بوفيصيل
26-10-2013, 05:02 PM
أثار حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن استثنائية بلاده ورد الرئيس الروسي على هذه الأوهام زوبعة من ردود الفعل المتباينة. هذا التوجه الأمريكي في مخاطبة العالم تزامن مع دخول الأزمة السورية منعطف الحل السياسي بعد فشل محاولات الاستفزاز الكيماوي، وعليه كما قال يوما جوزيف ستالين "هناك منطق للنوايا ومنطق آخر للوقائع، لكن منطق الوقائع أقوى من منطق النوايا
بقلم إلياس مارديني
حروب الدولار واستفزازات القرن الـ 20
في فترة الكساد العظيم مطلع ثلاثينيات القرن الماضي قال الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلد "إن من أبرز مهامي حماية أصحاب البنوك ورؤوس الأموال من الانتحار"، هذا الاهتمام الرئاسي تحول بعد سنوات إلى كارثة إنسانية تمثلت في حرب عالمية ثانية كان الصناعيون والاقتصاديون الأمريكان من أشعل فتيلها. تلك الحرب حصدت أرواح 54 مليون شخص، وجرح خلالها حوالي 90 مليونا آخرين أصبح 28 مليونا منهم فيما بعد معاقين، لكن سفك الدماء وتدمير البنى التحتية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا عالج الكثير من مشاكل النخبة الأمريكية، وعليه تحولت الولايات المتحدة إلى مركز مالي عالمي.
في قمة "بروتن ودز" عام 1944 للدول المنتصرة تم إطلاق مؤسسات ستحكم العالم فيما بعد، كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي تحول عام 1960 إلى البنك الدولي، وكذلك وضع حجر أساس صندوق النقد الدولي. في تلك الفترة بالتحديد أصبح الدولار نقدا عالميا بموازاة الذهب الذي كانت واشنطن تتحكم بـ 70 % من احتياطاته العالمية، وكانت سيولة الولايات المتحدة نهاية الحرب تقدر 129 مليار دولار، وهو رقم عال جدا في يومنا هذا، فما بالك في حينها.
اللافت أن أسس الهيمنة الأمريكية على العالم في يومنا هذا وضعت نهاية الحرب العالمية الثانية عندما حصد الاقتصاد الأمريكي ثمار معاناة شعوب العالم، ومع أن الجيش الأمريكي لم تكن له الكلمة الفصل في تلك الحرب، حيث أن الاتحاد السوفيتي بجيشه الاحمر هو من حمى البشرية من طاعون النازية، إلا أن من يحكم الولايات المتحدة استثمر دمار القارة الاوروبية وبعد أراضي الولايات المتحدة عن ساحات الحربين العالميتين الأولى والثانية ووضع لنفسه نموذجا جديدا للسياسات الخارجية والداخلية "يجب أن يكون حل المشاكل الذاتية دائما على حساب دول وشعوب أخرى"، وهذه القاعدة استخدمها البيت الأبيض فيما بعد عندما واجه مشاكل اقتصادية أو حاول صرف الأنظار عن أزمات مالية، وهو ما يحدث اليوم بالتحديد.
فالحرب الكورية كانت ردة فعل على الانكماش الاقتصادي الأول بعد الحرب العالمية الثانية عام 1949، والعدوان على فيتنام كان محاولة لمعالجة الانكماش عام 1967، أمام أزمات عام 1981 – 1982 فكانت محركا للحملات على نيكاراغوا وغرينادا، ناهيك عن حروب أفغانستان والعراق وليبيا.
كتاب "لماذا يكره العالم أمريكا" من تأليف ضياء الدين سردار ميريل وين ديفيز، يطرح أربعة أسباب رئيسة وراء الاعتراض على الولايات المتحدة :
1: وجودي، فأمريكا جعلت الوجود صعباً جداً على الشعوب الأخرى على الصعيد الاقتصادي و السياسي .
2: إن أمريكا تعد اليوم السبب الرئيس لكل شيء، لا شيء يتحرك -على ما يبدو- من دون موافقة أمريكا، ولا يمكن حل شيء بدون تدخل "الباب العالي"في البيت الأبيض
3: بما أنه إذا وجد الشر وجد الخير، فعلاقة أمريكا مع العالم على هذا الأساس، فالإرهاب شر وأمريكا "خير" إضافة إلى أن أمريكا تقول أشياء وتمارس نقيضها .
4: إن أمريكا ليست الدولة الوحيدة المفرطة بالقوة، بل أصبحت السلطة المرجعية للتعريف بالعالم، فهي التي تحتكر تعريف الديمقراطية والعدالة والحرية .
هذا الكتاب يسلط الضوء أيضا على 124 عملية غزو أمريكية في شتى بقاع الارض ما بين عامي 1890 والعملية العسكرية الأمريكية في الأرجنتين و2001 بداية الحرب في أفغانستان، 124 عملية ما عدا عمليات نشاطات الاستخبارات الأمريكية كأحداث غواتميالا عام 1953 أو الإطاحة برئيس الحكومة الإيراني محمد مصدق في العام نفسه وغيرهما، كما يشير الكتاب إلى ان الاستفزاز كان دوما أداة أمريكية بامتياز. وفيما يلي بعض الأمثلة:
- عام 1898 تم تفجير سفينة "مان" الأمريكية واتهام الإسبان بذلك، وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة بدأت حربا ضد الإسبان.
- عام 1915 أخفت الولايات المتحدة اسم وعلم سفينة "لوزيتانيا" البريطانية لدى دخولها منطقة حربية ألمانية وهي قادمة من أمريكا إلى إيرلندا، ما أدى إلى تدميرها من قبل غواصة ألمانية وراح ضحية الهجوم 1198 شخصا من أصل 1959 كانوا على متنها، هذه الحادثة استخدمت في الحرب الإعلامية ضد الحكومة الألمانية.
- عام 1941 كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على علم تام بالهجوم الذي يحضر له اليابانيون على قاعدة "بيل هاربر"، لكنه لم يفعل أي شيء للحيلولة دون ذلك لأنه كان بحاجة إلى " قميص عثمان" لدخول الحرب.
- حادثة خليج تونكين عام 1961 كانت سببا لحرب الفيتنام.
- أحداث 11 سبتمبر 2001 أشعلت فتيل غزو أفغانستان.
- الروايات الخيالية حول أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها في العراق ، وشبح الاستفزازات النووية الذي يخيم فوق إيران وكوريا الشمالية.
- وأخيرا وليس آخرا الأسلحة الكيماوية في سورية.
وهم استثنائية أوباما والحرب السورية
لا لم يخطئ أحدنا فهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما تحدث من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الاستثنائية الأمريكية، فالاستثنائية هذه تعني الإنفرادية وربما الألوهية الدنيوية وأن الكونغرس الأمريكي هو من يشرعن الحروب وليس مجلس الأمن الدولي، وتعني أيضا أن الرجل الأسمر الذي يسكن البيت الأبيض لم يكون سوى عملية تجميل أو كما تقال بالفرنسية "مكياج" للسياسات السوداء.
هذا الرجل اختير رئيسا للولايات المتحدة كي يجمل وجهها القبيح إلا أنه كشف حقيقته، أو بالأحرى بدأ يزيح ليكشف من يقف خلفه ويتحكم بالسياسات العدوانية لمكتبه البيضاوي، فأوباما كغيره ليس سوى موظف يأتمر بمجموعة من رؤوس الأموال تقف عند عتبة هذه الدولة التي بناها المجرمون الفارون من القارة العجوز تحت شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية، كي تصبح بعد أقل من ثلاثة قرون أبعد الدول المتحضرة عن هذه الشعارات الرنانة والبراقة التي تلونها أفلام هوليوود.
يدرك أوباما جيدا أن بلاده أتقنت إرهاب الدولة بحق دول العالم الثالث بحسب الكثيرين من مفكريها وكتابها، وبات إعلامها يتحدث عن أرقام للضحايا أو كما يفضلون القول نتائج عرضية لعملياتهم العسكرية في شتى دول العالم وكأنه يتحدث عن كتائب من النمل، وربما المنطقة القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية خير مثال على ما سبق إلى جانب اليمن السعيد، الذي بات مؤخرا مركزا للقاعدة وساحة لمسرحيات العلاقة الأمريكية من طلاب "الحرية" هؤلاء.
جذور هذه العلاقة الغرامية مع طلاب الحرية تعود عقودا إلى الوراء، فإلى جانب الصراع مع الاتحاد السوفيتي امتهنت واشنطن الاغتيالات السياسية وموهبة الانقلابات وخلق جماعات الموت وأخرى تطالب بالحرية تحت رايات تكفيرية سوداء وبدعم من الوهابية السعودية كالزعيم الأول لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي لا تزال حيثيات موته تطرح الكثير من الأسئلة حول حياته ومماته وهجمات الـ 11 من سبتمبر التي زعم أنه وقف خلفها، لكنها ويا للمصادفة قلبت الموازين الدولية لصالح العم سام وحليفه الإسرائيلي الذي استفحل عدوانا واستعمارا بحق الفلسطينيين بتمويل ودعم عربي وخليجي تحت شعارات ما بات يعرف اليوم في الأدبيات السياسية بـ الإسلام السياسي" وإخوانه المسلمين.
إن وهم الحديث عن الاستثنائية الأمريكية تزامن بشكل ملحوظ مع الصراع الدولي حول سورية وموقعها على الخريطة الجيوسياسية العالمية في المستقبل لجهة التحالفات ومناطق النفوذ لا سيما تلك المتعلقة بالطاقة وطرق الترانزيت، كما أن هذا الوهم رافق العمليات الاستفزازية التي أتقنتها واشنطن فكانت معضلة الكيماوي السوري بعد أن أصبح مجاهدو العالم أجمع طلابا للحرية في مهد الحضارات، وعليه فإن التخبطات في التقارير الدولية حول هجوم الغوطة الكيماوي والتذبذب في المواقف والتصريحات ليس إلا دليلا إضافيا على أن الحرب في سورية مفتعلة وداست مطالب الشعب السوري بأشواط.
حرب ترانزيت الطاقة
كما قلنا سابقا فإن الولايات المتحدة تعودت حل مشاكلها الداخلية على شاكلة قراصنة لكنهم دوليون، وهذا الأمر من ضمن أسباب تصعيد الأزمة السورية إلى ما هي عليه اليوم.
أولا إن الاقتصاد الأمريكي يقترب من الهاوية وعليه يصعب على الرئيس الأمريكي الوفاء بوعوده الانتخابية وخفض الضرائب ورفع الأجور وشرعنة الهجرة. كما أن الوضع السياسي المضطرب في البلاد وانحسار منسوب شعبية أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام دفع صناع القرار في البيت الأبيض إلى البحث عن نصر في حرب صغيرة تعوض كل الخسائر التي ذكرناها، واليوم لا توجد ساحة أفضل من سورية لتحقيق هذا المشروع وفقا لأدبيات الأنغلوساكس الاستعمارية.
ثانيا إن القوى التي تقف وراء الرئيس أوباما تعمل جاهدة لإنجاح مشروع الفوضى الخلاقة بداية من موريتانيا وصولا إلى قرغيزيا وكشمير في آسيا الوسطى، أي رسم "قوس عدم الاستقرار" وصولا إلى روسيا والصين وذلك ضمن مشروع الاضطراب الذي انطلق من البلقان في تسعينيات القرن الماضي.
هذا المشروع الكبير أو "المؤامرة" كما يحلو للبعض تسميتها يهدف بشكل رئيس إلى رسم خطوط امداد جديدة للطاقة، وهنا تكمن أهمية الجغرافيا السورية. وعليه فإن تصعيد الأزمة في بلاد الشام جاء ردا على نشاط وسياسات روسيا في مجال الطاقة والاتفاقيات التي وقعتها موسكو مع دول آىسيا الوسطى، وهو ما يسعى الغرب إلى عرقلته يوميا وربما الصراع حول مشروع السيل الجنوبي خير دليل على ما اوردناه. بالإضافة إلى طرق الإمداد حيث يجب ذكر الاحتياطات المستكشفة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط ومحاولات قطر ومن يقف خلف أمرائها لمد أنابيب غازها إلى ضفاف المتوسط عبر الأراضي السورية وهو ما رفضه الرئيس الأسد جملة وتفصيلا، لأن ذلك سيؤدي غلى إضعاف موقف الحليف الروسي في سوق الطاقة العالمي. وإذا ما نظرنا إلى محاولات البعض السيطرة على الغاز الجزائري الذي وكما الروسي يدفئ شتاء أوروبا ، فسنرى أن الحرب السورية ليست إلا حرب الطاقة في القرن الـ 21.
اليوم وفي سياق الحديث عن الاستثنائية الأمريكية أود أن أذكر بعبارة للزعيم السوفيتي جوزيف ستالين قد تشرح الكثير، فالرجل الفولاذي الذي أرعب البيت الأبيض قال "هناك منطق للنوايا ومنطق آخر للوقائع، لكن منطق الوقائع أقوى من منطق النوايا"، ومنطق الوقائع يؤكد حاليا إنطلاقا من تداعيات الأزمة السورية والتكويعة الأمريكية نحو الحل السياسي أن حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن استثنائية بلاده بات وهما مع عودة روسيا إلى الساحة الدولية بقوة، وإطلاق مشروع عالم متعدد الأقطاب. أما فيما يخص الأزمة السورية فالصراع على أشده سيستمر حتى موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وحينها سنكون على موعد مع صفقات الكبار.
بقلم إلياس مارديني
حروب الدولار واستفزازات القرن الـ 20
في فترة الكساد العظيم مطلع ثلاثينيات القرن الماضي قال الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلد "إن من أبرز مهامي حماية أصحاب البنوك ورؤوس الأموال من الانتحار"، هذا الاهتمام الرئاسي تحول بعد سنوات إلى كارثة إنسانية تمثلت في حرب عالمية ثانية كان الصناعيون والاقتصاديون الأمريكان من أشعل فتيلها. تلك الحرب حصدت أرواح 54 مليون شخص، وجرح خلالها حوالي 90 مليونا آخرين أصبح 28 مليونا منهم فيما بعد معاقين، لكن سفك الدماء وتدمير البنى التحتية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا عالج الكثير من مشاكل النخبة الأمريكية، وعليه تحولت الولايات المتحدة إلى مركز مالي عالمي.
في قمة "بروتن ودز" عام 1944 للدول المنتصرة تم إطلاق مؤسسات ستحكم العالم فيما بعد، كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي تحول عام 1960 إلى البنك الدولي، وكذلك وضع حجر أساس صندوق النقد الدولي. في تلك الفترة بالتحديد أصبح الدولار نقدا عالميا بموازاة الذهب الذي كانت واشنطن تتحكم بـ 70 % من احتياطاته العالمية، وكانت سيولة الولايات المتحدة نهاية الحرب تقدر 129 مليار دولار، وهو رقم عال جدا في يومنا هذا، فما بالك في حينها.
اللافت أن أسس الهيمنة الأمريكية على العالم في يومنا هذا وضعت نهاية الحرب العالمية الثانية عندما حصد الاقتصاد الأمريكي ثمار معاناة شعوب العالم، ومع أن الجيش الأمريكي لم تكن له الكلمة الفصل في تلك الحرب، حيث أن الاتحاد السوفيتي بجيشه الاحمر هو من حمى البشرية من طاعون النازية، إلا أن من يحكم الولايات المتحدة استثمر دمار القارة الاوروبية وبعد أراضي الولايات المتحدة عن ساحات الحربين العالميتين الأولى والثانية ووضع لنفسه نموذجا جديدا للسياسات الخارجية والداخلية "يجب أن يكون حل المشاكل الذاتية دائما على حساب دول وشعوب أخرى"، وهذه القاعدة استخدمها البيت الأبيض فيما بعد عندما واجه مشاكل اقتصادية أو حاول صرف الأنظار عن أزمات مالية، وهو ما يحدث اليوم بالتحديد.
فالحرب الكورية كانت ردة فعل على الانكماش الاقتصادي الأول بعد الحرب العالمية الثانية عام 1949، والعدوان على فيتنام كان محاولة لمعالجة الانكماش عام 1967، أمام أزمات عام 1981 – 1982 فكانت محركا للحملات على نيكاراغوا وغرينادا، ناهيك عن حروب أفغانستان والعراق وليبيا.
كتاب "لماذا يكره العالم أمريكا" من تأليف ضياء الدين سردار ميريل وين ديفيز، يطرح أربعة أسباب رئيسة وراء الاعتراض على الولايات المتحدة :
1: وجودي، فأمريكا جعلت الوجود صعباً جداً على الشعوب الأخرى على الصعيد الاقتصادي و السياسي .
2: إن أمريكا تعد اليوم السبب الرئيس لكل شيء، لا شيء يتحرك -على ما يبدو- من دون موافقة أمريكا، ولا يمكن حل شيء بدون تدخل "الباب العالي"في البيت الأبيض
3: بما أنه إذا وجد الشر وجد الخير، فعلاقة أمريكا مع العالم على هذا الأساس، فالإرهاب شر وأمريكا "خير" إضافة إلى أن أمريكا تقول أشياء وتمارس نقيضها .
4: إن أمريكا ليست الدولة الوحيدة المفرطة بالقوة، بل أصبحت السلطة المرجعية للتعريف بالعالم، فهي التي تحتكر تعريف الديمقراطية والعدالة والحرية .
هذا الكتاب يسلط الضوء أيضا على 124 عملية غزو أمريكية في شتى بقاع الارض ما بين عامي 1890 والعملية العسكرية الأمريكية في الأرجنتين و2001 بداية الحرب في أفغانستان، 124 عملية ما عدا عمليات نشاطات الاستخبارات الأمريكية كأحداث غواتميالا عام 1953 أو الإطاحة برئيس الحكومة الإيراني محمد مصدق في العام نفسه وغيرهما، كما يشير الكتاب إلى ان الاستفزاز كان دوما أداة أمريكية بامتياز. وفيما يلي بعض الأمثلة:
- عام 1898 تم تفجير سفينة "مان" الأمريكية واتهام الإسبان بذلك، وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة بدأت حربا ضد الإسبان.
- عام 1915 أخفت الولايات المتحدة اسم وعلم سفينة "لوزيتانيا" البريطانية لدى دخولها منطقة حربية ألمانية وهي قادمة من أمريكا إلى إيرلندا، ما أدى إلى تدميرها من قبل غواصة ألمانية وراح ضحية الهجوم 1198 شخصا من أصل 1959 كانوا على متنها، هذه الحادثة استخدمت في الحرب الإعلامية ضد الحكومة الألمانية.
- عام 1941 كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على علم تام بالهجوم الذي يحضر له اليابانيون على قاعدة "بيل هاربر"، لكنه لم يفعل أي شيء للحيلولة دون ذلك لأنه كان بحاجة إلى " قميص عثمان" لدخول الحرب.
- حادثة خليج تونكين عام 1961 كانت سببا لحرب الفيتنام.
- أحداث 11 سبتمبر 2001 أشعلت فتيل غزو أفغانستان.
- الروايات الخيالية حول أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها في العراق ، وشبح الاستفزازات النووية الذي يخيم فوق إيران وكوريا الشمالية.
- وأخيرا وليس آخرا الأسلحة الكيماوية في سورية.
وهم استثنائية أوباما والحرب السورية
لا لم يخطئ أحدنا فهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما تحدث من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الاستثنائية الأمريكية، فالاستثنائية هذه تعني الإنفرادية وربما الألوهية الدنيوية وأن الكونغرس الأمريكي هو من يشرعن الحروب وليس مجلس الأمن الدولي، وتعني أيضا أن الرجل الأسمر الذي يسكن البيت الأبيض لم يكون سوى عملية تجميل أو كما تقال بالفرنسية "مكياج" للسياسات السوداء.
هذا الرجل اختير رئيسا للولايات المتحدة كي يجمل وجهها القبيح إلا أنه كشف حقيقته، أو بالأحرى بدأ يزيح ليكشف من يقف خلفه ويتحكم بالسياسات العدوانية لمكتبه البيضاوي، فأوباما كغيره ليس سوى موظف يأتمر بمجموعة من رؤوس الأموال تقف عند عتبة هذه الدولة التي بناها المجرمون الفارون من القارة العجوز تحت شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية، كي تصبح بعد أقل من ثلاثة قرون أبعد الدول المتحضرة عن هذه الشعارات الرنانة والبراقة التي تلونها أفلام هوليوود.
يدرك أوباما جيدا أن بلاده أتقنت إرهاب الدولة بحق دول العالم الثالث بحسب الكثيرين من مفكريها وكتابها، وبات إعلامها يتحدث عن أرقام للضحايا أو كما يفضلون القول نتائج عرضية لعملياتهم العسكرية في شتى دول العالم وكأنه يتحدث عن كتائب من النمل، وربما المنطقة القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية خير مثال على ما سبق إلى جانب اليمن السعيد، الذي بات مؤخرا مركزا للقاعدة وساحة لمسرحيات العلاقة الأمريكية من طلاب "الحرية" هؤلاء.
جذور هذه العلاقة الغرامية مع طلاب الحرية تعود عقودا إلى الوراء، فإلى جانب الصراع مع الاتحاد السوفيتي امتهنت واشنطن الاغتيالات السياسية وموهبة الانقلابات وخلق جماعات الموت وأخرى تطالب بالحرية تحت رايات تكفيرية سوداء وبدعم من الوهابية السعودية كالزعيم الأول لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي لا تزال حيثيات موته تطرح الكثير من الأسئلة حول حياته ومماته وهجمات الـ 11 من سبتمبر التي زعم أنه وقف خلفها، لكنها ويا للمصادفة قلبت الموازين الدولية لصالح العم سام وحليفه الإسرائيلي الذي استفحل عدوانا واستعمارا بحق الفلسطينيين بتمويل ودعم عربي وخليجي تحت شعارات ما بات يعرف اليوم في الأدبيات السياسية بـ الإسلام السياسي" وإخوانه المسلمين.
إن وهم الحديث عن الاستثنائية الأمريكية تزامن بشكل ملحوظ مع الصراع الدولي حول سورية وموقعها على الخريطة الجيوسياسية العالمية في المستقبل لجهة التحالفات ومناطق النفوذ لا سيما تلك المتعلقة بالطاقة وطرق الترانزيت، كما أن هذا الوهم رافق العمليات الاستفزازية التي أتقنتها واشنطن فكانت معضلة الكيماوي السوري بعد أن أصبح مجاهدو العالم أجمع طلابا للحرية في مهد الحضارات، وعليه فإن التخبطات في التقارير الدولية حول هجوم الغوطة الكيماوي والتذبذب في المواقف والتصريحات ليس إلا دليلا إضافيا على أن الحرب في سورية مفتعلة وداست مطالب الشعب السوري بأشواط.
حرب ترانزيت الطاقة
كما قلنا سابقا فإن الولايات المتحدة تعودت حل مشاكلها الداخلية على شاكلة قراصنة لكنهم دوليون، وهذا الأمر من ضمن أسباب تصعيد الأزمة السورية إلى ما هي عليه اليوم.
أولا إن الاقتصاد الأمريكي يقترب من الهاوية وعليه يصعب على الرئيس الأمريكي الوفاء بوعوده الانتخابية وخفض الضرائب ورفع الأجور وشرعنة الهجرة. كما أن الوضع السياسي المضطرب في البلاد وانحسار منسوب شعبية أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام دفع صناع القرار في البيت الأبيض إلى البحث عن نصر في حرب صغيرة تعوض كل الخسائر التي ذكرناها، واليوم لا توجد ساحة أفضل من سورية لتحقيق هذا المشروع وفقا لأدبيات الأنغلوساكس الاستعمارية.
ثانيا إن القوى التي تقف وراء الرئيس أوباما تعمل جاهدة لإنجاح مشروع الفوضى الخلاقة بداية من موريتانيا وصولا إلى قرغيزيا وكشمير في آسيا الوسطى، أي رسم "قوس عدم الاستقرار" وصولا إلى روسيا والصين وذلك ضمن مشروع الاضطراب الذي انطلق من البلقان في تسعينيات القرن الماضي.
هذا المشروع الكبير أو "المؤامرة" كما يحلو للبعض تسميتها يهدف بشكل رئيس إلى رسم خطوط امداد جديدة للطاقة، وهنا تكمن أهمية الجغرافيا السورية. وعليه فإن تصعيد الأزمة في بلاد الشام جاء ردا على نشاط وسياسات روسيا في مجال الطاقة والاتفاقيات التي وقعتها موسكو مع دول آىسيا الوسطى، وهو ما يسعى الغرب إلى عرقلته يوميا وربما الصراع حول مشروع السيل الجنوبي خير دليل على ما اوردناه. بالإضافة إلى طرق الإمداد حيث يجب ذكر الاحتياطات المستكشفة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط ومحاولات قطر ومن يقف خلف أمرائها لمد أنابيب غازها إلى ضفاف المتوسط عبر الأراضي السورية وهو ما رفضه الرئيس الأسد جملة وتفصيلا، لأن ذلك سيؤدي غلى إضعاف موقف الحليف الروسي في سوق الطاقة العالمي. وإذا ما نظرنا إلى محاولات البعض السيطرة على الغاز الجزائري الذي وكما الروسي يدفئ شتاء أوروبا ، فسنرى أن الحرب السورية ليست إلا حرب الطاقة في القرن الـ 21.
اليوم وفي سياق الحديث عن الاستثنائية الأمريكية أود أن أذكر بعبارة للزعيم السوفيتي جوزيف ستالين قد تشرح الكثير، فالرجل الفولاذي الذي أرعب البيت الأبيض قال "هناك منطق للنوايا ومنطق آخر للوقائع، لكن منطق الوقائع أقوى من منطق النوايا"، ومنطق الوقائع يؤكد حاليا إنطلاقا من تداعيات الأزمة السورية والتكويعة الأمريكية نحو الحل السياسي أن حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن استثنائية بلاده بات وهما مع عودة روسيا إلى الساحة الدولية بقوة، وإطلاق مشروع عالم متعدد الأقطاب. أما فيما يخص الأزمة السورية فالصراع على أشده سيستمر حتى موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وحينها سنكون على موعد مع صفقات الكبار.