مؤمن
07-06-2009, 05:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة الأهداف الأميركية في زعزعة استقرار تشاد والسودان
بعد يومين فقط من توقيع السودان وتشاد اتفاق مصالحة في الدوحة مساء يوم الأحد 3/5/2009 برعاية قطرية ليبية، كخطوة أولى في انتظار عقد قمة بين عمر حسن البشير وإدريس ديبي بطرابلس في موعد لم يحدد بعد، توالت الأنباء منذ صباح الخامس من أيار/مايو أن المعارضة التشادية بدأت هجوماً عسكرياً جديداً لإسقاط نظام ديبي في إنجامينا. وكالعادة جاءت التصريحات والإتهامات مثل سابقاتها. فقد قال المتحدث باسم حكومة تشاد في تصريحات نقلتها الإذاعة الحكومية أن "الهجوم بدأ من جانب نظام الخرطوم بطابور من المدرعات قبل أن يجف مداد اتفاق المصالحة".
أما واشنطن فأدانت توغل قوات المعارضة إلى داخل الأراضي التشادية انطلاقاً من الأراضي السودانية بحسب قول المتحدث باسم وزارة خارجيتها روبرت وود، وأدانت الاشتباك مع القوات الحكومية بمنطقة مكتظة بمعسكرات اللاجئين. وشدد المتحدث الأميركي على ضرورة انسحاب المتمردين وتخليهم عن استخدام السلاح والدخول في مفاوضات مع الحكومة لتحقيق السلام والأمن، داعياً في الوقت نفسه الخرطوم إلى تفكيك قوات المعارضة التشادية الموجودة على أراضيها. وبعد أربعة أيام من القتال قال وزير الدفاع التشادي أدوم يونسمي أن قوات حكومته حققت نصراً حاسماً على المتمردين الذين يخوضون قتالاً ضد القوات الحكومية شرقي البلاد وبخاصة جنوب مدينة أبيشي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن يونسمي قوله "إن المتمردين قد يكونون بحاجة إلى عامين أو ثلاثة أعوام لإعادة تنظيم صفوفهم". وأضاف أن "استراتيجيتنا هي جذب المرتزقة لأطول مسافة ممكنة عن قواعدهم بحيث لا يمكنهم الرجوع إليها بعد القصف"، معتبراً أن "النصر الذي تحقق يعود إلى احترافية جيشنا والتجهيزات التي يتمتع بها".
وقبل أن نبين أسباب اندلاع المعارك والاشتباكات العسكرية الأخيرة بين المعارضة والحكومة في تشاد والتي تطورت إلى تصعيد علني بين تشاد والسودان وكأنهما على أبواب حرب، لا بد أن نسجل الملاحظات التالية حتى تتجلى لنا صورة الموقف جيداً وحقيقة المخططات الأميركية في هذه المنطقة من العالم الإسلامي:
1ـ تكررت اتفاقات المصالحة بين تشاد والسودان بشكل لم يسبق له مثيل بين الدول. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، هناك اتفاقي طرابلس في 8/2/2006 وفي 15/2/2007. وهناك اتفاق الخرطوم في 28/8/2006 واتفاق الرياض في 3/5/2007. وأخيراً وليس آخراً اتفاق الدوحة في 3/5/2009. ويلاحظ أن أهم بند في كل هذه الاتفاقات هو الذي ينص عليه الطرفان بالقول: "نتعهد بمنع أي نشاط للمجموعات المسلحة واستخدام أراضينا لزعزعة أي من الدولتين". وبنفس القدر الذي تكررت فيها المصالحات بين تشاد والسودان تكررت فيه الاتهامات المتبادلة بين النظامين في رعاية كل منها للمعارضة والوقوف وراءها في محاولة لإسقاط وزعزعة النظام الآخر؛ فيما يشبه مسلسلاً تلفزيونياً ركيك التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج.
2ـ تكررت أيضاً الهجومات العسكرية للمعارضة التشادية بين كل اتفاق مصالحة وآخر يحدث بين تشاد والسودان. ففي 23/12/2005 أعلنت تشاد عن حالة الحرب مع السودان بتهمة تقديمه الدعم المادي للقوات المتمردة في شرق تشاد. وفعلاً توالت بعد ذلك محاولات المعارضة التشادية لإسقاط نظام ديبي على فترات متراوحة بدأت بالهجوم على العاصمة في 13/4/2006، ثم عدة هجمات مسلحة في جنوب شرق وجنوب وسط تشاد في 13/4/2007. ثم تجددت المعارك بين المعارضة والنظام في شرق تشاد بين 26/11 و4/12/2007. وبعد ذلك شهدت العاصمة إنجمينا أكبر هجوم عليها في 28/1/2008 من المعارضة إلى درجة أن فرنسا عرضت على إدريس ديبي "مساعدته في مغادرة تشاد إذا اعتبر أن حياته فى خطر" كما صرح مصدر مقرب من الإليزيه في حينه. ثم جاء الهجوم الأخير في 5/5/2009.
3ـ أما في الجانب السوداني فمنذ استيلاء حركة تحرير السودان في 25/4/2003 على مقرات قيادة مدينة الفاشر بولاية دارفور، وهي نفس السنة التي جرى فيها اكتشاف النفط في تشاد، بدأت الأحداث السياسية والعسكرية في التصاعد داخل السودان. ورغم توقيع الحكومة السودانية اتفاقية أبوجا في 5/5/2006 مع حركة تحرير السودان جناح مني* أركو مناوي، وكذلك توقيعها وثيقة تفاهم مع حركة العدل والمساواة جناح خليل إبراهيم في الدوحة بتاريخ 17/2/2009، فإن حركات المعارضة والأطراف الدولية، وبخاصة أميركا، اتخذت من قضية دارفور سبباً في تبرير العمليات العسكرية والضغط السياسي والقضائي على النظام في الخرطوم، ففي 11/5/2008 شن متمردون من حركة العدل والمساواة فصيل إبراهيم خليل، سليل قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس التشادي، هجوماً على مدينة أم درمان القريبة من العاصمة الخرطوم. ثم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 4/3/2009 مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة المسؤولية غير المباشرة في تصفية مدنيين والتهجير القسري والتعذيب والإغتصاب في إقليم دارفور. وأخيراً وليس آخراً توالت الأنباء يوم 25/5/2009 عن سيطرة حركة العدل والمساواة على بلدة أم بارو بولاية شمال دارفور على الحدود مع تشاد حيث وقعت معارك عنيفة بين الحركة والجيش السوداني الذي أعلن تحريره للبلدة ومتهماً تشاد بالوقوف وراء الهجوم. ويأتي كل هذا قبل يومين من انطلاق جولة جديدة من المباحثات بين حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية في الدوحة بقطر.
4ـ إن الاضطراب السياسي والعسكري لا ينحصر فقط في السودان وتشاد بل يمتد أيضاً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني هي أيضا حالة تمرد في الشمال على الحدود السودانية وعادة ما تتهم الخرطوم بالوقوف وراءها. وكان آخر هذه الأحداث هو سيطرة إتحاد القوى الديمقراطية للتجمع برئاسة الجنرال أبكار سابوني على مدينة بيروا شمال البلاد. وهنا قالت السلطات في إفريقيا الوسطى أن المتمردين الذين احتلوا المدينة قدموا من دارفور التي تسودها الفوضى، فيما عبّر متحدث رئاسي عن إدانة بلاده لـ"الهجوم البربري الذي جاء من أراضي دولة شقيقة"؛ أي "من الأراضي السودانية". وهنا طلب رئيس الوزراء إيلي دوت من مجلس الأمن نشر قوات لحفظ السلام في المنطقة الحدودية بين تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان لضمان الأمن. أما رئيس إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيز فقد اتهم السودان بإرسال متمردين مسلحين عبر الحدود لاحتلال مدينة بيروا التي تقع في شمال شرق البلاد. وقال بوزيز للصحفيين عقب محادثات في تشاد مع الرئيس إدريس ديبي "في الساعات الثماني والأربعين الماضية تعرضت جمهورية إفريقيا الوسطى لهجوم من جانب نفس الدولة التي ألحقت الضرر بتشاد. لنكن واضحين..على الدولة السودانية التوقف عن التصرف على هذا النحو". وأضاف "هذا البلد الشقيق الصديق يستخدم الكثير من الموارد لتسليح الأشخاص الذين يرسلهم الى منطقة إفريقيا الوسطى دون داع. لا يمكن أن نفهم كيف يتصرف السودان على هذا النحو".
إن ما يجري في غرب السودان وشرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى من أحداث سياسية وصراعات عسكرية منذ 2003 وحتى يومنا هذا، هو في الأساس مسلسل أعمال دولية ضمن التخطيط الإستراتيجي الأميركي للقارة السوداء بتسخير فرنسا وإطماعها وبمساعدة من أهل المنطقة سواء كانوا في الحكم أو المعارضة. إن غرض السياسة الأميركية في هذه المنطقة هو تحقيق أهداف حيوية محددة، وعلى رأسها تثبيت وجود مقر القاعدة العسكرية الأميركية الدائمة للقيادة الأميركية لإفريقيا، الأفريكوم. أما كيف ستصل أميركا إلى تحقيق ذلك فهذا ما سنراه من خلال تتبع أهدافها من وراء تفجير الصراع السياسي والعسكري على الحدود بين تشاد والسودان وإفريقيا الوسطى من حين لآخر، وعلاقة ذلك بوجود القوات الدولية والأوروبية والإفريقية في هذه الدول الثلاث. وهنا يمكن أن نرصد ثلاثة أهداف واضحة تريد أميركا إنجازها بمعية فرنسا من وراء كل الصراعات السياسية والأحداث العسكرية الجارية داخل وعلى حدود الدول الثلاث محل التخطيط. أما الهدف الأول فيتعلق بترسيخ الحاجة إلى وجود قوات دولية بدعوى حماية اللاجئين، والهدف الثاني هو دفع دول العالم وعلى رأسها أوروبا إلى تحمل تكاليف عملية انتشار القوات الدولية. أما الهدف الثالث وهو الناتج الاستراتيجي من الهدفين السابقين ويتعلق بتثبيت الحجر الأساس في بناء القاعدة العسكرية للأفريكوم عبر الربط العملياتي والتكتيكي بين القوات الأممية والأوروبية والإفريقية. ولنبدأ في تناول هذه الأهداف الثلاثة.
1ـ إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار لغاية ترسيخ الحاجة إلى وجود قوات دولية دائمة لحماية اللاجئين:
تروج أميركا للصراع في دارفور باعتباره سبب المشاكل في كل ما يحصل داخل تشاد وإفريقيا الوسطى وفي السودان نفسه. ولذلك جعلت أميركا الأحداث السياسية والعسكرية تتكرر وتتصاعد من فترة لأخرى في شرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى، وذلك لإبقاء عنصر عدم الاستقرار وتعريض حياة اللاجئين للخطر موجودين. وهذا من شأنه أن يؤكد الحاجة إلى وجود قوات أممية على النحو الذي تخطط له أميركا وتعينها فرنسا في ذلك. وإذا أضفنا إلى هذا تلكم التصريحات النارية التي يُطلقها المسؤولون في إنجامينا ضد عمر البشير وحكومته، بتهمة الاعداد لحرب مباشرة أو بالوكالة من أجل إسقاط النظام التشادي، بينما تتهم الحكومة السودانية تشاد مباشرة بالتآمر مع فرنسا عبر التدخل في دارفور في إطار "المؤامرة الغربية" على السودان لتقسيمه. وفوق كل هذه العناصر نضيف أيضاً عنصراً آخراً حتى تكتمل الخطة السياسية، وهو تكرار فشل المصالحات البينية المباشرة أو عبر الوساطة الإقليمية بما يؤكد عجز الحلول الذاتية والإقليمية عن توفير الأمن والاستقرار في ربوع هذه المنطقة، ومن ثم وجوب طلب التدخل الدولي والقبول بالقوات الأممية. وبناء على جملة هذه العناصر السابقة اعتبر مجلس الأمن في قراره رقم 1778 بتاريخ 25/9/2007، وكذا قراره رقم 1834 بتاريخ 24/9/2008، وقراره رقم 1861 بتاريخ 14/1/2009 "أن الحالة في منطقة الحدود بين السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى تشكل ﺗﻬديداً للسلم والأمن الدوليين"، ومن ثم فعلى المجلس أن "يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
وهكذا فإن مربط الفرس والغاية من إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار في هذه المنطقة هو التدخل العسكري عبر تشكيل قوات تابعة للأمم المتحدة في شرق تشاد وشمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى تحت مسمى "مينوركات" إلى جانب القوات الأوروبية "يوفور"، وذلك بدعوى حماية المدنيين في مساحة "مثلث الموت" أي دارفور (غرب السودان) وأبيشي (شرق تشاد) وبيراو (شمال إفريقيا الوسطى). فموجب القرار 1778 تشكلت بعثة الأمم المتحدة المؤلفة من 350 فردا ما بين شرطة وموظفين تدعمهم قوة عسكرية من أوروبا قوامها 3700 جندي قدمت فرنسا أكثر من نصفهم، وهي التي تتولى قيادتها الميدانية في أبيشي (شرق تشاد) برئاسة الجنرال الفرنسي جان فيليب جاناسيا. وعندما تتهيء الأوضاع على الأرض فإن قوة عسكرية تابعة للأمم المتحدة هي التي ستحل محل قوة الإتحاد الأوروبي، بموجب القرار1834 الذي صاغته فرنسا، بعد أن يتضاعف عددها إلى 6000 جندي أممي. وتكون مهمتها مثل سابقتها الأوروبية، أي حماية موظفي الأمم المتحدة وتسهيل عمل الإغاثة الانسانية وتحسين الوضع الأمني للاجئين والنازحين في شرق تشاد وشمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى والمقدر عددهم بأكثر من 500 ألف نسمة، منهم 285 ألف سوداني من دارفور مقيمين في شرق تشاد، و180 ألف من تشاد نفسها، و48 ألفاً من مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى، كلهم نازحون جراء أعمال العنف الدائر على الحدود.
حقيقة الأهداف الأميركية في زعزعة استقرار تشاد والسودان
بعد يومين فقط من توقيع السودان وتشاد اتفاق مصالحة في الدوحة مساء يوم الأحد 3/5/2009 برعاية قطرية ليبية، كخطوة أولى في انتظار عقد قمة بين عمر حسن البشير وإدريس ديبي بطرابلس في موعد لم يحدد بعد، توالت الأنباء منذ صباح الخامس من أيار/مايو أن المعارضة التشادية بدأت هجوماً عسكرياً جديداً لإسقاط نظام ديبي في إنجامينا. وكالعادة جاءت التصريحات والإتهامات مثل سابقاتها. فقد قال المتحدث باسم حكومة تشاد في تصريحات نقلتها الإذاعة الحكومية أن "الهجوم بدأ من جانب نظام الخرطوم بطابور من المدرعات قبل أن يجف مداد اتفاق المصالحة".
أما واشنطن فأدانت توغل قوات المعارضة إلى داخل الأراضي التشادية انطلاقاً من الأراضي السودانية بحسب قول المتحدث باسم وزارة خارجيتها روبرت وود، وأدانت الاشتباك مع القوات الحكومية بمنطقة مكتظة بمعسكرات اللاجئين. وشدد المتحدث الأميركي على ضرورة انسحاب المتمردين وتخليهم عن استخدام السلاح والدخول في مفاوضات مع الحكومة لتحقيق السلام والأمن، داعياً في الوقت نفسه الخرطوم إلى تفكيك قوات المعارضة التشادية الموجودة على أراضيها. وبعد أربعة أيام من القتال قال وزير الدفاع التشادي أدوم يونسمي أن قوات حكومته حققت نصراً حاسماً على المتمردين الذين يخوضون قتالاً ضد القوات الحكومية شرقي البلاد وبخاصة جنوب مدينة أبيشي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن يونسمي قوله "إن المتمردين قد يكونون بحاجة إلى عامين أو ثلاثة أعوام لإعادة تنظيم صفوفهم". وأضاف أن "استراتيجيتنا هي جذب المرتزقة لأطول مسافة ممكنة عن قواعدهم بحيث لا يمكنهم الرجوع إليها بعد القصف"، معتبراً أن "النصر الذي تحقق يعود إلى احترافية جيشنا والتجهيزات التي يتمتع بها".
وقبل أن نبين أسباب اندلاع المعارك والاشتباكات العسكرية الأخيرة بين المعارضة والحكومة في تشاد والتي تطورت إلى تصعيد علني بين تشاد والسودان وكأنهما على أبواب حرب، لا بد أن نسجل الملاحظات التالية حتى تتجلى لنا صورة الموقف جيداً وحقيقة المخططات الأميركية في هذه المنطقة من العالم الإسلامي:
1ـ تكررت اتفاقات المصالحة بين تشاد والسودان بشكل لم يسبق له مثيل بين الدول. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، هناك اتفاقي طرابلس في 8/2/2006 وفي 15/2/2007. وهناك اتفاق الخرطوم في 28/8/2006 واتفاق الرياض في 3/5/2007. وأخيراً وليس آخراً اتفاق الدوحة في 3/5/2009. ويلاحظ أن أهم بند في كل هذه الاتفاقات هو الذي ينص عليه الطرفان بالقول: "نتعهد بمنع أي نشاط للمجموعات المسلحة واستخدام أراضينا لزعزعة أي من الدولتين". وبنفس القدر الذي تكررت فيها المصالحات بين تشاد والسودان تكررت فيه الاتهامات المتبادلة بين النظامين في رعاية كل منها للمعارضة والوقوف وراءها في محاولة لإسقاط وزعزعة النظام الآخر؛ فيما يشبه مسلسلاً تلفزيونياً ركيك التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج.
2ـ تكررت أيضاً الهجومات العسكرية للمعارضة التشادية بين كل اتفاق مصالحة وآخر يحدث بين تشاد والسودان. ففي 23/12/2005 أعلنت تشاد عن حالة الحرب مع السودان بتهمة تقديمه الدعم المادي للقوات المتمردة في شرق تشاد. وفعلاً توالت بعد ذلك محاولات المعارضة التشادية لإسقاط نظام ديبي على فترات متراوحة بدأت بالهجوم على العاصمة في 13/4/2006، ثم عدة هجمات مسلحة في جنوب شرق وجنوب وسط تشاد في 13/4/2007. ثم تجددت المعارك بين المعارضة والنظام في شرق تشاد بين 26/11 و4/12/2007. وبعد ذلك شهدت العاصمة إنجمينا أكبر هجوم عليها في 28/1/2008 من المعارضة إلى درجة أن فرنسا عرضت على إدريس ديبي "مساعدته في مغادرة تشاد إذا اعتبر أن حياته فى خطر" كما صرح مصدر مقرب من الإليزيه في حينه. ثم جاء الهجوم الأخير في 5/5/2009.
3ـ أما في الجانب السوداني فمنذ استيلاء حركة تحرير السودان في 25/4/2003 على مقرات قيادة مدينة الفاشر بولاية دارفور، وهي نفس السنة التي جرى فيها اكتشاف النفط في تشاد، بدأت الأحداث السياسية والعسكرية في التصاعد داخل السودان. ورغم توقيع الحكومة السودانية اتفاقية أبوجا في 5/5/2006 مع حركة تحرير السودان جناح مني* أركو مناوي، وكذلك توقيعها وثيقة تفاهم مع حركة العدل والمساواة جناح خليل إبراهيم في الدوحة بتاريخ 17/2/2009، فإن حركات المعارضة والأطراف الدولية، وبخاصة أميركا، اتخذت من قضية دارفور سبباً في تبرير العمليات العسكرية والضغط السياسي والقضائي على النظام في الخرطوم، ففي 11/5/2008 شن متمردون من حركة العدل والمساواة فصيل إبراهيم خليل، سليل قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس التشادي، هجوماً على مدينة أم درمان القريبة من العاصمة الخرطوم. ثم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 4/3/2009 مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة المسؤولية غير المباشرة في تصفية مدنيين والتهجير القسري والتعذيب والإغتصاب في إقليم دارفور. وأخيراً وليس آخراً توالت الأنباء يوم 25/5/2009 عن سيطرة حركة العدل والمساواة على بلدة أم بارو بولاية شمال دارفور على الحدود مع تشاد حيث وقعت معارك عنيفة بين الحركة والجيش السوداني الذي أعلن تحريره للبلدة ومتهماً تشاد بالوقوف وراء الهجوم. ويأتي كل هذا قبل يومين من انطلاق جولة جديدة من المباحثات بين حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية في الدوحة بقطر.
4ـ إن الاضطراب السياسي والعسكري لا ينحصر فقط في السودان وتشاد بل يمتد أيضاً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني هي أيضا حالة تمرد في الشمال على الحدود السودانية وعادة ما تتهم الخرطوم بالوقوف وراءها. وكان آخر هذه الأحداث هو سيطرة إتحاد القوى الديمقراطية للتجمع برئاسة الجنرال أبكار سابوني على مدينة بيروا شمال البلاد. وهنا قالت السلطات في إفريقيا الوسطى أن المتمردين الذين احتلوا المدينة قدموا من دارفور التي تسودها الفوضى، فيما عبّر متحدث رئاسي عن إدانة بلاده لـ"الهجوم البربري الذي جاء من أراضي دولة شقيقة"؛ أي "من الأراضي السودانية". وهنا طلب رئيس الوزراء إيلي دوت من مجلس الأمن نشر قوات لحفظ السلام في المنطقة الحدودية بين تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان لضمان الأمن. أما رئيس إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيز فقد اتهم السودان بإرسال متمردين مسلحين عبر الحدود لاحتلال مدينة بيروا التي تقع في شمال شرق البلاد. وقال بوزيز للصحفيين عقب محادثات في تشاد مع الرئيس إدريس ديبي "في الساعات الثماني والأربعين الماضية تعرضت جمهورية إفريقيا الوسطى لهجوم من جانب نفس الدولة التي ألحقت الضرر بتشاد. لنكن واضحين..على الدولة السودانية التوقف عن التصرف على هذا النحو". وأضاف "هذا البلد الشقيق الصديق يستخدم الكثير من الموارد لتسليح الأشخاص الذين يرسلهم الى منطقة إفريقيا الوسطى دون داع. لا يمكن أن نفهم كيف يتصرف السودان على هذا النحو".
إن ما يجري في غرب السودان وشرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى من أحداث سياسية وصراعات عسكرية منذ 2003 وحتى يومنا هذا، هو في الأساس مسلسل أعمال دولية ضمن التخطيط الإستراتيجي الأميركي للقارة السوداء بتسخير فرنسا وإطماعها وبمساعدة من أهل المنطقة سواء كانوا في الحكم أو المعارضة. إن غرض السياسة الأميركية في هذه المنطقة هو تحقيق أهداف حيوية محددة، وعلى رأسها تثبيت وجود مقر القاعدة العسكرية الأميركية الدائمة للقيادة الأميركية لإفريقيا، الأفريكوم. أما كيف ستصل أميركا إلى تحقيق ذلك فهذا ما سنراه من خلال تتبع أهدافها من وراء تفجير الصراع السياسي والعسكري على الحدود بين تشاد والسودان وإفريقيا الوسطى من حين لآخر، وعلاقة ذلك بوجود القوات الدولية والأوروبية والإفريقية في هذه الدول الثلاث. وهنا يمكن أن نرصد ثلاثة أهداف واضحة تريد أميركا إنجازها بمعية فرنسا من وراء كل الصراعات السياسية والأحداث العسكرية الجارية داخل وعلى حدود الدول الثلاث محل التخطيط. أما الهدف الأول فيتعلق بترسيخ الحاجة إلى وجود قوات دولية بدعوى حماية اللاجئين، والهدف الثاني هو دفع دول العالم وعلى رأسها أوروبا إلى تحمل تكاليف عملية انتشار القوات الدولية. أما الهدف الثالث وهو الناتج الاستراتيجي من الهدفين السابقين ويتعلق بتثبيت الحجر الأساس في بناء القاعدة العسكرية للأفريكوم عبر الربط العملياتي والتكتيكي بين القوات الأممية والأوروبية والإفريقية. ولنبدأ في تناول هذه الأهداف الثلاثة.
1ـ إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار لغاية ترسيخ الحاجة إلى وجود قوات دولية دائمة لحماية اللاجئين:
تروج أميركا للصراع في دارفور باعتباره سبب المشاكل في كل ما يحصل داخل تشاد وإفريقيا الوسطى وفي السودان نفسه. ولذلك جعلت أميركا الأحداث السياسية والعسكرية تتكرر وتتصاعد من فترة لأخرى في شرق تشاد وشمال إفريقيا الوسطى، وذلك لإبقاء عنصر عدم الاستقرار وتعريض حياة اللاجئين للخطر موجودين. وهذا من شأنه أن يؤكد الحاجة إلى وجود قوات أممية على النحو الذي تخطط له أميركا وتعينها فرنسا في ذلك. وإذا أضفنا إلى هذا تلكم التصريحات النارية التي يُطلقها المسؤولون في إنجامينا ضد عمر البشير وحكومته، بتهمة الاعداد لحرب مباشرة أو بالوكالة من أجل إسقاط النظام التشادي، بينما تتهم الحكومة السودانية تشاد مباشرة بالتآمر مع فرنسا عبر التدخل في دارفور في إطار "المؤامرة الغربية" على السودان لتقسيمه. وفوق كل هذه العناصر نضيف أيضاً عنصراً آخراً حتى تكتمل الخطة السياسية، وهو تكرار فشل المصالحات البينية المباشرة أو عبر الوساطة الإقليمية بما يؤكد عجز الحلول الذاتية والإقليمية عن توفير الأمن والاستقرار في ربوع هذه المنطقة، ومن ثم وجوب طلب التدخل الدولي والقبول بالقوات الأممية. وبناء على جملة هذه العناصر السابقة اعتبر مجلس الأمن في قراره رقم 1778 بتاريخ 25/9/2007، وكذا قراره رقم 1834 بتاريخ 24/9/2008، وقراره رقم 1861 بتاريخ 14/1/2009 "أن الحالة في منطقة الحدود بين السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى تشكل ﺗﻬديداً للسلم والأمن الدوليين"، ومن ثم فعلى المجلس أن "يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
وهكذا فإن مربط الفرس والغاية من إشاعة أجواء الحرب وعدم الاستقرار في هذه المنطقة هو التدخل العسكري عبر تشكيل قوات تابعة للأمم المتحدة في شرق تشاد وشمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى تحت مسمى "مينوركات" إلى جانب القوات الأوروبية "يوفور"، وذلك بدعوى حماية المدنيين في مساحة "مثلث الموت" أي دارفور (غرب السودان) وأبيشي (شرق تشاد) وبيراو (شمال إفريقيا الوسطى). فموجب القرار 1778 تشكلت بعثة الأمم المتحدة المؤلفة من 350 فردا ما بين شرطة وموظفين تدعمهم قوة عسكرية من أوروبا قوامها 3700 جندي قدمت فرنسا أكثر من نصفهم، وهي التي تتولى قيادتها الميدانية في أبيشي (شرق تشاد) برئاسة الجنرال الفرنسي جان فيليب جاناسيا. وعندما تتهيء الأوضاع على الأرض فإن قوة عسكرية تابعة للأمم المتحدة هي التي ستحل محل قوة الإتحاد الأوروبي، بموجب القرار1834 الذي صاغته فرنسا، بعد أن يتضاعف عددها إلى 6000 جندي أممي. وتكون مهمتها مثل سابقتها الأوروبية، أي حماية موظفي الأمم المتحدة وتسهيل عمل الإغاثة الانسانية وتحسين الوضع الأمني للاجئين والنازحين في شرق تشاد وشمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى والمقدر عددهم بأكثر من 500 ألف نسمة، منهم 285 ألف سوداني من دارفور مقيمين في شرق تشاد، و180 ألف من تشاد نفسها، و48 ألفاً من مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى، كلهم نازحون جراء أعمال العنف الدائر على الحدود.