عبد الواحد جعفر
30-06-2014, 03:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى الأمة الإسلامية
لم يعد خافياً أن ما جرى وما يزال يجري في العراق لم يحدث بمحض الصدفة، بل إن ما يراد للعراق أن يصل إليه من رسم حدود مذهبية وعرقية بين أبناء المسلمين فيه هو جزء من خطة جرى تنفيذها بإحكام وتدرج ليظهر أن أبناء الأمة هم من يريدون ذبح بعضهم وتقسيم بلادهم.
إن ما يحدث في العراق _وهو جزء لا يتجزأ من بلاد الإسلام_ إنما هو استمرار في تنفيذ مخطط خبيث أعلن عنه قبل عشرة أعوام في قمة مجموعة الثماني، وأطلق عليه (مشروع الشرق الأوسط الكبير). وكانت ثلاث مسودات قد بحثت في المؤتمر؛ إحداها فرنسية والأخرى ألمانية والثالثة هي الأميركية والتي كانت صياغة المشروع النهائية قد بنيت عليها.
والحقيقة التي ينبغي إدراكها أن مسودات المشاريع الثلاث لم تختلف على الهدف النهائي المقصود من المشروع وهو الوقوف في وجه ما سبق أن أطلقوا عليه الصحوة الإسلامية، وهو في حقيقته تباشير توجه الأمة نحو العودة لدينها، وبناء نهضتها، واستئناف حياتها بإقامة دولتها على أساس الإسلام.
أيها المسلمون..
بعد احتلال الأميركان ومن ساندهم من دول أوروبا لأرض الإسلام في العراق، سارعت أميركا التي استغلت الناحية المذهبية في احتلالها للعراق إلى العمل على تركيز تلك الناحية في الحياة والدولة والمجتمع، ومن ذلك إعطاء منصب رئيس الوزراء؛ أي الحاكم الفعلي لـ"الشيعة"، وإعدام صدام حسين في يوم عيد الأضحى، وما تشير إليه الأدلة على وقوفهم وراء تدمير المرقدين في سامراء اللذين تسبب هدمهما في إزهاق مئات الأرواح من "السنة" وحرق وهدم عشرات المساجد.
وكان اختيارها لنوري المالكي المتعصب لمذهبيته فيه قصد واضح في تأجيج نار الفتنة في العراق، فهو من عمل على ضم مليشيات "شيعية" للجيش العراقي، ومنع ضم الصحوات "سنة"، التي حاربت إلى جانبه تنظيم القاعدة في الأنبار بخاصة. ووضع مفاصل الدولة ومعظم المسؤوليات المهمة بيد "الشيعة"، ولما احتج "السنة" على تحيزه لاتباع مذهبه وظلمه وتهميشه لهم ولمناطقهم، ونظموا اعتصامات سلمية، لم يستجب المالكي لمطالب المعتصمين وحسب، بل فض تلك الاعتصامات بالقوة، وقتل عشرات المعتصمين، وشن حربه الأخيرة على مدن الأنبار الأمر الذي جعل "السنة" يستجيبون لدعوى زعمائهم للشروع بتأسيس كيان لهم للتخلص من حكم المالكي، فوقع الناس في فخ تجزئة العراق فعلياً بدعوى الفدرالية، بعد أن كانوا يحاربون ذلك بكل قوة، بل إنه قبل الانتخابات الأخيرة دعا مجلس علماء العراق إلى اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم عازياً ذلك لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش. ومما جاء في البيان "على الناخب اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش".
وبذلك نجح الأميركان، الذين يملكون أكبر سفارة في العالم ببغداد، والذين يملكون النفوذ والسلطة الفعلية أن يديروا اللعبة من خلال عميلهم المالكي وعملائهم من زعماء "السنة" و"الشيعة" ببراعة تامة، وغدا من يعارضون الفدرالية _والتي تعني في منطقتنا مقدمة للتقسيم والانفصال التام_ يطالبون بها، متذرعين بعدم القدرة على التعايش في ظل نظام الوحدة. بل إن بعض منظري الفدرالية باتوا يسوقون نظام الأقاليم الفدرالي بأنه هو الذي سيحفظ وحدة العراق في بلد يحتوي على ثلاث ثقافات (الأكراد، والسنة، والشيعة)!! وكأن مسلمي العراق من كرد وعرب وسنة وشيعة كانت لهم ثقافة غير الثقافة الإسلامية، بل وكأن مسلمي العراق لم يعيشوا قروناً طويلة في ظل الخلافة الإسلامية التي كان العراق برمته جزءاً من كيانها.
أيها المسلمون..
إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد تم اتخاذه في أحداث العراق الأخيرة واجهة لسببين رئيسيين هما:
أولاً: تأجيج الصراع المذهبي بين المسلمين "السنة" و"الشيعة" وذلك لاستسهالهم التكفير عموماً ولتكفيرهم "الشيعة" خصوصاً، وعدم تورعهم _للأسف_ عن القتل والترويع بحجة الرد على ممارسات من يكفروا "السنة" والانتقام من ظلم المالكي ورجاله.
ومن خلال احتضان بعض "السنة" لـ(داعش) التي ساعدتهم في الأنبار على قتال المالكي، وظهرت كعنوان بارز في التخلص من حكمه لبعض مناطقهم ومع تركز الصراع الدموي فإن ذلك سيدفع إلى سرعة الحصول على مخرج يوقف القتل والدمار والتشريد، مما يجعل عند أطراف النزاع (المفتعل) ضرورة القبول عن قناعة بالتقسيم والفصل، والتي سيكون الحل الفدرالي حتى لغير القانعين به أهون الشرور.
ثانياً: يبدو أن هناك هدفاً لا يزال في طور التقييم لدى الإدارة الأميركية، وهو السماح لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بإعلان خلافة إسلامية في بعض الأراضي العراقية والسورية، والهدف من وجود مثل هذا الكيان بقيادة تنظيم الدولة هو تكريس العداء بين "السنة" و"الشيعة"، مما يحرض على تعزيز الهلال الشيعي، ويعزز استنساخ هلال سني بالمقابل، وبذلك تضمن أميركا إضعاف المسلمين وتفريق كلمتهم. والأخطر استعدائهم لبعضهم لدرجة الاحتراب لإشغالهم عن صعيد صراع المسلمين الحقيقي مع الكفار وعلى رأسهم أميركا.
والهدف الأخطر هو تحطيم تطلع المسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الإسلامية في بقعة معزولة وقابلة للتدمير بعد تصوير ما يتطلع إليه المسلمون لحمل رسالة ربهم، وإنقاذ أنفسهم من قبضة أميركا والغرب الكافرين، بأنه همجية وتخلف. بل قد تجعل المسلمين يتمنون القضاء على دولة (داعش) وبذلك تحطم أميركا المجرمة ومن ورائها الغرب الكافر، آمال المسلمين بالخلافة، ويقضون على كثير من شباب المسلمين الممتلئين حماساً لعزة دينهم والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته.
ويتزامن صعود (داعش) مع تحذير يلفت الأنظار لمستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي محمد الابياري في تغريدة له على موقع "تويتر" من قيام خلافة إسلامية، مؤكداً أن الخيار الوحيد _على حد قوله_للولايات المتحدة هو احتواؤها لجعلها مثل الاتحاد الأوروبي، وقال: "كما قلت من قبل إن عودة الخلافة أمر حتمي .. والخيار الوحيد أن ندعم رؤية تجعلها مثل الاتحاد الأوروبي ..". وذِكْر الاتحاد الأوروبي هنا يبدو أن الغاية منه تخويفَ أوروبا من الخطر القادم إلى جوارها وحرصها على عدم الانفكاك من الهيمنة الأميركية.
أيها المسلمون..
إن الإسلام نظامُ وحدة وليس نظاماً اتحادياً، والإسلام الذي فرض الوحدة لا يفرِّق بين الأعراق والألوان، ويعتبر أتباع المذاهب الإسلامية من شافعية أو إباضية أو زيدية أو جعفرية أو غير ذلك مسلمين لا يصح أن يفصل بينهم حدٌّ.
أما الفدرالية فتعني أن يكون لكل إقليم قوانينه ودستوره بما لا يتعارض مع دستور الاتحاد، والتي تعني في منطقتنا التأسيس للانفصال، وخير شاهد على ذلك ما يتم التهيئة له لاستقلال كردستان العراق، والذين وجدوا فرصة مناسبة في دعم إنشاء كيان "سني" لزيادة إضعاف المركز وتحقيق مكاسب لهم على الأرض.
وإذا كان هناك تخوف من استقلال كردستان العراق في المستقبل القريب من جمهورية العراق الفدرالية بعد أن ضلل الكفارُ الأكرادَ المسلمين بالنزعة القومية والتطلع إلى إنشاء كيانٍ خاص بهم، أفلا يكون هناك تخوف أكبر من انفصال "السنة" و"الشيعة" بعد كل هذا التأزيم والتحريض في المساجد والحسينيات وعبر الفضائيات الموجهة من الكفار وأدواتهم حتى وصل الأمر إلى الاحتراب الشديد واستهانة المسلم في سفك دم أخيه المسلم؟!!
أيها المسلمون..
لقد بان للعيان أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي انطلقت أميركا في تنفيذه في بلاد المسلمين ما هو إلا استمرار في الاستعمار والهيمنة وبسط النفوذ، ولكن هذه المرة عن طريق صياغة الشعوب لتطالب هي بما يريده الغرب الكافر تحت عناوين الديمقراطية والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الحماية للأقليات. وهي إذ تضع المنطقة أمام خطر التقسيم فإنها تستعمل أهل البلاد من أجل تحقيق غايتها تحت عنوان الفدرالية كما يحدث اليوم في العراق والذي يعتبر استكمالاً لما بدأته منذ سنوات.
إن أميركا تسير قدماً في إتمام ما بدأته منذ 2005م من تقسيم للعراق وتفتيته إلى كيانات هزيلة على أساس طائفي وعرقي، وذلك من خلال تحريك أدواتها من مختلف المليشيات والطوائف للتهديد بالحرب الأهلية الدموية مرة أخرى، بعد أن فعلت ذلك سابقاً مراراً وتكراراً. فهي تعمل على إيجاد رأي عام قوي في صفوف الجميع من عرب سنة وأكراد وشيعة وتركمان باستحالة العيش معاً في منطقة واحدة مما يمهد لتطبيق الفدرالية التي جاء بها دستور بريمر حتى بعد تعديله.
أيها المسلمون..
إن الكفار يكيدون للمسلمين، ويتسابقون على زيادة إضعافهم بفتنتهم وتفتيت بلادهم على أسس مذهبية وعرقية بعد أن نجحوا في إضعافهم بهدم دولتهم وتقسيم بلادهم على أسس جغرافية، وكما تفرَّقت كلمتهم بالأمس القريب واستطاع الكفار أن يقيموا بينهم حدوداً ويجعلوا لهم أعلاماً وجيوشاً تحمي تلك الحدود الزائفة، فإنهم الآن يريدون زيادة تفريق كلمة المسلمين بالتفتيت على أسس مذهبية وعرقية بتضليل المسلمين مرة أخرى وجعلهم في منأى عن عودة عزتهم وكرامتهم وفخرهم بحمل رسالة ربهم، بل إن الكفار أصبحوا يكتفون بتحريض المسلمين على قتل بعضهم البعض ليقفوا متفرجين شامتين بالمسلمين وهم يَذبحون بعضهم ويُخربون بيوتهم بأيديهم، ويمدُّون كل فريق بالسلاح المدفوع الثمن من مقدرات بلاد المسلمين.
أيها المسلمون..
لقد أهَلَّ علينا رمضان الكريم شهر القرآن الذي أمرنا الله فيه بالاعتصام بدينه وعدم التفرق فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وأمرنا أن لا نجعل للخلاف والتنازع طريقاً بيننا فقال: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وأمرنا أن لا تغمض أبصارنا وبصائرنا فنركن إلى الكفار فقال: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، وبشرنا أن كيد الكفار سينتهي وأنهم سيُغلبون فقال: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
وغلبة المؤمنين إنما تكون بنصرهم لله {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} والعاقبة تكون للمتقين الذين يدركون أحكام شرع ربهم الذي حرّم عليهم قتل بعضهم بعضاً وتخريب بيوتهم بأيديهم، وتكون باتقائهم لله بأن يبتعدوا عن فتنة الشيطان وأتباعه لهم، بل يحملون غيرهم من المسلمين على نبذ الفرقة والفتنة وعدم الوقوع في فخاخ الكفار الأميركان وأدواتهم، والعمل على محاربة ومكافحة أبواق الفتنة ومريدي تفريق صفوف المسلمين، الذين نصَّبوا أنفسهم لخدمة أعداء الله في إضعاف المسلمين حتى لا يرجعوا أسياد العالم بإسلامهم ومنارة هدى للبشر من ضلالات أميركا والغرب وبضاعتهم العلمانية الفاسدة ورأسماليتهم العفنة التي خلفت الشقاء لهم وللعالم.
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
وقال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}
30/شعبان/1435هـ حزب التحرير
28/6/2014
بيان إلى الأمة الإسلامية
لم يعد خافياً أن ما جرى وما يزال يجري في العراق لم يحدث بمحض الصدفة، بل إن ما يراد للعراق أن يصل إليه من رسم حدود مذهبية وعرقية بين أبناء المسلمين فيه هو جزء من خطة جرى تنفيذها بإحكام وتدرج ليظهر أن أبناء الأمة هم من يريدون ذبح بعضهم وتقسيم بلادهم.
إن ما يحدث في العراق _وهو جزء لا يتجزأ من بلاد الإسلام_ إنما هو استمرار في تنفيذ مخطط خبيث أعلن عنه قبل عشرة أعوام في قمة مجموعة الثماني، وأطلق عليه (مشروع الشرق الأوسط الكبير). وكانت ثلاث مسودات قد بحثت في المؤتمر؛ إحداها فرنسية والأخرى ألمانية والثالثة هي الأميركية والتي كانت صياغة المشروع النهائية قد بنيت عليها.
والحقيقة التي ينبغي إدراكها أن مسودات المشاريع الثلاث لم تختلف على الهدف النهائي المقصود من المشروع وهو الوقوف في وجه ما سبق أن أطلقوا عليه الصحوة الإسلامية، وهو في حقيقته تباشير توجه الأمة نحو العودة لدينها، وبناء نهضتها، واستئناف حياتها بإقامة دولتها على أساس الإسلام.
أيها المسلمون..
بعد احتلال الأميركان ومن ساندهم من دول أوروبا لأرض الإسلام في العراق، سارعت أميركا التي استغلت الناحية المذهبية في احتلالها للعراق إلى العمل على تركيز تلك الناحية في الحياة والدولة والمجتمع، ومن ذلك إعطاء منصب رئيس الوزراء؛ أي الحاكم الفعلي لـ"الشيعة"، وإعدام صدام حسين في يوم عيد الأضحى، وما تشير إليه الأدلة على وقوفهم وراء تدمير المرقدين في سامراء اللذين تسبب هدمهما في إزهاق مئات الأرواح من "السنة" وحرق وهدم عشرات المساجد.
وكان اختيارها لنوري المالكي المتعصب لمذهبيته فيه قصد واضح في تأجيج نار الفتنة في العراق، فهو من عمل على ضم مليشيات "شيعية" للجيش العراقي، ومنع ضم الصحوات "سنة"، التي حاربت إلى جانبه تنظيم القاعدة في الأنبار بخاصة. ووضع مفاصل الدولة ومعظم المسؤوليات المهمة بيد "الشيعة"، ولما احتج "السنة" على تحيزه لاتباع مذهبه وظلمه وتهميشه لهم ولمناطقهم، ونظموا اعتصامات سلمية، لم يستجب المالكي لمطالب المعتصمين وحسب، بل فض تلك الاعتصامات بالقوة، وقتل عشرات المعتصمين، وشن حربه الأخيرة على مدن الأنبار الأمر الذي جعل "السنة" يستجيبون لدعوى زعمائهم للشروع بتأسيس كيان لهم للتخلص من حكم المالكي، فوقع الناس في فخ تجزئة العراق فعلياً بدعوى الفدرالية، بعد أن كانوا يحاربون ذلك بكل قوة، بل إنه قبل الانتخابات الأخيرة دعا مجلس علماء العراق إلى اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم عازياً ذلك لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش. ومما جاء في البيان "على الناخب اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الأقاليم لخلاص أهل السنة من الظلم والتهميش".
وبذلك نجح الأميركان، الذين يملكون أكبر سفارة في العالم ببغداد، والذين يملكون النفوذ والسلطة الفعلية أن يديروا اللعبة من خلال عميلهم المالكي وعملائهم من زعماء "السنة" و"الشيعة" ببراعة تامة، وغدا من يعارضون الفدرالية _والتي تعني في منطقتنا مقدمة للتقسيم والانفصال التام_ يطالبون بها، متذرعين بعدم القدرة على التعايش في ظل نظام الوحدة. بل إن بعض منظري الفدرالية باتوا يسوقون نظام الأقاليم الفدرالي بأنه هو الذي سيحفظ وحدة العراق في بلد يحتوي على ثلاث ثقافات (الأكراد، والسنة، والشيعة)!! وكأن مسلمي العراق من كرد وعرب وسنة وشيعة كانت لهم ثقافة غير الثقافة الإسلامية، بل وكأن مسلمي العراق لم يعيشوا قروناً طويلة في ظل الخلافة الإسلامية التي كان العراق برمته جزءاً من كيانها.
أيها المسلمون..
إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد تم اتخاذه في أحداث العراق الأخيرة واجهة لسببين رئيسيين هما:
أولاً: تأجيج الصراع المذهبي بين المسلمين "السنة" و"الشيعة" وذلك لاستسهالهم التكفير عموماً ولتكفيرهم "الشيعة" خصوصاً، وعدم تورعهم _للأسف_ عن القتل والترويع بحجة الرد على ممارسات من يكفروا "السنة" والانتقام من ظلم المالكي ورجاله.
ومن خلال احتضان بعض "السنة" لـ(داعش) التي ساعدتهم في الأنبار على قتال المالكي، وظهرت كعنوان بارز في التخلص من حكمه لبعض مناطقهم ومع تركز الصراع الدموي فإن ذلك سيدفع إلى سرعة الحصول على مخرج يوقف القتل والدمار والتشريد، مما يجعل عند أطراف النزاع (المفتعل) ضرورة القبول عن قناعة بالتقسيم والفصل، والتي سيكون الحل الفدرالي حتى لغير القانعين به أهون الشرور.
ثانياً: يبدو أن هناك هدفاً لا يزال في طور التقييم لدى الإدارة الأميركية، وهو السماح لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بإعلان خلافة إسلامية في بعض الأراضي العراقية والسورية، والهدف من وجود مثل هذا الكيان بقيادة تنظيم الدولة هو تكريس العداء بين "السنة" و"الشيعة"، مما يحرض على تعزيز الهلال الشيعي، ويعزز استنساخ هلال سني بالمقابل، وبذلك تضمن أميركا إضعاف المسلمين وتفريق كلمتهم. والأخطر استعدائهم لبعضهم لدرجة الاحتراب لإشغالهم عن صعيد صراع المسلمين الحقيقي مع الكفار وعلى رأسهم أميركا.
والهدف الأخطر هو تحطيم تطلع المسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الإسلامية في بقعة معزولة وقابلة للتدمير بعد تصوير ما يتطلع إليه المسلمون لحمل رسالة ربهم، وإنقاذ أنفسهم من قبضة أميركا والغرب الكافرين، بأنه همجية وتخلف. بل قد تجعل المسلمين يتمنون القضاء على دولة (داعش) وبذلك تحطم أميركا المجرمة ومن ورائها الغرب الكافر، آمال المسلمين بالخلافة، ويقضون على كثير من شباب المسلمين الممتلئين حماساً لعزة دينهم والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته.
ويتزامن صعود (داعش) مع تحذير يلفت الأنظار لمستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي محمد الابياري في تغريدة له على موقع "تويتر" من قيام خلافة إسلامية، مؤكداً أن الخيار الوحيد _على حد قوله_للولايات المتحدة هو احتواؤها لجعلها مثل الاتحاد الأوروبي، وقال: "كما قلت من قبل إن عودة الخلافة أمر حتمي .. والخيار الوحيد أن ندعم رؤية تجعلها مثل الاتحاد الأوروبي ..". وذِكْر الاتحاد الأوروبي هنا يبدو أن الغاية منه تخويفَ أوروبا من الخطر القادم إلى جوارها وحرصها على عدم الانفكاك من الهيمنة الأميركية.
أيها المسلمون..
إن الإسلام نظامُ وحدة وليس نظاماً اتحادياً، والإسلام الذي فرض الوحدة لا يفرِّق بين الأعراق والألوان، ويعتبر أتباع المذاهب الإسلامية من شافعية أو إباضية أو زيدية أو جعفرية أو غير ذلك مسلمين لا يصح أن يفصل بينهم حدٌّ.
أما الفدرالية فتعني أن يكون لكل إقليم قوانينه ودستوره بما لا يتعارض مع دستور الاتحاد، والتي تعني في منطقتنا التأسيس للانفصال، وخير شاهد على ذلك ما يتم التهيئة له لاستقلال كردستان العراق، والذين وجدوا فرصة مناسبة في دعم إنشاء كيان "سني" لزيادة إضعاف المركز وتحقيق مكاسب لهم على الأرض.
وإذا كان هناك تخوف من استقلال كردستان العراق في المستقبل القريب من جمهورية العراق الفدرالية بعد أن ضلل الكفارُ الأكرادَ المسلمين بالنزعة القومية والتطلع إلى إنشاء كيانٍ خاص بهم، أفلا يكون هناك تخوف أكبر من انفصال "السنة" و"الشيعة" بعد كل هذا التأزيم والتحريض في المساجد والحسينيات وعبر الفضائيات الموجهة من الكفار وأدواتهم حتى وصل الأمر إلى الاحتراب الشديد واستهانة المسلم في سفك دم أخيه المسلم؟!!
أيها المسلمون..
لقد بان للعيان أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي انطلقت أميركا في تنفيذه في بلاد المسلمين ما هو إلا استمرار في الاستعمار والهيمنة وبسط النفوذ، ولكن هذه المرة عن طريق صياغة الشعوب لتطالب هي بما يريده الغرب الكافر تحت عناوين الديمقراطية والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الحماية للأقليات. وهي إذ تضع المنطقة أمام خطر التقسيم فإنها تستعمل أهل البلاد من أجل تحقيق غايتها تحت عنوان الفدرالية كما يحدث اليوم في العراق والذي يعتبر استكمالاً لما بدأته منذ سنوات.
إن أميركا تسير قدماً في إتمام ما بدأته منذ 2005م من تقسيم للعراق وتفتيته إلى كيانات هزيلة على أساس طائفي وعرقي، وذلك من خلال تحريك أدواتها من مختلف المليشيات والطوائف للتهديد بالحرب الأهلية الدموية مرة أخرى، بعد أن فعلت ذلك سابقاً مراراً وتكراراً. فهي تعمل على إيجاد رأي عام قوي في صفوف الجميع من عرب سنة وأكراد وشيعة وتركمان باستحالة العيش معاً في منطقة واحدة مما يمهد لتطبيق الفدرالية التي جاء بها دستور بريمر حتى بعد تعديله.
أيها المسلمون..
إن الكفار يكيدون للمسلمين، ويتسابقون على زيادة إضعافهم بفتنتهم وتفتيت بلادهم على أسس مذهبية وعرقية بعد أن نجحوا في إضعافهم بهدم دولتهم وتقسيم بلادهم على أسس جغرافية، وكما تفرَّقت كلمتهم بالأمس القريب واستطاع الكفار أن يقيموا بينهم حدوداً ويجعلوا لهم أعلاماً وجيوشاً تحمي تلك الحدود الزائفة، فإنهم الآن يريدون زيادة تفريق كلمة المسلمين بالتفتيت على أسس مذهبية وعرقية بتضليل المسلمين مرة أخرى وجعلهم في منأى عن عودة عزتهم وكرامتهم وفخرهم بحمل رسالة ربهم، بل إن الكفار أصبحوا يكتفون بتحريض المسلمين على قتل بعضهم البعض ليقفوا متفرجين شامتين بالمسلمين وهم يَذبحون بعضهم ويُخربون بيوتهم بأيديهم، ويمدُّون كل فريق بالسلاح المدفوع الثمن من مقدرات بلاد المسلمين.
أيها المسلمون..
لقد أهَلَّ علينا رمضان الكريم شهر القرآن الذي أمرنا الله فيه بالاعتصام بدينه وعدم التفرق فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وأمرنا أن لا نجعل للخلاف والتنازع طريقاً بيننا فقال: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وأمرنا أن لا تغمض أبصارنا وبصائرنا فنركن إلى الكفار فقال: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، وبشرنا أن كيد الكفار سينتهي وأنهم سيُغلبون فقال: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
وغلبة المؤمنين إنما تكون بنصرهم لله {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} والعاقبة تكون للمتقين الذين يدركون أحكام شرع ربهم الذي حرّم عليهم قتل بعضهم بعضاً وتخريب بيوتهم بأيديهم، وتكون باتقائهم لله بأن يبتعدوا عن فتنة الشيطان وأتباعه لهم، بل يحملون غيرهم من المسلمين على نبذ الفرقة والفتنة وعدم الوقوع في فخاخ الكفار الأميركان وأدواتهم، والعمل على محاربة ومكافحة أبواق الفتنة ومريدي تفريق صفوف المسلمين، الذين نصَّبوا أنفسهم لخدمة أعداء الله في إضعاف المسلمين حتى لا يرجعوا أسياد العالم بإسلامهم ومنارة هدى للبشر من ضلالات أميركا والغرب وبضاعتهم العلمانية الفاسدة ورأسماليتهم العفنة التي خلفت الشقاء لهم وللعالم.
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
وقال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}
30/شعبان/1435هـ حزب التحرير
28/6/2014