المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استهداف أمريكا لعملائها ووضع إيران وسوريا



أسيد
14-11-2013, 04:03 AM
إن فهم وجهة النظر في الحياة للدول الكبرى هو الخطوة الأولى لفهم سياساتها، والعقيدة الرأسمالية التي تعتنقها الدول العظمى تصور الحياة بأنها لذة. تقول آين راند مؤلفة كتاب فضيلة الأنانية: "يجب على كل فرد أن يتحقق من المنفعة التي تعود عليه هو ذاته من الفعل قبل أن يقوم به." ويرى جيريمي بينثام صاحب نظرية المنفعة أن مقياس الخطأ والصواب هو تحقيق أكبر قدر من اللذة لأكبر عدد ممكن من الناس. فالمصلحة أو المنفعة هي المقياس الذي تُحَكّمه الولايات المتحدة في سياساتها وعلاقاتها بغيرها من الدول أو الحكام حيث لا مكان للقيم ‏الأخلاقية والروحية والإنسانية في الفلسفة الرأسمالية إلا من زاوية نفعية أي بالقدر الذي تعود به تلك القيم ذاتها من منفعة. ويقول لورد بالمرستون: "لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل هناك مصالح فقط." وهذه الأقوال هي تعبير صادق عن العقلية البراغماتية الرأسمالية .
أما مصلحة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فيما يخص أنظمة الحكم فيه فقد أصبحت تتمثل بإيجاد أنظمة تابعة لها تحظى بتأييد جماهيري وليس بوجود أنظمة استبدادية تستفز الشعوب وتبعث فيهم الشوق لنظام الإسلام، وهذا تطلب من أمريكا العمل من أجل تطبيق الديمقراطية التشاركية من خلال تزييف إرادة الشعوب وحرفها بدل تكبيل إرادتها وقهرها، ومن شأن ذلك أن يضع حداً لحكم الأقليات وأنظمة الحزب الأوحد وهو ما أثار الذعر في الأنظمة العربية والحكام. إذن يوجد استهداف حقيقي من قبل الولايات المتحدة لأنظمة المنطقة لإعادة انتاجها بغية الحفاظ على مصالحها. ومن هنا كان استهداف الحكام والأنظمة يندرج في إطار المشروع الأمريكي الجديد للشرق الأوسط وليس في إطار صراع دولي، لأن الموقف الدولي هو في حالة انفراد قطب وليس تعدد أقطاب، وعلاقة الدول التقليدية الكبرى بأمريكا هي علاقة تفاهم ومشاركة في تنفيذ المشاريع الأمريكية في العالم، ومشاركة الدول الكبرى هي في تنفيذ السياسات الدولية وليس بصياغتها. ففي أثناء مفاوضات كل من أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا مع إيران في جنيف بشأن المشروع النووي الإيراني اتصل أوباما بنتنياهو وقال له إن أمريكا لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي. وهذا المثال يوضح أن الذي يصوغ السياسات الدولية هي أمريكا وأما روسيا وأوروبا فهي شريك في التنفيذ لا في وضع السياسات. والدول الكبرى وإن كانت دول طامعة، لكنها لا تملك أصلاً أدوات النفاذ إلى المنطقة وليس لديها مشاريع خاصة بها بل ترى أن مصلحتها تتحقق بتنفيذ المشاريع الأمريكية خصوصاً أن الإسلام بات مصدر تهديد للقيم والمصالح الغربية. ومن جانب آخر فإن صدام أمريكا مع بعض أنظمة المنطقة هو صدام مع عملاءَ لها وليس مع عملاء لغيرها، لهذا لا يبحث التصادم بينها وبين عملائها على صعيد الموقف الدولي وإنما يبحث على صعيد المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، لأن الخلاف بين أمريكا وعملائها هو خلاف على بقائهم في الحكم، وليس خلافاً على مشاريع دولية لا سيما أن الهدف من مشروع الشرق الأوسط لا خلاف فيه بين القوى الدولية بإبقاء المنطقة تحت الهيمنة الدولية لحساسيتها الدينية والاستراتيجية.
ومقاومة عملاء أمريكا لها لا تعني أنهم لم يعودوا عملاء أو لم تعد أنظمتهم تابعة، لأن هدفهم من المقاومة ليس التحرر من تبعيتها أو التحول في العمالة لغيرها أو خلع نفوذها وإنما هو صراع من أجل البقاء تحت نفوذها لأنهم لا يملكون خياراً آخراً في ظل غياب بديل دولي. وبما أن سند تلك الأنظمة هي أمريكا ذاتها فإن الانعتاق منها يعني الهلاك لأولئك الحكام لانعدام السند الطبيعي الجماهيري وضعف وسائل الإسناد من جيش وأجهزة أمنية، وهذا ما أسقط القذافي وأجبر زين العابدين ومبارك وعلي عبدالله صالح على التنحي، أضف إلى ذلك أن طبيعة الموقف الدولي لا تسعف العملاء كي يتحولوا إلى عمالة دولة أخرى لأنه لا يوجد صراع بين الدول الكبرى يستقطب العملاء ويوفر لهم ملاذاً ويثني الدولة العظمى عن استهدافهم، وبالتالي لن تجازف القوى الدولية بإسناد أنظمة قد تهاوت بعد أن قررت الدولة الأولى في العالم إعادة تدويرها . أما تنقّل إيران وسوريا بين تأمين المصالح والتلويح بتهديد المصالح الغربية فيؤكد إرادة البقاء لديهما في دائرة التبعية لأمريكا وليس التحرر منها أو التحول عنها. وهذا الوضع فريد وطارئ على العلاقات بين الدولة التابعة والدولة العظمى وبالتالي لا يُعدّ مثل هذا الوضع تبدلٌ في الموقف السياسي للدولة أو الحاكم من حيث العمالة والتبعية لأن الذي خلق الأزمة في العلاقة هي الدولة العظمى باستهدافها الدولة التابعة أو العميل وليس العكس. من هنا يمكننا أن نقرر بأن ما تقوم به بعض الدول التابعة من أعمال سياسية يتبدّى فيها استقلال القرار السياسي للعميل لا يخرج عن كونه استقلالُ أعمالٍ اقتضاها الدفاع عن وجوده وليس استقلالا لموقفه السياسي لأن الاستقلال في الموقف السياسي يتطلب امتلاك الدولة مقومات البقاء وامتلاك النظام مقومات الصمود، وأهمها استناده إلى إرادة الناس وتعبيره عن وجهة نظرهم في الحياة. وهذا في حالة انفراد دولة عظمى في الموقف الدولي وليس في حالة تعدد الأقطاب والصراع الدولي، لأن النزاع بين القوى العظمى والدول التابعة لها في ظل الصراع الدولي يبحث على صعيد الموقف السياسي للعميل فيما إذا استقل عن الدولة العظمى التابع لها أو تحول إلى غيرها. لذلك لا بد من التمييز بين أعمال العملاء في خصامهم مع الدولة العظمى الراعية لهم ومحاولتهم التشويش على مشروعها الذي يستهدفهم وهي منفردة بالموقف الدولي، وبين خصامهم معها وانخراطهم في مشاريع لقوى دولية أخرى في حالة الصراع الدولي وتعدد مراكز القوى وازدواجية الإرادة في إدارة الأزمات الدولية.
أما القضايا التي تستميت إيران وسوريا في الدفاع عنها فهي:
بالنسبة لإيران هي حماية نظام ولاية الفقيه الذي استمرأه المحافظون، لأن عقيدة ولاية الفقيه عند الملالي والقوى المحافظة هي أساس الحكم فإذا سقطت سقط النظام. فحال إيران في الاستهداف من قبل الولايات المتحدة لتغيير نمط الحكم فيها كحال باقي أنظمة المنطقة. وولاية الفقيه هي التي تُمد الطغمة الحاكمة بالشرعية في إيران، والولايات المتحدة وإن كانت قد حققت أهدافها من نظام ولاية الفقيه وتصدير الثورة بشأن الاحتواء المزدوج لدول الخليج وإسرائيل في عقد الثمانينيات من القرن الماضي إلا أنها لا زالت تسخّر إيران لتبرير تواجدها العسكري في الخليج وتسويق مخزونها من الأسلحة المحالة إلى خارج الخدمة من الترسانة الأمريكية والغربية، كما يُسخّر الخطر الإيراني من قبل الولايات المتحدة لعقد صفقات أسلحة تعود بمئات المليارات على أمريكا والغرب. فقد جاء في تقرير منظمة "إيدكس"، أن صفقات التسلح لدول الخليج بين عامي 2002 و 2012 بلغت 500 مليار دولار أي بمعدل 70 مليار دولار سنويا. وقد تبين أن من بين أهداف زيارة كيري لسلطنة عمان حثها على توقيع عقد تسلح بقيمة 2.1 مليار دولار مع شركة "رايثون" للصناعات الحربية، ومن ناحية أخرى تسخر الولايات المتحدة إيران أيضا لإفزاع الرأي العام الإسرائيلي وإرغامه على مساندة التوجه الأمريكي في تصفية القضية الفلسطينية والنزاع الإقليمي .
لكن المشكلة هي أن نظام ولاية الفقيه يتغذى على الإنجازات التي حققتها القوى المحافظة في المنطقة على المستوى الإيديولوجي والسياسي وأصبحت تلك الإنجازات شرياناً يمد نظام ولاية الفقيه والقوى المحافظة بالحياة، وأهم تلك الإنجازات هي القدرة على التأثير في النظام العراقي والسوري والحياة السياسية في لبنان. ولهذا أصبح استهداف نظام المالكي والأسد وحزب الله يمثل تهديداً للنظام الإيراني وتقويضاً له فيستوجب التصدي وعدم الإذعان على قاعدة "لن ننتحر" وليس على "قاعدة نحن أو أمريكا"، مع فارق يتعلق بالإصلاحيين لأنهم يتواطؤون على تقويض ولاية الفقيه وتعزيز مفهوم الدولة المدنية، ومن زاوية أخرى تعمل أمريكا على صياغة مفاهيم تقلص الخلاف بين التيارات الدينية والعلمانية مثل مفهوم التوافق على الدستور، كما تعمل على تجريف كل ما يربك تطبيق الديمقراطية التشاركية التي تقود إلى استقرار الوضع السياسي الذي يحقق مصالحها في المنطقة. وفي الوقت الذي توظف فيه أمريكا الصراع المذهبي في تمزيق كيان الأمة سياسياً تكرس تشظي الأمة فكرياً لتوجيه اللوم والتهمة في تردي أحوال المسلمين للإسلام ذاته من أجل إيجاد رأي عام للقيم الديمقراطية والدولة المدنية في المنطقة. ومن المتوقع مع مجيء روحاني إلى الحكم في إيران أن تبدأ حدة التشنج في المنطقة بالارتخاء تدريجياً بالتوازي مع مسار تصفية "القضية الفلسطينية". فمن المتوقع أن تُكثّف الجهود السياسية الدولية والإقليمية في السر والعلن لتحريك المسار التفاوضي الإسرائيلي مع السلطة وقد بدأت أوراق الضغط تتوالى على حكومة نتنياهو كالإعلان عن نتائج الفحص لجيفة عرفات واتهام إسرائيل بقتله إلى جانب التلويح بانتفاضة جديدة. بالإضافة إلى تقسيم حل قضية النووي الإيراني على مراحل لإبقاء الفزع مهيمنا على اليهود.
وأما القضية التي أفزعت النظام السوري فهي الحرية والديمقراطية التي تدعو الولايات المتحدة إلى تطبيقها في الشرق الأوسط، لأن النظام السوري هو نظام طائفي تحكم الأقلية العلوية فيه الأغلبية السنية وباقي الطوائف الأخرى، والديمقراطية هي صافرة النهاية لحُكم الأقلية والحزب الواحد. والنظام السوري يرتكز في الحكم على دعاوى الممانعة والمقاومة والتحرير لأنه نظام طائفي فاقد للظهير الجماهيري فيتخذ من الشعارات الثورية التي تحاكي آمال الناس أساساً لنظامه ومبرراً لحكمه، ويعتمد على تحكم الطائفة العلوية بوسائل إسناد النظام من جيش وأجهزة أمنية ومؤسسات حيوية، ويتستر بحزب البعث ويجعل منه قناعاً يغلف الوجه الطائفي للنظام. وقد كان نظام عائلة الأسد يعيق التقدم في مسار "السلام" في الشرق الأوسط ويستقطب حركات المقاومة لاحتوائها وتوظيفها كورقة ضغط وتشويش على العملية السلمية لأن انهاء النزاع "العربي الإسرائيلي" يعني انتهاء الدور الوظيفي للنظام وزوال مبرر وجوده بينما كانت تتخذ أمريكا من احتضان النظام السوري "لحركات المقاومة" خصوصاً حزب الله وسيلة للضغط على إسرائيل. لذلك كان النظام السوري عصيا على الدخول في العملية التفاوضية ووضع سقفاً عالياً لمطالبه لعرقلة التفاوض ليس من قبيل الإخلاص أو الاستقلال عن أمريكا ولكن من أجل المحافظة على بقاءه في السلطة. والعملاء صنفان، منهم من يذعن لأوامر الدول العظمى قبل أن تتخلص منه بالقتل أو الفضح أو الإذلال مثل زين العابدين وسوهارتو الذي أقالته مادلين أولبرايت من خلال الهاتف، ومنهم من يتمسك بالسلطة ويلقى مصيراً اسوداً كالقذافي. وعلى كل حال، فإن مقومات النظام السوري لا تنسجم مع مشروع الشرق الأوسط الجديد مهما قدم من خدمات للولايات المتحدة، ولن يبق بشار في السلطة بعد تهيئة وضع ما بعد رحيله .
أبو أسيد

بوفيصيل
14-11-2013, 04:40 AM
الله يفتح عليك اخي ابو أسيد
جزاك الله خير