المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجلة صوت الأمة العدد الرابع عشر - الافتتاحية



عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


أمَا آن لنا أن نعي خطورة السير في ركاب أميركا الكافرة؟

في هذه الأوقات العصيبة ونحن نصطلي بنيران الكفار وأبواقه وعملائه تحت مظلة الخديعة الكبرى المتمثلة بالربيع العربي يجب أن نعي جميعاً أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل الآن على صياغة العقيدة القتالية لجيوش المسلمين لتتحول من قتال أعداء الأمة إلى مقاتلة الشعوب في الداخل تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب". فأميركا تريد نزع مصطلح "العدو" في الخارج من قاموس الجيوش وتحويله إلى القيام بـ"المهمات الاستراتيجية في الداخل".
وما اللقاءات والاتفاقيات الثنائية بين أميركا وتونس وأميركا والجزائر وأميركا وكل من المغرب والسعودية والعراق ومصر إلا من أجل ترسيخ هذا التفكير الجديد. وما تحويل القتال في أفغانستان من محاربة الأميركان إلى محاربة ما تسميه بالإرهاب، وما يحدث في الباكستان من حروب في واد سوات بوزيرستان بعد أن كان حرب الجيش الباكستاني ضد الاحتلال الهندي في كشمير، وما الحرب الجديدة في سيناء بمصر بعد أن كان العدو "اسرائيل"، وغير ذلك كثير، إلا من أجل جعل الجيوش تحارب أهلها وذويها وأقاربها.
إن أميركا تريد من جيوش المنطقة محاربة الشعوب في الداخل بالنيابة عنها إذا ما فكرت هذه الشعوب في الخروج عما رسمته أميركا لها من قبول عقيدة فصل الدين عن الحياة والسير في ركاب الديمقراطية الغربية... وما التفجيرات التي تستهدف الضباط والجنود في مصر أو العراق أو اليمن إلا من أجل غرس الكره والحقد والانتقام من عامة الناس في نفوس الضباط والجنود، وهي في أغلبها تفجيرات يقوم بها سذج مغفلون أو عملاء رخيصون في خدمة أهداف أميركا.
وما وجود "رجال" من أمثال محمد دحلان في سيناء إلا ليقوموا بهذه الاعمال القذرة بالتنسيق مع المخابرات العسكرية المصرية. وما وجود "رجال" يسمون أنفسهم بالجهاديين في الشعانبي بتونس أو في صحراء الجزائر أو ليبيا إلا ليقوموا بهذه الاعمال المشبوهة بالتنسيق مع المخابرات العسكرية الجزائرية وغيرها. وما وجود هذا القتل الرهيب والتفجير في كل من العراق وسوريا إلا من أجل صنع حواجز نفسية وعقلية كبيرة تفصل بين الجيوش والناس حتى يوجد لديهم الاستعداد لقتل عامة المسلمين بدم بارد...
هذه هي الخطوة الرهيبة التي يظهر للعيان مباشرة أميركا المجرمة السير بها في مشروعها للشرق الأوسط الكبير... وإنه وإن كانت بريطانيا سابقاً قد زرعت في الامة الاسلامية خنجرين مسمومين وهما "اسرائيل" و"دولة آل سعود"، فان أميركا تعمل على جعل جيوش المنطقة تحارب شعوبها بالوكالة عن جيوش الولايات المتحدة الأميركية... فهل آن الأوان لأبناء هذه الأمة الماجدة أن يعملوا سوياً وبمنتهى الجدية لإفشال مشاريع أميركا الكافرة في بلاد المسلمين؟

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:13 PM
التطورات الأخيرة في مصر

في خطاب مباشر يوم الأربعاء 26/3/2014 أعلن المشير عبدالفتاح السيسي استقالته من منصبه وعزمه الترشح لرئاسة مصر. وفي كلمة له أمام قوات التشكيل الجديد المسماة بـ"التدخل السريع" قال: "لدينا مهمة ثقيلة وشديدة"، وأضاف أن "التدخل السريع هي قوة لها قدرة كبيرة على التدخل السريع في أي مكان لحماية أهلنا في الداخل، وهي قوات مشكلة لمهام خاصة وخاصة جدا بل هي مهمات غير تقليدية".
فما هي قوات التدخل السريع التي أعلن عنها السيسي؟ وما هي مهماتها غير التقليدية هذه؟

حدود أهداف أميركا
يبدو أن أهداف الولايات المتحدة الأميركية من "الربيع العربي" لا تقف عند حد ترسيخ الحضارة الغربية ومفاهيمها من خلال تركيز الدولة المدنية في بلاد المسلمين، وهي لا تقف أيضاً عند فرض "التوافق الديمقراطي" الذي تريده من أجل منع أي تطلع للحكم بالإسلام. بل إن أميركا تعمل وبجدية من أجل جعل مهمة الجيوش تقتصر فقط على حماية هذه الدولة المدنية الكافرة وحراسة مؤسساتها من أي تحرك شعبي ضدها، أو بالأحرى هي تعمل على تغيير مهمة الجيش وجعلها مقتصرة على القتال الداخلي الموجه للشعب، ومن ثم يتم التخلي عن فكرة محاربة "إسرائيل" أو أي عدو خارجي.

تحديد مهمات قوات التدخل
في تحديد لمهمة قوات التدخل السريع التي أعلن عنها المشير عبدالفتاح السيسي، ذكر أنها مهمات خاصة وخاصة جداً وهي مهمات غير تقليدية؛ أي لم تعد مهمة الجيش محاربة "إسرائيل" أو تحرير فلسطين كما كان يعلن، بل مهمتها اليوم وبعد خديعة الربيع العربي هي حماية مشروع أميركا وهو الديمقراطية والحرية ومنع أي تهديد له ولو اقتضى الأمر محاربة الشعب.
فأميركا لا تسعى فقط لعزل الجيش عن الحياة السياسية، بل تعمل أيضاً على تغيير العقيدة القتالية عنده من خلال صرف طاقاته لقتال المسلمين عوضاً عن قتال الأعداء في الخارج. وهذا ما أشار إليه محمد البرادعي المقرَّب من دوائر المخابرات الأميركية حين قال في حوار مطول له في جريدة الشروق بتاريخ 1/9/2011: "الجيش عليه دور كبير اليوم والعالم يتغير، فهناك أخطار جديدة تواجه مصر والجيش غير الخطر التقليدي وهو إسرائيل، يتمثل في الجريمة المنظمة والإرهاب"، وأضاف "وما نراه في سيناء مؤخراً هو مثال ذلك".

صناعة "الإرهاب"
ومن خلال صناعة "الإرهاب" وهو الشعار الذي رفعته أميركا منذ 2001 وسار فيه حكام المنطقة، ومن خلال دعمه وحمايته وتوجيهه للقيام بتفجيرات تستهدف ثكنات الجيش أو مقرات الشرطة كما يحدث في سيناء وفي العديد من المحافظات المصرية، يتمكن عبدالفتاح السيسي من توفير ذريعة لدى الجندي والشرطي بمحاربة ما يسمى "الإرهاب". وبهذا الشكل يتم صرف طاقات الجيش والشرطة في القتال داخلياً؛ أي قتال أهل البلد اي ابناء الامة .
أما كيف يدعمون "الإرهاب" ويوفرون له الحماية؟ فيتم ذلك من خلال زرع أفراد مأجورين عملاء أو استغلال بعض السذج والبسطاء الذين يقومون بالتفجير والاعتداء تحت حماية المخابرات العسكرية، وهذا أسلوب قديم استعمله النظام الجزائري كثيراً خلال حقبة التسعينات.
وفي مصر تشير العديد من التقارير أن رجال محمد دحلان هم وراء أكثر الأحداث الجارية في شبه جزيرة سيناء بالتنسيق مع المخابرات العسكرية. فقد ورد على الجزيرة نت بتاريخ 29/3/2014 أن محمد دحلان القيادي السابق في حركة فتح له عناصر أمنية تابعة له في شبه الجزيرة، وهي متهمة بارتكاب مجزرة بحق جنود مصريين رغم أنهم يتحركون تحت أعين أجهزة الأمن.

لماذا السيسي؟
الجيش المصري جيش كبير ويملك الكثير من المؤسسات الاقتصادية ويتغلغل في قطاعات الدولة المختلفة، ومسألة إعادة هيكلته سواء من خلال فصل المؤسسة العسكرية عن المؤسسة السياسية، أو من خلال تغيير عقيدته القتالية بصرف طاقاته للحروب غير التقليدية أي في الداخل، هي مهمات صعبة وعسيرة، وهي تحتاج إلى الوقت وإلى رجل من صلب الجيش ويحظى بثقته وبثقة الأميركان؛ وهذا هو ما يتوفر في عبدالفتاح السيسي.
فهذا المشير يبذل جهوداً كبيرة في توريط الجيش المصري في الأعمال القذرة سواء في سيناء أو من خلال قمعه للمظاهرات وفضه العنيف للاعتصامات، وهو بفعله هذا يجعل الناس تكره المؤسسة العسكرية، مما يمهد لإقصائها من الحياة السياسية وتغيير عقيدتها القتالية. إن المشير عبدالفتاح السيسي يتعاون حتى مع اليهود من أجل تحقيق هذه الغاية الأميركية.
فقد ذكرت وكالة "قدس برس" أن مصادر أمنية مصرية كشفت لها فحوى لقاء جمع بين عسكريين مقربين ونظراء لهم من "إسرائيل". ومن بين ما تناولوه توصية الجانب المصري بغض الطرف عن رجال الامن التابعين للقيادي السابق من فتح محمد دحلان الموجودين في سيناء. كما كشف ذات المصدر عن زيارتين سريتين للمشير عبدالفتاح السيسي إلى "إسرائيل" التقى فيها برئيس الوزراء بنيامين ناتنياهو للتنسيق بين الطرفين على المستوى الأمني والسياسي. لذلك فإن السيسي هو المرشح الأبرز والكفء لتنفيذ السياسات الأميركية في مصر في المرحلة القادمة .
إن اسناد بعض المهام القذرة للجيش المصري من فض الاعتصامات وقمع المظاهرات وقتال الناس في سيناء بذريعة الإرهاب إنما هو من أجل ظهور نخبة من القيادات العسكرية الجديدة من الجيش تبتعد عن الدور السياسي وتتوجه نحو تركيز الدور الجديد وهو دور المهمات الخاصة التي هي محاربة المسلمين في الداخل بالوكالة عن المارينز الأميركي تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ومن ثم تثبيت الدولة المدنية والديمقراطية ومنع أي تطلع للناس نحو الاسلام.
ولمباشرة تنفيذ هذه الخطة فقد وقع إقرار قانون "الإرهاب" ورفعه للرئاسة، كما وقع تحديد مهمة الجيش المستقبلية وهي المهمات الخاصة والقتال غير التقليدي، كما وقع تشكيل قوات مسلحة أطلق عليها "التدخل السريع"، ويدور الحديث الآن حول ضرورة إيجاد "مجلس أمن قومي" يتكون من رئيس الدولة ووزير الخارجية والمخابرات ووزير الدفاع.

الدور الإقليمي للسيسي
على أن هناك دوراً هاماً للسيسي في البعد الإقليمي لا يصح إغفاله، سواء على صعيد محاصرة غزة للتضييق على أهلها وتغيير توجهاتهم المعادية لكيان اليهود ودعم توجه الحل الاستسلامي الذي تقوده المنظمة، وقد أثمر مؤخراً في اتفاق المصالحة الذي لم يكن لينجح لولا ضغط نظام السيسي وسماحه لموسى أبو مرزوق بالتوجه لغزة لإتمام المصالحة.
ومن جهة ثانية فإنه يلاحظ أن هناك دوراً للسيسي ليكون فزاعة للقوى السياسية "الإسلامية " في ليبيا، نقلت فوكس نيوز قبل بضعة أيام عن السيسي قوله بأن الغرب أخطأ بترك التنظيمات الإسلامية تنشط في ليبيا تزامن ذلك باتهامات مصرية بوجود جيش مصري حر في ليبيا وادعى مصطفى بكري أن الظواهري قد انتقل إلى ليبيا ورافق ذلك تصريحات لهيكل بأن لمصر حق في المنطقة الشرقية لليبيا وأن هناك مخاطر من قوة "الجهاديين" في مدينة درنة الحدودية. وعلت مطالب بالتدخل العسكري في الشرق الليبي لضرب التنظيمات "الجهادية" إلى جانب ما نشر عن علاقة المخابرات المصرية بمحاولة حفتر الانقلابية لصالح الليبراليين في ليبيا.
وحول الدور الإقليمي لمصر بقيادة السيسي فقد أشار السفير محمود سعد، سفير مصر بتشاد _في تصريحات صحفية_ أثناء زيارة محلب لتشاد بقوله إن الزيارة لها شق سياسى مهم وهو أن مصر تسعى لأن يكون لها دور مهم فى حفظ السلم والأمن الأفريقي في منطقة وسط أفريقيا لكي تكون قوة إقليمية مهمة، وبخاصة بعد الأحداث التي شهدتها ليبيا، مضيفاً أن تشاد من الدول القريبة من حدود مصر، بالإضافة إلى وجودها فى محيط عدة دول بها خريطة لجماعات الفكر المتشدد، الأمر الذي يحتم ضرورة ملء الفراغ بهذه المنطقة من قبل دولة بحجم مصر.

الحوار والمشاركة السياسية
أما على الساحة السياسية فرغم تواصل المظاهرات والاعتصامات التي يقوم بها الإخوان إلا أنه بدأت بعض الاصوات تتعالى بضرورة التفاوض والمصالحة مع الدولة. فقد قال عمرو عمارة المنسق العام لتحالف شباب الاخوان يوم الخميس 3/4/2014: "يجب على الدولة تقديم العون للشباب للاندماج في الحياة السياسية لتصحيح أخطاء الإخوان الذين أقصوا المجتمع بأكمله للسيطرة على الدولة".
وفي ذلك إشارة للاستعداد للحوار والمشاركة السياسية. وهو ما ورد أيضاً على لسان القيادي في جماعة الإخوان جمال حشمت في الوطن الإلكترونية يوم 22/3/2014 عندما قال: "إن الجماعة تسعى إلى الوصول لتوافق سياسي مع السلطات في مصر على غرار ما نجح فيه رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس"، وأضاف "سنضع أيدينا في يد كل ثوري محترم منحاز للديمقراطية والحريات".
إن الغاية من استبعاد الإخوان وعزل مرسي بدأت تتحقق على الأرض من خلال ظهور أصوات إما من داخل الجماعة أو منشقين عنها تبحث عن صفقة ترضي عودتهم للحياة السياسية والحكم. ويبدو أن معالمها بدأت تتوضح من خلال الإعلان عن قبول المشاركة في الحكم والتوافق والتخلي عن مطلب تطبيق الشريعة والقبول بالديمقراطية والدولة المدنية. وهذه هي الأهداف الرئيسية في المشروع الأميركي الخاص بالشرق الأوسط الكبير.
إن المشهد السياسي في مصر لم يعد يسمح باستمرار حكم العسكر أو طرف واحد، لذلك ليس أمام السيسي أو الأحزاب العلمانية الاستئصالية سوى الجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات.
وهو ما أشار إليه اللواء سامح سيف اليزل في مداخلة هاتفية على القناة الأولى المصرية يوم 3/4/2014 عندما قال: "لا توجد سلطة في الدولة المصرية سواء أكان الرئيس المؤقت أو الرئيس القادم أو الحكومة الحالية تستطيع أن تأخذ قرار التفاوض مع الإخوان. فالشعب المصري هم وحدهم أصحاب قرار التفاوض". وأضاف "هناك العديد من الامور التي يجب أن تتم من قبل جماعة الاخوان قبل التفكير في تفاوض الشعب المصري معهم"، وذلك في إشارة لضرورة القبول بالديمقراطية التشاركية وعدم إقصاء الآخرين والتخلي عن المطالبة بتطبيق الشريعة.
لقد صارت الأخبار في الآونة الأخيرة تتحدث كثيراً عن وجود اتصالات بين الدولة والإخوان لإيجاد مخرج للأزمة. ففي لقاء على قناة الجزيرة قال يوسف ندا مفوض العلاقات الدولية السابق لجماعة الإخوان "تلقيت اتصالاً منذ شهر تقريباً للوساطة بين سلطة الانقلاب وجماعة الإخوان لحل الأزمة القائمة في مصر وقلت للمتصل أنني لا أملك التفاوض لأني مجرد وسيط". ورغم نفي الحكومة المصرية وجود مثل هذه الاتصالات إلا أن تكرار الحديث عنها يكشف عن وجود بعض منها من أجل التهيئة لها بعد استكمال تنفيذ الشروط من الإخوان.
إن هذا التفاوض ضروري وخاصة أنه هو الضمان للسير في ترسيخ المفاهيم الغربية من ديمقراطية وحرية ودولة مدنية، وهي أهداف أميركية لا تتحقق إلا بتشريك الاخوان المسلمين أنفسهم؛ لأنهم وحدهم القادرون على التأثير على الشارع والجماهير. فالفئة العلمانية الاستئصالية لا تملك تأثيراً حقيقياً على الشعب بل هي منفصلة عنه فكراً وشعوراً وليس لها ذلك الحضور المطلوب في الشارع.
ولذلك قام الجيش المصري بما لم يستطع _العلمانيون_ القيام به من عزل مرسي. وكما أن الإخوان يريدون إنهاء الأزمة فكذلك هذه الفئة الاستئصالية هي أكثر حاجة لوجود الإخوان شريكاً لهم في الحكم، وهذا طبعاً من أهداف أميركا. فقد ورد في أخبار مصر الخامسة نقلاً عن بعض المصادر أن وزير التعليم العالي الدكتور وائل الدجوي يقوم بالتواصل مع الاخوان سرا من أجل المصالحة بينهم وبين الدولة.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:15 PM
إفراز قيادات اخوانية جديدة
إن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة "الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الكبير" تدفع بكل قوة من أجل إفراز قيادات جديدة من الإخوان بدلاً عن تلك القديمة وتكون قابلة لمشاركة باقي الأطراف الأخرى في الحكم من خلال الديمقراطية التشاركية الكافرة، وهو ما تروج له في جميع بلدان الخديعة الكبرى. كما تريد من هذه القيادة الجديدة أن تقبل بالدولة المدنية التي تقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة والتخلي عن مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو المطلب الذي لم يعد يظهر في شعارات الإخوان.
ولكن أميركا تريد من هذه القيادات أن يكون لها من الثقل ما يؤثر على العمود الفقري للحركة وكذلك ان تكون لهم القدرة على تحريك الشارع حتى لا تبدو هذه الإصلاحات التي تريدها تتناقض مع مطالب الشعوب. وما تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، والحكم الجماعي بالإعدام الذي طال529 فرداً قبل أسابيع ثم 682 قبل أيام، وتجميد أموال الحركة وتدخل الجيش بقوة لفض الاعتصامات إلا وسائل وأساليب لمحاصرة الإخوان والضغط عليهم حتى يفرزوا مثل تلك القيادات الجديدة، فضلا عن تأثير تلك الاجراءات على مكانة القوات المسلحة والقضاء عند اهل مصر مما يمهد لاحداث تغييرات في هيكليتهما.
ورغم حصول العديد من الانشقاقات القديمة والجديدة كعمرو عمارة وجمال حشمت وهيثم أبو خليل ومحمد سعيد عبدالبر وكمال الهلباوي وإبراهيم الزعفراني وغيرهم، إلا أنها ليست بذلك التأثيرالذي تريده أميركا. لذلك فمن المنتظر أن تواصل أميركا هذا الحصار والتضييق حتى يتحقق لها ما تريد.
أما كم هو الوقت الذي سيستغرقه جلوس الجميع على مائدة الحوار والتفاوض فإن الأمر يتعلق بمدى استجابة الإخوان لهذه الشروط ومدى استعدادهم لمزيد من التنازلات التي تريدها أميركا التي أبقت الباب غير موصد رغم هذا الحصار. فمن مبادرة حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية للمصالحة بين الدولة والإخوان، إلى مبادرة كمال الهلباوي، إلى بعثة الدكتور صفوت عبدالغني القيادي بتحالف دعم الشرعية في اجتماع العلماء مع محمد حسان يوم 2/1/2014.

الخلاصة
إن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على محاربة الإسلام وإقصائه من الحياة من خلال زرع فكرة استحالة تطبيقه والترويج لفكرة وجوب التوافق بديلاً عنه، وهي تعمل على ترويج مفاهيمها المنبثقة من عقيدة فصل الدين عن الحياة كالديمقراطية والحرية والدولة المدنية. وهي، إذ تفعل كل ذلك، تدرك أنه لا نجاح لها إلا من خلال الحركات الإسلامية. فالأحزاب الليبرالية والشيوعية والقومية ولى زمانها واندثر، ولم يعد لها تأثير عند الأمة.
إن الإفلاس الفكري للنخبة العلمانية في مصر وعزلتها عن الجماهير هو الذي جعل أميركا تلجأ إلى قادة الجيش كي يقوم نيابة عنها في السيطرة على الأوضاع ودفعها للسير في اتجاه أهدافها الإستراتيجية. ولم تجد أميركا أفضل من عبدالفتاح السيسي المتعطش للحكم في تحويل عقيدة الجيش المصري من قتال "إسرائيل" إلى محاربة الإسلام والمسلمين.
أما سير مصر ضمن خطة الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الكبير عبر إعادة بناء الدولة على أسس "ديمقراطية" تفصل بين السياسي والعسكري فلن يكون إلا بعد النجاح في إيجاد توافق بين الأحزاب العلمانية والإسلامية على أساس عقيدة فصل الدين على الحياة. فهذا ما سوف تسير إليه نتائج الأحداث بعد أن تنجح أميركا في نزع هيبة المؤسسة العسكرية من أذهان الناس ومن ثم إضعاف دور الجيش في الحياة السياسية.
أما تليين مواقف حركة الإخوان المسلمين والحركات العلمانية للوصول إلى توافق فإن الضغط الأمني والفكري المفروض على الإخوان داخلياً وخارجياً وكذلك إحساس النخب العلمانية بأنها مجرد دمية في يد العسكر والهجوم الذي تتعرض له بسبب دعمها للقتل العشوائي وانتهاك الحرمات والحقوق من شأنه أن يدفع بها للنأي بنفسها عن الطغمة العسكرية ومحاولة التصالح مع حركات ما يسمى بالإسلام السياسي. إن ما يدمي قلب كل مؤمن أن مشروع أميركا وحضارتها ومفاهيمها أصبح يروج لها على يد بعض أبناء الأمة الإسلامية ممن يدعون أنهم يمثلون الإسلام؛ والحال أنهم ليسوا سوى أدوات غربية في تنفيذ مشاريع الكفار. ولذلك فإن حال الأمة اليوم لن يصلح إلا بما صلح به أولها، فلا بد للأمة أن تعي على مفاهيم إسلامها الذي لا فصل فيه بين الدين والدولة، وأن نعي جميعاً على ما يخطط له أعداء الإسلام للإيقاع بأمتنا، وأن يدرك أبناء الأمة أن "رب مبلغ أوعى من سامع"، وأن مهمة الوعي على الدين وما يخطط له أعداء الأمة هي مهمة كل مسلم حتى يكون الرواج لمفاهيم الإسلام، وتدرك الأمة مكائد الكفار ومؤامراتهم عليها، وتصبح عصية عن أن تستخدم هي وأبناؤها أدوات طيعة للكفار، ينفذون مخططاتهم ويخربون بيوتهم بأيديهم، وتعي جيوشهم لعبة أميركا القذرة بحقهم وحق الأمة، وتدرك الأمة أن ما ينقذها وينقذ العالم إنما هو العمل الجاد لإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام في الداخل وتحمله إلى الخارج بالجهاد نوراً وهدىً للناس جميعاً.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:18 PM
آل سعود
ما الذي جرى، ولماذا ؟

بعد أن نجحت أميركا في تنسيق عملية انتقال الحكم في قطر، وتسليم حمد بن خليفة آل ثاني السلطة لابنه الأوسط تميم بشكل سلس تحت عنوان إشراك الجيل الشاب، يجري العمل حالياً في السعودية على تمكين جيل أحفاد عبدالعزيز من تولي الحكم.
والذي يدفع بأميركا نحو القيام بهذا الخيار أسباب كثيرة لعل أهمها أن عائلة آل سعود تعيش منذ فترة طويلة صراعاً قوياً وخفياً على السلطة، عززه موت أبناء عبدالعزيز آل سعود الواحد تلو الآخر، ومن بقي منهم على قيد الحياة قد بلغ من العمر عتياً أو هو مصاب بأمراض تمنعه من مزاولة مهام الحكم. وثانياً أن هذا الصراع الداخلي بين أفراد العائلة كان من أهم عوائق عملية الإصلاح نفسها التي تريد أميركا من السعودية أن تسير فيها خاصة منذ أحداث أيلول/سبتمبر 2001.
ولذلك فإن حزمة الإصلاحات الأميركية في السعودية لن يكتب لها التقدم ما لم يتم حسم مسألة الصراع على الحكم داخل عائلة آل سعود لمصلحة الجيل الثاني ولجناح محدد من هذا الجيل. وفي هذا السياق جاء استحداث منصب "ولي ولي العهد" ليكون نقطة البداية في تمكين الجيل الثاني من الوصول لكرسي الملك.

نقطة البداية للجيل الثاني
فقد أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز يوم 27/3/2014 أمراً ملكياً بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ولياً لولي العهد الحالي الأمير سلمان، على أن "يبايع ولياً للعهد في حال خلو ولاية العهد، ويبايع ملكاً للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد".
وحتى يكون هذا التعيين نافذاً وغير قابل للنقض من قبل أي فرد من أفراد العائلة جاء في نص الأمر الملكي الذي تم بموجبه تعيين الأمير مقرن ولياً لولي العهد أنه "لا يجوز تعديله بأي حال من الأحوال أو تبديله بأي صورة كانت ومن أي كائن كان".
إن عملية انتقال السلطات إلى الجيل الثاني التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية في السعودية تتم عبر تسليم الملك عبدالله ابنه الأكبر متعب زمام الملك بدلاً من عمومته المتبقين على قيد الحياة في حال وفاة الملك.
وما كان للملك عبدالله أن يسير في هذا الأمر من دون علم وموافقة الولايات المتحدة الأميركية وبالتعاون الوثيق مع رئيس الديوان الملكي خالد التويجري الذي يعتبر مفتاح أميركا في القصر الملكي بعد أبيه عبدالعزيز التويجري.

تأهيل متعب لولاية العهد
وقد تم السير في تأهيل متعب في الوصول إلى كرسي الملك عبر الخطوات التالية:
أ- استحداث وزارة للحرس الوطني قائمة بذاتها. فقد أصدر الملك عبدالله مرسوماً ملكياً في 27/5/2013 بتحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة مستقلة بذاتها وتعيين ابنه متعب وزيراً عليها.
ب- الدفع بمتعب بن عبدالله لبناء شبكة علاقات دولية، سواء عبر الزيارات للخارج أو عبر حضور جلسات استقبال أبيه للمسؤولين الغربيين.
ت- السيطرة على الجيش السعودي بعد عزل خالد بن سلطان من منصب نائب وزير الدفاع في 20/4/2013. وهناك سعي من الملك عبدالله بدمج الجيش والحرس الوطني، ووضع ابنه متعب على رأس المجموعة في حال وفاة وزير الدفاع سلمان بن عبدالعزيز الذي يعاني من بداية مرض الزهايمر.
ث- التخلص من نفوذ آل سلطان في الجيش من أجل تسهيل عملية الدمج بين الجيش والحرس الوطني. ولعل في قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإعفاء الأمير بندر بن سلطان من منصبه وتكليف مساعده يوسف بن علي الإدريسي القيام بعمل رئيس الاستخبارات العامة يوم 15/4/2014 ما يعني انتهاء لنفوذ آل سلطان ليس من الجيش فقط بل من دائرة الحكم أيضاً.
وبهذا الشكل فإن مراكز القوى داخل عائلة أولاد عبدالعزيز آل سعود أصبحت تتوزع بين ثلاثة بيوت هي: بيت الملك عبدالله الذي يملك الحرس الوطني بعد أن حوله إلى وزارة، وبيت نايف الذي يملك الأمن الداخلي وقوة عسكرية للمهمات الخاصة تسمى "صقور نايف"، وبيت سلمان الذي تسلم الجيش الذي لا يملك فيه نفوذاً كبيراً بسبب أن آل سلطان هم الذين أداروه مدة نصف قرن كاملة.
وبهذا الشكل لم يبقَ من عقبة وحيدة وكبرى أمام تقدم متعب بن عبدالله نحو الحكم سوى ابن عمه محمد بن نايف الذي خلف عمه أحمد بن عبدالعزيز في منصب وزير الداخلية في 5/11/2012. ويتميز الأمير محمد بشخصية قوية وطموح كبير، وفوق ذلك فهو يتمتع بعلاقات دولية واسعة وبخاصة مع أجهزة المخابرات العالمية، وهو ما سهل استقباله رسمياً في أميركا وبريطانيا وفرنسا.

هل يتوج محمد بن نايف؟
وهنا لا بد من توضيح مسألة في غاية الأهمية؛ وهي هل صحيح أن أميركا تعمل على إيصال محمد بن نايف إلى قيادة المملكة بدل متعب بن عبدالله؟
إن الخطوات التي يسير فيها الملك عبدالله من تمهيد الطريق لابنه متعب أو ما يسمى بتمكين جيل الشباب من الحكم إنما يتم بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة التي تدرك جيداً أن السير في عملية الإصلاحات العميقة لن يكتب لها النجاح في هذه المرحلة بالسعودية إلا ضمن العائلة المالكة وعلى أساس توازن القوى بين أكبر جناحين بقيا في آل سعود، وهما جناح الملك عبدالله بن عبدالعزيز ممثلاً في ابنه متعب وجناح نايف بن عبدالعزيز ويقوده ابنه محمد.
أما لماذا تفضل أميركا متعب على محمد، فذلك لأن الملك عبدالله قد نجح في تحقيق أمرين، هما من الأهمية بمكان بالنسبة لتمكين جيل الشباب من الحكم وتسريع عملية السير في الإصلاحات الهيكلية بالمملكة.
أولاً: إنهاء تحكم مجموعة السدارة في تسيير نظام الحكم بالسعودية:
فعلى مدى عقود من حكم آل سعود في البلد، ظل ما يسمى "السديريون السبعة"، فهد وسلطان وعبدالرحمن ونايف وتركي الثاني وسلمان وأحمد، هم المؤثرون في معادلة ميزان القوى وقرارات الحكم. وهؤلاء السبعة هم الإخوة الأشقاء من أبناء حصة بنت أحمد السديري زوجة الملك المؤسس عبدالعزيز. وبعد وفاة الملك فهد والأميرين سلطان ونايف ضعفت كتلتهم، وبخاصة بعد أن انضم ولي العهد سلمان إلى جناح الملك عبدالله.

ثانياً: القيام بانقلاب دستوري على كيفية انتقال الحكم بين أفراد عائلة آل سعود:
إن المرسوم الملكي الذي صدر في 27 آذار/مارس ينهي كلياً دور "هيئة البيعة" والأخطر من ذلك أنه يغير خط سير ولاية العهد والاستخلاف من أخ إلى أخ بين أبناء آل سعود إلى خط جديد هو الاستخلاف من الأب إلى الإبن كما هو الحال في معظم الملكيات الأخرى. وهذا هو الانقلاب الدستوري الذي يُعدُّ له الملك عبدالله بالتعاون مع الولايات المتحدة. صحيح أنه إلى حد الآن لم يتم الإعلان عنه رسمياً ولكن هذا هو التحول الكبير الذي تسير فيه المملكة بدعم من أميركا.
وفوق كل الذي سبق ذكره فإن تعيين مقرن في ولاية العهد هو مؤشر كبير على أن محمد بن نايف ليس مرشحاً للملك على الأقل في هذه المرحلة. فما كان للملك عبدالله أن يقدم على هذه الخطوة دون موافقة أميركا التي تأكدت بعد زيارة أوباما للسعودية في 28/3/2014، أي بعد يوم واحد من القرار الملكي بتعيين مقرن ولياً لولي العهد.

أسباب عدم تفضيل محمد بن نايف
وأما سبب عدم تفضيل أميركا لمحمد بن نايف ودعمها لوصول متعب بن عبدالله إلى منصب الملك فهي أمور عديدة، نذكر منها:
أولاً: أن محمد هو الداعم المباشر لهيئة كبار العلماء كأحد أدواته التكتيكية في الصراع على مراكز النفوذ في المملكة. وينظر إلى هذه الهيئة من دعاة "الإصلاح" داخلياً وخارجياً بأنها أحد أهم العوائق أمام تغيير مناهج التعليم وإدخال الإصلاحات السياسية المطلوبة.
ثانياً: أن سمعته الشخصية لدى الرأي العام داخلياً وإقليمياً لا تحظى بقبول عام، فهو معروف بدمويته إلى درجة أن سعد الحريري نعته بـ"السفاح" أمام لجنة التحقيق الدولية في عملية اغتيال والده رفيق الحريري.
ثالثاً: أن إشكالية محمد بن نايف أن شخصيته القوية قد تؤدي إلى المواجهة داخل العائلة الحاكمة، ولذلك كان لا بد أن تتدخل أميركا لحسم الموقف لصالح متعب حتى لا تسقط المملكة نتيجة الصراع الداخلي في يد التيارات الإسلامية وتصبح المصالح الأميركية عرضة للخطر.
رابعاً: أن السبب الأساسي لزيارة محمد بن نايف إلى أميركا في 12-14 شباط/فبراير الماضي هو البحث في إدارة الملف السوري وليس بحث ترتيبات الحكم والاستخلاف في السعودية. فقد تضمن جدول أعماله حضور الاجتماع الأمني الكبير مع مبعوثي الدول المعنية بالملف السوري وهي تركيا وقطر والإمارات والأردن. وتمخض عن هذا اللقاء تكليف محمد بن نايف متابعة الملف السوري عوضاً عن بندر بن سلطان الذي يرجح أن أميركا قد أنزلت عليه عقوبة الإقامة الجبرية في قصر أبيه في مراكش المغرب مع احتفاظه في حينه بمنصب رئيس جهاز المخابرات.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:19 PM
أسباب التدرج في مسيرة الإصلاح السياسي

بعد انطلاق الربيع العربي في تونس في كانون أول/ديسمبر 2010 بدت ممالك الخليج العربي محصنة في ظاهرها ضد ذلك النوع من الاحتجاجات. إلا أنه مع دفع أميركا لمظاهرات البحرين بالاندلاع في 2011 ظهر أن تلك الممالك أيضاً قد تكون عرضة للتغيير. وقد حاول حكام السعودية استباق أية تحركات شعبية عبر القيام بخطوات تسكينية من شأنها امتصاص تحركات الشارع.

ففي آذار/مارس 2011 أعلن الملك عبدالله عن تطبيق برنامج اقتصادي بقيمة 130 مليار دولار، تم بموجبه رفع رواتب الموظفين الحكوميين، وتوفير فرص عمل لبعض الشباب العاطلين، كما تم البدء في عملية كبيرة لبناء المنازل والمدارس والجامعات وتحسين حالة التأمين الصحي وتغطية العلاج للمواطنين.
ورغم هذه التسكينات الاقتصادية إلا أن المملكة السعودية لا تزال تتعرض للضغوط من أجل السير في قضية الإصلاحات. صحيح أن هذه الضغوط بدأت وبخاصة منذ ما بعد حرب الخليج الثالثة (2003) إلا أن أميركا تسير في مسألة الإصلاح السياسي والتعليمي في السعودية على قاعدة التدرج وبقيادة أفراد من العائلة المالكة نفسها، وذلك للأسباب التالية:
أ- الخوف من تفكك عائلة آل سعود ودخولهم في حرب داخلية كما حصل فيما يسمى بالدولة السعودية الثانية (1820-1891).
ب- التخوف من ردود فعل فئة كبار العلماء سواء كانوا من الموالين للسلطة أو من العلماء المعارضين لها والذين يقتربون أكثر من الحركات الإسلامية.
ت- الخوف من صعود الحركات الإسلامية وتهديدها للمصالح الأميركية، وهذا بعض ما يفسر القرار الملكي في 7 آذار/مارس باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية".
ث- الخوف من تعريض الوجود العسكري وأمن الطاقة الأميركيين للخطر في المملكة وفي الشرق الأوسط، بموجب الاتفاق بين الرئيس روزفلت والملك عبدالعزيز عام 1945، وقد تعزز هذا الاتفاق بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.

قيادات الإصلاح الأميركي في مؤسسة الحكم
إن عملية إدخال الإصلاحات في السعودية على الطريقة الأميركية لا يقوم بها شخص بمفرده بل هي تيار كامل داخل عائلة آل سعود. وقد انطلق هذا التيار منذ ما عرف بـ"حركة الأمراء الأحرار" في العام 1958 على يد الأمير طلال بن عبدالعزيز. وقد ولدت هذه الحركة بدعم أميركي واضح من أجل اقتلاع النفوذ البريطاني من المملكة وإحلال النفوذ الأميركي محله، رغم نجاح أميركا في ربط عائلة آل سعود بها ضمن مقايضة "النفط مقابل الأمن" منذ لقاء الرئيس الأميركي تيودور روزفلت بالملك عبدالعزيز في عام 1945 على الباخرة كويسي في قناة السويس بعيد انتهاء مؤتمر يالطا على البحر الأسود.
أما اليوم فإن أهم الشخصيات التي تقود عملية تحديث المملكة ودعم الجناح العلماني والليبرالي فيها من أجل التهميش التدرجي لمؤسسة كبار العلماء الموالين للسلطة والتصدي لعلماء الصحوة والحركات الإسلامية، فهي أربع شخصيات.
أولاً، خالد التويجري رئيس الديوان الملكي ورئيس الوزراء الفعلي غير المعلن الذي يتمتع بنفوذ واسع داخل العائلة ورثه عن أبيه عبدالعزيز التويجري.
ثانياً، الأمير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني ونجل الملك عبدالله الأكبر.
ثالثاً، الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية الذي يشرف على الأمن الداخلي.
رابعاً، الأمير الوليد بن طلال الذي تبنى مطالب أبيه في الدعوة إلى الملكية الدستورية وزاد على ذلك بإنشاء إمبراطورية إعلامية تقوم بعملية غزو للأفكار والأنماط السلوكية السائدة في المجتمع السعودي وإحلال الأفكار وأنماط الحياة الغربية محلها.
إن التغييرات التي تحدثها أميركا في السعودية ليست سوى مجرد مقدمات ضرورية لفتح الطريق أمام حزمة الإصلاحات اللازمة من أجل تغيير الأفكار والمشاعر في المجتمع على قاعدة فصل الدين عن الدولة. وفي هذه النقطة تسير السعودية مثل غيرها من البلاد الإسلامية ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير. أما ما تخطط له أميركا على المدى البعيد بالنسبة للسعودية بخاصة فهو إنهاء حكم آل سعود نهائياً من البلاد أو على الأقل حصرهم في منطقة بعد عملية تقسيم البلد نفسها.

تقسيم السعودية وإنهاء حكم آل سعود
ورغم أن الخطط التي تحدثت عن تقسيم السعودية تراوحت في الحديث عن تقسيم البلد بين منطقتين إلى خمس مناطق، إلا أنها جميعاً متفقة على ضرورة فصل المنطقة الشرقية الغنية بحقول النفط وإقامة جمهورية هناك.
وبالرغم من عدم ظهور خطوات جدية تبين سير أميركا في مسألة تقسيم السعودية وتفتيتها بين نجد والحجاز والمنطقة الشرقية، إلا أن ما تناقلته الأخبار في أيار/مايو 2011 نقلا عن وكالة "أسوشيتد برس" ما يوحي بما تخطط له أميركا على المدى الطويل بالنسبة لمصير نظام آل سعود.
فقد جاء الحديث عن مشروع أميركي بإنشاء "قوة نخبة سعودية" قد يصل تعدادها إلى 35 ألفاً من أجل حماية الثروات النفطية في المملكة، وستكون قوات النخبة هذه منفصلة عن الجيش والحرس الوطني وتحت إشراف القيادة الوسطى الأميركية. وفي تسريب عبر "ويكيليكس" لبرقية دبلوماسية سرية أميركية، وصفت مهمة هذه القوات بأنها حماية مرافق إنتاج الطاقة السعودية، ومراكز تحلية المياه، والمنشآت النووية المستقبلية.
ظاهرياً يبدو أن الغرض من انشاء هذه القوات الخاصة هو إظهار التزام أميركا بأمن السعودية على المدى الطويل مستغلة تخوف حكام آل سعود من القدرات العسكرية لإيران وتخوفها الحالي من التفاهمات الأميركية مع إيران. لكن إنشاء هذه القوات يعتبر أحد المؤشرات الدالة على أن أميركا تعمل على تأمين مصادر الطاقة بنفسها مباشرة تحسباً لأية انعكاسات سلبية يمكن أن تتبع عملية التقسيم.
فبالإضافة إلى ما تم ذكره آنفاً من مهمات لهذه القوات فقد ذكرت وكالة اسوشيتيد برس أيضاً أن من مهمة قوة النخبة السعودية التي ستستحدث، تشمل حماية السفارات وغيرها من المقرات الدبلوماسية، والمنشآت الأكاديمية ومراكز الأبحاث.
وإذا ما نجحت أميركا في تمكين الجيل الجديد من الوصول إلى الحكم فإنها تكون قد أوجدت الظروف المواتية للسير قدماً في عملية الإصلاحات السياسية وعلى رأسها "الملكية الدستورية" التي سوف تنهي أو تقلل من الاختلافات والتنازع على المناصب وولاية العهد داخل الأسرة المالكة نفسها.
وإن السير في نظام الملكية الدستورية الذي سوف يقلل من صلاحيات الملك مع تأمين مصادر الطاقة على يد نخبة القوات الخاصة التي تشرف عليها أميركا بنفسها، سوف يكونان من الأدوات الهامة عند أميركا في تقسيم السعودية وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير وفي تأمين مصادر إمدادات الطاقة نحو الدول الغربية.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:24 PM
الفتن التي يثيرها الكفار
واستراتيجية مقترحة لمواجهتها

"إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أميركا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أميركا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية".
بهذه الكلمات الموجزة التي صرّح بها "برنارد لويس" المؤرّخ الأميركي الشهير، رائد مشاريع تقسيم العالم الإسلامي في العصر الحديث، في مقابلة أجرتها معه وكالة الإعلام الأميركية في 20/5/2005م ، اختصر برنارد المشكلة ومشروع الحل والهدف!

خصوم الأمة الإسلامية
من السنن الربانية الثابتة في الكون والخلق؛ الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، وجند الرحمن وأولياء الشيطان، فالصراع سنة ماضية لا يخلو منها عصر ولا مكان، والهدف واحد وهو القضاء على أمة الإسلام أو حملها على الارتداد عن دينها، وذلك مصداقاً لقوله عز وجل: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [ البقرة 217 ]،
والأمة عبر تاريخها قد واجهت كثيراً من الخصوم والأعداء الذين لم تجمعهم راية ولا فكرة ولا هدف سوى محاربة الإسلام وأهله. فقد واجهت الأمة في بداياتها المشركين العرب، ثم واجهت الروم الصليبيين، والفرس المجوس، ثم واجهت البربر الوثنيين، ثم واجهت الحملات الصليبية العنيفة لأكثر من قرنين من الزمان ثم المغول الوثنيين. وفي العصر الحديث واجهت الأمة زحفاً شيوعياً أحمرَ محملاً بأفكار الإلحاد والكفر هبت رياحه من الاتحاد السوفيتي، وزحفاً غربياً ليبرالياً محملاً بأفكار الانحلال والفوضى الأخلاقية هبت رياحُه من أوروبا وأميركا.

خطورة ما تتعرض له الأمة
ولكن كل ما مرت به الأمة شيء، وما تتعرض له اليوم شيء آخر، فالأمة الإسلامية تواجه اليوم أخطر تحالف شيطاني، يستهدف إبادتها ومحاصرتها وتمزيق كياناتها السياسية إلى دويلات صغيرة متناثرة متصارعة بطعم ولون طائفي وعرقي ومذهبي، وذلك لإحكام السيطرة عليها واستئصالها بالكلية إن استطاعوا.

دويلات سايكس وبيكو
قبل مائة عام تقريباً وفي أوائل القرن العشرين، غذت قوى الاستعمار نزعات الطائفية والقومية في البلاد الإسلامية في آخر عهد الدولة العثمانية، عن طريق الدعوة لنبذ الرابطة الإسلامية، واستبدال أفكار أخرى بها، كحب الوطن، وحب العشيرة والقوم. حتى انتقلت هذه الدعوات من مجرد حركات ورموز، إلى ثورات وقلاقل مدعومة من المستعمر، انتهت بدول علمانية تقوم على أسس إقليمية وقومية لا تنتمي للإسلام. فقد صرح لُوْرَنْس الجاسوس الإنكليزي المعروف بذلك في تقرير بعثه إلى المخابرات البريطانية في يناير/كانون الثاني عام 1916م بعنوان سياسات مكة قال فيه: «لو تمكنا من تحريض العرب على انتزاع حقوقهم من تركيا فجأةً وبالعنف؛ لقضينا على خطر الإسلام إلى الأبد، ودفعنا المسلمين إلى إعلان الحرب على أنفسهم، فنمزقهم من داخلهم، وفي عقر دارهم، وسيقوم نتيجة ذلك خليفة للمسلمين في تركيا وآخر في العالم العربي؛ ليخوضا حرباً دينية فيما بينهما، ولن يخيفنا بعد هذا الإسلام... أهدافنا الرئيسية تفتيت الوحدة الإسلامية، ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها. وإذا عرفنا كيف نعامل العربَ فسيبقون في دوامة الفوضى السياسية، داخل دويلات صغيرة حاقدة ومتناحرة غير قابلة للتماسك...».
فكانت اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة سنة 1916 ومن ثم كانت الحدود المصطنعة لدول المنطقة بالكيفية التي أرادها الاحتلال الصليبي، ووفق أهدافه ومصالحه وأجندته الآثمة تجاه المنطقة. وكانت هذه الاتفاقية هي فاتحة مشاريع التقسيم للعالم الإسلامي والتي ما زالت نسخها تتطور كل يوم عن ذي قبل، في إصرار واضح نحو تمزيق العالم الإسلامي...

مشاريع تقسيم جديدة
وفي عام 1980م والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الأمن القومي الأميركي "بريجنسكي" بقوله: "إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أميركا من خلالها تصحيح حدود "سايكس- بيكو ".
وعقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" وضع "برنارد لويس" مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية و"الإسلامية" جميعاً، وإنشاء أكثر من ثلاثين كياناً سياسيّاً جديداً. وهذا الحديث يعني تحويل العالم الإسلامي إلى "فسيفساء ورقية" تقوم فيها 88 دولة، بدلاً من 56 دولة، بما يعنيه هذا التقسيم المقترح من شقاقات وصراعات وحروب وآلام، تزيد هذه الكيانات ضعفاً فوق ضعفها، وهزالاً فوق هزالها حتى يسهل إشعال الصراع بينها، وإبقائها تحت السيطرة والهيمنة الغربية. وقد أطلق على هذا المشروع: حدود الدم Blood Borders.
وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر اتخذوا "فكرة الفوضى الخلاقة أو البنّاءة" أسلوباً لتنفيذ "مشروع الشرق الأوسط الكبير" باعتبارها الأكثر فتكاً بعناصر الوحدة في الأمة الإسلامية. وقد أخذت هذه الفكرة مساحاتها في التطبيق الميداني.. وليس بالضرورة أن يجري التطبيق تحت ذات العنوان المهيج المستفز (الفوضى الخلاقة)، بل إن العقل السياسي يقتضي إخراج النظرية في أشكال وعناوين أخرى جذابة ومريحة، وعلى رأسها (نشر الديمقراطية).

الفوضى الخلاقة ونشر الديموقراطية والتقسيم
أما عن الترابط بين الفوضى الخلاّقة وشعار القضاء على الاستبداد والديكتاتورية ونشر الديمقراطية، فإن نشر الديمقراطية يتطلب تعدد وجهات النظر المتناقضة والمختلفة، مما يدفع المنطقة إلى مزيد من التشظي والنـزاعات، ويجعل المنطقة في حالة من التوتر من خلال اللعب بورقة الحرية والإرهاب الفكري والأقليات.
عندما غزت أميركا العراق سنة 2003، أعلن جورج بوش أنه يريد جعل العراق "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ونموذجاً ستحتذي به باقي الدول والأنظمة العربية"، فكانت النتيجة فوضى ودمار ودم ونزاعات مذهبية (بين السنة والشيعة) وصراعات عرقية (بين السنة والأكراد)، والأهم من ذلك هو إقرار الدستور العراقي باعتبار البلد جمهورية فدرالية مما يعني تقسيم العراق لاحقاً... وهكذا قدّمت الولايات المتحدة الديمقراطية على طبق من فوضى خلاقة.
وقد دخل السودان مشروع التفتيت بانفصال الجنوب، وما يجري في دارفور من محاولات لفصلها أيضاً. ومصر وتونس بعد الربيع العربي ما هما إلا صيغة أميركية عنوانهما الفراغ والاضطراب والفوضى. وفي لبنان مشروع اقتتال طائفي كامن ينتظر ساعة الانطلاق، وفي ليبيا واليمن مشروع أميركي لحرب أهلية طويلة الأمد تعيد هذين البلدين إلى العصور الحجرية، وفي سورية مشروع التفتيت يسير على قدم وساق.
فالمتتبع لما يجري من أحداث على الساحة العربية باعتبارها جزء من بلاد المسلمين يرى بوضوح الخطى الحثيثة لأميركا ومن يسير في فلكها أو يتبعها من دول أوروبا و"إسرائيل" من أجل فوضى خلاقة في المنطقة العربية ينتج عنها تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعيد رسم خارطة المنطقة العربية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.

تركيز الفصل المذهبي والعرقي
ولتحقيق ذلك، عمل الغرب الكافر على ربط مصالح الناس بطبيعة الانتماء الطائفي، الأمر الذي دفعهم دفعاً إلى الارتماء في أحضان التجربة الطائفية أو المذهبية، التي تعمل على ترسيخ القوقعة وتعميقها في داخل الذات وفي حركة الفكر والشعور وفي نطاق واقع العلاقات. وقد استطاعت اللعبة السياسية التي نفذها عملاء الغرب أن تثير حالة خوف مضاد في داخل المجتمعات، فيما كانت تثيره من إمكانية أن تأخذ هذه الطائفة دور تلك، وبالعكس، لتخلق في داخلهم حساسيات مذهبية، تتحول بالتالي إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تفجّر الساحة، كلما أريد لها أن تنفجر بالحقد والعداء والبغضاء.
وما زالت اللعبة تتحرك في كل اتجاه، وعلى أكثر من صعيد لتضع القضية السياسية في نطاق الصراع المذهبي، فتتوتر الساحة مذهبياً في ما يمكن أن يخلقه هذا الوضع من عناصر الإثارة الطائفية، في الوقت الذي نعلم فيه جميعاً، أنّ موضوع "السنة" و"الشيعة" بمدلوله الفقهي والشرعي، لا دخل له في ذلك، بل كل ما في الأمر أنّ هناك مخططاً دولياً تنفذه أياد إقليمية آثمة تتحرّك في الساحة من منطلقات سياسية بعيدة كل البعد عن الاستدلالات الشرعية.

أدوات الفتن الرخيصة
أما بالنسبة للأدوات الرخيصة التي تعمل على إثارة الفتن، فلا هدف لهم سوى استعراض قوة فارغة من أي مضمون حقيقي. ولم يستطع هذا الصراع أن يتحول إلى حالة تعطي القوة لأحد، إلا في نطاق الزهو الاستعراضي الفارغ الذي لا يمثل شيئاً في ساحة الواقع. ولعلّ السرّ في استخدام هذا الأسلوب من المستعمر سببه أنه يدرك أن المسلم بطبعه يميل إلى الإسلام كانتماء، والمستعمر رأى أنه من المستحيل إلغاء هذه المشاعر، فذهب إلى تحويلها من انتماء حقيقي إلى الإسلام، إلى انتماء اسمي إلى مذهب أو فرقة.

أهداف تمزيق بلاد المسلمين
وهكذا يعمل الغرب الكافر على تمزيق البلاد الإسلامية إلى كنتونات صغيرة تقوم على أسس طائفية ومذهبية وعرقية محققاً بذلك أهدافاً متوسطة وبعيدة قد تعاني الأمة _لا قدر الله_ من آثارها عقوداً طويلة منها:
- أولاً: منع وحدة المسلمين من جديد على أساس عقيدتهم في ظل دولة واحدة تحكم بشرع الله تعالى. فتبقى هذه المجموعات الصغيرة رافضة للاندماج في محيطها تحت ذريعة حق تقرير المصير.
- ثانياً: تكريس مصالح الاستعمار في بلادنا، وذلك لأن الغرب عندما أنشأ هذه الكنتونات، عمل على ربط مصيرها به وجعل دوام اللجوء إليه والاستعانة به ضرورة ملحة لبقائها واستمرارها.
- ثالثاً: هدف بعيد يتمثل في جعل هذه الدويلات خنجراً مسموماً في قلب الدولة الإسلامية حال قيامها، تزعزع أمن الدولة واستقرارها، وتتخذها دول الغرب ذريعة لتدخلاتها السياسية والعسكرية بحجة حماية الأقليات والمحافظة على أمنها.
ففي ظل فتنة الاقتتال الداخلي بين المسلمين هدرت الدماء، وضربت الممتلكات، وسَبَّ المسلمُ المسلمَ، وسفّه رأيه. اللاعبون الذين يحركون عن بعد هم الفائزون، ينالون أهدافهم ويقطفون ثمار هذه الفتنة بمزيد من الهيمنة وبسط السيطرة ونهب ثروات الأمة... والمتقاتلون يخسرون الدنيا والآخرة، والضحايا هم المسلمون...

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:25 PM
استراتيجية مقترحة لمواجهة الهجمة الشرسة
هذه المخططات المجرمة تضع الأمة الإسلامية بكل أطيافها أمام واحد من أصعب اختباراتها، الأمة كلها؛ قادتها وعلماؤها ودعاتها ومفكروها ومثقفوها، وكل من يستطيع أن يسهم في بناء حائط صدٍّ لهذا العدوان الغاشم. والعلماء وحملة الدعوة من أكثر طوائف الأمة تحملاً لهذه المسؤولية، فلا بد لهم من انتهاج إستراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على الإسلام وأهله، بالارتكاز على عدة نقاط هامة، منها:
1- التمعن والنظر في عواقب الأمور. فالفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء، وإذا أدبرت عرفتها العامة. إن القول أو الفعل زمن الفتنة يجب أن يكون بحذر وبعد تأمل وتفكر في مآلاته. فليس كل ما يعلم يقال، إذ للأقوال والأعمال في الفتن حساسية خاصة، ولهذا يجب الحذر والتأني.
فقد يفهم الناس الأمور بفهم خاطئ ويبنون عليه اعتقادات وتصرفات، لا تكون عواقبها حميدة.
2- الحرص على مزيد من الحضور والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع. فبقدر أهمية العلماء المخلصين وحاجة الأمة إليهم يتبين خطر غياب دورهم أو تغييبه، فإن الثغرة التي هم عليها لا يسدُّها غيرُهم، فيجب أن يتولّوا زمام المبادرة بأنفسهم، وأن يكونوا قريبين من الناس قبل الفتن وفي أثنائها. ومتى تأخروا تقدم غيرُهم ممن ليس أهلاً لسدِّ مكانهم، إذ لا بدَّ للناس من قادةٍ يرشدونهم ويوجِّهونهم وفي الحديث: "حتى إذا لم يجد الناسُ عالماً اتخذوا رؤوساً جهالاً فسألوهم فأفتوهم بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا". فالعلماءُ هُمُ الأمناءُ على دين الله وعلى خلقه.
3- الحث على التمسك بالكتاب والسنة، لما في ذلك من عصمة الأمة من الشقاق وضمان وحدتها، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}... والتحذير من الفرقة والفتنة وبيان أنهما سبب الضعف والهزيمة وذهاب الريح وسبب استبدال الخوف بالأمن والجوع بالشبع وسبب إراقة الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال وقطع السبل وتسلط السفهاء وانتشار الجهل وإشاعة الفوضى وتعميق الصدع وكل لون من ألوان الفساد في الأرض {والله لا يحب المفسدين}.. قال صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي") وقال: "وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيهم إلا جعل الله بأسهم بينهم".
4- الحث على التفقه في الدين؛ لأنّ الجهل من أسباب الضلال والانحراف، وسبيل النجاة عزيز لا يبصره إلا من هداه الله إليه، ولا يثبت عليه إلا من ثبته ربه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه}.
5- التحذير من فتنة التكفير لشبه وحجج قامت في عقول أصحابها جعلتهم يسترخصون الأرواح ويستبيحون الأموال، دون أن يلتفتوا لتحذير الإسلام منها، ولو أن أحدهم سئل عن حكم شرعي جزئي لنصح السائل بسؤال أهل العلم الموثوقين في دينهم المعروفين بعلمهم وأمانتهم !!
وهذا اضطراب عجيب!! تساهل في الدماء والأرواح، مقابل تحرٍ ودقة زائدة في المسائل الفرعية الجزئية. هؤلاء جعلوا طاعتهم وولاءهم لأشخاص يحركونهم بالخطابات الحماسية والرسائل الانترنتية والعبارات المشفَّرة، عبر قنوات عميلة ومواقع مشبوهة، فاندفعوا إليهم بإخلاصهم وحبهم لدينهم ظناً منها أنهم يخدمون الإسلام ويساهمون في حل مشكلات الأمة، فجعلوها طاقات هدم وتخريب في الأمة بدلاً من أن تكون طاقات بناء.. ففيهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه"..
6- ترشيد عواطف الشباب وصيانتها عن استغلالها بما يضر ويهدم، والعاطفة التي لا تضبط بالشرع تصبح عاصفة. ولهذا نجد العلماءَ الكبارَ يربطون الحماسَ والغَيرةَ للدّين الموجودةَ عند الشباب بالحكمة والبصيرة حتى تؤتي ثمارها، ولتكون عاقبتُها إلى خير وفلاح. قال عبدالله بن مسعود: "وكَمْ مِنْ مُريدٍ للخير لن يصيبَه".. وَمِنْ هنا نُدْرِكُ خطرَ هؤلاء على المسلمين وأمْنِهم ودينهم وسلامتهم، ولا ينبغي إطلاقاً الاغترارُ بما يظهرُ من صلاحهم، وحبهم لهذا الدّين.
7- الحذر من تسلل المنافقين بين الصفوف. قال الله تعالى { ومن الناسِ من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يُحب الفساد }.
فالواجب على كل مسلم سواء كان عالماً أو طالب علم أو متعلم أو موظف أو مسؤول أو كاتب...، كل من موقعه ومسؤوليته وبما آتاه الله من حجة وبرهان، أن يبين حال المنافقين ويحذر منهم ويكشف أساليبهم في بث الفتنة في المجتمع، وأن يبين زيف ما يدعون من إصلاح وسعي في مصلحة المجتمع، وذلك حتى لا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
8- رفع وعي أبناء الأمة على طبيعة المخططات الموجهة ضدهم؛ لإخراجهم من حالة السبات واللاوعي التي يعيشونها، وذلك من خلال وضع هذه المخططات على طاولة النقاش المجتمعي، في الدروس وحلقات العلم والتجمعات الشبابية، وكشف أساليب الأعداء ووسائلهم وأدواتهم لفضح هذه المؤامرات للأمة الإسلامية لئلا تنزلق فيها.

كلمة أخيرة إلى عقلاء الأمة
ان واجب التناصح بين المسلمين يقتضي التذكير بأن الرجوع إلى الوراء أمر غير مستطاع، فليس أمام الناس _من ثم_ إلا التقدم إلى الأمام، ولكنه تقدم مشروط بالإفاقة الناجزة من سكرة الربيع العربي.. وبشجاعة المراجعة لكل تصرف مورس خلال حالة السكر.. وبالعكوف على رسم خريطة جديدة تبني الأمة بناءً صحيحاً على أساس الإسلام يُمكّنها من إحباط مخططات أعدائها والسير قدماً نحو استئناف الحياة الإسلامية وتطبيق شرع ربها جل وعلا في حياتها.
﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:27 PM
من أساليب الكفار في إيقاع المسلمين في الفتنة والاقتتال

الصراع الجاري بين المسلمين اليوم أو بالأمس لم يكن صراعاً طبيعياً؛ لأنه مما ينكره الإسلام وينافي طبيعته. فقد بعث الله محمداً _صلى الله عليه وسلم_ في العرب بالإسلام ديناً خاتماً للأديان، وجعل عقيدته عقلية قطعية روحية سياسية؛ أي عقيدة توحيد ووحدة، فكرة ونظاماً كاملاً شاملاً لحياة الفرد والمجتمع والدولة، ورضيه للعالمين، وتكفل بحفظه إلى يوم الدين. وقد فرض الإسلام اسماً وهويةً للمؤمنين به، وعقيدته رابطة تجمعهم وتوحدهم إخوة فيه وأمة من دون الناس، لا فرق بين عربي وعجمي ولا أبيض وأسود منهم إلا بالتقوى. وفرض أن يكون المسلمون جميعُهم أمة في دولة، وحرّم أن يتعدد سلطان الأمة. فكانت وحدة المسلمين وبلادهم في دولة تطبق الإسلام في الحياة الخاصة والعامة، وتحمل الإسلام إلى العالم لإنقاذه من الكفر والضلال قضية مصيرية، أوجب أن يُتخذ تجاهها إجراء الحياة أو الموت.
على أساس هذا الفهم العميق المستنير للإسلام وما تفرضه عقيدته من قضايا وما تفرضه من إجراء تجاهها، حمل النبي الكريم وحزبه من الصحابة الكرام العقيدة الإسلامية بطريقها السياسي، وخاضوا بها ومن أجلها معترك الصراع الفكري ضد العقائد الجاهلية وتصوراتها، والكفاح السياسي ضد قواها ونظمها، حتى آمن به أهل المدينة ووجدت القاعدة الشعبية واستلم الحكم في بيعة العقبة الثانية ليهاجر بعدها إلى المدينة ويضع الإسلام موضع تطبيق؛ فنشأت الأمة وقامت الدولة.
وبذلك المستوى من الوعي والإدراك لمبدأ الإسلام عند المسلمين الأوائل، ومسؤليتهم في الحياة أمة ودولة، حملوا خاتمة رسالات الله إلى العالم بالجهاد؛ لهداية الناس والحكم بما أنزل الله بينهم؛ حكم رعاية وعدل وقسمة للمال بينهم بالسوية، ففتح الله بهم أرضه، وتمكنت في فترة وجيزة لا تعد لمحة في حياة الأمم من هدم القطبين الدوليين (فارس والروم) وانتزاع مركز الدولة الأولى في العالم منهما، برغم أن لا مجال لمقارنة ميزان القوى بينها وبين الإمبراطوريتين.
وعاش المسلمون ومعهم أهل ذمتهم قروناً من الزمن في ظل حكم الإسلام وسلطان الأمة وأمانها، ينعمون بالعدل وكرامة العيش، ويتنقلون في دولة واسعة الأرجاء، لا تفصل بين ديارها على اتساعها حدود، ولا تقف في وجوههم حواجزُ، ولا أثرَ فيها للتمييز بينهم على أساس التراب (الوطن) أو الدم والعرق (القومية)، أو اللون، أو الدين، أو الطائفة، أو المذهب، أو المستوى المادي أو الاجتماعي أو غيره. ومن هنا فالصراع المادي بين المسلمين لا موجب له وهو صراع مفتعل دوماً وتقف خلفه نزوات بشرية خاطئة أو قوى معادية للإسلام والأمة.
ومما لا شك فيه أن سنة الله الجارية في الحياة تقضي بحتمية الصراع بين الحق والباطل وديمومته حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلا يلتقي الكفر والإسلام وقواهما في غير معركة الصراع الفكري أو ساحة الصراع المادي. فمنذ انبثاق فجر الإسلام ونشوء الأمة والدولة، لم يقعد الباطل وحزبه من الكفار وأدواته من المنافقين عن الكيد للإسلام والمسلمين، وكلما سقطت حضارة وقوة للباطل خلفتها حضارة وقوة أخرى تحمل عداءها وحقدها الأسود على الإسلام وتسعى للقضاء على الوجود الحضاري والمادي للمسلمين كأمة.
غير أن إدراك قوى الباطل عجز عقائدهم بأفكارها المنحرفة وتصورتها الزائفة عن الصمود أمام قوة الفكرة الإسلامية وحقائقها، وعجزهم عن مواجهة المسلمين أمة مجتمعة _إذ من حقائق الحياة وبديهيات التاريخ، أن المسلمين ما دخلوا معركة من المعارك كأمة إلا عقدت لهم ألوية النصر والغلبة مهما بلغ أعداؤهم من التفوق المادي_ لذلك فلم يجدوا سبيلاً للتغلب على عجزهم في حربهم للإسلام والمسلمين غير سبل الكيد والتآمر، بالبحث عن جوانب خلاف بين المسلمين يستغلونها في إيقاع الفتنة والاقتتال بينهم.
ومع أن واقع الصراع بين الإسلام والكفر، وأهداف الكفار _في إطفاء نور الإسلام والقضاء على الأمة الإسلامية_ واضحة وبديهية لدى كل مسلم مهما كان نصيبه من الوعي، إلا أن مخططاتهم وأساليب تنفيذها، مما تخفى على كثير من المؤمنين بالإسلام تقليداً للآباء والمشايخ، فيقع كثير من هؤلاء _نتيجة ضعف وعيهم السياسي_ في شراك الكافر، فيسخرهم مباشرة، أو من خلال عملائه من الحكام والمرتبطين بهم من المنافقين والمغفلين من العلماء والمشايخ في تنفيذ مشاريعه ومؤامراته ضد الإسلام والأمة وتحقيق أهدافه وأطماعه.
لهذا فسنحاول تسليط الضواء على بعض أساليب أعداء الإسلام قديماً وحديثاً في إيقاع المسلمين في الفتنة والاقتتال، فيما يلي:-
ما يحفظه التاريخ عن أحد شيوخ يهود وزعمائها _يوم نشأت الأمة وقامت الدولة الإسلامية في المدينة_ لما رأوا من ألفة المسلمين وصلاح أمرهم قوله: "والله إذا اجتمع ملؤهم بها ما لنا من قرار". فأرسل أحد دهاتهم إلى المسلمين من الأوس والخزرج؛ لإثارة العصبية القبلية ونخوتها الجاهلية بتذكيرهم بما قاله شعراؤهم في جاهليتهم يوم واقعة بعاث. حتى كادوا يقتتلون، لولا استيقاظ إيمانهم بما يفرضه من هوية الإسلام وأخوة العقيدة وما تحتمه من وعي سياسي على مكائد أعداء دينهم وأمتهم. فأدركوا أن عدو الله كادهم لفتنتهم ورجعوا يستغفرون الله.
بعد فشل مؤامرة يهود للإيقاع بين المسلمين أوساً وخزرجاً بإثارة العنصرية القومية، لجأوا لاستخدام أدواتهم من المنافقين، وتسخيرهم لتفريق المسلمين بفكرة الوطنية، واذكاء الفتنة والاقتتال في الأمة على أساسها. كما حدث في غزوة (المريسيع)، حين أخذ رأس النفاق ابن سلول يثير المشاعر الوطنية في نفوس المسلمين من الأنصار، بقوله: " لقد كاثرنا هؤلاء الأغراب في بلادنا، وإن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعزُّ الأذل". فكادوا ينقسمون أنصاراً ومهاجرين ويقتتلون على أساس التراب، لولا أن تداركهم النبي الكريم، قائلاً: دعوها فإنها منتنة". فاستعادوا وعيهم، وتنبهوا لكيد عدو الله وعدوهم. فأفشلوا بوعيهم وقوة إيمانهم وإدراكهم لهويتهم مؤامرة الشيطان وحزبه.
ثم خطط الشيطان ورأس النفاق لتفريق المسلمين وضرب وحدتهم على أساس طبقي، باتخاذ أعمال _ظاهرها خدمة الإسلام وطاعة لله_ ستاراً ووسيلة لتنفيذ مؤامراتهم. ومن ذلك بناء مسجدٍ ليصلي فيه خاصة المسلمين وعلية القوم. فكشف الله مؤامرتهم _للنبي الكريم وللأمة_ بآيات تتلى إلى يوم القيامة، قضى الله فيها بحرمة التمييز بين المسلمين على أي أساس كان غير أساس التقوى، وفرض محاربة وإزالة كل ما من شأنه إيجاد الفرقة والتمييز بين المسلمين من الأعمال والأفكار في الحال والمستقبل، ولو اتخذت لبوس الإسلام. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (110/التوبة).
وهكذا كان وضوح العقيدة وصدق إيمان المسلمين واستنارة الوعي السياسي لديهم _بجعل الإسلام هوية، وعقيدته أساساً للأخوة، واتخاذها زاوية نظر للعالم كله بعقائده وثقافاته ودوله وأشيائه وأحداثه_ هو العامل المؤثر في كشف مكائد وأساليب الشيطان وحزبه من قوى الكفر والنفاق، وإفشالها. وبذلك الوعي الفكري والسياسي الرفيعين ظل المسلمون أمة ناهضة ودولة أولى في العالم طوال القرون اللاحقة.
أما أهم الأساليب التي تصنع بها أميركا الفتنة والاقتتال بين المسلمين في أيامنا هذه لإضعافهم وتسخيرهم لتحقيق أهدافها فتتمثل بالآتي:
أولاً: تصنيف المسلمين على أساس مذهبي وإثني أو مناطقي، لصناعة الهويات الطائفية البغيضة، (شيعة/ وهابيون، سنة، أو شماليين/جنوبيين. أو عرب/أمازيغ...).
ثانياً: زرع وتركيز الفتنة المذهبية أو العرقية أو المناطقية من خلال العمليات الانتحارية في الأسواق والجوامع والمدارس والمناطق السكنية من خلال فرق الموت بتسخير بعض السذج أو من خلال الشركات الأمنية (كبلاك ووتر) المرتبطة بالمخابرات الأميركية .
ثالثاً: تمويل وسائل إعلام خاصة للقيام بدور التحريض والحشد على أساس مذهبي، وعرقي ومناطقي وطائفي، واستغلال المنافقين أو المغفلين من علماء السوء والوعاظ، في إيقاد الفتن وإشعالها بتضخيم الخلافات المذهبية أو إبراز فتوى تكفير _من رواسب فترات الانحطاط، أو مظالم وأحقاد تاريخية صنعها ودسها المستشرقون في بطون ما حققوه وكتبوه عن التاريخ الإسلامي_ لإيجاد الانفصال الفكري والشعوري بين أبناء الإسلام وأخوة الدين والعقيدة.
رابعاً: صناعة قادة ومتحدثين لكل طرف ودفعهم لبناء مليشيات مسلحة للدفاع عن طوائفهم والثأر لها، وإغراء كل فريق بالحكم والسيادة للدفع بأتباعهم من الملوثين بالطائفة لمحرقتها، وأداة لتحقيق مخططاته وأهدافه بوعي أو دون وعي.
خامساً: تسخير أدواتها من الأحزاب ومنظمات مجتمع مدني لترويج فكرة التعددية السياسية، وحقوق الأقليات وحرياتها السياسية... والدولة المدنية كحل وسط بين القوى والطوائف المتصارعة... وكذا فكرة المشاركة في الحكم على أساس المحاصصة الطائفية والمناطقية والحزبية، وترويج فكرة الفدرلة؛ لخدمة أجندتها في إعادة رسم خارطة المنطقة وشعوبها.
هذه هي أبرز الأساليب التي يسير فيها أعداء الإسلام والمسلمين؛ لضرب هوية الإسلام ورابطة العقيدة الجامعة للمسلمين، وإيقاعهم في الفتنة والاقتتال؛ لتمزيق خارطة سايكس بيكو القائمة وتحويلها إلى كانتونات مذهبية وطائفية؛ لتقتلع بذلك فكرة وحدة الأمة من أذهان المسلمين، وتقضي على الإسلام كفكرة نهضة، من خلال أدواتها (الإسلاميين المعتدلين) الذين يعملون لتركيز العلمانية ونظمها وقيمها الثقافية الفاسدة في بلاد الإسلام بإلباسها ثوب الإسلام نفسه.
فهل يرتفع وعي المسلمين لمستوى الأحداث والتحديات التي تستهدف إسلامهم ووجود أمتهم، ومصيرهم وأجيالهم في الدارين؟ أم يواصلون السقوط بالأمة لتصل مرحلة الفناء الحضاري والمادي، فتجري عليهم حينها سنة الله في الاستئصال من الأرض، ويأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين؟

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:33 PM
الجزائر:
العهدة الرابعة طريق الدخول إلى خديعة الربيع العربي

نجح عبدالعزيز بوتفليقة في "الفوز" بالانتخابات الرئاسية الجزائرية يوم 17/4/2014 وهو ما مكنه من الحصول على العهدة الرابعة في الحكم بقصر المرادية. ورغم أن حالته الصحية جرّاء إصابته بالجلطة الدماغية تمنعه من ممارسة شؤون الحكم إلا أن هناك من أصر على بقائه لعهدة رابعة.

بوتفليقة لا يريد الحكم
فقبل إصابته بالجلطة التي أثرت في قدرته على النطق والحركة، كان بوتفليقة قد كشف عن رغبته في عدم الترشح لولاية رابعة. ففي خطاب له في 8/5/2012 أمام جمهور كبير في مدينة سطيف، بمناسبة قرب موعد الانتخابات النيابية صرح بوتفليقة: "قلت، وأكرّر قولي أن زمن جيلي قد ولّى"، مضيفاً بالعامية عبارته المشهورة "طاب جناننا" التي تعني "تعبت وهرمت". ولمّا ألحّ عليه الجمهور أن يترشّح لولاية رئاسية رابعة كان ردّه مثلاً عامياً جزائرياً: "عاش من عرف قدره".
فما الذي حدث حتى يُعلن رئيس الوزراء عبدالملك سلال بتاريخ 22 شباط/فبراير 2014 عن ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة قبل أسبوعين من انتهاء مهلة الترشح للانتخابات في 4/3/2014؛ والحال أن بوتفليقة قد أعلن سابقاً عدم رغبته في ولاية رابعة وفوق ذلك فهو مريض وشبه مقعد جراء الجلطة التي تعرّض لها في ربيع العام 2013؟.
وبالتوازي مع ذلك يلاحظ بشكل جلي أن كل الفئات السياسية في الجزائر سواء كانت في الحكم أو في المعارضة متفقة جميعها على وجوب دخول الجزائر في "مرحلة انتقالية" تمهد لإصلاحات سياسية تشارك فيها كل الأطراف دون استثناء. فما علاقة العهدة الرابعة بالمرحلة الانتقالية التي أصبحت حديث الجميع؟ وهل إن الجزائر لحقت بمشروع "الربيع العربي" الذي تسير فيه أميركا في البلاد العربية؟

إعادة هيكلة الدولة
منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم في نيسان/إبريل 1999 بدأت أميركا في إعادة هيكلة ما يسمى بـ"الدولة العميقة" والمعروفة أيضاً باسم "ضباط فرنسا" المتحكمين في البلاد منذ السنوات الأخيرة لحكم هواري بومدين. لقد نجح هؤلاء الضباط في الإتيان بالشاذلي بن جديد خلفاً لبومدين بينما كان الجميع ينتظر وقتها تعيين إما وزير الخارجية عبدالعزيز بوتفليقة أو رئيس حزب جبهة التحرير الوطني محمد صالح اليحياوي على رأس الدولة.
ورغم أن بن جديد كان من المؤسسة العسكرية إلا أن ضباط فرنسا نجحوا في فرض إرادتهم عليه وأجبروه على الاستقالة في بداية 1992 بعد أن سمح للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالمشاركة في الانتخابات ودخول معترك الحياة السياسية بتوصية من أميركا أثناء زيارته لها في نيسان/إبريل 1985. وكان ذلك أمارة دالة على بداية سير الشاذلي بن جديد مع أميركا التي كانت وقتها تريد إزاحة فرنسا من التحكم بالجزائر. كما نجح "ضباط فرنسا" في فرض إرادتهم على بقية الرؤساء الذين جيء بهم للحكم بعد الشاذلي بما في ذلك الجنرال الأمين زروال.

اختراق أميركا للمؤسسة العسكرية
أدركت أميركا أنه لا يمكن تغيير موازين القوى في نظام الحكم إلا إذا نجحت في اختراق المؤسسة العسكرية نفسها التي تعتبر الحاكم الفعلي في البلاد. فعملت على الإتيان بعبدالعزيز بوتفليقة لما له من إرث تاريخي مرتبط بالكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي وأحد أعمدة "جماعة وجدة" التي كانت تخضع بالولاء لهواري بومدين. وانطلاقاً من هذا الإرث نجح بوتفليقة في صراعه مع المؤسسة العسكرية بفضل غياب الكثير من أركان المؤسسة نفسها سواء بفعل الموت الطبيعي أو بفعل عامل الشيخوخة.

وقد راهن عبدالعزيز بوتفليقة في معركة المصالح والصلاحيات ضد المؤسسة العسكرية منذ وصوله للحكم على عدة أوراق لعل أهمها: استقطاب التيار الإسلامي المنبثق عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تقرب منها عبر مشروع الوئام الوطني، والاعتماد على الدعم الأميركي من خلال ملفي النفط و"مكافحة الإرهاب". فقد كانت وفرة العائدات النفطية التي تحسنت بالتزامن مع وصول بوتفليقة للحكم من العوامل المهمة التي مكنته من صنع حاشية له وشراء ولاء عدد كبير من الجنرالات ورؤساء الأموال ووسائل الإعلام مما مكنه من إحداث توازن جديد لصالح مؤسسة الرئاسة.
لقد صار واضحاً أن دور المؤسسة العسكرية بدأ في التراجع منذ العام 2004 عندما عجزت قيادة الأركان بقيادة الفريق محمد العماري عن فرض علي بن فليس رئيساً بدل عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية الثانية. واستغل بوتفليقة موقف الجنرال العماري منه فقام بإقالته بعد شهرين فقط من انتهاء الانتخابات الرئاسية وجاء بالجنرال قايد صالح مكانه في رئاسة الأركان.
ولذلك لم يكن مصادفة أن يصدر وزير الدفاع السابق اللواء المتقاعد خالد نزار، الذي اتهمه الشاذلي بن جديد بكونه "جاسوساً لفرنسا"، في العام 2003 كتاباً بعنوان "الجزائر، سلطنة بوتفليقة" (Algérie, le Sultanat de Bouteflika). واتهم خالد نزار في هذا الكتاب عبدالعزيز بوتفليقة بأنه يحاول إقامة دولة استبدادية والانتقام لعهد الرئيس الراحل هواري بومدين بخاصة من المؤسسة العسكرية.
ومما ساعد مهمة عبدالعزيز بوتفليقة في محاصرة "ضباط فرنسا" داخل المؤسسة العسكرية وبخاصة في جهاز المخابرات، هو غياب السند الدولي لهم بعد التوافق الأميركي الفرنسي منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم في فرنسا عام 2007. وبهذا الشكل نجح بوتفليقة بفضل الدعم الأميركي في اختراق هذه الدائرة الداخلية للسلطة وساعده في ذلك الأموال الضخمة من واردات النفط أو ما يسمى في الجزائر بـ"صندوق النفط الأسود" الذي استطاع به شراء ولاء الكثير من جنرالات الجيش.

تحجيم دور المخابرات العسكرية
وكان آخر ما فعله بوتفليقة هو ما أعلن عنه في 4/7/2013 من تغييرات هيكلية داخل جهاز الجيش من أجل تحجيم دور المخابرات العسكرية. فقام بتعين الجنرال ماجور حبيب شنتوف قائداً للقوات البرية وتعيين رئيس الأركان الجنرال قايد صالح نائباً لوزير الدفاع أي نائباً لبوتفليقة الذي هو وزير الدفاع، وقام بعزل الجنرال سعيد باي عن القيادة العسكرية الثانية. وفوق ذلك تمكن بوتفليقة من انتزاع ثلاث مديريات هامة كانت تابعة للمخابرات العسكرية وهي مديرية أمن الجيش ومديرية النشر والاتصال اللتين نقل الإشراف عليهما لقائد الأركان قايد صالح وأخيراً مديرية الشرطة القضائية.
كما استغل بوتفليقة سقوط الطائرة العسكرية في أم البواقي بتاريخ 11/2/2014، التي قتل كل ركابها ومن بينهم ابنة وزوجة قائد النخبة العسكرية السادسة وابن شقيقة الجنرال ابو زيد، فقام باعتقال العديد من الجنرالات مثل الجنرال عبدالقادر خمان رئيس مجموعة التدخل الخاصة لدائرة الاستعلام والأمن، واللواء جبارمهنى المدير السابق للأمن العسكري والجنرال حسان واسمه الحقيقي عبدالقادر آيت أورابي، الذي كان في السابق هو من "يحارب الإرهاب" بقواته الخاصة التابعة للمخابرات!.
وهكذا نجح بوتفليقة في محاصرة دور المخابرات العسكرية في الحياة السياسية وبخاصة رئيسها الجنرال محمد الأمين مدين المشهور بتوفيق. ومع اقتراب العهدة الرابعة لبوتفليقة انتقل الصراع بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات إلى العلن بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع على هرم السلطة.
لقد مثل تهجم عمار سعداني الأمين العام لجبهة التحرير الوطني على مدير جهاز المخابرات العسكرية الفريق محمد مدين في 3/2/2014 علامة فارقة في هذا الصراع. فقد طالب سعداني مدير المخابرات العسكرية الجنرال توفيق بالاستقالة "بعدما فشل في مهامه الاستخبارية"، واتهمه بـ"الفشل في حماية الرئيس محمد بوضياف وعبدالحق بن حمودة، وفشل في حماية رهبان نيجيريين وقصر الحكومة وموظفي الأمم المتحدة والرئيس بوتفليقة في باتنة والقواعد البترولية في الجنوب". وقال سعداني إن"توفيق كان عليه أن يستقيل بعد كل هذا الفشل".
كما اتهم سعداني الجنرال توفيق بـ"إثارة الفضائح كلما كان بحاجة للتخلص من رئيس جمهورية، فعل ذلك سنة 1997 مع زروال من خلال قضية محمد بتشين، وفي 2004 مع بوتفليقة من خلال قضية الخليفة، والآن مع بوتفليقة من خلال قضية سوناطراك وشكيب خليل". والحقيقة أنه ما كان لسعداني أن يطلق هذه الاتهامات العلنية ضد رئيس المخابرات لولا الدعم المطلق الذي يلقاه من مؤسسة الرئاسة وهيئة الأركان الموالية لبوتفليقة.
وقد أثارت تصريحات عمار سعداني ردود فعل قوية في الصحافة وعند الضباط المتقاعدين الموالين للجنرال توفيق إلى حد مطالبة البعض بمحاكمة سعداني بتهمة الخيانة العظمى. ودفع هذا الأمر عبدالعزيز بوتفليقة إلى أن يحذر من المساس بالمؤسسة العسكرية عند توجيهه رسالة تعزية إلى نائب وزير الدفاع قايد صالح بعد سقوط الطائرة العسكرية.
كما استغل أيضا بوتفليقة مناسبة اليوم الوطني للشهيد يوم 18/2/2014 ليقدم تصريحاً قرأه نيابة عنه وزير المجاهدين محمد الشريف عباس وذكر فيه "أن ما يثار من نزاعات وهمية بين هياكل الجيش الوطني الشعبي ناجم عن عملية مدروسة ومبيتة غايتها ضرب الاستقرار من قبل أولئك الذين يغيظهم وزن الجزائر ودورها في المنطقة"، وأضاف: "أمام هذا الخطر المحدق يتعين على المسؤولين كافة أن يثوبوا إلى ضميرهم الوطني وأن يتساموا فوق كافة أشكال التوتر التي يمكن أن تطرأ بينهم. إنه لا مناص من ذلك لضمان مستقبل الدولة ودفاعها وأمنها".
إلا أن تصريحات بوتفليقة هذه يجب أن تفهم في سياق أن أميركا تريد إضعاف دور المخابرات العسكرية في الحياة السياسية وليس إلغاء دور المؤسسة العسكرية في حفظ قيم العلمانية والدولة المدنية وتنفيذ سياسة محاربة الإرهاب. كما يجب أن تفهم تصريحات بوتفليقة في سياق تطمينه لضباط المؤسسة العسكرية العاملين فيها والمتقاعدين على حد سواء. وأخيراً فإن رسالة بوتفليقة التي بدأها بأن الصراع وهمي في هرم الجيش، وختمها بدعوة الضباط إلى التحلي بالمسؤولية، هي مجرد مناورة، هدفها الحد من الزوبعة التي أثارها المتعاطفون مع الجنرال توفيق داخل الطبقة السياسية والإعلامية.
وباقتراب بوتفليقة من نهاية سنوات حكمه يكون قد أنهى جميع خصومه داخل المؤسسة العسكرية وبخاصة في جهاز المخابرات الذي انحسرت صلاحيات رجاله إلى درجة أنه بات لا يؤخذ برأيهم في المسائل المتعلقة بمؤسستهم. واليوم وبعد عجز بوتفليقة ومرضه كان لزاماً عليه أن يستكمل آخر أدواره في خدمة أميركا وأهدافها، وذلك من خلال إشرافه على المرحلة القادمة المتمثلة فيما بات يطلق عليه "الانتقال الديمقراطي"، وهو الشعار الذي رفع بعد أحداث "الربيع العربي" بإيعاز وتدبير من أميركا. ولذلك تم الإبقاء على بوتفليقة ولو شكلياً في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الجزائر من أجل إنجاح عملية "الانتقال الديمقراطي"، وكذلك من أجل إبعاد مشكلة الصراع في داخل محيط الرئاسة حول خلافته.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:34 PM
السعيد بوتفليقة
من المعلوم أن السعيد بوتفليقة أخو عبدالعزيز بوتفليقة وكبير مستشاريه له نفوذ كبير في حكم البلاد إلى درجة أن البعض يعتبره الحاكم الفعلي. فالجنرال حسين بن حديد مستشار وزير الدفاع أيام حكم الرئيس الأمين زروال يقول بأن "بوتفليقة عاجز ومريض وأخوه السعيد يستثمر مرضه لصالحه"، مضيفاً: "السعيد هو المسيّر الفعلي في البلاد، وخصمه اللدود هو المخابرات. أليس هو شقيق الرئيس؟ ألا يسيّر كل شيء بالهاتف؟ الجميع خاضع ومنبطح له، الوزراء والولاة وحتى الشرطة، ما عدا الجيش، ولكن يستثنى من الجيش قايد صالح الموالي للرئيس". كما صرح ضابط المخابرات السابق هشام عبود في صحيفته "جريدتي" أن "السعيد بوتفليقة سيطر على منصب الرئيس بصفة غير شرعية بعد تدهور صحة الرئيس حد الشلل"..
وهكذا فإن ما أرادته أميركا أيضاً من وراء الدفع بعبدالعزيز بوتفليقة لعهدة رابعة هو أن تقطع الطريق على شقيقه سعيد بوتفليقة الذي كان يرغب في التربع على كرسي الحكم داخل القصر الرئاسي في المرادية. وقد كثر سابقاً الحديث في هذا الأمر بشكل دفع عبدالعزيز بلخادم الممثل الشخصي لبوتفليقة قبل ثلاث سنوات أن يتدخل علنياً ويصرح بأن كثرة الحديث عن ''السعيد بوتفليقة رئيساً مقبلاً للجزائر'' أثار اهتمام دول أجنبية؛ لذلك حرصتُ على التأكيد بأنه ''كان لا بد من إخراج البلاد من حالة التردد. إن الأمر يتعلق بمصلحة البلاد التي هي بحاجة إلى استمرار واستقرار'' وأشار بلخادم إلى أنه تعمد أن يضع حداً للجدل الذي قام حول ''خليفة عبدالعزيز بوتفليقة'' عبر الإعلان عن تطلع بوتفليقة نفسه لعهدة رابعة.
أما دور الأحزاب والحركات السياسية وبخاصة تلك التي في المعارضة، فنجدها متفقة كلها على ركيزة المشروع الأميركي في خديعة الربيع العربي؛ أي "الانتقال الديمقراطي" الذي سوف تمر به البلاد. ومن أجل إنجاح هذه "المرحلة لانتقالية "تعمل أميركا على جمع أكبر عدد ممكن من الأحزاب لتكوين قاعدة توافقية تطالب بالإصلاحات السياسية والدستورية.
ولإعطاء مزيد من الزخم لحراك الأحزاب السياسية بُعثت حركات شبابية تطالب بمقاطعة الانتخابات وتدعو إلى الديمقراطية والدولة المدنية مثل حركة شباب 8 مايو وحركة بركات وحركة رفض. ومن الواضح أن مهمة تلك الحركات الشبابية الاحتجاجية هو اشعال الأجواء السياسية وتهيئة الظروف لدخول الحركات السياسية على خط الحوار الوطني الجامع حول مشروع التوافق بين الإسلام والعلمانية.
وقد تجمعت الأحزاب السياسية الفاعلة قبل الانتخابات تحت ما عرف بـ"تنسيقية الأحزاب المقاطعة". وكان أكبر تجمع لها يوم 21 آذار/مارس حين حشدت الآلاف من أنصارها في قاعة حرشة بالجزائر العاصمة، للتعبير عن رفضها للانتخابات ومقاطعتها. وقد حضر هذا التجمع الشعبي محمد ذويبي رئيس حركة النهضة، ومحسن بلعباس رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وعبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، وجيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد المنسحب من سباق الرئاسة، والشيخ جاب الله عبدالله رئيس العدالة والتنمية. كما حضر الاجتماع رئيس الحكومة الأسبق والمرشح الرئاسي المنسحب أحمد بن بيتور وشخصيات عامة أخرى، مثل سعيد سعدي وعلي يحيى عبدالنور ولوط بوناطيرو وغيرهم.

حضور علي بلحاج
وكان حضور الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ علي بلحاج هو الذي مثل إضافة نوعية لهذا الاجتماع ودل على أن النظام رغم عدم اعترافه الرسمي بالجبهة إلا أنه يسمح لها بالتحرك السياسي مع بقية الأحزاب المعترف بها قانونياً. وهذا طبعا يدخل ضمن ما تريده أميركا من إيجاد قاعدة حزبية وشعبية واسعة لعملية الانتقال الديمقراطي التي تبشر بها في الجزائر.

المرحلة الانتقالية
إلا أنه رغم مقاطعة أهم أحزاب المعارضة للانتخابات الرئاسية بسبب رفضهم ترشح بوتفليقة للعهدة الرابعة إلا أنها تتفق جميعها في المطالبة بضرورة الدخول في مرحلة انتقالية قوامها حوار وطني شامل من أجل الوصول بالبلاد نحو توافق دستوري وسياسي يضم جميع الأطراف.
والغريب أنه حتى أطراف الحكم الداعمة للعهدة الرابعة تتفق مع أحزاب المعارضة في مسألة وجوب دخول البلاد في "مرحلة انتقالية"، بل إنها تتخذ من العهدة الرابعة نفسها ومن بقاء بوتفليقة في الحكم الضامن لإنجاح عملية الحوار الوطني والتوافق على التحول السياسي. وهذا يؤكد أن أميركا هي التي تدفع بالجميع سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة نحو إدخال الجزائر في إطار خديعة الربيع العربي مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلد وأهميته بالنسبة للسياسات الأميركية.
فقد قال عبدالعزيز بلخادم المستشار الخاص لبوتفليقة، أن العهدة الرئاسية 2014- 2019 ستكون عهدة "المرحلة الانتقالية"، واعتبر أن الرئاسيات المقبلة ستشكل كذلك مناسبة "لترسيخ" المسار الديمقراطي في الجزائر، وأضاف أنه يعتقد أن "العهدة المقبلة ستكون عهدة الانتقال للمرور من مرحلة لأخرى ومن جيل لآخر". وذكر بلخادم الأسباب التي جعلت الرئيس بوتفليقة يترشح لعهدة رابعة، وأبرز أن "السياق السياسي والأمني للمنطقة يضفي على هذا الاقتراع أهمية متميزة". وأضاف بلخادم "إن حزامنا الأمني مهزوز من طبرقة بتونس شرقاً، إلى السعيدية غرباً مروراً بليبيا والنيجر ومالي. يجب أن يحمي بوتفليقة الوطن من كل تجاوز ينجم من جوارنا".
أما رئيس المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) محمد العربي ولد خليفة فقد أكد بتاريخ 19/4/2014 غداة الإعلان عن النتائج الأولية الرئاسية 2014، أن العهدة الرابعة "سوف تفتتح صفحات جديدة من الديمقراطية التوافقية بين أطياف المعارضة والأغلبية في دولة القانون والمؤسسات الفاعلة والمشاركة الواسعة لمنظمات المجتمع المدني في جمهورية تنعم بالأمن والاستقرار وتتوفر على شروط دولة صاعدة ومحترمة في عالم اليوم".
في مقابل ذلك اعتبرت أطراف المعارضة أن هذه الانتخابات هي الفرصة الأهم للجزائر من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي بالبلد. فقد أعلن الرئيس الأسبق اليامين زروال في أول تصريح مطول له في الشروق الجزائرية بتاريخ 20/3/2014 أن العهدة الرئاسية "يجب أن تندرج في إطار تصميم وطني كبير وفق رؤية مشتركة حول مستقبل البلاد يتقاسمها مختلف الفاعلين في الساحة الوطنية".
وأضاف زروال، "ومهما كانت النتيجة التي ستتمخض عن اقتراع 17 نيسان/إبريل القادم، فإنه يجب أن يوضع في الحسبان وبالأخص، بأن العهدة الرئاسية القادمة تعتبر الفرصة الأخيرة التي ينبغي اغتنامها لوضع الجزائر على درب التحوّل الحقيقي. فكل المؤشرات الموضوعية تدعو إلى الشروع بصفة عاجلة وفي كنف الهدوء وبصفة سلمية، في الأشغال الكبرى لهذا المسعى الوطني المنقذ، الذي يستوجب إشراك جميع الجزائريين في إنجازه؛ وهو هدف وطني كبير يخطئ كل من يعتقد بأنه قد يتحقق بإرادة رجل واحد مهما كان ملهماً، ولا بإرادة قوة حزب سياسي وحيد مهما كان مستوى الأغلبية التي يمثّلها. فعظمة التصور الوطني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعظمة الشعب وقدرته على العمل باستمرار على كسب فضاءات ديمقراطية جديدة".

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:37 PM
موقف الجبهة الإسلامية للإنقاذ

أما الجبهة الإسلامية للإنقاذ فقد أصدرت بتاريخ 10/2/2014 بياناً حول الأزمة في الجزائر تدعو فيه "جميع الأحزاب والنخب السياسية إلى تحمل مسؤولياتها كاملة وإلى وضع خلافاتهم الحزبية جانباً لإنقاذ الجزائر من الخطر الذي يحدق بها والتأسيس لحوار جاد عن طريق الدعوة إلى لقاء وطني وبناء يهدف إلى البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع ولا تفرق، والتي توحد ولا تشتت قصد التباحث لإخراج الجزائر نهائياً من الأزمة المتفاقمة بالاتفاق على مرحلة انتقالية يشارك في تسييرها وصياغة دستورها جميع أطياف المجتمع المدني دون استثناء أو تهميش بما في ذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
وأعادت الجبهة تأكيد نفس الموقف الذي تسعى فيه أميركا مع بقية حركات المعارضة والنظام الجزائري في بيان لها بتاريخ 31/3/2014، جاء فيه: "الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتمثل موقفها في الدعوة إلى تنظيم مرحلة انتقالية حقيقية تشارك فيها جميع الفعاليات السياسية والاجتماعية المعتمدة والمحظورة بما في ذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبمشاركة السلطة. وأهم معالمها:- وضع دستور توافقي من طرف هيئة تأسيسية. - إعادة الكلمة للشعب الجزائري لاختيار ممثليه والمشاريع المعروضة عليه بكل حرية وسيادة دون إقصاء أو وصاية. - عدم القفز على الحلّ الشامل والعادل للأزمة الأمّ الناجمة عن مصادرة اختيار الشعب في 1992".
ثم توجهت الجبهة للأحزاب بالقول: "الجبهة الإسلامية للإنقاذ ترحب بالأحزاب السياسية والشخصيات التاريخية والوطنية المنادية بضرورة التعجيل بمرحلة انتقالية حقيقية لا مكر فيها ولا خداع، لا إقصاء فيها ولا تهميش من أجل تحقيق التغيير الجذري للنظام بطريقة سلمية سلسة قبل فوات الأوان".
ولإنجاح هذه المرحلة الانتقالية تتوجه الجبهة الإسلامية للإنقاذ لقوى التغيير بالقول: "على جميع قوى التغيير الجذري أن تسارع إلى تفعيل مطلب المرحلة الانتقالية سياسياً وإعلامياً وشعبياً وتوسيع نطاقها حتى يشارك فيها جميع الفعاليات السياسية والاجتماعية والشخصيات التاريخية والوطنية والدعوية والثقافية".
أما دور الجيش في الحياة السياسية والمرحلة الانتقالية فــ"ترى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أنّ الجيش للأمة وأنّ الضمان الوحيد لقوة مؤسسته ووحدته واحترافيته وفعاليته يتمثل في ابتعاده عن الصراع السياسي والتفرغ لمهامه الدستورية وهذا ما تضمنه له المرحلة الانتقالية التي ستعيد الكلمة للشعب وتخرج البلاد من أزمتها".

وأخيراً ختمت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بيانها بنداء جاء فيه: "أيها الشعب الجزائريّ الحرّ الأبيّ إنّ جبهتك الإسلامية للإنقاذ تدعوك إلى تحمل مسؤوليتك التاريخية مع الصادقين من أبنائك لاسترجاع حقك في الحرية والكرامة والسيادة والالتفاف حول الداعين للمرحلة الانتقالية، كما تدعوك للفطنة واليقظة لما يحاك داخلياً وخارجياً والرفض المطلق لسياسة الأمر الواقع بطريقة سلمية وحضارية. والله ولي التوفيق".

المرشح علي بن فليس
أما فيما يتعلق بالمنافس الأول لبوتفليقة أثناء الانتخابات الرئاسية وهو علي بن فليس، فإنه يحظى بدعم من جانب عدد من الضباط المتقاعدين وعلى رأسهم الجنرال والرئيس الأسبق الأمين زروال، وقائد جهاز الدرك الأسبق أحمد بن شريف، والجنرال محمد بتشين الرئيس السابق لمديرية الاستعلام والأمن "دي آر آس" قبل توليها من قبل الجنرال توفيق عام 1990، والعقيد حملات رمضان منسق مبادرة دعم ترشيح بن فليس. كما يستفيد بن فليس من دعم عدد من كبار الشخصيات السياسية مثل أحمد طالب الإبراهيمي، مقداد سيفي، يوسف الخطيب، عبدالله جاب الله، أبو جرة سلطاني، كريم يونس، وعدد من الجمعيات والمنظمات السياسية بما في ذلك قطاعات كبيرة داخل جبهة التحرير نفسها.
وهذا الدعم الذي يلقاه علي بن فليس يؤكد على أنه جزء من النظام السائد في الجزائر رغم أنه تقدم لمنافسة بوتفليقة في رئاسيات 2004 وفي الرئاسيات الأخيرة. ورغم أن بن فليس رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة واعتبرها "اعتداء على إرادة الشعب" ووصفها بأنها "تزوير شامل وهائل وعام"، إلا أنه أعلن بعد يومين من الانتخابات، أنه ينوي تأسيس تنظيم سياسي جديد، إما أن يكون حزباً أو حركة أو تجمعاً، و أنه سيعلن عن اسمه قريباً. وأكد أن هذا التنظيم سيكون " ديمقراطي ومستلهم من تاريخ الجزائر العميق وبيان أول تشرين ثاني/نوفمبر 1954، ومفتوح على الحوار مع كل الطبقة السياسية والمعارضة بالدرجة الأولى".

كيف ستتمكن أميركا من إحداث التغيير
أما كيف ستتمكن أميركا من إحداث هذا التغيير المرتقب في الجزائر بعد أن قامت بإبعاد المؤسسة العسكرية (رئاسة أركان ومخابرات عسكرية) من التدخل في الحياة السياسية، فإنها بصدد العمل على جمع القوى السياسية الفاعلة على صعيد خديعة الربيع العربي. وما إعلان علي بن فليس عن نيته في تأسيس حزب سياسي كجزء من المعارضة إلا دليل على انضمامه لكل الأطياف السياسية التي حشدتها أميركا من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية التي يتحدث عنها الجميع باعتبارها الطريق إلى ترسيخ النظام الديمقراطي، والحال أنها طريق إلى مزيد من تضليل الأمة.
وبما أن بوتفليقة أصبح عاجزاً عن الحركة والكلام بسبب الجلطة التي أصيب بها، يجري الحديث منذ مدة حول استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية يتولى مهام بوتفليقة في المرحلة القادمة. والحقيقة أن منصب نائب رئيس الجمهورية موجود في دستور 1976 منذ أيام حكم هواري بومدين، إلا أنه لم يجر تفعيله عملياً ولم يتم اختيار نائب يشغل هذا المنصب. ورغم أن عبدالملك سلال، رئيس الحكومة استبعد استحداث هذا المنصب عندما قال في 12/3/2014 أن "مشروع الدستور الجديد لا يلحظ منصب نائب للرئيس"، إلا أن خوف الغرب من "الفراغ الدستوري" وتشكيك المعارضة في قدرة بوتفليقة على أداء مهامه الدستورية، يفرضان تحديد هوية من ينوب عنه عبر التعديل الدستوري.
أما هوية من سيتولى هذا المنصب، فإنه بعد استبعاد قيام رئيس الوزراء الحالي عبدالملك سلال بأداء مهام رئيس الجمهورية طيلة السنوات الخمس المقبلة، يجري الحديث عن شخصيتين قريبتين من بوتفليقة وقامتا بأدوار كبيرة أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة، وهما أحمد أويحيى وعبدالعزيز بلخادم.
فأحمد أويحيى الذي شغل منصب رئيس وزراء وكان أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي جاء به بوتفليقة إلى دواليب السلطة وعينه قبل الانتخابات رئيس ديوان رئيس الجمهورية. أما عبدالعزيز بلخادم والذي كان رئيس وزراء وأميناً عاماً لجبهة التحرير الوطني وممثلاً شخصياً لبوتفليقة، استدعي قبل الانتخابات أيضاً ليكون المستشار الخاص لرئيس الجمهورية. ولذلك لا يستبعد أن يتولى أحدهما أو كلاهما منصب نائب الرئيس في حالة اتمام التعديل الدستوري الذي وعد به بوتفليقة عام 2011.
إن أميركا تدرك جيداً أنه لا يمكنها ترك مصير الجزائر هكذا دون ترتيب أثناء مرض بوتفليقة أو بعد وفاته، ولذلك فهي اتخذت من ترشيحه لعهدة رابعة مجرد أداة لتحقيق مرور الجزائر بخديعة الربيع العربي ولكن بأسلوب مختلف نظراً لأهمية البلاد الاستراتيجية بالنسبة لها. فالموقع الجغرافي للجزائر يجعلها دولة محورية في المنطقة وبخاصة في قضية الصحراء الغربية، وكونها أكبر قوة عسكرية يجعل دورها في تنفيذ خطة "محاربة الإرهاب" دوراً أساسياً بالنسبة لأميركا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وبسبب احتوائها على مصادر الطاقة فإن أوروبا تخشى من أي اضطراب يوقف تدفق الغاز الطبيعي نحوها عبر الخطوط العابرة تحت البحر الأبيض المتوسط.
ويكفي أن نذكر زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للجزائر أثناء الحملة الانتخابية في 2/4/2014 بمناسبة الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي الجزائري الأميركي للتأكيد على دعم أميركا لهذا التوجه الجديد الذي تسير فيه الجزائر. وقد تزامنت زيارة جون كيري مع زيارة أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، إلى الجزائر في نفس اليوم للدلالة على أن الجزائر قد ركبت قطار "الربيع العربي"، وبخاصة وأن الرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، عباسي مدني، مقيم حالياً في الدوحة. ولذلك تعمل أميركا بفضل عملائها أن تجعل من العهدة الرابعة الممنوحة لعبدالعزيز بوتفليقة طريقاً لإدخال الجزائر في مرحلة انتقالية تجمع كل المؤمنين بالديمقراطية التوافقية والدولة المدنية.

والخلاصة
فإن بقاء بوتفليقة هو من أجل إعادة إنتاج النظام على نحو مشابه لما جرى في تونس؛ أي دون إدخال الجزائر إلى دوامة كسوريا ومصر لأن القوى السياسية في الجزائر متفقة على النظام التوافقي بمن فيهم الجبهة الإسلامية وبالتالي فإن حكم بوتفليقة هو مرحلة انتقالية يتم خلالها إدخال الجبهة للمشاركة في الحكم لنفس الهدف الذي يخدم شرق أوسط أميركي خالٍ من المعارضة الجماهيرية لأن الأنظمة الجديدة أصبحت تحظى بتمثيل شعبي.
* * * * *
بوتفليقة والتغيير من الخارج
(من نشرة بعنوان "التعليق السياسي" لحزب التحرير مؤرخة في 27/12/2003م)
(إن العمل الجاد لن يكون من خلال استجداء الحكام الخونة "زعماء العصابات"، أو مشاركتهم في أنظمتهم التي تطبق الكفر، فالأمة الماجدة والتي أخذ أبناؤها يشقون طريقهم نحو الخلاص آن لها أن تدرك أن رقيق أميركا لن يتحولوا أحراراً، وأن من أرخص نفسه وأذلها وكرَّسها في خدمة الكفار ليبقى على كرسي الحكم لن يكون في صف أمته وسيبرر لأسياده ممنيا نفسه بالبقاء حتى آخر لحظة له في الحكم حتى وهو يدرك أنها لن تتركه له، وإذا كان صدام قد رمته أميركا "كما ترمي الفأر الميت" _حسب تعبير الشاه المخلوع_ بل لم تتوان أن تظهره بأذل صورة، فإن البعض قد توقع أن يكون ذلك عبرة لغيره من الحكام، ولكن يأبى أولئك إلا الصَّغار وأن يضربوا لنا المثل بنذالتهم وخستهم وانحيازهم لمعسكر الشيطان رعبا أو قناعة غير مبالين بما يؤذون به أبناء الأمة من قتل أو تشريد أو إفقار خضوعا منهم لأميركا والغرب الكافرين، فهذا الرئيس الجزائري بوتفليقة والذي حضر مؤخرا مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في بيروت يتحدث عن المستقبل والتغيير فيقول: "فإذا أردنا نهضة جديدة علينا أن نكف عن حصرها في المجال الديني وحينذاك يمكن للعالم العربي أن يتصالح مع القيم العالمية" أي قيم أميركا وأوروبا!! بل هو يرجع عدم النهضة خلال القرن الماضي ".. في الأساس لتصوراتنا الدينية ونظرتنا إلى العالم والحياة.." رغم أن ذلك المارق يدرك سيف الكفر المسلط على عنقه وعنق حكام المنطقة وأهلها ".. ولم يعد التغيير مطلبا داخليا بل شرطا علينا أن ننفذه قبل أن يفرض علينا من الخارج " فهل يبالي مثل هذا من الحكام بأي ثمن يبيع الأمة لأعدائها، وهل يؤمل عاقل أن التغيير يمكن أن يحدث من خلال العمل مع هذه الأنظمة التي ينطق حكامها بالخيانة والانحياز لقيم الحضارة الغربية الكافرة ويحاربون إسلام هذه الأمة جهارا نهارا بل وما زالوا يعتبرون الإسلام سبب الانحطاط والتخلف!).

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:40 PM
قراءات
الشورى فوق الديمقراطية
(من بحث سبق نشره للمفكر أحمد العناني في مجلة هدي الإسلام باختصار نشير لموضعه بنقاط)

الانحراف عن حقائق الإسلام:
كان المفروض في الواقع، أن نكون قد انتهينا من آثار غسيل الدماغ الغربي في صدد الانحراف بنا عن حقائق الإسلام الأساسية، ونظمه الإلهية التي هي في الواقع جزء لا يتجزأ من شريعة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولكن حقيقة الحال تغاير عن تلك الآمال، والمتهم الرئيسي في ذلك هو جامعاتنا العتيدة...واستروحت قلباً وعقلاً بالبروز الواضح هناك للذاتية الإسلامية غير المتوكئة على عصا الغرب، والعيب الأساسي في ذلك التوجه هو قياسنا على مقاييس الغرب في ألف شأن من العلوم الإنسانية وكان الصحيح أن يقاس الغرب بمقاييسنا.
...لقد كان كل ذي عقل وضمير مسلم على استعداد لعرض معرفتنا المعاصرة في الهندسة والصناعة على معرفة الغرب، فيقال أنّا وصلنا في هذا المجال كذا وكيت، ولكن عرض عقيدة الإسلام ونظم الإسلام وشخصية رسول الإسلام على مقاييس الغرب في موقف دفاعي ذليل لمجرد أن المسلمين حالياً دون سواهم في مضامير الفكر العلمي والصناعي كان خطيئة كبرى، وكان هو عملية الغسيل التي أضاعت صواب أناسٍ كثيرين منا، وجنت علينا في المجالات السياسية والقضائية وفي مجال المجتمع ونظمه وعاداته جنايات كبرى.....

الوعي الإسلامي المعاصر:
لقد ارتفعت شمس الوعي الإسلامي المعاصر حتى قاربت الضحى، ومع ذلك، فما زال أناس منا في المجال السياسي _أعني الفكر السياسي_ مستعدين للموت دفاعاً عن أمشاج ذميمة من التفكير القومي العنصري، ذلك الفكر الانفصالي العدواني الذي أضاع الأندلس فكرَّ مثل له حين تحول الناس هناك بعد سقوط الخلافة الأموية، بآخرة من القرن الرابع الهجري، إلى عرب وبربر وصقالبة... للعرب عاصمتهم في اشبيلية وللبربر عاصمتهم في غرناطة، وللصقالبة وجودهم المنفصل في مرسيه والشواطئ الشرقية، وتأصل ذلك التفكير العرقي الانفصالي حتى أضاع الأندلس برغم كل جهود وتضحيات المرابطين والموحدين من المغاربة، وها نحن نعاني من تمزق الإطار الجامع للمسلمين وخروج الفتنة متمثلة في قسمة الناس إلى فئات شتى. ذلك في المجال السياسي، أمّا في المجال التشريعي والقضائي، فحدث عن آثار ذلك الغسيل الذي غسلت به أدمغتنا ابتداءً بقوانين الأحوال الشخصية، حيث يريد كل متفلسف أن ينشئ شريعة جديدة تتسق مع أفكاره كسياسي كبير ومصلح خطير إلى الغربة الكبرى، وقاصمة الظهر وهي القول بوجود كيان للدين في الإسلام منفصل عن كيان الدولة.
وفي الفكر الاجتماعي ضُربنا في الصميم، حيث كان انتشار الجهل والفقر والفساد والمظالم بيئة مواتية يتذرع بحاجات إصلاحها كل المأخوذين بالأوضاع المادية المتقدمة للغرب، حتى برروا بوقاحة لا حدّ لها حفلات الرقص وتبذل النساء وشرب الخمور وإعادة هندسة الدور، وتبديل الأزياء بما يتلاءم مع حاجات الرقي على الطراز الغربي.
لكن هذه المظاهر الناتجة عن الفكر الاجتماعي المنحرف، يمكن أن تمحى بنفس السهولة والسرعة والانتشار التي وقعت، إذا ما ظل الفكر الفلسفي السياسي نظيفاً واضحاً. ولا مجال للشك الآن أن العالم الإسلامي يجد في كل مكان منه، رجالات جُدداً من المفكرين الذين يغسلون بفكرهم الإسلامي النظيف هذه الأدران التي ألصقت بنا، في محاولة طمس شخصيتنا الفكرية والحضارية من قبل على يد الغرب.

الشورى والديمقراطية:
من عهد قريب أهدى إليَّ شاب خليجي رسالة حصل بها على الدكتوراه، بعنوان "الشورى وأثرها في الديمقراطية" ورحت أقرأ الكتاب بسرعة وقلق بالغين فإن عنوانه استفزني تماماً، ومن عجب أنِّي وجدتني على توافق كبير مع المؤلف ولكني ظللت حائراً في العنوان... فالشورى التي أمر بها الله تعالى، يراد أن يقام الدليل على أنها يمكن أن تحقق وضعاً ديمقراطياً... وضربت كفاً بكف، عندما وجدت بعد مراجعة أعمق في الكتاب، أن المؤلف يضع الشورى في مقابل الديمقراطية، ليبرز ما يسميه بأوجه المغايرة وأوجه الاتفاق، وموقف "الديمقراطية المعاصرة" من بعض مظاهر الشورى في الإسلام... إلى آخر ذلك الكلام.
ضربت كفاً بكف، وأدركني الغم، حيث وجدت حتى في هذا الجيل الذي لم يشهد الاستعمار، بقايا ملموسة واضحة من التوجه الاستعماري الذي كان يملي على "مثقفينا"، مقارنة نظمنا بنظم الكفر، على مبدأ شوقي في الذي كان يظنه مدحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يخاطبه بقوله "الاشتراكيون أنت إمامهم"... فكأننا ما رحنا ولا جينا....

الإسلام... كيان فكري واحد لا يمكن فصم جوانب وتفاريع منه:
الإسلام كيان فكري واحد متماسك لا يمكن حله إلى أقسام وتفاريع، ولا يمكن أن ينهض شيءٌ أو وضع اسمه "الوضع الإسلامي" بقيام نظام سياسي فيما هنالك "نظام اقتصادي" أو "اجتماعي" في استقلال ومعزل عن الذي يسمى "نظاماً سياسياً"، ولتهوين الأمر وإيضاح ما أريد تماماً أقول إن شجرة الرمان ذاتية مختلفة ومنفصلة عن شجرة التين... إن سر "الرمانية" موجود في جذور الرمانة وسوقها وأوراقها وثمرها، كما أن سر "التينية" موجود في كل جزء من التين... إن ماء الحياة الحامل سرَّ النواة الأولى والمصطبغ بصبغتها، يجري بنفس صفاته من الجذر إل آخر جزء من آخر فنن على آخر جذع في الرمانة... كما أن سرَّ التينية يسري ماء حياة تينية في سائر أغصان ورق التين وثمره... كيف يمكن أن تقول بعد ذلك هذا شيءٌ من الرمانة أو بضعة من التينة تشبه تلك أو هذه من أشجار أخرى.
إن نواة الإسلام هي التوحيد، وما القرآن إلا غيث الرحمة الإلهية التي تأخذ سر النواة، لتوزع في سائر شجرة الإسلام، كما تأخذ من السنة الشريفة ومن كل أفعال الأبرار الذين هم ثمرات شجرة الإسلام، وبضعة من نفس الكيان.
ومن هنا كان سخفاً أن يورد كلام يقسم الإسلام إل تفاريع لها ذاتيات مختلفة، وأسخف من ذلك السخف مقارنة بضعة من شجرة الإسلام بشيءٍ آخر من عالم الوثنية أو الشرك... وبالأحرى الفكر الوثني الإغريقي، أو المادي الملحد، أو الدنيوي المحض القائم على النفعية.

الوجود الإسلامي وجود فذ:
وهكذا فالوجود الإسلامي وجود فذ لا يقارن باشتراكية ولا ديمقراطية وليس هناك في الوجود المتحد للإسلام بضعة مميزة يمكن وسمها بأنها النظام كذا أو النظام كيت.
وانظر هل تستطيع أن تفصل الزكاة عن العبادة، وعن صلب العقيدة. وعن توجه المسلم حيال الله جل جلاله وحيال وجوده الأخروي.
وما أحسب أن الكلام عن الدنيا مقصود به في ظل الإسلام حديثاً منفصلاً عن الآخرة... وإنما هو يبدو كذلك أحياناً لسمع السامع، تبسيطاً للأمور على الأفهام العامة المتوسطة الذكاء... فالموقف الإسلامي هو في كون الدنيا مزرعة الآخرة وكون العمى فيها هو العمى في الآخرة، وإن ميراث الدنيا هو متبوَّأ الآخرة.
إن التفاعل بين ما هو منشط اقتصادي أو "اجتماعي" أو "سياسي" تفاعل قائم في دورة محكمة متماسكة متتابعة تتابع الذرات في دورانها حول المحور أو النواة، أو تتابع الأفلاك السائرات في فلك شمس واحدة.
إن التصرف الاقتصادي في الإسلام لا يصدر منفصلاً عن التصرف الذهني المتصل بأساس عقيدة الإسلام، ولا ينتج عنه وضع سياسي منفصلاً عن ذلك الأصل الذهني.. فالوجود الإسلامي وجود متحد، ولا يمكن أن تجد في جانب منه شيئاً لا يحمل سره كله، سرّ نواته وماء حياته.

لا قرابة بين الشورى... والديمقراطية
الشورى جزء من الأمر الإلهي متصل بالتوحيد... وإرادة الله فوقية وكلمة الله هي العليا... ولا تقارن بما هو سفلي كالديمقراطية أو سواها.
الشورى هي مجال التعاون الذهني بين المسلمين في تفصيلات لم يرد بها نص أمر إلهي.
ولو كان الله تعالى أراد أن يأمر رسوله بإنشاب القتال مع جيش قريش القادم من مكة بعد إفلات قافلة أبي سفيان، لما كان محمد صل الله عليه وسلم ليجمع رجاله الثلاثمائة وخمسة قبل بدر ليقول لهم "أشيروا عليَّ أيها الناس"، ولكان قال أيها المهاجرون والأنصار إن الله يأمركم بقتال قريش.
....ليس هناك شورى في أمر من القرآن الكريم أو أمرٍ أقره الرسول الكريم.....
.....ليت الذين يتكلمون عن الديمقراطية يراجعون معلوماتهم وإلا فعندي طائفة من الملاحظات كم يسعدني أن أذكر بها.
الديمقراطية لفظة أو تعبير يوناني يعني حكم الشعب نفسه أو بالشعب، وكان معقل هذه الفكرة المرفوضة في إسبارطة وكورنث وجزيرة الموره هو مدينة أثينا. وكان في أثينا مجموعة قبائل آرية غزت تلك البلاد فيمن غزاها من قبائل الإغريق الآريين الذين جعلوا سائر السكان المغلوبين من أصحاب البلاد الشرعيين عبيداً في خدمتهم بكل ما تعنيه كلمة العبودية... وكان عدد هؤلاء في أثينا بالذات خصوصاً لوجود المرفأ البحري التابع لها في بيريه أضعاف عدد رجال القبائل المميزين.
ولم يكن لأحد من أولئك العبيد من المُلاك الشرعيين للأرض أي حق من أي نوع، كانوا يسمونهم الهيلوتس وهي كلمة احتقار ويعاملونهم معاملة الحيوانات المنبوذة، وبالطبع ليس لهم شيءٌ في رحمات الديمقراطية ثم كانت شريعة القضاء في تلك الديمقراطية، تقضي بصدور أحكام متنوعة على المتهم وفق حاله المالية ومحصوله السنوي من الحبوب والزيت، فيحكم في جريمة القتل العمد بأحكام مختلفة تتراوح بين الإعدام والتعزير، وفق الوجاهة المقاسة بالمحصول السنوي كما قلت، كانت تلك الديمقراطية تقضي بنفي الرجل من البلد أو إعدامه إذا ما اجتمع عدد معين من أصحاب الأصوات في المجلس ضده... ولم تنج رقبة سقراط من عصبة الأغنياء الأثينيين وهو الرجل المعلم البسيط، لما تبين لتلك العصبة أن دروسه تزعج مصالحهم.
..... فهل هذه هي الديمقراطية التي يراد لنا أن نثبت أن الإسلام هو الآخر له حظ منها.
اللهم اهد قومنا فإنهم لا يعلمون ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:41 PM
الوعي على مخططات الكفار مانع من حصول الفتنة بين المسلمين

لقد منّ الله على المسلمين برابطة العقيدة الإسلامية وجعلها عروة وثقى لا انفصام لها ولا أقوى منها وجعل جميع الروابط دونها روابط جاهلية صمّاء عميّة .وإن الكافر قد خَبِرَ صلابتها وقوتها ونتائجها على مرّ الزمان منذ بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى أن استطاع بخبثه وخيانة بعض المرتزقة من المسلمين الذين وضعوا أيديهم بيده ليجهزوا على ما بقي للمسلمين من دار، مستغلين بذلك الجهل واللّاوعي والانخفاض الفكري الذي طرأ على أذهان غالبية المسلمين، فأشعل نار الفتنة وأنزلهم من خير منزل إلى شرِّ المنازل.
فبعد أن كانوا إخوة مؤمنين مرتبطين بخير الروابط رابطة العقيدة الإسلامية صار ينـادي من بينهم بالقومية، فصار النعيق بالقومية العربية يتردد صداه بالقومية التركية حتى احتضر الرجل المريض، وقتّل المسلمون بعضهم بعضاً، ونال الغرب الكافر ما سعى من أجله سنوات وسنوات فرافقه الفشل، حتى حازه من أيادٍ آثمة من أبنـاء المسلمين أنفسهم فأعدمت الخلافة ومزّقت بلاد المسلمين شرّ ممزق وانتزع قلبها (فلسطين) وقدم على طبق من خيانة أبنـاء المسلمين أنفسهم مطليٌ بالعار والشنار في جباه هؤلاء الخونة ليهود أجبن خلق الله ! ولم يزل الكافر المستعمر يمكر بالإسلام والمسلمين ليومنا هذا بل ولن يكف عن مكره إلا إذا كفّ المسلمون مكره وأحبطوا خططه وأخـذوا بالعزيمة على استعادة ما ضاع منهم واستأنفوا واجبهم الذي أوجبه الله عليهـم ألا وهو حمل الإسلام للعالمين؛ ليبـزغ من جديد فجر الإسلام الذي طال انتظاره؛ ليذهب دجى الكفر العنيد الذي طال بقــاؤه.
ولا يكون هذا إلا بالعودة للنبع الصافي للإسلام والأخذ بأفكاره وحدها ونبذ كل فكر من دونه والوعي على أحكام الإسلام وعلى ما يمكر بالإسلام وأهله، ومن أعظمها إذكاء الفتنة بين المسلمين أنفسهم فيقتل بعضهم بعضاً ويضعف بعضهم بعضاً، وتدمر البلاد ويشرّد العباد ويلقي كل فريق منهم بنفسه في أحضان الغرب الكافر مستعيناً به على أخيه، فيمكّن له من البلاد والعباد ويبقى هو تابعاً ذليلاً لسيده بعد أن قدّم بنفسه صكّ عبوديته وتبعيته له فوق دماء المسلمين!

ولذلك نركز وندعو إلى الحقائق التالية:
** دم المسلم على المسلم حرام، وعرضه وماله حرام.
** الاختلاف داخل الإطار الشرعي رحمة.
** العقيدة الإسلامية هي الرابطة وما دونها جاهلية باطلة.
** الولاء لله وللرسول وللمؤمنين والانتماء لهذه الأمة المبدئية في المواقف والوعي الشرعي والسياسي لا الانجرار لما يمليه الواقع.
بهذا تأمن الأمة لهيب الفتن وتأمن سهام الغرب الكافر المستعمر وتزرع في صدره سيفاً قاطعاً مسكتاً لحبائل حقده وفحيحه المملوء بالسمّ الزعاف وإن أمتي فيها الخير والقدرة وليس هذا بعيد المنال.

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:47 PM
﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
(من ملخص لتقرير مؤسسة راند الصادر سنة 2007م بتصرف يسير)
صدر عن مؤسسة راند (RAND Corporation) تقريرها لسنة 2007م، والذي مكثت مؤسسة راند ثلاث سنوات في إعداده، وتقاريرها التي تُصدرها ترسم خطةُ للسياسة الأميركية في التعاملِ مع الأحداث في العالم أجمع، ومنها منطقة ما يسمونه بـ"الشرق الأوسط"، وقد حمل التقرير قضايا خطيرة جداً، وعنون للتقرير "بناء شبكات مسلمة معتدلةBuilding Moderate Muslim Networks ".
... ولنعلم أن هؤلاء القوم يعملون ليلاً ونهاراً سراً وعلانيةً لحرب هذا الدين، ومحاولة زرعِ إسلام جديد بتفاصيل أميركية أو "إسلام ليبرالي" على وزن "إسلام شيوعي".
الأكثر خطورة في تقرير مؤسسة "راند" لعام 2007م الذي غالباً ما تظهر آثار تقاريرها في السياسة الأميركية مثل "إشعال الصراع بين السنة والشيعة"... أنه يدعو لما يسميه "ضبط الإسلام نفسه وليس "الإسلاميين" ليكون متمشياً مع "الواقع المعاصر". ويدعو للدخول في بنيته التحتية بهدف تكرار ما فعله الغرب مع التجربة الشيوعية!
فتقارير "راند" ما قبل تقرير سنة 2007م مثل _تقرير 2004_ كانت تشجيع إدارة بوش على محاربة "الإسلاميين المتطرفين" عبر: خدمات علمانية (بديلة)، ويدعون لـ"الإسلام المدني"، بمعنى دعم جماعات المجتمع المسلم المدني التي تدافع عن "الاعتدال والحداثة"، وقطع الموارد عن المتطرفين، بمعنى التدخل في عمليتي التمويل وشبكة التمويل، بل وتربية كوادر مسلمة عسكرية "علمانية" في أميركا تتفق مصالحها مع مصالح أميركا للاستعانة بها في أوقات الحاجة.
ولكن في تقرير سنة 2007 "بناء شبكات مسلمة معتدلة"، يبدو أن الهدف يتعلق بتغيير الإسلام نفسه والمسلمين ككل بعدما ظهر لهم في التجارب السابقة أنه لا فارق بين "معتدل" و"متطرف" وأن الجميع يؤمن بجدوى الشريعة في حياة المسلم، والأمر يتطلب "اللعب في الفكر والمعتقد ذاتهما".
من هو "المعتدل".. أميركياً؟!:
من يقرأ التقرير سوف يلحظ بوضوح أنه يخلط بشكل مستمر وشبه متعمد ما بين "الإسلاميين" و"الراديكاليين" و"المتطرفين"، ولكنه يطالب بدعم أو خلق تيار "اعتدال" ليبرالي مسلم جديد أو Moderate and liberal Muslims ، ويضع تعريفات محددة لهذا "الاعتدال الأميركي"، بل وشروط معينة، من تنطبق عليه فهو "معتدل" _وفقاً للمفهوم الأميركي للاعتدال، ومن لا تنطبق عليه فهو متطرف.
ووفقاً لما يذكره التقرير، فالتيار (الإسلامي) المعتدل المقصود هو ذلك التيار الذي :
1_ يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
2_ يؤمن بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج .
3_ يؤمن بحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة .
4_ يدعم التيارات الليبرالية .
5- يؤمن بتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: "التيار الديني التقليدي" أي تيار رجل الشارع الذي يصلي بصورة عادية وليست له اهتمامات أخرى، و"التيار الديني الصوفي" - يصفونه بأنه التيار الذي يقبل الصلاة في القبور.
يقول التقرير _في مقدمـة الفصل الخامس_ إن أميركا دعمت في أوقات سابقة ما اعتبرته قوى معتدلة إسلامية في الأردن والمغرب (حزب العدالة والتنمية) و"فوجئنا أننا أخطأنا وأننا دعمنا غير المعتدلين".

عبد الواحد جعفر
16-05-2014, 06:48 PM
شروط المسلم المعتدل

ما هو تعريف (المعتدل) _من وجهة النظر الأميركية_ وتكون بمثابة اختبار يعطي للشخص المعرفة إذا كان معتدلاً أم لا؟. وهذه المعايير-حسب تقرير مؤسسة راند الامريكية - هي:
1_ أن الديمقراطية هي المضمون الغربي للديمقراطية.
2_ أنها تعني معارضة "مبادئ دولة إسلامية".
3_ أن الخط الفاصل بين المسلم المعتدل والمسلم المتطرف هو تطبيق الشريعة.
4_ أن المعتدل هو من يفسر واقع المرأة على أنه الواقع المعاصر، وليس ما كان عليه وضعها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
5_ هل تدعم وتوافق على العنف؟ وهل دعمته في حياتك من قبل أو وافقت عليه؟.
6_ هل توافق على الديمقراطية بمعناها الواسع.. أي حقوق الإنسان الغربية (بما فيها الشذوذ وغيره)؟ .
7_ هل لديك أي استثناءات على هذه الديمقراطية (مثل حرية الفرد في تغيير دينه)؟.
8_ هل تؤمن بحق الإنسان في تغيير دينه ؟.
9- هل تعتقد أن الدولة يجب أن تطبق الجانب الجنائي من الشريعة؟ وهل توافق على تطبيق الشريعة في جانبها المدني فقط (الأخلاق وغيره)؟ هل توافق على أن الشريعة يمكن أن تقبل تحت غطاء علماني (أي القبول بتشريعات أخرى من غير الشريعة)؟.
10_ هل تعتقد أنه يمكن للأقليات أن تتولى المناصب العليا؟ وهل يمكن لغير المسلم أن يبني بحرية معابده في الدول الإسلامية.
11_ وبحسب الإجابة على هذه الأسئلة سوف يتم تصنيفه هل هو معتدل (أميركياً) أم متطرف؟!.
ويذكر التقرير ثلاثة أنواع ممن يسميهم (المعتدلين) في العالم الإسلامي، وهم :***
أولاً: العلماني الليبرالي الذي لا يؤمن بدور للدين.
ثانياً: "أعداء المشايخ".. ويقصد بهم هنا من يسميهم التقرير " الأتاتوركيين " - أنصار العلمانية التركية - وبعض " التونسيين".
ثالثاً: الإسلاميون الذين لا يرون مشكلة في تعارض الديمقراطية الغربية مع الإسلام.
ثم يقول بوضوح إن التيار المعتدل هم من: يزورون الأضرحة، والمتصوفون ومن لا يجتهدون.
ويطرح أفكاراً لمواجهة اتهام أنصاره بالعمالة، ويؤكد أهمية برامج التلفزيون التي تركز على فكرة (التعايش) مع الغرب. الدراسة أو التقرير خطير كما هو واضح ومليء بالأفكار السامة التي تركز على ما يسمونه "علمنة الإسلام"، ومناصرة العلمانيين ودعمهم في المرحلة المقبلة، ويصعب جمع ما فيها في تقرير واحد، ولكن الأمر المؤكد أن الدراسة تركز _كما يقول مؤلفها الرئيسي في حوار صحفي_ على أن " الهدف ليس طرح الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، وإنما بين العالم الإسلامي بعضه بعضاً"؛ أي ضرب الإسلام والمسلمين من الداخل على غرار تجربة ضرب الشيوعية.

نائل سيد أحمد
20-05-2014, 10:44 AM
جزاكم الله خيراً .

ابو عصام
23-05-2014, 03:58 PM
الاخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا: العدد الجديد من المجلة زاخر بالمواضيع الفكرية والسياسية القيمة ، والشكر موصول لكل من ساهم في مواضيع المجلة وجزاهم الله كل خير ، وجعل اعمالهم في نشر الوعي عند الامة على قضاياها ودفعها للعمل من اجل استنقاذ نفسها وان تعود امة الرسالة لتخرج الناس من الظلمات الى النور في ميزان حسناتهم يوم القيامة .
ثانيا : حبذا لو يتم اعادة وضع الكتيب الملحق بعنواوين بالخط الاحمر مرة اخرى في هذا القسم ، وان امكن وضع الكتيب تاليا لعدد المجلة فهو افضل واكمل لانه يظهر ان الكتيب تابع لعدد المجلة ، والرجوع الى الكتيب التابع للمجلة سيكون مستقبلا اكثر يسرا وسهولة وبوركتم .