ابو العبد
25-08-2013, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أجوبة أسئلة
حول تطورات الأزمة المصرية
السؤال الأول: هدأت حركة الشارع في مصر، وتمت السيطرة على القياديين تقريباً وباتت حركة الشارع أقرب إلى حركة الديك المذبوح. المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا ما زال يمسك العصا من الوسط مع الميل قليلاً ضد العسكر "أخلاقياً وأدبياً وقيمياً" لكن دون القيام بأي فعل حقيقي مع تحد صارخ من الجيش للمجتمع الدولي وبثقل السعودية. ألا ترى أن عودة الإخوان الآن للحكم وبأي صيغة بات مستحيلاً خاصة مع شيطنة الإعلام المصري لهم؟ ألا ترى أنهم
أقرب لواقع تركيا؟ أي العودة بعد عشر سنين من الآن؟
الجواب: بخصوص عودة مرسي فرغم أن الظاهر أن الإخوان المسلمين ومناصريهم سوف لن يقبلوا بأقل من عودة مرسي باعتباره يمثل "الشرعية" عندهم، لكن يمكن لأميركا أن تعقد معهم صفقة، كأن تعيده ولو لفترة قصيرة دون صلاحيات كبيرة، بينما يتم إعطاء أهم الصلاحيات لرئيس وزراء ليبرالي أو يكون مرسي ضمن مجلس رئاسي يتكون منه ومن البرادعي وشخصية عسكرية. ولأن أميركا تدرك أن مرسي صار يمثل رمزاً لـ"لشرعية"، جاءت الحلول السابقة لمجزرة رابعة سواء منها أو من أوروبا تسير في هذا الإتجاه. ومع ذلك فمن الممكن جداً بالنسبة للإخوان أن يقبلوا بأي صفقة أخرى ترضي عودتهم "المشرفة" للحياة السياسية وللحكم وتكون بمنزلة "الدية" مقابل المجازر التي ارتكبتها القوات العسكرية والشرطية في حق المعتصمين والمتظاهرين.
بعد مجزرة رابعة العدوية وما سبقها من إحباط السيسي شكلاً للمقترحات الأميركية التي حملها مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز وبعد ذلك السناتوران جون مكين وليندسي غراهام، صارت أميركا تفصح بشكل علني عن محتوى مقترحاتها في الإعلام أولاً، ثم بشكل رسمي على لسان بعض أعضاء الكونغرس وحتى باراك أوباما نفسه من أجل إظهار الضغط على القيادة العسكرية الحاكمة في مصر.
فقد ذكر جون ماكين بعد زيارته للقاهرة أنه "لإحلال السلام في مصر سبيل واحد وهو عملية التفاوض والمصالحة بين الأطراف الفاعلة الرئيسية". وقال ماكين إن الفريق أول عبد الفتاح السيسي غير سعيد من بعض الاقتراحات التي قدمها هو وزميله السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام. وركز في قوله أن أحد الاقتراحات التي عرضها على السيسي هو الإفراج عن بعض قادة الإخوان المسلمين، الذين سجنوا بعد انقلاب الشهر الماضي، وبخاصة الكتاتني. وأضاف: "لقد كنا صريحين معه، لكنه لم يكن سعيداً بذلك"، مؤكداً أنه أوصل رسالة كان يجب أن يوصلها، ومشيراً إلى أهمية وجود النوايا الحسنة من كلا الطرفين. قائلاً إنه يشعر بالأسف أن السيسي ليس مستعداً للدخول في حوار مع الإخوان المسلمين، وإن الجماعة ليست مستعدة للالتزام بعدم إثارة العنف، مضيفاً أن المواجهة يمكن أن تنتهي نهاية عنيفة ما لم تبدأ المفاوضات. وختم بالقول: إن "دعم مجلس الشيوخ للمعونة لمصر قد يتغير ما لم يُعِد الجيش الديمقراطية بسرعة".
كما نتج عن مجزرة رابعة أن قدم محمد البرادعي استقالته من الحكومة، ويبدو أن أميركا هي التي دفعته لفعل ذلك حتى تحافظ على مستقبله السياسي داخلياً وخارجياً في المرحلة المقبلة وتكسبه شيئاً من المصداقية مع الإخوان الذين سيتم الحوار معهم لاحقاً. والدليل على ذلك أنه سُمح له بالسفر إلى الخارج بينما وردت أنباء أنه ضُرب طوق على الوزراء الآخرين ما عدا وزيري الدفاع والداخلية بعدم تقديم الإستقالة أو التفكير بالسفر إلى الخارج. والدليل على ذلك أيضاً أنه في نفس اليوم الذي وُجهت لمحمد البرادعي تهمة "خيانة الأمانة" بسبب قراره بالاستقالة _وهذا أيضاً تلميع لصورته_ احتجاجاً على الحملة الدموية للحكومة ضد جماعة الإخوان، كان الرجل يجتمع في بروكسل مع ممثلة الإتحاد الأوروبي (كاثرين أشتون) دون الإعلان عن هذا الإجتماع بشكل رسمي مع أنه لا يملك أي صفة وزارية بعد استقالته سوى أنه جزء من عملية المصالحة التي تسعى إليها أميركا.
ولذلك فإن المشهد السياسي في مصر يبرز منه أنه ليس أمام العسكر والفئة العلمانية المحيطة بهم سوى الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات عاجلاً أو آجلاً. فلا يمكن لأميركا وهي صانعة الثورات العربية وصاحبة مشروع الشرق الأوسط الكبير سوى أن تدفع بالجميع في هذا الإتجاه بالشكل الذي يضمن لها السير قدماً لإنجاح عملية المزج بين الإسلام والعلمانية على قاعدة فصل الدين عن الحياة. كما أنه ليس من المتوقع أن تظل صامتة أمام عمليات القتل التي يقوم بها العسكر والشرطة دون أن تتخذ بعض الإجراءات العقابية تجاه حكومة السيسي وذلك حتى لا تفقد مصداقيتها وسمعتها وهذا ما نبه إليه جون مكين في إحدى مداخلاته على بعض القنوات الأميركية.
وفوق ذلك فقد كان باراك أوباما واضحاً في بيان هذه المعاني عندما قال بعد مجزرة رابعة: "إن دائرة العنف والتصعيد بحاجة لأن تتوقف. إننا نناشد السلطات المصرية احترام الحقوق العالمية لشعبها. ونهيب بأولئك الذين يتظاهرون أن يفعلوا ذلك سلمياً ونحن ندين الهجمات التي شاهدناها من جانب المتظاهرين، بما فيها الهجمات على الكنائس. ونحن نعتقد أن حالة الطوارئ ينبغي أن تُرفع وأنه ينبغي الشروع في عملية مصالحة وطنية، وأنه يتعين أن يكون لجميع الأطراف والأحزاب رأي في مستقبل مصر، وأن حقوق النساء والأقليات الدينية ينبغي احترامها، وأنه يتعين المحافظة على التعهدات بمتابعة إدخال إصلاحات شفافة على الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية للمجلس التشريعي ولرئيس البلاد".
أما كم سيستغرق الوقت لجلوس الجميع على مائدة الحوار والتفاوض فإن الأمر يتعلق بتوفر بعض الشروط الموضوعية لعل أهمها:
1- إفراز قيادة سياسية داخل الإخوان تكون جديرة بثقة أميركا في القدرة على التحكم بالشارع الإسلامي والحد من مطالبه بتطبيق الشريعة. أي إعادة ترتيب البيت الإخواني باستبعاد قيادات قديمة أسيرة شعارات وطروحات يمكن أن تتجاوب مع من يطالبوا بالسير نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، ولعل ما صرح به كمال الهلباوي، المنشق عن الإخوان، بعد اعتقال المرشد محمد بديع ما ينبئ بما يجري العمل له داخل جماعة الإخوان. فقد ذكر الهلباوي أن "الجماعة ليست كتلة واحدة.. ولا يمكن الحكم عليهم سريعاً بعد اعتقال المرشد"، وأضاف "أن القطاع العريض من شباب الجماعة يميلون إلى السلمية وينبذون العنف"، لافتاً إلى أن "مسار الجماعة يتوقف بشكل كبير على القيادة الجديدة لها". وأكد الهلباوي أن "تعيين الدكتور محمود عزت لن يغير كثيراً في الطريقة الإخوانية الحالية، إلا أن مزيداً من الشباب سيقف ضد التوجه القطبي الذي قاد الجماعة خلال فترة تولى بديع إلى العنف والانخراط فيه، واكتساب كراهية الشعب المصري".
2- إدراك النخبة العلمانية الإستئصالية أن بقاء مصر تحت حكم العسكر أمر لا يمكن الإستمرار فيه إلا بدفع تكاليف باهظة من الخسائر في الإقتصاد المصري والعزلة الدولية وعدم الإستقرار السياسي. وقد بدأت أميركا في اتخاذ بعض الإجراءات من بينها ما ذكره المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست الذي قال أن اعتقال بديع هو "الخطوة الأحدث في سلسلة الخطوات التي تقوم بها الحكومة المصرية والتي لا تعكس التزامها بعملية سياسية جامعة"، وأضاف إرنست إن مراجعة المساعدات الأميركية لمصر لم تنته بعد، مشيراً إلى أن واشنطن اتخذت عدة إجراءات رداً على الإطاحة بمحمد مرسي ومنها تعليق تسليم أربع طائرات إف-16 للجيش، وإلغاء مناورات النجم الساطع وتعليق بعض المساعدات الاقتصادية.
3- تحجيم دور الجيش وإفهام قادته أن عليهم أن يقتنعوا بأن دورهم يوجد في الثكنات العسكرية وليس في قصور الحكم. ومن ثم فإن عليهم أن يُعِدوا أنفسهم للإنسحاب من الحياة السياسية عاجلاً أو آجلاً. ولعل المجازر الفظيعة التي ارتكبوها بحق الناس واقتحام المساجد والتواطؤ مع "إسرائيل" في سيناء كفيل بنزع هالة الإحترام التي ظل يحتفظ الجيش بها منذ "حرب أكتوبر". وهنا يمكن أن تستعمل أميركا سيف العقوبات مع الجيش المصري، فبالرغم من أن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية جوش إرنست ذكر أن أي قرار لم يتخذ حتى الآن في شأن تعليق هذه المساعدات إلا أن تقارير صحيفة نقلت عن ديفيد كارل مساعد السيناتور باتريكليهي عضو مجلس الشيوخ الأميركي أن واشنطن قررت بشكل سري وقف المساعدات المقدمة للجيش المصري مؤقتاً دون الإعلان عن ذلك تماشياً مع قانون وقف المساعدات في حالة الإنقلاب. وأضاف كارل: "لجنة المخصصات الخارجية الأميركية تم إبلاغها بـ "إيقاف نقل المساعدات العسكرية"، مشيراً إلى أن قرار التعليق يعكس "إجراءً راهناً، وليس بالضرورة سياسة رسمية"، مردفاً أنه لا توجد إشارة حول متى سيستمر إيقاف المساعدات. وكانت إدارة أوباما قد ذكرت أنها بصدد مراجعة المساعدات في مصر على ضوء "إقصاء" مرسي في 3 يوليو/تموز، والقمع المستمر ضد مؤيديه. وقالت متحدثة الخارجية الأميركية جنيفر ساكي إن واشنطن لم تسلم لمصر 585 مليون دولار لعام 2013، وهو يماثل نصف إجمالي المساعدات العسكرية.
وهنا قد يرد سؤال وهو أن رجوع الإخوان الآن للحكم بات مستحيلاً وبخاصة مع شيطنة الإعلام المصري لهم، وبالتالي فلا يرجى عودتهم إلا بعد سنوات طويلة قياساً على ما حدث في تركيا؟ ومع أن طرح هذا السؤال يبدو مشروعاً، وبخاصة بالنظر إلى ما ذكره باراك أوباما في خطابه يوم 15/8/2013 عندما قال: "ومن آسيا إلى الأميركتين إننا نعرف أن التحولات الديمقراطية لا تقاس بالشهور أو حتى السنوات ولكن في بعض الأحيان بامتداد الأجيال"، إلا أن مقارنة واقع مصر بتركيا لا يستقيم من الناحية السياسية ليس فقط من باب خطورة القياس المنطقي أو العقلي أو الشمولي على سلامة الرأي السياسي بل أيضا لأن ما يجري في مصر حالياً يختلف عما جرى سابقاً في تركيا سواء من حيث سياقه التاريخي أو الجغرافي أو من حيث اختلاف طبيعة المؤسسة العسكرية في كلا البلدين.
فمن ناحية السياق التاريخي فإن أميركا يبدو عليها السعي للعودة بمصر في أقرب وقت ممكن إلى الحياة "المدنية"، ويفهم هذا من تحريكها لدور مجلس الأمن والإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وإقحامهم في الأزمة المصرية، هذا فضلاً عن العقوبات التي يجري العمل على تنفيذها أو التي يتم التلويح بها. وهذا كله يساعد في التسريع بعملية المصالحة وانسحاب الجيش من الحياة السياسية ، والواضح أن أميركا في تحريكها للشعوب ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير تسعى لتحقيق مطالب تلك الشعوب التي ينبغي أن تكون قابلة للتحقيق وقريبة المنال ، وكل هذه الأمور لم نرها موجودة في تركيا عندما تم الإنقلاب على نجم الدين أربكان في 28/2/1997 وما تبع ذلك من انشقاق رموز جيل الشباب وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان وعبد الله غول وتأسيسهم لحزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى الحكم بعد خمس سنوات فقط من سقوط أربكان أي في العام 2002.
أما من ناحية السياق الجغرافي فإن الأحزاب التي أسسها أربكان (حركة الرأي الوطني، حزب الرفاه، حزب الفضلة، حزب السعادة) وحزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان قد نشأت في بيئة سياسية شديدة العداء لكل ما له علاقة بالإسلام بسبب القبضة الحديدية التي فرضها كمال أتاتورك بعد إسقاطه للخلافة. ولهذا السبب وجدت هذه الأحزاب نفسها تقدم التنازلات تلو الأخرى إرضاءً للفئة العلمانية الحاكمة في تركيا وللغرب لتبديد مخاوفهم، إلى درجة أنه ذُكر أن حزب العدالة والتنمية قدم الورقة التأسيسية للحزب إلى السفارة الأميركية والبريطانية قبل أن يقدمها للدولة التركية. أما الحال في مصر فإن حركة الإخوان وغيرها من الأحزاب الإسلامية التي قبلت الدخول في اللعبة الديمقراطية لها حاضنة شعبية منذ أن وجدت. أما العلمانيون في مصر سواء في الإعلام والفن أو في الشرطة والجيش أو في القضاء والإقتصاد فهم ضد الإخوان والحركات الإسلامية على قاعدة فهمهم الكهنوتي للإسلام؛ وهذا على خلاف نظرائهم من العلمانيين الأتراك الذين يريدون إقصاء الإسلام من حياة الفرد قبل حياة المجتمع. وهذا هو الخط الأتاتوركي الإستئصالي الذي استطاع حزب العدالة والتنمية تجاوزه بدعم من أميركا عبر إدخال مفهوم "العلمانية المؤمنة".
أجوبة أسئلة
حول تطورات الأزمة المصرية
السؤال الأول: هدأت حركة الشارع في مصر، وتمت السيطرة على القياديين تقريباً وباتت حركة الشارع أقرب إلى حركة الديك المذبوح. المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا ما زال يمسك العصا من الوسط مع الميل قليلاً ضد العسكر "أخلاقياً وأدبياً وقيمياً" لكن دون القيام بأي فعل حقيقي مع تحد صارخ من الجيش للمجتمع الدولي وبثقل السعودية. ألا ترى أن عودة الإخوان الآن للحكم وبأي صيغة بات مستحيلاً خاصة مع شيطنة الإعلام المصري لهم؟ ألا ترى أنهم
أقرب لواقع تركيا؟ أي العودة بعد عشر سنين من الآن؟
الجواب: بخصوص عودة مرسي فرغم أن الظاهر أن الإخوان المسلمين ومناصريهم سوف لن يقبلوا بأقل من عودة مرسي باعتباره يمثل "الشرعية" عندهم، لكن يمكن لأميركا أن تعقد معهم صفقة، كأن تعيده ولو لفترة قصيرة دون صلاحيات كبيرة، بينما يتم إعطاء أهم الصلاحيات لرئيس وزراء ليبرالي أو يكون مرسي ضمن مجلس رئاسي يتكون منه ومن البرادعي وشخصية عسكرية. ولأن أميركا تدرك أن مرسي صار يمثل رمزاً لـ"لشرعية"، جاءت الحلول السابقة لمجزرة رابعة سواء منها أو من أوروبا تسير في هذا الإتجاه. ومع ذلك فمن الممكن جداً بالنسبة للإخوان أن يقبلوا بأي صفقة أخرى ترضي عودتهم "المشرفة" للحياة السياسية وللحكم وتكون بمنزلة "الدية" مقابل المجازر التي ارتكبتها القوات العسكرية والشرطية في حق المعتصمين والمتظاهرين.
بعد مجزرة رابعة العدوية وما سبقها من إحباط السيسي شكلاً للمقترحات الأميركية التي حملها مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز وبعد ذلك السناتوران جون مكين وليندسي غراهام، صارت أميركا تفصح بشكل علني عن محتوى مقترحاتها في الإعلام أولاً، ثم بشكل رسمي على لسان بعض أعضاء الكونغرس وحتى باراك أوباما نفسه من أجل إظهار الضغط على القيادة العسكرية الحاكمة في مصر.
فقد ذكر جون ماكين بعد زيارته للقاهرة أنه "لإحلال السلام في مصر سبيل واحد وهو عملية التفاوض والمصالحة بين الأطراف الفاعلة الرئيسية". وقال ماكين إن الفريق أول عبد الفتاح السيسي غير سعيد من بعض الاقتراحات التي قدمها هو وزميله السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام. وركز في قوله أن أحد الاقتراحات التي عرضها على السيسي هو الإفراج عن بعض قادة الإخوان المسلمين، الذين سجنوا بعد انقلاب الشهر الماضي، وبخاصة الكتاتني. وأضاف: "لقد كنا صريحين معه، لكنه لم يكن سعيداً بذلك"، مؤكداً أنه أوصل رسالة كان يجب أن يوصلها، ومشيراً إلى أهمية وجود النوايا الحسنة من كلا الطرفين. قائلاً إنه يشعر بالأسف أن السيسي ليس مستعداً للدخول في حوار مع الإخوان المسلمين، وإن الجماعة ليست مستعدة للالتزام بعدم إثارة العنف، مضيفاً أن المواجهة يمكن أن تنتهي نهاية عنيفة ما لم تبدأ المفاوضات. وختم بالقول: إن "دعم مجلس الشيوخ للمعونة لمصر قد يتغير ما لم يُعِد الجيش الديمقراطية بسرعة".
كما نتج عن مجزرة رابعة أن قدم محمد البرادعي استقالته من الحكومة، ويبدو أن أميركا هي التي دفعته لفعل ذلك حتى تحافظ على مستقبله السياسي داخلياً وخارجياً في المرحلة المقبلة وتكسبه شيئاً من المصداقية مع الإخوان الذين سيتم الحوار معهم لاحقاً. والدليل على ذلك أنه سُمح له بالسفر إلى الخارج بينما وردت أنباء أنه ضُرب طوق على الوزراء الآخرين ما عدا وزيري الدفاع والداخلية بعدم تقديم الإستقالة أو التفكير بالسفر إلى الخارج. والدليل على ذلك أيضاً أنه في نفس اليوم الذي وُجهت لمحمد البرادعي تهمة "خيانة الأمانة" بسبب قراره بالاستقالة _وهذا أيضاً تلميع لصورته_ احتجاجاً على الحملة الدموية للحكومة ضد جماعة الإخوان، كان الرجل يجتمع في بروكسل مع ممثلة الإتحاد الأوروبي (كاثرين أشتون) دون الإعلان عن هذا الإجتماع بشكل رسمي مع أنه لا يملك أي صفة وزارية بعد استقالته سوى أنه جزء من عملية المصالحة التي تسعى إليها أميركا.
ولذلك فإن المشهد السياسي في مصر يبرز منه أنه ليس أمام العسكر والفئة العلمانية المحيطة بهم سوى الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات عاجلاً أو آجلاً. فلا يمكن لأميركا وهي صانعة الثورات العربية وصاحبة مشروع الشرق الأوسط الكبير سوى أن تدفع بالجميع في هذا الإتجاه بالشكل الذي يضمن لها السير قدماً لإنجاح عملية المزج بين الإسلام والعلمانية على قاعدة فصل الدين عن الحياة. كما أنه ليس من المتوقع أن تظل صامتة أمام عمليات القتل التي يقوم بها العسكر والشرطة دون أن تتخذ بعض الإجراءات العقابية تجاه حكومة السيسي وذلك حتى لا تفقد مصداقيتها وسمعتها وهذا ما نبه إليه جون مكين في إحدى مداخلاته على بعض القنوات الأميركية.
وفوق ذلك فقد كان باراك أوباما واضحاً في بيان هذه المعاني عندما قال بعد مجزرة رابعة: "إن دائرة العنف والتصعيد بحاجة لأن تتوقف. إننا نناشد السلطات المصرية احترام الحقوق العالمية لشعبها. ونهيب بأولئك الذين يتظاهرون أن يفعلوا ذلك سلمياً ونحن ندين الهجمات التي شاهدناها من جانب المتظاهرين، بما فيها الهجمات على الكنائس. ونحن نعتقد أن حالة الطوارئ ينبغي أن تُرفع وأنه ينبغي الشروع في عملية مصالحة وطنية، وأنه يتعين أن يكون لجميع الأطراف والأحزاب رأي في مستقبل مصر، وأن حقوق النساء والأقليات الدينية ينبغي احترامها، وأنه يتعين المحافظة على التعهدات بمتابعة إدخال إصلاحات شفافة على الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية للمجلس التشريعي ولرئيس البلاد".
أما كم سيستغرق الوقت لجلوس الجميع على مائدة الحوار والتفاوض فإن الأمر يتعلق بتوفر بعض الشروط الموضوعية لعل أهمها:
1- إفراز قيادة سياسية داخل الإخوان تكون جديرة بثقة أميركا في القدرة على التحكم بالشارع الإسلامي والحد من مطالبه بتطبيق الشريعة. أي إعادة ترتيب البيت الإخواني باستبعاد قيادات قديمة أسيرة شعارات وطروحات يمكن أن تتجاوب مع من يطالبوا بالسير نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، ولعل ما صرح به كمال الهلباوي، المنشق عن الإخوان، بعد اعتقال المرشد محمد بديع ما ينبئ بما يجري العمل له داخل جماعة الإخوان. فقد ذكر الهلباوي أن "الجماعة ليست كتلة واحدة.. ولا يمكن الحكم عليهم سريعاً بعد اعتقال المرشد"، وأضاف "أن القطاع العريض من شباب الجماعة يميلون إلى السلمية وينبذون العنف"، لافتاً إلى أن "مسار الجماعة يتوقف بشكل كبير على القيادة الجديدة لها". وأكد الهلباوي أن "تعيين الدكتور محمود عزت لن يغير كثيراً في الطريقة الإخوانية الحالية، إلا أن مزيداً من الشباب سيقف ضد التوجه القطبي الذي قاد الجماعة خلال فترة تولى بديع إلى العنف والانخراط فيه، واكتساب كراهية الشعب المصري".
2- إدراك النخبة العلمانية الإستئصالية أن بقاء مصر تحت حكم العسكر أمر لا يمكن الإستمرار فيه إلا بدفع تكاليف باهظة من الخسائر في الإقتصاد المصري والعزلة الدولية وعدم الإستقرار السياسي. وقد بدأت أميركا في اتخاذ بعض الإجراءات من بينها ما ذكره المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست الذي قال أن اعتقال بديع هو "الخطوة الأحدث في سلسلة الخطوات التي تقوم بها الحكومة المصرية والتي لا تعكس التزامها بعملية سياسية جامعة"، وأضاف إرنست إن مراجعة المساعدات الأميركية لمصر لم تنته بعد، مشيراً إلى أن واشنطن اتخذت عدة إجراءات رداً على الإطاحة بمحمد مرسي ومنها تعليق تسليم أربع طائرات إف-16 للجيش، وإلغاء مناورات النجم الساطع وتعليق بعض المساعدات الاقتصادية.
3- تحجيم دور الجيش وإفهام قادته أن عليهم أن يقتنعوا بأن دورهم يوجد في الثكنات العسكرية وليس في قصور الحكم. ومن ثم فإن عليهم أن يُعِدوا أنفسهم للإنسحاب من الحياة السياسية عاجلاً أو آجلاً. ولعل المجازر الفظيعة التي ارتكبوها بحق الناس واقتحام المساجد والتواطؤ مع "إسرائيل" في سيناء كفيل بنزع هالة الإحترام التي ظل يحتفظ الجيش بها منذ "حرب أكتوبر". وهنا يمكن أن تستعمل أميركا سيف العقوبات مع الجيش المصري، فبالرغم من أن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية جوش إرنست ذكر أن أي قرار لم يتخذ حتى الآن في شأن تعليق هذه المساعدات إلا أن تقارير صحيفة نقلت عن ديفيد كارل مساعد السيناتور باتريكليهي عضو مجلس الشيوخ الأميركي أن واشنطن قررت بشكل سري وقف المساعدات المقدمة للجيش المصري مؤقتاً دون الإعلان عن ذلك تماشياً مع قانون وقف المساعدات في حالة الإنقلاب. وأضاف كارل: "لجنة المخصصات الخارجية الأميركية تم إبلاغها بـ "إيقاف نقل المساعدات العسكرية"، مشيراً إلى أن قرار التعليق يعكس "إجراءً راهناً، وليس بالضرورة سياسة رسمية"، مردفاً أنه لا توجد إشارة حول متى سيستمر إيقاف المساعدات. وكانت إدارة أوباما قد ذكرت أنها بصدد مراجعة المساعدات في مصر على ضوء "إقصاء" مرسي في 3 يوليو/تموز، والقمع المستمر ضد مؤيديه. وقالت متحدثة الخارجية الأميركية جنيفر ساكي إن واشنطن لم تسلم لمصر 585 مليون دولار لعام 2013، وهو يماثل نصف إجمالي المساعدات العسكرية.
وهنا قد يرد سؤال وهو أن رجوع الإخوان الآن للحكم بات مستحيلاً وبخاصة مع شيطنة الإعلام المصري لهم، وبالتالي فلا يرجى عودتهم إلا بعد سنوات طويلة قياساً على ما حدث في تركيا؟ ومع أن طرح هذا السؤال يبدو مشروعاً، وبخاصة بالنظر إلى ما ذكره باراك أوباما في خطابه يوم 15/8/2013 عندما قال: "ومن آسيا إلى الأميركتين إننا نعرف أن التحولات الديمقراطية لا تقاس بالشهور أو حتى السنوات ولكن في بعض الأحيان بامتداد الأجيال"، إلا أن مقارنة واقع مصر بتركيا لا يستقيم من الناحية السياسية ليس فقط من باب خطورة القياس المنطقي أو العقلي أو الشمولي على سلامة الرأي السياسي بل أيضا لأن ما يجري في مصر حالياً يختلف عما جرى سابقاً في تركيا سواء من حيث سياقه التاريخي أو الجغرافي أو من حيث اختلاف طبيعة المؤسسة العسكرية في كلا البلدين.
فمن ناحية السياق التاريخي فإن أميركا يبدو عليها السعي للعودة بمصر في أقرب وقت ممكن إلى الحياة "المدنية"، ويفهم هذا من تحريكها لدور مجلس الأمن والإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وإقحامهم في الأزمة المصرية، هذا فضلاً عن العقوبات التي يجري العمل على تنفيذها أو التي يتم التلويح بها. وهذا كله يساعد في التسريع بعملية المصالحة وانسحاب الجيش من الحياة السياسية ، والواضح أن أميركا في تحريكها للشعوب ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير تسعى لتحقيق مطالب تلك الشعوب التي ينبغي أن تكون قابلة للتحقيق وقريبة المنال ، وكل هذه الأمور لم نرها موجودة في تركيا عندما تم الإنقلاب على نجم الدين أربكان في 28/2/1997 وما تبع ذلك من انشقاق رموز جيل الشباب وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان وعبد الله غول وتأسيسهم لحزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى الحكم بعد خمس سنوات فقط من سقوط أربكان أي في العام 2002.
أما من ناحية السياق الجغرافي فإن الأحزاب التي أسسها أربكان (حركة الرأي الوطني، حزب الرفاه، حزب الفضلة، حزب السعادة) وحزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان قد نشأت في بيئة سياسية شديدة العداء لكل ما له علاقة بالإسلام بسبب القبضة الحديدية التي فرضها كمال أتاتورك بعد إسقاطه للخلافة. ولهذا السبب وجدت هذه الأحزاب نفسها تقدم التنازلات تلو الأخرى إرضاءً للفئة العلمانية الحاكمة في تركيا وللغرب لتبديد مخاوفهم، إلى درجة أنه ذُكر أن حزب العدالة والتنمية قدم الورقة التأسيسية للحزب إلى السفارة الأميركية والبريطانية قبل أن يقدمها للدولة التركية. أما الحال في مصر فإن حركة الإخوان وغيرها من الأحزاب الإسلامية التي قبلت الدخول في اللعبة الديمقراطية لها حاضنة شعبية منذ أن وجدت. أما العلمانيون في مصر سواء في الإعلام والفن أو في الشرطة والجيش أو في القضاء والإقتصاد فهم ضد الإخوان والحركات الإسلامية على قاعدة فهمهم الكهنوتي للإسلام؛ وهذا على خلاف نظرائهم من العلمانيين الأتراك الذين يريدون إقصاء الإسلام من حياة الفرد قبل حياة المجتمع. وهذا هو الخط الأتاتوركي الإستئصالي الذي استطاع حزب العدالة والتنمية تجاوزه بدعم من أميركا عبر إدخال مفهوم "العلمانية المؤمنة".