عبد الواحد جعفر
28-07-2014, 02:17 AM
السيسي و"داعش"
توماس فريدمان –
(نيويورك تايمز) 24/6/2014
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
قدم شهر أيار (مايو) الماضي للعالم ما تصفه المحللة الإسرائيلية أوريت بيرلوف بأنه النموذجان المهيمنان للحكم العربي في الوقت الراهن: "داعش" و"السيسي". و"داعش"، بطبيعة الحال، هي تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسورية"، الميليشيا السنية المتطرفة المتعطشة للدماء، التي نحتت لنفسها أخيراً دولة جديدة من المناطق السنية في سورية والعراق. والسيسي، بطبيعة الحال، هو الرجل القوي ورئيس مصر الجديد، الذي تورط نظامه مؤخراً في الحكم المخجل على ثلاثة من الصحفيين بالسجن بتهم مفبركة، على نحو جعل أمة كبيرة تتصرف بصغار.
"داعش" والسيسي، كما تقول بيرلوف، الباحثة في الشبكات الاجتماعية الشرق أوسطية في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، هما وجهان لعملة واحدة: أحدهما يرفع شعار الدين ويجعله المتحكم المطلق بالحياة السياسية، والآخر يرفع يافطة "الدولة القومية".
وقد أخفق كلاهما، وسوف يستمران في الإخفاق –وسيظلان في حاجة إلى استخدام القوة الجبرية للبقاء في السلطة- لأنهما لا يستطيعان أن يقدما للشباب العربي والمسلم ما يحتاجونه أكثر ما يكون: التعليم، الحرية، والوظاف، من أجل تحقيق كامل إمكاناتهم وامتلاك القدرة على المشاركة كمواطنين متساوين في الحياة السياسية لبلدانهم.
سوف يترتب علينا أن ننتظر قدوم جيل جديد، والذي "يضع المجتمع في المركز"، كما تقول بيرلوف، جيل عربي/مسلم لا يسأل "كيف يمكننا أن نخدم الله أو كيف يمكننا أن نخدم الدولة، وإنما كيف يمكن أن يخدمنا هذان الأقنومان". وتقول بيرلوف أن هذين المنوذجين الحاكمين –الإسلاموية المفرطة "داعش" المدفوعة بحرب ضد "التكفيريين"، أو المرتدين، وهي الكيفية التي يشير بها المتطرفون السنة إلى الشيعة؛ ونموذج القومية المفرطة "السيسي" المدفوعة بحرب ضد الإسلاميين "الإرهابيين"، وهو ما تصف به الدولة المصرية جماعة الإخوان المسلمين- كلاهما في حاجة إلى الاستنفاد لإفساح المجال أمام خيار ثالث مبني على أسس التعددية في المجتمع، والدين، والفكر.
يحتاج العالم العربي إلى أن يعطل أخيراً عجلة الأسطورتين التوأمين: الدولة العسكرية "السيسي" أو الدولة الإسلامية "داعش"، وهو ما سيجلب الازدهار والاستقرار والكرامة للمنطقة. فقط عندما يصل كافة المواطنين إلى "الاعتراف أخيراً بأن كلا هذين النموذجين فاشل وغير قابلة للتطبيق"، كما تقول بيرلوف، قد تكون هناك "فرصة لرؤية هذه المنطقة وهي تتحرك في اتجاه القرن الحادي والعشرين".
لكن هذا الوضع الموصوف ليس قاتماً كله تماماً مع ذلك. لديك نموذجان ناشئان، ولو أن كليهما ضعيف ولا يتصف أيهما بالكمال، حيث أقامت دول شرق أوسطية مسلمة حكماً لائقاً متجهاً نحو الديمقراطية، وقائماً على أساس المجتمع، مع بعض التعددية السياسية والثقافية والدينية: تونس وكردستان. مرة أخرى، ما يزال كل منهما عملا في طور الإنجاز، لكن المهم هو أنهما خرجا فعلاً من مجتمعاتهما نفسها. ولديك أيضا الملكيات اللينة نسبياً -مثل الأردن والمغرب- التي تقوم على الأقل بالتجريب مع حوكمة أكثر تشاركية، وتسمح بتواجد بعض المعارضة، ولا تحكم بالوحشية التي يحكم بها المستبدون العلمانيون.
"كل من نموذج العلمانية السلطوية –المتمثلة أخيراً في السيسي- والنموذج الديني المتطرف –المتمثل حالياً في داعش، فشلا"، كما يضيف مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني الأسبق ومؤلف كتاب "الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية". "فشلا لأنهما لم يعالجا الاحتياجات الحقيقية للشعوب: تحسين نوعية حياتها، سواء من الناحية الاقتصادية أو التنموية، وكذلك فيما يتعلق بشعورها بأنها جزء من عملية صنع القرار. كان كلا النموذجين إقصائياً، وقدم كل منهما نفسه على أنه صاحب الحقيقة المطلقة، وأنه الحل لجميع مشاكل المجتمع".
لكن الجمهور العربي "ليس غبياً" كما يضيف المعشر. "بينما سنستمر في رؤية الخطابات الإقصائية في كثير من بلدان العالم العربي في المستقبل المنظور، فإن النتائج ستضع نهاية للاحتفاء بالأيديولوجيا. ويمكن أن تأتي النتائج فقط من سياسات الإدماج، التي ستعطي لكل القوى حصة في النظام، وبحيث ينتج الاستقرار، وتتضح الضوابط والتوازنات، ثم يأتي الازدهار في نهاية المطاف. لا يمكن للسيسي و"داعش" أن يفوزا. لسوء الحظ، ربما يتطلب الأمر استنفاد جميع الخيارات الأخرى قبل أن تتكون كتلة حرجة، والتي تستطيع تثبيت هذه الحقيقة الأساسية في الأذهان. لكن هذا هو التحدي الذي سيضطلع به الجيل الجديد في العالم العربي، حيث تقل أعمار ما نسبته 70 في المئة من السكان عن 30 سنة. أما الجيل القديم، علمانياً كان أم دينياً، فيبدو أنه لم يتعلم أي شيء من فشل حقبة ما بعد الاستقلال في تحقيق التنمية المستدامة، ومن الخطر الذي تنطوي عليه السياسات الاستقصائية".
الحقيقة أن العراق الذي تأسس في العام 1921 قد ذهب مع الريح. كما أن مصر الجديدة التي تصورها الناس في ميدان التحرير ماتت قبل الولادة. ويبدو الكثير من القادة والأتباع في كل المجتمعات عازمين على إعطاء أفكارهم التي فشلت في الماضي دورة أخرى حول المجمع السكني قبل أن يعمدوا، كما نأمل، إلى اختيار الفكرة الوحيدة التي يمكن أن تعمل: التعددية في السياسة والتعليم والدين. وقد يستغرق هذا بعض الوقت، وربما لا يستغرق. لا أدري.
إننا نميل إلى جعل كل قصة تتحدث عنا. لكن هذا ليس كل شيء عنا. لا شك أننا قمنا بالكثير من الأشياء المتصفة بالجهل في العراق ومصر. لكننا ساعدنا أيضاً في فتح أبوابهما لمستقبل مختلف، والتي أغلقها قادتهما في الوقت الراهن. بينما نمضي قدماً، وحيث نرى الناس يلتزمون حقاً بالتعددية، فإننا ينبغي أن نساعد في دعمهم. وحيث نرى جزر اللياقة عرضة للتهديد، فإنه يجب علينا المساعدة في حمايتها. لكن هذا شأن يتحدث عنهم في المقام الأول، عن حاجتهم إلى تعلم كيفية العيش معاً بدون وجود قبضة حديدية فوقهم، وذلك لن يحدث إلا عندما، وإذا كانوا يريدون له أن يحدث.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
ISIS and SISI
http://www.alghad.com/articles/813642-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4
توماس فريدمان –
(نيويورك تايمز) 24/6/2014
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
قدم شهر أيار (مايو) الماضي للعالم ما تصفه المحللة الإسرائيلية أوريت بيرلوف بأنه النموذجان المهيمنان للحكم العربي في الوقت الراهن: "داعش" و"السيسي". و"داعش"، بطبيعة الحال، هي تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسورية"، الميليشيا السنية المتطرفة المتعطشة للدماء، التي نحتت لنفسها أخيراً دولة جديدة من المناطق السنية في سورية والعراق. والسيسي، بطبيعة الحال، هو الرجل القوي ورئيس مصر الجديد، الذي تورط نظامه مؤخراً في الحكم المخجل على ثلاثة من الصحفيين بالسجن بتهم مفبركة، على نحو جعل أمة كبيرة تتصرف بصغار.
"داعش" والسيسي، كما تقول بيرلوف، الباحثة في الشبكات الاجتماعية الشرق أوسطية في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، هما وجهان لعملة واحدة: أحدهما يرفع شعار الدين ويجعله المتحكم المطلق بالحياة السياسية، والآخر يرفع يافطة "الدولة القومية".
وقد أخفق كلاهما، وسوف يستمران في الإخفاق –وسيظلان في حاجة إلى استخدام القوة الجبرية للبقاء في السلطة- لأنهما لا يستطيعان أن يقدما للشباب العربي والمسلم ما يحتاجونه أكثر ما يكون: التعليم، الحرية، والوظاف، من أجل تحقيق كامل إمكاناتهم وامتلاك القدرة على المشاركة كمواطنين متساوين في الحياة السياسية لبلدانهم.
سوف يترتب علينا أن ننتظر قدوم جيل جديد، والذي "يضع المجتمع في المركز"، كما تقول بيرلوف، جيل عربي/مسلم لا يسأل "كيف يمكننا أن نخدم الله أو كيف يمكننا أن نخدم الدولة، وإنما كيف يمكن أن يخدمنا هذان الأقنومان". وتقول بيرلوف أن هذين المنوذجين الحاكمين –الإسلاموية المفرطة "داعش" المدفوعة بحرب ضد "التكفيريين"، أو المرتدين، وهي الكيفية التي يشير بها المتطرفون السنة إلى الشيعة؛ ونموذج القومية المفرطة "السيسي" المدفوعة بحرب ضد الإسلاميين "الإرهابيين"، وهو ما تصف به الدولة المصرية جماعة الإخوان المسلمين- كلاهما في حاجة إلى الاستنفاد لإفساح المجال أمام خيار ثالث مبني على أسس التعددية في المجتمع، والدين، والفكر.
يحتاج العالم العربي إلى أن يعطل أخيراً عجلة الأسطورتين التوأمين: الدولة العسكرية "السيسي" أو الدولة الإسلامية "داعش"، وهو ما سيجلب الازدهار والاستقرار والكرامة للمنطقة. فقط عندما يصل كافة المواطنين إلى "الاعتراف أخيراً بأن كلا هذين النموذجين فاشل وغير قابلة للتطبيق"، كما تقول بيرلوف، قد تكون هناك "فرصة لرؤية هذه المنطقة وهي تتحرك في اتجاه القرن الحادي والعشرين".
لكن هذا الوضع الموصوف ليس قاتماً كله تماماً مع ذلك. لديك نموذجان ناشئان، ولو أن كليهما ضعيف ولا يتصف أيهما بالكمال، حيث أقامت دول شرق أوسطية مسلمة حكماً لائقاً متجهاً نحو الديمقراطية، وقائماً على أساس المجتمع، مع بعض التعددية السياسية والثقافية والدينية: تونس وكردستان. مرة أخرى، ما يزال كل منهما عملا في طور الإنجاز، لكن المهم هو أنهما خرجا فعلاً من مجتمعاتهما نفسها. ولديك أيضا الملكيات اللينة نسبياً -مثل الأردن والمغرب- التي تقوم على الأقل بالتجريب مع حوكمة أكثر تشاركية، وتسمح بتواجد بعض المعارضة، ولا تحكم بالوحشية التي يحكم بها المستبدون العلمانيون.
"كل من نموذج العلمانية السلطوية –المتمثلة أخيراً في السيسي- والنموذج الديني المتطرف –المتمثل حالياً في داعش، فشلا"، كما يضيف مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني الأسبق ومؤلف كتاب "الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية". "فشلا لأنهما لم يعالجا الاحتياجات الحقيقية للشعوب: تحسين نوعية حياتها، سواء من الناحية الاقتصادية أو التنموية، وكذلك فيما يتعلق بشعورها بأنها جزء من عملية صنع القرار. كان كلا النموذجين إقصائياً، وقدم كل منهما نفسه على أنه صاحب الحقيقة المطلقة، وأنه الحل لجميع مشاكل المجتمع".
لكن الجمهور العربي "ليس غبياً" كما يضيف المعشر. "بينما سنستمر في رؤية الخطابات الإقصائية في كثير من بلدان العالم العربي في المستقبل المنظور، فإن النتائج ستضع نهاية للاحتفاء بالأيديولوجيا. ويمكن أن تأتي النتائج فقط من سياسات الإدماج، التي ستعطي لكل القوى حصة في النظام، وبحيث ينتج الاستقرار، وتتضح الضوابط والتوازنات، ثم يأتي الازدهار في نهاية المطاف. لا يمكن للسيسي و"داعش" أن يفوزا. لسوء الحظ، ربما يتطلب الأمر استنفاد جميع الخيارات الأخرى قبل أن تتكون كتلة حرجة، والتي تستطيع تثبيت هذه الحقيقة الأساسية في الأذهان. لكن هذا هو التحدي الذي سيضطلع به الجيل الجديد في العالم العربي، حيث تقل أعمار ما نسبته 70 في المئة من السكان عن 30 سنة. أما الجيل القديم، علمانياً كان أم دينياً، فيبدو أنه لم يتعلم أي شيء من فشل حقبة ما بعد الاستقلال في تحقيق التنمية المستدامة، ومن الخطر الذي تنطوي عليه السياسات الاستقصائية".
الحقيقة أن العراق الذي تأسس في العام 1921 قد ذهب مع الريح. كما أن مصر الجديدة التي تصورها الناس في ميدان التحرير ماتت قبل الولادة. ويبدو الكثير من القادة والأتباع في كل المجتمعات عازمين على إعطاء أفكارهم التي فشلت في الماضي دورة أخرى حول المجمع السكني قبل أن يعمدوا، كما نأمل، إلى اختيار الفكرة الوحيدة التي يمكن أن تعمل: التعددية في السياسة والتعليم والدين. وقد يستغرق هذا بعض الوقت، وربما لا يستغرق. لا أدري.
إننا نميل إلى جعل كل قصة تتحدث عنا. لكن هذا ليس كل شيء عنا. لا شك أننا قمنا بالكثير من الأشياء المتصفة بالجهل في العراق ومصر. لكننا ساعدنا أيضاً في فتح أبوابهما لمستقبل مختلف، والتي أغلقها قادتهما في الوقت الراهن. بينما نمضي قدماً، وحيث نرى الناس يلتزمون حقاً بالتعددية، فإننا ينبغي أن نساعد في دعمهم. وحيث نرى جزر اللياقة عرضة للتهديد، فإنه يجب علينا المساعدة في حمايتها. لكن هذا شأن يتحدث عنهم في المقام الأول، عن حاجتهم إلى تعلم كيفية العيش معاً بدون وجود قبضة حديدية فوقهم، وذلك لن يحدث إلا عندما، وإذا كانوا يريدون له أن يحدث.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
ISIS and SISI
http://www.alghad.com/articles/813642-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4