عبد الواحد جعفر
05-05-2014, 05:56 PM
** لبنان: الفراغ الرئاسي بانتظار توافقات إقليمية ودولية **
مقدمة
بعد فشل جلسة الانتخاب الأولى التي عقدت يوم 23 أبريل/ نيسان، وجلسة الانتخاب الثانية يوم 30 أبريل/ نيسان في الاتفاق على رئيس جديد[1]، تعاظمت مخاوف اللبنانيين من حدوث فراغ في سُدَّة رئاسة الجمهورية. وكانت المهل الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد قد بدأت في الخامس والعشرين من آذار/ مارس 2014، لتنتهيَ في 25 أيار/ مايو، وهو اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان، وذلك وفق نص المادة 73 من الدستور اللبناني. ويكتسب انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أهميةً خاصةً بالنظر إلى أنّه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، فضلًا عن أنه "رمز وحدة الوطن. ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه"[2].
وعلى الرغم من أنه لا يوجد في الدستور ما يعقد الرئاسة الأولى في لبنان للموارنة، وهي الحال عينها بالنسبة إلى تخصيص الطوائف الأخرى بالرئاسات المختلفة (رئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، ورئاسة الحكومة للطائفة السنية، ونائب رئيس مجلس النواب للروم الأرثوذكس)، فقد أرسى "الميثاق الوطني" الذي أُقرَّ عام 1943، من خلال اتفاق غير مكتوب، التوزيع الطائفي المعمول به حتى اليوم[3].
ويُنتخب رئيس الجمهورية بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورات اللاحقة. ومنذ الاستقلال حتى اليوم تُبين الانتخابات السَّابقة أنّ الممارسة استقرت على اعتماد نصاب الثلثين في كلّ جلسات انتخاب رؤساء الجمهورية منذ عام 1943، بما فيها تلك التي جرت في أجواء الحرب عام 1976 لانتخاب خلفٍ للرئيس سليمان فرنجيه، وجلسة انتخاب بشير الجميل صيف عام 1982. فلقد طال انتظار اكتمال النصاب في المدرسة الحربية في الفياضية؛ لذلك لم تنعقد الجلسة إلَّا بعد انقضاء ساعتين ونصف، وبعد ما اكتمل نصاب الثلثين.
إنّ اشتراط نصاب الثلثين في كلّ جلسات الانتخاب غير وارد في الدستور، بل هو اجتهاد من مكتب المجلس تحوَّل إلى عُرف، وهو أمرٌ يجعل من المستحيل إتمام عملية انتخاب الرئيس إلا بالتوافق مع الشريك المسلم (نصف البرلمان) بقطع النظر عن الانقسامات والخلافات السياسية والحزبية بين المسيحيين. وفي وضع انقسام حادٍّ شِبه تناصفي (كما هو الحال اليوم بين تحالفي 8 و14 آذار) يصبح من غير الممكن تأمين نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة أو حصول انتخابات حقيقية، وإحلال محلّها عملية توافق مسبق على شخص الرئيس تفرضها معادلات دولية وإقليمية، كما حصل في معظم الانتخابات الرئاسية السَّابقة، أو عبر تغيير ميزان القوى؛ بمعنى الغلبة العسكرية، كما حصل في مناسبات عديدة سابقة أيضًا[4].
صلاحيات رئيس الجمهورية قبل الطائف وبعده[5]
طرأت، بموجب اتفاق الطائف الذي جرى التوصل إليه عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت نحو 15 عامًا، تغييرات مهمّة على صلاحيات رئيس الجمهورية، فقبل الاتفاق كانت السلطة الإجرائية بموجب المادة 17 "تناط برئيس الجمهورية، وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقًا لأحكام الدستور". وقد جرى تعديل هذه المادة في الطائف، لتصبح السلطة الإجرائية "منوطةً بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفقًا لأحكام هذا الدستور". وبموجب المادة 18 كان "لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حقّ اقتراح القوانين". أمَّا في الطائف فقد سُحب هذا الحقّ من رئيس الجمهورية، وأصبح "لمجلس النواب ومجلس الوزراء حقّ اقتراح القوانين، ولا ينشر قانون ما لم يقره مجلس النواب". وبموجب المادة 33 كان لرئيس الجمهورية أن "يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية". وبعد التعديلات أصبح "لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو إلى العقود الاستثنائية".
وتنص المادة 49 من الدستور، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، على أنّ ولاية الرئيس مدتها "ست سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزًا الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح". وفي التعديلات أضيفت إلى هذه المادة أيضًا فقرة تؤكِّد أنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العامّ، مدةَ قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليًّا عن وظيفتهم، أو تاريخ إحالتهم على التقاعد". ولكن جرى خرق هذا الشرط في عهد الرئيس بشارة الخوري (1943 - 1952)، والرئيس إلياس الهراوي (1989 - 1998) والرئيس إميل لحود (1998-2007)؛ إذ مُدِّدت رئاساتهم إلى نصف فترة رئاسية، بعد تعديل الدستور في كلّ مرَّة.
وبموجب المادة 52 من الدستور كان رئيس الجمهورية "يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، ويطلع المجلس عليها حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة". أمَّا بعد الطائف فقد بقيَ رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، لكن "بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمةً إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة".
وبعد أن كان "رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيسًا ويقيلهم ويولي الموظفين مناصب الدولة، ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر"، جاء تعديل المادة 53 لتُسحب منه هذه الصلاحية، ويسمح له "بتسمية رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استنادًا إلى استشارات نيابية ملزمة، يطلعه رسميًّا على نتائجها"، كما أصبح على الرئيس أن "يصدر، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم" (بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة بموجب المادة 69)، ثمّ إنه صار في إمكانه أن "يدعو مجلس الوزراء استثنائيًّا، كلما رأى ذلك ضروريًّا، بالاتفاق مع رئيس الحكومة". وتركت له هذه المادة أن يصدر منفردًا مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء، ومراسيم قبول استقالة الحكومة، أو المراسيم التي تعدُّها مستقيلةً، وإحالة مشاريع القوانين التي تُرفع إليه من مجلس الوزراء على مجلس النواب، واعتماد السفراء وقبول اعتمادهم، وترؤُّس الحفلات الرسمية، ومنْح الأوسمة، والعفو الخاص بمرسوم، وتوجيه رسائل إلى مجلس النواب عندما تقتضي الضرورة ذلك، وعرْض أيّ أمرٍ من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.
وبموجب المادة 55 من الدستور كان يحق لرئيس الجمهورية أن "يتخذ قرارًا، معللًا بموافقة مجلس الوزراء، بحلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة". وجاءت تعديلات الطائف لترتبط بالحالات المنصوص عليها في المادتين 65 و77 من الدستور، و"يعود لرئيس الجمهورية عندها الطلب إلى مجلس الوزراء، حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. فإذا قرر مجلس الوزراء بناءً على ذلك حلّ المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل". وهذا يعني أنّ رئيس الجمهورية يبقى مرتهنًا بموافقة مجلس الوزراء على طلب حلّ مجلس النواب. وأعطت المادة 56 المتعلقة بنشر القوانين الرئيس بعد تعديلات الطائف "حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أيّ قرار من القرارات التي يتخذها المجلس، خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصر مجلس الوزراء على القرار المتخذ، أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته، يعتبر القرار أو المرسوم نافذًا حكمًا ووجب نشره".
ونصت المادة 57 بعد الطائف على "حق رئيس الجمهورية طلب إعادة النظر في القانون مرةً واحدةً ضمن المهلة المحددة لإصداره"، مضيفةً إلى ذلك شرطًا نصُّه "بعد اطلاع مجلس الوزراء [...] وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر نافذًا حكمًا ووجب نشره". وقد أُضيف إلى المادة 58 تعديلات بوجوب إدراج كلّ مشروع قانون ترى الحكومة أنه مستعجل "في جدول أعمال جلسة عامة لمجلس النواب، وتلاوته فيها، وفي حال مضي أربعين يومًا دون أن يبت به"، يمكن حينئذٍ لرئيس الجمهورية أن يصدر مرسومًا يقضي بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء. وبما أنّ السلطة الإجرائية أُنيطت بمجلس الوزراء، فقد تحولت صلاحية دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي للبتِّ نهائيًّا في شأن مشروع الموازنة، من رئيس الجمهورية منفردًا بموجب المادة 86 من الدستور، تجاه اتفاقه مع رئيس الحكومة على توجيه هذه الدعوة، بموجب النص الجديد للمادة، وأُنيط كلّ ما كان للرئيس بمجلس الوزراء.
وتوضح مجمل هذه التعديلات التي جرت الإشارة إليها أنّ معظم الصلاحيات التي كان ينفرد بها رئيس الجمهورية قد أُنيطت بمجلس الوزراء، في إطار الصيغة التي بينت مدى التغيير الذي طرأ على ميزان القوى الاجتماعي والسياسي في لبنان بسبب الحرب الأهلية. وعلى الرغم من ذلك ظلّ منصب الرئيس مهمًّا، تدور حوله معارك سياسية كبرى في البلد العربي الصغير والمتنوع.
مقدمة
بعد فشل جلسة الانتخاب الأولى التي عقدت يوم 23 أبريل/ نيسان، وجلسة الانتخاب الثانية يوم 30 أبريل/ نيسان في الاتفاق على رئيس جديد[1]، تعاظمت مخاوف اللبنانيين من حدوث فراغ في سُدَّة رئاسة الجمهورية. وكانت المهل الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد قد بدأت في الخامس والعشرين من آذار/ مارس 2014، لتنتهيَ في 25 أيار/ مايو، وهو اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان، وذلك وفق نص المادة 73 من الدستور اللبناني. ويكتسب انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أهميةً خاصةً بالنظر إلى أنّه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، فضلًا عن أنه "رمز وحدة الوطن. ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه"[2].
وعلى الرغم من أنه لا يوجد في الدستور ما يعقد الرئاسة الأولى في لبنان للموارنة، وهي الحال عينها بالنسبة إلى تخصيص الطوائف الأخرى بالرئاسات المختلفة (رئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، ورئاسة الحكومة للطائفة السنية، ونائب رئيس مجلس النواب للروم الأرثوذكس)، فقد أرسى "الميثاق الوطني" الذي أُقرَّ عام 1943، من خلال اتفاق غير مكتوب، التوزيع الطائفي المعمول به حتى اليوم[3].
ويُنتخب رئيس الجمهورية بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورات اللاحقة. ومنذ الاستقلال حتى اليوم تُبين الانتخابات السَّابقة أنّ الممارسة استقرت على اعتماد نصاب الثلثين في كلّ جلسات انتخاب رؤساء الجمهورية منذ عام 1943، بما فيها تلك التي جرت في أجواء الحرب عام 1976 لانتخاب خلفٍ للرئيس سليمان فرنجيه، وجلسة انتخاب بشير الجميل صيف عام 1982. فلقد طال انتظار اكتمال النصاب في المدرسة الحربية في الفياضية؛ لذلك لم تنعقد الجلسة إلَّا بعد انقضاء ساعتين ونصف، وبعد ما اكتمل نصاب الثلثين.
إنّ اشتراط نصاب الثلثين في كلّ جلسات الانتخاب غير وارد في الدستور، بل هو اجتهاد من مكتب المجلس تحوَّل إلى عُرف، وهو أمرٌ يجعل من المستحيل إتمام عملية انتخاب الرئيس إلا بالتوافق مع الشريك المسلم (نصف البرلمان) بقطع النظر عن الانقسامات والخلافات السياسية والحزبية بين المسيحيين. وفي وضع انقسام حادٍّ شِبه تناصفي (كما هو الحال اليوم بين تحالفي 8 و14 آذار) يصبح من غير الممكن تأمين نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة أو حصول انتخابات حقيقية، وإحلال محلّها عملية توافق مسبق على شخص الرئيس تفرضها معادلات دولية وإقليمية، كما حصل في معظم الانتخابات الرئاسية السَّابقة، أو عبر تغيير ميزان القوى؛ بمعنى الغلبة العسكرية، كما حصل في مناسبات عديدة سابقة أيضًا[4].
صلاحيات رئيس الجمهورية قبل الطائف وبعده[5]
طرأت، بموجب اتفاق الطائف الذي جرى التوصل إليه عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت نحو 15 عامًا، تغييرات مهمّة على صلاحيات رئيس الجمهورية، فقبل الاتفاق كانت السلطة الإجرائية بموجب المادة 17 "تناط برئيس الجمهورية، وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقًا لأحكام الدستور". وقد جرى تعديل هذه المادة في الطائف، لتصبح السلطة الإجرائية "منوطةً بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفقًا لأحكام هذا الدستور". وبموجب المادة 18 كان "لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حقّ اقتراح القوانين". أمَّا في الطائف فقد سُحب هذا الحقّ من رئيس الجمهورية، وأصبح "لمجلس النواب ومجلس الوزراء حقّ اقتراح القوانين، ولا ينشر قانون ما لم يقره مجلس النواب". وبموجب المادة 33 كان لرئيس الجمهورية أن "يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية". وبعد التعديلات أصبح "لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو إلى العقود الاستثنائية".
وتنص المادة 49 من الدستور، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، على أنّ ولاية الرئيس مدتها "ست سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزًا الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح". وفي التعديلات أضيفت إلى هذه المادة أيضًا فقرة تؤكِّد أنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العامّ، مدةَ قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليًّا عن وظيفتهم، أو تاريخ إحالتهم على التقاعد". ولكن جرى خرق هذا الشرط في عهد الرئيس بشارة الخوري (1943 - 1952)، والرئيس إلياس الهراوي (1989 - 1998) والرئيس إميل لحود (1998-2007)؛ إذ مُدِّدت رئاساتهم إلى نصف فترة رئاسية، بعد تعديل الدستور في كلّ مرَّة.
وبموجب المادة 52 من الدستور كان رئيس الجمهورية "يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، ويطلع المجلس عليها حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة". أمَّا بعد الطائف فقد بقيَ رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، لكن "بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمةً إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة".
وبعد أن كان "رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيسًا ويقيلهم ويولي الموظفين مناصب الدولة، ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر"، جاء تعديل المادة 53 لتُسحب منه هذه الصلاحية، ويسمح له "بتسمية رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استنادًا إلى استشارات نيابية ملزمة، يطلعه رسميًّا على نتائجها"، كما أصبح على الرئيس أن "يصدر، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم" (بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة بموجب المادة 69)، ثمّ إنه صار في إمكانه أن "يدعو مجلس الوزراء استثنائيًّا، كلما رأى ذلك ضروريًّا، بالاتفاق مع رئيس الحكومة". وتركت له هذه المادة أن يصدر منفردًا مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء، ومراسيم قبول استقالة الحكومة، أو المراسيم التي تعدُّها مستقيلةً، وإحالة مشاريع القوانين التي تُرفع إليه من مجلس الوزراء على مجلس النواب، واعتماد السفراء وقبول اعتمادهم، وترؤُّس الحفلات الرسمية، ومنْح الأوسمة، والعفو الخاص بمرسوم، وتوجيه رسائل إلى مجلس النواب عندما تقتضي الضرورة ذلك، وعرْض أيّ أمرٍ من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.
وبموجب المادة 55 من الدستور كان يحق لرئيس الجمهورية أن "يتخذ قرارًا، معللًا بموافقة مجلس الوزراء، بحلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة". وجاءت تعديلات الطائف لترتبط بالحالات المنصوص عليها في المادتين 65 و77 من الدستور، و"يعود لرئيس الجمهورية عندها الطلب إلى مجلس الوزراء، حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. فإذا قرر مجلس الوزراء بناءً على ذلك حلّ المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل". وهذا يعني أنّ رئيس الجمهورية يبقى مرتهنًا بموافقة مجلس الوزراء على طلب حلّ مجلس النواب. وأعطت المادة 56 المتعلقة بنشر القوانين الرئيس بعد تعديلات الطائف "حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أيّ قرار من القرارات التي يتخذها المجلس، خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصر مجلس الوزراء على القرار المتخذ، أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته، يعتبر القرار أو المرسوم نافذًا حكمًا ووجب نشره".
ونصت المادة 57 بعد الطائف على "حق رئيس الجمهورية طلب إعادة النظر في القانون مرةً واحدةً ضمن المهلة المحددة لإصداره"، مضيفةً إلى ذلك شرطًا نصُّه "بعد اطلاع مجلس الوزراء [...] وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر نافذًا حكمًا ووجب نشره". وقد أُضيف إلى المادة 58 تعديلات بوجوب إدراج كلّ مشروع قانون ترى الحكومة أنه مستعجل "في جدول أعمال جلسة عامة لمجلس النواب، وتلاوته فيها، وفي حال مضي أربعين يومًا دون أن يبت به"، يمكن حينئذٍ لرئيس الجمهورية أن يصدر مرسومًا يقضي بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء. وبما أنّ السلطة الإجرائية أُنيطت بمجلس الوزراء، فقد تحولت صلاحية دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي للبتِّ نهائيًّا في شأن مشروع الموازنة، من رئيس الجمهورية منفردًا بموجب المادة 86 من الدستور، تجاه اتفاقه مع رئيس الحكومة على توجيه هذه الدعوة، بموجب النص الجديد للمادة، وأُنيط كلّ ما كان للرئيس بمجلس الوزراء.
وتوضح مجمل هذه التعديلات التي جرت الإشارة إليها أنّ معظم الصلاحيات التي كان ينفرد بها رئيس الجمهورية قد أُنيطت بمجلس الوزراء، في إطار الصيغة التي بينت مدى التغيير الذي طرأ على ميزان القوى الاجتماعي والسياسي في لبنان بسبب الحرب الأهلية. وعلى الرغم من ذلك ظلّ منصب الرئيس مهمًّا، تدور حوله معارك سياسية كبرى في البلد العربي الصغير والمتنوع.