مشاهدة النسخة كاملة : ردا على من ينكر عقوبة الرجم
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 05:41 PM
https://www.youtube.com/watch?v=hxUXmuct28k
أولاً: آية الرجم ليست آية من القرآن فكل روايات الآحاد في هذا الباب مردودة دراية حتى لو صح سندها؛ لأن القرآن لا يثبت إلا تواتراً، وقد أجمع الصحابة على أن ما بين الدفتين هو القرآن، وما عداه ليس من القرآن، وهو أمر متفق عليه بين المسلمين. وإنما الخلاف في أن هذه الروايات إن صحت أسانيدها هل تعامل معاملة السنة أم لا؟؟
والصحيح أنه لا يصح الاستشهاد بها؛ لأنها رويت على أساس أنها قرآن، وكلها أخبار آحاد لا تقوم الحجة بها على أنها من القرآن فترد دراية ولا يصح الاستشهاد بها أبداً.
فمسألة كون آية الرجم وغيرها مما يقال أنها آيات، ورويت بطريق الآحاد فإنها ليست من القرآن ومردودة دراية. وكون موضوع النسخ تلاوة لم يقع ولم يثبت، فموضوع منفصل عن موضوع حكم الرجم تماماً، فإن حكم الرجم لا نستشهد عليه بما يقال أنه آية الرجم؛ لأنها مردودة دراية (وإن كان هناك فقهاء يستشهدون بها على اعتبار أنها من السنة كما تقدم كما يستشهدون بنصوص السنة على الموضوع) ولكن حكم الرجم ثابت بنصوص السنة عن الرسول من مثل حديث ماعز والغامدية واليهوديان اللذان زنيا وحديث لا يحل دم مسلم ومنها الثيب الزاني علاوة على إجماع الصحابة على رجم الثيب الزاني.
وعليه فكل حديث المدعو عدنان إبراهيم عما يسمى آية الرجم وأنها ليست آية وليست من القران نتفق معه فيه، ولكنه لا يدل على أن الرجم لم يثبت، أو أن عقوبة الرجم غير ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثانياً: حديث "لا قَوَد إلاّ بالسيف" جميع الطرق التي رُوي بها ضعيفة، حتى قيل إنه حديث منكَر، فلا يصح أن يكون دليلاً. قال البيهقي لم يثبت فيه إسناد ثم إنه معارَض بحديث اليهودي الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أنس أيضاً أن جارية من الأنصار قتلها رجل من اليهود على حُلي لها رضَّ رأسها بين حجرين فسألوها من صنع بك هذا؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا لها يهودياً؛ فأومأت برأسها فأُخذ اليهودي فأقر فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة. أهـ ذكره البخاري. ويمكن الاستئناس بالقرآن قال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقد استدل بها الشافعي. وقال تعالى {فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} أما قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا قَتلتم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذَبحتم فأحسِنوا الذِبْحة". فالمطلوب هو إحسان القتل، ولم يصح نص بآلة معينة للقتل. على أن من يستشهد بما روي "لا قَوَد إلاّ بالسيف" فإنه يستشهد به في موضوع القود من القاتل؛ أي أن من قتل يقاد قتلاً بالسيف فالموضوع هنا كيف يكون قتل القاتل، وهذه الرواية متعلقة بقتل القاتل ولا علاقة لها بكيفية قتل الثيب الزاني، والاستشهاد بها هنا خطأ؛ لأن موضوع قتل الثيب الزاني غير موضوع القتل تماماً مثل عقوبة قاطع الطريق فإن فيها الصلب والقتل، ولا يجوز ذلك؛ أعني الصلب لمن قتل نفساً معصومة. ولا يجوز الاستشهاد بالآية على جواز ذلك؛ لأن الموضوعين متغايران.
ثالثاً: كونها عقوبة فظيعة مخيفة، وعلى المسلم أن يراجع إنسانيته، هذا كلام لا قيمة له فإن الأحكام لا تؤخذ عقلاً؛ فالحاكم على أفعال العباد هو الشرع لا العقل، وكون الطبع ينفر ويكره ويرى قسوة وفظاعة هذا الحكم فإن ذلك لا يعني أن هذا الحكم ليس شرعياً، وإنما الذي يثبت ذلك هو نصوص الشرع، ثم إن الله سبحانه يقول: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فإن ما أمر الله به هو خير لنا سواءٌ أحببنا أم كرهنا. ثم إنه لا شك أن عقوبة الحرابة عقوبة فظيعة مخيفة، وهي ثابتة قطعاً، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
رابعاً: كون الرسول بعث رحمة لا علاقة له بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، فالمسألة نصوص متعلقة بفعل معين وما هو حكم هذا الفعل لا أن ما بعث به محمد هو رحمة للعالمين أم لا. فقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} لا علاقة له بحكم الرجم، فليس فيه أي دلالة على هذا الحكم لا نفياً ولا إثباتاً، ولا يمكن الاستشهاد بها على حكم الرجم، تماماً مثل أنه لا يمكن الاستشهاد بها على حكم الحرابة (قطع الطريق).
والعجب أنه أتى بعقوبات كانت على اليهود والنصارى ثم نسخت في شريعتنا وهي فظيعة؛ أي أن الله شرع أحكاماً فظيعة؛ أي أنه يجوز أن تشرع هذه الأحكام، والموضوع أنها نُسخت بشرعنا. فالاستفظاع وعدمه لا قيمة له والبحث يجب أن ينصب على نصوص الشرع كتاباً وسنة على حكم الزنا، فإن ثبت حكم الرجم، فإنه يؤخذ سواء أكان فظيعاً أم لا، وإن لم يثبت لا يؤخذ سواءٌ أكان فظيعاً أم لا، فالبحث لإثبات الحكم متعلق بالنصوص الشرعية لا بالتعليلات العقلية التي لا قيمة لها.
خامساً: لابد من التنبه أن الأمر بالعفو عن قاتل العمد على الندب لا الوجوب؛ أي أنه يجوز العفو عن قاتل العمد ويندب ذلك ويجوز أن يُقتل قِصاصاً، فهو حق لولي المقتول ولا شيء عليه ولا يتعارض ذلك مع الرحمة ولا يُذم من فعل ذلك أبداً.
سادساً: قوله عن سورة النور أنها آيات بينات، فإن هذا متعلق بالسورة كلها وليس بجزء منها، وكونها آيات بينات فإن معنى ذلك أن دلالتها واضحة، وهذا لا علاقة له بأنه وقع نسخ لبعض آياتها أم لم يقع، ولا علاقة بكون آياتها ممكن أن يدخلها التخصيص أم لا يمكن، ولا ينفي وقوع ذلك أو عدم وقوعه ولا علاقة لذلك بكون بعض آياتها ممكن ان تكون مجملة وتحتاج لبيان، فكل ذلك لا يغير من حقيقة أن دلالتها واضحة.
سابعاً: بعد أن قال الخطيب أن آية: {الزانية والزاني..} عامة، فالزانية والزاني لفظ عام. اشترط أن يكون الشخص مكلفاً أي بالغاً عاقلاً، واشتراط ذلك هو تخصيص، وهو تماماً مثل اشتراط أن يكون الزاني بكراً بلا فرق أبداً فبماذا خصصها؟؟ مع أن الآية لم تذكر ذلك أبداً؟؟ فإن احتج بنصوص خارجة منفصلة عن الآية تثبت اشتراط ذلك فإننا كذلك نحتج بنصوص تشترط أن يكون الزاني بكراً.
والعجب أنه كان قبل ذلك بلحظات كان يقول أنها آيات بينات، ونعى على من يريد أن ينسخ منها أشياء ويخصص منها أشياء!!
والأصل بحسب ما أسس أن تعم الرجلَ والمرأةَ الكافر والمؤمنَ البكرَ والثيبَ والصغيرَ والكبيرَ والعبدَ والحرّ،َ الذي شهد عليه أربعة شهداء والذي لم يشهد عليه أحد، الذي اعترف والذي لم يعترف ... فكل هذا الكلام يدخل في ظاهر الآية . فتأمل فإن بهذه النقطة يسقط كل كلامه على رد حكم رجم الثيب إذا زنا.
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 05:43 PM
ثامناً: قوله (إذا ثبت أنه رجم فالرد عليه أنه رجم قبل نزول آية النور) أما أنه ثبت أنه رجم فهو ثابت بالروايات الصحيحة الثابتة _وبغير ما يسمى آية الرجم_ أما ادعاء أنه رجم قبل نزول آية النور فهو ادعاء لا دليل عليه، بل إن الروايات المتعلقة بنزول آية {الزانية والزاني..} من سورة النور ذكر فيها التفريق بين المحصن والبكر، فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" وهذا النص هو الدليل على أن آية {الزانية والزاني..} نسخت آية {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً} من سورة النساء. ومن دونها يقع التعارض بين هذه الآية وآية سورة النور .
وقال الدكتور عدنان إبراهيم أنه سيذكر الأدلة والبراهين أنها كانت قبل نزول سورة النور؛ لأنه كان يوافق أهل الكتاب فيما لم ينزل شرع فيه، وهذا كلام باطل؛ لأن حكم الزنا قبل سورة النور نزل في سورة النساء قبل سورة النور، فكنا مخاطبين بما ورد في سورة النساء لا بموافقة أهل الكتاب.
أما بالنسبة لبحثه في لفظ الفاحشة ومشتقاتها فجاء في معاجم اللغة
الفحش هو(القبيحُ من القول والفعل) و(كلُّ شيء جاوز قدرَه وحدَّه فهو فاحِشٌ) ويطلق على (ما يَشتد قُبْحُه من الذنوب والمعاصي قال ابن الأَثير وكثيراً ما تَرِدُ الفاحشةُ بمعنى الزنا ويسمى الزنا فاحشةً) لسان العرب لابن منظور .
وجاء في القاموس المحيط (الفاحِشَةُ الزِّنَى، وما يَشْتَدُّ قُبْحُهُ من الذُّنُوبِ، وكلُّ ما نَهَى اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ عنه. والفَحْشاء البُخْلُ في أداء الزَّكاةِ. والفاحِشُ البخيلُ جِدّاً، والكثيرُ الغالِبُ، وقد فَحُشَ، ككَرُمَ، فُحْشاً.
والفُحْشُ: عُدْوَانُ الجَوابِ، ومنه: لا تكونِي فاحِشَةً لِعائِشةَ، رضي الله عنها. ورَجُلٌ فاحِشٌ وفَحَّاشٌ. وأفْحَشَ: قال الفُحْشَ. وتَفَاحَشَ: أتَى به، وأظْهَرَهُ.) انتهى .
وقد قال الدكتور عدنان إبراهيم في الفيديو أن معنى الفاحشة في قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} هي اللواط تحديداً وهذا صحيح لأن سياق الآية وما بعدها، وما هو معلوم من فعل قوم لوط قرينة بأن المراد بالفاحشة في هذه الآية هو اللواط .
وقال أن معنى {فاحشة مبينة} ليست بمعنى الزنا تحديداً في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} وهو ما قاله كثيرٌ من المفسرين، والقول بأنها الزنا تحديداً، هو قول بعضهم، لا كما أوهم. ولكن غالب المفسرين يجعلون الزنا من الفاحشة التي يجوز عندها العضل، وتفسيره بأنه إذا أراد معنى الزنا ثم أمر بالعشرة بالمعروف، وأن هذا تناقض، كلام غير صحيح؛ لأن الاستثناء للعضل، والعضل هو ليذهبوا ببعض ما آتيتموهن (وأصل العضل التضييق يقال عضلت الدجاجة ببيضها. وقيل الخطاب مع الأزواج كانوا يحبسون النساء من غير حاجة ورغبة حتى يرثوا منهن أو يختلعن بمهورهن. وقيل تم الكلام بقوله كرها ثم خاطب الأزواج ونهاهم عن العضل. {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف، والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له تقديره ولا تعضلوهن للافتداء إلا وقت أن يأتين بفاحشة، أو ولا تعضلوهن لعلة إلا أن يأتين بفاحشة) أهـ. فالعضل يتناقض مع العشرة بالمعروف وهو جائز في حالة الإتيان بفاحشة والتي هي أعم من الزنا على الرأي الراجح لا الزنا تحديداً .
أما مدلول لفظ فاحشة في قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} ففاحشة هنا بمعنى كبيرة والمسلم ينزه أمهاته زوجات النبي العفيفات الطاهرات عن الوقوع بالزنا رضوان الله عليهن .
أما مدلول لفظ فاحشة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}.
فالله يقول (وخافوا الله أيها الناس ربكم فاحذروا معصيته أن تتعدّوا حده، لا تخرجوا من طلقتم من نسائكم لعدتهنّ من بيوتهنّ التي كنتم أسكنتموهنّ فيها قبل الطلاق حتى تنقضي عدتهنّ.) واستثنى حالة يجوز إخراجهم من البيوت بعد طلاقهن وهي أن يأتين بفاحشة (وعنى بالفاحشة في هذا الموضع: المعصية، وذلك أن الفاحشة هي كلّ أمر قبيح تعدّى فيه حدّه، فالزنى من ذلك، والسرقة والبذاء على الأحماء، وخروجها متحوّلة عن منزلها الذي يلزمها أن تعتدّ فيه منه، فأي ذلك فعلت وهي في عدتها، فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك، لإتيانها بالفاحشة التي ركبتها) هذا ما قاله الطبري إمام المفسرين وما رجحه الفقهاء.
وقد جاءت الفاحشة بمعنى الزنا في القرآن كما في قوله تعالى: { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}.
وكما في قوله تعالى ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فان قوله هنا (أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) أي الزنا.
وقد صرَّح هو بذلك أثناء خطبته، ولكنه لم يصرح ما معنى فاحشة في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} لاحظ قوله تعالى: {يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} وقوله في الآية التي قبلها والتي كانت معناها زنا، وهي قوله تعالى {أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ{.
فإن المفسرين كلهم قالوا إن إتيان الفاحشة في هذه الآية معناه الزنا، حتى مجاهد الذي قال إن معنى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا} إتيان الرجل للرجل، فإنه قال عن معنى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الزنا كما في نفس كتب التفسير التي نقلت قوله عن معنى قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا}، والبحث إنما هو في قوله تعالى {يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} وأنها الزنا. ويكفي القرائن على ذلك ما نقل عن الصحابة من نصوص تبين أنه هذا كان حكم الزنا قبل نزول آية الجلد، وما ثبت من سنة عن الرجم بالإضافة لقرينة أربعة شهداء التي ذكرت في الآية وهي ما هو متفق عليه من أنه نصاب الشهادة للزنا عموماً، فليتأمل!
تاسعاً: تعليقاً على كلامه بأن دين اليهود دين قوانين وأغلال وقفص ..الخ والنصارى دين محبة وتساهل وتسامح ..الخ، وقوله إن هذه الأمة شرعتها شرعة وسط .
فالله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذا يعني أن الإسلام جاء بوضع الإصر والأغلال عن اليهود والنصارى أهل التوراة والإنجيل، لا عن اليهود وحدهم ولا على النصارى وحدهم والمسألة لا علاقة لها بقوانين وصرامة وقيود ..الخ. فإن في الإسلام هذه الأمور أيضًاً؛ أي فيه ما يجب أن يُقام ويلتزم بكل صرامة دون تساهل و تفريط {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} "وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وفيه ما يشرع فيه المسامحة واللين، فإن وضع هذا بدل هذا كان مخالفة للإسلام وأحكامه .
والله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فوصف الأمة بأنها أمة وسط، لا الشرع. وجعلهم وسطا؛ أي عدولاً؛ ليكونوا شهداء على الناس وهذاعين بأن معنى وسطاً هنا عدولًا؛ ليصح أن يشهدوا على الناس .
ثم إن وصف شريعة الإسلام بالمرونة وصف مطاطي وغير مفهوم وغير محدد حتى يقبل أو يرفض .
والعجب من الفرح على شهادة العشرات من أهل القانون الغربيين بأن الشريعة الإسلامية متوازنة!! ماذا لو لم توجد هذه الشهادات؟!! فهل انعدمت ثقتنا بديننا وأنفسنا لهذه الدرجة؟!! أم أنه الانضباع بالغرب والانهزام الداخلي؟!! وكأننا نحتاج لشهاداتهم عن الإسلام لإثبات عظمة أو صحة الإسلام .
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 05:47 PM
عاشراً: قوله إن جعلها آية _ما يسمى آية الرجم_ وردها أصعب من جعلها حديثاً؛ لأن ردها سهل.
هذا الكلام خطأ وباطل ومردود، و يصح أن يوصف بأنه مغالطة. فلو كان الرجم لم يثبت بالسنة ولم يأت إلا ما يقال بأنه آية من القرآن نُسخت تلاوة فإن الرد هنا في هذه الحالة هو الأسهل؛ لأن القرآن لا يثبت إلا تواتراً، ولا يثبت آحاداً، وبالتالي لا يصح الأخذ والاستشهاد بها أبداً على الصحيح، خلافاً لمن يرى معاملتها على أساس أنها سنة، وهو ما يقال بالنسبة للاستشهاد بما يسمى آية الرجم، وبما روي بأنه قرآن كما تقدم في ثالثا، وإنما الدليل على الرجم هو السنة. ولا يصح أن يُقال إن هذا نسخ لآية الزانية والزانية؛ لأن النسخَ هو إزالة الحكم وإبطاله، فلو جاءت السنة بأن الزانية والزاني يرجمان على العموم لكان هذا تعارضاً مع آية {الزانية والزاني..} وعندها فلا شك أن هذه الرواية ترد دراية، أما ما ورد في السنة بالرجم فإنه متعلق بالثيب، وهذا اسمه تخصيص لآية {الزانية والزاني..} وليس نسخاً وهو جائز وواقع فعلاً في نصوص الشرع.
والغريب أن الدكتور عدنان إبراهيم جاء ونبه إلى هذه النقطة، وبين الفرق بين النسخ والتخصيص، وذكر خلافاً فيما يجوز فيه النسخ بينهم؛ أي هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا؟ ثم ذكر التخصيص وصرَّح بأن الفقهاء قالوا جميعهم به، واختلاف الحنفية مع بقية الفقهاء في شروط التخصيص لا في إمكانه ووقوعه، فالخلاف هو في شروط التخصيص، وهو مبني على رأيهم في حكم النص العام، فهم يقولون بأن العام قطعيٌّ كالخاص، (ولا يصح تخصيص النص العام ابتداءً _والرجاء الانتباه لهذه النقطة_ بخبر الواحد أو القياس) قال الإمام السرخسي الحنفي في كتابه أصول السرخسي، بعد أن نقل رأي الواقفية في حكم العام ورأي الشافعي، قال؛ أي السرخسي: (والمذهب عندنا أن العام موجب للحكم فيما يتناوله قطعاً بمنزلة الخاص موجب للحكم فيما تناوله، يستوي في ذلك الأمر والنهي والخبر إلا فيما لا يمكن اعتبار العموم فيه لانعدام محله، فحينئذ يجب التوقف إلى أن يتبين ما هو المراد به ببيان ظاهر بمنزلة المجمل، فعلى هذا دلت مسائل علمائنا رحمهم الله.) ثم قال (وظهر من مذهب أبي حنيفة رحمه الله ترجيح العام على الخاص في العمل به، نحو حفر بئر الناضح فإنه رجح قوله عليه السلام: من حفر بئراً فله مما حولها أربعون ذراعا على الخاص الوارد في بئر الناضح أنه ستون ذراعا، فرجح قوله عليه السلام: ما أخرجت الأرض ففيه العشر على الخاص الوارد بقوله عليه السلام: ليس في الخضراوات صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ونسخ الخاص بالعام أيضاً كما فعله في بول ما يؤكل لحمه فإنه جعل الخاص من حديث العرنيين فيه منسوخاً بالعام وهو قوله عليه السلام: "استنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه" وأكثر مشايخنا رحمهم الله يقولون أيضاً: (إن العام الذي لم يثبت خصوصه بدليل لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس _والرجاء الانتباه لهذا الكلام_فزعموا أن المذهب هذا، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب لا يكون موجباً تخصيص العموم في قوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} حتى لا تتعين قراءة الفاتحة فرضا. وكذلك قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} عام لم يثبت خصومه فإن الناسي جعل ذاكراً حكما بطريقة إقامة ملته مقام التسمية تخفيفاً عليه، فلا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس (وكذلك قوله: {ومن دخله كان آمنا} عام لم يثبت تخصيصه، ولا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس) حتى يثبت الأمن بسبب الحرم المباح الدم باعتبار العموم، ومتى ثبت التخصيص في العام بدليله فحينئذ يجوز تخصيصه بخبر الواحد والقياس على ما نبينه، إن شاء الله تعالى) انتهى كلام السرخسي فتأمله .
هذا رأي الحنفية في التخصيص وهو رأي مرجوح لا دليل عليه إلا فروع علمائهم حتى أن بعض علمائهم في الأصول خالفوهم في ذلك كما صرح الجصاص في كتابه الفصول، وهذا نص كلامه ننقله هنا لفائدته ودقته ونزاهته رحمه الله في هذا الموضوع: (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَخْبِرْنِي عَمَّنْ سَمِعَ آيَةً أَوْ سُنَّةً ظَاهِرُهُمَا عُمُومٌ هَلْ يَلْزَمُهُ إمْضَاؤُهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَعُمُومِهِمَا أَوْ يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا حَتَّى يَعْلَمَ (أَهُوَ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ) وَمَنْسُوخٌ أَوْ نَاسِخٌ .
فَإِنْ قُلْت إنَّهُ يُمْضِيهِمَا عَلَى الْعُمُومِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ خَاصًّا وَعَامًّا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا فَقَدْ حَكَمْت بِعُمُومِهِمَا مَعَ الشَّكِّ فِيهِ .
وَإِنْ قُلْت إنَّهُ يَقِفُ فِيهِمَا حَتَّى يَسْتَقْرِئَ سَائِرَ الْأُصُولِ وَالدَّلَائِلِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْهَا يُخَصِّصُهَا قَضَى فِيهِمَا بِالْعُمُومِ فَقَدْ تَرَكْت الْقَوْلَ بِالْعُمُومِ وَصِرْت إلَى (مَذْهَبِ) أَصْحَابِ الْوَقْفِ .
قِيلَ (لَهُ) : الَّذِي نَقُولُ فِي ذَلِكَ: إنَّ هَذَا السَّامِعَ إنْ كَانَ سَأَلَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ حَادِثَةٍ حَدَثَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا قُرْآنًا أَوْ أَجَابَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِجَوَابٍ فَعَلَيْهِ إمْضَاءُ الْحُكْمِ عَلَى ظَاهِرِ مَا سَمِعَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ فِي خُصُوصِهِ أَوْ عُمُومِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَاصًّا (لَمَا) تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي أَلْزَمَ فِيهَا تَنْفِيذَ الْحُكْمِ مَعَ جَهْلِ السَّائِلِ .
وَأَمَّا مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ حُكْمًا مُبْتَدَأً مُعَلَّقًا بِعُمُومِ لَفْظٍ مِنْ غَيْرِ حَادِثَةٍ سُئِلَ عَنْ حُكْمِهَا أَوْ سَمِعَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ مُبْتَدَأَةً وَالسَّامِعُ لِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ فَكَانَ مُخَاطَبًا بِمَعْرِفَةِ حُكْمِهَا .
فَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَيْسَ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِظَاهِرِهَا حَتَّى يَسْتَقْرِئَ الْأُصُولَ وَدَلَائِلَهَا، هَلْ فِيهَا مَا يَخُصُّهَا، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ فِيهَا دَلَالَةَ التَّخْصِيصِ أَمْضَاهَا عَلَى عُمُومِهَا، وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ إذَا سُئِلَ عَنْ حُكْمِ حَادِثَةٍ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ قَبُولُ قَوْلِهِ فَأُجِيبَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُطْلَقٍ أَمْضَاهُ عَلَى مَا سَمِعَهُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا تَرْكُ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَلَا مُوَافَقَةٌ لِأَصْحَابِ الْوَقْفِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّا إنَّمَا نَظَرْنَا مَعَ سَمَاعِ اللَّفْظِ فِي دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ فَمَتَى عَدِمْنَاهَا كَانَ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ هُوَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَلَمْ نَحْتَجْ مَعَ اللَّفْظِ ( إلَى ) دَلَالَةٍ أُخْرَى فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَشُمُولِهِ فِيمَا انْتَظَمَهُ الِاسْمُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ أَنَّهُمْ يَقِفُونَ فِي حُكْمِ اللَّفْظِ حَتَّى يَجِدُوا دَلِيلًا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى وُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ .
وَنَحْنُ نَقِفُ لِنَنْظُرَ هَلْ فِي الْأُصُولِ مَا يَخُصُّهُ أَمْ لَا؟ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِحُكْمِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ يُخَلِّيهِ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ مِنْ إيرَادِ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمَنُوطِ بِالْجُمْلَةِ .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالْحُكْمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ( لَمْ ) يَسْمَعْهُ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا .
وَقَدْ تَعَسَّفَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُفَصِّلْ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَقَالَ أُمْضِي اللَّفْظَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهَذَا خَبْطٌ وَجَهْلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَامًّا وَخَاصًّا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوحًا فَاعْتَقَدَ الْعُمُومَ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ (عَامًّا أَوْ خَاصًّا) فَقَدْ أَقْدَمَ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (مَعَ ذَلِكَ) إقَامَةَ دَلَالَةِ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ أَلْزَمَهُ اعْتِقَادَ خِلَافِ مُرَادِهِ، وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ فَاسِدٌ). أهـ
وعلى كل حال فإن الحنفية متفقون على أن نص {الزانية والزاني.. } دخله التخصيص ومتفقون مع بقية الفقهاء على أن حكم الثيب خارج من هذه الآية بحكم خاص هو الرجم، والدليل على أن النص دخله التخصيص ما صرَّح به الخطيب صاحب الفيديو بأن الحكم مخصوص بالمكلف؛ أي البالغ العاقل، وبما صرح به من خروج حكم الأَمَة من جلدها مائة جلدة إلى خمسين جلدة بقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وبالتالي فادعاؤه تناقض الحنفية غير صحيح أصلاً .
ثم حتى لو صح أن رأيهم في هذه المسألة متناقض، فإن ذلك لا يلزمنا بشيء؛ لأننا نخالفهم في شروط التخصيص ونأخذ بقول الجمهور، الذي هو صواب وصحيح؛ لظهور أدلته. فالعموم يجوز تخصيصه بخبر الواحد الصحيح، فلا تناقض بالنسبة لنا أبداً .
حادي عشر: إن الله سبحانه يقول: {وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً}، فأمّن الله بهذه الآية خلقه من العذاب على ما يرتكبون من أعمال قبل بعثة الرسل، فهم غير مسؤولين؛ لأنهم غير مكلَّفين بحكم من الأحكام. فإذا أرسل الله لهم رسولاً، أصبحوا مقيَّدين بما جاءهم به ذلك الرسول ولم تبق لهم حجة على عدم التقيد بالأحكام التي جاء بها الرسول، فمفهوم قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} هو أننا نعذب من بعثنا لهم رسولاً وخالفوا رسالته. ولذلك لا يكون للشيء ولا للفعل حكم حتى يقوم الدليل عليه.
وهذا يعني أن إثبات أن فعلاً ما جريمة، لا بد من دليل يدل عليها، كما أن إثبات أن هذا الجُرم له عقاب، لا بد من دليل يدل عليه بغض النظر عن واقع العقوبة أنها من الحدود، أو الجنايات، أو التعزير، أو المخالَفات. وبالتالي فلابد من دليل شرعي على الجريمة ولا بد من دليل شرعي على العقوبة، بغض النظر عن نوعها.
فهذا أمر صحيح ودل الشرع عليها، ولسنا بحاجة للاستشهاد بأهل القانون والمشرّعين فلا قيمة لذلك أبداً، بل لا يصح شرعا الاستشهاد والأخذ منهم في هذا الموضوع؛ لأن التشريع والبحث التشريعي لا يجوز أن يؤخذ من غير ما أنزل الله. فالموضوع كونه هو أي الله هو المحلل المحرم الحاكم على أفعال العباد، وكونه جريمة في شرع الله وكونه يعاقب عليه عند الله، وهذا يحتم أن لا يؤخذ التشريع من غير ما أنزل الله.
والقول أن العقوبة يجب أن تكون قاطعة في ثبوتها وقاطعة في دلالتها كلام مردود عليه، ولم يقل به الشرع، ولم يذكر دليل شرعي عليه أبداً، وقول أهل القانون والمشرعين ليس دليلاً شرعياً؛ علاوة على أن الجريمة ابتداء وطرق إثباتها واستحقاقها للعقوبة الشرعية كل ذلك من الأحكام الشرعية، والأحكام الشرعية يكفي في إثباتها الظن ولا يشترط فيه القطع. فالعقوبات هي من الأحكام الشرعية وليست من العقائد والأحكام يكفي فيها غلبة الظن ولا يشترط فيها القطع باتفاق علماء الأصول والفقهاء جميعهم، وهو ما دل عليه الشرع.
وصحة أن الجريمة والعقوبة لا بد أن تكون ثابتة، لا يعني أنها لا تثبت بغلبة الظن، فالشرع دل على أنه يكفي فيها غلبة الظن لإثباتها؛ لأنها من الأحكام وليست من العقائد وهو اتفاق بين علماء الفقه والأصول.
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 05:48 PM
ثاني عشر: بالنسبة لما أخرجه البخاري عن الشيباني قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم فقال: رجم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أقبل النور أم بعده؟ قال لا أدري). فالحديث حجة على وقوع الرجم في عصر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلافاً لمن أنكر ذلك، ومنهم الدكتور عدنان إبراهيم نفسه، في إحدى خطبه، والذي ادعى فيه أن ذلك لم يقع! ثم استشهد بهذه الرواية، وهي حجة عليه في هذه الجزئية! فإذا أنكرها فإنه لا قيمة لكل كلام الذي بناه على هذه الرواية، هذا على فرض صحة ما قاله أصلاً، مع أنه ظاهر البطلان. فعدم علم عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه بوقت حصول الرجم أكان قبل سورة النور أم بعدها متعلق به هو فقط، ولا يدل على عدم علم بقية الصحابة ومن جاء بعدهم بوقت نزول سورة النور، ولو فرضنا فعلاً جهالة التاريخ فإنه لا يضرّنا في شيء؛ لأن النصين غير متعارضين أصلاً، وبينهما عموم وخصوص، فلا يرد النسخ هنا، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما على ما هو بديهي في علم الأصول، فحتى يصح كلامه؛ عليه أولاً إثبات التعارض من كل وجه، وهو ما لم يثبته لا هو ولا غيره، فالتعارض غير موجود أصلاً. وعليه ثانياً أن يأتي بالنصوص التي تبين السابق من اللاحق ومن دون الأمرين معاً لا نسخ .
فلا يصح النسخُ إلا إذا تعارض النصان، ولم يمكن الجمع بينهما، وعلم المتقدم من المتأخر، وهذا ما هو غير واقع أصلاً فسقط ادعاء النسخ.
والواقع أيضاً أن سورة النور نزلت وحصل رجم بعد نزولها، والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم وغيره عن رجم الغامدية وفيه: "فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلاً يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" ومعلوم أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أسلم بعد صلح الحديبية وقبل غزوة مؤتة، وصلح الحديبية حصل في أواخر السنة السادسة للهجرة، وغزوة مؤتة حصلت في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، فخالد رضي الله عنه أسلم في السنة السابعة للهجرة.
وسورة النور ذكرت فيها حادثة الإفك وحادثة الإفك حصلت بعيد غزاة بني الْمُصْطَلِق وهي غزوة الْمُرَيْسِيعِ، وهي قد حدثت في السنة الخامسة للهجرة قبل وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه، والذي توفي في تلك السنة إثر إصابته في غزوة الأحزاب وبعد غزوة بني قريظة الذي حكم فيهم الحكم المشهور، وهذا يعني أن بين رجم الغامدية وبين حادثة الإفك التي فيها نزلت سورة النور أكثر من عامين، وهذا ينقض كلامه كله.
فعلمنا بوقوع الرجم بعد نزول سورة النور يثبت أن حكم الثيب بالرجم تخصيص للآية فلا نسخ ولا تعارض أصلاً.
ثالث عشر: القول أن الزاني لا توبة له ونسبة ذلك لعلماء المسلمين خطأ، وغير صحيح، فلا نعلم عالماً مسلماً قال بأن الزاني لا تقبل توبته، ولا نظن أن مثله يجهل ذلك، والربط بين أن القاتل إذا تاب لا يُقتل، وكذا قاطع الطريق قبل القدرة عليه مع موضوع حكم الرجم، وأنه لا بد أن يقام عليه الحد لا علاقة بقبول التوبة من عدمها، وأبسط ما يثبت ذلك أن جلد الزاني لا بد منه حتى لو تاب الزاني مادام رفعت القضية للسلطان وثبتت بالبينات وكذا بقية الحدود. أما بالنسبة للمرتد فليست المسالة أنه فعلاً تاب فإنه أمر بينه وبين الله، بل المسالة أن تعرضَ عليه التوبةَ مما اقترف (أَيِ الرجوع والندم على ما فرط منه) فهذا معنى اسْتَتَابَه في هذا الباب، وكذا في موضوع قاطع الطريق فإن ظهر منه الرُّجَوعَ والنَّدَمَ على ما فرط منه قبل أن يُقدر عليه فلا يقام عليه حد الحرابة بخلاف السرقة والزنا وغيرها، فسواء تاب أم لم يتب فإنه يجب إقامة الحد ما دام رفع للسلطان وثبت بالبينات المعتبرة، ولو أن الشرع لم يوجب الاستتابة على المرتد لما كان لنا ذلك، وكذا بالنسبة لقاطع الطريق، فلولا النص الذي أوجب عدم إيقاع حد الحرابة عليه إذا أظهر التوبة قبل القدرة عليه لما جاز ذلك .مع ملاحظة أن الخوارج لم ينكروا الرجم وإنما بعض الخوارج المنقرضة أنكروا ذلك، فالإباضية _ وهم يرفضون أن يوصفوا بأنهم خوارج _ يقولون برجم الثيب الزاني.
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 05:50 PM
رابع عشر: مدلول لفظ المحصنات في قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) هن الحرائر، واللفظ هنا عام ينطبق على الثيب والبكر، ولكن هناك قرينة عينت أن المراد هنا البكر من الحرائر، فقوله تعالى {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يدل على أنه أي عقوبتها الجلد لا الرجم لأن الرجم لا يتنصف، ويدل أن المحصنات هنا الحرائر اللاتي لم يُزوجن، فلما كان الرجم حتى الموت لا يعقل أن ينصف فتعين أن نصف العذاب أي خمسين جلدة، وهي نصف المائة جلدة المذكورة في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، فكما أن قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} خصصت قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} بالاتفاق فإن السنة خصّصتها فأخرجت الثيب وجعلت عليه عقوبة الرجم، وهذا كله يدل على أن لفظ المحصنات في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} الحرائر اللاتي لم يزوجن، بهذا الوجه يفهم الموضوع ويسقط أي ادعاء للتعارض أو النسخ.
ولا بد من ملاحظة أن تفسير لفظ (أُحْصِنَّ) قد اختُلف في معناه أهو إحصان بالتزويج أم بالإسلام؟ وكلا الوجهين محتمل وجمهور المفسرين على أنه بمعنى الإسلام، وترجيحه هو بأنه بمعنى التزويج ممكن أن يناقش، ولا يجعل الفهم الآخر فهماً ساقطاً كما العكس.
على أن قوله بأن لفظ أحصن هنا بمعنى التزويج يجعل كلامه مدخولاً، فقد قال أن أحكام العبيد على النصف في كل شيء وأنه الأصل _والصحيح أنهم كالأحرار إلا إذا حصل استثناء_ على كل حال، هو قال أنهم على النصف، ثم فسر لفظ (أُحْصِنَّ) بأنه: تزوجت، وهذا يعني أن الأمَةَ المتزوجة المسلمة إذا تزوجت ثم زنت فإن عليها نصف العذاب أي الجلد لا الرجم، وبالتالي فالآية لم تبين حكم الأمة غير المتزوجة، إذا زنت سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة؟ فإن قال أنه خمسون وهو ما صرح به ضمنا عندما قال أن العبيد حكمهم على النصف مما لحكم الأحرار، فالآية لا تدل على ذلك أبداً حسب تفسيره، فإن استدل بالسنة فهذا تخصيص لآية جلد الزاني بخبر آحاد، فإن أقر بذلك سقط كل كلامه؛ أي سقط رفضه لأن تكون أحاديث الرجم مخصصة للآية؛ لأنه يعتبر ذلك نسخاً وهو ما ينطبق على حكم العبد إذا زنا ولم يكن مسلماً متزوجاً، وهذا من القرائن التي جعلت كثيراً من المفسرين يفسر لفظ {أُحْصِنَّ} أي أسلمن وهو كلام له وجهه .
وتفسيره بالإسلام يعني أن العبد إذا زنا سواء أكان متزوجاً أم لا فعليه خمسين جلدة، أم العبد غير المسلم فإن السنة بينت حكمه وأن عليه نفس الحد على العبد المسلم .
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 05:51 PM
خامس عشر: جاء في معاجم اللغة: (ع ذ ب) عَذُبَ الْمَاءُ بِالضَّمِّ عُذُوبَةً سَاغَ مُشْرَبُهُ فَهُوَ عَذْبٌ قال الواحدي: سمي عذبًا لأنه يعذب العطش؛ أي: يمنعه.
وعَذَبَه عنه عَذْباً وأَعْذَبَه إِعْذاباً وعَذَّبَه تَعْذيباً مَنَعه وفَطَمه عن الأَمر وكل من منعته شيئاً فقد أَعْذَبْتَه وعَذَّبْته وأَعْذَبه عن الطعام منعه وكَفَّه واسْتَعْذَبَ عن الشيء انتهى وعَذَب عن الشيء وأَعْذَب واسْتَعْذَبَ كُلُّه كَفَّ وأَضْرَب وأَعْذَبَه عنه منعه، قال الواحدي : وسمي العذاب عذابًا لأنه يمنع المعاقب من المعاودة لما جرمه، ويمنع غيره من مثل فعله، قال: والعذاب كل ما يعيي الإنسان ويشق عليه.
وَعَذَّبْتُهُ تَعْذِيبًا عَاقَبْتُهُ وَالِاسْمُ الْعَذَابُ وَأَصْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الضَّرْبُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عُقُوبَةٍ مُؤْلِمَةٍ وَاسْتُعِيرَ لِلْأُمُورِ الشَّاقَّةِ فَقِيلَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَعَذَبَةُ اللِّسَانِ طَرَفُهُ وَالْجَمْعُ عَذَبَاتٌ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبَاتٍ وَيُقَالُ لَا يَكُونُ النُّطْقُ إلَّا بِعَذَبَةِ اللِّسَانِ وَعَذَبَةُ السَّوْطِ طَرَفُهُ وَعَذَبَةُ الشَّجَرَةِ غُصْنُهَا وَعَذَبَةُ الْمِيزَانِ الْخَيْطُ الَّذِي تُرْفَعُ بِهِ) انتهى مختصرا وبتصرف .
هذا كلام أهل اللغة في معنى لفظ العذاب، وهم الحجة في ذلك، فالعذاب في أصل اللغة يطلق على النكال والعقوبة في كلامهم لا على الموت، ولكن ذلك كله لا علاقة له بموضوعنا، فما قاله الدكتور عدنان إبراهيم مغالطة، ذلك أن البحث ليس متعلقا بالفرق بين لفظ العذاب والموت في أصل اللغة وتغايرهما، وإنما الكلام أن لفظ العذاب يصح أن يطلق على الفعل الذي يؤدي للموت عادة، فالجلد حتى الموت يصح أن يطلق عليه لفظ العذاب، وتقطيع الأعضاء قطعة قطعة حتى الموت يصح أن يطلق عليه لفظ العذاب، والرجم بالحجارة حتى الموت يصح أن يطلق عليه لفظ العذاب، فليت شعري إن كان لا يطلق عليه لفظ العذاب _بل هو من أفظع العذاب _فعلامَ عقد لنا هذه الخُطبة ؟؟!!! وهو من استفظع هذه العقوبة (أي العذاب لأن من معاني العذاب العقوبة) وجعلها شديدة فان لم تكن عذابا فلماذا يعترض عليها ؟
أما الدليل على أن الأفعال التي تؤدي للموت يصح أن توصف بأنها عذاب وشواهد ذلك كثيرة، فإنَّ اللّه عذَّب الأممَ بالغَرقَ، والرِّياحِ، وبالحاصِب، والرُّجُمِ، وبالصّواعق، وبالخسْف، والمسخ، وبالجُوع، وبالنقص من الثمرات، وهذا كله ثابت في القرآن الكريم، وكله ثابت أنه عذاب بنص القرآن، وأصناف العذاب هذه التي أنزلها الله على الأمم السابقة منها ما كان موصلاً للموت بلا شك، فالغَرقَ، والرِّياحِ، والحاصِب، والرُّجُمِ، والصّواعق كلها أفعال أوقعت بهم حتى الموت ووصفت بأنها عذاب بنص القرآن قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وقال: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} وقال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وقال:{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. وقال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وقال: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) وقال : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}.
هذه بعض الشواهد وغيض من فيض .
وبهذا يسقط قوله بأن الموت شيء والعذاب شيء، وأن لفظ العذاب لا يطلق على الموت؛ لأن البحث ليس الموت بل الرجم حتى الموت، وهذا يصح أن يطلق عليه لفظ العذاب بلا شك لما تقدم.
أما تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) بأن معنى العذاب هنا لمن يفعل بأهله وقومه هذا إما الموت فلا يسمى عذاباً فالموت والعذاب متقابلان في كتاب الله يؤكد هذا عشرات المواضع، فبالإضافة لما تقدم أن صعيد الموضوع ليس الموت بل الرجم حتى الموت فإن لفظ العذاب يطلق على الذبح والقتل الموصل للموت، فإن هذا أيضاً جائز باللغة من باب المجاز فإن الآية ليس فيها لفظ الموت، بل قالت: {يُذَبِّحُون..}، والآية أيضاً حجة لنا ولا يفيده ما قال بأن العذاب هو لمن يفعل بأهله وقومه القتل، فإنه يلزمه على هذا أن الاستحياء أيضاً ليس من العذاب، وهذا كلام ظاهر البطلان. فإن قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ..} هي بيان لقوله تعالى {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}، فكأن قائل يقول: وما ذلك العذاب الذي كانوا يسومونهم؟ قيل: هو ما وصفه الله تعالى فقال: {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} وهذا بين ظاهر، لا كما قال. ثم إن هناك آيات أخرى استخدم فيها لفظ العذاب بمعنى القتل قال تعالى : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وظاهر من الآية أن التعذيب تعذيب قتل وجراحة، وهو ما قاله أهل التفسير .
وقال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} فالكلام هنا عن بني النضير وقتالهم ثم إجلائهم، ومعنى الآية أنه لو لم يعاقبهم الله بالجلاء لعاقبهم بالقَتل والأسر لأنهم استحقّوا العقاب. فلو لم يقذف في قلوبهم الرعب حتى استسلموا لعاقبهم بجوع الحصار وفتح ديارهم عنوة فعذبوا قتلاً وأسراً.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} الكلام عن الأمم السابقة التي كذبت الرسول فصبَّ عليهم الله سَوْطَ عذاب، ومعلوم أن عذاب من ذكرهم كان بأفعال أدت إلى هلاكهم وموتهم.
أما استشهاده بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} فإنها حجة لنا لا له؛ لأن العذاب في الدنيا إن دام كثيراً يَقتلُ، فإن لم يقتلْ يعتاده البدن ويصير مزاجاً فاسداً متمكناً لا يحسِّ به المعذب، فبين الله في هذه الآية أن عذاب نار في الآخرة ليس كعذاب الدنيا، إما أن يفنى وإما أن يألفه البدن بل هو في كل زمان شديد والمعذب فيه دائم أي أنهم لا يستريحون بالموت بل هو عذاب دائم .
وبكل هذا يسقط كل ما بناه على هذا القول وبالتالي فإن قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} يعود على العذاب المعهود وهو ما ورد في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي عقوبة حد الزاني، أما ما هو الحد فإن ذلك يختلف بحال من فعل الزنا فإن كان حراً بكراً فعذابه (عقوبته) مغايرة لعذاب الثيب الحر، كما يتغاير العذاب في حال كونه عبداً، وليس في لفظ العذاب أن معناها الجلد مائة تحديداً، فالجلد مائة عذاب؛ أي عقوبة، والرجم حتى الموت عذاب أي عقوبة، والجلد خمسين عذاب أي عقوبة فكلها حد للزاني، والآية سيقت للتشهير بالزاني بأن يشهد عقوبته _أي إقامة الحد عليه _طائفة من المؤمنين ليتعظ به الحاضرون ويزدجرون ويشيع الحديث فيه بنقل الحاضر إلى الغائب. وليس فيها أن العذاب أي العقوبة هي الجلد مائة فقط .
ملاحظة: في اللعان ممكن أن تكون العقوبة الجلد لا الرجم إذا امتنعت المرأة عن الشهادة، وذلك في حالة إذا ما حصل اللعان من الزوج قبل الدخول وكانت المرأة بكراً، وكذا في حالة إذا ما كانت الزوجة أمَةً على رأي من يجيز اللعان بين الأزواج حتى ولو كان أحدهما عبداً.
والله من وراء القصد .
gareeb
04-12-2014, 09:44 PM
اجدت في الرد واحسنت .....احسن الله اليك
youniss
28-12-2014, 01:30 PM
الله يزيدك من العلم ويبارك فيك ممتع حقا
abdelhak
06-01-2015, 01:40 AM
رجم الزاني المحصن يخالف كتاب الله سبحانه وتعال
يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة النور: " سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون"
وأعجب العجاب أن يعمد أعداء الله سبحانه وتعالى إلى هذه السورة بالذات، وإلى آياتها البينات،الواضحات وضوحا لا لبس فيه، ليعمهوا على المسلمين وضوح هذه الآيات وليبدلوا ما فيها من أوامر وأحكام وحدود، وليلبسوا على المسلمين دينهم.
يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الثانية من نفس السورة:"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"
"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" آية بينة واضحة وضوحا يراه كل ذي لب ، لم يقل سبحانه وتعالى الزانية غير المحصنة والزاني غير المحصن فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، بل قال سبحانه وتعالى: " الزانية والزاني" لتدل على عموم الزناة ’ محصنين وغير محصنين ، ثيبين و أبكارا، " فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"
لم يقل سبحانه وتعالى : الزانية والزاني غير المحصنين فاجلدوهما مائة جلدة، والزانية والزاني المحصنين فارجموهما حتى الموت!
ثم تأتي الآيات السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة من نفس السورة لتتكلم في نفس الموضوع، وعن النساء المحصنات بالذات، اللاتي يرميهن أزواجهن بتهمة الزنى: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين "
" ويدرأ عنها العذاب" عن أي عذاب تتكلم هذه الآية الكريمة!؟ لاشك أنها تتكلم عن نفس العذاب الذي جاء في الآية الثانية من نفس السورة: " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" فالآيتان الكريمتان تتكلمان في نفس الموضوع، وفي نفس السورة، وفي نفس الموضع ( في الصفحة الأولى من سورة النور)
أي أن عذاب الزانية المحصنة " ويدرأ عنها العذاب" هو نفس العذاب الذي جاء في الآية الثانية
" وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" وهو مائة جلدة ، وليس الرجم حتى الموت، كما جاء في الروايات التي نُسِبَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَوُضِعَتْ في كتب الحديث ،وتتلقاها الأمة بالقبول، وتحكم بها الأمة، وتترك الحكم بما أنزل الله.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء:"وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلاً أَن يَنكِحَ الۡمُحۡصَنَاتِ الۡمُؤۡمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتۡ أَيۡمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الۡمُؤۡمِنَاتِ وَاللّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَانِكُمۡ بَعۡضُكُم مِّن بَعۡضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَاتٍ غَيۡرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخۡدَانٍ فَإِذَا أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَىٰ الۡمُحۡصَنَاتِ مِنَ الۡعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِىَ الۡعَنَتَ مِنۡكُمۡ وَأَن تَصۡبِرُوا۟ خَيۡرٌ لَّكُمۡ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ( النساء: 25)
نفهم من الآية الكريمة أن الأمة إذا أحصنت، ثم زنت، فعليها نصف ما على المحصنات من العذاب.
عن أي عذاب تتحدث الآية الكريمة !؟ لا شك أنها تتحدث عن نفس العذاب الذي جاء ذكره في سورة النور، مائة جلدة،!!؟؟ ولماذا يكون عليها نصف الجلد ولا يكون عليها نصف الرجم حتى الموت!!!؟ لماذا نطبق على الأمة المتزوجة نصف عقوبة الحرة البكر ، ولا نطبق عليها نصف عقوبة الحرة المتزوجة، أليست متزوجة مثلها .
. يقول القرطبي في تفسير الآية: "والأمر عندنا أن الأمة إذا. زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها؛ لأن الرجم لا يتنصف".
نعود فنقول: آيات سورة النور بينات بمعنى واضحات وضوحا لا لبس فيه:" سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون،"
وآيات سورة النور البينات لم تفرق في العقوبة بين الزاني المحصن وغير المحصن، فكلاهما له نفس العقوبة : " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"
من يقول برجم الزاني المحصن، إنما يقول بأن آيات سورة النور ليست آيات بينات، وهذا ما لا يقوله من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، سبحان الله وتعالى عما يقولون علوا كبيرا " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"
(أبو زهرة يفجر قنبلة): "فى ندوة (ندوة التشريع الإسلامى المنعقدة فى مدينة البيضاء فى ليبيا عام 1972) فجر الشيخ أبو زهرة قنبلة فقهية، هيّجت عليه أعضاء المؤتمر، حينما فاجأهم برأيه الجديد. وقصة ذلك: أن الشيخ وقف فى المؤتمر، وقال: إنى كتمت رأيًا فقهيًّا فى نفسى من عشرين سنة وآن لى أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألنى: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟ هذا الرأى يتعلق بقضية «الرجم» للمحصن فى حد الزنى.
فرأيى أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول فى أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد فى سورة النور. قال الشيخ: ولي على ذلك أدلة ثلاثة:
الأول: أن الله تعالى قال: «.... فإذا أُحصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب» [النساء: 25]، والرجم عقوبة لا تتنصف، فثبت أن العذاب فى الآية هو المذكور فى سورة النور: «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» [النور: 2].
والثانى: ما رواه البخارى فى جامعه الصحيح عن عبدالله بن أوفى أنه سئل عن الرجم. هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: لا أدرى. فمن المحتمل جدًّا أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول آية النور التى نسختها.
الثالث: أن الحديث الذى اعتمدوا عليه، وقالوا: إنه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقى حكمه أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنه كان فى صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق
ابوعبدالرحمن حمزة
12-01-2015, 02:59 PM
الاستاذ
abdelhak
ما قلته هو عين ما ورد في محاضرة الدكتور عدنان ابراهيم والكلام السابق هو نقاش تفصيلي لكلامه ، فان كان لديك شيء تضيفه فضع اقتباسا مما سبق من نقاش كلام الدكتور ثم ناقشه واعترض كيفما شئت ، والذي يبدو انك لم تقرأ ما سبق او تدقق فيه بدليل قولك مثلا (والثانى: ما رواه البخارى فى جامعه الصحيح عن عبدالله بن أوفى أنه سئل عن الرجم. هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: لا أدرى. فمن المحتمل جدًّا أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول آية النور التى نسختها.
الثالث: أن الحديث الذى اعتمدوا عليه، وقالوا: إنه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقى حكمه أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنه كان فى صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق)
ومن يقرأ الموضوع يجد في الرد
(أولاً: آية الرجم ليست آية من القرآن فكل روايات الآحاد في هذا الباب مردودة دراية حتى لو صح سندها؛ لأن القرآن لا يثبت إلا تواتراً، وقد أجمع الصحابة على أن ما بين الدفتين هو القرآن، وما عداه ليس من القرآن، وهو أمر متفق عليه بين المسلمين. وإنما الخلاف في أن هذه الروايات إن صحت أسانيدها هل تعامل معاملة السنة أم لا؟؟
والصحيح أنه لا يصح الاستشهاد بها؛ لأنها رويت على أساس أنها قرآن، وكلها أخبار آحاد لا تقوم الحجة بها على أنها من القرآن فترد دراية ولا يصح الاستشهاد بها أبداً.
فمسألة كون آية الرجم وغيرها مما يقال أنها آيات، ورويت بطريق الآحاد فإنها ليست من القرآن ومردودة دراية. وكون موضوع النسخ تلاوة لم يقع ولم يثبت، فموضوع منفصل عن موضوع حكم الرجم تماماً، فإن حكم الرجم لا نستشهد عليه بما يقال أنه آية الرجم؛ لأنها مردودة دراية (وإن كان هناك فقهاء يستشهدون بها على اعتبار أنها من السنة كما تقدم كما يستشهدون بنصوص السنة على الموضوع) ولكن حكم الرجم ثابت بنصوص السنة عن الرسول من مثل حديث ماعز والغامدية واليهوديان اللذان زنيا وحديث لا يحل دم مسلم ومنها الثيب الزاني علاوة على إجماع الصحابة على رجم الثيب الزاني.
وعليه فكل حديث المدعو عدنان إبراهيم عما يسمى آية الرجم وأنها ليست آية وليست من القران نتفق معه فيه، ولكنه لا يدل على أن الرجم لم يثبت، أو أن عقوبة الرجم غير ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.) انتهى
فليتأمل .
abdelhak
18-01-2015, 01:36 AM
إن مدار رجم الزناة تقوم على أربعة أحاديث أوردها البخاري ومسلم في روايات عديدة، كانت أساس تكريس أحكام الرجم في التراث الديني واعتبارها من القرآن الكريم"، مؤكدا أن "أحاديث آية الرجم كلها لا تقوم على شيء، وتناقض أحكام القرآن".
"أحاديث آية الرجم هي من اجتهادات الفقهاء ورواياتهم، وأخبار أهل الكتاب وأقوالهم"، مضيفا أنها "أحاديث أرادت إدخال آية الرجم إلى القرآن، وإرجاع شريعة الإصر والأغلال إلى منظومة الإسلام"، ليخلص إلى أنها "أحكام ساقطة في الحال والاستقبال" وفق تعبيره
وأثارني أصحاب دولة الإسلام في العراق والشام الذين جعلوا من أول مظاهر تطبيق شريعة إسلامهم رجم امرأتين بالحجارة حتى الموت بدعوى الزنا؟ وأكمل المشهد فريق من السادة المسيحيين الذين تخصصوا، بدل الدعوة إلى دينهم، في مهاجمة دين الإسلام وقرآنه وأحكامه والصد عنها، وكان أحد مداخل مهاجمتهم هو موضوع الرجم وهمجيته ووحشيته، واجتهدوا كثيرا في البحث عن كل رواية ومقولة في تراث المسلمين تشهد لهم على ذلك
إن أول ما ينبغي الانتباه إليه، هو عدم تحدث أي مقطع أو سورة أو قصة من القرآن الكريم، عن شيء اسمه "حكم الرجم" الخاص ب"الزناة" أو بغيرهم، رغم الاعتقاد الشائع عند الكثيرين بوجود آية في القرآن تسمى "آية الرجم". وهو ما يجعل السؤال مشروعا عن سبب غياب، حكم (من الأحكام الشرعية) هو الأكثر شدة (يتعلق بإزهاق أنفس الناس بأبشع طريقة عرفها البشر)، من القرآن الكريم، وحضوره القوي في المدونات الإخبارية والعلمية لأحكام الشريعة وأدبيات أصحابها؟
جاء الحديث عن الرجم في القرآن الكريم باعتباره عملا إجراميا يقوم به الكفار والمشركون والمجرمون ضد الأنبياء والمؤمنين والصالحين، وليس العكس؛ إذ هدد أبو إبراهيم ابنه بالرجم في قوله: أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا"مريم (46).
وهدد قوم شعيب نبيهم بالرجم: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ هود (91). وخاف موسى من فرعون أن يرجمه: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ الدخان (20). وهدد به قوم الأنبياء الثلاثة أنبياءهم: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ يس (18).
وخشي أصحاب الكهف من قومهم أن يرجموهم ، فقالوا: "إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا الكهف (20). لكن القرآن الكريم لم يحدثنا أبدا أن نبيا أو صالحا كان يرجم المخالفين، أو أن حكما شرعيا كان له علاقة بالرجم.
أما عن ورود الرجم في الكتب المقدسة، فهو يتفق مع البيان القرآني من جهة، في تعرض مجموعة من الأنبياء والصالحين للرجم من قبل أقوامهم، وآخرهم تلميذ السيد المسيح عليه السلام استفانوس (أعمال الرسل 7/59)، الذي قضى تحت الحجارة، وبولس الذي كاد يموت رجما كذلك، إذ ظنه الراجمون ميتا وسحبوه على الأرض (أعمال الرسل 14/ 19). وأخبرتنا مجموعة من نصوص العهد القديم،من جهة ثانية،عن رجم من أشرك بالله، وعبد معه آلهة أخرى أو قدم لها ذبائح وغير ذلك. كما أخبرتنا أن بعض عقوبات الزنى كانت رجما بالحجارة حتى الموت.
وهذا نص من سفر التثنية يقدم لنا تفصيلا بذلك: " –يُخْرِجُونَ الفَتَاةَ إِلى بَابِ بيْتِ أَبِيهَا وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوت َلأَنَّهَا عَمِلتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيل بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. (22) «إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعاً مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْلٍ يُقْتَلُ الاِثْنَانِ: الرَّجُلُ المُضْطَجِعُ مَعَ المَرْأَةِ وَالمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيل. (23) «إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي المَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا (24) فَأَخْرِجُوهُمَا كِليْهِمَا إِلى بَابِ تِلكَ المَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أنها لمْ تَصْرُخْ فِي المَدِينَةِ وَالرَّجُلُ مِنْأ َجْلِ أَنَّهُ أَذَل امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ." (سفر التثنية 22/ 21-24).
أما الإنجيل فقد جاء ليخفف عن بني إسرائيل كثيرا مما شددوا به على أنفسهم. ويحل لهم بعض الذي حُرِّم عليهم، ليس بأمر ربهم، وإنما باجتهاد أحبارهم ورهبانهم. جاء في إنجيل يوحنا ما يُبيِّن هذا التخفيف، من خلال قصة السيد المسيح مع الجارية التي أراد اليهود أن ينفذوا فيها حكم الرجم حسب شريعة موسى على حد قولهم، تقول القصة: "وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ (4) قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ (5) وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» (6) قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَان َيَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. (7) وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أ َوَّلاً بِحَجَرٍ!» (8) ثُمَّ انْحَنَى أَيْضاً إلى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. (9) وَأَمَّاهُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً مُبْتَدِئِين َمِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسَطِ. (10) فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَداً سِوَى الْمَرْأَةِ قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ أَيْنَهُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» (11) فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً». (إنجيل يوحنا 8/3-11). لقد أسقط السيد المسيح عليه السلام ما جاءت به التقاليد، لكنه لم ينقض الدين، وإنما أكمله.
كذلك كان الأمر بالنسبة للقرآن الكريم، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه القرآن وعن الذين يستمعون إلى الحق الذي جاء به ويتبعونه، وخصوصا من أهل الكتاب: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "الأعراف (157).
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة بينة في القرآن عن هذا الموضوع، حسم بها الخلاف في عقوبة الزانية والزاني، أطلق عليها سورة النور؛ بين فيها أن ليس في الدين عقوبة تسمى الرجم، وإنما هي تقاليد الجاهلية وآصارها وأغلالها، وأساطير الأولين. وهو ما سنراه بتفصيل عندما نتعرض لمدارسة السورة إنشاء الله.
أما مدارسة الأحاديث التي كانت مصدر الآية الرجم في الإسلام، والتي لم يكن التساؤل عنها أمرا جديدا على الثقافة الإسلامية العالمة منذ عصور التدوين الأولى وإلى هذا العصر؛ ولذلك فإن نقاشا عتيدا جرى في القديم، سجلته هذه الروايات والأحاديث، وصيغت بموجبه مقولات ونصوص،
يتبع
abdelhak
18-01-2015, 01:42 AM
آية الرجم عند البخاري ومسلم:
مدار آية الرجم على أربعة أحاديث أوردها البخاري ومسلم في روايات عديدة، كانت هي أساس تكريس أحكام الرجم في تراثنا الديني واعتبارها من القرآن الكريم.
وسنحاول في هذه المدارسة أن نرى إلى أي حد ترتبط هذه (الآية) بالقرآن الكريم، وهل هي آية من آياته ونص من نصوصه؟
1- حديث لانجد الرجم في القرآن:
سنبدأ مدارستنا بالحديث الذي يقول: إن آية الرجم كانت آية من القرآن وقد قرآها الأسلاف وعملوا بموجبها ويخافون أن يأتي يوم فيقوم بعض الناس يتساءلون عن سبب غياب هذه الآية من القرآن، ويرفضون العمل بموجبها من أجل ذلك؛ كما نفعل نحن اليوم؟!
جاء في مقطع من حديث طويل رواه عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب، في روايات عديدة، أنه قال: "إن الله بعث محمدا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقُلْناها ووعيناها، رجم رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف،" (البخاري 6829؛ 6830؛ 7323) (مسلم 1691).
يلاحظ أن هذه الرواية تحدثت عن (آية الرجم) معتبرة إياها مما نزل من القرآن، وأن الناس قرأوها وعقلوها ووعوها وعملوا بها؛ لكنهم يخشون على لسان عمر بن الخطاب أن يأتي زمان ويقول قائل: "ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله". ثم يواصل الراوي على لسان عمر بن الخطاب: "والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف."
الواضح أن الجزء الأول من الرواية المتحدث عن نزول آية الرجم وكونها من القرآن خبر يحتاج إلى تأكيد، ويناقضه واقع الحال الذي يقوله القائل: "لا نجد آية الرجم في كتاب الله"؛ لكن الجزء الثاني من الرواية المتحدث عن كون "الرجم حق في كتاب الله على من زنى إذا أحصن ..إلى آخره" فهو غير صحيح، لأن الآية لا وجود لها فعليا في القرآن، باعتراف الرواية ذاتها، فكيف تكون حقا إذن؟"
يبقى السؤال مطروحا لماذا نزلت هذه الآية؟ ولماذا أزيلت؟ وكيف بقيت أحكامها سارية المفعول وهي غير موجودة في القرآن؟ ولماذا لا يتحدث القرآن عن زوالها وبقاء أحكامها في نفس الوقت؟ وكيف يجب على الناس العمل بها وهي غير موجودة؟ ولم لا يكون هذا الحكم مدسوسا أو مزورا ومكذوبا على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون من شريعة الإصر والأغلال التي أراد أعداء الله ورسوله تمريرها إلى شريعته ودينه من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير، حسدا من عند أنفسهم وطعنا في الدين؟
يلاحظ أن الشيخين (البخاري ومسلم) لم يذكرا صيغة الآية، كما لم يذكر صيغتها أصحاب الكتب الستة كذلك، إلا ما كان من رواية ابن ماجه (2038)، التي جاء فيها: "1 - قالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ : لقد خَشيتُ أن يطولَ بالنَّاسِ زمانٌ حتَّى يقولَ قائلٌ : ما أجدُ الرَّجمَ في كتابِ اللَّهِ ، فيضلُّوا بتركِ فريضةٍ من فَرائضِ اللَّهِ ، ألا وإنَّ الرَّجمَ حقٌّ ، إذا أُحْصِنَ الرَّجلُ وقامتِ البيِّنةُ ، أو كانَ حَملٌ أوِ اعترافٌ ، وقد قرأتُها الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّةَ رجمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ورجَمنا بَعدَهُ".
إن المتأمل في ما أسموه آية الرجم، والتي جاءت صيغتها على هذا الشكل: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموها البتة"، يرى أنها جملة ركيكة أسلوبا ومعنى، فكيف تكون قرآنا؟ ما المقصود بالشيخ والشيخة؟ هل هما غير أولي الإربة من الرجال والنساء الذين بلغوا من العمر عتيا؟ وكيف يزنون إذا صاروا إلى أرذل العمر؟ وما علاقة الشيخ بالمحصن؟ وأين حكم الشاب والكهل فيها؟ أين كل هذا من سورة النور التي "فرضناها وبيناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون؟" هل ستبدل أحكامها المفروضة والمبينة وآياتها البينات للذين يتذكرون، بأحكام الإصر والأغلال والرجم بالحجارة التي اعتادت عليها الجاهلية؟ أليست أحكام سورة النور هي أحكام كل رجل وامرأة ثيب وبكر؟ أليست أحكامها تختص بكل النساء المؤمنات ثيبات وأبكارا؟
أليست التهم المتبادلة بين الأزواج التي عالجتها، وقذف المحصنات واللعان إنما هو لنساء ورجال متزوجين أصلا وليسوا أبكارا، وأن الذي عليهم في جميع الأحوال إذا ثبتت البينات، هو الجلد ثمانين للقاذف ومائة للزاني ؟ فكيف إذن صار حكم الثيب مخالفا لحكم البكر، بينما أحكامهما في السورة سواء، وحتى موضوع الإفك إنما نسب إلى امرأة متزوجة، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكيف أمكن إخراج المحصنين من أحكام السورة التي نزلت في شأنهم، والحكم عليهم برواية ركيكة قاسية نسبت ظلما إلى القرآن، وتناقض رحمة الإسلام؟
لم يكن العلماء غافلين عما أثارته آية الرجم من إشكالات في علاقتها بسورة النور، وهو ما أورده الشيخان من حديث الشيباني وهو يسأل عبد الله بن أبي أوفى عن السابق من الأمرين هل هو الرجم أو سورة النور، قال: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفَى : هل رجمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ قال : نعم . قال قلتُ : بعد ما أُنْزِلَتْ سورةُ النورِ أم قبْلها ؟ قال : لا أدري . (البخاري: 6813؛ 6840؛ مسلم: 1702).
الواقع أن الجواب على هذا السؤال بعدم العلم، يبدو منه الدلالة على الارتباك والإحراج أكثر منه على شيء آخر؛ فالمعلوم أن الرجم ليس في القرآن، بينما توجد سورة النور فيه، مما يدل على أنها الباقية الثابتة المفروضة، وأن ما سبقها من أحكام سواء كانت للأمم السابقة أو العادات والتقاليد الجاهلية فهي باطلة بنزول هذه السورة؛ ولا يمكن أن يكون حكم الرجم نازلا بعد سورة النور، وتبقى سورة النور بعده ويغيب حكم الرجم؟ لقد هرب المسؤول بقوله لا أدري من الجواب عن السؤال؛ وإلا فقد كان عليه أن يسقط حكم الرجم الذي أبطلته سورة من القرآن، سميت سورة النور. إن إسقاط حكم درج العلماء على كونه من أحكام الشريعة سيربك فعلا كل عالم سئل عنه، وسيهرب من السؤال بقوله لا أدري، حتى لا يتحمل عواقب أي جواب يصدر عنه ومآلاته.
2- حديث رجم اليهودي واليهودية:
ورد حديث اليهودية واليهودي الذين رجما بآية الرجم، عند البخاري ومسلم في روايات عديدة(البخاري: 3635؛ 6819؛ 6841) (مسلم: 1699؛ 1700) ، وهذه إحدى صيغ الحديث كما جاءت في البخاري (4556): أن اليهودَ جاؤوا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برجلٍ منهم وامرأةٍ وقد زَنَيا، فقال لهم : ( كيفَ تفعَلون بمَن زَنَى منكم ) . قالوا : نُحَمِّمُهما ونَضرِبُهما، فقال : ( لا تَجِدون في التَّوراةِ الرَّجمَ ) . فقالوا : لا نَجِدُ فيها شيئًا، فقال لهم عبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ : كذَبْتُم، فأتُوا بالتَّوراةِ فاتْلوها إن كنتُم صادِقين، فوضَع مِدراسُها الذي يُدَرِّسُها منهم كَفَّه على آيةِ الرَّجمِ، فنزَع يدَه عن آيةِ الرَّجمِ، فطَفِقَ يَقرَأُ ما دون يدِه وما وَراءَها، ولا يَقرَأُ آيةَ الرَّجمِ، فنزَع يدَه عن آيةِ الرَّجمِ فقال : ما هذِه ؟ فلمَّا رأَوا ذلك قالوا : هي آيةُ الرَّجمِ، فأمَر بهما فرُجِما قَريبًا من حيثُ موضعُ الجَنائزِ عِندَ المسجدِ، فرأيتُ صاحِبَها يَجْنَأُ عليها، يَقيها الحِجارَةَ".
الملاحظ ودون أن ندخل في التفاصيل، أن آية الرجم الواردة في هذا الحديث لا علاقة لها بالنص القرآني، وهي إنما توجد في نص توراتي، ولم يحكم بها الرسول صلى الله عليه وسلم، حسب الرواية، على المسلمين، وليس فيقرآن المسلمين مثل ذلك الحكم، ولا سبيل إلى إلحاقه به عن مثل هذه الرواية. أما أن يكون الرسول الكريم قد حكم بين اليهود بتوراتهم التي يخفون، وأنهم سمحوا له بذلك، حتى أقام عليهم حد الرجم، فهو محل نظر،ويصعب كثيرا تصديقه.
abdelhak
18-01-2015, 01:43 AM
- حديث القضاء بكتاب الله:
أما الحديث الثالث فهو من حديث أبي هريرة ورد من روايات متعددة عند البخاري ومسلم (1697؛ 2695؛ 2724؛ 6633؛6827؛ 6835؛ 6842؛6859؛ 7193؛ 7260؛) وهذه واحدة من صيغه عند البخاري: أن رجلَيْنِ اختصَمَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدُهما : اقضِ بيننا بكتابِ اللهِ . وقال الآخرُ ، وهو أَفْقَهُهما : أجلِ يا رسولَ اللهِ ، فاقضِ بيننا بكتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي أَنْ أَتَكَلَّمَ . قال: تكلم . قال : إن ابني كان عسيفًا على هذا - قال مالكٌ : والعَسِيفُ الأَجِيرُ - زنى بامرأتِه ، فأَخْبَروني أن على ابني الرجمَ ، فافَتَدَيْتُ منه بمائةِ شاةٍ وجاريةٍ لي ، ثم أني سأَلْتُ أهلَ العلمِ ، فأَخْبَروني أن ما على ابني جلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ ، وإنما الرجمُ على امرأتِه ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيدِه، لأَقَضَيَنَّ بينكما بكتابِ اللهِ ، أما غَنَمُك وجاريتُك فرَدٌّ عليك . وجلَدَ ابنَه مائةً وغرَّبَه عامًا ، وأمَرَ أُنَيْسًا الأسلميَّ أن يأتيَ امرأةَ الآخرِ ، فإن اعتَرَفَتْ رجَمَها ، فاعتَرَفَتْ فرَجَمَها".
الملاحظ أن غاية هذا الحديث يقصد إلى إعطاء أحكام العلماء مشروعية حكم كتاب الله، من خلال إقرار رسول الله صلى الله عليه لهم بذلك، وهو الأمر الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم ، حسب الرواية، عندما أمر بجلد العسيف وتغريبه عاما، وبرجم المرأة إن اعترفت. غير أن هذا الحكم وإن حكم به العلماء، وأقره الرسول في الرواية فإنه لا وجود له في كتاب الله؛ ثم إن أسلوب الرواية تظهر فيه جرأة كاتبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما يطالبه الخصمان بالقضاء بينهما بكتاب الله، بعد أن سألا أهل العلم وأخذا منهما جوابا. هل كان سيحكم بينهم بغير كتاب الله؟ وما معنى هذا الطلب؟ ثم من هم أهل العلم الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقضون بين الناس؟ أهم بعض الصحابة، ومن عينهم في القضاء أو الفتوى؟ وكيف يقضون بين الناس بدون علم رسول الله وهو أميرهم، ومن أين لهم بالحكم بالرجم على امرأة الرجل؟ أم هم من علماء أهل الكتاب، الذين عندهم آية الرجم ويريدون الحكم بها خصوصا على المسلمين؟ لكل ما سبق فإن قضاء الرجم في هذه الروايةباطل،وكذلك دعوى الحديث أن حكم الرجم حكم من أحكام كتاب الله. إلا أن تكون الرواية إسرائيلية، وكتاب الله فيها هو النص التوراتي الذي توجد به أحكام الرجم كما سبق الإشارة إليه، فتكون من أخبار أهل الكتاب المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ظلما وزورا. وفي كل الأحوال فهي أحكام لا علاقة لها بالقرآن الكريم، وآيات شيطانية.
4- حديث: "قد جعل الله لهن سبيلا":
أما الحديث الرابع والأخير فهو حديث عبادة بن الصامت، الذي حاول حكم الرجم أن يتسرب منه إلى الشريعة، عن طريق تأويل بعضالنصوص القرآنية، وهذه إحدى روايتيالحديث كما وردتا عند مسلم (1690) : كان نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أُنزلَ عليه كُرِبَ لذلك وتربَّد له وجهُه . قال : فأُنزِل عليه ذاتَ يومٍ . فلقِيَ كذلك . فلما سُرِّيَ عنه قال ( خُذوا عنِّي . فقد جعل اللهُ لهنَّ سبيلًا . الثيِّبُ بالثيِّبِ والبِكرُ بالبِكرِ . الثيِّبُ جلدُ مائةٍ . ثم رجْمٌ بالحجارةِ . والبِكرُ جلدُ مائةٍ ثم نفيُ سنةٍ ) . وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ . غيرَ أنَّ في حديثِهما (البِكرُ يُجلدُ ويُنفَى . والثيِّبُ يُجلدُ ويُرجمُ ) لا يَذكرانِ : سنةً ولا مائةً ."
الملاحظ أن هذا الحديث أراد أن يجعل الرجم من أحكام القرآن، أو من أحكام الوحي المفسرة للقرآن، وكانت الآية المفسَّرة هي قوله تعالى: "حتى يجعل الله لهن سبيلا"، وكان تفسيرها الموحى به هو "الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة". كما يلاحظ أن المفسر الذي أراد لتفسيره أن يكون قرآنا، قد أخطأ خطأ فادحا، عندما جعل السبيل الذي سيجعله الله للنساء الممسكات في البيوت هو الرجم؛ بينما ينبغي للسبيل أن يكون مخرجا وفرجا وليس قتلا ورجما. وإن النص القرآني الذي أرادت هذه الرواية تفسيره، لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى إضافات خارجية؛ وقول الله فيه "حتى يجعل الله لهن سبيلا" يتعلق بمدة حبس هؤلاء النساء وانتهائها، وليس بشيء آخر من الانتظارات الوهمية، وأبعدها الرجم؟!
وخلاصة القول: إن أحاديث آية الرجم كلها لا تقوم على شيء، ولا تلزم القرآن الكريم في شيء، وأحكامها غير قرآنية، بل تناقض أحكام القرآن؛وهي من اجتهادات الفقهاء ورواياتهم وأخبار أهل الكتاب وأقوالهم، أصبحت بفعل التاريخ أحاديث مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحولت لتصبح آيات قرآنية، من غير سلطان مبين.
هذه هي الأحاديث الأساسية التي أرادت إدخال آية الرجم إلى القرآن، وإرجاع شريعة الإصر والأغلال إلى منظومة الإسلام، بعد أن جاء من أرسله الله رحمة للعالمين ليحرر البشرية منها، ويضع عنها إصرها والأغلال التي كانت عليها، ويشفيها من أمراضها. إنها أحكام ساقطة في الحال والاستقبال، اجتثت من فوق الأرض،ما لها من قرار
abdelhak
18-01-2015, 03:34 AM
هذه روايه فاسدة مختلقه لا اساس لها
و اين حكم السب ؟
السب
يقول النبي : { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } [متفق عليه]. قال النووي رحمه الله: ( السب في اللغة: الشتم والتكلم في عِرض الإنسان بما يعيبه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.. فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي ) [شرح صحيح مسلم:2/241].
فهل تصور أولئك الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً وانتهاكاً لأعراض المسلمين أنهم يكونون بذلك فساقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله ؟! ألا فليتق الله أناس تركوا العنان لألسنتهم حتى أوردتهم موارد الهلكة ومراتع الحسرات، قال النبي : { سباب المسلم كالمشرف على الهلكة } [رواه البراز وحسنه الألباني]
تحذير للبادئ بالسباب:
إن البادىء بالسباب هو الذي يتحمل الإثم وحده، إذا عفا عنه المسبوب، أو انتصر بقدر مظلمته، ولم يتجاوز ذلك إلى ما ظلم وتعد، قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [الشورى1]. وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [الشورى9]. 3- ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى3]. وللحديث المذكور بعد هذا: { وما زاد الله عبداً بعفواً إلا عزى }. 4- واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال : { سباب المسلم فسوق } 5- ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذباً، أو قذفاً، أو سباً لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ ( يا ظالم ) ( يا أحمق ) أو ( يا جافي ) أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. 6- قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى ) ا. هـ. [شرح صحيح البخاري
وإذا تعدى المسبوب وتجاوز الحد وقع الإثم عليهما، فعن عياض بن حمار قال: قلت: يانبي الله ! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال : { المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان } [رواه ابن حبان وصححه الألباني
من أكبر الكبائر
واحذر أخي من أن تكون سبباً في سب والديك فتكون كمن سبهما، فقد قال النبي : { إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه } قيل يارسول الله ! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: { يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه } [رواه البخاري]. ومن المؤسف أنه قد انتشر ذلك بين أبناء المسلمين وطلابهم، وهذا - والله - دليل على انحطاط في التربية، وتفريط من أولياء الأمور الذين لا ينشئون أبناءهم على الفضيلة والأخلاق الحسنة والخصال الجميلة. وهذا الوعيد فيمن كان سبباً في سب أبيه وأمه دون أن يسبهما بنفسه، فكيف حال من يقوم بسبهما بنفسه، فيسب والديه ويلعنهما، وهناك من يضربهما ولا حول ولا قوة إلا بالله
والسلام عليكم
ابوعبدالرحمن حمزة
19-02-2015, 06:51 PM
الاستاذ
abdelhak
لو سمحت للمرة الثانية
ما قلته هو عين ما ورد في محاضرة الدكتور عدنان ابراهيم والكلام السابق هو نقاش تفصيلي لكلامه ، فان كان لديك شيء تضيفه فضع اقتباسا مما سبق من نقاش كلام الدكتور ثم ناقشه واعترض كيفما شئت ، والذي يبدو انك لم تقرأ ما سبق او تدقق فيه بدليل قولك مثلا (والثانى: ما رواه البخارى فى جامعه الصحيح عن عبدالله بن أوفى أنه سئل عن الرجم. هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: لا أدرى. فمن المحتمل جدًّا أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول آية النور التى نسختها.
الثالث: أن الحديث الذى اعتمدوا عليه، وقالوا: إنه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقى حكمه أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنه كان فى صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق)
ومن يقرأ الموضوع يجد في الرد
(أولاً: آية الرجم ليست آية من القرآن فكل روايات الآحاد في هذا الباب مردودة دراية حتى لو صح سندها؛ لأن القرآن لا يثبت إلا تواتراً، وقد أجمع الصحابة على أن ما بين الدفتين هو القرآن، وما عداه ليس من القرآن، وهو أمر متفق عليه بين المسلمين. وإنما الخلاف في أن هذه الروايات إن صحت أسانيدها هل تعامل معاملة السنة أم لا؟؟
والصحيح أنه لا يصح الاستشهاد بها؛ لأنها رويت على أساس أنها قرآن، وكلها أخبار آحاد لا تقوم الحجة بها على أنها من القرآن فترد دراية ولا يصح الاستشهاد بها أبداً.
فمسألة كون آية الرجم وغيرها مما يقال أنها آيات، ورويت بطريق الآحاد فإنها ليست من القرآن ومردودة دراية. وكون موضوع النسخ تلاوة لم يقع ولم يثبت، فموضوع منفصل عن موضوع حكم الرجم تماماً، فإن حكم الرجم لا نستشهد عليه بما يقال أنه آية الرجم؛ لأنها مردودة دراية (وإن كان هناك فقهاء يستشهدون بها على اعتبار أنها من السنة كما تقدم كما يستشهدون بنصوص السنة على الموضوع) ولكن حكم الرجم ثابت بنصوص السنة عن الرسول من مثل حديث ماعز والغامدية واليهوديان اللذان زنيا وحديث لا يحل دم مسلم ومنها الثيب الزاني علاوة على إجماع الصحابة على رجم الثيب الزاني.
وعليه فكل حديث المدعو عدنان إبراهيم عما يسمى آية الرجم وأنها ليست آية وليست من القران نتفق معه فيه، ولكنه لا يدل على أن الرجم لم يثبت، أو أن عقوبة الرجم غير ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.) انتهى
فليتأمل .
وليد فهد
12-04-2015, 08:14 PM
رابع عشر: مدلول لفظ المحصنات في قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) هن الحرائر، واللفظ هنا عام ينطبق على الثيب والبكر، ولكن هناك قرينة عينت أن المراد هنا البكر من الحرائر، فقوله تعالى {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يدل على أنه أي عقوبتها الجلد لا الرجم لأن الرجم لا يتنصف، ويدل أن المحصنات هنا الحرائر اللاتي لم يُزوجن، فلما كان الرجم حتى الموت لا يعقل أن ينصف فتعين أن نصف العذاب أي خمسين جلدة، وهي نصف المائة جلدة المذكورة في قوله تعالى:
كما تفلضت وقلت ان المحصنات لفظ عام وهو يشمل المتزوجة والعفيفة غير متزوجة وهو اشبه للفظ مشترك ولكنه عام لذلك فالاية هنا عامة في مدلولها
لكن القرينة التي تحدثت عنها هي عليك لا لك وذلك لان الاية اقرت بعقوبة ال50 جلدة للامة وها يعني ان لا عقوبة اسمها الرجم لان لو ان حديثا خصص هذه الاية فلزم ان عقوبة الامة الزانية هي اما نصف الجلد حسب القران او نصف الرجم حسب الحديث المخصص لها وهذا تعارض واشكال في الاية وعقلا لا نستطيع ان نقول كمخرج من هذا الاشكال ان المحصنات هنا بمعنى الحرة العفيفة غير المتزوجة لذلك كمخرج من الاشكال ترد هذه الاحاديث دراية
والله اعلم
وليد فهد
13-04-2015, 02:19 PM
النقطة الاخرى التي اريد ان اذكرها هي قوله تعالى" من العذاب" وهنا من ليست للتبعيض انما للبيان فعقوبة الامة الزانية هو " العذاب" فما هو هذا العذاب
الاجابة هنا ما ورد في سورة النور قوله تعالى" ويدروأ عنها العذاب"
اذن عقاب الامة الزانية هو نفس عقاب الزوجة التي ادعى عليها زوجها بالزنا
اذن ليس الرجم لانه لا ينصف
اذن هو الجلد لا غير
اي ان عقاب المتزوجة الزانية هو الجلد
ابوعبدالرحمن حمزة
04-09-2015, 07:32 AM
قولك وهذا يعني ان لا عقوبة اسمها الرجم ...الخ هذا الكلام غير صحيح ولا دليل عليه وهو ما عالجه البحث بشكل تفصيلي بل الادلة بخلافة والصحيح ان الفاظ القران في موضوع المحصنات وموضوع عقوبة الزنا( العذاب ) عامة ومجملة وجاءت السنة فبينتها وفصلتها وهذا ما اثبته البحث كاملا المتقدم .
فليس في القران نص على نفي عقوبة الرجم ، كما انه لا نص عى تحديد عقوبة الامة الزانية بأنه خمسين جلدة بل النص بان عليها نصف ما على المحصنات ولفظ المحصنات ايضا عام ومحتمل لانه لفظ مشترك وهذا يعني ان دلالته ظنية لذلك فالسنة هي التي بينت وشرحت فعملنا بكل النصوص دون حصول تعارض حقيقي .
وكذا لفظ العذاب فان مدلوله العقوبة ويتعين المراد منه حسب تفصيل النص والقرائن المتعلقة به فالعذاب ليس معنا لغة الجلد مائة جلدة بل معناه باللغة ما تقدم في البحث وتعين المراد في كل نص يتحدد بالقرائن المتعلقة بهذا النص المعين وهنا تأتي السنة مرة ثانية كمبين ومحدد لمدلول لفظ العذاب في كل نص تفصيلي .
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.