المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امريكا وسياساتها المتغيرة وتحقيق مشروعها في الشرق الاوسط



بوفيصيل
07-07-2014, 04:22 AM
فى ظل التغيرات المتلاحقة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط فى اعقاب ثورات الربيع العربى تجددت الدعوات المطالبة بإعادة تقييم جذرى للاتجاهات الرئيسية الأمريكية والمصالح الأمريكية فى المنطقة والخيارات السياسية المناسبة لتحقيقها. وأكد تقرير لـ«مركز الأمن الأمريكى الجديد»، ضرورة إعادة النظر بشكل منهجى فى سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، وتبنى ما وصفه التقرير بمنهج «التكيف الاستراتيجى»، ففى الوقت الذى تظل فيه بعض السياسات الأمريكية الحديثة والقديمة صالحة للتعاطى فى الوقت الحالى، يجب التأكيد على ضرورة التكيف مع بيئة استراتيجية تغيرت بشكل درامى وفى الغالب ستظل تتغير. وتواجه الولايات المتحدة فى الوقت الحالى تهديدات قصيرة المدى فى حاجة إلى انتباه سريع من صانعى القرار السياسى الأمريكى نابعة من إيران وسوريا واليمن وكذلك العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية. ولكن من المهم أن تنتهج فى الوقت نفسه سياسات من أجل السيطرة وتخفيف التهديدات المحتملة على المدى الطويل فى المنطقة، مستعينة بدرجة عالية من المرونة الاستراتيجية والبراعة الدبلوماسية. وخلال هذا الملف نقدم تحولات السياسة الداخلية العربية، و العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية والسلام الفلسطينى ـ الإسرائيلى، والعلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، والتهديدات السورية واليمنية، ثم الأربع محاور فى تنظيم العلاقات الأمريكية العربية فى المستقبل وموقف إسرائيل من الربيع العربى.
- واشنطن فى مواجهة تغييرات الواقع الجديد
اعتادت الولايات المتحدة على فرض سياستها واستراجيتها على كل مكان فى العالم حتى ولو بالقوة، ولكن بعد الربيع العربى أصبح علي الولايات المتحدة ضرورة تبنى استراتيجية جديدة تجاه المنطقة إذا ما أرادت أن تحمى مصالحها وتستمر فى التواجد.
ويشير تقرير «التكيف الاستراتيجي في سبيل استراتيجية جديدة فى الشرق الأوسط» الصادر عن مركز الأمن الأمريكى الجديد إلى أن هناك أولويات ينبغى أن تضعها الولايات المتحدة على رأس إهتمامتها إذا ما أرادت ضمان التواجد وحماية مصالحها وتأتى فى مقدمتها سياستها تجاه إيران. وعليها أن تستمر فى «مسارها المزدوج» تجاه طهران من خلال استمرار فرض عقوبات صارمة بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ويوضح الخبراء فى مركز الأمن الأمريكى الجديد أن إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة يجب أن تكون أكثر مرونة، وأن تتوفر الشفافية فى التعامل مع إيران بناء على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التى تسمح بالتفتيش لكشف ما إذا كانت إيران تقوم بتطوير أسلحة نووية بالفعل وفى الوقت نفسه يتم التفاوض على السماح لها بالتخصيب السلمى، ويكون الهدف الأهم هو منع إيران من تطوير أسلحة نووية فعلية، كانت إدارة بوش تعتمد على التهديد المستمر سواء بفرض عقوبات إقتصادية أو باستخدام القوة العسكرية، ولكن إدارة أوباما رأت أن سياسة الضغط يجب أن تتم من خلال إجماع دولى مع استمرار فرض العقوبات وفى نفس الوقت الاستعداد للتفاوض، وكان أوباما قد صرح أن امتلاك إيران للسلاح النووى أمر غير مقبول وأن جميع الخيارات مطروحة بما فى ذلك الخيار العسكرى ولكنه أكد أنه يفضل الحل السلمى والتوصل إلى تسوية دبلوماسية دائمة.
"العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية"
تظل اسرائيل هى الحليف الرئيسى للولايات المتحدة ويتشارك الاثنان فى مصالح أمنية اقليمية، كما ان المكاسب من التعاون العسكرى والمخابراتى تمثل استفادة للجانبين، فالولايات المتحدة تستفيد من خبرة اسرائيل فى مجال الحرب فى المناطق الآهلة بالسكان ومكافحة الارهاب وذلك قبل فترة طويلة من مواجهاتها تحديات فى العراق وأفغانستان، ولعل ما يقف وراء قوة العلاقة بين البلدين هو الانجذاب بين مجتمعين ديمقراطيين، يتشاركان فى القيم ويتمتعان بعلاقات تعاون وثيقة بين مواطنيها فى المجالات العلمية والتعليمة، ومع ذلك تبقى التوترات بين البلدين قائمة، وتكمن أساسا فى الخلافات حول تصور أولويات التهديد خاصة بالنسبة لايران وعملية السلام.، هذه الخلافات تظهر بين الحين والاخر، ولكنها هذه المرة أكثر عمقا ووضوحا، وتتعلق بالخلافات الحادة فى رؤيتهما للمنطقة. وهناك عدد كبير من الإسرائيليين يشكون أن الولايات المتحدة تتفهم عمق التهديد الذى تواجهه بلادهم، فى الوقت الذى تتزايد فية المخاوف فى الولايات المتحدة من المدى الذى يخدم فيه التأييد الامريكى لاسرائيل مصالح بلادهم. وهى خلافات بدت حادة فيما يتعلق بعملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية المجمدة حاليا. وبينما تستمر ادارة أوباما فى التعاون الوثيق مع اسرائيل، فان مسئولى الادارة تحدثوا فى أكثر من مناسبة عن تأثير فشل عملية السلام على المصالح الامريكية. ومما لا يخفى على أحد أن القيادة الاسرائيلية الحالية قلقة من الربيع العربى، وفى ظل هذه التطورات فان اسرائيل تبدى قلقا متزايدا من مبيعات الأسلحة للدول العربية، حتى لو كانت هذه الاسلحة تهدف لتقوية قدرة شركاء الولايات المتحدة على مواجهة ايران.
"العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية"
تولى الولايات المتحدة إهتماما كبيرا بأمن إسرائيل وبمعاهدات السلام بينها وبين العرب واستمرار السلام بينهما وخاصة مصر، ولكن بعد الربيع العربى بدأت إسرائيل تشعر بالقلق من القيادة الجديدة فى مصر، وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تقوم بأمرين للحفاظ على السلام بين البلدين.
أولا: العمل من خلال سفاراتها هناك لتقريب وجهات النظر ومنع التوتر بين القيادتين والقيام بزيارت مكوكية لتسهيل الحوار بين الجانبين لنزع فتيل أى توتر قد يحدث أزمة.
ثانيا: تقوم الولايات المتحدة من خلال إستراتيجيتها الجديدة بالتأكيد على أن مصر أهم حليف لها بالمنطقة وتعتمد عليها للحفاظ على السلام.
"التهديدات السورية واليمنية"
تواجة الولايات المتحدة تهديدات أمنية فى كل من سوريا واليمن من احتمال نشوب حرب أهلية هناك وهو ما يشعل المنطقة ويهدد المصالح الأمريكية، وبالتالى يجب على الولايات المتحدة أن تتبع سياسة دبلوماسية قوية للضغط خاصة على سوريا للتوصل إلى حل للصراع. ويجب تشجيع مزيد من الحرية والعدالة للشعب السورى ومحاولة إنقاذه من شبح الحرب الأهلية الذى يخيم على البلاد من خلال العمل مع الأمم المتحدة وأصدقاء سوريا والمعارضين السوريين وممارسة الضغط الدولى وفرض عقوبات على النظام الحالى ومساعدة المعارضة للتوصل إلى تسوية وإتفاق بينهم على أهداف واحدة. وكذلك يجب استبعاد الحل العسكرى فى سوريا.
أما بالنسبة لليمن فقد كانت إستراتيجية الولايات المتحدة تعتمد بشكل أساسى على تدريب وحدات داخل الجيش اليمنى لمحاربة الإرهاب هناك والذى يتمثل فى تنظيم القاعدة، وقد نجحت تلك الإستراتيجية فى التخلص من بعض قيادات القاعدة هناك والذين كانوا يمثلون تهديدا كبيرا للولايات المتحدة مثل أنور العولقى وفهد القوع الذى يعتقد أنه المسئول عن تفجير المدمرة الأمريكية كول فى اليمن عام 2000. لذلك يجب أن تضع الولايات المتحدة إستراتيجية جديدة فى ظل الوضع الجديد فى اليمن يساعد على مزيد من الإصلاح السياسى والإقتصادى هناك والقيام بزيادة الإستثمارات والإنفاق لمواجهة نفوذ القاعدة.
- إسرائيل. أول الخاسرين من الربيع العربى
حتى نهاية عام 2010 كانت اسرائيل تتفاخر امام العالم بأنها واحة الديمقراطية فى الشرق الاوسط المحاطة بأنظمة قمعية لا تعرف المشاركة الشعبيه اطلاقا، وبعد الربيع العربى إتسم موقف اسرائيل بشكل عام تجاه الحراك الديمقراطى بالقلق والتحفظ، غير أن تعاملها مع كل ثورة كان مختلفا وذلك بناء على قرب هذه الثورة أو بعدها من تهديد مصالحها وأمنها الوطني. ورغم أن الطريق المستقبلى بالنسبة للمواطن العربى قد يكون وعراً ومبهماً، لكن الأحداث فى الشرق الأوسط تمثل مكسبا كبيرا له بمجرد اسقاطه الأنظمة القديمة العقيمة والجامدة، ولكن مع انهيار النظام القديم فى الشرق الأوسط، من هم الفائزون والخاسرون؟
الخاسر الأكبر الذى خرج صفر اليدين هو إسرائيل، فالعديد من الحكام المستبدين القدامى الذين كانوا مدعومين من الولايات المتحدة بالمال والسياسة يتهاون الواحد تلو الآخر. ومع اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية أكبر داعمة لإسرائيل موقفا علنيا بدعم الثورات العربية متخلية بذلك عن الوقوف بجانب حلفائها فى المنطقة العربية من الرؤساء الذين ثارت عليهم شعوبهم وأسقطتهم، دفع ذلك بعض المحللين إلى التكهن بوجود توتر فى العلاقات بين البلدين، الأمر الذى أوجب على الرئيس الأمريكى باراك أوباما المضى قدما لاتخاذ جميع الإجراءات لضمان حماية أمن إسرائيل، فقد شرع لاستكمال مشروع منظومة "القبة الفولاذية" والتى كانت أمريكا قد دعمته العام الماضى بمبلغ 205 ملايين دولار والذى يهدف إلى اعتراض القذائف الصاروخية وتوفير حماية فعالة لإسرائيل من أى تهديد عسكري، ويتكون هذا النظام من صواريخ وأجهزة رادار وقد صنعته شركة رافاييل الإسرائيلية لتطوير الأسلحة، ولم تكتف أمريكا بذلك بل قدمت أيضا مساعدات بحوالى 3 مليار دولار لتطوير برنامج التدريب والحماية العسكرية لإسرائيل. ويرى المحللون أن التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يجب ألا يقتصر على الإجراءات العسكرية التى إتخذها الرئيس أوباما بشأن إسرائيل، بل هناك مجالات تكنولوجية وثقافية أخرى يجب تنميتها، كدعم المؤسسة الأمريكية الإسرائيلية للعلوم والتكنولوجيا، وهذا من شأنه أن يعيد الثقة مرة أخرى فى العلاقات بين البلدين.

بوفيصيل
07-07-2014, 04:23 AM
أما بالنسبة لإيران فإذا أردنا أن نلقى نظرة على التفسير العسكرى للعلاقة النووية بين إيران وأمريكا سنجد أن «الشيطان الأكبر» (وهى التسمية التى تطلقها إيران على الولايات المتحدة الأمريكية) و"الدولة الثانية فى محور الشر" (وهو الأسم الذى تطلقه الولايات المتحدة الأمريكية على إيران) يتبادلان الاتهامات السياسية والعسكرية منذ فترة ليست بقليلة، وبين حالة الشد والجذب والسجال الدائر عالميا حول تحدى إيران للمجتمع الدولى والقرارات الأممية بسبب برنامجها النووى وبالذات فى إسرائيل، كان لافتا أن الجيش الإسرائيلى دخل طرفا فى السجال ويهيمن على النقاش فى شأن الخيارات الإسرائيلية المحتملة ضد إيران، خاصة أن التكهنات باحتمال شن إسرائيل هجوما على المنشآت النووية الإيرانية باتت حديث الإعلام والشارع الإسرائيلي.
أما الرئيس الأمريكى باراك أوباما فأكد أنه يشاطر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو رؤية مشتركة لضمان أمن إسرائيل، ولكنه وضع الخيار العسكرى كآخر الحلول، رغم اقتناعه التام باقتراب إيران من امتلاك أسلحة نووية ما يعرض الأمن القومى الأمريكى للخطر، ويهدد أصدقاءها فى دول الخليج ومصالحها فى الشرق الأوسط، واعتقادها أن قادة إيران يدعون إلى شطب إسرائيل من الخريطة، وهى تصريحات وجد فيها نتنياهو فرصة ذهبية من حليفه الاستراتيجى فراح يعلن أنه فى انتظار الضوء الأخضر من أوباما فى مسألة شن هجوم عسكرى على إيران.
ولكن الانتقادات الأخيرة لأوباما من تكرار التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم أحادى على إيران ينفى نية واشنطن اعطاء اسرائيل ضوءا أخضر للهجوم على ايران وهو الأمر الذى من شأنه أن يوسع الفجوة أكثر وأكثر بين أمريكا وإسرائيل. ويبقى السؤال هل تريد إسرائيل أنظمة ديمقراطية فى المنطقة العربية ـ كما كانت تطالب أمريكا دائماً ـ أم أنها سترفض ذلك بعد ظهور نتائج الانتخابات؟ وهل تعتقد بأن وجود أنظمة ديمقراطية سيفقدها الميزة التى تتباهى بها أمام العالم كونها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط؟ وهل سترفض الديمقراطية لأنها قد توصل إلى الحكم أنظمة لا تتردد فى مواجهتها؟
- تحولات السياسة الداخلية فى المنطقة
هناك أربع اتجاهات تعيد تشكيل السياسات العربية، منها استمرار حالة عدم الاستقرار السياسى، والاسلام السياسى والرأى العام العربى الذى اكتسب قوة جديدة والصعوبات الاقتصادية، كل هذه التوجهات تختبر قدرة الدبلوماسيين الامريكيين ومسئولى الدفاع، وهى تطورات ستؤثر على المصالح الأمريكية. فمن المتوقع أن ينتشر عدم الاستقرار السياسى فى الشرق الاوسط ويتعمق فى المستقبل المنظور، وخلال الثمانية عشر شهرا الماضية، سقطت الأنظمة الحاكمة فى تونس ومصر وليبيا واليمن، بينما تستمر الانتفاضات العنيفة فى سوريا والبحرين، التحديات التى واجهت هذه الدول كانت حادة، بعض الأنظمة الأخرى بما فى ذلك السعودية والأردن والمغرب والامارات العربية المتحدة والكويت شهدت احتجاجات شعبية، وكذلك الأردن التى تعد حليفا أساسيا للولايات المتحدة واسرائيل، تبدو مرشحة لمزيد من عدم الاستقرار السياسى هذا العام، حيث شهدت تعيين ثلاثة رؤساء وزارات فى اقل من عام ونصف العام، وقد اعتبر تتابع رؤساء الوزارات دليلا على عدم قدرة الملك على ايجاد توازن بين الاحتفاظ بقوته والدفع باتجاه اجراء اصلاحات.
الدول الثورية فى المنطقة تواجه صعابا عديدة، ولكن التحديات تختلف من دولة لأخرى، فى بعض الدول مثل مصر وتونس تكمن المشكلة فى اصلاح مؤسسات الدولة، وفى ليبيا، حيث تعمد القذافى عدم بناء مؤسسات، يكمن التحدى، وفى اقامة مؤسسات، أما المشاكل التى تواجه اليمن فتتعدى الانتقال السياسى وتمتد لتشمل تحديات ديموغرافية، فاذا أخذنا فى الاعتبار أن 45% من السكان تحت سن الخامسة عشرة، وانها تواجه كوارث بيئية مثل النضوب المتسارع لموارد المياه، فانها ستصبح دولة غير قابلة للحكم، وهو ما سيلقى ظلال من الشك حول قدرة اليمن على أن تصبح شريكا فى الجهود الامريكية لمكافحة الارهاب. وهنا يذكرنا علماء العلوم السياسية أن الحكومات التى تقع فى منتصف المسافة بين النظم التسلطية والنظم الديمقراطية هى اقل نظم الحكم استقرارا وأكثرها قابلية للانزلاق نحو حرب اهلية.
الاتجاه الثانى أن قوى الاسلام السياسى ستستمر فى التصاعد على امتداد المنطقة.
التوجه الثالث يتعلق بقوة الرأى العام العربى، فهذا الرأى العام يتطور فى الشرق الاوسط منذ منتصف التسعينيات على الاقل، وهناك حوار سياسى مشترك أوجدته وسائل الاعلام المختلفة بدء من قناة الجزيرة وحتى تغريدات تويتر.
التوجه الرابع هو التحديات الاقتصادية التى ستستمر فى تغذية عدم الاستقرار السياسى.
أصبحت القاعدة فاعلا استراتيجيا فى الشرق الأوسط وهو ما يطرح تساؤلات حول أولوية المصالح الأمريكية فى مواجهة الإرهاب مقارنة بمصالحها الأخرى فى المنطقة. وبينما وصف تنظيم القاعدة من قبل بأنه تنظيم مركزى ومتجانس، فالواضح أنه ومنذ القضاء على بن لادن فإن القاعدة تكافح من أجل القيام بعمليات على مستوى العالم. وبالرغم من ان التهديدات مازالت قائمة إلا أن هناك عدة عوامل ساهمت فى تراجعها على مستوى الشرق الأوسط منها الحملات التى قامت بها الحكومة الأمريكية فى أفغانستان وباكستان، كما أن الربيع العربى الذى جاء بأحزاب إسلامية بوسائل سلمية كان تأثيره مدويا على القاعدة حيث هدمت ثورتا تونس ومصر دعاية التنظيم القائمة على أن العنف والعمليات المسلحة هى مفاتيح التغيير السياسى والاجتماعى.
- 4 محاور لتنظيم العلاقات الأمريكية ـ العربية فى المستقبل
عندما اجتاح الربيع العربى المنطقة، اكتشفت الولايات المتحدة أنها قد استثمرت بصورة مبالغ فيها فى أنظمة غير ديمقراطية، وبالتالى أصبح حتميا على واشنطن أن تركز اهتمامها فى المستقبل على عدم قيام انظمة معادية للولايات المتحدة فى المنطقة بدلا من تركيزها على دعم ومساندة الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، وعلى أن تحافظ على الاستقرار فى المنطقة. ولتحقيق الاستقرار الحقيقى يجب ان يدرك صانعو القرار فى الولايات المتحدة أن تحقيق آمال الشعوب العربية فى الديمقراطية هو الطريق الوحيد المستدام للوصول إلى ذلك. وفى المرحلة المقبلة ينبغى على الولايات المتحدة الاعتماد على أربعة محاور فى تنظيم علاقاتها مع الدول العربية:
"مشاركة الشعوب وليس فقط الأنظمة الحاكمة"
ولت الأيام التى كان الدبلوماسيون والعسكريون الأمريكيون يستطيعون خلالها تحديد الأنشطة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط عبر اتفاق غير معلن مع مجموعة من الزعماء والملوك والجنرالات العرب. ففى عصر الويكيليكس ومواقع التواصل الاجتماعى أصبحت تفاصيل وعواقب السياسات الأمريكية تعلن وتناقش على الملأ أكثر من أى وقت مضى. واذا ما استطاعت ثورات الربيع العربى تحقيق أهدافها فان الانظمة الحاكمة الناتجة عنها ستكون بالضرورة أكثر استجابة للمصلحة العامة. وبالتالى ينبغى على الولايات المتحدة أن تحرص على مشاركة جميع فئات الشعب وليس فقط الطبقة الحاكمة.
يجب أن يحاول المسئولون الأمريكيون اقناع نطاق مجموعة أكبرمن قادة الفكر ومختلف الفئات فى المجتمعات العربية بأن العمل مع الولايات المتحدة يصب فى مصلحة بلدانهم.
ومع ذلك يجب أن تكون الولايات المتحدة واقعية فى تقديرها للمدى الذى تستطيع به كحكومة مشاركة الشعوب العربية وأن تأخذ فى اعتبارها الشخصيات الفاعلة وسرعة وتنوع انتشار شبكات التواصل الاجتماعى والأرث الطويل من الشك فى النوايا الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ولكن من خلال الشراكة العامة والخاصة يجب على الولايات المتحدة أن تشجع الجامعات والشركات الأمريكية على إقامة مراكز وفروع فى الشرق الأوسط للتفاعل مع المواطنين.
"استراتيجية مختلفة تجاه الإسلام السياسى"
مع مشاركة الشعوب العربية على نطاق أوسع يجب أن تكيف الولايات المتحدة سياساتها لتبنى استراتيجية مختلفة ازاء الاسلام السياسى. فالاسلام السياسى لا يتنافى مع الديمقراطية ولا هو بالضرورة خصما للولايات المتحدة. وتختلف مظاهر الاسلام السياسى من دولة إلى دولة بالمنطقة وبالتالى ينبغى على الولايات المتحدة أن تكون حساسة تجاه الفروق القومية من دولة إلى دولة فيما يتعلق بالاهداف والاستراتيجيات والرؤى وزعامات احزاب وحركات الاسلام السياسى. بمعنى آخر يجب تفصيل السياسات لمقاومة الأفراد والجماعات المعادية للولايات المتحدة، وفى نفس الوقت الاستمرار فى الانفتاح على الافراد والجماعات التى يمكن التعايش والتعاون معها رغم وجود خلافات فى الفكر.
يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة هو التأثير على سلوك الجماعات الاسلامية بدلا من الرفض المطلق لدور الاسلام السياسى. وعند فتح الحوار مع احزاب الاسلام السياسى سيكون على الولايات المتحدة ان تحكم على افعال الاحزاب فى مقابل أقوالها (خاصة فيما يتعلق بالاصلاحات السياسية والاقتصادية واسرائيل). على المدى القصير، قد يؤدى التعاون بين الولايات المتحدة واحزاب الاسلام السياسى إلى حدوث صدع فى العلاقات الامريكية الاسرائيلية وفى العلاقات بين الولايات المتحدة والانظمة العربية المقاومة للاصلاح أو التى تخشى صعود الاسلام السياسى. ومع ذلك فان الاسلام السياسى واقع لا يمكن انكاره مما يحتم على الولايات المتحدة المخاطرة بفتح الحوار معه اذا ما ارادت تأمين مصالحها فى المنطقة على المدى الطويل.
"منح الأولوية للإصلاح السياسى"
يجب على الولايات المتحدة أن تعطى الأولوية القصوى للاصلاح السياسى والاقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط لأن الاصلاحات تتماشى مع القيم الأمريكية ولكن لانها ستخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية، فلم يعد من المناسب أن تعطى الولايات المتحدة الأولوية لتحقيق مكاسب قصيرة المدى تعتمد على أنظمة ترحب بالتعاون فى القضايا الأمنية وتتردد فى تطبيق الإصلاحات بل عليها أن تسعى لتحقيق الاستقرار الدائم فى المنطقة عن طريق دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ورغم أن نتائج الانتخابات الديمقراطية قد لا تعجب الولايات المتحدة أحيانا إلا انه يجب عليها أن تساند العمليات السياسية التى تتميز بالشرعية وأن تحكم على الانتخابات بناء على التزامها بمبادئ الحرية والنزاهة وليس بناء على من فاز فيها.
"دعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية"
تشكل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تحديات خطيرة فى المنطقة. فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تنجح أى سياسة اقتصادية فى مصر اذا لم يتوفر قدر من الاستقرار السياسي الذى يشجع المستثمرين ويجذب السائحين. وقد ظهر ذلك جليا عندما قام صندوق النقد الدولى بالربط بين تقديم مساعدات لمصر تقدر بحوالى 3.2 مليار دولار بتحقيق الاستقرار والتوافق السياسى بين الأطراف المحلية المختلفة.
وعلى الجانب الآخر نجد أن تونس قد استطاعت تحقيق بعض التقدم الاقتصادى بفضل الاستقرار السياسى. وبصورة عامة يجب على الولايات المتحدة أن تعطى برامج المساعدات الأمريكية الأولوية لقطاعات الزراعة والصحة والتعليم لأنها تمس الناس بصورة مباشرة. وتشجيع الاستثمارات من الجهات المختلفة التى تستهدف الحد من البطالة، فملايين من الشباب العرب العاطلين عن العمل يمثلون تهديدا للاستقرار السياسى. ورغم تفضيلها للسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة الا انه يجب على الولايات المتحدة ان تكون على اتم استعداد لمساندة الاستراتيجيات التى قد تتبناها دول المنطقة والتى ربما لن تكون ملتزمة تماما باقتصاديات السوق الحر.
الاهرام