عبد الواحد جعفر
09-10-2013, 12:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السُّنّة
لم يكن الهجوم على السنة الشريفة جديداً بل هو هجوم متجدد. فالحاقدون على الإسلام يدركون أن مهاجمة القرآن لن تحقق لهم أية نتائج يرجونها في صرف المسلمين عن إسلامهم لانعدام إصغاء المسلمين للدعوات التي تهاجم القرآن مباشرة أو حتى السنة المطهرة، ولأن أعداء الإسلام يدركون أنهم لن يجنوا أية نتائج من مهاجمة القرآن مباشرة أو التشكيك فيه بل عادة ما تكون النتائج عكس ما يتمنون، ولذلك فقد عمدوا إلى التشكيك في السنة النبوية المطهرة تارة لأنها لم تدون مباشرة، وأخرى بالطعن بالرواة وأمانتهم وصدقهم وما إلى ذلك من دعاوى. وتحيلاً منهم للنفاذ إلى ما يريدون فقد تسترت معظم الدعوات المشبوهة بدعوى الإلتزام بالقرآن والحفاظ عليه ليتسنى لهم أن تنال دعواهم شيئاً من المصداقية وهم يوجهون سهامهم المسمومة إلى المصدر الثاني للتشريع عند المسلمين. وإحكاماً للكيد فقد كانت أدواتهم لبث سمومهم عادة من المسلمين أو ممن يتسترون بالإسلام، أما المسلمون منهم فهم بين جاهل، أو طالب شهرة، أو متستر من انحراف فكري، أو مخدوع بدعوى الأسلوب العلمي، أو بحب القرآن والتمسك به، أو بحب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. أما المتسترون بالإسلام فكان أكثرهم ضرراً بقايا الموتورين من هدم الامبراطورية الفارسية واليهود والعلمانيين في عصرنا الحاضر.
ومهاجمة السنة في العصر الحاضر بدأت مع ظهور الإستشراق واستمرت من خلال أبواقهم من العلمانيين.
مفهوم السنة
السنّة هي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله وسكوته، وهي واجبة الاتباع كالقرآن، والمقصود بكلامه، هو ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أقوال، كقوله عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات". أما أعماله، فهو ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من سنة عملية، ككيفية أداء الصلاة وكيفية أداء مناسك الحج، فإنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعل كذا، ووقع منه كذا.. وهكذا. أما سكوته، فهو ما وقع أفعال بحضرته صلى الله عليه وسلم وسكت عنها إقراراً لها، كما سكت عن الفريقين اللذين اجتهدا في موضوع صلاة العصر في بني قريظة، فإنه صلى الله عليه وسلم سكت إقراراً لفعل الفريقين.
مكانة السنة الشريفة من حيث الاستدلال بها
القرآن وسنة النبي من حيث وجوب اتباع ما جاء فيهما دليلان شرعيان، والسنة كالقرآن في هذا الموضوع، ولهذا لا يجوز أن يقال: عندنا كتاب الله نأخذ به، لأن ذلك يفهم منه ترك السنّة، بل لا بد من أن تقرن السنّة بالكتاب، فتؤخذ السنة دليلاً شرعياً كما يؤخذ القرآن، إذ يجب العمل بالخبر الذي جاءت في السنة متى تحققت شروط قبوله رواية ودراية. ولا يجوز أن يصدر من المسلم ما يُشعِر بأنه يكتفي بالقرآن دون السنة. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك الرجل منكم متكئاً على أريكته يُحدَّث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل الذي حرم الله"، وقال: "يوشك أحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا إن من بَلَغه عني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه". ومن هنا كان من الخطأ أن يقال: نقيس القرآن بالسنة وإن لم يطابقه تركناها؛ لأن ذلك يؤدي إلى ترك السنة إن جاءت مخصصة للقرآن أو مقيدة له أو مفصلة لمجمله، إذ يظهر أن ما جاءت به السنة لا يطابق القرآن، أو ليس موجوداً في القرآن، وذلك كنصوص السنة التي جاءت تُلحِق الفروع بالأصل، فإن ما جاء فيها من أحكام لم يأت بالقرآن، لا سيما وأن كثيراً من الأحكام المفصَّلة لم تأت بالقرآن، وجاءت بها السنة وحدها، ولهذا لا تقاس السنة على القرآن فيقبَل ما جاء به ويُرفض ما عداه. بل الأمر في ذلك أنه إذا جاء نص من السنة مناقض لما جاء في القرآن قطعي المعنى، فإن هذا النص يكون مردوداً دراية أي متناً؛ لأن معناه ناقضٌ القرآن. وذلك مثل ما روي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: "طلقني زوجي ثلاثاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكناً ولا نفقة"، فهذا الحديث مردود لأنه يناقض القرآن فهو يعارض قوله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدِكم"، فيُرَد حينئذ النص لأنه عارض القرآن القطعي الثبوت القطعي الدلالة. أمّا إذا لم يعارض يقتصر على أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يشمل الأفعال التي فعلها والتقريرات التي قررها.
مفهوم الرواية والدراية في علم الحديث
علم الحديث هو علم بقوانين يُعرف بها أحوال السند والمتن، وغايته معرفة الحديث الصحيح من غيره. وهو قسمان: علم الحديث الخاص بالرواية، وعلم الحديث الخاص بالدراية. أمّا الخاص بالرواية فيشتمل على نقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها؛ أي هو العلم الذي يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بهم. أمّا الخاص بالدراية فيُعرف به المعنى الذي تضمنه الحديث من حيث مناقضته للنص القطعي.
شروط قبول الحديث
يُقبل خبر الآحاد إذا استكمل شروطه رواية ودراية. أمّا شرط قبوله رواية فهي أن يكون راوي الحديث مسلماً بالغاً عاقلاً عدلاً صادقاً، ضابطاً لما يسمعه، ذاكراً له من وقت حمله إلى وقت أدائه.
وقد بين علماء الأصول وعلماء مصطلَح الحديث شروط الرواية بالتفصيل، وبين تاريخ رجال الحديث ورواتهم، كل راوٍ ما يتحقق فيه من هذه الصفات مفصَّلاً.
وأمّا شروط قبول خبر الآحاد دراية فهي أن لا يعارِض ما هو أقوى منه من آية أو حديث متواتر أو مشهور، مثل ما رُوي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: "طلَّقني زوجي ثلاثاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكناً ولا نفقة"، فهذا الحديث يعارِض قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتُم مِن وُجدِكم}، ويعارِض الحديث المشهور وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "للمطلقة النفقة والسكنى ما دامت في العدّة"، ولذلك يجب ردّه ولا يجوز العمل به.
شروط رد الحديث
يُرد الحديث دراية من حيث المعنى، ورواية من حيث السند. فإذا رُدّ رواية أو رُدّ دراية، سقط اعتباره، وسقط الاحتجاج به. أما رده رواية؛ أي من جهة السند، فهو إما بسبب حذف من السند ينتج عنه عدم تعديل المحذوف، أو بسبب طعن في راوٍ من الرواة أو بسبب ركاكة الحديث. أما رده دراية فهو بمخالفته للمقطوع من القرآن أو الحديث أو الإجماع أو الوقائع المحسوسة.
أخبار الآحاد دليلٌ في الأحكام الشرعية، وليست دليلاً على العقيدة
الدليل على العقيدة لا بد أن يكون دليلاً يقينياً مقطوعاً بصحته، ولذلك لا يصلح خبر الآحاد لأن يكون دليلاً على العقيدة، ولو كان حديثاً صحيحاً رواية ودراية. أمّا الحكم الشرعي فيكفي أن يكون دليله ظنياً. ولذلك فإنه كما يصلح أن يكون الحديث المتواتر دليلاً على الحكم الشرعي كذلك يصلح أن يكون خبر الآحاد دليلاً على الحكم الشرعي. إلاّ أن خبر الآحاد الذي يصِح أن يكون دليلاً على الحكم الشرعي هو الحديث الصحيح والحديث الحسن. وأمّا الحديث الضعيف فلا يصلح أن يكون دليلاً شرعياً مطلقاً. وكل من يستدل به لا يعتبر أنه استدل بدليل شرعي. إلاّ أن اعتبار الحديث صحيحاً أو حسناً إنّما هو عند المستدِل به إن كانت لديه الأهلية لمعرفة الحديث، وليس عند جميع المحدِّثين. ذلك أن هنالك رواة يُعتبرون ثقة عند بعض المحدِّثين، ويُعتبرون غير ثقة عند البعض، أو يُعتبرون من المجهولين عند بعض المحدِّثين، ومعروفين عند البعض الآخر. وهناك أحاديث لم تصِح من طريق وصحّت من طريق أخرى. وهنالك طرق لم تصح عند البعض وصحّت عند آخرين. وهناك أحاديث لم تعتبر عند بعض المحدِّثين وطعنوا بها، واعتبرها محدِّثون آخرون واحتجوا بها. وهناك أحاديث طعن بها بعض أهل الحديث، وقبِلها عامة الفقهاء واحتجوا بها. فإلزام الناس باعتبار الحديث صحيحاً أو حسناً برأي من الآراء أو بجميع الآراء هو إلزام غير صحيح، ومخالِف لواقع الأحاديث. فكما أنه لا يجوز الإسراع بقبول الحديث دون النظر في صحته، فكذلك لا يجوز الإسراع بالطعن في الحديث وردّه لمجرد أن طعن أحد المحدِّثين في راويه، لاحتمال أن يكون مقبولاً عند راو آخر، أو لمجرد أن ردّه أحد المحدِّثين، لاحتمال أن يكون قبِله محدِّث آخر، أو لأن المحدِّثين ردّوه، لاحتمال أن يكون قد احتجَ به الأئمة وعامة الفقهاء. فلا يُتسرع بالطعن في الحديث وردّه إلاّ إذا كان راويه معروفاً بأنه مطعون فيه عامة، أو كان الحديث مردوداً من الجميع، أو لم يحتج به إلاّ بعض الفقهاء الذين لا دراية لهم بالحديث، فإنه حينئذ يُطعن في الحديث ويُرَد. فيجب التأني والتفكير في الحديث قبل الإقدام على الطعن فيه أو ردّه.
أحاديث السيرة تعتبر دليلاً شرعياً إذا صحت رواية ودراية عن النبي صلى الله عليه وسلم
ذلك أن السيرة مادة من مواد التشريع، ولذلك تعتبر جزءاً من الحديث، وما صحّ فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية يعتبر دليلاً شرعياً، لأنه من السنّة.
السُّنّة
لم يكن الهجوم على السنة الشريفة جديداً بل هو هجوم متجدد. فالحاقدون على الإسلام يدركون أن مهاجمة القرآن لن تحقق لهم أية نتائج يرجونها في صرف المسلمين عن إسلامهم لانعدام إصغاء المسلمين للدعوات التي تهاجم القرآن مباشرة أو حتى السنة المطهرة، ولأن أعداء الإسلام يدركون أنهم لن يجنوا أية نتائج من مهاجمة القرآن مباشرة أو التشكيك فيه بل عادة ما تكون النتائج عكس ما يتمنون، ولذلك فقد عمدوا إلى التشكيك في السنة النبوية المطهرة تارة لأنها لم تدون مباشرة، وأخرى بالطعن بالرواة وأمانتهم وصدقهم وما إلى ذلك من دعاوى. وتحيلاً منهم للنفاذ إلى ما يريدون فقد تسترت معظم الدعوات المشبوهة بدعوى الإلتزام بالقرآن والحفاظ عليه ليتسنى لهم أن تنال دعواهم شيئاً من المصداقية وهم يوجهون سهامهم المسمومة إلى المصدر الثاني للتشريع عند المسلمين. وإحكاماً للكيد فقد كانت أدواتهم لبث سمومهم عادة من المسلمين أو ممن يتسترون بالإسلام، أما المسلمون منهم فهم بين جاهل، أو طالب شهرة، أو متستر من انحراف فكري، أو مخدوع بدعوى الأسلوب العلمي، أو بحب القرآن والتمسك به، أو بحب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. أما المتسترون بالإسلام فكان أكثرهم ضرراً بقايا الموتورين من هدم الامبراطورية الفارسية واليهود والعلمانيين في عصرنا الحاضر.
ومهاجمة السنة في العصر الحاضر بدأت مع ظهور الإستشراق واستمرت من خلال أبواقهم من العلمانيين.
مفهوم السنة
السنّة هي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله وسكوته، وهي واجبة الاتباع كالقرآن، والمقصود بكلامه، هو ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أقوال، كقوله عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات". أما أعماله، فهو ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من سنة عملية، ككيفية أداء الصلاة وكيفية أداء مناسك الحج، فإنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعل كذا، ووقع منه كذا.. وهكذا. أما سكوته، فهو ما وقع أفعال بحضرته صلى الله عليه وسلم وسكت عنها إقراراً لها، كما سكت عن الفريقين اللذين اجتهدا في موضوع صلاة العصر في بني قريظة، فإنه صلى الله عليه وسلم سكت إقراراً لفعل الفريقين.
مكانة السنة الشريفة من حيث الاستدلال بها
القرآن وسنة النبي من حيث وجوب اتباع ما جاء فيهما دليلان شرعيان، والسنة كالقرآن في هذا الموضوع، ولهذا لا يجوز أن يقال: عندنا كتاب الله نأخذ به، لأن ذلك يفهم منه ترك السنّة، بل لا بد من أن تقرن السنّة بالكتاب، فتؤخذ السنة دليلاً شرعياً كما يؤخذ القرآن، إذ يجب العمل بالخبر الذي جاءت في السنة متى تحققت شروط قبوله رواية ودراية. ولا يجوز أن يصدر من المسلم ما يُشعِر بأنه يكتفي بالقرآن دون السنة. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك الرجل منكم متكئاً على أريكته يُحدَّث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل الذي حرم الله"، وقال: "يوشك أحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا إن من بَلَغه عني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه". ومن هنا كان من الخطأ أن يقال: نقيس القرآن بالسنة وإن لم يطابقه تركناها؛ لأن ذلك يؤدي إلى ترك السنة إن جاءت مخصصة للقرآن أو مقيدة له أو مفصلة لمجمله، إذ يظهر أن ما جاءت به السنة لا يطابق القرآن، أو ليس موجوداً في القرآن، وذلك كنصوص السنة التي جاءت تُلحِق الفروع بالأصل، فإن ما جاء فيها من أحكام لم يأت بالقرآن، لا سيما وأن كثيراً من الأحكام المفصَّلة لم تأت بالقرآن، وجاءت بها السنة وحدها، ولهذا لا تقاس السنة على القرآن فيقبَل ما جاء به ويُرفض ما عداه. بل الأمر في ذلك أنه إذا جاء نص من السنة مناقض لما جاء في القرآن قطعي المعنى، فإن هذا النص يكون مردوداً دراية أي متناً؛ لأن معناه ناقضٌ القرآن. وذلك مثل ما روي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: "طلقني زوجي ثلاثاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكناً ولا نفقة"، فهذا الحديث مردود لأنه يناقض القرآن فهو يعارض قوله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدِكم"، فيُرَد حينئذ النص لأنه عارض القرآن القطعي الثبوت القطعي الدلالة. أمّا إذا لم يعارض يقتصر على أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يشمل الأفعال التي فعلها والتقريرات التي قررها.
مفهوم الرواية والدراية في علم الحديث
علم الحديث هو علم بقوانين يُعرف بها أحوال السند والمتن، وغايته معرفة الحديث الصحيح من غيره. وهو قسمان: علم الحديث الخاص بالرواية، وعلم الحديث الخاص بالدراية. أمّا الخاص بالرواية فيشتمل على نقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها؛ أي هو العلم الذي يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بهم. أمّا الخاص بالدراية فيُعرف به المعنى الذي تضمنه الحديث من حيث مناقضته للنص القطعي.
شروط قبول الحديث
يُقبل خبر الآحاد إذا استكمل شروطه رواية ودراية. أمّا شرط قبوله رواية فهي أن يكون راوي الحديث مسلماً بالغاً عاقلاً عدلاً صادقاً، ضابطاً لما يسمعه، ذاكراً له من وقت حمله إلى وقت أدائه.
وقد بين علماء الأصول وعلماء مصطلَح الحديث شروط الرواية بالتفصيل، وبين تاريخ رجال الحديث ورواتهم، كل راوٍ ما يتحقق فيه من هذه الصفات مفصَّلاً.
وأمّا شروط قبول خبر الآحاد دراية فهي أن لا يعارِض ما هو أقوى منه من آية أو حديث متواتر أو مشهور، مثل ما رُوي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: "طلَّقني زوجي ثلاثاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكناً ولا نفقة"، فهذا الحديث يعارِض قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتُم مِن وُجدِكم}، ويعارِض الحديث المشهور وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "للمطلقة النفقة والسكنى ما دامت في العدّة"، ولذلك يجب ردّه ولا يجوز العمل به.
شروط رد الحديث
يُرد الحديث دراية من حيث المعنى، ورواية من حيث السند. فإذا رُدّ رواية أو رُدّ دراية، سقط اعتباره، وسقط الاحتجاج به. أما رده رواية؛ أي من جهة السند، فهو إما بسبب حذف من السند ينتج عنه عدم تعديل المحذوف، أو بسبب طعن في راوٍ من الرواة أو بسبب ركاكة الحديث. أما رده دراية فهو بمخالفته للمقطوع من القرآن أو الحديث أو الإجماع أو الوقائع المحسوسة.
أخبار الآحاد دليلٌ في الأحكام الشرعية، وليست دليلاً على العقيدة
الدليل على العقيدة لا بد أن يكون دليلاً يقينياً مقطوعاً بصحته، ولذلك لا يصلح خبر الآحاد لأن يكون دليلاً على العقيدة، ولو كان حديثاً صحيحاً رواية ودراية. أمّا الحكم الشرعي فيكفي أن يكون دليله ظنياً. ولذلك فإنه كما يصلح أن يكون الحديث المتواتر دليلاً على الحكم الشرعي كذلك يصلح أن يكون خبر الآحاد دليلاً على الحكم الشرعي. إلاّ أن خبر الآحاد الذي يصِح أن يكون دليلاً على الحكم الشرعي هو الحديث الصحيح والحديث الحسن. وأمّا الحديث الضعيف فلا يصلح أن يكون دليلاً شرعياً مطلقاً. وكل من يستدل به لا يعتبر أنه استدل بدليل شرعي. إلاّ أن اعتبار الحديث صحيحاً أو حسناً إنّما هو عند المستدِل به إن كانت لديه الأهلية لمعرفة الحديث، وليس عند جميع المحدِّثين. ذلك أن هنالك رواة يُعتبرون ثقة عند بعض المحدِّثين، ويُعتبرون غير ثقة عند البعض، أو يُعتبرون من المجهولين عند بعض المحدِّثين، ومعروفين عند البعض الآخر. وهناك أحاديث لم تصِح من طريق وصحّت من طريق أخرى. وهنالك طرق لم تصح عند البعض وصحّت عند آخرين. وهناك أحاديث لم تعتبر عند بعض المحدِّثين وطعنوا بها، واعتبرها محدِّثون آخرون واحتجوا بها. وهناك أحاديث طعن بها بعض أهل الحديث، وقبِلها عامة الفقهاء واحتجوا بها. فإلزام الناس باعتبار الحديث صحيحاً أو حسناً برأي من الآراء أو بجميع الآراء هو إلزام غير صحيح، ومخالِف لواقع الأحاديث. فكما أنه لا يجوز الإسراع بقبول الحديث دون النظر في صحته، فكذلك لا يجوز الإسراع بالطعن في الحديث وردّه لمجرد أن طعن أحد المحدِّثين في راويه، لاحتمال أن يكون مقبولاً عند راو آخر، أو لمجرد أن ردّه أحد المحدِّثين، لاحتمال أن يكون قبِله محدِّث آخر، أو لأن المحدِّثين ردّوه، لاحتمال أن يكون قد احتجَ به الأئمة وعامة الفقهاء. فلا يُتسرع بالطعن في الحديث وردّه إلاّ إذا كان راويه معروفاً بأنه مطعون فيه عامة، أو كان الحديث مردوداً من الجميع، أو لم يحتج به إلاّ بعض الفقهاء الذين لا دراية لهم بالحديث، فإنه حينئذ يُطعن في الحديث ويُرَد. فيجب التأني والتفكير في الحديث قبل الإقدام على الطعن فيه أو ردّه.
أحاديث السيرة تعتبر دليلاً شرعياً إذا صحت رواية ودراية عن النبي صلى الله عليه وسلم
ذلك أن السيرة مادة من مواد التشريع، ولذلك تعتبر جزءاً من الحديث، وما صحّ فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية يعتبر دليلاً شرعياً، لأنه من السنّة.