ابو الارقم
15-11-2013, 10:46 PM
إن لتبدل الموقف الدولي اثر بالغ على العلاقات الدولية خصوصا على علاقة الولايات المتحدة بالدول العظمى وعلاقتها بعملائها ، ففي سبعينيات القرن الماضي حسمت امريكا الصراع في الشرق الاوسط وانفردت في الهيمنة عليه والتخطيط له وادارة ملفاته ، ولم يكن لبريطانيا شأن في المنطقة غير السير مع الولايات المتحدة ومحاولة التشويش عليها ولم يكن امام عملاء الانجليز سوى خدمة المصالح الامريكية، وفي تلك الفترة كانت امريكا قد اخترقت الاوساط السياسية في بريطانيا وفرنسا عن طريق استقطاب الرئيس الفرنسي فاليري جيس كارد ستان الذي عرف بتبني سياسة عدم التصادم مع الولايات المتحدة ، وعن طريق دعم حزب العمال البريطاني وايصاله للحكم لبلبلة الحياة السياسية البريطانية ، وفي عقد الثمانينيات تبلور تفاهم بين الولايات المتحدة وبريطانيا برز في علاقة الرئيس رونالد ريغان مع مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا خصوصا في السياسات التي عرفت بالتاتشريزم والريغانوميكس والتي تمنح ميزة الهيمنة على السياسة والاقتصاد لرأس المال الذي تتفوق فيه الولايات المتحدة على سائر دول العالم . في حين كانت فرنسا – ميتران – تدور في الفلك الامريكي، ثم تعرضت اهم الشركات الفرنسية ذات التأثير في السياسة الخارجية كشركة توتال البترولية التي كانت هي وشركة الف تسلح جيوش وتنصب حكام في بعض الدول الافريقية – تعرضت - للاختطاف من قبل راس المال الامريكي كاستحواذ مؤسسة المتقاعدين العسكريين الامريكية التي تملك مع بنوك امريكية استثمارات ضخمة في اوروبا على الكثير من اسهم تلك الشركات مثل توتال البترولية وميشلين التي احدث تسريح اعداد كبيرة من موظفيها من قبل المؤسسة الامريكية ازمة للحكومة الفرنسية في احدى السنوات ، وهذا يعني ارتهان تحقق المصالح الاوروبية بتحقق المصالح الامريكية وهو احد دواعي سير الدول الاوروبية في تنفيذ المشاريع الدولية وتأمين المصالح الامريكية . ومن ابرز الاحداث السياسية التي تركت اثرا على منطقة الشرق الاوسط هو دعم امريكا الخميني لتسلم الحكم في ايران بمساعدة وتخطيط المخابرات الامريكية في حلف الناتو اثناء اقامة الخميني في فرنسا ، وكان الهدف من الاطاحة بحكم الشاه وقلب الحياة السياسية في ايران واقامة نظام ولاية الفقيه هو احتواء اسرائيل والضغط عليها عند الحاجة بعد اختلال ميزان القوة في المنطقة لصالحها من جراء خروج مصر من حلبة "النزاع العربي الاسرائيلي" بمعاهدة السلام المذلة خصوصا ان اسرائيل كانت ترتبط بعلاقة حميمية مع نظام الشاه الذي كان يمدها بالبترول ، وبالإضافة الى احتواء اسرائيل كانت تهدف امريكا من قلب نظام الشاه تهديد انظمة الخليج من خلال سياسة تصدير الثورة لإبقائهم في حظيرتها خصوصا ان اغلب الاسر الحاكمة في الخليج هي من صناعة الاستعمار البريطاني . وكانت بريطانيا تحتضر سياسيا في تلك الفترة وقد جفت اغلب روافد قوتها السياسية في الخارج بفعل القضم المتتابع لنفوذها من قبل الولايات المتحدة ، فكانت في منتصف القرن الماضي قد خسرت نفوذها في مصر لصالح الولايات المتحدة عن طريق عبد الناصر الذي فضح علاقته بأمريكا شريكه في الثورة خالد محي الدين في مذكراته، كما خسرت بعد ذلك نفوذها لصالح امريكا في اليمن وخسرته في السودان عن طريق انقلاب النميري بدعم من عبد الناصر وفي سوريا عن طريق حافظ اسد وفي العراق عن طريق البكر وصدام حسين الذي التقى اثناء وجوده في مصر مدير المخابرات الامريكية جورج بوش الاب ، كما خسرت نفوذها في ليبيا عن طريق انقلاب القذافي الذي وصل الحكم بترتيب مع السفير الامريكي نيوسوم حيث صرح حينها وزير خارجية بريطانيا معلقا على الانقلاب "يريدون ان يخرجونا من المنطقة" ويقصد بذلك الولايات المتحدة وقد ذكر فتحي الديب في كتابه عبد الناصر وثورة ليبيا ان امريكا ارسلت طائرة خاصة لتنقلات القذافي بعيد الانقلاب بأيام قليلة لاكتشافها محاولة لاغتياله ، ومحمد فتحي الديب هو مستشار لعبد الناصر ارسله لتوجيه ضباط الثورة لصغر سنهم وانعدام خبرتهم السياسية فكان يكتب خطابات القذافي ومما ذكره في كتابه انه طلب من ضباط الثورة مراقبة الحركة من والى القاعدة البريطانية. وقد أشعلت امريكا الحرب العراقية الايرانية التي بداها العراق بتوجيه من امريكا لتحقيق هدف الاحتواء المزدوج الذي جعل مركز التنبه لدى انظمة الخليج واسرائيل هو سلامة العلاقة مع الولايات المتحدة كي تضمن امنها، لذلك تركزت اكثر المعارك خطورة في الحرب العراقية الايرانية في مناطق الجنوب العراقي القريب من الكويت والسعودية واستخدمت ايضا الصواريخ البالستية القادرة على الوصول لإسرائيل ودول الخليج . واضطرت اغلب ناقلات النفط الخليجية والعالمية لرفع العلم الامريكي حينها كي لا تتعرض للاستهداف الايراني ، وفي منتصف الثمانينيات وجهت امريكا ضربة قاضية للاتحاد السوفياتي عندما اعلن الرئيس الامريكي ريغان عن ميزانية الدفاع التي لم يملك الاتحاد السوفياتي معها غير الاستسلام والتحضير لجنازة حلف وارسو ، ومع مطلع التسعينيات وانهيار الاتحاد السوفياتي حسمت الولايات المتحدة الموقف الدولي واعلنت عن ولادة النظام العالمي الجديد من بوابة الشرق الاوسط حيث دخلت المنطقة مرحلة جديدة وهي مرحلة حل القضايا السياسية العالقة التي خلفتها حقبة الصراع الدولي تمهيدا لإعادة صياغتها بما يخدم تفوق الولايات المتحدة الاقتصادي وزعامتها على العالم ، ولهذا ابقت على نظام صدام حسين ليكون فزاعة لدول الخليج واسرائيل ولتبرير تواجدها العسكري في المنطقة ، وأمضت امريكا عقد التسعينيات وهي تعيد ترتيب الاوضاع الدولية بما يتلاءم مع النظام العالمي الجديد ، وعندما ارادت التخلص من اثار وذيول الوضع السياسي السابق في الشرق الاوسط اصطدمت بتجذر نظام ولاية الفقيه في ايران على المستوى السياسي والايديولوجي وضعف التيار الاصلاحي كما اصطدمت بتداعيات تعبأة شعوب المنطقة للجهاد في افغانستان، ولم تكن مشكلتها "المجاهدين" الذين وجهت تضحياتهم في غير قضاياهم الحقيقية بل تستفيد من وجودهم، ولكن مشكلتها هي بتنامي مفاهيم الاسلام كالجهاد والحكم الاسلامي والتحرر من الاستعمار والاخوة الاسلامية والعداء للغرب الكافر .
ومن هذا الواقع انطلقت امريكا في مشروعها للشرق الاوسط الجديد واعلنت ان غزوها للعراق واسقاطها صدام حسين سيكون بوابة الديمقراطية التشاركية في الشرق الاوسط ، وبرغم هيمنتها على انظمة المنطقة الا ان جملة من العوائق حالت دون نجاحها في تحقيق تقدم على مستوى كسب العقول والقلوب لأبناء المنطقة ، لان الانقسام الطائفي والديمغرافي الذي خلقته امريكا جعلها متهمة من قبل الجميع في الانحياز للآخر، وزاد من النقمة عليها بعد احتلال العراق وقوفها وراء اسرائيل في عدوانها على جنوب لبنان وغزة . ونتيجة لردود الفعل في المنطقة والعالم لسياسة القوة العسكرية ومكافحة الارهاب بالاضافة الى الازمة الاقتصادية العالمية التي كانت هي وراءها جيئ بأوباما ومعه سياسة القوة الناعمة من اجل امتصاص النقمة على الولايات المتحدة وسياساتها الدولية خصوصا في منطقة الشرق الاوسط . وبالتالي فان مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يرتكز على الديمقراطية التشاركية لم يكن وليد الربيع العربي بل كان بتخطيط مسبق وخلاصة تجارب ودراسات معمقة . والعملية السياسية في المنطقة تهدف الى ايجاد استقرار سياسي يمر عبر الفوضى ويتطلب ذلك وقتا قد يمتد لسنين ، والهدف من التغيير هو الاستقرار وليس الفوضى لان المقصود بالفوضى الخلاقة هو بعث الاستقرار من الفوضى والاضطراب، حسب فلسفتهم ، ولكن الذي لا بد من الاشارة اليه ان السياسة الغربية البراغماتية تتعامل مع الواقع ، وتستمد حلولها من الواقع ، فتثبيت علمنة المنطقة من خلال الديمقراطية التشاركية هو اساس لم يتبدل عندما ارست امريكا عطاءها على الاخوان في ترسيخ الديموقراطية والدولة المدنية عقب انفجار الانتفاضات ، ولم يتبدل بعد عدولها عن بقائهم في سدة الحكم واسقاطهم في مصر وتحجيم سلطتهم في تونس وباقي دول " الربيع العربي " ، فلكل واقع ظروفه . الا انه من المستبعد ان تقصي امريكا الاخوان كليا عن المشهد السياسي في المنطقة ، لان الجماعة بما تمثله من "فكر وسطي" ميكافيلي هي افضل ذخيرة في سياسة اطلاق الافكار بدل اطلاق النار على المسلمين .
[/b]
ومن هذا الواقع انطلقت امريكا في مشروعها للشرق الاوسط الجديد واعلنت ان غزوها للعراق واسقاطها صدام حسين سيكون بوابة الديمقراطية التشاركية في الشرق الاوسط ، وبرغم هيمنتها على انظمة المنطقة الا ان جملة من العوائق حالت دون نجاحها في تحقيق تقدم على مستوى كسب العقول والقلوب لأبناء المنطقة ، لان الانقسام الطائفي والديمغرافي الذي خلقته امريكا جعلها متهمة من قبل الجميع في الانحياز للآخر، وزاد من النقمة عليها بعد احتلال العراق وقوفها وراء اسرائيل في عدوانها على جنوب لبنان وغزة . ونتيجة لردود الفعل في المنطقة والعالم لسياسة القوة العسكرية ومكافحة الارهاب بالاضافة الى الازمة الاقتصادية العالمية التي كانت هي وراءها جيئ بأوباما ومعه سياسة القوة الناعمة من اجل امتصاص النقمة على الولايات المتحدة وسياساتها الدولية خصوصا في منطقة الشرق الاوسط . وبالتالي فان مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يرتكز على الديمقراطية التشاركية لم يكن وليد الربيع العربي بل كان بتخطيط مسبق وخلاصة تجارب ودراسات معمقة . والعملية السياسية في المنطقة تهدف الى ايجاد استقرار سياسي يمر عبر الفوضى ويتطلب ذلك وقتا قد يمتد لسنين ، والهدف من التغيير هو الاستقرار وليس الفوضى لان المقصود بالفوضى الخلاقة هو بعث الاستقرار من الفوضى والاضطراب، حسب فلسفتهم ، ولكن الذي لا بد من الاشارة اليه ان السياسة الغربية البراغماتية تتعامل مع الواقع ، وتستمد حلولها من الواقع ، فتثبيت علمنة المنطقة من خلال الديمقراطية التشاركية هو اساس لم يتبدل عندما ارست امريكا عطاءها على الاخوان في ترسيخ الديموقراطية والدولة المدنية عقب انفجار الانتفاضات ، ولم يتبدل بعد عدولها عن بقائهم في سدة الحكم واسقاطهم في مصر وتحجيم سلطتهم في تونس وباقي دول " الربيع العربي " ، فلكل واقع ظروفه . الا انه من المستبعد ان تقصي امريكا الاخوان كليا عن المشهد السياسي في المنطقة ، لان الجماعة بما تمثله من "فكر وسطي" ميكافيلي هي افضل ذخيرة في سياسة اطلاق الافكار بدل اطلاق النار على المسلمين .
[/b]