المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تطورات الاحداث في مصر



ابو العبد
25-08-2013, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أجوبة أسئلة
حول تطورات الأزمة المصرية
السؤال الأول: هدأت حركة الشارع في مصر، وتمت السيطرة على القياديين تقريباً وباتت حركة الشارع أقرب إلى حركة الديك المذبوح. المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا ما زال يمسك العصا من الوسط مع الميل قليلاً ضد العسكر "أخلاقياً وأدبياً وقيمياً" لكن دون القيام بأي فعل حقيقي مع تحد صارخ من الجيش للمجتمع الدولي وبثقل السعودية. ألا ترى أن عودة الإخوان الآن للحكم وبأي صيغة بات مستحيلاً خاصة مع شيطنة الإعلام المصري لهم؟ ألا ترى أنهم
أقرب لواقع تركيا؟ أي العودة بعد عشر سنين من الآن؟
الجواب: بخصوص عودة مرسي فرغم أن الظاهر أن الإخوان المسلمين ومناصريهم سوف لن يقبلوا بأقل من عودة مرسي باعتباره يمثل "الشرعية" عندهم، لكن يمكن لأميركا أن تعقد معهم صفقة، كأن تعيده ولو لفترة قصيرة دون صلاحيات كبيرة، بينما يتم إعطاء أهم الصلاحيات لرئيس وزراء ليبرالي أو يكون مرسي ضمن مجلس رئاسي يتكون منه ومن البرادعي وشخصية عسكرية. ولأن أميركا تدرك أن مرسي صار يمثل رمزاً لـ"لشرعية"، جاءت الحلول السابقة لمجزرة رابعة سواء منها أو من أوروبا تسير في هذا الإتجاه. ومع ذلك فمن الممكن جداً بالنسبة للإخوان أن يقبلوا بأي صفقة أخرى ترضي عودتهم "المشرفة" للحياة السياسية وللحكم وتكون بمنزلة "الدية" مقابل المجازر التي ارتكبتها القوات العسكرية والشرطية في حق المعتصمين والمتظاهرين.
بعد مجزرة رابعة العدوية وما سبقها من إحباط السيسي شكلاً للمقترحات الأميركية التي حملها مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز وبعد ذلك السناتوران جون مكين وليندسي غراهام، صارت أميركا تفصح بشكل علني عن محتوى مقترحاتها في الإعلام أولاً، ثم بشكل رسمي على لسان بعض أعضاء الكونغرس وحتى باراك أوباما نفسه من أجل إظهار الضغط على القيادة العسكرية الحاكمة في مصر.
فقد ذكر جون ماكين بعد زيارته للقاهرة أنه "لإحلال السلام في مصر سبيل واحد وهو عملية التفاوض والمصالحة بين الأطراف الفاعلة الرئيسية". وقال ماكين إن الفريق أول عبد الفتاح السيسي غير سعيد من بعض الاقتراحات التي قدمها هو وزميله السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام. وركز في قوله أن أحد الاقتراحات التي عرضها على السيسي هو الإفراج عن بعض قادة الإخوان المسلمين، الذين سجنوا بعد انقلاب الشهر الماضي، وبخاصة الكتاتني. وأضاف: "لقد كنا صريحين معه، لكنه لم يكن سعيداً بذلك"، مؤكداً أنه أوصل رسالة كان يجب أن يوصلها، ومشيراً إلى أهمية وجود النوايا الحسنة من كلا الطرفين. قائلاً إنه يشعر بالأسف أن السيسي ليس مستعداً للدخول في حوار مع الإخوان المسلمين، وإن الجماعة ليست مستعدة للالتزام بعدم إثارة العنف، مضيفاً أن المواجهة يمكن أن تنتهي نهاية عنيفة ما لم تبدأ المفاوضات. وختم بالقول: إن "دعم مجلس الشيوخ للمعونة لمصر قد يتغير ما لم يُعِد الجيش الديمقراطية بسرعة".
كما نتج عن مجزرة رابعة أن قدم محمد البرادعي استقالته من الحكومة، ويبدو أن أميركا هي التي دفعته لفعل ذلك حتى تحافظ على مستقبله السياسي داخلياً وخارجياً في المرحلة المقبلة وتكسبه شيئاً من المصداقية مع الإخوان الذين سيتم الحوار معهم لاحقاً. والدليل على ذلك أنه سُمح له بالسفر إلى الخارج بينما وردت أنباء أنه ضُرب طوق على الوزراء الآخرين ما عدا وزيري الدفاع والداخلية بعدم تقديم الإستقالة أو التفكير بالسفر إلى الخارج. والدليل على ذلك أيضاً أنه في نفس اليوم الذي وُجهت لمحمد البرادعي تهمة "خيانة الأمانة" بسبب قراره بالاستقالة _وهذا أيضاً تلميع لصورته_ احتجاجاً على الحملة الدموية للحكومة ضد جماعة الإخوان، كان الرجل يجتمع في بروكسل مع ممثلة الإتحاد الأوروبي (كاثرين أشتون) دون الإعلان عن هذا الإجتماع بشكل رسمي مع أنه لا يملك أي صفة وزارية بعد استقالته سوى أنه جزء من عملية المصالحة التي تسعى إليها أميركا.
ولذلك فإن المشهد السياسي في مصر يبرز منه أنه ليس أمام العسكر والفئة العلمانية المحيطة بهم سوى الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات عاجلاً أو آجلاً. فلا يمكن لأميركا وهي صانعة الثورات العربية وصاحبة مشروع الشرق الأوسط الكبير سوى أن تدفع بالجميع في هذا الإتجاه بالشكل الذي يضمن لها السير قدماً لإنجاح عملية المزج بين الإسلام والعلمانية على قاعدة فصل الدين عن الحياة. كما أنه ليس من المتوقع أن تظل صامتة أمام عمليات القتل التي يقوم بها العسكر والشرطة دون أن تتخذ بعض الإجراءات العقابية تجاه حكومة السيسي وذلك حتى لا تفقد مصداقيتها وسمعتها وهذا ما نبه إليه جون مكين في إحدى مداخلاته على بعض القنوات الأميركية.
وفوق ذلك فقد كان باراك أوباما واضحاً في بيان هذه المعاني عندما قال بعد مجزرة رابعة: "إن دائرة العنف والتصعيد بحاجة لأن تتوقف. إننا نناشد السلطات المصرية احترام الحقوق العالمية لشعبها. ونهيب بأولئك الذين يتظاهرون أن يفعلوا ذلك سلمياً ونحن ندين الهجمات التي شاهدناها من جانب المتظاهرين، بما فيها الهجمات على الكنائس. ونحن نعتقد أن حالة الطوارئ ينبغي أن تُرفع وأنه ينبغي الشروع في عملية مصالحة وطنية، وأنه يتعين أن يكون لجميع الأطراف والأحزاب رأي في مستقبل مصر، وأن حقوق النساء والأقليات الدينية ينبغي احترامها، وأنه يتعين المحافظة على التعهدات بمتابعة إدخال إصلاحات شفافة على الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية للمجلس التشريعي ولرئيس البلاد".
أما كم سيستغرق الوقت لجلوس الجميع على مائدة الحوار والتفاوض فإن الأمر يتعلق بتوفر بعض الشروط الموضوعية لعل أهمها:
1- إفراز قيادة سياسية داخل الإخوان تكون جديرة بثقة أميركا في القدرة على التحكم بالشارع الإسلامي والحد من مطالبه بتطبيق الشريعة. أي إعادة ترتيب البيت الإخواني باستبعاد قيادات قديمة أسيرة شعارات وطروحات يمكن أن تتجاوب مع من يطالبوا بالسير نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، ولعل ما صرح به كمال الهلباوي، المنشق عن الإخوان، بعد اعتقال المرشد محمد بديع ما ينبئ بما يجري العمل له داخل جماعة الإخوان. فقد ذكر الهلباوي أن "الجماعة ليست كتلة واحدة.. ولا يمكن الحكم عليهم سريعاً بعد اعتقال المرشد"، وأضاف "أن القطاع العريض من شباب الجماعة يميلون إلى السلمية وينبذون العنف"، لافتاً إلى أن "مسار الجماعة يتوقف بشكل كبير على القيادة الجديدة لها". وأكد الهلباوي أن "تعيين الدكتور محمود عزت لن يغير كثيراً في الطريقة الإخوانية الحالية، إلا أن مزيداً من الشباب سيقف ضد التوجه القطبي الذي قاد الجماعة خلال فترة تولى بديع إلى العنف والانخراط فيه، واكتساب كراهية الشعب المصري".
2- إدراك النخبة العلمانية الإستئصالية أن بقاء مصر تحت حكم العسكر أمر لا يمكن الإستمرار فيه إلا بدفع تكاليف باهظة من الخسائر في الإقتصاد المصري والعزلة الدولية وعدم الإستقرار السياسي. وقد بدأت أميركا في اتخاذ بعض الإجراءات من بينها ما ذكره المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست الذي قال أن اعتقال بديع هو "الخطوة الأحدث في سلسلة الخطوات التي تقوم بها الحكومة المصرية والتي لا تعكس التزامها بعملية سياسية جامعة"، وأضاف إرنست إن مراجعة المساعدات الأميركية لمصر لم تنته بعد، مشيراً إلى أن واشنطن اتخذت عدة إجراءات رداً على الإطاحة بمحمد مرسي ومنها تعليق تسليم أربع طائرات إف-16 للجيش، وإلغاء مناورات النجم الساطع وتعليق بعض المساعدات الاقتصادية.
3- تحجيم دور الجيش وإفهام قادته أن عليهم أن يقتنعوا بأن دورهم يوجد في الثكنات العسكرية وليس في قصور الحكم. ومن ثم فإن عليهم أن يُعِدوا أنفسهم للإنسحاب من الحياة السياسية عاجلاً أو آجلاً. ولعل المجازر الفظيعة التي ارتكبوها بحق الناس واقتحام المساجد والتواطؤ مع "إسرائيل" في سيناء كفيل بنزع هالة الإحترام التي ظل يحتفظ الجيش بها منذ "حرب أكتوبر". وهنا يمكن أن تستعمل أميركا سيف العقوبات مع الجيش المصري، فبالرغم من أن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية جوش إرنست ذكر أن أي قرار لم يتخذ حتى الآن في شأن تعليق هذه المساعدات إلا أن تقارير صحيفة نقلت عن ديفيد كارل مساعد السيناتور باتريكليهي عضو مجلس الشيوخ الأميركي أن واشنطن قررت بشكل سري وقف المساعدات المقدمة للجيش المصري مؤقتاً دون الإعلان عن ذلك تماشياً مع قانون وقف المساعدات في حالة الإنقلاب. وأضاف كارل: "لجنة المخصصات الخارجية الأميركية تم إبلاغها بـ "إيقاف نقل المساعدات العسكرية"، مشيراً إلى أن قرار التعليق يعكس "إجراءً راهناً، وليس بالضرورة سياسة رسمية"، مردفاً أنه لا توجد إشارة حول متى سيستمر إيقاف المساعدات. وكانت إدارة أوباما قد ذكرت أنها بصدد مراجعة المساعدات في مصر على ضوء "إقصاء" مرسي في 3 يوليو/تموز، والقمع المستمر ضد مؤيديه. وقالت متحدثة الخارجية الأميركية جنيفر ساكي إن واشنطن لم تسلم لمصر 585 مليون دولار لعام 2013، وهو يماثل نصف إجمالي المساعدات العسكرية.
وهنا قد يرد سؤال وهو أن رجوع الإخوان الآن للحكم بات مستحيلاً وبخاصة مع شيطنة الإعلام المصري لهم، وبالتالي فلا يرجى عودتهم إلا بعد سنوات طويلة قياساً على ما حدث في تركيا؟ ومع أن طرح هذا السؤال يبدو مشروعاً، وبخاصة بالنظر إلى ما ذكره باراك أوباما في خطابه يوم 15/8/2013 عندما قال: "ومن آسيا إلى الأميركتين إننا نعرف أن التحولات الديمقراطية لا تقاس بالشهور أو حتى السنوات ولكن في بعض الأحيان بامتداد الأجيال"، إلا أن مقارنة واقع مصر بتركيا لا يستقيم من الناحية السياسية ليس فقط من باب خطورة القياس المنطقي أو العقلي أو الشمولي على سلامة الرأي السياسي بل أيضا لأن ما يجري في مصر حالياً يختلف عما جرى سابقاً في تركيا سواء من حيث سياقه التاريخي أو الجغرافي أو من حيث اختلاف طبيعة المؤسسة العسكرية في كلا البلدين.
فمن ناحية السياق التاريخي فإن أميركا يبدو عليها السعي للعودة بمصر في أقرب وقت ممكن إلى الحياة "المدنية"، ويفهم هذا من تحريكها لدور مجلس الأمن والإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وإقحامهم في الأزمة المصرية، هذا فضلاً عن العقوبات التي يجري العمل على تنفيذها أو التي يتم التلويح بها. وهذا كله يساعد في التسريع بعملية المصالحة وانسحاب الجيش من الحياة السياسية ، والواضح أن أميركا في تحريكها للشعوب ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير تسعى لتحقيق مطالب تلك الشعوب التي ينبغي أن تكون قابلة للتحقيق وقريبة المنال ، وكل هذه الأمور لم نرها موجودة في تركيا عندما تم الإنقلاب على نجم الدين أربكان في 28/2/1997 وما تبع ذلك من انشقاق رموز جيل الشباب وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان وعبد الله غول وتأسيسهم لحزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى الحكم بعد خمس سنوات فقط من سقوط أربكان أي في العام 2002.
أما من ناحية السياق الجغرافي فإن الأحزاب التي أسسها أربكان (حركة الرأي الوطني، حزب الرفاه، حزب الفضلة، حزب السعادة) وحزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان قد نشأت في بيئة سياسية شديدة العداء لكل ما له علاقة بالإسلام بسبب القبضة الحديدية التي فرضها كمال أتاتورك بعد إسقاطه للخلافة. ولهذا السبب وجدت هذه الأحزاب نفسها تقدم التنازلات تلو الأخرى إرضاءً للفئة العلمانية الحاكمة في تركيا وللغرب لتبديد مخاوفهم، إلى درجة أنه ذُكر أن حزب العدالة والتنمية قدم الورقة التأسيسية للحزب إلى السفارة الأميركية والبريطانية قبل أن يقدمها للدولة التركية. أما الحال في مصر فإن حركة الإخوان وغيرها من الأحزاب الإسلامية التي قبلت الدخول في اللعبة الديمقراطية لها حاضنة شعبية منذ أن وجدت. أما العلمانيون في مصر سواء في الإعلام والفن أو في الشرطة والجيش أو في القضاء والإقتصاد فهم ضد الإخوان والحركات الإسلامية على قاعدة فهمهم الكهنوتي للإسلام؛ وهذا على خلاف نظرائهم من العلمانيين الأتراك الذين يريدون إقصاء الإسلام من حياة الفرد قبل حياة المجتمع. وهذا هو الخط الأتاتوركي الإستئصالي الذي استطاع حزب العدالة والتنمية تجاوزه بدعم من أميركا عبر إدخال مفهوم "العلمانية المؤمنة".

ابو العبد
25-08-2013, 04:25 PM
أما بالنسبة للمؤسسة العسكرية فإن الحال في تركيا أن الجيش نشأ على أساس العداء للإسلام وإقصائه من كل مجالات الحياة بما في ذلك شؤون الفرد، ولم يسمح هذا الجيش بظهور أي ملامح إسلامية داخله. وهذا بخلاف الجيش المصري، فقد تعاون جمال عبد الناصر مع الإخوان في انقلابه على الملك فاروق. ورغم أنه لاحقهم بالقتل والإعتقال والسجن فإن ذلك يعود لخوفه من أن يتحولوا إلى خطر جدي على حكمه في البلاد بعد أن رأى قدرتهم على حشد الناس في المظاهرات التي سبقت عملية الإنقلاب. وبالتالي فالعداء بين الإخوان والجيش المصري يقوم على قاعدة الصراع على السلطة وليس على قاعدة الصراع على تحكيم الإسلام، وإن كان الإخوان يعملون على تصويره كذلك. أما انقلاب السيسي فهو جاء بناء على إدراك استباقي من أميركا وخوفها من تحول فكر المجتمع نحو المطالبة بالإسلام بشكل يتجاوز سقف طموحات الإخوان وشروط اتفاقهم مع الأميركان عندما سمحوا لهم بالوصول إلى السلطة والبقاء فيها.
ومع ذلك فلا يتوقع أن تهدأ حركة الشارع في مصر وإن كان يبدو الأمر كذلك خاصة في قلب القاهرة وليس في أطرافها، أما بقية المحافظات فإنها ما زالت تنتفض ليلاً لكسر حظر التجول. وهذا كله سيدفع بعملية المصالحة والعودة للاستقرار أن تتم بأسرع وقت ممكن. ولعل الأمر سيزداد سخونة أكثر على مستوى الشارع بعد أن تم إطلاق سراح حسني مبارك الذي اُريد من ورائه تحويل انتباه الناس من المطالبة بعودة مرسي للحكم إلى المطالبة بعودة مبارك للسجن. هذا بالإضافة إلى أن إطلاق سراح مبارك أوجد حركة امتعاض عند كثير من العلمانيين وما يسمى بشباب الثورة وعند كثير من الناس الذين باتوا متأكدين من أن ما يسمى بثورة "30 يونيو" ليست سوى "ثورة مضادة" قام بها السيسي لمصلحة الدولة العميقة التي لم تكف يوماً عن حكم البلاد حتى بعد "ثورة 25 يناير"، وإن كان الواقع أن الإنقلاب على مرسي جاء بأمر من أميركا بحجة "استعادة الديمقراطية" كما قال جون كيري في تصريح أخير له أثناء زيارته لباكستان.
ونختم بالقول أن وضع مصر في قلب المنطقة العربية مع سريان معاهدة السلام مع "إسرائيل" وأهمية مصر الإستراتيجية بالنسبة لأميركا وطبيعة مشروع الشرق الأوسط الكبير، كل هذه الأمور من شأنها أن تحول دون تأخر أميركا في حل الأزمة المصرية وتمنع معاملة الإخوان فيها على شاكلة ما حصل مع "الإسلاميين" في تركيا سابقاً. ومع ذلك فإن هذا لا يمنع أن تسعى أميركا لإنتاج قيادة إخوانية تشبه القيادة البراغماتية لحزب العدالة والتنمية في تركيا أو حزب النهضة في تونس أو حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب. والأكيد أن أميركا لن تسمح لعبد الفتاح السيسي ولمجموعته أن يقضوا على جماعة الإخوان المسلمين أو على حزبهم السياسي، الحرية والعدالة، بعد أن ذكر جون مكين اسم رئيسه السابق ورئيس البرلمان المنحل سعد الكتاتني بالإسم والذي قال عنه بعض الدبلوماسيين مؤخراً أنه "براغماتي قادر على الوصول لتسويات" سياسية.

السؤال الثاني: هل سوف تستمر الأزمة المصرية لتصبح مثل الحالة السورية؟
الجواب: رغم دخول الأوضاع في مصر منعرجاً خطيراً بعد فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة بشكل دموي لم يسبق له مثيل في هذا البلد المسلم، إلا أنه لا يبدو أن سير الأحداث تتجه إلى الوقوع في المستنقع السوري. وأهم الأسباب التي تدعو إلى استبعاد هذا الخيار هي التالية:
أولاً: إن الجيش المصري ليس مبنياً بشكل طائفي كما هي الحال عليه في الجيش السوري، وهذا من شأنه أن يقلل إمكانية نزوع بعض الضباط إلى الإنشقاق عن المؤسسة العسكرية. وبالرغم من أنه قد نشرت بعض المواقع في الإنترنت يوم 15 أغسطس/آب بياناً منسوباً لما يسمى "الجيش المصري الحر" لكن الراجح أن جهاز التعبئة المعنوية التابع للمخابرات العسكرية المصرية هو الذي يقف وراءه من أجل شحن الشعب في مصر ضد حركة الإخوان المسلمين بإلصاق تهمة السعي لضرب وتقسيم المؤسسة العسكرية وإدخال البلاد في الفوضى والحرب الأهلية.
هذا فضلاً عن أن الجيش المصري تابع ومرتبط بالجيش الأميركي سواء بالمعونات أو التدريبات أو التسليح، ولا يتصور أن يجرؤ أحد الضباط أو بعضهم على القيام بأي حركة انشقاق دون أن تعلم بها أميركا أو تسمح بها.
ثانياً: إن الأقباط في مصر الذين يستعملهم الفريق عبد الفتاح السيسي للنزول للشوارع ويستعمل جنوداً منهم في قتل المتظاهرين ليس لهم سند إقليمي يستندون إليه مثل نظرائهم من العلويين في سوريا. فالعلويين يعتبرون من فرق "الشيعة" الغلاة ويلقون دعماً كبيراً من بعض "الشيعة" الجعفريين في العراق ولبنان وإيران وحتى من غلاة الزيديين في اليمن. وبحكم ارتباط عموم نصارى مصر بالكنيسة القبطية فإن أي تحرك انفصالي لهم، إذا قدر له أن يحدث، فإن ذلك لا يتم إلا ضمن خطة مرسومة سلفاً من الإدارة الأميركية وبالتنسيق مع عملائها في مصر. وهذا بخلاف العلويين في سوريا فإن الذي يجمعهم ليس سلطة روحية بل الخوف على مصالح الطائفة، وهذا ما جعلهم مشتتين في اتخاذ القرار من الوضع الحالي بسبب تفاوتهم في تقدير هذه المصالح. ولذلك انضم بعض منهم إلى المعارضة السورية؛ ولعل أهمهم منذر ماخوس سفير المعارضة في باريس.
ثالثاً: إن وضع سيناء بالنسبة لإسرائيل مختلف عما هو عليه الحال في الجولان. فسيناء هي تحت السيادة المصرية ولو بشروط، ومن الصعب على إسرائيل القيام بحرب مفتوحة مع السلفية الجهادية هناك، لأنها مرتبطة باتفاقية سلام مع مصر، صحيح أن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي زئيف الكين صرح يوم 15 أغسطس/آب أن إسرائيل قد تضطر للتدخل في الشؤون الداخلية لمصر إذا تطورت الأوضاع في اتجاه معين، لكن هذا التصريح يبدو أنه تحذير أميركي للجيش المصري بعدم الإنغماس في الوضع السياسي أكثر منه تهيئة فعلية للجيش الإسرائيلي بالتوغل في سيناء.
رابعاً: إن الوضع الجيوستراتيجي لمصر بالنسبة لأميركا مختلف عما هو عليه الحال في سوريا. فمصر تعتبر قلب المنطقة العربية وقاطرة التغييرات والتحولات الجذرية. وقد سجل لنا التاريخ الإسلامي أن تحرير بغداد من المغول وتحرير فلسطين من الصليبيين كانا انطلاقاً من مصر. وهذا أمر تدركه الإدارة الأميركية التي لم تتأخر في تحريك أوروبا ومجلس الأمن للقيام بالتحركات السياسية اللازمة لمحاصرة الأزمة المصرية في حدودها قبل أن يخرج الوضع عن نطاق السيطرة وتصبح مصالحها في خطر في المنطقة، وهو ما يعني أن أميركا لن تسمح بالإبقاء على الانقلاب في صورته الحالية.
خامساً: إن المعارضة في مصر تتمتع بقيادة سياسية موجودة على الأرض، وهي "تحالف دعم الشرعية" الذي يتكون من الإخوان والجماعة الإسلامية وغيرهما من الحركات والجمعيات الأهلية، وهذا بخلاف المعارضة السورية المشتتة والمعزولة عن الداخل السوري وهي في أغلبها متهمة بالعمالة والخضوع للتجاذبات الإقليمية. فالمعارضة المصرية تتميز بوحدة القيادة وبالإلتصاق بالناس في الميدان، وهذا يسهل لها حرية الحركة والتصعيد السياسي بدءاً من المظاهرات وصولاً إلى العصيان المدني. كما يوفر وجود قيادة سياسية للمعارضة المصرية مجالاً واضحاً للتحاور والتواصل معها سواء من قبل أميركا وأوروبا أو من قبل خصومها في حكومة الإنقلاب.
سادساً: لا يوجد مؤشر واضح في هذه المرحلة يوحي بأن أميركا هي التي تدفع بالأحداث في مصر نحو استنساخ السيناريو السوري، والراجح من التحركات الدولية والتصريحات الأميركية والأوروبية يظهر أن أميركا تريد من الجميع؛ الإخوان وحلفائهم من جهة، والعسكر وحلفائهم السياسيين من جهة ثانية، العودة إلى مربع الديمقراطية عاجلاً أو آجلاً.
ولا يبدو أن أميركا قد تخلت عن مشروع نشر ديمقراطيتها في مصر أو غيرها عبر المزج بين "الإسلام المعتدل" و"العلمانية المعتدلة". ولعل في استقالة محمد البرادعي من منصب نائب رئيس الوزراء واستقالة خالد داود الناطق الرسمي باسم جبهة الإنقاذ ما يشير إلى أن أميركا تريدهما أن ينأيا بنفسيهما عن جرائم عبد الفتاح السيسي من أجل أن يحافظا على مستقبلهما السياسي للمرحلة القادمة.
وبالإضافة إلى البرادعي وخالد داود تملك أميركا عملاء آخرين تعتمد عليهم من التيار العلماني ويحظون ببعض المصداقية لدى الأطراف المتصارعة، فهناك أيمن نور رئيس حزب غد الثورة وعبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية.
ونختم بالقول حول المخاوف التي تناقلها البعض من تعيين السفير فورد مكان السفيرة آن باترسون، وأن ذلك مؤشر على اقتراب اتجاه مصر نحو السيناريو السوري، وسبب هذا التخوف أن فورد مشهور بقدرته على إشعال وإدارة الحرب الأهلية كما كان ذلك دوره في العراق عندما كان قنصلاً في مدينة النجف بين 2004-2005، أو عندما كان سفيراً في الجزائر بين عامي 2006-2008 أو عندما كان سفيراً في سوريا في يناير 2011 أي قبل انطلاق الأحداث بشهرين. لكن الراجح أن تعيين فورد بدل باترسون لا يعني بالضرورة أن مصر متجهة نحو الحرب الداخلية. والغالب أن هذا التعيين جاء، أولاً: لأن باترسون قد فقدت مصداقيتها مع الإخوان المسلمين وأصحابهم بعد هندستها لعملية الإنقلاب على محمد مرسي، وثانياً: لأن فورد أقدر من باترسون على إدارة الصراع بين الإخوان والجيش في ظل أوضاع دموية وذلك بسبب خبرته الكبيرة بالمنطقة العربية.

16/شوال/1434هـ
23/8/2013