المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جواب سؤال حول دور روسيا في معترك السياسة الدولية ومنطقة الشرق الأوسط



عبد الواحد جعفر
21-02-2014, 12:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال
حول دور روسيا
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
من الملاحظ كثرة الحديث في الإعلام وفي المجالس عن عودة الحرب الباردة بين روسيا وأميركا وذلك كله بسبب الموقف الروسي من الأزمة السورية والتوافق الأميركي الروسي بشأن الحل السياسي ومؤتمر جنيف. مع العلم أن باقي القضايا في المنطقة تسير روسيا مع أميركا في حلحلتها حسب وجهة النظر الأميركية كقضية فلسطين وغيرها ولا يلحظ وجود أي صراع. ولكن قضية الدرع الصاروخي وقضية التدخل الأميركي في دول الاتحاد السوفييتي السابق نجد فيها خلافاً بين الدولتين يصل إلى حد الصراع.... والسؤال... هل البحث في الموقف الروسي في سورية هو بحث في حالة معينة تقف عند حد سورية أم أنه يعكس دوراً قادماً لروسيا في المنطقة والعالم منافساً لأميركا.
أرجو الإجابة. والسلام عليكم

الجواب:
أولاً: رغم الإعلان رسمياً أن الحرب الباردة قد انتهت بين أميركا وروسيا في العام 1991، إلا أن الحقيقة أن هذه الحرب قد انتهت فعلياً منذ اتفاق كينيدي وخروشوف عام 1961. وقد نتج عن هذا الإتفاق ما عرف بسياسة الوفاق الدولي التي تقوم على أساس فكرة التعايش السلمي بين أميركا وروسيا والإتفاق على حصر القضايا الدولية بينهما بعد إزاحة فرنسا وانجلترا من المنافسة ومحاصرة الصين في المحيط الهادي.
وكما أبقت الدولتان على فكرة وجود المعسكرين الشيوعي والرأسمالي كذلك أبقتا على فكرة وجود الحرب الباردة وذلك لخداع منافسيهما وتثبيت سياسة الوفاق بينهما. ومنذ ذلك الوقت توقفت روسيا عن الحرب الباردة ضد أميركا وصارت تعمل للحفاظ على أمنها ومكانتها وحدودها ومصالحها فقط، بل "ورضيت بأن تكون على اتفاق مع أميركا في جميع مسائل السياسة العالمية من ناحية دولية حتى أصبحت حليفة لها أو شبه حليفة في السياسة العالمية.
وظلت سياسة الوفاق الدولي مستمرة، واستمر معها تعبير الحرب الباردة إلى أن تولى ميخائيل غورباتشوف السلطة في موسكو وبدأت بعدها مرحلة جديدة من العلاقات الدولية في التشكل. بدأت بالبيرسترويكا أو تجديد الدولة السوفيتية وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى 15 جمهورية مستقلة. وكان ذلك بسبب استنزاف الإقتصاد السوفييتي في سباق التسلح وتبخر الفكرة الشيوعية من عقول الناس.
وبعد سقوط الإتحاد السوفييتي عام 1991 أعلنت أميركا عن ميلاد نظام عالمي جديد أساسه هو التفرد الأميركي في السياسة الدولية.
وخلال فترة حكم بوريس يلتسين عملت أميركا جاهدة على استغلال هذه "الفرصة التاريخية" والإجهاز على ما تبقى من تأثير روسيا دولياً وإقليمياً وحتى داخلياً. إلا أن ظهور فلادمير بوتين بعد توليه الرئاسة في العام 2000 قد أوقف الإنهيار السحيق الذي كانت تسير فيه روسيا.
ورغم وجود خلافات في وجهات النظر بين روسيا وأميركا في عدد من القضايا إلا أن ذلك لا يعني بحال عودة الحرب الباردة أو حتى أجوائها بين الدولتين كما تصور ذلك كثير من التحليلات.
فروسيا اليوم أضعف بكثير من الإتحاد السوفييتي السابق الذي كان يحارب نفوذ أميركا في كل أرجاء العالم من أجل زحزحتها عن مركز الدولة الأولى إلى أن تبنى سياسة التعايش السلمي عام 1961.
فإذا كان هذا هو وضع روسيا في علاقتها مع أميركا إلى حدود عام 1991، فمن باب أولى أن لا تسعى لمنافسة أميركا أو مزاحمتها دولياً وقد خسرت قدراً واضحاً من نفوذها في دول آسيا الوسطى وأصبح حلف الناتو على أبوابها بل وأصبحت موسكو نفسها مهددة بمشروع الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا الشرقية.

ثانياً: منذ سقوط الإتحاد السوفييتي أخذت أميركا على نفسها استغلال ما أطلق عليه بـ"الفرصة التاريخية" لتجريد روسيا من مناطق نفوذها وعناصر قوتها وتفوقها، وذلك عبر وضع يدها على منابع النفط في بحر قزوين وطرق نقله والعمل على إضعاف روسيا في آسيا الوسطى والقوقاز وإحكام سيطرتها على أوروبا الشرقية وذلك من خلال توسيع الحلف الأطلسي ونشر الدرع الصاروخي على مقربة من حدود روسيا. إلا أنه مع صعود فلادمير بوتين للحكم ونجاحه في وقف ما سماه بـ"الإنهيار الإستراتيجي" لروسيا بدأت أميركا تعمل على احتواء عودة روسيا إلى مجالها الحيوي عبر إشراكها في القضايا الدولية حسب الأجندة الأميركية مثل "محاربة الإرهاب" ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ومع ذلك فإن ما تقوم به روسيا على المسرح الدولي في ظل واقع التفرد الأميركي بالسياسة الدولية ما زال بعيداً عن إطار التنافس الدولي الذي عرفته فترة الحرب الباردة بل هو يدخل في إطار الضغط على الإدارة الأميركية حتى تأخذ في حسبانها الحاجات الأمنية والمصالح الحيوية لروسيا. فسعي روسيا لتجديد ترسانتها العسكرية والتهديدات التي تطلقها من حين لآخر بخصوص توجيه صواريخها في اتجاه أوروبا وتجميد الإلتزام بمعاهدة انتشار القوات التقليدية في أوروبا، كل ذلك تريد من ورائه أن تثبت لأميركا أن لديها القوة العسكرية لإبطال مفعول الدرع الصاروخي الذي تريد إقامته في أوروبا، هذا فضلاً عن الرسالة التي توجهها لدول أوروبا الغربية وبخاصة بأن حاجاتها الأمنية لا يجب أن تتفق بالضرورة مع المخططات الإستراتيجية لأميركا.

ثالثاً: في 13 كانون الأول/ديسمبر 2001، وبعد سقوط أفغانستان في يد الإحتلال الأميركي أعلن جورج دبليو بوش عن انسحاب أميركا بشكل منفرد من معاهدة حظر الدفاع ضد الصواريخ (أي. بي. أم). ثم مع بداية عام 2007 أعلن بوش عن عزم واشنطن نشر مظلة دفاع صاروخية في بولندا والتشيك.
ومن الطبيعي أن ترفض روسيا الدرع الصاروخي الأميركي لأنها ترى أنه موجهاً لها وليس إلى "الدول المارقة" (كوريا الشمالية وإيران) حسب التصريحات الأميركية، وبخاصة بعد أن توسع حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الروسية بدخول العديد من دول الكتلة الشرقية والأعضاء السابقين في حلف وارسو كأعضاء جدد في حلف الناتو.
فروسيا ترى أن إيران لا تملك التقنية الصاروخية التي تستطيع من خلالها ضرب الدول الأوروبية كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، كما أن القواعد التي تريدها أميركا في أوربا الشرقية معدة لمواجهة القدرات الصاروخية الاستراتيجية الروسية.
ومن هذا المنطلق ترى روسيا الخطر في نشر هذا الدرع بالقرب من حدودها، لأن فكرة نشر القواعد العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة تستدعي بالضرورة تطوير البنية الأساسية العسكرية في تلك المناطق المستهدفة، مما سيؤدي إلى نسف معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، والتي لفظت آخر أنفاسها منذ انضمام دول البلطيق إلى حلف الناتو من دون الانضمام إلى هذه المعاهدة. وقد أجمع الخبراء العسكريون على أن مشروع الدفاع الصاروخي هجومي بطبيعته؛ لأنه يسمح لأميركا بتوجيه الضربة الأولى لأعدائها المحتملين، مثل روسيا والصين، من دون خوف من ضربة ثانية، هذا فضلاً عن كونه يخل بميزان التوازن الإستراتيجي للقوى في أوروبا.
وفي أول رد على قرار بوش الابن بالسير في مشروع الدرع الصاروخي ذكر قائد القوات الإستراتيجية الروسية الجنرال نيكولاي سولوفتسوف في مؤتمر صحفي: "حتى الآن لم نر شيئاً يتم وإنما مجرد الحديث عن نوايا." وأضاف "ولكن إذا قررت الحكومتان البولندية والتشيكية (استضافة الدرع الصاروخي الأميركي) فستكون القوات الصاروخية الإستراتيجية قادرة على استهداف هذه المنشآت إذا اتخذ القرار السياسي بهذا الصدد". وأضاف سولوفتسوف إن الصناعات العسكرية الروسية التي استعادت حيويتها بمقدورها إنتاج جيل جديد من الصواريخ القادرة على اختراق المظلة الصاروخية الأميركية. وأضاف أن الاستثمارات الضخمة في الصناعات العسكرية في عهد بوتين أتاحت إمكانية صنع أسلحة جديدة تتصدى للمشروع الأميركي.
وبالفعل بدأت روسيا بالتصدي لمشروع الدرع الصاروخي عندما أجرت اختبارًا ناجحًا على صاروخ باليستي جديد من غواصة نووية قادر على اختراق الدرع الصاروخي الأميركي، والذي وصفه بوتين بأنه العنصر الأساسي في قوى موسكو النووية المستقبلية. ثم أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين وقع مرسوماً يعلق مشاركة روسيا في معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لأسباب تتعلق "بالأمن القومي"، تلك المعاهدة التي أبرمت عام 1990 للحد من عدد الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة التي يتم نشرها وتخزينها بين المحيط الأطلسي وجبال الأورال الروسية.
وقد حاولت روسيا حل هذه المعضلة التي افتعلتها أميركا بأن طرحت عدداً من الحلول لاحتياجات أميركا الأمنية، منها إذا كانت الولايات المتحدة تريد مواجهه إيران أو كوريا الشمالية فإنه من المستحسن إنشاء هذا الدرع في دول قريبة من طهران، ولا سيما في العراق التي تتمركز فيها القوات الأميركية منذ آذار/مارس 2003 أو حتى في تركيا حيث تتواجد القوات الأميركية في قاعدة إنجرليك. كما طرح الرئيس الروسي قي قمة الثماني التي انعقدت في ألمانيا في شهر حزيران/يونيو 2007 إمكانية استفادة واشنطن من القاعدة الروسية في أذربيجان.
ومن الواضح أن أميركا لا تريد الأخذ بالمقترحات الروسية بخصوص مشروع الدرع الصاروخي في شرق أوروبا، وذلك من أجل الضغط على روسيا حتى تنسحب من الساحة السوفييتية سابقاً، وأن تترك تلك المنطقة لأميركا تنشر فيها أفكارها السياسية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكذلك حتى لا تعرقل روسيا مشاريع أميركا في إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز من آسيا إلى أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية. كما يبدو أن أميركا تريد من وراء ترويجها لمشروع الدرع الصاروخي أن تضغط على روسيا في توسيع حلف الناتو بانضمام دول مثل أوكرانيا وجورجيا.

رابعاً: أما بخصوص التوافق الأميركي الروسي في الشرق الأوسط فإنه رغم ما يبدو أحياناً من اختلاف بين روسيا وأميركا في قضية الشرق الأوسط وبخاصة في الملف السوري لكن الحقيقة أن هذا الخلاف لا يتجاوز النطاق الإعلامي.
والحقيقة أن "المشاكسات" الروسية لأميركا في الشرق الأوسط تخدم جوهر السياسيات الأميركية وتساعد على تنفيذها. أما الذي تستفيده روسيا من ذلك فهو الحصول على عقود بيع السلاح وغيرها من العقود التجارية مثل بناء مفاعلات الطاقة النووية السلمية مع دول المنطقة، وفوق ذلك فإن تعاونها مع أميركا سمح لها بتواجد بعض سفنها الحربية في البحر المتوسط وهو ما كانت تحلم به منذ أيام القياصرة ورغبتهم في الوصول إلى "المياه الدافئة".
فزيادة على غياب أي دور لروسيا ينافس أميركا في حل قضية فلسطين، وسماح أميركا لروسيا بعرض كافة أنواع الدعم التقني في مجال الطاقة النووية لدول الخليج، فإننا سنتعرض لملفين يتبين لنا من خلالهما مقدار التوافق الروسي مع السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، وهذين الملفين هما الملف السوري والملف المصري.

عبد الواحد جعفر
21-02-2014, 12:46 AM
1/- الملف السوري:
إن الرأي السائد بأن روسيا تقوم بدعم النظام السوري على غير ما تريده أميركا هو قول خاطئ، والصواب أن روسيا تدرك جيداً أن جل أوراق الملف السوري هي بيد أميركا.
إن أميركا وبدعم روسي تتعمد إطالة أمد الحرب حتى تستكمل بعض أهدافها ومنها إنضاج حالة الفصل المذهبي على مستوى المنطقة، والتهيئة لتقسيم دول المنطقة مستقبلاً بطرح الفدرالية، وحتى تعد الأرضية السياسية التي على أساسها سيتم الإنتقال إلى مرحلة ما بعد جنيف 2.
ومن أجل التغطية على ذلك تريد أميركا أن تبدو كالعاجز عن فرض حلول من خلال التذرع بالموقف الروسي وهي تسمح من حين لآخر لبعض النواب من الحزب الجمهوري الأميركي بالقيام بتصريحات يفهم منها أن أميركا لا تملك خطة في سوريا، مع أن هذا غير صحيح.
فهذا التصرف يساعد أميركا في امتصاص غضب بعض حلفائها مثل السعودية التي تخشى من ارتدادات الحرب السورية عليها بسبب امتعاض العلماء الذين يرون وجوب نصرة "أهل السنة" أمام تحالف الشيعة مع بشار الأسد، كما تخشى السعودية من عودة تيار السلفية الجهادية للعمل مجدداً مستغلاً تخاذل العائلة المالكة وتواطئها مع أميركا ليس فقط في سوريا بل أيضاً في مصر.
أما المساعدات العسكرية التي تقدمها روسيا إلى النظام السوري من حين لآخر فهي ليست من الأسلحة والذخائر المعدة لإحداث تغيير جذري في ميزان القوى مع المعارضة المسلحة.
لقد صرحت روسيا أكثر من مرة أنها لا تتمسك ببشار الأسد وأنها لن تخوض حرباً بالوكالة عن سوريا، وبرز ذلك عندما كانت أميركا تستعد لتوجيه ضربة إلى نظام بشار إثر مجزرة الغوطة الشرقية.
ومن خلال التواطؤ الروسي والتهديد بالضربة العسكرية نجحت أميركا في تجريد النظام السوري وكل من سوف يحل محله مستقبلاً من السلاح الكيماوي الذي يعد أحد أهداف سياستها في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. وبالرغم من تراجع أميركا عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا وقبولها بالمبادرة الروسية حول الأسلحة الكيميائية السورية إلا أنها أبقت سوريا تحت تهديد البند السابع في القرار الأممي رغم الرفض الروسي السابق.
إن ظهور روسيا في الإعلام بأنها هي التي أوقفت الضربة العسكرية الأميركية ضد سوريا لا يدل ذلك على قوة الموقف الروسي بل يدل على عدم جدية أميركا نفسها في توجيه هذه الضربة، وظهر ذلك منذ إعلان بريطانيا وألمانيا وايطاليا عن عدم مشاركتهم في الضربة العسكرية، فضلاً عن طلب باراك أوباما من الكونغرس منحه تفويضاً بالضربة العسكرية مع أن القانون الأميركي يعطيه الحق في اتخاذ قرار الحرب دون الرجوع لأية مؤسسة أميركية.
وعليه فإن روسيا ليس لها أي نفوذ في الشرق الأوسط وما يبدو لها من دور ظاهر في الملف السوري فذلك عين ما تريده أميركا من توجيه الرأي العام الدولي والإقليمي بعيداً عن حقيقة الموقف الدولي الذي يتميز بالتفرد الأميركي وإظهاره بأنه متعدد الأقطاب من أجل امتصاص غضب المسلمين وكرههم للسياسات الأميركية.
أما بالنسبة لروسيا فإنها زيادة على فقدانها لجزء من تأثيرها في مجالها الحيوي داخل الجمهوريات السوفييتية السابقة فإن عقيدتها العسكرية تقتصر على حماية نفسها والتعامل مع الصراعات الإقليمية على حدودها القريبة بعد أن انسحبت سياسياً وعسكرياً من أوروبا الشرقية وأصبحت تتبنى النظام الرأسمالي سواء في نظامها السياسي أو في نظامها الإقتصادي .

2/- الملف المصري:
يروج كثير من الإعلاميين والسياسيين على أن مصر دخلت مرحلة جديدة بعد الزيارة التي قام بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيين (سيرغي لافروف وسيرغي شويغو) إلى القاهرة في 14/11/2013. وبعد اللقاء الروسي مع القادة الجدد في مصر وصف وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي هذه الزيارة بأن "عهداً جديداً للتعاون مع روسيا بدأ اليوم".
وذهب بعض المحللين للقول أن روسيا بدأت تملأ الفراغ الذي تركته أميركا بعد تجميدها لجزء من المساعدات العسكرية لمصر.
والحقيقة أن زيارة المسؤولين الروس لمصر وصفقات السلاح الروسي مع القاهرة بدأ الحديث فيها منذ انقلاب السيسي على محمد مرسي في 3 تموز/يوليو 2013.
والظاهر أن هذا التعاون "الجديد" بين مصر وروسيا جاء بتخطيط كبير من أميركا، منذ الزيارة التي قام بها الأمير بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي ورئيس الاستخبارات العامة، بتاريخ 31/7/2013. فعن هذه الزيارة كشفت قناة روسيا اليوم 27/10/2013 أن الأمير بندر عرض على روسيا مبلغ 15 مليار دولار مقابل زيارة يقوم بها فلادمير بوتين إلى القاهرة لإضفاء "الشرعية" على الإنقلاب في مصر. وبحسب المعلومات التي نقلتها القناة الروسية فإن الأمير بندر عرض دفع هذا المبلغ على شكل تمويل سعودي لأسلحة روسية تقوم مصر بشرائها. ورغم أن القناة أشارت إلي أن بوتين رفض العرض السعودي، لكن زيارة وزيرا الخارجية والدفاع الروسيين الأخيرة إلى مصر تدل على أنه تم قبول العرض السعودي مع بعض التعديل.
وبناءً على ذلك فإن زيارة الوفد الروسي لمصر لا علاقة لها بما يروج له من حديث عن انتهاء النفوذ الأميركي في مصر، وإنما تأتي هذه الزيارة خدمة من روسيا تقدمها لأميركا مقابل الفوائد المالية التي سوف تجنيها من صفقات السلاح الكبرى مع مصر بتمويل سعودي.
أما الغاية من وراء ذلك فهي فك العزلة الدولية التي يعانيها النظام القائم في مصر بعد زيارة مسؤولين من دولة كبرى مثل روسيا التي تظهر أحياناً كثيرة أنها لا تهتم بالمعايير الغربية في مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية.
وبهذا الشكل تحافظ أميركا وأوروبا على سمعتهما الدولية كراعيتين لأفكار العلمانية وعلى رأسها الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان، وفوق ذلك تحافظ أميركا وحلفاؤها الغربيون على علاقتهم المميزة مع الحركات الإسلامية المنخرطة في عملية الإنتقال الديمقراطي الناتجة عما يسمى بالربيع العربي والتي جوهرها المزج بين الإسلام والعلمانية في الحياة والدولة والمجتمع.
وخلاصة الأمر فإنه يتضح أنه لا معنى للحديث عن عودة حرب باردة جديدة، وفي المقابل فإنه لا عودة أيضاً للخنوع الروسي الذي أسس له بوريس يلتسين وقضى عليه فلاديمير بوتين.‏
أما النزاع الروسي الأميركي الذي يبدو من حين لآخر فهو مرتبط بأماكن النزاعات ويتأثر بنوع المصالح التي تعتبرها روسيا حيوية.‏ فعلى مستوى الساحة الدولية لا تملك روسيا سوى المعارضة الإعلامية أو التهديد باستعمال حق الفيتو في مجلس الأمن.
أما في الشرق الأوسط فلا تملك روسيا أي نفوذ سياسي أو استراتيجي تحارب من أجله، وهي تناور من أجل الحصول على المنافع الإقتصادية وبخاصة في النفط وتجارة السلاح وبعض الحضور العسكري في البحر المتوسط الذي تستفيد منه أميركا في التغطية على القواعد العسكرية الكثيرة والمنتشرة في المنطقة.
وعليه فإن سوريا أو إيران أو غيرهما من دول المنطقة لا تمثل خطاً أحمر بالنسبة للمصالح الحيوية الروسية مثل جورجيا حيث حسمت روسيا الصراع هناك في أيام معدودة وقامت بفصل أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وإعلان استقلالهما في وقت قياسي. وهي بذلك تكون قد وجهت رسالة واضحة وقوية لأميركا والغرب بأنها لن تتوانى عن الدخول في حرب عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحيوية المباشرة لروسيا الإتحادية.
أما السؤال عن مدى سعي روسيا وجديتها في منافسة أميركا على الساحة الدولية، فإن الجواب عليه أنه صحيح أن روسيا اليوم ليست هي روسيا التي كانت في عام 1991 بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، حيث كانت تستجدي المعونات من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها "الرأسمالي" الوليد، وكانت تقدم التنازلات الإستراتيجية ليس على مستوى العالم فقط بل في مجالها الحيوي الذي دافع عنه قياصرة الروس من قبل وجود الدولة الشيوعية نفسها.
وصحيح أيضاً أن أميركا ما زالت مستمرة في تفردها الدولي، رغم أن سمعتها الدولية اهتزت كثيراً بالمقارنة عما كان عليه الحال عند إعلان جورج بوش الأب في زهو وتكبر عام 1991 عن ميلاد النظام العالمي الجديد، وذلك بسبب وجود رأي عام مناهض لسياساتها بين الشعوب وبخاصة الإسلامية، جرّاء تدخلها العسكري في العديد من البلدان الإسلامية.
ومع كل ذلك فإنه لا توجد أمارات دالة على سعي روسيا لزعزعة مكانة أميركا الدولية كخطوة أولى لإزاحتها عن موقعها؛ لأن روسيا لا تملك الإرادة الجادة في مزاحمة أميركا في الساحة الدولية أو منافستها على مناطق نفوذها.
إن ما تطمح إليه روسيا هو أن تقبل بها أميركا كشريك دولي حقيقي وليس صورياً في إدارة شؤون العالم أو على الأقل بعض قضاياه، ورغم إدراكها أن أميركا لن تفرط بتفردها في الموقف الدولي ومع ذلك فهي تسعى لما تطمح إليه ولن تتخلى عن أن تكون بجانب أميركا في إدارة بعض القضايا الدولية على الأقل ولو صورياً؛ لأن ذلك يعزز مكانتها الدولية كدولة كبرى.

[/b]

عبد الواحد جعفر
21-02-2014, 12:47 AM
أما أهم ما تريده روسيا من أميركا ومن الدول الأوروبية الفاعلة فهو أن يعترفوا لها بوصايتها ونفوذها على منطقة مجموعة الدول المستقلة باعتبارها مجالاً حيوياً لها.
إلا أن كلاً من أميركا وأوروبا رفضتا الإقرار لروسيا بهذا المنطقة كمجال حيوي لها بل إنه لم يتم حتى الاعتراف برابطة الدول المستقلة كمنظمة إقليميّة داخل أوروبا. وفضلت أميركا أن تدفع تارة ببرنامج "الشراكة من أجل السلام" كأحد أدوات احتواء و"تغريب" دول حلف وارسو السابقة بما فيها روسيا نفسها، وأن تدفع تارة أخرى بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي للتدخل في حل النزاعات داخل الفضاء السوفييتي السابق.
ولذلك فإن الحديث عن أن روسيا تزاحم أميركا أو أن هناك دوراً قادماً لروسيا تنافس فيه أميركا في المدى القريب والمنظور فيه شيء من المبالغة، وبخاصة في ظل الحصار الجيوستراتيجي (توسع الناتو شرقاً) والحصار العسكري (مشروع الدرع الصاروخي) الذي تفرضه أميركا وما زالت على روسيا. وفوق ذلك فإن روسيا لم تبد أية جدية في التصدي لأميركا خاصة عبر سياسة تهديد المصالح، بل العكس هو الذي يبدو على الساحة الدولية.
فروسيا اليوم باتت تؤمّن الكثير من المصالح الدولية لأميركا بل وتقوم بتلقي الضربات نيابة عنها من قبل الرأي العام وبخاصة فيما يتعلق بدعمها لنظام بشار.
أما الاحتجاجات اللفظية والإعلامية التي تطلقها روسيا من حين لآخر فهي لا ترقى إلى مستوى تصرفات الدول الكبرى، وفوق ذلك فإنها لا تمثل أي تهديد فعلي لمصالح أميركا وحلفائها الأوروبيين.
صحيح أن روسيا نجحت منذ وصول بوتين إلى الحكم عام 2000 وخلال هذه المرحلة من التفرد الأميركي بالموقف الدولي، في تدارك ما لحق بها من ضعف جراء سقوط الاتحاد السوفيتي وخلال فترة حكم بوريس يلتسين، وصحيح أن روسيا نجحت أيضاً في التصدي لبعض الخطط الأميركية في آسيا الوسطى والقوقاز عبر تقوية الوضع الداخلي والتقارب مع الصين والتحكم بثروتها النفطية إنتاجاً وإمداداً، وأخيراً عبر بناء رادع عسكري نووي موثوق به وإحياء الصناعات الثقيلة، إلا أن ذلك كله لن يمكنها في هذه المرحلة من خوض الصراع ومزاحمة أميركا وتغيير الموقف الدولي لصالحها لأنه لا تتوفر لديها الإرادة لفعل ذلك ولأن أميركا نجحت في ربط مصالح روسيا الإقتصادية بشبكة من العلاقات الأوروبية والدولية يجعل منها أسيرة هذه المصالح نفسها.
وهذا يؤكد أن أميركا لا تريد إقصاء روسيا اقتصادياً سواء في آسيا الوسطى أو الشرق الأوسط وحتى في العالم بل العكس هو الصحيح. فأميركا تعمل على تعميق وتوسيع المصالح الروسية في العالم مثلما تفعل ذلك مع الصين، أولاً، من أجل مكافأتها على سيرها مع أميركا. وثانياً، وهذا هو الأخطر، من أجل تهديدها في هذه المصالح عندما تحاول روسيا ليس شق عصا الطاعة فحسب بل التفكير في عرقلة تنفيذ المشاريع الأميركية.
ولذلك تقوم أميركا بإشراك روسيا في عدد من الملفات الإقليمية (سوريا، إيران، مصر..) والدولية (محاربة الإرهاب، منع أسلحة الدمار الشامل..) من أجل استعمالها كقوة تحمي الاستقرار على أساس النظرة الأميركية. وفي مقابل ذلك تنال روسيا على حساب فرنسا وبريطانيا الحضور الدولي وتحقق بعض المصالح الإقتصادية والتجارية وحتى العسكرية مثل حضور أساطيلها العسكرية في البحر المتوسط وحتى في قناة السويس بعد الزيارة التي قام بها الوفد الروسي بعد ذلك إلى القاهرة.

18/ربيع الثاني/1435هـ
18/2/2014م