muslem
13-07-2013, 01:14 AM
العدد 226 ، السنة العشرون ، ذو القعدة 1426هـ ، كانون الأول 2005م
أميركا وإعادة تأهيل العالم الإسلامي
لقد وجدت في السنوات القصيرة الأخيرة ظاهرة إغراق الساحة العالمية في المفاهيم والنظريات والفرضيات والمصطلحات مثل النظام العالمي الجديد، العولمة، وعسكرة العولمة، حرب الأيدولوجيا، الحرب على الإرهاب، الإصلاح، مشروع الشرق الأوسط الكبير، الحوار مع الإسلاميين المعتدلين، وأخيرا ظهرت نظرية الفوضى الخلاقة وترددت على ألسنة الساسة الأميركان. وستركز هذه المقالة على هذه النظرية وربطها بالحوار مع الإسلاميين المعتدلين.
يعتبر إدراك ومعرفة نوايا الولايات المتحدة المتمثلة بزعامة المحافظين الجدد أمراً في غاية الأهمية، خصوصاً لمن يسعون لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة التي لابد لها من أن تكون الدولة الأولى في العالم بلا منازع، حتى يتسنى لهم الحكم على فحوى الأعمال السياسية، والقدرة على اتخاذ وصنع القرار السياسي، والتأثير في الحلبة الدولية.
وحتى نستطيع تصور ما يدور في خلج قلوب الأميركان من نوايا سيئة تجاه العالم الإسلامي، لا بد لنا من بعض التفصيل في أفكار سياسية تبلورت في عقول الساسة الأميركان، قد تترجم إلى أعمال ممنهجة ومنمطة بأساليب خبيثة قد تخفى على كثير ممن يراقبون الأحداث السياسية.
سياسة اللااستقرار (نظرية الفوضى الخلاّقة أو البنّاءة) في الشرق الأوسط:
إن سياسة اللااستقرار سياسة جديدة أصبحت تتربع على الصفحات الأولى من الأجندة الأميركية عموماً، لاسيما فيما يتعلق بالشرق الأوسط ( وقد تنتقل إلى أميركا الجنوبية) وقد بدأت هذه السياسة منذ تولي الإدارة اليمينية الحكم في أميركا (المحافظون الجدد). ولإدراك خطورة هذه السياسة وما يندرج تحتها من برامج في الفترة الحالية لابد لنا من تصور ومعرفة التالي:
لقد كانت الولاية الأولى للإدارة الأميركية تتزعم منفردة حملة القضاء على الإرهاب بعد أحداث 11/9/2000م، وضرورة تغيير بعض الأنظمة بمنطق القوة العسكرية. وبعد أربع سنوات من هذه الحملة التي انطفأت شرارتها نوعاً ما، كان لابد للولاية الثانية من أن تغير من اسم الحملة إلى حملة القضاء على الاستبداد والديكتاتورية، ونشر الديمقراطية والحرية في العالم والإصلاح، ولكنها في مضمونها تحقق نفس الأهداف وزيادة، تلك الأهداف التي كانت تراودها ومازالت على الصعيد السياسي والاقتصادي خصوصاً.
وكما أبدعت الإدارة الأميركية اللعبة في فترة الولاية الأولى بجعل العالم يقف ضد الإرهاب، كان لابد من التفنن الإبداعي في الولاية الثانية؛ لتحقيق مزيد من الأهداف والمصالح، بجعل العالم ينفر من الديكتاتورية والاستبداد التي عانت منها أوروبا وأحلت بدلاً منها الحرية والديمقراطية. فكان مصطلح الفوضى الخلاّقة الذي يعبر عن سياسة اللااستقرار.
وحتى لا نطيل، فإن المقصود من الفوضى الخلاقة أو البناءة هي تفضيل اللااستقرار على الاستقرار( الذي بات لا يلبي مطامع أميركا ونواياها في المنطقة) بدرجة معينة تقبلها الولايات المتحدة الأميركية، بحيث يتم تحريك الركود والجمود السياسي في المنطقة. وقد قدم روبرت ساتلوف (كان مستشاراً في مجلس الأمن القومي، والمدير التنفيذي "لخزان الأفكار" معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التابع للوبي اليهودي. وجاء كثير من خبراء اللوبي اليهودي من هذه المؤسسة مثل مارتين إنديك). دراسة من حلقتين تتناول تقييم هذه السياسة بعد تداعيات اغتيال الحريري، وما هو الواجب على الإدارة الأميركية عمله في سوريا ولبنان على وجه الخصوص (يفهم من التقرير أن اغتيال الحريري فُرض على أميركا). ولأن التركيبة اللبنانية مختلفة عن سائر الدول، كان التقرير مقتصراً على سوريا ولبنان، ولكن هذا لايعني أن لا تعمم أميركا هذه النظرية على سائر الدول، وتشرع إلى إخراجها إلى حيز التطبيق مثل العراق، وهذا ما نبهت إليه كونداليزا رايس بشان العراق أنها تفضل الفوضى القليلة (ولسنا في معرض التفصيل على ما يحاك لكل دولة بحد ذاتها) ولكن ما هي الدوافع التي دفعت أميركا لتبني هذه السياسة، وما علاقتها بمشروع الشرق الأوسط الكبير؟
إنه يمكن وضع الدوافع التالية التي يراد تحقيقها من اختراع وتطبيق الفوضى الخلاّقة:
1- بقاء الوضع في العالم الإسلامي على ما هو عليه لم يعد أمرا مقبولاً في أروقة السياسة الأميركية؛ لذلك كان لابد من تغييره بشتى الأساليب والوسائل، سواء أكان عن طريق القوة الاقتصادية، أم القوة العسكرية، أم القوة الشعبية؛ ليحقق مصالح أميركا المتشعبة في المنطقة بشكل فعّال، وقد قامت أميركا بتغيير بعض الأنظمة مثل العراق وأفغانستان بالقوة العسكرية، على اعتبار أن ينتج عنه انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، والدخول في حالة الفراغ السياسي المؤقت، والهدف من ذلك إيجاد بديل جديد يحمل مشاريع أميركا في المنطقة، ويكون له مد جماهيري وشعبي مستساغ.
2- ضرورة فتح قنوات مع شعوب المنطقة بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر أي غير ملموس، من خلال تكتلات وحركات مقبولة أميركياً (بغض النظر عن منظومتها الفكرية وميولها الإسلامية) وذلك لشعور أميركا بأن الشعوب وصلت إلى حالة شديدة من الاحتقان ضد كل ما تقوم به أميركا في المنطقة وخصوصاً دعمها المطلق لكيان يهود، وضد أدواتها من الحكام العرب، وما يدلل على هذا صدور أكثر من تقرير في هذا المجال مثل التقرير الذي أصدره الخبير السياسي الأميركي إدوارد جرجيان بعنوان "دور الدبلوماسية الأميركية بمعركة كسب العقول والقلوب"، وتقرير آخر بعنوان "من الصراع إلى التعاون: كتابة فصل جديد في العلاقات الأميركية العربية" وأصدرته لجنة استشارية أشرف على عملها مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، وأبرز ما يطالب التقرير به هو تقوية العلاقات التبادلية مع الشعوب العربية من خلال المنح المتبادلة، والاستثمار في جيل القيادات العربية القادم. والهدف من ذلك السيطرة على الشعوب، وجعلها أداة بيد أميركا تنفذ ما تريده، سواء بالانقلابات أم بمعارضة مشاريع لدول كبرى غير أميركا، أي جر الشعوب إلى تنفيذ مخططاتها، وبذلك تتحكم بإرادة الشعوب. فأميركا لم تعد تكتفي بالعمالة.
3- القليل من الفوضى التي يجب أن تبلغ درجتها النسبة التي ترضاها أميركا ليس أمراً سيئاً؛ لأنها ستقضي على الوضع القائم، وتكون بداية لولادة الديمقراطية في المنطقة. ولا بد من وضع الثقة بالمؤسسات النيابية، وهذا ما صرحت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في مقابلة صحفية مع الواشنطن بوست في 22/4/2005م، وذلك في رد على سؤال أحد الصحفيين، فيما إذا كانت متأكدة من ايجابية النتائج المترتبة على انتقال الديمقراطية إلى المنطقة العربية؛ وذلك بقولها إن طبيعة المصالح الأميركية تقتضي تحريك الركود الذي يسود المنطقة بالقدر الذي لا يسمح بالانزواء الفوري للأنظمة الراهنة، وهذه هي لعبة الفوضى الخلاّقة، وأيضاً ما قالته في محاضرة في الجامعة الأميركية بالقاهرة "إن أميركا أخطأت على مدار ستين عاماً من الحفاظ على الاستقرار في المنطقة".
4- جعل المنطقة تعج بتيارات فكرية متعددة ضمن إطار الديمقراطية وحقوق الإنسان (الحضارة الغربية) ومن ضمن هذه التيارات والتموجات الفكرية الإسلامُ المعتدل الذي يوافق أفكار الغرب ولا يعارضها، وقد بات ظاهراً أن الإسلام المعتدل دخل في مرحلة الغزل الأميركي، وأن الولايات المتحدة أصبحت لا تخشى ظهور الحركات الإسلامية بشكل مؤثر على الساحة السياسية والدولية، بل تحاول استغلاله.
5- تحقيق مكاسب اقتصادية مدخلها الديمقراطية.
أما عن الترابط بين الفوضى الخلاّقة وشعار القضاء على الاستبداد والديكتاتورية ونشر الديمقراطية، فإن نشر الديمقراطية يتطلب تعدد وجهات النظر المتناقضة والمختلفة، مما يدفع المنطقة إلى مزيد من التشظي والنـزاعات، ويجعل المنطقة في حالة من التوتر من خلال اللعب بورقة الحرية والإرهاب الفكري والأقليات، وهذا كله يظهر في الاستراتيجية الأميركية التي تتبعها في منطقتنا بعد توصية ريتشارد هاس(مدير التخطيط في وزارة الخارجية وسفير متجول، ويعمل كذلك مديراً لبرامج الأمن القومي ومسؤولاً رفيعاً في مجلس العلاقات الخارجية. وكان أحد الصقور المساندين لإسرائيل في إدارة بوش الأب حيث يعمل في مجلس الأمن القومي. وهو أيضا من الداعمين بشدة لشن حرب على العراق، وهو عضو في جماعة دراسات الأمن القومي بوزارة الدفاع) وذلك بما يلي:
1) سعي واشنطن لوضع "برنامج سري" لتشجيع الديمقراطية.
2) فرض الديمقراطية لن يكون بشكل ثوري ولكن بشكل تدريجي وحسب ما يناسب كل بلد.
3) تشجيع الديمقراطية سيكون بالدعم المالي الذي ستقدمه واشنطن للحكومات بهدف توسيع دائرة النمو الاقتصادي.
4) استعداد واشنطن للقبول بمعضلة الديمقراطية المتمثلة في وصول حزب إسلامي للحكم عبر الانتخابات.
5) هدف أميركا من تعزيز الديمقراطية هو الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والخوف من انفجار متوقع في هذه البلدان "من أحزاب مخلصة"
يقول هاس: "إن الأساس المنطقي الأميركي في تشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي هو في نفس الوقت لمصلحتنا ولمصلحة الغير، فالمزيد من الديمقراطية في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية هو أمر جيد للشعوب، ولكنه أيضا جيد بالنسبة للولايات المتحدة، فالبلدان المبتلاة بالجمود الاقتصادي والافتقار إلى فرص عمل، وبالأنظمة السياسية المنغلقة، وبالسكان المتكاثرين، ستكون تربة خصبة لخروج المتطرفين، فلابد من بناء الديمقراطية من الداخل دون فرضها من الخارج، وتقديم المساعدات اللازمة، وسماع شكاوى الشعوب".
وبسبب أهمية وخطورة هذا التقرير، فإننا سنكمل مع هاس باقتباس أخر مطول، حيث يقول: "نحن ندرك تماما عندما نشجع الديمقراطية أن التحرك المفاجئ نحو الانتخابات الحرة في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية قد يأتي بالأحزاب الإسلامية إلى الحكم، وحتى لا نترك مجالاً لسوء الفهم، فإن الولايات المتحدة لا تعارض الأحزاب المسيحية واليهودية والإسلامية في الديمقراطيات ذات الأسس العريضة، ودليل ذلك طريقة استقبالنا لنتائج الانتخابات في تركيا، وقد عبر رئيس وزراء تركيا عبدا لله غول بعد أدائه القسم «نريد أن نثبت أن الهوية الإسلامية يمكن أن تكون ديمقراطية وشفافة وتتماشى مع العالم المعاصر» إذاً فأميركا تريد أن يكون حزب العدالة والتنمية هو النموذج الذي يجب الإقتداء به.
أميركا وإعادة تأهيل العالم الإسلامي
لقد وجدت في السنوات القصيرة الأخيرة ظاهرة إغراق الساحة العالمية في المفاهيم والنظريات والفرضيات والمصطلحات مثل النظام العالمي الجديد، العولمة، وعسكرة العولمة، حرب الأيدولوجيا، الحرب على الإرهاب، الإصلاح، مشروع الشرق الأوسط الكبير، الحوار مع الإسلاميين المعتدلين، وأخيرا ظهرت نظرية الفوضى الخلاقة وترددت على ألسنة الساسة الأميركان. وستركز هذه المقالة على هذه النظرية وربطها بالحوار مع الإسلاميين المعتدلين.
يعتبر إدراك ومعرفة نوايا الولايات المتحدة المتمثلة بزعامة المحافظين الجدد أمراً في غاية الأهمية، خصوصاً لمن يسعون لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة التي لابد لها من أن تكون الدولة الأولى في العالم بلا منازع، حتى يتسنى لهم الحكم على فحوى الأعمال السياسية، والقدرة على اتخاذ وصنع القرار السياسي، والتأثير في الحلبة الدولية.
وحتى نستطيع تصور ما يدور في خلج قلوب الأميركان من نوايا سيئة تجاه العالم الإسلامي، لا بد لنا من بعض التفصيل في أفكار سياسية تبلورت في عقول الساسة الأميركان، قد تترجم إلى أعمال ممنهجة ومنمطة بأساليب خبيثة قد تخفى على كثير ممن يراقبون الأحداث السياسية.
سياسة اللااستقرار (نظرية الفوضى الخلاّقة أو البنّاءة) في الشرق الأوسط:
إن سياسة اللااستقرار سياسة جديدة أصبحت تتربع على الصفحات الأولى من الأجندة الأميركية عموماً، لاسيما فيما يتعلق بالشرق الأوسط ( وقد تنتقل إلى أميركا الجنوبية) وقد بدأت هذه السياسة منذ تولي الإدارة اليمينية الحكم في أميركا (المحافظون الجدد). ولإدراك خطورة هذه السياسة وما يندرج تحتها من برامج في الفترة الحالية لابد لنا من تصور ومعرفة التالي:
لقد كانت الولاية الأولى للإدارة الأميركية تتزعم منفردة حملة القضاء على الإرهاب بعد أحداث 11/9/2000م، وضرورة تغيير بعض الأنظمة بمنطق القوة العسكرية. وبعد أربع سنوات من هذه الحملة التي انطفأت شرارتها نوعاً ما، كان لابد للولاية الثانية من أن تغير من اسم الحملة إلى حملة القضاء على الاستبداد والديكتاتورية، ونشر الديمقراطية والحرية في العالم والإصلاح، ولكنها في مضمونها تحقق نفس الأهداف وزيادة، تلك الأهداف التي كانت تراودها ومازالت على الصعيد السياسي والاقتصادي خصوصاً.
وكما أبدعت الإدارة الأميركية اللعبة في فترة الولاية الأولى بجعل العالم يقف ضد الإرهاب، كان لابد من التفنن الإبداعي في الولاية الثانية؛ لتحقيق مزيد من الأهداف والمصالح، بجعل العالم ينفر من الديكتاتورية والاستبداد التي عانت منها أوروبا وأحلت بدلاً منها الحرية والديمقراطية. فكان مصطلح الفوضى الخلاّقة الذي يعبر عن سياسة اللااستقرار.
وحتى لا نطيل، فإن المقصود من الفوضى الخلاقة أو البناءة هي تفضيل اللااستقرار على الاستقرار( الذي بات لا يلبي مطامع أميركا ونواياها في المنطقة) بدرجة معينة تقبلها الولايات المتحدة الأميركية، بحيث يتم تحريك الركود والجمود السياسي في المنطقة. وقد قدم روبرت ساتلوف (كان مستشاراً في مجلس الأمن القومي، والمدير التنفيذي "لخزان الأفكار" معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التابع للوبي اليهودي. وجاء كثير من خبراء اللوبي اليهودي من هذه المؤسسة مثل مارتين إنديك). دراسة من حلقتين تتناول تقييم هذه السياسة بعد تداعيات اغتيال الحريري، وما هو الواجب على الإدارة الأميركية عمله في سوريا ولبنان على وجه الخصوص (يفهم من التقرير أن اغتيال الحريري فُرض على أميركا). ولأن التركيبة اللبنانية مختلفة عن سائر الدول، كان التقرير مقتصراً على سوريا ولبنان، ولكن هذا لايعني أن لا تعمم أميركا هذه النظرية على سائر الدول، وتشرع إلى إخراجها إلى حيز التطبيق مثل العراق، وهذا ما نبهت إليه كونداليزا رايس بشان العراق أنها تفضل الفوضى القليلة (ولسنا في معرض التفصيل على ما يحاك لكل دولة بحد ذاتها) ولكن ما هي الدوافع التي دفعت أميركا لتبني هذه السياسة، وما علاقتها بمشروع الشرق الأوسط الكبير؟
إنه يمكن وضع الدوافع التالية التي يراد تحقيقها من اختراع وتطبيق الفوضى الخلاّقة:
1- بقاء الوضع في العالم الإسلامي على ما هو عليه لم يعد أمرا مقبولاً في أروقة السياسة الأميركية؛ لذلك كان لابد من تغييره بشتى الأساليب والوسائل، سواء أكان عن طريق القوة الاقتصادية، أم القوة العسكرية، أم القوة الشعبية؛ ليحقق مصالح أميركا المتشعبة في المنطقة بشكل فعّال، وقد قامت أميركا بتغيير بعض الأنظمة مثل العراق وأفغانستان بالقوة العسكرية، على اعتبار أن ينتج عنه انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، والدخول في حالة الفراغ السياسي المؤقت، والهدف من ذلك إيجاد بديل جديد يحمل مشاريع أميركا في المنطقة، ويكون له مد جماهيري وشعبي مستساغ.
2- ضرورة فتح قنوات مع شعوب المنطقة بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر أي غير ملموس، من خلال تكتلات وحركات مقبولة أميركياً (بغض النظر عن منظومتها الفكرية وميولها الإسلامية) وذلك لشعور أميركا بأن الشعوب وصلت إلى حالة شديدة من الاحتقان ضد كل ما تقوم به أميركا في المنطقة وخصوصاً دعمها المطلق لكيان يهود، وضد أدواتها من الحكام العرب، وما يدلل على هذا صدور أكثر من تقرير في هذا المجال مثل التقرير الذي أصدره الخبير السياسي الأميركي إدوارد جرجيان بعنوان "دور الدبلوماسية الأميركية بمعركة كسب العقول والقلوب"، وتقرير آخر بعنوان "من الصراع إلى التعاون: كتابة فصل جديد في العلاقات الأميركية العربية" وأصدرته لجنة استشارية أشرف على عملها مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، وأبرز ما يطالب التقرير به هو تقوية العلاقات التبادلية مع الشعوب العربية من خلال المنح المتبادلة، والاستثمار في جيل القيادات العربية القادم. والهدف من ذلك السيطرة على الشعوب، وجعلها أداة بيد أميركا تنفذ ما تريده، سواء بالانقلابات أم بمعارضة مشاريع لدول كبرى غير أميركا، أي جر الشعوب إلى تنفيذ مخططاتها، وبذلك تتحكم بإرادة الشعوب. فأميركا لم تعد تكتفي بالعمالة.
3- القليل من الفوضى التي يجب أن تبلغ درجتها النسبة التي ترضاها أميركا ليس أمراً سيئاً؛ لأنها ستقضي على الوضع القائم، وتكون بداية لولادة الديمقراطية في المنطقة. ولا بد من وضع الثقة بالمؤسسات النيابية، وهذا ما صرحت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في مقابلة صحفية مع الواشنطن بوست في 22/4/2005م، وذلك في رد على سؤال أحد الصحفيين، فيما إذا كانت متأكدة من ايجابية النتائج المترتبة على انتقال الديمقراطية إلى المنطقة العربية؛ وذلك بقولها إن طبيعة المصالح الأميركية تقتضي تحريك الركود الذي يسود المنطقة بالقدر الذي لا يسمح بالانزواء الفوري للأنظمة الراهنة، وهذه هي لعبة الفوضى الخلاّقة، وأيضاً ما قالته في محاضرة في الجامعة الأميركية بالقاهرة "إن أميركا أخطأت على مدار ستين عاماً من الحفاظ على الاستقرار في المنطقة".
4- جعل المنطقة تعج بتيارات فكرية متعددة ضمن إطار الديمقراطية وحقوق الإنسان (الحضارة الغربية) ومن ضمن هذه التيارات والتموجات الفكرية الإسلامُ المعتدل الذي يوافق أفكار الغرب ولا يعارضها، وقد بات ظاهراً أن الإسلام المعتدل دخل في مرحلة الغزل الأميركي، وأن الولايات المتحدة أصبحت لا تخشى ظهور الحركات الإسلامية بشكل مؤثر على الساحة السياسية والدولية، بل تحاول استغلاله.
5- تحقيق مكاسب اقتصادية مدخلها الديمقراطية.
أما عن الترابط بين الفوضى الخلاّقة وشعار القضاء على الاستبداد والديكتاتورية ونشر الديمقراطية، فإن نشر الديمقراطية يتطلب تعدد وجهات النظر المتناقضة والمختلفة، مما يدفع المنطقة إلى مزيد من التشظي والنـزاعات، ويجعل المنطقة في حالة من التوتر من خلال اللعب بورقة الحرية والإرهاب الفكري والأقليات، وهذا كله يظهر في الاستراتيجية الأميركية التي تتبعها في منطقتنا بعد توصية ريتشارد هاس(مدير التخطيط في وزارة الخارجية وسفير متجول، ويعمل كذلك مديراً لبرامج الأمن القومي ومسؤولاً رفيعاً في مجلس العلاقات الخارجية. وكان أحد الصقور المساندين لإسرائيل في إدارة بوش الأب حيث يعمل في مجلس الأمن القومي. وهو أيضا من الداعمين بشدة لشن حرب على العراق، وهو عضو في جماعة دراسات الأمن القومي بوزارة الدفاع) وذلك بما يلي:
1) سعي واشنطن لوضع "برنامج سري" لتشجيع الديمقراطية.
2) فرض الديمقراطية لن يكون بشكل ثوري ولكن بشكل تدريجي وحسب ما يناسب كل بلد.
3) تشجيع الديمقراطية سيكون بالدعم المالي الذي ستقدمه واشنطن للحكومات بهدف توسيع دائرة النمو الاقتصادي.
4) استعداد واشنطن للقبول بمعضلة الديمقراطية المتمثلة في وصول حزب إسلامي للحكم عبر الانتخابات.
5) هدف أميركا من تعزيز الديمقراطية هو الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والخوف من انفجار متوقع في هذه البلدان "من أحزاب مخلصة"
يقول هاس: "إن الأساس المنطقي الأميركي في تشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي هو في نفس الوقت لمصلحتنا ولمصلحة الغير، فالمزيد من الديمقراطية في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية هو أمر جيد للشعوب، ولكنه أيضا جيد بالنسبة للولايات المتحدة، فالبلدان المبتلاة بالجمود الاقتصادي والافتقار إلى فرص عمل، وبالأنظمة السياسية المنغلقة، وبالسكان المتكاثرين، ستكون تربة خصبة لخروج المتطرفين، فلابد من بناء الديمقراطية من الداخل دون فرضها من الخارج، وتقديم المساعدات اللازمة، وسماع شكاوى الشعوب".
وبسبب أهمية وخطورة هذا التقرير، فإننا سنكمل مع هاس باقتباس أخر مطول، حيث يقول: "نحن ندرك تماما عندما نشجع الديمقراطية أن التحرك المفاجئ نحو الانتخابات الحرة في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية قد يأتي بالأحزاب الإسلامية إلى الحكم، وحتى لا نترك مجالاً لسوء الفهم، فإن الولايات المتحدة لا تعارض الأحزاب المسيحية واليهودية والإسلامية في الديمقراطيات ذات الأسس العريضة، ودليل ذلك طريقة استقبالنا لنتائج الانتخابات في تركيا، وقد عبر رئيس وزراء تركيا عبدا لله غول بعد أدائه القسم «نريد أن نثبت أن الهوية الإسلامية يمكن أن تكون ديمقراطية وشفافة وتتماشى مع العالم المعاصر» إذاً فأميركا تريد أن يكون حزب العدالة والتنمية هو النموذج الذي يجب الإقتداء به.