المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لمسات بيانية في سورة الكوثر



أبو محمد
23-05-2009, 05:12 PM
السلام عليكم

هذا الموضوع من كتاب لمسات بيانية، نصوص من التنزيل للدكتور السامرائي

لماذا قال الله تعالى أعطيناك ولم يقل آتيناك؟
سورة الكوثر تأتي بعد سورة الماعون (أرأيت الذي يكذب بالدين..)
وهي تقابل هذه السورة من نواحي عديدة:
سورة الكوثر سورة الماعون
إنا أعطيناك الكوثرفصل لربك وانحر(المقصود بالنحر التصدق) أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
فصل لربك وانحر (أمر بالصلاة ودوام عليها) فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون (سهو عن الصلاة)
فصل لربك وانحر (إخلاص الصلاة لله) الذين هم يرآؤون (مرآءاة في الصلاة)
إنا أعطيناك الكوثر (الكوثر نهر في الجنة وهذا تصديق بيوم الدين والجزاء) الذي يكذب بيوم الدين (لا يصدق بالجزاء ويوم الدين)
إن شانئك هو الأبتر (والأبتر هو من انقطع عمله من كل خير كل الصفات في هذه السورة تدل على الأبتر لأنه انقطع الخير عنه فهو الأبتر حقيقة (يكذب بيوم الدين, لا يدع اليتيم، لا يحض على طعام المسكين، ...)
وسورة الكوثر هي انجاز لما وعد الله تعالى رسوله في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) في سورة الضحى وعد من الله بالإعطاء وفي سورة الكوثر عطاء وتحقق العطاء. وفي سورة الكوثر قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) وإنا تفيد التوكيد وفي سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ولسوف تفيد التوكيد أيضاً. وفي سورة الكوثر (فصل لربك وانحر) وفي الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) اي فصل لربك الذي وعدك بان يعطيك وأنجز الوعد.
إنا أعطيناك: في بناء الآية لغوياً يوجد تقديم الضمير إنا على الفعل أعطيناك وهو تقديم مؤكد تأكيد بـ (إن) وتقديم أيضاً. فلماذا قدم الضمير إنا؟ أهم أغراض التقديم هو الاهتمام والاختصاص.
فعندما نقول أنا فعلت بمعنى فعلته أنا لا غيري (اختصاص)
وأنه خلق الزوجين ...ونوحاً هدينا من قبل.. (تفيد الاهتمام)
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان...(تفيد الاهتمام ) لم يقصر السماع عليهم وحدهم إنما سمع غيرهم أيضاً.
في الآية إنا أعطيناك الكوثر يوجد الأمران: الاختصاص والاهتمام ؛ فالله تعالى أعطى نبيه الكوثر اختصاصاً له وليس لأحد سواه وللإهتمام أيضاً وإذا كان ربه هو الذي أعطاه حصرا فلا يمكن لأي أحد أن ينزع ما أعطاه الله من حيث التأكيد في تركيب الجملة.
إنا: ضمير التعظيم ومؤكد
أعطيناك: لماذا لم يقل آتيناك؟
هناك تقارب صوتي بين آتى وأعطى وتقارب من حيث المعنى أيضاً لكن آتى تستعمل لما هو أوسع من أعطى في اللغة فقد يتقاربان.
آتى تستعمل لأعطى وما لا يصح لأعطى (يؤتي الحكمة من يشاء) (ولقد آتينا موسى تسع آيات) ( وآتيناهم ملكاً عظيماً). آتى تستعمل للرحمة، للحكمة، للأموال (وآتى المال على حبه) وتستعمل للرشد (وآتينا إبراهيم رشده). آتى تستعمل عادة للأمور المعنوية (لقد آتيناك من لدنا ذكرا) وقد تستعمل للأمور المادية أيضاً.
أما أعطى فهي تستعمل في الأمور المادية فقط (وأعطى قليلاً وأكدى) (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى)
إذن آتى تستعمل للأموال وغير الأموال وأكثر استعمالها للأمور الواسعة والعظيمة كالملك والرشد والحكمة.
وأعطى للتخصيص على الأغلب وهناك أمور لا يصح فيها استعمال أعطى أصلا كالحكمة والرشد.
وما دامت كلمة آتى أوسع استعمالا فلماذا إذن لم يستعمل آتى بدل أعطى؟
الإيتاء يشمله النزع بمعنى انه ليس تمليكا إنما العطاء تمليك. والإيتاء ليس بالضرورة تمليكا (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) (وآتيناه من الكنوز....ثم خسفنا به وبداره الأرض) إذن الإيتاء يشمله النزع أما العطاء فهو تمليك. في الملك يستعمل الإيتاء لأنه قد ينزعه سبحانه أما العطاء فهو للتمليك وبما انه تمليك للشخص فله حق التصرف فيه وليس له ذلك في الإيتاء. (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي.... هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) أي بما انه عطاء من الله تعالى لسيدنا سليمان فله حق التصرف في عطاء الله له.
وقد يكون الإيتاء آية فليس للنبي حق التصرف بها بل عليه تبليغها ورب العالمين ملك رسوله r الكوثر وأعطاه إياه تمليكاً له أن يتصرف فيه كيفما شاء.
لماذا قال تعالى الكوثر ولم يقل الكثير؟
الكوثر من صفات المبالغة تفيد (فوعل وفيعل) تدل على المبالغة المفرطة في الخير. وقيل عن الكوثر انه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيره وكل ما قيل يشمل الخير الذي أعطاه الله تعالى لرسوله r فهو كوثر ومن الكوثر أي الخير الذي انعم الله تعالى على رسوله به.
والكوثر يدل على الكثرة المفرطة في الشيء والفرق بين الكوثر والكثير ان الكوثر قد تكون صفة وقد تكون ذاتاً أما الكثير فهي صفة فقط. وكون الكوثر صفة يدل على الخير الكثير وليس على الكثرة (الكثير هو الكثرة) ولكن الكوثر تدل على الخير الكثير والكثرة قد تكون في الخير وغيره. فالكوثر هو بالإضافة إلى الكثرة المفرطة فهو في الخير خصوصاً. وقد تكون الكوثر الذات الموصوفة بالخير (يقال أقبل السيد الكوثر أي السيد الكثير الخير و العطاء) ولا يقال اقبل الكثير. النهر عادة هو ذات ولكنه ذات موصوف بكثرة الخير. فالكوثر أولى من الكثير لما فيه من الكثرة المفرطة مع الخير وهناك قراءة للآية (الكيثر) وهي صفة مشابهة مثل الفيصل.
والواو أقوى من الياء فأعطى الله تعالى الوصف الأقوى وهو الكوثر وليس الكثير. وفي هذه الآية حذف للموصوف فلم يقل تعالى ماءً كوثراً ولا مالاً كوثراً وإنما قال الكوثر فقط لإطلاق الخير كله.
وعندما عرف الكوثر بأل التعريف دخل في معناها النهر ولو قال كوثر لما دخل النهر فيه لكن حذف الموصوف أفاد الإطلاق وجمع كل الخير.
وعندما أعطى الله تعالى رسوله r الخير المطلق والكثير فهو في حاجة للتوكيد والتعظيم ولذلك قال إنا مع ضمير التعظيم لأنه يتناسب مع الخير الكثير والمطلق وناسبه التوكيد أيضاً في إنا.
- قوله ( فصل لربك وانحر )
لماذا لم يقل سبحانه وتعالى فصل لنا أو صل لله ولماذا قال انحر ولم يقل ضحي أو اذبح.
بعد أن بشر الله تعالى رسوله r بإعطائه الكوثر جاء السبب بالفاء أي أراد منه أن يشكر النعمة التي أعطاه إياها ، ينبغي تلقي النعم بالشكر ولم يقل له فاشكر لان الشكر قد يكون قليلاً أو كثيراً فلو قال الحمد لله فقط لكان شاكراً لكن هذا الأمر الكبير والعطاء الكبير يستوجب الحمد الكثير ولذا طلب الله تعالى من رسوله r شيئين الأول يتعلق بالله تعالى وهو الصلاة والثاني يتعلق بالعباد وهو النحر. والصلاة أعظم ركن من أركان الإسلام وهو أعلى درجات الشكر لله والنحر وفيه إعطاء خلق الله والشفقة بخلق الله. فشكر النعم يكون بأمرين شكر الله والإحسان إلى خلقه من الشكر أيضاً وعندما نحسن إلى خلق الله يكون هذا من شكر نعم الله.
وقدم الله تعالى الصلاة على النحر لأن الصلاة أهم من النحر وهي ركن من أركان الإسلام وأول ما يسأل العبد عنه يوم الحساب والمفروض أن تكون خمس مرات في اليوم والليلة ولهذا فهي أعم من النحر لأن النحر يكون مع التمكن المادي فقط في حين أن الصلاة لا تسقط عن العباد في أي حال من الأحوال من مرض أو فقر أو غيره. وقد وردت الصلاة في القرآن على عدة صور فهي إن كانت من الله تعالى فهي رحمة ، ومن الرسول r دعاء ، ومن العباد عبادة وقول وفعل وحركة الصلاة. وكلما ورد ذكر الصلاة والزكاة في القرآن تتقدم الصلاة على الزكاة لأنها أعم وأهم.
فصل لربك: لماذا لم يقل فصل لله أو فصل لنا؟
اللام في (لربك) تفيد الاختصاص والقصد أن الصلاة لا تكون إلا لله وحده وهي مقابلة لما ورد في ذكر المرائين في الصلاة في سورة الماعون (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآؤون ويمنعون الماعون) أما في سورة الكوثر فجاءت فصل لربك أي داوم على الصلاة لربك وليس كالمرائين.
لماذا لم يقل فصل لنا؟ في اللغة تسمى التفات من الغيبة إلى الحضور أو العكس. الصلاة تكون للرب وليس للمعطي فإذا قال فصل لنا لأفاد أن الصلاة تكون للمعطي ولكن الصحيح أن المعطي له الشكر فقط وليس الصلاة حتى لا يتوهم أن الصلاة تكون لأي معطي والصلاة حق لله وحده إنما المعطي له الشكر فقط. وكذلك قال تعالى إنا أعطيناك باستخدام ضمير التعظيم فلو قال فصل لنا لأوهم انه فيه شرك (انه تعالى له شريك والعياذ بالله) أو انه يمكن استخدام ضمير التعظيم للجمع
ملاحظة: في القرآن كله لا يوجد موضع ذكر فيه ضمير التعظيم إلا سبقه أو تبعه إفراد بما يفيد وحدانية الله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ...إنا لله وإنا إليه راجعون) (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك....وإلى ربك فارغب) ولم يقل والينا فارغب. وهكذا يتبين انه لم يذكر ضمير التعظيم في القرآن كله إلا سبقه أو تبعه ما يدل على الإفراد تجنباً للشرك.
واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله (فصل لربك ولم يقل فصل لله) هذه الآية انجاز لما وعد الله تعالى رسوله r في سورة الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومعناها صل لربك الذي أنجز الوعد الذي وعدك إياه. والعطاء من الرعاية ولم يرد في القرآن كله لفظ العطاء إلا مع لفظ الرب (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا) (جزاء من ربك عطاء حسابا) لم تقترن كلمة العطاء في القرآن كله بغير لفظ الرب، والرب هو المربي والمعطي والقيم.
لماذا قال : ( وانحر ) ولم يقل واذبح؟
النحر في اللغة : يتعلق بنحر الإبل فقط ولا تستعمل مع غير الإبل. يقال ذبح الشاة وقد يستعمل الذبح للجميع وللبقر والطيور والشاة والإبل لكن النحر خاص بالإبل لأنها تنحر من نحرها فأراد الله تعالى أن يتصدق بأعز الأشياء عند العرب فلو قال اذبح لكان جائزاً أن يذبح طيراً أو غير ذلك ومعروف أن الإبل من خيار أموال العرب. وبما أن الله تعالى أعطى رسوله r الخير الكثير والكوثر فلا يناسب هذا العطاء الكبير أن يكون الشكر عليه قليلاً لذا اختار الصلاة والنحر وهما أعظم أنواع الشكر.
لماذا لم يقل وتصدق؟
الصدقة تشمل القليل والكثير فلو تصدق احدهم بدرهم أو بطير لكفى المعنى ولكن الله تعالى أراد التصدق بخير الأموال ليتناسب مع العطاء الكثير.
لماذا لم يقل وزكي؟
الرسول r لم يكن يملك النصاب للزكاة أصلاً فهي غير واردة على الإطلاق ثم إن الزكاة تجب مرة واحدة في العام وبنسبة 2.5 % فقط ولما اختلف عما فرضه الله تعالى على المسلمين جميعاً ولن تكون شكراً خاصاً لله تعالى على عطائه الكثير ألا وهو الكوثر.

أبو محمد
23-05-2009, 05:13 PM
لماذا لم يقل وضحى؟
الأضحية هي كل ما تصح به الأضحية الشرعية فلو ضحى بشاة لكفت ، والأضحية لها وقتها وهو أربعة أيام يوم النحر و أيام التشريق فقط والله تعالى لم يرد أن يحصر الشكر له على عطائه الكثير بأيام محددة.
اختلف المفسرون بالصلاة والنحر أهي صلاة العيد أو عامة الصلاة أو خاصة والمعنى في الآية (فصل لربك وانحر) تشمل كل هذه الحالات ففي العيد يكون النحر بعد الصلاة ولكن الكثير من المفسرين قالوا إنها عامة ويدخل فيها صلاة العيد والأضحية.
لماذا لم يقل فصل لربك وانحر لربك؟ أو انحر له؟
- إن المتعلق الأول لربك كأنما يغني عن المتعلق الثاني وهو ما يسمى بظهور المراد أي يفهم من الآية فصل لربك وانحر لربك .
- الصلاة أهم من النحر لأنها لا تسقط بأي حال من الأحوال فجعل المتعلق بما هو أهم والنحر لا يكون إلا مع الاستطاعة .
- الصلاة لا تكون إلا عبادة ولا تكون غير ذلك أما النحر فقد يكون إما للعبادة وقد يكون للأكل فقط وليست بهدف العبادة لذا النحر يختلف عن الصلاة. وإذا كان النحر عبادة فلا يكون إلا لله تعالى وملعون من ذبح لغير الله فلو قال وانحر لربك لألزم أن يكون النحر فقط عبادة ولما جاز لغير العبادة أبداً .
لماذا لم يقل وتقرب؟ القربان من التقرب ولقد ورد القربان مرة واحدة في القرآن الكريم في حادثة ابني آدم عليه السلام.
- قوله ( إن شانئك هو الأبتر )
نزلت هذه الآية لما مات ابني الرسول r فقالت قريش بتر محمد وإذا مات أبناء الشخص المذكور يقال له أبتر.
ما هو تعريف كلمة الأبتر وما معناها؟
الأبتر في اللغة لها عدة معاني:
1. كل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر
2. إذا مات أولاد الشخص الذكور أو ليس له أولاد ذكور أصلاً
3. الخاسر يسمى أبتر
من أشهر ما ذكر في أسباب النزول حادثة وفاة ابني الرسول r
هو الأبتر" يقال هو الغني لتفيد التخصيص. هو غني : أي هو من جملة الأغنياء.
أراد الله تعالى أن يخصص الشانئ بالأبتر ولم يقل إن شانئك هو أبتر. هو في الآية ضمير منفصل وتعريف الأبتر بأل التعريف حصر البتر بالشانئ تخصيصاً.
شنئان: بغض.
جعل الله تعالى مجرد بغض الرسول r هو خسارة وهذه خاصة لرسول الله r.
لم يقل عدوك هو الأبتر لأن مجرد الشنئان للرسول r هو بغض وخسارة ولو لم يعلن عداوته علناً (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن)
لماذا قال الأبتر ولم يقل المبتور؟
الأبتر صفة مشبهة على وزن أفعل تفيد الثبوت مثل الأحمر والأعرج والأسمر والأصلع.
المبتور صيغة فعول تدل على الحدوث فترة مثل مهموم ومحزون ومسرور ولا تدل على الثبوت بل تتحول.
فاستخدام الأبتر وجب بكل معاني البتر مع استمرارية هذه الصفة مع انقطاع ذريته حقيقة أو حكماً ويقال إن شانيء الرسول r انقطع نسله بتاتاً إما بانقطاع الذرية أصلاً أو بإسلام ذريته من بعده فلا يدعون لأبيهم الكافر أبداً فينقطع أيضاً ذريته وذكره بعد موته، فقد بتر من الذرية وبتر من الخير أيضاً (وورد أن شانيء الرسول r هو أبو جهل الذي اسلم أبناؤه كلهم وآمنوا بالله وبرسوله r).
لماذا لم يقل وجعلنا شانئك هو الأبتر او سنجعل شانئك هو الأبتر؟
الخير الكثير هو الذي يعطيه الله تعالى والعطاء يقاس بقدر العطاء وقيمته وبقدر المعطي فاذا كان المعطي عظيما كان العطاء عظيماً. من ناحية المعطي ليس هناك أعظم من الله تعالى والكوثر هو الخير الكثير اما الأبتر فهو ليس جعلاً إنما صفته الأصلية فهناك فرق بين جعل الإنسان بصفة معينة او انه كذلك بصفته الأصلية.
شانئك : من حيث البيان هي أقوى الألفاظ وفي قراءة (شنئك) تفيد أن الأبتر هو الذي بالغ في الشنئ. ارتبط آخر السورة بأولها فالله تعالى أعطى في أولها الكثير من الخير وفي المقابل جاءت كلمة الأبتر وهو الذي خسر كل شيء والذي انقطع أثره من كل خير مقابل الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى للرسول r.

الرسول r لم يخسر لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو ليس بالأبتر فالرسول r يذكر اسمه في كل ثانية وهذا خاص بسيدنا محمد r إنما الشانيء فهو الأبتر في الدنيا والآخرة وهو الخاسر مادياً ومعنوياً.
لما أمر الله تعالى رسوله r بالنحر (فصل لربك وانحر) مكنه من مئة من الإبل نحرها بعد نزول الآية شكراً لله تعالى على نعمه الكثيرة.

مؤمن
25-05-2009, 09:22 AM
يوجد بحث للزمخشري في هذه السورة بالذات على شكل كتيب موجود على النت أتمنى أن تقراه و تلخصه لنا أخي

أبو محمد
26-05-2009, 01:31 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرأت هذا الكتيب، ولكنه بلغة قديمة يحتاج إلى قراءة أكثر من مرة لأستطيع أن ألخصه.

تحياتي

muslem
26-05-2009, 01:57 AM
وجدت الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري
- فاضل السامرائي في منتدى الكتب المصورة
الرابط أسفله


http://www.4shared.com/file/97080852/260828c0/_____-____.html?cau2=403tNull

أبو محمد
27-05-2009, 12:21 AM
السلام عليكم ورحمة الله

لم أجد ما ألخصه في هذا الكتيب فرأيت أن أضعه كما هي لمن يرغب النظر فيه.

قال الإمام الزمخشري متكلما على اعجاز سورة الكوثر :


وأنا اضرب لك سورة الكوثر ـ وهي أقصر السور ـ مثالا أنصبه بين يديك ، وأجعله نصب عينيك ، فأنت أكيس الاكياس ، ومعك نهية كشعلة المقباس ، وتكفيك الرمزة وإن كانت خفية ، والتنبيهة وإن كانت غير جلية ، فكيف إذا ذللت بأنور من وضح الفلق ، وأشهر من شية الابلق .

أقول وبالله التوفيق : ورد على رسول الله صلى الله عليه وآله عن عدو الله العاص بن وائل ما يهدم مقاله ، ويهزم محاله ، وينفس عن رسوله ، وينيله نهاية سؤله ، فأوحى إليه سورة على صفة إيجاز واختصار ، وذلك ثلاث آيات قصار ، جمع فيها مالم يكن ليجتمع لاحد من فرسان الكلام ، الذين يخطمونه بالخطام ويقودونه بالزمام ، كسحبان وابن عجلان ، وأضرابهما من الخطباء المصاقع والبلغاء البواقع الذين تفسحت في هذا الباب خطاهم ، وتنفس في ميادينه مداهم .

انظر إلى العليم الحكيم كيف حذا ثلاث الآيات على عدد المسليات ، من إجلال محل رسول الله وإعلاء كعبه ؛ وإعطائه أقصى ما يؤمله عند ربه ، ومن الايعاز إليه أن يقبل على شأنه من أداء العبادة بالاخلاص ، وأن لا يحفل بما ورد عليه من ناحية العاص ، ولا يحيد عن التفويض إليه محيدا ، فلا يذره وائبا وحيدا ، ومن الغضب له بما فيه مسلاته من الكرب ، من إلصاق عار البتر بالكلب ، والاشعار بأن كان عدو الله بورا ، ولم يكن إلا هو صنبورا .



ثم انظر كيف نظمت النظم الانيق ، ورتبت الترتيب الرشيق ، حيث قدم منها ما يدفع الدعوى ويرفعها ، وما يقطع الشبهة ويقلعها ، ثم لما يجب أن يكون عنه مسببا ، وعليه مترتبا ، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع العدو في مغواته التي حفر ، وصليه بحر ناره التي سعر ، ومن الشهادة على إلصاقه بالسليم عيبه ، وتوريكه على البريء ذنبه .

وتأمل كيف أن من اسند إليه إسداء هذه العطية ، وإيتاه هذه الموهبة السنية ، هو ملك السماوات والارض ، ومالك البسط والقبض ، وكيف وسع العطية وكثرها ، وأسبغها ووفرها ، فدل بذلك على عظم طرفي المعطى ، وعلى جلال جنبي المسدي والمسدى ، وقد علم أنه إذا كان المعطي كبيرا ، كان العطاء كثيرا ، فيالها من نعمة مدلول على كمالها ، مشهود بجلالها .
وأراد بالكوثر أولاده إلى يوم القيامة من امته ، جاء في قراءة عبد الله : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم وأزواجه امهاتهم » وما أعطاه الله في الدارين من مزايا الاثرة ولتقديم في الدارين من مزايا الاثرة والتقديم ، ووضع في يديه من نواصي التفضيل والتكريم ، والثواب الذي لم يعرف إلا هو كنهه ، ولم يعط إلا الملك شبهه ، ومن جملة الكوثر ما اختصه به من النهر الذي حاله المسك ، ورضراضه التوم ، وعلى حافاته من أواني الذهب والفضة ما لا يعاده النجوم .

ثم تبصر كيف نكت في كل شيء تنكيتا ، يترك المنطيق سكيتا ، حيث بنى الفعل على المبتدأ فدل على الخصوصية ، وجمع ضمير المتكلم فأذن بعظم الربوبية ، وصدر الجملة المؤخرة على المخاطب أعظم القسم ، بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم ، ما ورد الفعل بالفظ الماضي ، على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة ، دلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع ، والمترقب من نعمائه بمنزلة الثابت النافع . وجاء بالكوثر محذوف الموصوف ، لان المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الابهام والشياع ، والتناول على طريق الاتساع ، واختار الصفة المؤذنة بافراط الكثرة ، المترجمة عن المعطيات الدثرة ، ثم بهذه الصفة مصدرة باللام المعرفة ، لتكون لما يوصف بها شاملة ، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة .
وعقب ذلك بفاء التعقيب ، مستعارة لمعنى التسبيب ، يشتقها معنيان ، صح تسبيب الانعام بالعطاء الاكثر ، للقيام بما يضاهيه من الشكر الاوفر ، وتسليمه لترك المبالاة بقول ابن وائل ، وامتثال قول الله عز من قائل ، وقصد باللامين التعريف بدين العاص وأشباهه ، ممن كانت عبادته ونحره لغير إلهه ، وتثبيت قدمي رسول الله على صراطه المستقيم ، وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم ، وأشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات ، وصنفي الطاعات ، أعني الاعمال البدنية التي الصلاة إمامها ، والمالية التي نحر البدن سنامها ، ونبه على ما لرسول الله من الاختصاص بالصلاة التي جعلت لعينه قرة وبنحر البدن التي كانت همته بها المشمخرة .

روينا بالاسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لابي جهل في أنفه برة من ذهب . وحذف اللام الاخرى لدلالته عليها بالاولى ، مع مراعاة حق التسجيع ، الذي هو من جملة صنعة البديع ، إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ، ولم يكن متكلفا أو مصنوعا ، كما ترى اسجاع القرآن وبعدها عن التعسف ، وبراءتها من التكلف .
وقال : « لربك » ، وفيه حسنان ، وروده على طريقة الالتفات التي هي ام من الامهات ، وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر ، وفيه إظهار لكبرياء شأنه ، وانافة لعزة سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء قولهم : يأمرك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة ، وينهاك أمير المؤمنين عن مخالفة الجماعة .

وعن عمر بن الخطاب (رض) أنه حين خطب الازدية أتى أهلها فقال لهم : خطب إليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم ، وسيد أهل المشرق حسن بن بجيلة ويخطب إليكم أمير المؤمنين ـ عنى نفسه ـ .
وعلم بهذه الصفة أن من حق العبادة أن يخص بها العباد ربهم ومالكهم ، ومن يتولى معايشهم ومهالكم ، وعرض بخطأ من سفه نفسه ونقض قضية لبه ، وعبد مربوبا وترك عبادة ربه .

وقال : « إن شانئك » فعلل الامر بالاقبال على شانه ، وقلة الاحتفال بشنآنه ، على سبيل الاستئناف ، الذي هو جنس حسن الموقع رائعه ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه ، ويتجه أن يجعلها جملة للاعتراض ، مرسلة إرسال الحكمة لخاتمة الاغراض ، كقوله تعالى : « إن خير من استأجرت القوي الامين » .

وعنى بالشانئ السهمي المرمي بسهمه ، وإنما ذكره بصفته لاباسمه ، ليتناول كل من كان في مثال حاله ، من كيده بدين الحق ومحاله ، وفيه أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ، ولم يقصد به الافصاح عن الحق ، ولم ينطق إلا عن الشنآن الذي هو توأم البغي والحسد ، وعن البغضاء التي هي نتيجة الغيظ والحرد ، وكذلك وسمه بما ينبئ عن المقت الاشد ، ويدل على حنق الخصم الالد ، وعرف الخبر ليتم له البتر ، كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور ، وأقحم الفصل لبيان أنه المعين لهذه النقيصة ، وأنه المشخص لهذه الغميصة ، وذلك كله مع علو مطلعها ، وتمام مقطعها ، ومجاوبة عجزها لهاديتها ، وسبيبها لناصيتها ، واتصافها بما هو طراز الامر كله من مجيئها ، مع كونها مشحونة بالنكت الجلائل ، مكتنزة بالمحاسن غير القلائل ، خالية من تصنع من يتناول التنكيت ، وتعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت ، وكأنها كلام من يرمي به على عواهنه ، ولا يتعمد إلى إبلاغ نكته ومحاسنه ، ولا يلقاك ذلك إلا في كلام رب العالمين ، ومدبر الكلام والمتكلمين ، فسبحان من لو أنزل هذه الواحدة وحدها ، ولم ينزل ما قبلها وما بعدها ، لكفى بها آية تغمر الاذهان ، ومعجزة توجب الاذعان ، فكيف بما أنزل من السبع الطوال ، وما وراءها إلى المفصل ، والمفصل ، يالها من معجزة كم معجزات في طيها ، عند كل ثلاث آيات تقر الالسن بعيها ، لو أراد الثقلان تسلية المغيظ المحنق ؛ لاخذت من أفاصحهم بالمخنق ، إن هموا بإنشاء سورة توازيها ، وثلاث آيات تدانيها . هيهات قبل ذلك يشيب الغراب ، ويسيب الماء كالسراب .