أبو محمد
23-05-2009, 05:12 PM
السلام عليكم
هذا الموضوع من كتاب لمسات بيانية، نصوص من التنزيل للدكتور السامرائي
لماذا قال الله تعالى أعطيناك ولم يقل آتيناك؟
سورة الكوثر تأتي بعد سورة الماعون (أرأيت الذي يكذب بالدين..)
وهي تقابل هذه السورة من نواحي عديدة:
سورة الكوثر سورة الماعون
إنا أعطيناك الكوثرفصل لربك وانحر(المقصود بالنحر التصدق) أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
فصل لربك وانحر (أمر بالصلاة ودوام عليها) فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون (سهو عن الصلاة)
فصل لربك وانحر (إخلاص الصلاة لله) الذين هم يرآؤون (مرآءاة في الصلاة)
إنا أعطيناك الكوثر (الكوثر نهر في الجنة وهذا تصديق بيوم الدين والجزاء) الذي يكذب بيوم الدين (لا يصدق بالجزاء ويوم الدين)
إن شانئك هو الأبتر (والأبتر هو من انقطع عمله من كل خير كل الصفات في هذه السورة تدل على الأبتر لأنه انقطع الخير عنه فهو الأبتر حقيقة (يكذب بيوم الدين, لا يدع اليتيم، لا يحض على طعام المسكين، ...)
وسورة الكوثر هي انجاز لما وعد الله تعالى رسوله في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) في سورة الضحى وعد من الله بالإعطاء وفي سورة الكوثر عطاء وتحقق العطاء. وفي سورة الكوثر قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) وإنا تفيد التوكيد وفي سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ولسوف تفيد التوكيد أيضاً. وفي سورة الكوثر (فصل لربك وانحر) وفي الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) اي فصل لربك الذي وعدك بان يعطيك وأنجز الوعد.
إنا أعطيناك: في بناء الآية لغوياً يوجد تقديم الضمير إنا على الفعل أعطيناك وهو تقديم مؤكد تأكيد بـ (إن) وتقديم أيضاً. فلماذا قدم الضمير إنا؟ أهم أغراض التقديم هو الاهتمام والاختصاص.
فعندما نقول أنا فعلت بمعنى فعلته أنا لا غيري (اختصاص)
وأنه خلق الزوجين ...ونوحاً هدينا من قبل.. (تفيد الاهتمام)
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان...(تفيد الاهتمام ) لم يقصر السماع عليهم وحدهم إنما سمع غيرهم أيضاً.
في الآية إنا أعطيناك الكوثر يوجد الأمران: الاختصاص والاهتمام ؛ فالله تعالى أعطى نبيه الكوثر اختصاصاً له وليس لأحد سواه وللإهتمام أيضاً وإذا كان ربه هو الذي أعطاه حصرا فلا يمكن لأي أحد أن ينزع ما أعطاه الله من حيث التأكيد في تركيب الجملة.
إنا: ضمير التعظيم ومؤكد
أعطيناك: لماذا لم يقل آتيناك؟
هناك تقارب صوتي بين آتى وأعطى وتقارب من حيث المعنى أيضاً لكن آتى تستعمل لما هو أوسع من أعطى في اللغة فقد يتقاربان.
آتى تستعمل لأعطى وما لا يصح لأعطى (يؤتي الحكمة من يشاء) (ولقد آتينا موسى تسع آيات) ( وآتيناهم ملكاً عظيماً). آتى تستعمل للرحمة، للحكمة، للأموال (وآتى المال على حبه) وتستعمل للرشد (وآتينا إبراهيم رشده). آتى تستعمل عادة للأمور المعنوية (لقد آتيناك من لدنا ذكرا) وقد تستعمل للأمور المادية أيضاً.
أما أعطى فهي تستعمل في الأمور المادية فقط (وأعطى قليلاً وأكدى) (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى)
إذن آتى تستعمل للأموال وغير الأموال وأكثر استعمالها للأمور الواسعة والعظيمة كالملك والرشد والحكمة.
وأعطى للتخصيص على الأغلب وهناك أمور لا يصح فيها استعمال أعطى أصلا كالحكمة والرشد.
وما دامت كلمة آتى أوسع استعمالا فلماذا إذن لم يستعمل آتى بدل أعطى؟
الإيتاء يشمله النزع بمعنى انه ليس تمليكا إنما العطاء تمليك. والإيتاء ليس بالضرورة تمليكا (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) (وآتيناه من الكنوز....ثم خسفنا به وبداره الأرض) إذن الإيتاء يشمله النزع أما العطاء فهو تمليك. في الملك يستعمل الإيتاء لأنه قد ينزعه سبحانه أما العطاء فهو للتمليك وبما انه تمليك للشخص فله حق التصرف فيه وليس له ذلك في الإيتاء. (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي.... هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) أي بما انه عطاء من الله تعالى لسيدنا سليمان فله حق التصرف في عطاء الله له.
وقد يكون الإيتاء آية فليس للنبي حق التصرف بها بل عليه تبليغها ورب العالمين ملك رسوله r الكوثر وأعطاه إياه تمليكاً له أن يتصرف فيه كيفما شاء.
لماذا قال تعالى الكوثر ولم يقل الكثير؟
الكوثر من صفات المبالغة تفيد (فوعل وفيعل) تدل على المبالغة المفرطة في الخير. وقيل عن الكوثر انه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيره وكل ما قيل يشمل الخير الذي أعطاه الله تعالى لرسوله r فهو كوثر ومن الكوثر أي الخير الذي انعم الله تعالى على رسوله به.
والكوثر يدل على الكثرة المفرطة في الشيء والفرق بين الكوثر والكثير ان الكوثر قد تكون صفة وقد تكون ذاتاً أما الكثير فهي صفة فقط. وكون الكوثر صفة يدل على الخير الكثير وليس على الكثرة (الكثير هو الكثرة) ولكن الكوثر تدل على الخير الكثير والكثرة قد تكون في الخير وغيره. فالكوثر هو بالإضافة إلى الكثرة المفرطة فهو في الخير خصوصاً. وقد تكون الكوثر الذات الموصوفة بالخير (يقال أقبل السيد الكوثر أي السيد الكثير الخير و العطاء) ولا يقال اقبل الكثير. النهر عادة هو ذات ولكنه ذات موصوف بكثرة الخير. فالكوثر أولى من الكثير لما فيه من الكثرة المفرطة مع الخير وهناك قراءة للآية (الكيثر) وهي صفة مشابهة مثل الفيصل.
والواو أقوى من الياء فأعطى الله تعالى الوصف الأقوى وهو الكوثر وليس الكثير. وفي هذه الآية حذف للموصوف فلم يقل تعالى ماءً كوثراً ولا مالاً كوثراً وإنما قال الكوثر فقط لإطلاق الخير كله.
وعندما عرف الكوثر بأل التعريف دخل في معناها النهر ولو قال كوثر لما دخل النهر فيه لكن حذف الموصوف أفاد الإطلاق وجمع كل الخير.
وعندما أعطى الله تعالى رسوله r الخير المطلق والكثير فهو في حاجة للتوكيد والتعظيم ولذلك قال إنا مع ضمير التعظيم لأنه يتناسب مع الخير الكثير والمطلق وناسبه التوكيد أيضاً في إنا.
- قوله ( فصل لربك وانحر )
لماذا لم يقل سبحانه وتعالى فصل لنا أو صل لله ولماذا قال انحر ولم يقل ضحي أو اذبح.
بعد أن بشر الله تعالى رسوله r بإعطائه الكوثر جاء السبب بالفاء أي أراد منه أن يشكر النعمة التي أعطاه إياها ، ينبغي تلقي النعم بالشكر ولم يقل له فاشكر لان الشكر قد يكون قليلاً أو كثيراً فلو قال الحمد لله فقط لكان شاكراً لكن هذا الأمر الكبير والعطاء الكبير يستوجب الحمد الكثير ولذا طلب الله تعالى من رسوله r شيئين الأول يتعلق بالله تعالى وهو الصلاة والثاني يتعلق بالعباد وهو النحر. والصلاة أعظم ركن من أركان الإسلام وهو أعلى درجات الشكر لله والنحر وفيه إعطاء خلق الله والشفقة بخلق الله. فشكر النعم يكون بأمرين شكر الله والإحسان إلى خلقه من الشكر أيضاً وعندما نحسن إلى خلق الله يكون هذا من شكر نعم الله.
وقدم الله تعالى الصلاة على النحر لأن الصلاة أهم من النحر وهي ركن من أركان الإسلام وأول ما يسأل العبد عنه يوم الحساب والمفروض أن تكون خمس مرات في اليوم والليلة ولهذا فهي أعم من النحر لأن النحر يكون مع التمكن المادي فقط في حين أن الصلاة لا تسقط عن العباد في أي حال من الأحوال من مرض أو فقر أو غيره. وقد وردت الصلاة في القرآن على عدة صور فهي إن كانت من الله تعالى فهي رحمة ، ومن الرسول r دعاء ، ومن العباد عبادة وقول وفعل وحركة الصلاة. وكلما ورد ذكر الصلاة والزكاة في القرآن تتقدم الصلاة على الزكاة لأنها أعم وأهم.
فصل لربك: لماذا لم يقل فصل لله أو فصل لنا؟
اللام في (لربك) تفيد الاختصاص والقصد أن الصلاة لا تكون إلا لله وحده وهي مقابلة لما ورد في ذكر المرائين في الصلاة في سورة الماعون (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآؤون ويمنعون الماعون) أما في سورة الكوثر فجاءت فصل لربك أي داوم على الصلاة لربك وليس كالمرائين.
لماذا لم يقل فصل لنا؟ في اللغة تسمى التفات من الغيبة إلى الحضور أو العكس. الصلاة تكون للرب وليس للمعطي فإذا قال فصل لنا لأفاد أن الصلاة تكون للمعطي ولكن الصحيح أن المعطي له الشكر فقط وليس الصلاة حتى لا يتوهم أن الصلاة تكون لأي معطي والصلاة حق لله وحده إنما المعطي له الشكر فقط. وكذلك قال تعالى إنا أعطيناك باستخدام ضمير التعظيم فلو قال فصل لنا لأوهم انه فيه شرك (انه تعالى له شريك والعياذ بالله) أو انه يمكن استخدام ضمير التعظيم للجمع
ملاحظة: في القرآن كله لا يوجد موضع ذكر فيه ضمير التعظيم إلا سبقه أو تبعه إفراد بما يفيد وحدانية الله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ...إنا لله وإنا إليه راجعون) (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك....وإلى ربك فارغب) ولم يقل والينا فارغب. وهكذا يتبين انه لم يذكر ضمير التعظيم في القرآن كله إلا سبقه أو تبعه ما يدل على الإفراد تجنباً للشرك.
واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله (فصل لربك ولم يقل فصل لله) هذه الآية انجاز لما وعد الله تعالى رسوله r في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومعناها صل لربك الذي أنجز الوعد الذي وعدك إياه. والعطاء من الرعاية ولم يرد في القرآن كله لفظ العطاء إلا مع لفظ الرب (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا) (جزاء من ربك عطاء حسابا) لم تقترن كلمة العطاء في القرآن كله بغير لفظ الرب، والرب هو المربي والمعطي والقيم.
لماذا قال : ( وانحر ) ولم يقل واذبح؟
النحر في اللغة : يتعلق بنحر الإبل فقط ولا تستعمل مع غير الإبل. يقال ذبح الشاة وقد يستعمل الذبح للجميع وللبقر والطيور والشاة والإبل لكن النحر خاص بالإبل لأنها تنحر من نحرها فأراد الله تعالى أن يتصدق بأعز الأشياء عند العرب فلو قال اذبح لكان جائزاً أن يذبح طيراً أو غير ذلك ومعروف أن الإبل من خيار أموال العرب. وبما أن الله تعالى أعطى رسوله r الخير الكثير والكوثر فلا يناسب هذا العطاء الكبير أن يكون الشكر عليه قليلاً لذا اختار الصلاة والنحر وهما أعظم أنواع الشكر.
لماذا لم يقل وتصدق؟
الصدقة تشمل القليل والكثير فلو تصدق احدهم بدرهم أو بطير لكفى المعنى ولكن الله تعالى أراد التصدق بخير الأموال ليتناسب مع العطاء الكثير.
لماذا لم يقل وزكي؟
الرسول r لم يكن يملك النصاب للزكاة أصلاً فهي غير واردة على الإطلاق ثم إن الزكاة تجب مرة واحدة في العام وبنسبة 2.5 % فقط ولما اختلف عما فرضه الله تعالى على المسلمين جميعاً ولن تكون شكراً خاصاً لله تعالى على عطائه الكثير ألا وهو الكوثر.
هذا الموضوع من كتاب لمسات بيانية، نصوص من التنزيل للدكتور السامرائي
لماذا قال الله تعالى أعطيناك ولم يقل آتيناك؟
سورة الكوثر تأتي بعد سورة الماعون (أرأيت الذي يكذب بالدين..)
وهي تقابل هذه السورة من نواحي عديدة:
سورة الكوثر سورة الماعون
إنا أعطيناك الكوثرفصل لربك وانحر(المقصود بالنحر التصدق) أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
فصل لربك وانحر (أمر بالصلاة ودوام عليها) فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون (سهو عن الصلاة)
فصل لربك وانحر (إخلاص الصلاة لله) الذين هم يرآؤون (مرآءاة في الصلاة)
إنا أعطيناك الكوثر (الكوثر نهر في الجنة وهذا تصديق بيوم الدين والجزاء) الذي يكذب بيوم الدين (لا يصدق بالجزاء ويوم الدين)
إن شانئك هو الأبتر (والأبتر هو من انقطع عمله من كل خير كل الصفات في هذه السورة تدل على الأبتر لأنه انقطع الخير عنه فهو الأبتر حقيقة (يكذب بيوم الدين, لا يدع اليتيم، لا يحض على طعام المسكين، ...)
وسورة الكوثر هي انجاز لما وعد الله تعالى رسوله في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) في سورة الضحى وعد من الله بالإعطاء وفي سورة الكوثر عطاء وتحقق العطاء. وفي سورة الكوثر قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) وإنا تفيد التوكيد وفي سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ولسوف تفيد التوكيد أيضاً. وفي سورة الكوثر (فصل لربك وانحر) وفي الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) اي فصل لربك الذي وعدك بان يعطيك وأنجز الوعد.
إنا أعطيناك: في بناء الآية لغوياً يوجد تقديم الضمير إنا على الفعل أعطيناك وهو تقديم مؤكد تأكيد بـ (إن) وتقديم أيضاً. فلماذا قدم الضمير إنا؟ أهم أغراض التقديم هو الاهتمام والاختصاص.
فعندما نقول أنا فعلت بمعنى فعلته أنا لا غيري (اختصاص)
وأنه خلق الزوجين ...ونوحاً هدينا من قبل.. (تفيد الاهتمام)
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان...(تفيد الاهتمام ) لم يقصر السماع عليهم وحدهم إنما سمع غيرهم أيضاً.
في الآية إنا أعطيناك الكوثر يوجد الأمران: الاختصاص والاهتمام ؛ فالله تعالى أعطى نبيه الكوثر اختصاصاً له وليس لأحد سواه وللإهتمام أيضاً وإذا كان ربه هو الذي أعطاه حصرا فلا يمكن لأي أحد أن ينزع ما أعطاه الله من حيث التأكيد في تركيب الجملة.
إنا: ضمير التعظيم ومؤكد
أعطيناك: لماذا لم يقل آتيناك؟
هناك تقارب صوتي بين آتى وأعطى وتقارب من حيث المعنى أيضاً لكن آتى تستعمل لما هو أوسع من أعطى في اللغة فقد يتقاربان.
آتى تستعمل لأعطى وما لا يصح لأعطى (يؤتي الحكمة من يشاء) (ولقد آتينا موسى تسع آيات) ( وآتيناهم ملكاً عظيماً). آتى تستعمل للرحمة، للحكمة، للأموال (وآتى المال على حبه) وتستعمل للرشد (وآتينا إبراهيم رشده). آتى تستعمل عادة للأمور المعنوية (لقد آتيناك من لدنا ذكرا) وقد تستعمل للأمور المادية أيضاً.
أما أعطى فهي تستعمل في الأمور المادية فقط (وأعطى قليلاً وأكدى) (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى)
إذن آتى تستعمل للأموال وغير الأموال وأكثر استعمالها للأمور الواسعة والعظيمة كالملك والرشد والحكمة.
وأعطى للتخصيص على الأغلب وهناك أمور لا يصح فيها استعمال أعطى أصلا كالحكمة والرشد.
وما دامت كلمة آتى أوسع استعمالا فلماذا إذن لم يستعمل آتى بدل أعطى؟
الإيتاء يشمله النزع بمعنى انه ليس تمليكا إنما العطاء تمليك. والإيتاء ليس بالضرورة تمليكا (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) (وآتيناه من الكنوز....ثم خسفنا به وبداره الأرض) إذن الإيتاء يشمله النزع أما العطاء فهو تمليك. في الملك يستعمل الإيتاء لأنه قد ينزعه سبحانه أما العطاء فهو للتمليك وبما انه تمليك للشخص فله حق التصرف فيه وليس له ذلك في الإيتاء. (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي.... هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) أي بما انه عطاء من الله تعالى لسيدنا سليمان فله حق التصرف في عطاء الله له.
وقد يكون الإيتاء آية فليس للنبي حق التصرف بها بل عليه تبليغها ورب العالمين ملك رسوله r الكوثر وأعطاه إياه تمليكاً له أن يتصرف فيه كيفما شاء.
لماذا قال تعالى الكوثر ولم يقل الكثير؟
الكوثر من صفات المبالغة تفيد (فوعل وفيعل) تدل على المبالغة المفرطة في الخير. وقيل عن الكوثر انه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيره وكل ما قيل يشمل الخير الذي أعطاه الله تعالى لرسوله r فهو كوثر ومن الكوثر أي الخير الذي انعم الله تعالى على رسوله به.
والكوثر يدل على الكثرة المفرطة في الشيء والفرق بين الكوثر والكثير ان الكوثر قد تكون صفة وقد تكون ذاتاً أما الكثير فهي صفة فقط. وكون الكوثر صفة يدل على الخير الكثير وليس على الكثرة (الكثير هو الكثرة) ولكن الكوثر تدل على الخير الكثير والكثرة قد تكون في الخير وغيره. فالكوثر هو بالإضافة إلى الكثرة المفرطة فهو في الخير خصوصاً. وقد تكون الكوثر الذات الموصوفة بالخير (يقال أقبل السيد الكوثر أي السيد الكثير الخير و العطاء) ولا يقال اقبل الكثير. النهر عادة هو ذات ولكنه ذات موصوف بكثرة الخير. فالكوثر أولى من الكثير لما فيه من الكثرة المفرطة مع الخير وهناك قراءة للآية (الكيثر) وهي صفة مشابهة مثل الفيصل.
والواو أقوى من الياء فأعطى الله تعالى الوصف الأقوى وهو الكوثر وليس الكثير. وفي هذه الآية حذف للموصوف فلم يقل تعالى ماءً كوثراً ولا مالاً كوثراً وإنما قال الكوثر فقط لإطلاق الخير كله.
وعندما عرف الكوثر بأل التعريف دخل في معناها النهر ولو قال كوثر لما دخل النهر فيه لكن حذف الموصوف أفاد الإطلاق وجمع كل الخير.
وعندما أعطى الله تعالى رسوله r الخير المطلق والكثير فهو في حاجة للتوكيد والتعظيم ولذلك قال إنا مع ضمير التعظيم لأنه يتناسب مع الخير الكثير والمطلق وناسبه التوكيد أيضاً في إنا.
- قوله ( فصل لربك وانحر )
لماذا لم يقل سبحانه وتعالى فصل لنا أو صل لله ولماذا قال انحر ولم يقل ضحي أو اذبح.
بعد أن بشر الله تعالى رسوله r بإعطائه الكوثر جاء السبب بالفاء أي أراد منه أن يشكر النعمة التي أعطاه إياها ، ينبغي تلقي النعم بالشكر ولم يقل له فاشكر لان الشكر قد يكون قليلاً أو كثيراً فلو قال الحمد لله فقط لكان شاكراً لكن هذا الأمر الكبير والعطاء الكبير يستوجب الحمد الكثير ولذا طلب الله تعالى من رسوله r شيئين الأول يتعلق بالله تعالى وهو الصلاة والثاني يتعلق بالعباد وهو النحر. والصلاة أعظم ركن من أركان الإسلام وهو أعلى درجات الشكر لله والنحر وفيه إعطاء خلق الله والشفقة بخلق الله. فشكر النعم يكون بأمرين شكر الله والإحسان إلى خلقه من الشكر أيضاً وعندما نحسن إلى خلق الله يكون هذا من شكر نعم الله.
وقدم الله تعالى الصلاة على النحر لأن الصلاة أهم من النحر وهي ركن من أركان الإسلام وأول ما يسأل العبد عنه يوم الحساب والمفروض أن تكون خمس مرات في اليوم والليلة ولهذا فهي أعم من النحر لأن النحر يكون مع التمكن المادي فقط في حين أن الصلاة لا تسقط عن العباد في أي حال من الأحوال من مرض أو فقر أو غيره. وقد وردت الصلاة في القرآن على عدة صور فهي إن كانت من الله تعالى فهي رحمة ، ومن الرسول r دعاء ، ومن العباد عبادة وقول وفعل وحركة الصلاة. وكلما ورد ذكر الصلاة والزكاة في القرآن تتقدم الصلاة على الزكاة لأنها أعم وأهم.
فصل لربك: لماذا لم يقل فصل لله أو فصل لنا؟
اللام في (لربك) تفيد الاختصاص والقصد أن الصلاة لا تكون إلا لله وحده وهي مقابلة لما ورد في ذكر المرائين في الصلاة في سورة الماعون (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآؤون ويمنعون الماعون) أما في سورة الكوثر فجاءت فصل لربك أي داوم على الصلاة لربك وليس كالمرائين.
لماذا لم يقل فصل لنا؟ في اللغة تسمى التفات من الغيبة إلى الحضور أو العكس. الصلاة تكون للرب وليس للمعطي فإذا قال فصل لنا لأفاد أن الصلاة تكون للمعطي ولكن الصحيح أن المعطي له الشكر فقط وليس الصلاة حتى لا يتوهم أن الصلاة تكون لأي معطي والصلاة حق لله وحده إنما المعطي له الشكر فقط. وكذلك قال تعالى إنا أعطيناك باستخدام ضمير التعظيم فلو قال فصل لنا لأوهم انه فيه شرك (انه تعالى له شريك والعياذ بالله) أو انه يمكن استخدام ضمير التعظيم للجمع
ملاحظة: في القرآن كله لا يوجد موضع ذكر فيه ضمير التعظيم إلا سبقه أو تبعه إفراد بما يفيد وحدانية الله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ...إنا لله وإنا إليه راجعون) (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك....وإلى ربك فارغب) ولم يقل والينا فارغب. وهكذا يتبين انه لم يذكر ضمير التعظيم في القرآن كله إلا سبقه أو تبعه ما يدل على الإفراد تجنباً للشرك.
واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله (فصل لربك ولم يقل فصل لله) هذه الآية انجاز لما وعد الله تعالى رسوله r في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومعناها صل لربك الذي أنجز الوعد الذي وعدك إياه. والعطاء من الرعاية ولم يرد في القرآن كله لفظ العطاء إلا مع لفظ الرب (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا) (جزاء من ربك عطاء حسابا) لم تقترن كلمة العطاء في القرآن كله بغير لفظ الرب، والرب هو المربي والمعطي والقيم.
لماذا قال : ( وانحر ) ولم يقل واذبح؟
النحر في اللغة : يتعلق بنحر الإبل فقط ولا تستعمل مع غير الإبل. يقال ذبح الشاة وقد يستعمل الذبح للجميع وللبقر والطيور والشاة والإبل لكن النحر خاص بالإبل لأنها تنحر من نحرها فأراد الله تعالى أن يتصدق بأعز الأشياء عند العرب فلو قال اذبح لكان جائزاً أن يذبح طيراً أو غير ذلك ومعروف أن الإبل من خيار أموال العرب. وبما أن الله تعالى أعطى رسوله r الخير الكثير والكوثر فلا يناسب هذا العطاء الكبير أن يكون الشكر عليه قليلاً لذا اختار الصلاة والنحر وهما أعظم أنواع الشكر.
لماذا لم يقل وتصدق؟
الصدقة تشمل القليل والكثير فلو تصدق احدهم بدرهم أو بطير لكفى المعنى ولكن الله تعالى أراد التصدق بخير الأموال ليتناسب مع العطاء الكثير.
لماذا لم يقل وزكي؟
الرسول r لم يكن يملك النصاب للزكاة أصلاً فهي غير واردة على الإطلاق ثم إن الزكاة تجب مرة واحدة في العام وبنسبة 2.5 % فقط ولما اختلف عما فرضه الله تعالى على المسلمين جميعاً ولن تكون شكراً خاصاً لله تعالى على عطائه الكثير ألا وهو الكوثر.