مشاهدة النسخة كاملة : حول مشروعية العمل الخيري والرد على المانعين
بوفيصيل
24-03-2013, 06:31 PM
حول مشروعية العمل الخيري والرد على المانعين
أغربُ ما قرأتُه من الاستدلالات المغلوطة بالنصوص الشرعية، هو تحريم بعض الإخوة لإقامة الجمعيات الخيرية وأي عمَلٍ في رعاية شؤون المسلمين والقيام على مصالحهم بصفة جماعية مستدامة، واستدلُّوا على هذا التحريم الباطل بقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه))؛ فقالوا: إن الحديث يُفيد حصرَ رعاية شؤون الأمة في الإمام (الخليفة)، وعليه؛ فلا يجوز أن يقوم أحد بأي عمل من رعاية شؤون الأمة؛ لأنه محصور في الإمام!
قلتُ: سبحان الله! ما أعجبَ هذا الاستدلالَ وما أشدَّ بُطلانَه! وذلك على ثلاثة أوجه:
1- أن الحديث لم يأتِ لتحريم ذلك أصلاً، والشطر المنقول مبتورٌ عن السياق الكامل له، والسياق الكامل للحديث كما في رواية البخاري: عن عبدالله بن عمر أنه سَمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ في أهلِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والمرأةُ في بيتِ زوجِها راعيةٌ وهي مسؤولةٌ عن رعيتِها، والخادمُ في مالِ سيدِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه))، قال: فسمعتُ هؤلاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحسِبُ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والرجلُ في مالِ أبيه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه))؛ صحيح البخاري.
فهو يفيد أن كلَّ مَن استُرعيَ في أمرٍ ما، سوف يُسأل يوم القيامة عما استُرعي فيه؛ ولذلك رأينا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخشى السؤال عن شاة تموت بشطّ الفرات فيقول: "لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننتُ أن الله - عز وجل - سائلي عنها يوم القيامة"؛ (أبو نعيم في الحلية، 1/53)، ولا يفيد الحديث أيَّ حصرٍ لرعاية الشؤون في الإمام! ولو كان الأمر حصرًا لرعاية الشؤون لقيل: الإمام هو الراعي لشؤون أمّته؛ أي: أن تكون أداة الحصر واضحة، وأن يكون الحصر لرعاية الشؤون وليس للمسؤولية أمام الله - عز وجل!
2- لو فرضنا وجود أسلوب الحصر - ولا نُقِر وجوده - فالحصر ليس لـ "رعاية الشؤون"، وإنما لـ "المسؤوليّة"، أي: إن قُصارى ما سيُفيده الحصر - لو ثبت أصلاً - أن هذا الإمام هو الوحيد الذي سوف يُسأل يوم القيامة عن واجباته ومهامّه فيما استُرعيَ فيه، ولا يفيد الحصر أنه لا يجوز للمسلمين أن يتعاونوا على القيام بمصالحهم بصفتهم الفردية أو المؤسسية من دون الإمام أو الدولة، ولا يفيد تحريم إقامة الجمعيات الخيرية! وقد جاءت إحدى روايات الحديث بالشكل التالي: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، فالإمامُ يُسألُ عن الرجلِ، والرجلُ يُسألُ عن أهلِه، والمرأةُ تُسألُ عن بَيتِ زوجِها، والعبدُ يُسألُ عن مالِ سيِّدِه، ثمَّ قرأ:﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 6]؛ (الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 2/6)، فالحديث عن السؤال يوم القيامة عما استرعينا فيه.
3- يلزم صاحبَ هذا الاستدلال العجيب الباطل أن يكون الخادم هو الوحيد الذي له الحقُّ في رعاية شؤون سيّده! فقد جاء في الحديث كذلك: ((والخادمُ في مالِ سيدِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه))، فهل يفيد ذلك - وَفْقَ فَهْمهم لوجود الحصر - أنه لا يجوز لأحد غير الخادم أن يقوم برعاية شؤون مال السيد؟ حتى السيد نفسه لا يُمكِنه أن يقوم برعاية شؤون ماله؟! كما أنهم يحرِّمون على الأمة أن تقوم برعاية شؤون نفسها! فإن قالوا: نعم، فقد ظهر بُطلان الاستدلال جليًّا، وإن قالوا: لا، فالحديث إذًا لا يفيد الحصر، وفَهْمهم لذلك باطل!
والحق أن إقامة الجمعيات الخيرية التي تقوم على مصالح الأمة؛ ككفالة اليتيم، ورعاية الفقراء والمساكين والأرامل، ونشْر الدين من خلال طباعة الكتب، وإقامة الدروس الدعوية، والمحاضن التربوية ومعاهد تحفيظ القرآن، وإقامة المدارس والمساجد والمستشفيات وغيرها - الحقُّ أن هذه كلّها من أعمال الخير والبِر المأمور بها شرعًا بالنص، فقد جاء النصّ في الكتاب والسنة على استحباب رعاية الفقراء واليتامى والمساكين والأرامل، والأحاديث في ذلك معروفة لا يُنكِرها مسلم، وحثَّ كذلك على نشْر الدعوة والتعاون على ذلك، وعلى أعمال الخير عمومًا، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، وقال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].
والآيتان تُفيدان مشروعيَّة عمل الخير والبر، وكل عمل يدخل في معنى الخير؛ كالقيام على مصالح المسلمين ونشْر الدين، فهو خير، وتُفيدان كذلك مشروعية العمل على ذلك "جماعيًّا"، فعدا عن كون الخطاب موجَّهًا للأمة بضمير المخاطَبِين - الجماعة وليس الفرد - فإن الآية الثانية تنصّ على ضرورة "التعاون" على البر والتقوى، وكل ما يدخل في وصْف أعمال البِرّ والتقوى مشروعٌ أن يجتمع المسلمون على عمله.
وهناك أحاديث أخرى تُفيد مشروعية القيام بمصالح المسلمين وإعانتهم، بل تُوجِب ذلك، وهي موجَّهة إلى جميع أفراد الأمة المسلمة؛ فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم؛ يسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم، يَرَدُّ مُشِدُّهم على مُضْعِفِهم، ومُتَسَرِّيهم على قاعدهم، لا يُقتَل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده))؛ رواه أبو داود، فانظر إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم))، وانظر إلى قوله: ((يَرُدّ مشدّهم على مُضْعِفِهم ومتسرِّيهم على قاعدهم))، وتأمّل!
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن المؤمن للمؤمن كالبُنيانِ، يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا، وشَبَّك أصابِعَه))؛ صحيح البخاري، فانظر رحِمك الله كيف ينبغي أن يكون حال هذه الأمة من التعاون والرعاية والقيام على المصالح، فيرعى المسلم أخاه المسلم على أساس أنهم بنيان واحد مرصوص، يشد بعضه بعضًا.
وفي الحديث الصحيح كذلك: ((مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ)).
وعن عبدالله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله - عز وجل - سرورٌ تُدخِله على مسلم، تَكشِف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تَطرُد عنه جوعًا، ولأنْ أمشي مع أخ في حاجة، أحبُّ إليّ من أن أعتكِف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كَظَم غيظَه، ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومَن مشى مع أخيه في حاجة حتى يَقضيها له، ثبَّت الله قدميه يوم تَزول الأقدام))؛ (صحّحه الإمام الألباني في "صحيح الترغيب" و"السلسلة الصحيحة".
فهذه أحاديثُ صريحةٌ تُفيد كلها مشروعية بل وجوب قيام مِثل هذه الأعمال في الأمة، بل وانتشارها على أوسع نِطاق؛ ليتحقَّق مفهوم الجسد الواحد والبنيان الواحد، وليتحقَّق التضامن الاجتماعي الذي تميَّز به هذا الدين العظيم، وإنشاءُ الجمعيات الخيرية التي تقوم على مصالح المسلمين ورعاية شؤونهم عملٌ شرعي من هذا الباب.
أما الاستدامة، فاستدامة الأعمال هي أفضلها عند الله - عز وجل - فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((أدْومُه وإن قَلَّ))؛ صحيح مسلم.
وبذلك يظهر بُطلان هذا الاستدلال من هذه الأوجه القاطعة، وتَثبُت مشروعية الأعمال الخيرية الجماعية المستدامة، التي تسمَّى بالمؤسسات الخيرية أو الجمعيات الخيرية، فمهما اختلفت مسمَّياتها وأعمالها، فما دامت منضبِطة في إطار الشرع فهي مشروعة، وصفاتها تحديدًا:
1- فِعْل الخيرات، ونشْر الإسلام، والقيام على مصالح المسلمين، ورعاية محتاجيهم ومرضاهم ومساكينهم وفقرائهم.
2- القيام بهذه الأعمال بشكل جماعي تَعاوني فعَّال.
3- استدامة هذه الأعمال؛ فهذا مما قد ظهرت مشروعيَّته بشكل واضح كما بيَّنَّا، ونتساءل أخيرًا: ما الهدف من هذه الآراء المُبتدعة المخالِفة لمُحكَم النصوص الشرعية؟! ما الهدف من تعطيل العمل الخيري في الأمة، وطرْح هذه الأفكار الهدامة، وعلى وجه الخصوص في أوضاع ليس للأمة فيها دولةٌ ولا كِيانٌ يحفظ البيضة، ويحمي الحقوق، ويَصون الحُرُمات، ويُقيم الدين؟!
وبحسب هذه الفتوى الضالة فإنه لو أراد محسنٌ ميسور الحال أن يُقيم مستشفى يُعالج المسلمين مجانًا، فإن هذا محرَّم عليه؛ لأنه من أعمال رعاية الشؤون التي يختصُّ بها الخليفة وحده! ولو أراد آخر أن يقيم جمعية ترعى يتامى المسلمين وأراملهم وفقراءهم، فهو "آثمٌ" بعُرْفهم؛ لأنه عمِل عملاً لا يجوز إلا للخليفة!
نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يَعصِمنا من الزَّلل، ومن أهل الأهواء والبدع، أصحاب المقولات المخالِفة لصريح الكتاب والسنة، والمذاهب الهدَّامة المدمرة التي يؤدِّي انتشارها إلى تفكيك الكثير من أعمال الخير ورعاية مصالح المسلمين في كِيان الأمة، وهو نفس الهدف الذي يسعى إليه أعداء هذه الأمة من خلال تحجيم عملِ هذه الجمعيات المخلِصة الساعية إلى رِفْعة المسلمين ونهضتهم، ومحاربتها بما يُسمَّى "مصادرة العمل الخيري" وربْطه بتمويل الإرهاب زورًا وبهتانًا؛ للحد من انتشاره، ولتبقى الأمة أسيرة الشعارات والخطابات والأعمال الفردية، التي لا يمكن - على مشروعيتها - أن تؤدي وحدَها إلى نهضة أو تُحقِّق ريادة لهذه الأمّة.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/52212#ixzz2OTIDopZd
علي ما يبدو أن الذين لهم مآخذ علي حزب التحرير كثر فبدل أن تكون الأعمال تصب في مصلحة الإسلام اصبح هم الذين يروجون هذه الأفكار هو التعطيل بدل الأخذ بنهضة الأمة ولا يحضرني هنا إلا ماقاله الإمام الشافعي رحمه الله في الإمام احمد رحمهما الله
قالوا : يزورك أحمد وتزوره *** قلت : الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته *** فلفضله ، فالفضل في الحالين له
youniss
26-03-2013, 11:54 AM
فهذه أحاديثُ صريحةٌ تُفيد كلها مشروعية بل وجوب قيام مِثل هذه الأعمال في الأمة، بل وانتشارها على أوسع نِطاق؛ ليتحقَّق مفهوم الجسد الواحد والبنيان الواحد، وليتحقَّق التضامن الاجتماعي الذي تميَّز به هذا الدين العظيم، وإنشاءُ الجمعيات الخيرية التي تقوم على مصالح المسلمين ورعاية شؤونهم عملٌ شرعي من هذا الباب.
ابوعبدالرحمن حمزة
27-03-2013, 12:44 PM
اولا : المسالة موضع البحث( رعاية شؤون الامة وانها محصورة في الحكام ولا يجوز لاي كان ان يمارس هذا الفعل _ اي مباشرة رعاية شؤون الامة_ غير الحاكم )وبناء على ثبوت هذا الحكم اي ان مباشرة رعاية شؤون الامة محصورة في الحاكم جاء الفهم والحكم على واقع الجمعيات والنقابات او اي كان ممن يباشر رعاية شئون الامة التي حصرت في الحكام .
وقد استدل على انحصار رعاية شؤون الامة بالحكام بجزء من حديث وهو " الامام راع وهو مسؤول عن رعيته " .
والحقيقة ان هذا الحديث دليل من الادلة التي دلت على انحصار رعاية شؤون الامة على الحكام وليس الدليل الوحيد على ذلك وهو راي مشهور بنسبته لحزب التحرير والكل يعلم انه صاحب هذا الرأي وكل من يراجع هذا الموضوع في كتب حزب التحرير يعلم انه لم يستدل على انحصار مباشرة رعاية شئون الامة بهذا الحديث فقط بل استدل بهذا الحديث وبغيره من الادلة وهذا يعني ان من يرد على هذا الحديث فقط من حيث صلاحيته للاستدلال على انحصار مباشرة رعاية الشئون بالحاكم فانه يكون في الحقيقة قد رد على دليل واحد من الادلة _ هذا على اعتبار التسليم بصحة رده للاستدلال بالحديث _ ولكنه لا يكون ولا بوجه من الوجوه قد بين عدم صحة الحكم الشرعي وهو انحصار مباشرة رعاية الشئون بالحكام .
فمثلا وجوب ايجاد دولة اسلامية _ دولة الخلافة _ التي تباشر رعاية شؤون الامة داخليا وخارجيا اقول ان ادلة وجوب ذلك كثيرة عند من بحث هذه المسألة من الفقهاء والعلماء سلفا وخلفا هي :
1_السنة القولية والفعلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم
2_ اجماع الصحابة
3_ قاعدة ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب
4_ المصلحة
5_ اجماع العلماء
فمثلا من يرد دليل _المصلحة او اجماع العلماء او قاعدة مالا يتم الواجب الا به فهو واجب _ ويعتبرها غير صالحة في الاستدلال على وجوب ايجاد الدولة فان هذا لا يعني عدم وجوب ايجاد الدولة بل يعني فقط سقوط الاستدلال بهذه الادلة وعدم صلاحيتها للاستدلال على وجوب ايجاد الدولة _ بغض النظر عن صحة رده للادلة بالنسبة لمن يستدل بها _ ولا يدل على على عدم وجوب ايجاد الدولة الاسلامية ومن يريد ان يقول ان الدولة الاسلامية او دولة الخلافة ليست واجبة اي لا يجب ايجادها فعليه ان يرد على كل الادلة المتعلقة بهذا الموضوع ولا بد ايضا من بيان حكم الشرع بايجادها فان لم يكن ايجادها واجبا فهل يحرم ذلك او يكره ام يندب ام انه مباح من المباحات .
ثانيا : البحث هنا متعلق برعاية شؤون الجماعة (الأمة) وأنها محصورة بالحاكم، وهو بحث في من له التصرف وفي صحة التصرف، أي أن المسألة هنا ليست في مشروعية العمل من ناحية شرعية فقط بل المسالة هنا هي الحكم على صحة التصرف. والتصرف حتى يصح يشترط له شروط منها أهلية المتصرف، ومنها أيضاً الإذن الشرعي محل التصرف. فالتصرفات حتى تصح لا بد من أهلية المتصرف، ولا بد من وجود الإذن بالتصرف، وبالتالي فكون الفعل مشروعاً لا يعني بالضرورة أن يقع صحيحاً. فمثلاً البيع مشروع ولكنه لا يصح من المجنون لأنه ليس أهلاً للتصرف. ومثلاً الصدقة _غير الواجبة_ مندوب إليها ولكنها لا تصح من الصبي الذي لم يبلغ الرشد. وكذا المتولي لمال اليتيم (الوصي) لا يصح أن يتصدق _غير الصدقة الواجبة على اختلاف بين الفقهاء_ أو يهب من مال اليتيم؛ لأن الشرع لم يأذن له بهذا التصرف. وهكذا، حتى تصح التصرفات لابد من إذن الشارع في التصرف حتى لو كان الفعل نفسه مشروعاً.
وهذا يعني أن من لم يأذن له بالتصرف فإن تصرفه غير صحيح؛ أي يقع باطلاً. فلا يجوز للرجل مثلاً أن يتبرع ويتصدق من مال زوجته بغير إذنها فهذا الفعل حرام _ولا يقصد هنا أن فعل التبرع والتصدق حرام بل تصرفه بمالها بالتبرع والتصدق حرام_ لأنه وقع باطلاً ذلك أنه ليس ملكاً له حتى يتصرف بهذا المال. وهكذا، في كل تصرف لا يملك المتصرف أن يقوم به فإنه يقع باطلاً؛ أي حراماً حتى لو كان الفعل نفسه مشروعاً. فلا يصح مثلاً أن يتصرف في مال اليتيم غير الوصي، ولا يصح التصرف في ملك غيرك إلا بإذن، ولا يصح تزويج الفتاة مثلاً إلا ممن له ولاية عليها. فالتصرفات كلها لا بد أن يكون هناك إذن فيها حتى تصح. والإذن بالتصرف له أسبابه منها الملك أو الولاية أو التوكيل، وهذا يعني أيضاً أنه لا يجوز لأي كان أن يتصرف إلا بإذن فمن تصرف بغير الإذن وقع تصرفه باطلاً حتى لو كان الفعل في أصله مشروعاً وهذا الكلام من البديهيات عند علماء الفقه وأصوله.
وتولي شؤون الأمة (الجماعة) كلها جعلها الشارع للحاكم سواءٌ فيما يتعلق بالأموال العامة أو غيرها من الشؤون مثل الإجبار وإيقاع العقوبات وفصل الخصومات وكل ما يتعلق بشؤون الأمة داخلياً وخارجياً، فإن الشرع جعل المتصرف بذلك هو الحاكم أو من ينوب عنه. فلا يصح إيقاع العقوبات أو المعاهدات أو الإقطاع أو تملك المال العام من أي فرد أو جماعة، ولا يجوز لأي أحد أن يتصرف بذلك حتى الحاكم فإنه لا يصح تصرفه بشؤون الجماعة إلا بعقد الخلافة، فالخلافة عقد بين الأمة وأحدٍ من أفرادها لتطبيق الإسلام عليها؛ أي تولي شؤونها كجماعة داخلياً وخارجياً ومن دون هذا العقد فإن تصرفاته كلها تقع باطلة أي أنه يأثم عليها.
يتبع
أبو أيمن
28-03-2013, 09:39 PM
أنار الله بصيرتك و فتح عليك
بوفيصيل
29-03-2013, 03:39 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كفيت ووفيت اخي ابوعبدالرحمن وجزاك الله خير-الله يفتح عليك
ولا يحضرني هنا الا كمثل خطيب الجمعة الذي يخطب الخطبه في موضوع الوضوء والنقاب والمسلمين يقتلون هنا وهناك وهنا ينطبق عليه حديث المصطفي صلوات ربي عليه من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم مع انه يتكلم ويخطب في امور شرعية عل هذا المثال يكون في محله والله اعلم
ودمتم في امان الله ورعايته
أبو أحمد الكردي
29-03-2013, 09:56 AM
وكل من يراجع هذا الموضوع في كتب حزب التحرير يعلم انه لم يستدل على انحصار مباشرة رعاية شئون الامة بهذا الحديث فقط بل استدل بهذا الحديث وبغيره من الادلة وهذا يعني ان من يرد على هذا الحديث فقط من حيث صلاحيته للاستدلال على انحصار مباشرة رعاية الشئون بالحاكم فانه يكون في الحقيقة قد رد على دليل واحد من الادلة _ هذا على اعتبار التسليم بصحة رده للاستدلال بالحديث _ ولكنه لا يكون ولا بوجه من الوجوه قد بين عدم صحة الحكم الشرعي وهو انحصار مباشرة رعاية الشئون بالحكام .
إذن ماهي الأدلة الأخرى التي استند عليها الحزب في حصره رعاية الشؤون بالحاكم دون غيره ؟
أبو فارس
29-03-2013, 11:54 AM
تقول أخ أبو عبد الرحمن:
"وهو بحث في من له التصرف وفي صحة التصرف"
ومن الذي يحدد من له التصرف وصحة التصرف؟ الشرع أم العقل؟؟
وتقول:
"والتصرف حتى يصح يشترط له شروط منها أهلية المتصرف"
ومن الذي يحدد أهلية المتصرف؟ الشرع أم العقل؟
ثم أين في كلامك الأدلة الشرعية في الرد على مقال الأخ؟
ثم أين هو نقاشك لأوجه الاستدلال من الحديث؟ فقد بين الأخ أن وجه الاستدلال على حصر رعاية الشؤون في الخليفة من خلال الحديث باطل ولا نرى هنا أي نقاش للأوجه الثلاثة التي طرحها لنقض استدلالكم!
ثم هو لم يكتف بذلك أي لم يكتف بنقد الاستدلال الخاطئ من الحديث بل طرح الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة التي تبيّن استحباب قضاء مصالح المسلمين ورعاية شؤونهم من قبل الأمة بشكل جماعي ومستدام كما قال
ثم ما دام هناك أدلة أخرى على حصر رعاية الشؤون فأين هي؟
غريب أمر بعض الأحزاب والجماعات والحركات الإسلامية كيف تحاول التهرب من النصوص الشرعية
وفي النهاية الذي يحدد حرمة شيء من حلّه هو الدليل الشرعي من الشرع وليس العقل البشري ولا يعارض الشرع بالعقل
ابوعبدالرحمن حمزة
30-03-2013, 12:25 PM
تقول أخ أبو عبد الرحمن:
"وهو بحث في من له التصرف وفي صحة التصرف"
ومن الذي يحدد من له التصرف وصحة التصرف؟ الشرع أم العقل؟؟
ادلة الاحكام الشرعية هي الكتاب والسنة واجماع الصحابة والقياس بشرط ان تكون العلة شرعية فلا نأخذ من الادلة الاخرى المختلف فيها والتي هي في حقيقتها مظنة انها عقلية مثل المصالح المرسل والاستحسان وسد الذرائع وغيرها من الادلة .
و الاحكام الشرعية قسمان :
1_خطاب تكليف من واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح .
2_ وخطاب وضع من رخصة وعزيمة وصحة وبطلان وسبب وشرط ومانع .
وكلاهما يجب ان يكون دليله الشرع فمشروعية التصرف لابد له من دليل شرعي وصحة التصرف لابد له من دليل شرعي وقد قلت : ( وهو بحث في من له التصرف وفي صحة التصرف، أي أن المسألة هنا ليست في مشروعية العمل من ناحية شرعية فقط بل المسالة هنا هي الحكم على صحة التصرف. والتصرف حتى يصح يشترط له شروط منها أهلية المتصرف، ومنها أيضاً الإذن الشرعي محل التصرف. فالتصرفات حتى تصح لا بد من أهلية المتصرف، ولا بد من وجود الإذن بالتصرف، وبالتالي فكون الفعل مشروعاً لا يعني بالضرورة أن يقع صحيحاً. فمثلاً البيع مشروع ولكنه لا يصح من المجنون لأنه ليس أهلاً للتصرف. ومثلاً الصدقة _غير الواجبة_ مندوب إليها ولكنها لا تصح من الصبي الذي لم يبلغ الرشد. وكذا المتولي لمال اليتيم (الوصي) لا يصح أن يتصدق _غير الصدقة الواجبة على اختلاف بين الفقهاء_ أو يهب من مال اليتيم؛ لأن الشرع لم يأذن له بهذا التصرف. وهكذا، حتى تصح التصرفات لابد من إذن الشارع في التصرف حتى لو كان الفعل نفسه مشروعاً.)
فالقاعدة هنا ان التصرفات حتى تصح لابد ان تكون مشروعة _ بالدليل الشرعي _ ولابد ان تستوفي بقية مايلزم حتى يصح التصرف من اهلية التصرف _ ودليلها ايضا الشرع _ ومن الاذن في التصرف _ ودليله ايضا الشرع .
فالمسالة هنا هي ان مشروعية العمل حكم شرعي وصحة العمل حكم شرعي وكون الفعل مشروعا _شرعا _لا يعني وقوعه صحيحا _ شرعا _ ( وهذا بحث شرعي وليس بحثا عقليا )فان كانت هذه القضية باطلة فتفضل بين بطلانها اكن لك من الشاكرين وان ورد استدلال في جزئية مما ذكر بالعقل فتفضل بين اين ورد ذلك .
اما ما اورده الباحث مما يظن بانه بحث شرعي فيما يتعلق بالحديث وما استدل به فان النقطة الاولى والثانية وان كانت كافية لبيان بطلان وقصور البحث ومع ذلك فانني سوف اناقش ماطرح نقطة نقطة .
لذلك وضعت يتبع .
بالنسبة للاخ ابو أحمد الكردي النقطة الاولى والثانية من الادلة وساذكر بقية الادلة في المداخلة القادمة ان شاء الله .
يتبع
أبو فارس
30-03-2013, 04:16 PM
أخي البينة على من ادعى
من يدعي أن عملا معينا هو محرم عند الله عليه أن يأتي بالدليل
حتى لو قلت إنك تقصد صحة عمله شرعا وليس مشروعيته بذاته
فبالنهاية نحن نتحدث عن العمل نفسه حرام شرعا كما تقول أنت أم مستحب كما تدل الأحاديث الواضحة الصريحة؟
ولا يوجد أي أدلة في كلامك حتى نرد عليها، خلاصة ما تريد قوله أنه ليس كل عمل مشروع بذاته يصح وقوعه شرعا
ثم لم تأت بالدليل الشرعي على عدم صحة وقوع عمل الجمعيات الخيرية
والمقال قد أتى على دليلكم الأبرز، ثم جاء بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة على صحة عمل هذه الجمعيات
والمقال يقصد مشروعيتها وصحة وقوعها وعملها وهذا واضح فلا حاجة للفذلكة
نصيحتي لكم ألا تخالفوا السنة واتبوا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام
ابن التحرير
31-03-2013, 12:48 PM
إن فعل الخيرات جائز، أما رعاية الشؤون في فعل الخيرات من غير الدولة فهو حرام، فإن الأفراد أو الجماعات إذا قاموا بعمل خير واحد مثل أن يقوم أهل القرية ببناء مسجد أو مدرسة، أو يقوم شخص لاغاثة فقير فهذا جائز؛ لأن الإسلام أمر بإغاثة الملهوف وإطعام الفقير والمسكين، وأمر ببناء المساجد، فقد أمر الإسلام المسلمين بفعل الخيرات وأمره هذا واضح من الأحاديث والآيات، هذا كله جائز ولا يعتبر من رعاية الشؤون بل هو فعل خير، أما رعاية الشؤون فلا تحل إلا للدولة؛ لذلك يجب أن يفرق بين فعل الخيرات وبين رعاية الشؤون في فعل الخيرات.
وخطورة هذا المفهوم تتمثل فيما يلي:
1- إن محاولة ضرب مفهوم حصر رعاية شؤون الرعية بالحاكم هو من قبيل محاولة إزالة الخطوط التي تفصل نظام الحكم بالإسلام عن نظام الحكم في النظام الديموقراطي، حيث أن الدولة في الرأسمالية عدة مؤسسات وليست مؤسسة واحدة، فالحكومة مؤسسة وهي السلطة التنفيذية وكل نقابة من النقابات مؤسسة تملك صلاحية الحكم والسلطان في الأمر الذي قامت عليه.
بخلاف الإسلام فإن الدولة والحكومة شيء واحد، هي السلطان وهو الخليفة، وهو وحده صاحب الصلاحية ولا يملكها أحد سواه مطلقاً قال صلى الله عليه وسلم "الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته...." .وهو هنا أداة حصر وهي ضمير الفصل فقوله (وهو مسؤول) حصر للمسؤولية به. ولهذا لا يوجد أحد في الدولة أفراداً أو جماعات يملك شيئاً من السسلطان والحكم من ذاته سوى الخليفة
2- إن الحزب سيتحول مع مرور الوقت من حزب سياسي إلى جمعية خيرية أو شركة اقتصادية تستثمر الأموال وتقوم بأعمال رعاية الشؤون فتبني المدارس والمستشفيات والملاجيء وتساعد في أعمال البر والخير.
3-إن تشجيع الاستعمار لإنشاء الجمعيات لهو أكبر دليل على أن هذا العمل إنما هو يخدم الكافر قبل المسلم ولو كان في ظاهره أنه تقديم مساعدات وما شاكل ذلك. وهو يدل أيضاً أنه من خطط الكافر الاستعمارية لإطالة مدة استعماره لنا وإحكام قبضته علينا وإبعاد الاسلام عن واقع حياتنا فما هو إلا ترقيعات.
ابوزيد
31-03-2013, 01:45 PM
ماهي الأدلة الأخرى التي استند عليها الحزب في حصره رعاية الشؤون بالحاكم دون غيره ؟
عصائب التوحيد
01-04-2013, 06:51 AM
جاء في شرح المادة 171 من الدستور ما نصه:
المادة 171- لا يجوز لأي فرد، أو حزب، أو كتلة، أو جماعة، أن تكون لهم علاقة بأي دولة من الدول الأجنبية مطلقاً. والعلاقة بالدول محصورة بالدولة وحدها، لأن لها وحدها حق رعاية شؤون الأمّة عملياً. وعلى الأمّة والتكتلات أن تحاسِب الدولة على هذه العلاقة الخارجية.
…دليلها قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته)، والشرع أعطى مباشرة رعاية الشؤون عملياً رعاية إلزامية للحاكم وحده، فلا يحل للرعية أن تقوم بعمل الحاكم ولا يحل لأحد من المسلمين أن يقوم بعمل الحاكم إلاّ بتولية شرعية، إما ببيعة من الناس إن كان خليفة، وإما بتولية من الخليفة، أو من جعل له الخليفة حق التولية من معاونين وولاة. أمّا من لم يولَّ لا بالبيعة، ولا بتولية خليفة، فلا يحل أن يقوم بشيء من مباشرة رعاية شؤون الأمّة لا في الداخل ولا في الخارج.
…وهنا لا بد من توضيح هذا الحكم من حيث الدليل ومن حيث الواقع الذي يَنصَبّ عليه الدليل. أمّا الدليل فإن السلطان قد جعله الشرع للحاكم فحسب وجعل سياسة الناس للحاكم فحسب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية) فجعل الخروج عليه خروجاً من السلطان، فهو إذن الذي يملك السلطان لا غيره. ويقول الرسول: (كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء) ومعناه أنكم أيها المسلمون تسوسكم الخلفاء، فعيّن من يسوس المسلمين. ومفهوم هذا أن غير الأمير لا يكون سلطاناً وأن غير الخلفاء لا يسوسون. فهذا دليل على أن سياسة الرعية إنّما هي للحاكم ولا تكون لغيره. وأيضاً فإن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنه كان يحصر السلطان والقيام بسياسة الناس به بوصفه رئيس دولة، وكان هو الذي يولي من يقوم بعمل من أعمال السلطان أو من أعمال سياسة الرعية. فولى من يقوم مقامه في المدينة حين كان يخرج لغزوة من الغزوات، وولى الولاة والقضاة وجباة الأموال ومن يقومون بمصلحة من المصالح كتوزيع المياه وخرص الثمار وغير ذلك. فهذا كله دليل على حصر السلطان وحصر سياسة الناس بالحاكم، أي بالخليفة ومن يوليه الخليفة، بالأمير ومن يوليه الأمير. والسلطان هو رعاية شؤون الناس رعاية إلزامية، وسياسة الرعية الواردة في قول الرسول: (تسوسهم) هي رعاية شؤون الناس رعاية إلزامية. وبناء على هذا فإن رعاية شؤون الناس رعاية إلزامية، أي القيام بمسؤولية الحاكم محصورة بالحاكم، فلا يجوز لغيره أن يقوم بها مطلقاً، لأن الشرع أعطى السلطان وأعطى سياسة الناس للخليفة ولمن يوليه الخليفة. فإذا قام بأعمال الحكم والسلطان وتولى سياسة الناس أي فرد غير الإمام وغير من ولاه كان فعله هذا مخالفاً للشرع فكان باطلاً، وكل تصرف باطل فإنه يكون حراماً، ومن هنا لا يحل لأحد غير الخليفة وغير من يوليه الخليفة، أي غير الحاكم، أن يقوم بأي عمل من أعمال الحكم والسلطان، فلا يقوم برعاية شؤون الناس رعاية إلزامية، أي لا يسوس الناس، لأن هذا هو عمل الحاكم ولا يجوز لغيره أن يقوم به.
…هذا من حيث الدليل، أمّا من حيث الواقع فإن القيام برعاية بعض الشؤون من قِبل جماعة رعاية إلزامية هو من مفاهيم الحكم الديمقراطي. فإن الحكم الديمقراطي مؤسسات، أعلاها الوزارة أي الحكومة، ولكن يوجد غيرها من يقوم برعاية بعض الشؤون رعاية إلزامية، أي من يقوم بالحكم في ناحية من النواحي. فهناك النقابات مثلاً، فنقابة المحامين تقوم برعاية شؤون المحامين في مهنة المحاماة رعاية إلزامية فيكون لها السلطان عليهم في شؤون معينة، فهي التي تعطيهم إذناً بالمحاماة وتوقِع عليهم عقوبات، وتجعل لهم صندوق تقاعد، وغير ذلك من أعمال الحكم والسلطان التي تتولاها الدولة في مهنة المحاماة، وأمرها نافذ كأمر الوزارة سواء بسواء. وكذلك نقابة الأطباء وسائر النقابات. فهذا هو الواقع الذي يسلَّط عليه الدليل بالنسبة للداخل. أمّا بالنسبة للخارج فإن بعض الدول الديمقراطية تجعل للحزب المعارِض حق الاتصال بالدول الأخرى وتجعل له صلاحية مفاوضات تلك الدول، وهو خارج الحكم، وله الاتفاق مع الدول الأخرى على أمور تتعلق بالعلاقات بينه وبين دولته لينفذها حين يستلم الحكم. فهذا أيضاً هو الواقع الذي يسلَّط عليه الدليل بالنسبة للخارج.
…فهذا الواقع وهو قيام بعض المؤسسات من الناس كالنقابات مثلاً برعاية بعض الشؤون رعاية إلزامية في الداخل، وقيام بعض المؤسسات من الناس كالأحزاب السياسية مثلاً برعاية الشؤون رعاية إلزامية في الخارج، لا يجوز في الإسلام مطلقاً، لأن السلطان والقيام بسياسة الناس إنّما أُعطي للخليفة أو للأمير، أو لمن يوليه الخليفة أو الأمير، فلا يحل لغيره أن يباشره ولو في مسألة واحدة لمخالفة ذلك الشرع.
وأيضاً فإن مباشرة رعاية الشؤون رعاية إلزامية ولاية على الناس، والولاية عقد لا بد أن يتم بين اثنين، إما بين الأمّة والخليفة أو بين الأمّة والأمير الذي أمّرته، وإما بين الخليفة ومن يوليه أو بين الأمير ومن يوليه. ومن يباشر رعاية الشؤون من غير عقد ولاية فمباشرته باطلة، وكل تصرف باطل فهو حرام بلا خلاف. فكانت مباشرة رعاية الشؤون رعاية إلزامية باطلة، ومن هنا يحرم على الأحزاب السياسية وعلى الأفراد في الأمّة أن تكون لهم علاقة بأية دولة أجنبية فيها مما يعتبر مباشَرة لرعاية شأن من شؤون الأمّة رعاية إلزامية، وهذا هو دليل هذه المادة.
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 06:08 PM
ثالثا : البحث ليس استدلالا بهذا الحديث فقط فالمسالة هنا ان تولى شؤون الجماعة هل هي حصرا للحاكم ام لا ؟
ولو فرضنا ان حديث الرعاية لايدل على الحصر فهل هذا يغير من ان الرعاية بما يتعلق بشؤون الجماعة ( الامة) محصور بالحاكم ومن ينيبه ام لا ؟؟
فان كانت رعاية شؤون الجماعة ( الامة ) يجوز ان يتولاها غير الحاكم فهات تفضل وبين الادلة الشرعية على ذلك .
وشؤون الجماعة ( الامة ) هي امر واحد سواء في الحدود او تولي المال او فصل الخصومات او اعلان الحرب او عقد الذمة ...الخ كل هذه الامور من شؤون الجماعة والشرع جعل الحاكم هو المتولي لها ومن ينفي حصرها بالحاكم هو من يلزمه الدليل عى جواز ان يقوم بها غير الحاكم اعني جواز اقامة الحدود وتنصيب جهة تتولى القضاء والقيام باتصالات خارجية واتفاقات مع الدول ...الخ.
فمن يرى نفي الحصر في حديث الرعاية _ مع انه يدل على الحصر _ ممكن ان يكون له وجه شرعي اما نفي فكرة حصر رعاية شؤون الامة _ فيما جعله الشرع للحاكم _ كالحدود والمعاهدات وولاية القضاء ...الخ وانها كلها محصورة في الحاكم ولا تصح من غيره اقول نفي ذلك هو القول الباطل ومن يقول بخلاف ذلك هات فليأت بالدليل الشرعي على انه يجوز لغير الخليفة او من ينوبه تولي ذلك .
ومن يثبت انه محصورة فيه كيف ينتقد من يقول بان هناك امور حصرت بالحاكم ولا تصح لغيره _ وهو ما اصطلح عليه برعاية شؤون الامة داخليا وخارجيا فعندما يقال رعاية شؤون الامة فان مدلولها عندنا هي ما جعل للحاكم ان يتولاه وبالتالي يخرج من ذلك اعمال البر الفردية والجماعية التي يجوز للمسلمين افرادا وجماعات القيام بها .
فالمسالة هي ان ايجاد جهة تتولى جمع المال وتوزيعة هل هي من اختصاص الخليفة ام لا ؟ .
وفقهاء المسلمين السابقين قد بينوا ان هذا الامر هو من اختصاص الحاكم اعني ولاية المال العام لذلك صرحوا في كتبهم وابحاثهم ان هذه الاموال تليها الائمة ونوابهم بل صرحوا بالحصر كما صرحوا بذلك فيما يتعلق بالحدود_ واستثنى البعض اقامة الحد على العبد _ وابرام المعاهدات وغيرها .
هذا هو وجه المسالة والبحث اما حديث الرعاية وكونها يدل على الحصر ام لا _ وطبعا كلام الباحث في شرح الحديث ونفي الحاصر كلام غير مسلم _فلا يغير من اصل البحث وهو ان الحاكم اوجب الشرع وجوده وجعل له وحده التصرف بما هو محصور به من رعاية الجماعة ولا يجوز لغيره توليها وها هنا وقفة لايجوز تولي هذه الاعمال التي حصرت في الحاكم لا ان هذه الاعمال ليست مشروعة وهذا يعني ان الاستدلال على وجوبها ليس دليلا على انه يجوز لغير الحاكم ان يتولها فالمسالة ليست وجوب الزكاة ووجوب اخراجها ووضعها مواضعها وليست مسالة ندب بناء المسجد وان له اجر وثواب عظيم بل المسالة هي ايجاد جهة تتولى هذا الامر غير الحكام هذا الامر هو الذي لايصح ولا يجوز وحتى يتضح الامر اكثر فانني اضرب مثلا من ناحية شرعية يجوز لي ان اختصمت مع شخص ما في امر ما ان نتفق وهو على شخص كمحكم بيننا هذا الامر مشروع ولكن لا يجوز لاي كان ان يوجد جهة تتولى فصل الخصومات بين الناس غير الحاكم او من ينيبه الحكام .
يتبع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 06:26 PM
رابعا :
1_ ان حزب التحرير لم يحرم الجمعيات الخيرية مطلقا بل حرم الحزب الجمعيات الخيرية التي تتولى رعاية شؤون الجماعة فعلا،وهذه الحرمة ليست خاصة بالجمعيات بل انها كذلك تنطبق على الافراد فلا يجوز لاي فرد ايضا ان يتولى عمل من اعمال رعاية الشؤون فعلا .
2_ ما دام الحرمة متعلق بالقيام فعلا برعاية الشؤون فان البحث يجب ان ينصب على الدليل الشرعي على ان لايجوز لاي فرد اوجماعة ان يتولى فعلا رعاية الشؤون .
وهذا يقودنا لضرورة فهم مدلول رعاية الشؤون حتى يكون البحث في شيء نتصور حقيقته ومدلول ،ورعاية الشؤون مصطلح له واقع ،وهو متعلق برعاية مصالح الجماعة فكل جماعة بشرية لها مصالح بوصفها جماعة ولابد من تسير هذه المصالح للجماعة بوصفها جماعة فتولي مصالح الجماعة بوصفها جماعة هو ما يعبر عنه برعاية الشؤون اي هي السلطة التي تتولى رعاية مصالح الجماعة وتشرف على تسييرها فبالنسبة للمسلمين فان تنفيذ أحكام الشرع وتنفيذ أحكام القضاة هو الحكم فهو مدلول مباشرة رعاية الشؤون بالفعل وهذا بالحقيقة هو واقع الحكم اي واقع ولاية الامر والامارة والملك والسلطان.
3_إن الدليل على ان رعاية الشؤون فعلا التي شرح واقعها في النقطة السابقة وانها من خصائص الدولة، ومن صلاحيات الدولة، ولا صلاحية لأحد غير الدولة مباشرتها هو قوله صلى الله عليه ووعلى آله وسلم:
(الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته) فلا تحل إقامة جمعية أو جماعة أو شخص أياً كان أن يقوم برعاية الشؤون إلاّ إذا كان الدولة أو مفوضاً من الدولة، وإذا تولاها مسلم أو مسلمون فقد أثموا لأنهم تولوا عملاً قد حصره الشرع بولي الأمر، أي بالإمام ومن يجعل له الإمام صلاحية في ذلك.
والدليل على ذلك ايضا ان ولاية الامر وتولى شؤون الجماعة كجماعة امر فرضه الشرع وعين كيفية تولي ذلك فقداوجب الشارع ايجاد سلطان للمسلمين اي اوجب ايجاد الحكم اي ايجاد من يرعى شؤون الجماعة فعلا وجعل الشارع هذا الحكم اي مباشر السلطان اي مباشرة رعاية الشؤون فعلا للخليفة تنتخبه الأمّة أو للأمير تختاره الأمّة، فباختيار الأمّة للأمير أو ببيعتها للخليفة صار الخليفة أو صار الأمير صاحب الصلاحية في الحكم أي صار الحكم اي مباشرة رعاية الشؤون فعلا لهذا الخليفة أو ذاك الأمير، ولا يكون لغيره إلاّ إذا أعطاه إياه هو فالحكم اي السلطان للأمّة تعطيه هي لشخص، خليفة كان أو أميراً، وبإعطائها إياه بالبيعة أو الاختيار أي الانتخاب صار الحكم اي السلطان اي مباشرة رعاية الشؤون فعلا له، وهو حينئذ يعطي صلاحية الحكم لمن يشاء وليس لغيره صلاحية الحكم إلاّ إذا أعطاه إياها.
4_ بالنسبة لدلالة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) على الحصر
ف(إن مفهوم حصر رعاية شؤون المسلمين بالخليفة راسخ رسوخ الجبال الشمّ، بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة.
فإنَّ الحصر في قوله صلى الله عليه وسلم: "وهو مسؤول" مستفاد من وجهين: فالحديث يُحرٍّم التعدي على رعاية الخليفة فيما جُعل إليه، ويحرِّم كذلك التعدي على الرعاية الخاصة من إيٍّ كان.
هذا والأدلة على حصر رعاية شؤون الأمة في الداخل والخارج بالخليفة كثيرة.
منها أن الشارع جعل السلطان للحاكم وحده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَرِهَ من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد خَرَجَ من السلطان شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهلية".
فجعل الخروج عليه خروجاً من السلطان، فهو وحده المالك للسلطان.
كما أنه جعل سياسة الناس للحاكم وحده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبيّ خَلَفه نبيّ، وإنه لا نبيَّ بعدي وستكون خلفاء".
ومعناه أنكم أيها المسلمون تسوسكم الخلفاء، فعيَّن بقوله هذا من يسوس المسلمين.
ومفهوم هذا أن غير الإمام لا يكون سلطاناً، وأن غير الخلفاء لا يسوسون.
وأيضاً فإن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم صريح في أنه كان يحصر السلطان والقيام بسياسة الناس به بوصفه رئيس دولة، وكذلك كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ. ومَنْ بَعدَهم من خلفاء المسلمين.
وأمّا لفظ "مسؤول" الوارد في الحديث الأول فهو اسم مفعول، وهو مَنْ يسأله الله يوم القيامة سؤال محاسبة عما استرعاه، وهذا مدلول اللفظ، وقد جاء مصرَّحاً به في الحديث: "فُوا ببعية الأوَّل فالأوَّل، فإن الله سائلهم عما استرعاهم يوم القيامة". وقد تكرر في غير حديث.
وأما مدلول المعنى وهو المعنى المفهوم من معنى اللفظ فهو مَنْ يحمل أعباء الرعاية ويتحمَّل تَبِعاتها، لأنه لازم كلمة "مسؤول".
فالمسؤولية بمعنى تحمّل الأعباء وتحمّل تَبِعاتها مأخوذة من دلالة الالتزام وهي دلالة اللفظ على لازم معناه. وهذا المعنى شرعي مفهوم من النصّ وليس معنى لغوياً مأخوذاً من مدلول اللفظ).
يتبع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 06:44 PM
خامسا : لا يقال هذا الكلام صحيح في حال وجود الدولة ولكن ( في غياب الخليفه كيف ترعى شؤون المسلمين وهل ترك الشرع المسلمين دون رعايه ام تركهم للمؤسسات الربويه وفقرهم وجوعهم يستجدون الكافر المستعمر هذا واقع مختلف فماحكمه وماهو اصل الرعايه هنا )و ولا يقال (نعم يجب أن يبقوا في الشارع لحين تنصيب الخليفة المنتظر .)و لا يقال ان هذا الراي بحرمة القيام برعاية الشؤون من الجمعيات الخيرية او الافراد هو قول (لم يقدم شيئا" جديدا" ، نظرا" لانفصاله عن الواقع المحسوس تماما" ... بينما الإسلام جاء بمعالجات لكل زمان ومكان . فلا يعجز عن حل أية مشكلة مستعصية في أي ظرف من الظروف .) نعم لا يصح قول ذلك فوق انه قول غريب ، اما انه غريب فلان التشريع هو بحث في نصوص الشرع ودلالات نصوص الشرع ومعقول النصوص لا التعليل العقلي والعقل ليس حكما على التشريع والتعليلات العقلية ليست حكما على الفهم .
اما انه خطأ فان البحث ان الشرع عين كيفية رعاية شؤون الجماعة بايجاد الخليفة الذي يباشر رعاية هذه الشؤون فعلا وفي حال غياب الخليفية فانه يجب ايجادة لرعاية شؤون الناس فهذا هو الحل شرعا لا بجعل فئات او اشخاص يتولون رعاية الشؤون فعلا ( وقد توضح مدلول رعاية الشؤون فيما تقدم ) اما مسالة مساعدة الايتام والفقراء والتصدق عليهم والنفقة على من يجب ان انفق عليهم فانها تبقى واجبة ولكنها لا تجيز لي ولا لغيري ان نوجد جهة تتولى هذا الامر في الامة لانها ولاية من الولايات .
فان اعطي فقيرا او محتاجا او عاجزا او ان اكفل يتيما شيء وهو امر مشروع وبذا نقوم بما يجب علينا اتجاه الواقع الموجود فعلا ،وايجاد فئة تتولى ذلك ممن ليس له صلاحية رعاية الشؤون وهو شيء اخر وهو فعل حرام.
و لابد هنا من التنبه _وهو تكرار ما سبق بيانه مع زيادة امثلة _ بأن الاحكام الشرعية قسمان :
1_خطاب تكليف من واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح .
2_ وخطاب وضع من رخصة وعزيمة وصحة وبطلان وسبب وشرط ومانع .
وكلاهما يجب ان يكون دليله الشرع فمشروعية التصرف لابد له من دليل شرعي وصحة التصرف لابد له من دليل شرعي فالقاعدة هنا ان التصرفات حتى تصح لابد ان تكون مشروعة _ بالدليل الشرعي _ ولابد ان تستوفي بقية مايلزم حتى يصح التصرف من اهلية التصرف _ ودليلها ايضا الشرع _ ومن الاذن في التصرف _ ودليله ايضا الشرع .
فالمسالة هنا هي ان مشروعية العمل حكم شرعي وصحة العمل حكم شرعي وكون الفعل مشروعا _شرعا _لا يعني وقوعه صحيحا _ شرعا _ وهذا بحث شرعي وليس بحثا عقليا
فالمسالة هو بحث في من له التصرف وفي صحة التصرف، أي أن المسألة هنا ليست في مشروعية العمل من ناحية شرعية فقط بل المسالة هنا هي الحكم على صحة التصرف. والتصرف حتى يصح يشترط له شروط منها أهلية المتصرف، ومنها أيضاً الإذن الشرعي محل التصرف. فالتصرفات حتى تصح لا بد من أهلية المتصرف، ولا بد من وجود الإذن بالتصرف، وبالتالي فكون الفعل مشروعاً لا يعني بالضرورة أن يقع صحيحاً. فمثلاً البيع مشروع ولكنه لا يصح من المجنون لأنه ليس أهلاً للتصرف. ومثلاً الصدقة _غير الواجبة_ مندوب إليها ولكنها لا تصح من الصبي الذي لم يبلغ الرشد. وكذا المتولي لمال اليتيم (الوصي) لا يصح أن يتصدق _غير الصدقة الواجبة على اختلاف بين الفقهاء_ أو يهب من مال اليتيم؛ لأن الشرع لم يأذن له بهذا التصرف. وهكذا، حتى تصح التصرفات لابد من إذن الشارع في التصرف حتى لو كان الفعل نفسه مشروعاً.
وهذا يعني أن من لم يأذن له بالتصرف فإن تصرفه غير صحيح؛ أي يقع باطلاً. فلا يجوز للرجل مثلاً أن يتبرع ويتصدق من مال زوجته بغير إذنها فهذا الفعل حرام _ولا يقصد هنا أن فعل التبرع والتصدق حرام بل تصرفه بمالها بالتبرع والتصدق حرام_ لأنه وقع باطلاً ذلك أنه ليس ملكاً له حتى يتصرف بهذا المال. وهكذا، في كل تصرف لا يملك المتصرف أن يقوم به فإنه يقع باطلاً؛ أي حراماً حتى لو كان الفعل نفسه مشروعاً. فلا يصح مثلاً أن يتصرف في مال اليتيم غير الوصي، ولا يصح التصرف في ملك غيرك إلا بإذن، ولا يصح تزويج الفتاة مثلاً إلا ممن له ولاية عليها عند من يوجب ذلك . فالتصرفات كلها لا بد أن يكون هناك إذن فيها حتى تصح. والإذن بالتصرف له أسبابه وهي الملك أو الولاية أو التوكيل، وهذا يعني أيضاً أنه لا يجوز لأي كان أن يتصرف إلا بإذن فمن تصرف بغير الإذن وقع تصرفه باطلاً حتى لو كان الفعل في أصله مشروعاً وهذا الكلام من البديهيات عند علماء الفقه وأصوله.
وتولي شؤون الأمة (الجماعة) كلها جعلها الشارع للحاكم سواءٌ فيما يتعلق بالأموال العامة أو غيرها من الشؤون مثل الإجبار وإيقاع العقوبات وفصل الخصومات وكل ما يتعلق بشؤون الأمة داخلياً وخارجياً، فإن الشرع جعل المتصرف بذلك هو الحاكم أو من ينوب عنه. فلا يصح إيقاع العقوبات أو المعاهدات أو الإقطاع أو تملك المال العام من أي فرد أو جماعة، ولا يجوز لأي أحد أن يتصرف بذلك حتى الحاكم فإنه لا يصح تصرفه بشؤون الجماعة إلا بعقد الخلافة، فالخلافة عقد بين الأمة وأحدٍ أفرادها لتطبيق الإسلام عليها؛ أي تولي شؤونها كجماعة داخلياً وخارجياً ومن دون هذا العقد فإن تصرفاته كلها تقع باطلة أي أنه يأثم عليها.
فالمسالة هي ان ايجاد جهة تتولى جمع المال وتوزيعة هل هي من اختصاص الخليفة ام لا ؟ .
وفقهاء المسلمين السابقين قد بينوا ان هذا الامر هو من اختصاص الحاكم اعني ولاية المال العام لذلك صرحوا في كتبهم وابحاثهم ان هذه الاموال تليها الائمة ونوابهم بل صرحوا بالحصر كما صرحوا بذلك فيما يتعلق بالحدود_ واستثنى البعض اقامة الحد على العبد _ وابرام المعاهدات وغيرها .
فالموضوع انه لايجوز تولي هذه الاعمال التي حصرت في الحاكم لا ان هذه الاعمال ليست مشروعة وهذا يعني ان الاستدلال على وجوبها ليس دليلا على انه يجوز لغير الحاكم ان يتولها فالمسالة ليست وجوب الزكاة ووجوب اخراجها ووضعها مواضعها وليست مسالة ندب بناء المسجد وان له اجر وثواب عظيم بل المسالة هي ايجاد جهة تتولى هذا الامر غير الحكام هذا الامر هو الذي لايصح ولا يجوز وحتى يتضح الامر اكثر فانني اضرب مثلا من ناحية شرعية يجوز لي ان اختصمت مع شخص ما في امر ما ان نتفق وهو على شخص كمحكم بيننا بحسب الشرع فهذا الامر مشروع ولكن لا يجوز لاي كان ان يوجد جهة تتولى فصل الخصومات بين الناس غير الحاكم او من ينيبه الحكام .
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 06:48 PM
سادسا : من باب الاطلاع على كلام فقهاء المسلمين السابقين والإستئناس بها لا الاستدلال بكلامهم .
جاء في كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي: ( اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْقَاضِي الْأَحْكَمُ وَالْمُفْتِي الْأَعْلَمُ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ وَعَالِمُ الْعُلَمَاءِ فَجَمِيعُ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ فَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ غَيْرَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ تَصَرُّفَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى إجْمَاعًا وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى ثُمَّ تَصَرُّفَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ تَخْتَلِفُ آثَارُهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَكُلُّ مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ التَّبْلِيغِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَصْفِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ الْفُرُوقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) بَعْثُ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعُهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةُ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةَ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا هَذَا هُوَ شَأْنُ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَمَتَى فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمَتَى فَصَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ أَوْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْإِيمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا فَنَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا تَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذَا شَأْنَ الْقَضَاءُ وَالْقُضَاةِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ فَهَذَا تَصَرُّفٌ بِالْفَتْوَى وَالتَّبْلِيغِ فَهَذَا الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ .)
قال الامام العز بن عبد السلام في كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام(فِي تَصَرُّفِ الْآحَادِ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ عِنْدَ جَوْرِ الْأَئِمَّةِ لَا يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إلَّا الْأَئِمَّةُ وَنُوَّابُهُمْ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ قِيَامُهُمْ بِذَلِكَ ، وَأَمْكَنَ الْقِيَامُ بِهَا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ الْآحَادِ بِأَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ ، فَلْيَصْرِفْ إلَى مُسْتَحِقِّيهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيهِ ، بِأَنْ يُقَدِّمَ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ ، وَالْأَصْلَحَ فَالْأَصْلَحَ ، فَيَصْرِفُ كُلَّ مَالٍ خَاصٍّ فِي جِهَاتِهِ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا ، وَيَصْرِفُ مَا وَجَدَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فِي مَصَارِفِهَا أَصْلَحِهَا فَأَصْلَحِهَا ، لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَا ذَلِكَ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ صَرْفِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا ، وَلَأَثِمَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ بِذَلِكَ وَضَمِنُوهُ ، فَكَانَ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِهَا .)
قال ابن حزم رحمه الله في كتاب المحلى (مَاذَا تَقُولُونَ: إذَا كَانَ الإِمَامُ حَاضِرًا مُمَكَّنًا عَدْلا، أَيَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةً دُونَهُ، أَوْ يُقِيمَ حَدًّا دُونَهُ، أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دُونَهُ، أَمْ لا يَحِلُّ ذَلِكَ وَلا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ: خَرَقُوا الإِجْمَاعَ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلُوا الأَمَانَةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَوْجَبُوا أَنْ لا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَى إمَامٍ - وَهَذَا خِلافُ الإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا دَامَ الإِمَامُ قَائِمًا فَقَدْ صَحَّ أَنْ لا يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا إلا مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ الْحُكْمَ، وَلا أَنْ يَكُونَ آخِذًا لِلْحُدُودِ إلا مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ ذَلِكَ، وَلا أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا إلا مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ أَخْذَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَقَامَ - حَدًّا، أَوْ أَخَذَ صَدَقَةً، أَوْ قَضَى قَضِيَّةً، وَلَيْسَ مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ بِتَقْدِيمِ الإِمَامِ، فَلَمْ يَحْكُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا أَقَامَ الْحَدَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا أَخَذَ الصَّدَقَةَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، فَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ، وَإِذْ فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ تَعَدَّى؛ وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَإِذْ هُوَ ظُلْمٌ، فَالظُّلْمُ لا حُكْمَ لَهُ إلا رَدُّهُ وَنَقْضُهُ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً فَعَلَيْهِ رَدُّهَا؛ لأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَخَذَ، إلا أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِمْ فَقَدْ تَأَدَّتْ الزَّكَاةُ إلَى أَهْلِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.)
يتبع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 07:06 PM
سابعا : ولا يصح ان يقال بان كلام العز بن عبد السلام دليل لنا لانه يقول (فَإِذَا تَعَذَّرَ قِيَامُهُمْ بِذَلِكَ ، وَأَمْكَنَ الْقِيَامُ بِهَا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ الْآحَادِ بِأَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ ، فَلْيَصْرِفْ إلَى مُسْتَحِقِّيهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيهِ ، بِأَنْ يُقَدِّمَ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ ، وَالْأَصْلَحَ فَالْأَصْلَحَ ، فَيَصْرِفُ كُلَّ مَالٍ خَاصٍّ فِي جِهَاتِهِ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا ، وَيَصْرِفُ مَا وَجَدَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فِي مَصَارِفِهَا أَصْلَحِهَا فَأَصْلَحِهَا ، لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَا ذَلِكَ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ صَرْفِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا ، وَلَأَثِمَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ بِذَلِكَ وَضَمِنُوهُ ، فَكَانَ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِهَا .) لا يصح ان يقال ذلك فانه قرر اولا كما في كلامه (لَا يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إلَّا الْأَئِمَّةُ وَنُوَّابُهُمْ ) فهو صرح بان التصرف لهم وهو المطلوب وما قاله لا حقا استدل به بالمصلحة ونحن لا نقر بهذا الدليل هذا من جهة ومن جهة اخرى فان المسلم نفسه يستطيع ان يضع المال الواجب عليه في مكانه مادام ليس هناك دولة تتولى ذلك ، ويبقى ايجاد جهة تقوم بذلك غير من له صلاحية رعاية الشؤون حرام كما تقدم .
ولا يقال كلام ( ابن حزم كله يتمحور حول واقع وجود خليفة ( ماذا تقولون إن كان الإمام حاضرا" ممكنا" عدلا" .... الخ ) فاقول انني لم ات بكلام العلماء السابقين كدليل وانما اتيت بكلامهم للدلالة على ان كلامنا ليس بدعا في البحث .
ثم إن ابن حزم فانه لم يقل حال وجود خليفة ووقف بل هو يحاجج ويلزم خصمه بما هم متفقون عليه لذلك قال بعد ذلك (فَقَدْ صَحَّ أَنْ لا يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا إلا مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ الْحُكْمَ، وَلا أَنْ يَكُونَ آخِذًا لِلْحُدُودِ إلا مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ ذَلِكَ، وَلا أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا إلا مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ أَخْذَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَقَامَ - حَدًّا، أَوْ أَخَذَ صَدَقَةً، أَوْ قَضَى قَضِيَّةً، وَلَيْسَ مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ بِتَقْدِيمِ الإِمَامِ، فَلَمْ يَحْكُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا أَقَامَ الْحَدَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا أَخَذَ الصَّدَقَةَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، فَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ، وَإِذْ فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ تَعَدَّى؛ وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَإِذْ هُوَ ظُلْمٌ، فَالظُّلْمُ لا حُكْمَ لَهُ إلا رَدُّهُ وَنَقْضُهُ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً فَعَلَيْهِ رَدُّهَا؛ لأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَخَذَ، إلا أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِمْ فَقَدْ تَأَدَّتْ الزَّكَاةُ إلَى أَهْلِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.)
ثم ان من يقول انه يجوز لجماعة او فرد ان يتولي اعمال البر المتعلقة برعاية الشؤون لم يأت باي دليل يدل على ذلك وكل ما ادعي انه دليل تم الاجابة عليه ، وبالمناسبة لفظ البر لفظ عام يدخل فيه كل ما امر الله به من الافراد والجماعات والدولة ونحن نتحدث عن امر محدد هو رعاية شؤون الجماعة والتي هي في حقيقتها من اعمال البر وايجاد جهة تتولى شؤون الجماعة المالية و القضائية ..الخ اي ايجاد السلطان الذي يتولى ذلك هو مما اوجبه الشرع ولايجوز تغيره وتبديله باي حجة او راي او اي ظرف كان فالفكرة لها طريقة لتنفيذها ولا تنفذ كيفما نريد ،وان من يتولى ذلك لابد له من توليه ومن يتولها دون توليه فان عمله باطل هذا هو الموضوع بكل بساطة .
تابع
ابوعبدالرحمن حمزة
13-11-2014, 07:23 PM
ثامنا :بالنسبة لحديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فان الحصر غير مرتبط بالخليفة بل ينطبق ذلك على كل من له ولاية ما على امر ما (فالحديث يُحرٍّم التعدي على رعاية الخليفة فيما جُعل إليه، ويحرِّم كذلك التعدي على الرعاية الخاصة من إيٍّ كان.) فيحرِّم التعدي على الرعاية الخاصة من إيٍّ كان وهذا معناه
ان قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) يعني انه لا يجوز لاي كان ان يتصرف في بيتي اي يتصرف في ولايتي على بيتى فهي صلاحيتي انا ولا يجوز لاي كان ان يتدخل في ذلك وكل من يتصرف فما هو من ولايتي على بيتي فانه يعتبر متعديا الا اذا كان باذني فلايجوز لاي كان ان يأدب ابنائي في بيتي ولايجوز لاي كان ان ياذن لزوجتى بالخروج او عدمه _ طبعا حسب تفصيل احكام الشرع فيما يتعلق بولايتي على بيتي _ وكذلك بالنسبة للمرأة فلا يجوز لاي كان ان يتعدى على ولايتها في بيتها او ان يتدخل في ذلك وان يتصرف بغير اذنها واي تصرف في هذه الامر لغيرهم يقع باطلا ومردودا وكذا بالنسبة للخادم على مال سيده فلايجوز لاي كان ان يتصرف في مال السيد غير الخادم وبالطبع السيد كونه مالك للمال وهو من اذن للخادم بالتصرف بماله فان له هذا الحق اما غير الخادم فانه لايجوز ولا يصح ان يتصرف في مال سيده فهذا هو مدلول الحديث وكذلك الخليفة لايجوز لاي كان ان يتصرف فيما هو من مسؤوليته على الامة اي لايجوز لاي كان ان يباشر رعاية شؤون الناس وكل من يباشر ذلك فان تصرفه يقع باطلا .
اما الاستدلال على جواز القيام برعاية الشؤون من الفرد او الجماعات ومنها الجمعيات الخيرية بالقول ( أما الاستدامة، فاستدامة الأعمال هي أفضلها عند الله - عز وجل - فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((أدْومُه وإن قَلَّ))؛ صحيح مسلم).
فهو استدلال باطل وغير صحيح فالحديث متعلقة بموضوع المندوبات ولا ينطبق على الواجبات فالحديث دليل على ان احب الاعمال المندوبة الى الله ادومها وان قلت وهذا لا علاقة لها بموضوع تولى فئة من الناس امورهم اي رعاية شؤونهم دون توليه وهذا الفعل اعنى ايجاد امير يتولى امور الجماعة فرض من الفروض فلا ينطبق عليه الحديث تماما مثل كون الحديث لا ينطبق على العبادات الواجبة مثل الصلاة والحج والصيام ، فدلالة الحديث خاصة بالافعال المندوبة فحشره في هذا الموضوع باطل وغير صحيح .
والله من وراء القصد
ابوعبدالرحمن حمزة
15-11-2014, 01:03 PM
ملاحظة : جاء في كلام الباحث ما يلى :
(وبحسب هذه الفتوى الضالة فإنه لو أراد محسنٌ ميسور الحال أن يُقيم مستشفى يُعالج المسلمين مجانًا، فإن هذا محرَّم عليه؛ لأنه من أعمال رعاية الشؤون التي يختصُّ بها الخليفة وحده)
هذا كلام غير دقيق فإن قيام محسن بفتح مستشفى يعالج في المسلمين مجانا لا يكون فعلا حراما ولا ينطبق على موضوع البحث فهو ليس من أعمال رعاية الشؤون التي يختص بها الخليفة وحدة ،ورحم الله من قال
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً ......... وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّـــــقيمِ ...
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.