عبد الواحد جعفر
26-02-2014, 11:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
دردشات سياسية
أولاً: أحداث ليبيا
مع اقتراب موعد انتهاء أعمال المؤتمر الوطني في 7/2/2014م بدأت دعوات وأصوات تتعالى بضرورة تمديد مدة صلاحياته إلى نهاية 2014م من أجل إنهاء الدستور. وفي المقابل يرفض بعضهم ذلك ويطالب بإنهاء أعمال المؤتمر الوطني في موعده. وتتزامن هذه الدعوات المتضاربة حول مدة بقاء المؤتمر مع دعوات أخرى تطالب بضرورة إسقاط حكومة علي زيدان وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات مستقلة.
لقد جاء الهجوم على حكومة علي زيدان هذه المرة من أقرب حلفائه العلمانيين، رئيس تحالف القوى الوطنية. ففي لقاء له مع عدد من القنوات الفضائية الليبية بتاريخ 25/12/2013 اعتذر محمود جبرﯾل للﯾبﯾﯾن عن دعم حزبھ لرئﯾس الحكومة المؤقتة علي زﯾدان، مؤكداً أنھ أخطأ في ذلك، واصفاً إياه بالمستأثر بالقرار. وقال جبرﯾل إن زﯾدان ﻻ ﯾتشاور مع الكﯾانات السﯾاسﯾة، وكذلك تشاوره مع أطراف خارجﯾة ﻻ ﯾُعلم شيء عنھا، وأن التحالف ﻻ ﯾقر ممارساتھ وﻻ ﯾدعمھا، ونختلف كثﯾراً معھ.
ولكن يبدو أن ما صرَّح به محمود جبريل من امتعاض حول حكومة علي زيدان وما صرَّح به قبله بأيام رئﯾس الھﯾئة التسﯾﯾرﯾة العلﯾا لتحالف القوى الوطنﯾة عبد المجﯾد ملﯾقطة الذي قال أن زﯾدان لم ﯾعد قادراً على إدارة المرحلة وعلﯾھ الرحﯾل، جاء من باب المناورة السياسية من أجل الإستعداد للإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة وكذلك من أجل الضغط على الإسلاميين من حركة وفاء وحزب العدالة والبناء المرتبط بالإخوان المسلمين في المؤتمر الوطني من أجل رفض التمديد ومراجعة قانون العزل السياسي الذي حرم محمود جبريل من الترشح للمناصب السياسية.
إلا أن المؤتمر الوطني العام نجح في تمديد ولايته حتى كانون الأول/ديسمبر 2014 م رغم معارضة كثيرين لذلك في الشارع، كما تبنى أيضاً "خارطة طريق" تنص على تنظيم انتخابات عامة نهاية العام في حال أنجزت لجنة صياغة الدستور، التي تنتخب يوم 20/2 مهمتها خلال أربعة أشهر. وفي حال تعذر الالتزام بهذه المهلة، فعلى المؤتمر أن يدعو لانتخابات تشريعية ورئاسية استعداداً لفترة انتقالية جديدة تستغرق 18 شهراً. وكرد فعل على هذه القرارات تظاهر آلاف الليبيين مجدداً بدعم من تحالف القوى الوطنية، وبخاصة يومي 13-14/2، في مناطق عدة احتجاجاً على التمديد لأعضاء المؤتمر الوطني العام. وقد تزامنت هذه التحركات الشعبية مع خروج الضابط المتقاعد خليفة حفتر الفرجاني بشريط فيديو يوم 14/2 يؤكد فيه أن "قيادة الجيش الوطني الليبي" تطرح مبادرة هي "خارطة طريق مؤلفة من خمسة بنود". وقال إن هذه المبادرة تنص على تعليق عمل المؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية وتشكيل لجنة رئاسية وتجميد العمل بالإعلان الدستوري، من أجل إعداد الظروف المناسبة للانتخابات.
وبعد يومين من التحركات الشعبية والبيان الإنقلابي للواء خليفة حفتر قرر المؤتمر الوطني بكافة كتله بتاريخ 16/2 العدول عن تمديد ولايته والتوافق على إجراء انتخابات مبكرة، على أن يُسلم قانون الانتخابات إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مدة أقصاها شهر آذار/مارس المقبل. كما وافق 150 عضواً من أعضاء المؤتمر على إجراء تعديل دستوري يضمن تمثيل المكونات الثقافية في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. وقد جاء هذا التوافق رغم أن الخلاف ما زال مستمراً حول الاختيار بين تنظيم انتخابات برلمانية تؤدي إلى تغيير المؤتمر الحالي بمؤتمر جديد، مما يعني الدخول في مرحلة انتقالية ثالثة أو انتخابات برلمانية ورئاسية تؤدي إلى إيجاد مؤسسات حكم جديدة. كما ذكرت بعض التسريبات بتاريخ 16/2، أن المؤتمر الوطني العام يسعى إلى سحب الثقة من حكومة علي زيدان والدخول مباشرة في التصويت على رئيس حكومة جديد؛ وبخاصة وأن المؤتمر الوطني سبق له أن عقد بتاريخ 11/2 جلسة استعرض فيها أسماء الأشخاص الذين سيتم ترشيحهم لرئاسة الحكومة المؤقتة.
ويبدو أن وجود علي زيدان على رئاسة الحكومة يسبب مشاكل كثيرة في سير عملية الانتقال الديمقراطي ويمثل عبئاً على تحالف القوى الوطنية نفسها، وبخاصة بعد أن رفض مراراً تشكيل حكومة أزمة لتحل محل الحكومة الحالية التي فشلت في معالجة الملفات الأساسية، وعلى رأسها الملف الأمني وتكوين الجيش والشرطة وتوفير الخدمات الأساسية للناس. ونتيجة إخفاق المؤتمر في سحب الثقة من زيدان مراراً جاء إعلان اللواء خليفة حفتر عن انقلابه الإعلامي متزامناً مع التحركات الشعبية ليتم التسريع في سحب الثقة من رئيس الوزراء والتوافق على إجراء انتخابات جديدة تمتص حالتي الغضب والإحباط السائدة في المجتمع من فشل المؤتمر الوطني وحكومة زيدان على حد سواء بسبب حالة الصراع الدائم بين الإسلاميين والعلمانيين.
ولا يجب أن ننسى أن اللواء خليفة حفتر هو من الضباط الذين تولوا مقاليد الحكم مع القذافي بعد انقلاب 1969، وكان مقرباً منه جداً. وخلال الحرب الليبية التشادية، والتي هي في حقيقتها حرب بالوكالة بين أميركا وفرنسا، قاد خليفة حفتر القوات المسلحة الليبية في هذه الحرب وانتصر فيها. وبعد أن طلب الدعم من القذافي لبسط سيطرته على تشاد خاف القذافي أن يعود حفتر منتصراً إلى ليبيا ويستولي على الحكم، فتركه من غير دعم مما أدى إلى أسره مع مئات الجنود الليبيين في معركة وادي الدوم بتاريخ 22/3/1987.
ومن داخل السجن قرر حفتر مع مجموعة من الضباط وضباط صف وجنود ومجندين الانخراط في صفوف "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" المعارضة، وأعلنوا في 21/ 6/ 1988م عن إنشاء "الجيش الوطني الليبي" كجناح عسكري تابع لها تحت قيادة حفتر. إلا أنه سرعان ما انتهى أمر هذا "الجيش" الذي كونه خليفة حفتر، وقامت مروحيات أميركية بنقله مع بقية الضباط والجنود واستقر داخل الولايات المتحدة الأميركية، حيث بقي حفتر معارضاً لنظام القذافي مدة عشرين عاماً. وبعد اندلاع ما سمي "ثورة 17 فبراير" عاد حفتر إلى ليبيا ليشارك في توجيه العمليات العسكرية قبل سقوط القذافي، وفي 18/11/2011م عين من قبل مجموعة من الضباط والعسكريين رئيساً لأركان "الجيش الليبي".
وبناءً على ما تقدم فإن ما أعلن عنه خليفة حفتر من انقلاب لا يعدو أن يكون فقاعة إعلامية يراد منها الضغط على المؤتمر الوطني العام وبخاصة الإسلاميين فيه لتسريع عملية الانتقال الديمقراطي ومنها كتابة الدستور وتغيير الحكومة وإجراء الانتخابات. وهذا ليس بغريب على رجل مثل حفتر استعملته أميركا لتمثيل مصالحها سواء كان في الحكم مع القذافي أو بعد الانشقاق عليه حيث وفرت له أميركا الحماية الكافية. وبعد أن أشعلت أميركا "ثورة 17 فبراير" أوعزت له بالعودة إلى البلاد ليتولى مهام الجيش الليبي فترة من الزمن. وها هو الآن رغم تقاعده ما زال وفياً لخدمة أميركا عند الطلب. وبالإضافة إلى ذلك فإن الضابط حفتر لم يعد جزءاً من المؤسسة العسكرية ولا يتمتع فيها بنفوذ يذكر، وهي ما زالت في طور التشكيل ويطلق مجازاً عليها اسم الجيش الليبي.. ثم أخيراً أي انقلاب عسكري هذا الذي سوف يقوم به حفتر في بلد يعج بالجماعات والكتائب المسلحة المتنافسة فيما بينها حول النفوذ الميداني والسياسي؟!..
والراجح أن يستمر الضغط السياسي والتهديد باستعمال السلاح من قبل تحالف القوى الوطنية والكتائب العسكرية التابعة له من أجل انتزاع ما يرونه مكاسب سياسية تلبي مصالح أميركا المرحلية والإستراتيجية. فبعد الإعلان الانقلابي الذي قام به حفتر بدعم خفي من أميركا وتحالف القوى الوطنية، قامت كتيبة القعقاع وهي اللواء الأول لحرس الحدود وكتيبة الصواعق التابعة لوزارة الدفاع بإعلان بيان يطالبان فيه المؤتمر الوطني "بتسليم السلطة إلى الشعب" في مهلة مدتها خمس ساعات. ومن المعلوم أن كتيبة القعقاع هي التي تتولى الحماية الشخصية لمحمود جبريل ويرأسها عماد الطرابلسي، أما كتيبة الصواعق فيتولى رئاستها عثمان مليقطة وهو أخ رئﯾس الھﯾئة التسﯾﯾرﯾة العلﯾا لتحالف القوى الوطنﯾة عبد المجﯾد ملﯾقطة. وهاتان الكتيبتان تتبعان كتيبة الزنتان التي تدين بالولاء لتحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل.
ولم تتأخر ردود الأفعال من قبل حركة الإخوان المسلمين ورئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين وبقية كتائب الثوار المناوئة لكتائب الزنتان في إدانة ما أعلنت عنه كتيبتا الصواعق والقعقاع، باعتباره حركة انقلاب على الشرعية وجر البلاد إلى حرب أهلية. وكانت كتائب مصراتة والمجلس المحلي بها قد ردت بقوة عندما دعت كل ثوار ليبيا إلى "النفير العام من أجل حماية ثورة 17 فبراير".
وبعد أن مرت مهلة الساعات الخمس دون أن يحدث شيء ظهر محمود جبريل يوم 18/2/ 2014م ليذيع بياناً على قناة العاصمة الليبية يعلن فيه تبنيه وتبريره لما أقدمت عليه كتيبتا الصواعق والقعقاع رغم محاولته التبرؤ كذباً من العنف واستعمال السلاح في الصراع السياسي، كما جاء في بيانه الأخير. وجاء في البيان أيضاً: "إن تحالف القوى الوطنية أيد ويؤيد الحراك السياسي السلمي الرافض لأداء المؤتمر ومد فترته، وعلى المؤتمر أن يستجيب لمطالب الشارع بتسليم السلطة إلى جسم منتخب مما يضمن استمرار الشرعية التي ولدت في 7/7/2012، وبالتالي التحالف لا يؤيد أي عمل مسلح يهدد الشرعية التي خلقها الليبيون بإرادتهم الحرة في السابع من يوليو".
وأخيراً يكشف محمود جبريل عن الجهة التي تقف وراء كل هذه التحركات والغاية التي تريد تحقيقها بالقول: "بناءً على كل ذلك حصل تواصل من السيد طارق متري ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بي بعد صدور البيان مباشرة، وقد طلبت منه أن يبادر بتوجيه نداء ودعوة لجميع الأطراف إلى حوار عاجل للخروج بوفاق يلبي مطالب الشارع الليبي من ناحية، ويكفل للشرعية استمراريتها على أن يكون هذا الاتفاق ملزماً لجميع الأطراف ...".
وبهذا يتضح أن أميركا تريد من خلال عملائها إقحام الأمم المتحدة لرعاية حوار وطني يكون الغرض منه مراقبة العملية السياسية في ليبيا عن قرب حتى تتم صياغة الحياة السياسية والفكرية والدستورية للدولة والمجتمع بكيفية لا تخرج عن الإطار العام الذي وضعته لثورات الربيع العربي كجزء من إعادة صياغة المنطقة سياسياً وفكرياً ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وللوصول إلى هذه الأهداف تلوح أميركا للرأي العام وللقوى السياسية التي تتمنع في السير معها بشبح الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي كما هو الحال في سوريا وبفزاعة الانقلاب العسكري كما هو الحال في مصر، وفي نفس الوقت ترغبهم في الإقتداء بالنموذج التونسي الذي مدحه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في زيارة خاطفة لتونس يوم 18/2 أي في نفس اليوم الذي أذاعت فيه كتيبتا القعقاع والصواعق بيان تهديد من المؤتمر الوطني "بتسليم السلطة للشعب".
دردشات سياسية
أولاً: أحداث ليبيا
مع اقتراب موعد انتهاء أعمال المؤتمر الوطني في 7/2/2014م بدأت دعوات وأصوات تتعالى بضرورة تمديد مدة صلاحياته إلى نهاية 2014م من أجل إنهاء الدستور. وفي المقابل يرفض بعضهم ذلك ويطالب بإنهاء أعمال المؤتمر الوطني في موعده. وتتزامن هذه الدعوات المتضاربة حول مدة بقاء المؤتمر مع دعوات أخرى تطالب بضرورة إسقاط حكومة علي زيدان وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات مستقلة.
لقد جاء الهجوم على حكومة علي زيدان هذه المرة من أقرب حلفائه العلمانيين، رئيس تحالف القوى الوطنية. ففي لقاء له مع عدد من القنوات الفضائية الليبية بتاريخ 25/12/2013 اعتذر محمود جبرﯾل للﯾبﯾﯾن عن دعم حزبھ لرئﯾس الحكومة المؤقتة علي زﯾدان، مؤكداً أنھ أخطأ في ذلك، واصفاً إياه بالمستأثر بالقرار. وقال جبرﯾل إن زﯾدان ﻻ ﯾتشاور مع الكﯾانات السﯾاسﯾة، وكذلك تشاوره مع أطراف خارجﯾة ﻻ ﯾُعلم شيء عنھا، وأن التحالف ﻻ ﯾقر ممارساتھ وﻻ ﯾدعمھا، ونختلف كثﯾراً معھ.
ولكن يبدو أن ما صرَّح به محمود جبريل من امتعاض حول حكومة علي زيدان وما صرَّح به قبله بأيام رئﯾس الھﯾئة التسﯾﯾرﯾة العلﯾا لتحالف القوى الوطنﯾة عبد المجﯾد ملﯾقطة الذي قال أن زﯾدان لم ﯾعد قادراً على إدارة المرحلة وعلﯾھ الرحﯾل، جاء من باب المناورة السياسية من أجل الإستعداد للإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة وكذلك من أجل الضغط على الإسلاميين من حركة وفاء وحزب العدالة والبناء المرتبط بالإخوان المسلمين في المؤتمر الوطني من أجل رفض التمديد ومراجعة قانون العزل السياسي الذي حرم محمود جبريل من الترشح للمناصب السياسية.
إلا أن المؤتمر الوطني العام نجح في تمديد ولايته حتى كانون الأول/ديسمبر 2014 م رغم معارضة كثيرين لذلك في الشارع، كما تبنى أيضاً "خارطة طريق" تنص على تنظيم انتخابات عامة نهاية العام في حال أنجزت لجنة صياغة الدستور، التي تنتخب يوم 20/2 مهمتها خلال أربعة أشهر. وفي حال تعذر الالتزام بهذه المهلة، فعلى المؤتمر أن يدعو لانتخابات تشريعية ورئاسية استعداداً لفترة انتقالية جديدة تستغرق 18 شهراً. وكرد فعل على هذه القرارات تظاهر آلاف الليبيين مجدداً بدعم من تحالف القوى الوطنية، وبخاصة يومي 13-14/2، في مناطق عدة احتجاجاً على التمديد لأعضاء المؤتمر الوطني العام. وقد تزامنت هذه التحركات الشعبية مع خروج الضابط المتقاعد خليفة حفتر الفرجاني بشريط فيديو يوم 14/2 يؤكد فيه أن "قيادة الجيش الوطني الليبي" تطرح مبادرة هي "خارطة طريق مؤلفة من خمسة بنود". وقال إن هذه المبادرة تنص على تعليق عمل المؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية وتشكيل لجنة رئاسية وتجميد العمل بالإعلان الدستوري، من أجل إعداد الظروف المناسبة للانتخابات.
وبعد يومين من التحركات الشعبية والبيان الإنقلابي للواء خليفة حفتر قرر المؤتمر الوطني بكافة كتله بتاريخ 16/2 العدول عن تمديد ولايته والتوافق على إجراء انتخابات مبكرة، على أن يُسلم قانون الانتخابات إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مدة أقصاها شهر آذار/مارس المقبل. كما وافق 150 عضواً من أعضاء المؤتمر على إجراء تعديل دستوري يضمن تمثيل المكونات الثقافية في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. وقد جاء هذا التوافق رغم أن الخلاف ما زال مستمراً حول الاختيار بين تنظيم انتخابات برلمانية تؤدي إلى تغيير المؤتمر الحالي بمؤتمر جديد، مما يعني الدخول في مرحلة انتقالية ثالثة أو انتخابات برلمانية ورئاسية تؤدي إلى إيجاد مؤسسات حكم جديدة. كما ذكرت بعض التسريبات بتاريخ 16/2، أن المؤتمر الوطني العام يسعى إلى سحب الثقة من حكومة علي زيدان والدخول مباشرة في التصويت على رئيس حكومة جديد؛ وبخاصة وأن المؤتمر الوطني سبق له أن عقد بتاريخ 11/2 جلسة استعرض فيها أسماء الأشخاص الذين سيتم ترشيحهم لرئاسة الحكومة المؤقتة.
ويبدو أن وجود علي زيدان على رئاسة الحكومة يسبب مشاكل كثيرة في سير عملية الانتقال الديمقراطي ويمثل عبئاً على تحالف القوى الوطنية نفسها، وبخاصة بعد أن رفض مراراً تشكيل حكومة أزمة لتحل محل الحكومة الحالية التي فشلت في معالجة الملفات الأساسية، وعلى رأسها الملف الأمني وتكوين الجيش والشرطة وتوفير الخدمات الأساسية للناس. ونتيجة إخفاق المؤتمر في سحب الثقة من زيدان مراراً جاء إعلان اللواء خليفة حفتر عن انقلابه الإعلامي متزامناً مع التحركات الشعبية ليتم التسريع في سحب الثقة من رئيس الوزراء والتوافق على إجراء انتخابات جديدة تمتص حالتي الغضب والإحباط السائدة في المجتمع من فشل المؤتمر الوطني وحكومة زيدان على حد سواء بسبب حالة الصراع الدائم بين الإسلاميين والعلمانيين.
ولا يجب أن ننسى أن اللواء خليفة حفتر هو من الضباط الذين تولوا مقاليد الحكم مع القذافي بعد انقلاب 1969، وكان مقرباً منه جداً. وخلال الحرب الليبية التشادية، والتي هي في حقيقتها حرب بالوكالة بين أميركا وفرنسا، قاد خليفة حفتر القوات المسلحة الليبية في هذه الحرب وانتصر فيها. وبعد أن طلب الدعم من القذافي لبسط سيطرته على تشاد خاف القذافي أن يعود حفتر منتصراً إلى ليبيا ويستولي على الحكم، فتركه من غير دعم مما أدى إلى أسره مع مئات الجنود الليبيين في معركة وادي الدوم بتاريخ 22/3/1987.
ومن داخل السجن قرر حفتر مع مجموعة من الضباط وضباط صف وجنود ومجندين الانخراط في صفوف "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" المعارضة، وأعلنوا في 21/ 6/ 1988م عن إنشاء "الجيش الوطني الليبي" كجناح عسكري تابع لها تحت قيادة حفتر. إلا أنه سرعان ما انتهى أمر هذا "الجيش" الذي كونه خليفة حفتر، وقامت مروحيات أميركية بنقله مع بقية الضباط والجنود واستقر داخل الولايات المتحدة الأميركية، حيث بقي حفتر معارضاً لنظام القذافي مدة عشرين عاماً. وبعد اندلاع ما سمي "ثورة 17 فبراير" عاد حفتر إلى ليبيا ليشارك في توجيه العمليات العسكرية قبل سقوط القذافي، وفي 18/11/2011م عين من قبل مجموعة من الضباط والعسكريين رئيساً لأركان "الجيش الليبي".
وبناءً على ما تقدم فإن ما أعلن عنه خليفة حفتر من انقلاب لا يعدو أن يكون فقاعة إعلامية يراد منها الضغط على المؤتمر الوطني العام وبخاصة الإسلاميين فيه لتسريع عملية الانتقال الديمقراطي ومنها كتابة الدستور وتغيير الحكومة وإجراء الانتخابات. وهذا ليس بغريب على رجل مثل حفتر استعملته أميركا لتمثيل مصالحها سواء كان في الحكم مع القذافي أو بعد الانشقاق عليه حيث وفرت له أميركا الحماية الكافية. وبعد أن أشعلت أميركا "ثورة 17 فبراير" أوعزت له بالعودة إلى البلاد ليتولى مهام الجيش الليبي فترة من الزمن. وها هو الآن رغم تقاعده ما زال وفياً لخدمة أميركا عند الطلب. وبالإضافة إلى ذلك فإن الضابط حفتر لم يعد جزءاً من المؤسسة العسكرية ولا يتمتع فيها بنفوذ يذكر، وهي ما زالت في طور التشكيل ويطلق مجازاً عليها اسم الجيش الليبي.. ثم أخيراً أي انقلاب عسكري هذا الذي سوف يقوم به حفتر في بلد يعج بالجماعات والكتائب المسلحة المتنافسة فيما بينها حول النفوذ الميداني والسياسي؟!..
والراجح أن يستمر الضغط السياسي والتهديد باستعمال السلاح من قبل تحالف القوى الوطنية والكتائب العسكرية التابعة له من أجل انتزاع ما يرونه مكاسب سياسية تلبي مصالح أميركا المرحلية والإستراتيجية. فبعد الإعلان الانقلابي الذي قام به حفتر بدعم خفي من أميركا وتحالف القوى الوطنية، قامت كتيبة القعقاع وهي اللواء الأول لحرس الحدود وكتيبة الصواعق التابعة لوزارة الدفاع بإعلان بيان يطالبان فيه المؤتمر الوطني "بتسليم السلطة إلى الشعب" في مهلة مدتها خمس ساعات. ومن المعلوم أن كتيبة القعقاع هي التي تتولى الحماية الشخصية لمحمود جبريل ويرأسها عماد الطرابلسي، أما كتيبة الصواعق فيتولى رئاستها عثمان مليقطة وهو أخ رئﯾس الھﯾئة التسﯾﯾرﯾة العلﯾا لتحالف القوى الوطنﯾة عبد المجﯾد ملﯾقطة. وهاتان الكتيبتان تتبعان كتيبة الزنتان التي تدين بالولاء لتحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل.
ولم تتأخر ردود الأفعال من قبل حركة الإخوان المسلمين ورئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين وبقية كتائب الثوار المناوئة لكتائب الزنتان في إدانة ما أعلنت عنه كتيبتا الصواعق والقعقاع، باعتباره حركة انقلاب على الشرعية وجر البلاد إلى حرب أهلية. وكانت كتائب مصراتة والمجلس المحلي بها قد ردت بقوة عندما دعت كل ثوار ليبيا إلى "النفير العام من أجل حماية ثورة 17 فبراير".
وبعد أن مرت مهلة الساعات الخمس دون أن يحدث شيء ظهر محمود جبريل يوم 18/2/ 2014م ليذيع بياناً على قناة العاصمة الليبية يعلن فيه تبنيه وتبريره لما أقدمت عليه كتيبتا الصواعق والقعقاع رغم محاولته التبرؤ كذباً من العنف واستعمال السلاح في الصراع السياسي، كما جاء في بيانه الأخير. وجاء في البيان أيضاً: "إن تحالف القوى الوطنية أيد ويؤيد الحراك السياسي السلمي الرافض لأداء المؤتمر ومد فترته، وعلى المؤتمر أن يستجيب لمطالب الشارع بتسليم السلطة إلى جسم منتخب مما يضمن استمرار الشرعية التي ولدت في 7/7/2012، وبالتالي التحالف لا يؤيد أي عمل مسلح يهدد الشرعية التي خلقها الليبيون بإرادتهم الحرة في السابع من يوليو".
وأخيراً يكشف محمود جبريل عن الجهة التي تقف وراء كل هذه التحركات والغاية التي تريد تحقيقها بالقول: "بناءً على كل ذلك حصل تواصل من السيد طارق متري ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بي بعد صدور البيان مباشرة، وقد طلبت منه أن يبادر بتوجيه نداء ودعوة لجميع الأطراف إلى حوار عاجل للخروج بوفاق يلبي مطالب الشارع الليبي من ناحية، ويكفل للشرعية استمراريتها على أن يكون هذا الاتفاق ملزماً لجميع الأطراف ...".
وبهذا يتضح أن أميركا تريد من خلال عملائها إقحام الأمم المتحدة لرعاية حوار وطني يكون الغرض منه مراقبة العملية السياسية في ليبيا عن قرب حتى تتم صياغة الحياة السياسية والفكرية والدستورية للدولة والمجتمع بكيفية لا تخرج عن الإطار العام الذي وضعته لثورات الربيع العربي كجزء من إعادة صياغة المنطقة سياسياً وفكرياً ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وللوصول إلى هذه الأهداف تلوح أميركا للرأي العام وللقوى السياسية التي تتمنع في السير معها بشبح الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي كما هو الحال في سوريا وبفزاعة الانقلاب العسكري كما هو الحال في مصر، وفي نفس الوقت ترغبهم في الإقتداء بالنموذج التونسي الذي مدحه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في زيارة خاطفة لتونس يوم 18/2 أي في نفس اليوم الذي أذاعت فيه كتيبتا القعقاع والصواعق بيان تهديد من المؤتمر الوطني "بتسليم السلطة للشعب".