المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان الى الامة الاسلامية



ابو اسيد
23-05-2013, 03:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

بيان إلى الأمة الإسلامية

تتداعى كثير من الدول هذه الأيام وعلى رأسها أميركا وروسيا وبشكل متسارع لعقد المؤتمرات واللقاءات حول مستقبل سوريا، كما وتتركز التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف2 بعد سنة من عقد جنيف1، وسيلتقي بعد ذلك أوباما وبوتين في دبلن خلال قمة الثماني وسيكون الموضوع السوري على جدول لقائهما.ويأمل كثير من الناس من تلك اللقاءات وبخاصة بين أميركا وروسيا أن تسفر عن حل للوضع في سوريا، حيث سبق أن التقى وزير الخارجية الأميركي كيري بوزير خارجية ورئيس روسيا مطلع هذا الشهر، وكانت قد حصلت تفاهمات بينهما وتم توجيه الأنظار إلى عقد مؤتمر جنيف2 مطلع الشهر القادم. والحقيقة أن الحرص الذي تبديه دول العالم وبخاصة أميركا لم يكن بدافع إنساني لإنهاء معاناة الناس في سوريا؛ بل ولا يتبادر ذلك إلى أذهانهم، وبخاصة إذا تعلق الأمر بمصير المسلمين وبلادهم. والراجح أن ما تم بين أميركا وروسيا إنما هو صفقة تتعلق بمصالحهما في سوريا والمنطقة.فأميركا تريد تنفيذ مشروعها للشرق الأوسط الذي سيبقيه ويبقي سوريا تحت حكم علماني، ويجعل البلد مهيأة للتقسيم في أي وقت تقتضيه مصالحها بعد أن ركزت الفصل الطائفي الداخلي بين العلويين وغيرهم، وعززت الفصل المذهبي الذي سعت وما زالت مستمرة في تركيزه على مستوى المنطقة بين ما يطلق عليهم "السنة" و"الشيعة". وإن ما تنفذه من مشروعها الذي تصور فيه أميركا نفسها أنها نصيرة شعوب المنطقة إنما تخدم فيه مصالحها وحسب، وذلك حتى تبقى سيدة هذا القرن تتفرد فيه بقيادة العالم والسيطرة على النصيب الأكبر من مقدراته.وإن أميركا تخص بلاد المسلمين بالكثير من اهتمامها لسببين رئيسيين:أولهما: أن الخطر على أميركا ومزاحمتها في قيادة العالم كامن في بلاد المسلمين لقوة العقيدة الإسلامية وقدرتها دون غيرها في إمكانية جمع المسلمين وإعادة مجد دولتهم الكبرى التي كانت الدولة الأولى في العالم لقرون طويلة حتى هدمها الكافر المستعمر بداية القرن الماضي. وثانيهما: الاستيلاء على مقدرات بلادنا الهائلة والتحكم فيها وبخاصة ثروات النفط والغاز.أما روسيا فإنها من دول الكفر التي يخدمها إبقاء بلاد المسلمين في حالة الضعف الشديد، وهي تقف في وجه مشروع أميركا؛ لأن أول ما تخشاه هو انتقال عدوى ما يطلق عليه بالربيع العربي إلى الجمهوريات التي يقطنها المسلمون والتي تقع ضمن النطاق الحيوى الروسي، زيادة عن أن تلك الجمهوريات تزود روسيا بالطاقة والخامات المختلفة اللازمة لصناعاتها.كما أن روسيا تصارع من أجل امتيازات التنقيب واستخراج الغاز المكتشف حديثاً على سواحل المتوسط فضلاً عن الطمع في استثمار وافر في نفط شمال سوريا، حيث أعلنت روسيا أنها على أتم الاستعداد للاستثمار في منشأة غاز مسيل عائمة في مياه المتوسط بكلفة تصل إلى نحو 5 مليارات دولار، عبر شركتها العملاقة «غازبروم» التي وقعت على الاتفاقية وتنتظر الموافقة النهائية من الجانب الآخر. وبالإضافة إلى ذلك كله فإن روسيا تريد المحافظة بكل طاقتها على قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري، وعلى ظهورها كمؤثرة في القرار الدولي.أما دول أوروبا الأخرى فهي تعرف أن عودة الدولة الإسلامية إلى الوجود سيشكل خطراً محدقاً بها وخطراً على مصالحها؛ لذلك فهي تسارع في مساندة ودعم أميركا في مشروعها من هذا الجانب البالغ الأهمية بالنسبة لها، فضلاً عن إمكانية حصولها على حصة من ثروات المنطقة وسوقها الاستهلاكي الكبير.وعلى ذلك فإن من يظن أن تحركات تلك الدول المباشرة أو غير المباشرة عبر أدواتها الصغيرة في بلادنا فيه أدنى مصلحة يتوخونها لنا إنما هو غارق في الوهم.فتقسيم سوريا مثلا هو إضعاف للمسلمين وإشغال لهم بمشاكل لا حدود لنهايتها داخل بلادهم، وحتى التوصل إلى انتقال سلمي للسلطة في سوريا موحدة سيظهر كل دول الكفر التي ستشارك في الحل في دور المنقذ الذي يمن على أهل سوريا والمنطقة بعودة الهدوء والأمن والاستقرار الذي تسببوا هم أصلاً في زعزعته وضربه سواء بوجود عملائهم في حكم بلاد المسلمين بعد هدم الخلافة ورعايتهم لأولئك العملاء طيلة العقود الماضية، أو بإشعالهم للفتنة بين المسلمين حتى قتلوا وشردوا بعضهم وتسببوا في تلك المصائب التي لا تعد ولا تحصى.

أيها المسلمون..

لقد استطاعت أميركا الفاجرة ومن ورائها معسكر الكفر أن تقطع شوطاً واسعاً في تنفيذ مشروعها الذي أطلقت عليه اسم مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكان نجاحها باهراً في إبقاء النظم العلمانية تحت مسمى جديد هو "الدولة المدنية" بعد خداع الناس بتصوير "الدولة المدنية" مطلباً لهم استطاعوا إنجازه بعد بذلهم الدماء والتضحيات، وبخاصة بعد إسباغ مسحة إسلامية على شكل الحكم الجديد.كما استطاعت أميركا الفاجرة أن تثير الفتن المذهبية والعرقية بين المسلمين وتجعلها قابلة للاستثمار في الوقت الذي تقتضيه مصالحها، وليس أدل على نجاحها من هذا القتال المحتدم على أشده في سوريا والتفجيرات اليومية في العراق، بل وما يمكن أن يطال لبنان وغيرها من بلاد المسلمين من قتال جراء فتن أميركا السوداء.وتهدف أميركا من أفعالها المجرمة تلك إلى إبقاء المسلمين في حالة من الضعف الشديد بحيث لا يمتلكون القوة والقدرة على مواجهتها أو منافستها على قيادة هذا العالم بعد أن خططت أن تبقى سيدته لهذا القرن من غير منازع.

أيها المسلمون..

لم يكن لأميركا ومن ورائها معسكر الكفر أن تنجح فيما خططت له لولا اختراقها لعقول كثير من أبناء المسلمين، وإيهامهم أن ما يفعلونه هو عين الحق، واستطاعت أن تحول ذلك الوهم في أذهانهم إلى واقع يعيشونه ويستميتون في الدفاع عنه.فكيف يرضى أبناء المسلمين في سوريا أن يدخلوا في قتال فتنة يذبح الناس بعضهم بعضاً بكل وحشية وحقد ويدمروا مقدرات البلاد بأيديهم، وأعداؤهم ينظرون بدم بارد إلى تلك المجازر التي كانوا هم سبباً في إثارتها؟!وكيف يرضى أبناء المسلمين في العراق أن ينساقوا وراء من يدمرون المساجد ويفجرون بيوت العزاء، فيقتتلون ويرتكبون المجازر بحق بعضهم بعضاً؟!بل كيف يسمح أبناء المسلمين في سوريا والعراق لحفنة من الحكام الخونة وزمرة من قادة الأحزاب الذين تأكدت عمالتهم لأميركا وتبعيتهم لدول الكفر أن يسوقوهم سوقاً في اتجاه تنفيذ مشاريع الكفار في تقتيل المسلمين بعضهم بعضاً وتمزيق رابط الأخوة الإسلامية بينهم وإلهائهم عن قضاياهم المصيرية؟!وأخيراً، كيف يرضى مسلمو لبنان وتركيا والأردن والسعودية ومصر وليبيا وتونس أن يندفع أبناؤهم ليشتركوا في قتال الفتنة في سوريا أو العراق دون أن يدركوا المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين؟!

أيها المسلمون..

لقد من الله عليكم بالإسلام العظيم الذي أبعد عنكم نخوة الجاهلية وهدم العصبية للقوم، فجعل العقيدة الإسلامية هي وحدها الرباط الذي يجمعنا، وجعلنا أمة واحدة من دون الناس. ولم يفاضل الإسلام في عهد النبي القدوة صلى الله عليه وسلم بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، فكان بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي ومحمد بن عبد الله الهاشمي أخوة في دين الله. فالإسلام يذوب الأعراق كلها في رابطة الأخوة الإسلامية، ولا يفاضل بين عربي أو كردي أو هندي أو تركي أو غير ذلك من الأعراق إلا بالتقوى.والإسلام الذي جاء به محمد عليه السلام أقر الاختلاف بين المسلمين في فهم بعض نصوص الشرع، وكان ذلك الاختلاف في الفهم طبيعياً منذ عهد الرسول الكريم وإلى يومنا هذا، ولم يكن الاجتهاد إلا حياة للفكر الإسلامي بينما كان إغلاقه سبباً في انحطاط الفكر عند المسلمين.فاختلاف المسلمين ووجود المذاهب من مالكي أو جعفري أو شافعي أو غير ذلك أمر مشروع ومن الجهل اعتباره مدعاة للفرقة أو الاحتراب بين المسلمين.واختلاف المسلمين في فهم الإسلام لا يصح فيه أن يكفر بعضهم بعضاً فضلاً عن أن يستحلوا دماءهم بسببه. ولقد احترز علماء المسلمين بشكل كبير قبل إطلاق وصف الكفر على مسلم، ما لم تقم البينة القاطعة على خروجه من الدين، ونقضه لعراه القاطعة. فلم يكفر المسلمون معاوية بن أبي سفيان مثلاً لأمره بلعن علي كرم الله وجهه على المنابر تحت طائلة العقاب، وإنما يحكم بإثم من يفعل ذلك كما يحكم بإثم من يسب أحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.وكل من يبتدع في الدين شيئاً فإن على إمام المسلمين وعلماء الأمة أن يعملوا على تقويمه، ورد بدعته بحجج الشرع، وإشاعة الوعي بين المسلمين.ومن الحمق والجهل أو الخبث والخيانة أن يجري التحريض على الفتنة بين المسلمين لأن "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".ومن السذاجة وقلة العقل أو الخيانة العظمى أن ينساق المسلمون في تنفيذ مخططات الكفار التي لا ينتج عنها سوى هلاك العباد وخراب البلاد والخضوع والذلة للكفار.فهل يفيق المسلمون من غفلتهم، ويوجهوا سلاحهم نحو عدوهم الحقيقي؟!!وهل آن الأوان أن يدركوا مكر الكفار بهم من أميركان وغيرهم من معسكر الشيطان، ويشمروا عن سواعد الجد لدفع مكرهم، وإحباط مساعيهم، ورد كيد الكفار إلى نحورهم؟!!!وهل يدرك المسلمون أنهم من دون الإسلام سيبقون في الحضيض والمكانة الدنيا بين الأمم فضلاً عن عذاب الله لتقصيرهم في حمل رسالة الإسلام إلى العالم وعيشهم أعزاء في ظله؟!!

أيها المسلمون..

هل من وقفة صادقة مع أنفسنا نتمعن فيها إلى أي هاوية يجري جرُّنا؟؟ ولمصلحة من تسيل كل تلك الدماء الزكية؟!! ومن هو المستفيد الحقيقي من تدمير البلاد؟!! وهدر الأموال على قتال أعمى؟!!لماذا يكفر المسلم أخاه ويقاتله وكل منهما يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعتنق العقيدة الإسلامية؟!!إن أميركا ومن ورائها دول الكفر كافة يفرحهم ويشفي صدورهم أن يستبيح المسلمون دماء بعضهم بعضاً، ويدمروا مقدرات بلادهم، فضلاً عن أن إشغال المسلمين بأنفسهم يبعد تفكيرهم عن أعدائهم الحقيقيين.فهل نتقي الله في أنفسنا، وندرك إدراكاً حقيقياً ما يكاد لنا فتتوقف عن نحر أبنائنا وتدمير مقدرات بلادنا ، ونكون يداً واحدة، تحت راية الإسلام في وجه أميركا ومعسكر الكفر؟!!.

{ويخزهم وينصركم عليهم ، ويشف صدور قوم مؤمنين}

12/رجب/1434هـ

22/5/2013م

حزب التحرير