عبد الواحد جعفر
21-02-2014, 12:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
حول دور روسيا
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
من الملاحظ كثرة الحديث في الإعلام وفي المجالس عن عودة الحرب الباردة بين روسيا وأميركا وذلك كله بسبب الموقف الروسي من الأزمة السورية والتوافق الأميركي الروسي بشأن الحل السياسي ومؤتمر جنيف. مع العلم أن باقي القضايا في المنطقة تسير روسيا مع أميركا في حلحلتها حسب وجهة النظر الأميركية كقضية فلسطين وغيرها ولا يلحظ وجود أي صراع. ولكن قضية الدرع الصاروخي وقضية التدخل الأميركي في دول الاتحاد السوفييتي السابق نجد فيها خلافاً بين الدولتين يصل إلى حد الصراع.... والسؤال... هل البحث في الموقف الروسي في سورية هو بحث في حالة معينة تقف عند حد سورية أم أنه يعكس دوراً قادماً لروسيا في المنطقة والعالم منافساً لأميركا.
أرجو الإجابة. والسلام عليكم
الجواب:
أولاً: رغم الإعلان رسمياً أن الحرب الباردة قد انتهت بين أميركا وروسيا في العام 1991، إلا أن الحقيقة أن هذه الحرب قد انتهت فعلياً منذ اتفاق كينيدي وخروشوف عام 1961. وقد نتج عن هذا الإتفاق ما عرف بسياسة الوفاق الدولي التي تقوم على أساس فكرة التعايش السلمي بين أميركا وروسيا والإتفاق على حصر القضايا الدولية بينهما بعد إزاحة فرنسا وانجلترا من المنافسة ومحاصرة الصين في المحيط الهادي.
وكما أبقت الدولتان على فكرة وجود المعسكرين الشيوعي والرأسمالي كذلك أبقتا على فكرة وجود الحرب الباردة وذلك لخداع منافسيهما وتثبيت سياسة الوفاق بينهما. ومنذ ذلك الوقت توقفت روسيا عن الحرب الباردة ضد أميركا وصارت تعمل للحفاظ على أمنها ومكانتها وحدودها ومصالحها فقط، بل "ورضيت بأن تكون على اتفاق مع أميركا في جميع مسائل السياسة العالمية من ناحية دولية حتى أصبحت حليفة لها أو شبه حليفة في السياسة العالمية.
وظلت سياسة الوفاق الدولي مستمرة، واستمر معها تعبير الحرب الباردة إلى أن تولى ميخائيل غورباتشوف السلطة في موسكو وبدأت بعدها مرحلة جديدة من العلاقات الدولية في التشكل. بدأت بالبيرسترويكا أو تجديد الدولة السوفيتية وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى 15 جمهورية مستقلة. وكان ذلك بسبب استنزاف الإقتصاد السوفييتي في سباق التسلح وتبخر الفكرة الشيوعية من عقول الناس.
وبعد سقوط الإتحاد السوفييتي عام 1991 أعلنت أميركا عن ميلاد نظام عالمي جديد أساسه هو التفرد الأميركي في السياسة الدولية.
وخلال فترة حكم بوريس يلتسين عملت أميركا جاهدة على استغلال هذه "الفرصة التاريخية" والإجهاز على ما تبقى من تأثير روسيا دولياً وإقليمياً وحتى داخلياً. إلا أن ظهور فلادمير بوتين بعد توليه الرئاسة في العام 2000 قد أوقف الإنهيار السحيق الذي كانت تسير فيه روسيا.
ورغم وجود خلافات في وجهات النظر بين روسيا وأميركا في عدد من القضايا إلا أن ذلك لا يعني بحال عودة الحرب الباردة أو حتى أجوائها بين الدولتين كما تصور ذلك كثير من التحليلات.
فروسيا اليوم أضعف بكثير من الإتحاد السوفييتي السابق الذي كان يحارب نفوذ أميركا في كل أرجاء العالم من أجل زحزحتها عن مركز الدولة الأولى إلى أن تبنى سياسة التعايش السلمي عام 1961.
فإذا كان هذا هو وضع روسيا في علاقتها مع أميركا إلى حدود عام 1991، فمن باب أولى أن لا تسعى لمنافسة أميركا أو مزاحمتها دولياً وقد خسرت قدراً واضحاً من نفوذها في دول آسيا الوسطى وأصبح حلف الناتو على أبوابها بل وأصبحت موسكو نفسها مهددة بمشروع الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا الشرقية.
ثانياً: منذ سقوط الإتحاد السوفييتي أخذت أميركا على نفسها استغلال ما أطلق عليه بـ"الفرصة التاريخية" لتجريد روسيا من مناطق نفوذها وعناصر قوتها وتفوقها، وذلك عبر وضع يدها على منابع النفط في بحر قزوين وطرق نقله والعمل على إضعاف روسيا في آسيا الوسطى والقوقاز وإحكام سيطرتها على أوروبا الشرقية وذلك من خلال توسيع الحلف الأطلسي ونشر الدرع الصاروخي على مقربة من حدود روسيا. إلا أنه مع صعود فلادمير بوتين للحكم ونجاحه في وقف ما سماه بـ"الإنهيار الإستراتيجي" لروسيا بدأت أميركا تعمل على احتواء عودة روسيا إلى مجالها الحيوي عبر إشراكها في القضايا الدولية حسب الأجندة الأميركية مثل "محاربة الإرهاب" ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ومع ذلك فإن ما تقوم به روسيا على المسرح الدولي في ظل واقع التفرد الأميركي بالسياسة الدولية ما زال بعيداً عن إطار التنافس الدولي الذي عرفته فترة الحرب الباردة بل هو يدخل في إطار الضغط على الإدارة الأميركية حتى تأخذ في حسبانها الحاجات الأمنية والمصالح الحيوية لروسيا. فسعي روسيا لتجديد ترسانتها العسكرية والتهديدات التي تطلقها من حين لآخر بخصوص توجيه صواريخها في اتجاه أوروبا وتجميد الإلتزام بمعاهدة انتشار القوات التقليدية في أوروبا، كل ذلك تريد من ورائه أن تثبت لأميركا أن لديها القوة العسكرية لإبطال مفعول الدرع الصاروخي الذي تريد إقامته في أوروبا، هذا فضلاً عن الرسالة التي توجهها لدول أوروبا الغربية وبخاصة بأن حاجاتها الأمنية لا يجب أن تتفق بالضرورة مع المخططات الإستراتيجية لأميركا.
ثالثاً: في 13 كانون الأول/ديسمبر 2001، وبعد سقوط أفغانستان في يد الإحتلال الأميركي أعلن جورج دبليو بوش عن انسحاب أميركا بشكل منفرد من معاهدة حظر الدفاع ضد الصواريخ (أي. بي. أم). ثم مع بداية عام 2007 أعلن بوش عن عزم واشنطن نشر مظلة دفاع صاروخية في بولندا والتشيك.
ومن الطبيعي أن ترفض روسيا الدرع الصاروخي الأميركي لأنها ترى أنه موجهاً لها وليس إلى "الدول المارقة" (كوريا الشمالية وإيران) حسب التصريحات الأميركية، وبخاصة بعد أن توسع حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الروسية بدخول العديد من دول الكتلة الشرقية والأعضاء السابقين في حلف وارسو كأعضاء جدد في حلف الناتو.
فروسيا ترى أن إيران لا تملك التقنية الصاروخية التي تستطيع من خلالها ضرب الدول الأوروبية كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، كما أن القواعد التي تريدها أميركا في أوربا الشرقية معدة لمواجهة القدرات الصاروخية الاستراتيجية الروسية.
ومن هذا المنطلق ترى روسيا الخطر في نشر هذا الدرع بالقرب من حدودها، لأن فكرة نشر القواعد العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة تستدعي بالضرورة تطوير البنية الأساسية العسكرية في تلك المناطق المستهدفة، مما سيؤدي إلى نسف معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، والتي لفظت آخر أنفاسها منذ انضمام دول البلطيق إلى حلف الناتو من دون الانضمام إلى هذه المعاهدة. وقد أجمع الخبراء العسكريون على أن مشروع الدفاع الصاروخي هجومي بطبيعته؛ لأنه يسمح لأميركا بتوجيه الضربة الأولى لأعدائها المحتملين، مثل روسيا والصين، من دون خوف من ضربة ثانية، هذا فضلاً عن كونه يخل بميزان التوازن الإستراتيجي للقوى في أوروبا.
وفي أول رد على قرار بوش الابن بالسير في مشروع الدرع الصاروخي ذكر قائد القوات الإستراتيجية الروسية الجنرال نيكولاي سولوفتسوف في مؤتمر صحفي: "حتى الآن لم نر شيئاً يتم وإنما مجرد الحديث عن نوايا." وأضاف "ولكن إذا قررت الحكومتان البولندية والتشيكية (استضافة الدرع الصاروخي الأميركي) فستكون القوات الصاروخية الإستراتيجية قادرة على استهداف هذه المنشآت إذا اتخذ القرار السياسي بهذا الصدد". وأضاف سولوفتسوف إن الصناعات العسكرية الروسية التي استعادت حيويتها بمقدورها إنتاج جيل جديد من الصواريخ القادرة على اختراق المظلة الصاروخية الأميركية. وأضاف أن الاستثمارات الضخمة في الصناعات العسكرية في عهد بوتين أتاحت إمكانية صنع أسلحة جديدة تتصدى للمشروع الأميركي.
وبالفعل بدأت روسيا بالتصدي لمشروع الدرع الصاروخي عندما أجرت اختبارًا ناجحًا على صاروخ باليستي جديد من غواصة نووية قادر على اختراق الدرع الصاروخي الأميركي، والذي وصفه بوتين بأنه العنصر الأساسي في قوى موسكو النووية المستقبلية. ثم أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين وقع مرسوماً يعلق مشاركة روسيا في معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لأسباب تتعلق "بالأمن القومي"، تلك المعاهدة التي أبرمت عام 1990 للحد من عدد الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة التي يتم نشرها وتخزينها بين المحيط الأطلسي وجبال الأورال الروسية.
وقد حاولت روسيا حل هذه المعضلة التي افتعلتها أميركا بأن طرحت عدداً من الحلول لاحتياجات أميركا الأمنية، منها إذا كانت الولايات المتحدة تريد مواجهه إيران أو كوريا الشمالية فإنه من المستحسن إنشاء هذا الدرع في دول قريبة من طهران، ولا سيما في العراق التي تتمركز فيها القوات الأميركية منذ آذار/مارس 2003 أو حتى في تركيا حيث تتواجد القوات الأميركية في قاعدة إنجرليك. كما طرح الرئيس الروسي قي قمة الثماني التي انعقدت في ألمانيا في شهر حزيران/يونيو 2007 إمكانية استفادة واشنطن من القاعدة الروسية في أذربيجان.
ومن الواضح أن أميركا لا تريد الأخذ بالمقترحات الروسية بخصوص مشروع الدرع الصاروخي في شرق أوروبا، وذلك من أجل الضغط على روسيا حتى تنسحب من الساحة السوفييتية سابقاً، وأن تترك تلك المنطقة لأميركا تنشر فيها أفكارها السياسية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكذلك حتى لا تعرقل روسيا مشاريع أميركا في إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز من آسيا إلى أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية. كما يبدو أن أميركا تريد من وراء ترويجها لمشروع الدرع الصاروخي أن تضغط على روسيا في توسيع حلف الناتو بانضمام دول مثل أوكرانيا وجورجيا.
رابعاً: أما بخصوص التوافق الأميركي الروسي في الشرق الأوسط فإنه رغم ما يبدو أحياناً من اختلاف بين روسيا وأميركا في قضية الشرق الأوسط وبخاصة في الملف السوري لكن الحقيقة أن هذا الخلاف لا يتجاوز النطاق الإعلامي.
والحقيقة أن "المشاكسات" الروسية لأميركا في الشرق الأوسط تخدم جوهر السياسيات الأميركية وتساعد على تنفيذها. أما الذي تستفيده روسيا من ذلك فهو الحصول على عقود بيع السلاح وغيرها من العقود التجارية مثل بناء مفاعلات الطاقة النووية السلمية مع دول المنطقة، وفوق ذلك فإن تعاونها مع أميركا سمح لها بتواجد بعض سفنها الحربية في البحر المتوسط وهو ما كانت تحلم به منذ أيام القياصرة ورغبتهم في الوصول إلى "المياه الدافئة".
فزيادة على غياب أي دور لروسيا ينافس أميركا في حل قضية فلسطين، وسماح أميركا لروسيا بعرض كافة أنواع الدعم التقني في مجال الطاقة النووية لدول الخليج، فإننا سنتعرض لملفين يتبين لنا من خلالهما مقدار التوافق الروسي مع السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، وهذين الملفين هما الملف السوري والملف المصري.
جواب سؤال
حول دور روسيا
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
من الملاحظ كثرة الحديث في الإعلام وفي المجالس عن عودة الحرب الباردة بين روسيا وأميركا وذلك كله بسبب الموقف الروسي من الأزمة السورية والتوافق الأميركي الروسي بشأن الحل السياسي ومؤتمر جنيف. مع العلم أن باقي القضايا في المنطقة تسير روسيا مع أميركا في حلحلتها حسب وجهة النظر الأميركية كقضية فلسطين وغيرها ولا يلحظ وجود أي صراع. ولكن قضية الدرع الصاروخي وقضية التدخل الأميركي في دول الاتحاد السوفييتي السابق نجد فيها خلافاً بين الدولتين يصل إلى حد الصراع.... والسؤال... هل البحث في الموقف الروسي في سورية هو بحث في حالة معينة تقف عند حد سورية أم أنه يعكس دوراً قادماً لروسيا في المنطقة والعالم منافساً لأميركا.
أرجو الإجابة. والسلام عليكم
الجواب:
أولاً: رغم الإعلان رسمياً أن الحرب الباردة قد انتهت بين أميركا وروسيا في العام 1991، إلا أن الحقيقة أن هذه الحرب قد انتهت فعلياً منذ اتفاق كينيدي وخروشوف عام 1961. وقد نتج عن هذا الإتفاق ما عرف بسياسة الوفاق الدولي التي تقوم على أساس فكرة التعايش السلمي بين أميركا وروسيا والإتفاق على حصر القضايا الدولية بينهما بعد إزاحة فرنسا وانجلترا من المنافسة ومحاصرة الصين في المحيط الهادي.
وكما أبقت الدولتان على فكرة وجود المعسكرين الشيوعي والرأسمالي كذلك أبقتا على فكرة وجود الحرب الباردة وذلك لخداع منافسيهما وتثبيت سياسة الوفاق بينهما. ومنذ ذلك الوقت توقفت روسيا عن الحرب الباردة ضد أميركا وصارت تعمل للحفاظ على أمنها ومكانتها وحدودها ومصالحها فقط، بل "ورضيت بأن تكون على اتفاق مع أميركا في جميع مسائل السياسة العالمية من ناحية دولية حتى أصبحت حليفة لها أو شبه حليفة في السياسة العالمية.
وظلت سياسة الوفاق الدولي مستمرة، واستمر معها تعبير الحرب الباردة إلى أن تولى ميخائيل غورباتشوف السلطة في موسكو وبدأت بعدها مرحلة جديدة من العلاقات الدولية في التشكل. بدأت بالبيرسترويكا أو تجديد الدولة السوفيتية وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى 15 جمهورية مستقلة. وكان ذلك بسبب استنزاف الإقتصاد السوفييتي في سباق التسلح وتبخر الفكرة الشيوعية من عقول الناس.
وبعد سقوط الإتحاد السوفييتي عام 1991 أعلنت أميركا عن ميلاد نظام عالمي جديد أساسه هو التفرد الأميركي في السياسة الدولية.
وخلال فترة حكم بوريس يلتسين عملت أميركا جاهدة على استغلال هذه "الفرصة التاريخية" والإجهاز على ما تبقى من تأثير روسيا دولياً وإقليمياً وحتى داخلياً. إلا أن ظهور فلادمير بوتين بعد توليه الرئاسة في العام 2000 قد أوقف الإنهيار السحيق الذي كانت تسير فيه روسيا.
ورغم وجود خلافات في وجهات النظر بين روسيا وأميركا في عدد من القضايا إلا أن ذلك لا يعني بحال عودة الحرب الباردة أو حتى أجوائها بين الدولتين كما تصور ذلك كثير من التحليلات.
فروسيا اليوم أضعف بكثير من الإتحاد السوفييتي السابق الذي كان يحارب نفوذ أميركا في كل أرجاء العالم من أجل زحزحتها عن مركز الدولة الأولى إلى أن تبنى سياسة التعايش السلمي عام 1961.
فإذا كان هذا هو وضع روسيا في علاقتها مع أميركا إلى حدود عام 1991، فمن باب أولى أن لا تسعى لمنافسة أميركا أو مزاحمتها دولياً وقد خسرت قدراً واضحاً من نفوذها في دول آسيا الوسطى وأصبح حلف الناتو على أبوابها بل وأصبحت موسكو نفسها مهددة بمشروع الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا الشرقية.
ثانياً: منذ سقوط الإتحاد السوفييتي أخذت أميركا على نفسها استغلال ما أطلق عليه بـ"الفرصة التاريخية" لتجريد روسيا من مناطق نفوذها وعناصر قوتها وتفوقها، وذلك عبر وضع يدها على منابع النفط في بحر قزوين وطرق نقله والعمل على إضعاف روسيا في آسيا الوسطى والقوقاز وإحكام سيطرتها على أوروبا الشرقية وذلك من خلال توسيع الحلف الأطلسي ونشر الدرع الصاروخي على مقربة من حدود روسيا. إلا أنه مع صعود فلادمير بوتين للحكم ونجاحه في وقف ما سماه بـ"الإنهيار الإستراتيجي" لروسيا بدأت أميركا تعمل على احتواء عودة روسيا إلى مجالها الحيوي عبر إشراكها في القضايا الدولية حسب الأجندة الأميركية مثل "محاربة الإرهاب" ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ومع ذلك فإن ما تقوم به روسيا على المسرح الدولي في ظل واقع التفرد الأميركي بالسياسة الدولية ما زال بعيداً عن إطار التنافس الدولي الذي عرفته فترة الحرب الباردة بل هو يدخل في إطار الضغط على الإدارة الأميركية حتى تأخذ في حسبانها الحاجات الأمنية والمصالح الحيوية لروسيا. فسعي روسيا لتجديد ترسانتها العسكرية والتهديدات التي تطلقها من حين لآخر بخصوص توجيه صواريخها في اتجاه أوروبا وتجميد الإلتزام بمعاهدة انتشار القوات التقليدية في أوروبا، كل ذلك تريد من ورائه أن تثبت لأميركا أن لديها القوة العسكرية لإبطال مفعول الدرع الصاروخي الذي تريد إقامته في أوروبا، هذا فضلاً عن الرسالة التي توجهها لدول أوروبا الغربية وبخاصة بأن حاجاتها الأمنية لا يجب أن تتفق بالضرورة مع المخططات الإستراتيجية لأميركا.
ثالثاً: في 13 كانون الأول/ديسمبر 2001، وبعد سقوط أفغانستان في يد الإحتلال الأميركي أعلن جورج دبليو بوش عن انسحاب أميركا بشكل منفرد من معاهدة حظر الدفاع ضد الصواريخ (أي. بي. أم). ثم مع بداية عام 2007 أعلن بوش عن عزم واشنطن نشر مظلة دفاع صاروخية في بولندا والتشيك.
ومن الطبيعي أن ترفض روسيا الدرع الصاروخي الأميركي لأنها ترى أنه موجهاً لها وليس إلى "الدول المارقة" (كوريا الشمالية وإيران) حسب التصريحات الأميركية، وبخاصة بعد أن توسع حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الروسية بدخول العديد من دول الكتلة الشرقية والأعضاء السابقين في حلف وارسو كأعضاء جدد في حلف الناتو.
فروسيا ترى أن إيران لا تملك التقنية الصاروخية التي تستطيع من خلالها ضرب الدول الأوروبية كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، كما أن القواعد التي تريدها أميركا في أوربا الشرقية معدة لمواجهة القدرات الصاروخية الاستراتيجية الروسية.
ومن هذا المنطلق ترى روسيا الخطر في نشر هذا الدرع بالقرب من حدودها، لأن فكرة نشر القواعد العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة تستدعي بالضرورة تطوير البنية الأساسية العسكرية في تلك المناطق المستهدفة، مما سيؤدي إلى نسف معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، والتي لفظت آخر أنفاسها منذ انضمام دول البلطيق إلى حلف الناتو من دون الانضمام إلى هذه المعاهدة. وقد أجمع الخبراء العسكريون على أن مشروع الدفاع الصاروخي هجومي بطبيعته؛ لأنه يسمح لأميركا بتوجيه الضربة الأولى لأعدائها المحتملين، مثل روسيا والصين، من دون خوف من ضربة ثانية، هذا فضلاً عن كونه يخل بميزان التوازن الإستراتيجي للقوى في أوروبا.
وفي أول رد على قرار بوش الابن بالسير في مشروع الدرع الصاروخي ذكر قائد القوات الإستراتيجية الروسية الجنرال نيكولاي سولوفتسوف في مؤتمر صحفي: "حتى الآن لم نر شيئاً يتم وإنما مجرد الحديث عن نوايا." وأضاف "ولكن إذا قررت الحكومتان البولندية والتشيكية (استضافة الدرع الصاروخي الأميركي) فستكون القوات الصاروخية الإستراتيجية قادرة على استهداف هذه المنشآت إذا اتخذ القرار السياسي بهذا الصدد". وأضاف سولوفتسوف إن الصناعات العسكرية الروسية التي استعادت حيويتها بمقدورها إنتاج جيل جديد من الصواريخ القادرة على اختراق المظلة الصاروخية الأميركية. وأضاف أن الاستثمارات الضخمة في الصناعات العسكرية في عهد بوتين أتاحت إمكانية صنع أسلحة جديدة تتصدى للمشروع الأميركي.
وبالفعل بدأت روسيا بالتصدي لمشروع الدرع الصاروخي عندما أجرت اختبارًا ناجحًا على صاروخ باليستي جديد من غواصة نووية قادر على اختراق الدرع الصاروخي الأميركي، والذي وصفه بوتين بأنه العنصر الأساسي في قوى موسكو النووية المستقبلية. ثم أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين وقع مرسوماً يعلق مشاركة روسيا في معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لأسباب تتعلق "بالأمن القومي"، تلك المعاهدة التي أبرمت عام 1990 للحد من عدد الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة التي يتم نشرها وتخزينها بين المحيط الأطلسي وجبال الأورال الروسية.
وقد حاولت روسيا حل هذه المعضلة التي افتعلتها أميركا بأن طرحت عدداً من الحلول لاحتياجات أميركا الأمنية، منها إذا كانت الولايات المتحدة تريد مواجهه إيران أو كوريا الشمالية فإنه من المستحسن إنشاء هذا الدرع في دول قريبة من طهران، ولا سيما في العراق التي تتمركز فيها القوات الأميركية منذ آذار/مارس 2003 أو حتى في تركيا حيث تتواجد القوات الأميركية في قاعدة إنجرليك. كما طرح الرئيس الروسي قي قمة الثماني التي انعقدت في ألمانيا في شهر حزيران/يونيو 2007 إمكانية استفادة واشنطن من القاعدة الروسية في أذربيجان.
ومن الواضح أن أميركا لا تريد الأخذ بالمقترحات الروسية بخصوص مشروع الدرع الصاروخي في شرق أوروبا، وذلك من أجل الضغط على روسيا حتى تنسحب من الساحة السوفييتية سابقاً، وأن تترك تلك المنطقة لأميركا تنشر فيها أفكارها السياسية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكذلك حتى لا تعرقل روسيا مشاريع أميركا في إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز من آسيا إلى أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية. كما يبدو أن أميركا تريد من وراء ترويجها لمشروع الدرع الصاروخي أن تضغط على روسيا في توسيع حلف الناتو بانضمام دول مثل أوكرانيا وجورجيا.
رابعاً: أما بخصوص التوافق الأميركي الروسي في الشرق الأوسط فإنه رغم ما يبدو أحياناً من اختلاف بين روسيا وأميركا في قضية الشرق الأوسط وبخاصة في الملف السوري لكن الحقيقة أن هذا الخلاف لا يتجاوز النطاق الإعلامي.
والحقيقة أن "المشاكسات" الروسية لأميركا في الشرق الأوسط تخدم جوهر السياسيات الأميركية وتساعد على تنفيذها. أما الذي تستفيده روسيا من ذلك فهو الحصول على عقود بيع السلاح وغيرها من العقود التجارية مثل بناء مفاعلات الطاقة النووية السلمية مع دول المنطقة، وفوق ذلك فإن تعاونها مع أميركا سمح لها بتواجد بعض سفنها الحربية في البحر المتوسط وهو ما كانت تحلم به منذ أيام القياصرة ورغبتهم في الوصول إلى "المياه الدافئة".
فزيادة على غياب أي دور لروسيا ينافس أميركا في حل قضية فلسطين، وسماح أميركا لروسيا بعرض كافة أنواع الدعم التقني في مجال الطاقة النووية لدول الخليج، فإننا سنتعرض لملفين يتبين لنا من خلالهما مقدار التوافق الروسي مع السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، وهذين الملفين هما الملف السوري والملف المصري.