزير إعلامها لورانس بروبليه: "إن حضور القيادة إلى هنا يعني الكثير للبلدين". وهذا يعني أن أميركا لا تريد أصلاً وجود هذه القاعدة في دول الجنوب الإفريقي ووجود قادة لها في غرب إفريقيا (ليبيريا) أمر مطلوب ولكن ليس بقدر الأولوية الاستراتيجية التي تتمتع بها دارفور وبخاصة وأن هناك تسريبات تتحدث على "أن يكون السودان مقراً لتلك القيادة في شكل صفقة قد تطرح من قبل الولايات المتحدة في سبيل تحسين العلاقات مع السودان".
لقد باتت القيادة الإقليمية الأميركية لإفريقيا (أفريكوم) وما سوف يتبعها من شبكة قواعد أمراً ضرورياً ولازماً ضمن الاستراتيجية الأميركية للقرن الواحد والعشرين من أجل تخفيف الضغط على القيادتين الوسطى والأوروبية المنشغلتين بالحرب في العراق وأفغانستان ومن أجل تأمين الاعتماد الأميركي المتصاعد على موارد القارة وبخاصة الطاقة. ولذلك لن تكف أميركا بمعية فرنسا وبدعم من حكام المنطقة عن إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار في السودان وتشاد وبينهما حتى تحقق غاياتها في سلخ دارفور وتحويله مع أبيشي وبيروا إلى قاعدة عسكرية كبرى للقيادة الإقليمية لأفريكوم.

‏10/جمادى الثانية/1430هـ
3/6/2009م