مشاهدة النسخة كاملة : طلب مادة سياسية حول الجزائر
أبو حمزة التونسي
18-03-2013, 06:18 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الرجاء من الاخوة الكرام ممن لديه أية مادة سياسية ( نشرات، معلومات ... ) حول ما جرى في الجزائر في فترة التسعينات من فوز جبهة الانقاذ في الانتخابات و ما تلى ذلك من أحداث أن يمدنا بها و له جزيل الشكر
و بارك الله في الجميع
و السلام
عبد الواحد جعفر
20-03-2013, 10:39 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الرجاء من الاخوة الكرام ممن لديه أية مادة سياسية ( نشرات، معلومات ... ) حول ما جرى في الجزائر في فترة التسعينات من فوز جبهة الانقاذ في الانتخابات و ما تلى ذلك من أحداث أن يمدنا بها و له جزيل الشكر
و بارك الله في الجميع
و السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الوضع في الجزائر
من ((الاستقلال)) إلى الانتخابات الأخيرة**
لما كانت الولايات المتحدة تتبنى أسلوب الانقلابات العسكرية لخلع النفوذ البريطاني والفرنسي من العالم، وتعتمد على العسكريين أكثر من المدنيين في الأنظمة التابعة لها من أجل إحكام قبضتها على الدول، حظي عملاء أميركا من العسكريين بدعم وتأييد من الولايات المتحدة في تدخلهم بشؤون الحكم والسيطرة على سياسات دولهم، مثلما هو الحال في تركيا وباكستان والسودان والجزائر. وقد كان ذلك النهج لأميركا مرتبطاً بالوضع الدولي الذي كان يتمثل بصراع حاد بين أميركا وخصومها الدوليين. ولما تبدل الموقف الدولي وحسم بانفراد الولايات المتحدة سنة 1991، انتهجت أميركا سياسة دولية جديدة تقضي بنشر الديموقراطية وإنهاء الأنظمة الديكتاتورية التي ارتبطت في أذهان الناس بالقهر والاستبداد. غير أنه لم يكن من السهل عليها أن تنهي عقودا من الحكم العسكري الذي تميزت به دول ومناطق نفوذها، خاصة بعد أن تورط رجال الحكم في تلك الدول بقضايا فساد وإجرام ضد شعوبهم، وصار يصعب عليهم ويرعبهم ترحيل الحكم من أيديهم إلى أيدي غيرهم من السياسيين لا سيما خصومهم الذين يراد لهم أن يحلوا محلهم بتدبير من قبل الولايات المتحدة؛ فأصبحوا ينفذون ما يطلب منهم بشيء من الحذر والتباطؤ، مما بات يؤخر تنفيذ المخططات الأميركية في بلدانهم كما هو الحال في الجزائر. فمنذ أواخر عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، بدأت أميركا تعمل لإعادة صياغة النظام السياسي الجزائري ليتماشى مع سياساتها الدولية الجديدة بالحد من تدخل الجيش في شؤون الحكم للانتقال إلى الديموقراطية، وتمهيداً لترتيب أوضاع المنطقة المغاربية التي يعد الجيش الجزائري أحد أسباب توترها لدعمه جبهة البوليساريو وإعاقته لأي تقارب بين المغرب والجزائر.
ومن الضروري معرفة أن الصراع على إفريقيا لم يكن محصورا بين أميركا وبريطانيا وحدهما، بل كان هناك صراع بين الولايات المتحدة وفرنسا، وكان هناك تفاهم بين فرنسا وبريطانيا على مواجهة التغلغل الأميركي في القارة.
ومن قراءة تاريخ الثورة الجزائرية يظهر بشكل واضح أثر الصراع الدولي على الجزائر، خاصة بين الولايات المتحدة وفرنسا على وجه التحديد؛ أما كون عملاء فرنسا في الجزائر وغيرها من الدول الإفريقية كانوا يسيرون في مخططات الإنجليز، فذلك بسبب التقاء المصالح البريطانية – الفرنسية ضد الولايات المتحدة في ذلك الوقت، فلم تكن تملك فرنسا خاصة في شمال إفريقيا إلا الإيعاز لعملائها للتنسيق مع عملاء الإنجليز والسير معهم ضد المخططات الأميركية، وهو ما كان يلبس على المتتبع السياسي حقيقة ارتباط أولئك العملاء، فيظن بأنهم جميعاً عملاء للإنجليز بعباءة فرنسية. ومشكلة الجزائر تتمثل بصراع داخلي دموي برز منذ بدايات الثورة الجزائرية، حين كان يتجاذبها تياران وهما عملاء فرنسا خاصة وعملاء أميركا، واستمر النهج السياسي الجزائري على ذلك نتيجة لتصارع أولئك العملاء للهيمنة على جبهة التحرير الوطني؛ فقد كانت فرنسا جندت عِبان رمضان ودربته أثناء سجنه في فرنسا سنة 1950م، وأوكلت إليه مهمة السيطرة على الجبهة، حيث كان من أبرز قيادات الثورة؛ وكان أحمد بن بلا يعمل لحساب الولايات المتحدة عن طريق عبد الناصر. وظهرت الصراعات بين الجانبين إلى العلن مع أول مؤتمر للجبهة في وادي الصومام سنة 1956م، حيث حاول عبان رمضان أن يصادر صلاحيات الجبهة، وأن يقصي بن بلا ويهمش دوره من خلال القرارات التي اتخذها المؤتمر وأهمها قرار "أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري"؛ حيث كان من شأن ذلك القرار أن يعطي الصلاحيات لعبان رمضان لكونه المسؤول في الجبهة عن ملف الداخل، ويهمش بن بلا المسؤول عن ملف الخارج، كما من شأنه أن يعطي السيطرة لعبان رمضان على القادة العسكريين من خلال أولوية السياسي على العسكري، لأنه كان الزعيم السياسي للجبهة، ولكنه اغتيل سنة 1957م؛ وظل الخلاف قائما بين الجانبين، حيث شكل المجلس الوطني الجزائري حكومة مؤقتة لتستلم الحكم بعد "الاستقلال"،والتي قادها عملاء فرنسا بسبب وجود بن بلا في السجن. وكان بن بلا ينسق مع القادة العسكريين في الداخل عن طريق عبد العزيز بوتفليقه من أجل التصدي للحكومة المؤقتة. وقد عقد بن بلا بعد خروجه من السجن تحالفا مع بومدين، حيث كان هواري بومدين أحد أبرز القادة العسكريين للجبهة، وذلك بعدما اتخذت الحكومة المؤقتة قرارا يقضي بحل هيئة الأركان وعزل قائدها بومدين؛ وعلى إثر ذلك تشكلت مجموعتان متنازعتان هما: مجموعة "تيزي أوزو" وكان أبرز قادتها بوضياف وبلقاسم بالإضافة إلى الحكومة المؤقتة وبعض الولايات، وكانت هذه المجموعة تحظى بدعم من تونس وفرنسا. أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة "تلمسان" بقيادة بن بلا ومعه هيئة الأركان وبعض الولايات الأخرى، وكانت تحظى بدعم علني من الإعلام والمخابرات المصرية. وبعد "الاستقلال" تفوَّق بن بلا على خصومه وشكل أول حكومة ضمت خمسة وزراء من العسكريين وذلك بتاريخ 26/9/1962م .
إن تلك الظروف هي التي أملت نمط الحكم العسكري في الجزائر، وأعطت الجيش حق التدخل في شؤون الدولة و توجيه سياساتها، خاصة بعدما وصل بومدين إلى الحكم في انقلاب عسكري سنة 1965م. والجدير بالذكر هو أن فترتي حكم كل من بومدين والشاذلي بن جديد تميزتا بأداء سياسي يوازن بين مصالح الولايات المتحدة وفرنسا بسبب قوة نفوذ الدولتين في الجزائر، إلا أنه في أواخر عهدي الرئيسين كان ميول النظام في الجزائر إلى جانب الولايات المتحدة؛ ففي عهد الرئيس بومدين وأثناء تولي عبد العزيز بوتفليقه وزارة الخارجية، جرى إقصاء الشركات البترولية الفرنسية من الجزائر وحلت محلها الشركات الأميركية، وفي أواخر عهد الرئيس بن جديد، بدأت أولى خطوات إقصاء الجيش من التدخل في شؤون الحكم، من خلال تعديل الدستور الذي قضى بإعادة الجيش إلى الثكنات، والسماح بالتعددية السياسية، مما أدى إلى ظهور جبهة الإنقاذ الإسلامية وفوزها بغالبية مقاعد البرلمان سنة 1991م. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الزعماء الذين تعاقبوا على الحكم في الجزائر منذ أواخر عهد بن جديد وحتى الآن يشتركون بإصرارهم على الحد من تدخل الجيش في شؤون الحكم، ودعم "المصالحة الوطنية" التي تستوجبها العملية الديموقراطية، وهو ما قاومه الجيش ووضع العراقيل لمنع حصوله. غير أن الولايات المتحدة مصرة على إنهاء الصراع في الجزائر وترسيخ الحكم المدني عن طريق بوتفليقه، تمهيدا لمعالجة الوضع الإقليمي بما يحقق مصالحها؛ وقد نجح بوتفليقه إلى حد كبير في فض النزاع المسلح بين جبهة الإنقاذ الإسلامية وبين السلطة، من خلال قانون الوئام المدني الذي يهدف أيضا إلى نقل الثقل السياسي من يد العسكريين إلى السلطة السياسية كي تتمكن من معالجة ملف الصحراء مع المغرب. فمختصر قضية الجزائر في العقد المنصرم هو أن الولايات المتحدة متواطئة وتغض الطرف على تصرفات العسكر من أجل إنهاك الشعب وتحطيم ميوله وتوجهاته الدينية، وبنفس الوقت تعمل على حرق الجنرالات تمهيدا لتثبيت السلطات بيد السياسيين، وذلك بسبب الصراعات الداخلية المعقدة، وبسبب نمط الحكم العسكري السائد منذ عقود، فضلاً عن خشية القادة العسكريين من المحاسبة على جرائمهم وفسادهم في العقود الماضية؛ لذلك يظهر خضوعهم للولايات المتحدة بشأن تعيين الرئيس في الجزائر، ولكنهم لا ينصاعون للنهج السياسي الجديد الذي يقزم دورهم ويمنعهم من التدخل في شؤون الحكم ويعرض مستقبلهم للخطر، فهم يعملون على إيصال الرئيس الذي ترضى عنه الولايات المتحدة إلى الحكم، في حين يعملون ضده بالخفاء مما يعيق تنفيذ المخططات الأميركية في المنطقة؛ فهم الذين أرغموا الشاذلي بن جديد على الاستقالة بسبب محاولاته المتكررة التي كان آخرها تعديل دستور البلاد للحد من صلاحياتهم، وهم الذين هيئوا الظروف للرؤساء من بعده لتسلم الحكم ولخلعهم منه. والمشكلة الرئيسية التي تواجههم مع أميركا هي كون المصلحة الأميركية أصبحت تقتضي إغلاق بعض الملفات التي تغذي تدخلهم في شؤون الحكم كملف الصحراء المغربية، وملف النزاع المسلح بين السلطة وبين جبهة الإنقاذ الإسلامية، ونقل السلطة من أيديهم إلى أيدي السياسيين، لذلك كانوا شديدي الحذر تجاه بوضياف بسبب فتحه لملف الفساد الذي يستهدفهم وعلاقته الوطيدة مع الملك الحسن الثاني والتي كانت تشكل لهم هاجساً بشأن ملف الصحراء المغربية وهو ما دفعهم لاغتياله؛ كما كانوا بالغي الحساسية تجاه زروال، وكذلك مع بوتفليقه بسبب ملف جبهة الإنقاذ الإسلامية ، مما جعلهم متهمين بارتكاب المجازر التي تنسب إلى جبهة الإنقاذ الإسلامية. ويوظف بوتفليقه مسألة حقوق الإنسان في الجزائر التي تثيرها منظمات دولية بتواطؤ منه وبدعم من الولايات المتحدة من أجل حرق بعض القادة العسكريين المناوئين لسياسته، وتقويض نفوذهم، باعتبارهم مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بممارساتهم القمعية؛ ويعمل أيضا على إخراج بعض الجنرالات من الظل إلى مواقع مقربة من الرئاسة لاحتوائهم من جهة، وتسليط الضوء عليهم للتخلص منهم من جهة أخرى، خاصة بإثارة مسؤولية الجيش عن تسليح القوات الشعبية التي قامت بارتكاب مجازر، كما يسعى لحشد التأييد الدولي لسياسته من خلال وساطته في حل النزاعات الخارجية كوساطته في حل النزاع بين إريتريا وأثيوبيا وذلك لتعزيز وضعه الداخلي، بالإضافة إلى أن نشاطه في الخارج سيؤدي إلى فتح أهم الملفات وهو ملف العلاقة مع المغرب وقضية الصحراء المغربية.
وقد عمل بوتفليقة طوال فترة رئاسته السابقة على تهيئة المناخ الداخلي للجزائر للانتقال إلى الإصلاحات المرتقبة لمنطقة الشرق الأوسط. ومما تجدر الإشارة إليه أن الوضع الجزائري كان يستعصي على الحل أمام المخطط الأميركي لاعتبارين أساسيين، أولهما: التوجه الديني لغالبية الشعب في الجزائر والذي برز في انتخابات سنة 1991م والتيار الاستئصالي لقمع التيار الإسلامي، وبوسائل إجرامية مثل ارتكاب الجيش مجازر وإلصاقها بالحركات الإسلامية لتنفير الشعب من الإسلام ودعاته، وهو ما أعطى الجيش فرصة كبيرة لإبقاء تدخله في الحياة السياسية.
أما الأمر الآخر: وهو الصراعات السياسية الداخلية، والتي فسحت المجال كذلك للقادة العسكريين لإبقاء تدخلهم في السلطة، إلا أن الوضع في الجزائر بشكل عام اتجه نحو الحسم لصالح السياسيين وعلى رأسهم بوتفليقة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي أظهرت تصميم الولايات المتحدة على التدخل العسكري في أية بقعة يستعصي إذعانها بالأعمال السياسية، حيث كان تدمير قوات طالبان وتدمير الجيش العراقي بمثابة رسالة وعبرة لكل جيوش المنطقة، ولقد جاءت الانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة لتضاعف من قدرة بوتفليقة على تحجيم دور العسكر وتدخلهم في السلطة خاصة إذا ما استطاع إشاعة أجواء من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، ولتكون تلك الانتخابات أنموذجا سيتم تطبيقه على دول الاتحاد المغاربي ضمن مخطط الإصلاحات "للشرق الأوسط الكبير".
إن الذي لا بد من ملاحظته في سياسات الولايات المتحدة تجاه البلدان والشعوب خاصة الإسلامية منها هي أنها توظف الواقع السياسي القائم في تلك البلاد لإنهاك قوى الشعوب واستغلالها لإبعادها عن قضاياها، وإيصالها إلى حالة من اليأس والاستسلام للنظم والسياسات التي تفرضها على العالم، فهل يستسلم المسلمون لقوى الكفر وأدواتهم البائسة؟
** المصدر: مجلة صوت الأمة العدد الرابع
أبو حمزة التونسي
21-03-2013, 10:48 PM
السلام عليكم
بارك الله فيك أخي عبد الواحد و جزاك الله خيرا
khilafa
25-03-2013, 12:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الوضع في الجزائر
من ((الاستقلال)) إلى الانتخابات الأخيرة**
لما كانت الولايات المتحدة تتبنى أسلوب الانقلابات العسكرية لخلع النفوذ البريطاني والفرنسي من العالم، وتعتمد على العسكريين أكثر من المدنيين في الأنظمة التابعة لها من أجل إحكام قبضتها على الدول، حظي عملاء أميركا من العسكريين بدعم وتأييد من الولايات المتحدة في تدخلهم بشؤون الحكم والسيطرة على سياسات دولهم، مثلما هو الحال في تركيا وباكستان والسودان والجزائر. وقد كان ذلك النهج لأميركا مرتبطاً بالوضع الدولي الذي كان يتمثل بصراع حاد بين أميركا وخصومها الدوليين. ولما تبدل الموقف الدولي وحسم بانفراد الولايات المتحدة سنة 1991، انتهجت أميركا سياسة دولية جديدة تقضي بنشر الديموقراطية وإنهاء الأنظمة الديكتاتورية التي ارتبطت في أذهان الناس بالقهر والاستبداد. غير أنه لم يكن من السهل عليها أن تنهي عقودا من الحكم العسكري الذي تميزت به دول ومناطق نفوذها، خاصة بعد أن تورط رجال الحكم في تلك الدول بقضايا فساد وإجرام ضد شعوبهم، وصار يصعب عليهم ويرعبهم ترحيل الحكم من أيديهم إلى أيدي غيرهم من السياسيين لا سيما خصومهم الذين يراد لهم أن يحلوا محلهم بتدبير من قبل الولايات المتحدة؛ فأصبحوا ينفذون ما يطلب منهم بشيء من الحذر والتباطؤ، مما بات يؤخر تنفيذ المخططات الأميركية في بلدانهم كما هو الحال في الجزائر. فمنذ أواخر عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، بدأت أميركا تعمل لإعادة صياغة النظام السياسي الجزائري ليتماشى مع سياساتها الدولية الجديدة بالحد من تدخل الجيش في شؤون الحكم للانتقال إلى الديموقراطية، وتمهيداً لترتيب أوضاع المنطقة المغاربية التي يعد الجيش الجزائري أحد أسباب توترها لدعمه جبهة البوليساريو وإعاقته لأي تقارب بين المغرب والجزائر.
ومن الضروري معرفة أن الصراع على إفريقيا لم يكن محصورا بين أميركا وبريطانيا وحدهما، بل كان هناك صراع بين الولايات المتحدة وفرنسا، وكان هناك تفاهم بين فرنسا وبريطانيا على مواجهة التغلغل الأميركي في القارة.
ومن قراءة تاريخ الثورة الجزائرية يظهر بشكل واضح أثر الصراع الدولي على الجزائر، خاصة بين الولايات المتحدة وفرنسا على وجه التحديد؛ أما كون عملاء فرنسا في الجزائر وغيرها من الدول الإفريقية كانوا يسيرون في مخططات الإنجليز، فذلك بسبب التقاء المصالح البريطانية – الفرنسية ضد الولايات المتحدة في ذلك الوقت، فلم تكن تملك فرنسا خاصة في شمال إفريقيا إلا الإيعاز لعملائها للتنسيق مع عملاء الإنجليز والسير معهم ضد المخططات الأميركية، وهو ما كان يلبس على المتتبع السياسي حقيقة ارتباط أولئك العملاء، فيظن بأنهم جميعاً عملاء للإنجليز بعباءة فرنسية. ومشكلة الجزائر تتمثل بصراع داخلي دموي برز منذ بدايات الثورة الجزائرية، حين كان يتجاذبها تياران وهما عملاء فرنسا خاصة وعملاء أميركا، واستمر النهج السياسي الجزائري على ذلك نتيجة لتصارع أولئك العملاء للهيمنة على جبهة التحرير الوطني؛ فقد كانت فرنسا جندت عِبان رمضان ودربته أثناء سجنه في فرنسا سنة 1950م، وأوكلت إليه مهمة السيطرة على الجبهة، حيث كان من أبرز قيادات الثورة؛ وكان أحمد بن بلا يعمل لحساب الولايات المتحدة عن طريق عبد الناصر. وظهرت الصراعات بين الجانبين إلى العلن مع أول مؤتمر للجبهة في وادي الصومام سنة 1956م، حيث حاول عبان رمضان أن يصادر صلاحيات الجبهة، وأن يقصي بن بلا ويهمش دوره من خلال القرارات التي اتخذها المؤتمر وأهمها قرار "أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري"؛ حيث كان من شأن ذلك القرار أن يعطي الصلاحيات لعبان رمضان لكونه المسؤول في الجبهة عن ملف الداخل، ويهمش بن بلا المسؤول عن ملف الخارج، كما من شأنه أن يعطي السيطرة لعبان رمضان على القادة العسكريين من خلال أولوية السياسي على العسكري، لأنه كان الزعيم السياسي للجبهة، ولكنه اغتيل سنة 1957م؛ وظل الخلاف قائما بين الجانبين، حيث شكل المجلس الوطني الجزائري حكومة مؤقتة لتستلم الحكم بعد "الاستقلال"،والتي قادها عملاء فرنسا بسبب وجود بن بلا في السجن. وكان بن بلا ينسق مع القادة العسكريين في الداخل عن طريق عبد العزيز بوتفليقه من أجل التصدي للحكومة المؤقتة. وقد عقد بن بلا بعد خروجه من السجن تحالفا مع بومدين، حيث كان هواري بومدين أحد أبرز القادة العسكريين للجبهة، وذلك بعدما اتخذت الحكومة المؤقتة قرارا يقضي بحل هيئة الأركان وعزل قائدها بومدين؛ وعلى إثر ذلك تشكلت مجموعتان متنازعتان هما: مجموعة "تيزي أوزو" وكان أبرز قادتها بوضياف وبلقاسم بالإضافة إلى الحكومة المؤقتة وبعض الولايات، وكانت هذه المجموعة تحظى بدعم من تونس وفرنسا. أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة "تلمسان" بقيادة بن بلا ومعه هيئة الأركان وبعض الولايات الأخرى، وكانت تحظى بدعم علني من الإعلام والمخابرات المصرية. وبعد "الاستقلال" تفوَّق بن بلا على خصومه وشكل أول حكومة ضمت خمسة وزراء من العسكريين وذلك بتاريخ 26/9/1962م .
إن تلك الظروف هي التي أملت نمط الحكم العسكري في الجزائر، وأعطت الجيش حق التدخل في شؤون الدولة و توجيه سياساتها، خاصة بعدما وصل بومدين إلى الحكم في انقلاب عسكري سنة 1965م. والجدير بالذكر هو أن فترتي حكم كل من بومدين والشاذلي بن جديد تميزتا بأداء سياسي يوازن بين مصالح الولايات المتحدة وفرنسا بسبب قوة نفوذ الدولتين في الجزائر، إلا أنه في أواخر عهدي الرئيسين كان ميول النظام في الجزائر إلى جانب الولايات المتحدة؛ ففي عهد الرئيس بومدين وأثناء تولي عبد العزيز بوتفليقه وزارة الخارجية، جرى إقصاء الشركات البترولية الفرنسية من الجزائر وحلت محلها الشركات الأميركية، وفي أواخر عهد الرئيس بن جديد، بدأت أولى خطوات إقصاء الجيش من التدخل في شؤون الحكم، من خلال تعديل الدستور الذي قضى بإعادة الجيش إلى الثكنات، والسماح بالتعددية السياسية، مما أدى إلى ظهور جبهة الإنقاذ الإسلامية وفوزها بغالبية مقاعد البرلمان سنة 1991م. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الزعماء الذين تعاقبوا على الحكم في الجزائر منذ أواخر عهد بن جديد وحتى الآن يشتركون بإصرارهم على الحد من تدخل الجيش في شؤون الحكم، ودعم "المصالحة الوطنية" التي تستوجبها العملية الديموقراطية، وهو ما قاومه الجيش ووضع العراقيل لمنع حصوله. غير أن الولايات المتحدة مصرة على إنهاء الصراع في الجزائر وترسيخ الحكم المدني عن طريق بوتفليقه، تمهيدا لمعالجة الوضع الإقليمي بما يحقق مصالحها؛ وقد نجح بوتفليقه إلى حد كبير في فض النزاع المسلح بين جبهة الإنقاذ الإسلامية وبين السلطة، من خلال قانون الوئام المدني الذي يهدف أيضا إلى نقل الثقل السياسي من يد العسكريين إلى السلطة السياسية كي تتمكن من معالجة ملف الصحراء مع المغرب. فمختصر قضية الجزائر في العقد المنصرم هو أن الولايات المتحدة متواطئة وتغض الطرف على تصرفات العسكر من أجل إنهاك الشعب وتحطيم ميوله وتوجهاته الدينية، وبنفس الوقت تعمل على حرق الجنرالات تمهيدا لتثبيت السلطات بيد السياسيين، وذلك بسبب الصراعات الداخلية المعقدة، وبسبب نمط الحكم العسكري السائد منذ عقود، فضلاً عن خشية القادة العسكريين من المحاسبة على جرائمهم وفسادهم في العقود الماضية؛ لذلك يظهر خضوعهم للولايات المتحدة بشأن تعيين الرئيس في الجزائر، ولكنهم لا ينصاعون للنهج السياسي الجديد الذي يقزم دورهم ويمنعهم من التدخل في شؤون الحكم ويعرض مستقبلهم للخطر، فهم يعملون على إيصال الرئيس الذي ترضى عنه الولايات المتحدة إلى الحكم، في حين يعملون ضده بالخفاء مما يعيق تنفيذ المخططات الأميركية في المنطقة؛ فهم الذين أرغموا الشاذلي بن جديد على الاستقالة بسبب محاولاته المتكررة التي كان آخرها تعديل دستور البلاد للحد من صلاحياتهم، وهم الذين هيئوا الظروف للرؤساء من بعده لتسلم الحكم ولخلعهم منه. والمشكلة الرئيسية التي تواجههم مع أميركا هي كون المصلحة الأميركية أصبحت تقتضي إغلاق بعض الملفات التي تغذي تدخلهم في شؤون الحكم كملف الصحراء المغربية، وملف النزاع المسلح بين السلطة وبين جبهة الإنقاذ الإسلامية، ونقل السلطة من أيديهم إلى أيدي السياسيين، لذلك كانوا شديدي الحذر تجاه بوضياف بسبب فتحه لملف الفساد الذي يستهدفهم وعلاقته الوطيدة مع الملك الحسن الثاني والتي كانت تشكل لهم هاجساً بشأن ملف الصحراء المغربية وهو ما دفعهم لاغتياله؛ كما كانوا بالغي الحساسية تجاه زروال، وكذلك مع بوتفليقه بسبب ملف جبهة الإنقاذ الإسلامية ، مما جعلهم متهمين بارتكاب المجازر التي تنسب إلى جبهة الإنقاذ الإسلامية. ويوظف بوتفليقه مسألة حقوق الإنسان في الجزائر التي تثيرها منظمات دولية بتواطؤ منه وبدعم من الولايات المتحدة من أجل حرق بعض القادة العسكريين المناوئين لسياسته، وتقويض نفوذهم، باعتبارهم مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بممارساتهم القمعية؛ ويعمل أيضا على إخراج بعض الجنرالات من الظل إلى مواقع مقربة من الرئاسة لاحتوائهم من جهة، وتسليط الضوء عليهم للتخلص منهم من جهة أخرى، خاصة بإثارة مسؤولية الجيش عن تسليح القوات الشعبية التي قامت بارتكاب مجازر، كما يسعى لحشد التأييد الدولي لسياسته من خلال وساطته في حل النزاعات الخارجية كوساطته في حل النزاع بين إريتريا وأثيوبيا وذلك لتعزيز وضعه الداخلي، بالإضافة إلى أن نشاطه في الخارج سيؤدي إلى فتح أهم الملفات وهو ملف العلاقة مع المغرب وقضية الصحراء المغربية.
وقد عمل بوتفليقة طوال فترة رئاسته السابقة على تهيئة المناخ الداخلي للجزائر للانتقال إلى الإصلاحات المرتقبة لمنطقة الشرق الأوسط. ومما تجدر الإشارة إليه أن الوضع الجزائري كان يستعصي على الحل أمام المخطط الأميركي لاعتبارين أساسيين، أولهما: التوجه الديني لغالبية الشعب في الجزائر والذي برز في انتخابات سنة 1991م والتيار الاستئصالي لقمع التيار الإسلامي، وبوسائل إجرامية مثل ارتكاب الجيش مجازر وإلصاقها بالحركات الإسلامية لتنفير الشعب من الإسلام ودعاته، وهو ما أعطى الجيش فرصة كبيرة لإبقاء تدخله في الحياة السياسية.
أما الأمر الآخر: وهو الصراعات السياسية الداخلية، والتي فسحت المجال كذلك للقادة العسكريين لإبقاء تدخلهم في السلطة، إلا أن الوضع في الجزائر بشكل عام اتجه نحو الحسم لصالح السياسيين وعلى رأسهم بوتفليقة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي أظهرت تصميم الولايات المتحدة على التدخل العسكري في أية بقعة يستعصي إذعانها بالأعمال السياسية، حيث كان تدمير قوات طالبان وتدمير الجيش العراقي بمثابة رسالة وعبرة لكل جيوش المنطقة، ولقد جاءت الانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة لتضاعف من قدرة بوتفليقة على تحجيم دور العسكر وتدخلهم في السلطة خاصة إذا ما استطاع إشاعة أجواء من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، ولتكون تلك الانتخابات أنموذجا سيتم تطبيقه على دول الاتحاد المغاربي ضمن مخطط الإصلاحات "للشرق الأوسط الكبير".
إن الذي لا بد من ملاحظته في سياسات الولايات المتحدة تجاه البلدان والشعوب خاصة الإسلامية منها هي أنها توظف الواقع السياسي القائم في تلك البلاد لإنهاك قوى الشعوب واستغلالها لإبعادها عن قضاياها، وإيصالها إلى حالة من اليأس والاستسلام للنظم والسياسات التي تفرضها على العالم، فهل يستسلم المسلمون لقوى الكفر وأدواتهم البائسة؟
** المصدر: مجلة صوت الأمة العدد الرابع
السلام عليكم
إن القارئ لهذا الموضوع والمدقق فيه، يجد معظم تحليله عبارة عن استنتاجات سياسية فقط لا علاقة لها بالسياسة العملية، مع تجاهل محطات سياسية هامة بين الإستقلال والإنتخابات، وأخطاء في المعلومات السياسية عن الجزائر، وجهالة بأهمها أحداثها، فضلاً عن التضارب الموجود في التحليل، بل ويجد القارئ أن الموضوع لا يخرج عن ترديد لما ينشر في الصحف هنا وهناك... لا يليق بشباب الحزب إعادة ترديده.
والسلام عليكم
طارق بن زياد
26-03-2013, 05:49 AM
طيب أخي خلافة ، ممكن تبين لنا كيف أن معظم هذا التحليل استنتاجات سياسية فقط؟ و كيف تجاهل صاحب المقال المحطات السياسية الهامة التي مرت بها الجزائر من الإستقلال إلى الإنتخابات ؟و ما هي المعلومات السياسية الخاطئة عن الجزائر في المقال؟ و ما هي الأحداث التي جهلها المصدر و علمتها أنت؟ و أين ورد التضارب في التحليل ؟ و كيف يكون هناك تحليل بدون معلومات مستقات من مصادر صحفية موثوقة ؟؟؟؟ بإجابتك عن هذه الأسئلة تكون قد أوضحت ما تركته عاما و غامضا و لا أتصور أن حامل دعوة من الشباب يليق به مثل ما تفضلت به إذ الأصل في الشاب أن يطرح فكره و يبين واقعه لا أن يكتفي بتعميمات هي في النهاية أقل شئنا من الموضوع المفصل.
khilafa
06-04-2013, 01:51 PM
السلام عليكم
فمنذ أواخر عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، بدأت أميركا تعمل لإعادة صياغة النظام السياسي الجزائري ليتماشى مع سياساتها الدولية الجديدة بالحد من تدخل الجيش في شؤون الحكم للانتقال إلى الديموقراطية
وفي أواخر عهد الرئيس بن جديد، بدأت أولى خطوات إقصاء الجيش من التدخل في شؤون الحكم، من خلال تعديل الدستور الذي قضى بإعادة الجيش إلى الثكنات، والسماح بالتعددية السياسية،...،كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الزعماء الذين تعاقبوا على الحكم في الجزائر منذ أواخر عهد بن جديد وحتى الآن يشتركون بإصرارهم على الحد من تدخل الجيش في شؤون الحكم
فهم الذين أرغموا الشاذلي بن جديد على الاستقالة بسبب محاولاته المتكررة
من المعلوم أن الجيش حكم فعلاً ومباشرة منذ الإستقلال وإلى أيام زروال أي سنة 1999م، فكل الرؤساء خلال هذه الفترة كانوا عسكريين، ولم يواجهوا زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة إلا بوضياف الذي واجه بعض أفرادها (لكنه لم يصمد لإغتياله فضلا عن أنه لم يكن له أي دعم) وبوتفليقة:
* بن بله: كان ضمن أعضاء المنظمة الخاصة العسكرية التي أعلنت الثورة ضد فرنسا بدعم مصري، ثم حاول بومدين أن يستعمله كواجهة في الحكم مع بداية الإستقلال في منتصف 1962م إلا أن بن بله أيضاً - وبدعم وتدبير من عبد الناصر - استعمال قوة بومدين وهيئة الأركان المشرفة على جيش الحدود، ولكنه لم يفلح، لإنقلاب بومدين عليه في منتصف 1965م.
* بومدين: وقد كان هو زعيم زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة، بدون منازع حتى نهاية سنة 1978م.
* الشاذلي: كان عضواً غير بارزٍ ضمن زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة، والذي استقال بمحض إرادته في أول سنة 1992م.
* أما بوضياف (الذي كان منسق أعضاء المنظمة الخاصة العسكرية التي أعلنت الثورة ضد فرنسا): فهو حالة استثنائية حيث أرادت هذه الزمرة الحاكمة استعماله كواجهة ولكن شخصيته غير قابلة للإستعمال خاصة وأنه كان بصدد مواجهة بعض أفرادها، ولذلك تمت تصفيته واغتياله بدون هوادة في منتصف 1992م.
* زروال: (كان يعرف، بحكم أنه كان عسكريا، بعض أعضاء زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة)، وقد استقال بعد مشاكل له مع الجنرال توفيق، حيث لم يوافق زروال بعض قرارات زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة المتعلقة بكيفية التعامل مع ملف العمل المسلح والجبهة الإسلامية.
* بوتفليقة (الذي لم يكن عسكريا): ولكن مع مجيئه بدأ الزمرة العسكرية الحاكمة تحكم بطريق غير مباشر أي أنها من أتت به لتحكم باسمه. ولكن بوتفليقة - وبدعم من أمريكا- استطاع أن ينازعهاأمرها، ولذلك يعتبر هو أول رئيس يحاول مواجهة زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة وقصقصة جناحيها؛ تحت مقولة "لن أقبل أن أكون رئيساً إلا ربع" لن أقبل بثلاث أرباع رئيس". وقد انقسم القرار السياسي منذ مجيء بوتفليقة بين عدّة مراكز أهمّها مركزين هما: مركز رئاسة الجمهورية بقيادة بوتفليقة، ومركز دائرة الاستعلام والأمن بقيادة الجنرال توفيق،...، خاصة ونحن نعلم أن المفروض في بوتفليقة أن يتولى الحكم في أوائل سنة 1994م، ولكن لم يتم ذلك وسحب بوتفليقة ترشحه، ليعيَّن مكانه زروال، لخلافه مع زمرة كبار ضباط الجيش حول الدور المنوط له.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الذي أتي ببوتفليقة من سويسرا هو الجنرال العربي بلخير الذي غادر الجزائر في منتصف التسعينيات نحو سويسرا ثمّ عاد إلى الجزائر حاملاً معه مشروع ترشيح بوتفليقة لرئاسة الجمهورية سنة 1999م، بعد أن انتهى دور زروال وفق رؤية الجنرالين العربي بلخير وتوفيق.
أما القول بأن أولى خطوات إقصاء الجيش من التدخل في شؤون الحكم بدأت مع الشاذلي، فالمعلوم أن تدخّل الجيش أصبح واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار منذ أواخر حكم الشاذلي بن جديد، فحتى ما سمي إقالة الشاذلي مع الإنقلاب على الجبهة الإسلامية في الإنتخابات التشريعية أواخر سنة 1991م، قد تبيّن أنها استقالة بإرادته المنفردة - وهذا ما صرّح في مذكراته الأخيرة - فالشاذلي كان منسجماً مع زمرة كبار ضباط الجيش الحاكمة ولم يكن يعمل ضدها، ولم يعمل للحدّ من تدخلها شؤون الحكم، فهو عسكري مخلص لهذه الزمرة العسكرية لأنه منها، بل ما يمكن قول أنه - باعتباره ممثلا لها في الحكم - أراد تكييف دور الجيش مع الظروف الدولية الجديدة. فالذي جرى منذ أواخر حكم الشاذلي؛ من التخلي عن الإشتراكية والحزب الواحد والتحوّل نحو الديموقراطية والتعدّدية واقتصاد السوق، مرتبط بالتحوّلا الدولية آنذاك المتجهة نحو الديمقراطية والتعدّدية واقتصاد السوق بسبب انهيار الإتحاد السوفياتي الإشتراكي. فالزمرة العسكرية الحاكمة ومن ورائها الجيش هي من أتت ووضعت دستور 1989م وبالتعدّدية انسجاماً منه مع المرحلة الدولية الجديدة، وعليه فالشاذلي لم يعمل على إقصاء الجيش من التدخل في شؤون الحكم، بل إلباس الجيش لبوسا جديدا تكيفا مع هذه المرحلة الجديدة.
ومن قراءة تاريخ الثورة الجزائرية يظهر بشكل واضح أثر الصراع الدولي على الجزائر، خاصة بين الولايات المتحدة وفرنسا على وجه التحديد؛ أما كون عملاء فرنسا في الجزائر وغيرها من الدول الإفريقية كانوا يسيرون في مخططات الإنجليز، فذلك بسبب التقاء المصالح البريطانية – الفرنسية ضد الولايات المتحدة في ذلك الوقت، فلم تكن تملك فرنسا خاصة في شمال إفريقيا إلا الإيعاز لعملائها للتنسيق مع عملاء الإنجليز والسير معهم ضد المخططات الأميركية، وهو ما كان يلبس على المتتبع السياسي حقيقة ارتباط أولئك العملاء، فيظن بأنهم جميعاً عملاء للإنجليز بعباءة فرنسية.
والسؤال المطروح: أين الإنجليز في الجزائر أثناء الثورة التحريرية وبعدها؟ ومن يمثلهم من العملاء قبل وبعد الإستقلال؟ وبالتالي فالفقرة أعلاه لم تذكر ما يدعمها في الواقع الجزائري إن لم نقل أنها استنتاجات منطقية
فقد كانت فرنسا جندت عِبان رمضان ودربته أثناء سجنه في فرنسا سنة 1950م، وأوكلت إليه مهمة السيطرة على الجبهة، حيث كان من أبرز قيادات الثورة
هذا الكلام عن عبّان رمضان لا يوجد عليه أي دليل، بل هو محض استنتاج منطقي فقط. فأين دليل تدريبه أثناء سجنه مثلاً؟؟
وكان بن بلا ينسق مع القادة العسكريين في الداخل عن طريق عبد العزيز بوتفليقه من أجل التصدي للحكومة المؤقتة. وقد عقد بن بلا بعد خروجه من السجن تحالفا مع بومدين، حيث كان هواري بومدين أحد أبرز القادة العسكريين للجبهة،
وهذه العبارة تدلّ على جهل كاتب المقال لأن بروز هواري بومدين وسيطرته على جيش التحرير الوطني باعتباره قائدا لهيئة الأركان ومتحكّما في جيش الحدود، كان مع اقتراب فجر الإستقلال وخاصة منذ دورة المجلس الوطني للثورة الجزائرية التي أعطت دفعا قويا للسباق من أجل الظفر بالسلطة غداة الاستقلال. جعل بومدين - باعتباره غير معروف في أوساط المجاهدين ولا في أوساط الشعب - يسعى إلى محاولة استمالة أحد القادة التاريخيين (خاصة بوضياف أو بن بلة) الموجودين بالسجن بفرنسا (بوضياف، آيت أحمد، بن بله، بيطاط...) لإستعماله كواجهة للحكم بعد الإستقلال بحكم شعبيتهم ومكانتهم عند قادة ومجاهدي الداخل. وقد ارسل بومدين فعلاً رسالة وصلت بوضياف أولاً عن طريق فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا تتضمن عدة نقاط، من أبرزها دعوته للتحالف مع هيئة الأركان، ثم بعدها أرسل بومدين بوتفليقة إلى بوضياف حينما زاره في السجن ضمن الوفد المغربي (للعلم بوتفليقة مغربي المولد وكان ضمن هذا الوفد حتى لا ينكشف لفرنسا أمر اتصالات هيئة الأركان بالقادة التاريخيين في السجن) وجدد عليه عرض بومدين، لكن بوضياف رفض التحالف مع بومدين وهيئة الأركان. وقد علم بن بله بهذه الاتصالات عن طريق بوضياف، (كان هناك اتفاق بين القادة التاريخيين المسجونين الخمسة، يقضي بأن يطلع أي منهم الآخرين على كل جديد، فقد قرأ لهم بوضياف رسالة بومدين) وبعدها نسج بن بلة علاقة مع هيئة الأركان. لقد أراد بومدين استغلال شعبية بن بله في تنفيذ مخططه، ولكن هذا الأخير لم يكن أقل دهاء من الأول، فقد أراد أن يستغل هو الآخر - بدعم من عبد الناصر - قوة بومدين (جيش الحدود)، ولكنه لم يفلح، لإنقلاب بومدين عليه في منتصف 1965م.
والأخطاء الواردة في العبارة اعلاه، هي:
- بوتفليقة فرد من جماعة بومدين وهذا الأخير من استعمله للإتصال بالقادة التاريخيين المسجونين (بوضياف ثم بن بلة)، وليس بن بله من استعمله.
- بن بله لم يكن ينسق من السجن مع القادة العسكريين في الداخل، ... يجب أن نفرّق بين القادة في الخارج (العسكريين الذين كانوا على الحدود مع كل من تونس والمغرب) والقادة في الداخل (قادة الولايات الستة) فالقول بأن بن بله كان ينسق من السجن مع القادة العسكريين في الداخل خطأ، أولاً لأنه ليس منسّقا لأن كل الأمر كان بيد بومدين عن طريق بوتفليقة، وثانياً لأنه لم تكن له اتصالات مع القادة العسكريين في الداخل فما بالك بأن ينسّق معهم. وكل ما في الأمر أن بومدين من بدأ بالإتصال ببوضياف ثم انتقل إلى بن بله الذي قبل أن يتحالف مع بومدين ليكون واجهته في الحكم عند الإستقلال.
وذلك بعدما اتخذت الحكومة المؤقتة قرارا يقضي بحل هيئة الأركان وعزل قائدها بومدين؛ وعلى إثر ذلك تشكلت مجموعتان متنازعتان هما: مجموعة "تيزي أوزو" وكان أبرز قادتها بوضياف وبلقاسم بالإضافة إلى الحكومة المؤقتة وبعض الولايات، وكانت هذه المجموعة تحظى بدعم من تونس وفرنسا. أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة "تلمسان" بقيادة بن بلا ومعه هيئة الأركان وبعض الولايات الأخرى، وكانت تحظى بدعم علني من الإعلام والمخابرات المصرية.
هذه العبارة أيضا تدلّ على جهل كاتبها، نظرا لما يلي:
- أن قرار الحكومة المؤقتة لم يكن لحلّ هيئة الأركان بل لعزل بومدين وعلي منجلي ورفاقهما في القيادة فقط، ولم ينفّذ هذا العزل، بسبب وقوف القوات مع بومدين. ويعتبر كريم بلقاسم من دفع اتحادات جبهة التحرير في كل من تونس والمغرب وفرنسا لإصدار لائحة تطالب الحكومة المؤقتة بالقضاء على تمرّد بومدين ورفاقه بإلغاء هيئة الأركان ذاتها.
- أن تشكل المجموعتان (مجموعة تيزي وزو ومجموعة تلمسان) لم يكن على إثر هذا القرار بالعزل لبومدين، بل كان بعد مؤتمر طرابلس الذي انقسم فيه القادة، ودخول كل القادة إلى الجزائر بعد الإستقلال ومحاولة بومدين عن طريق بن بله الإستقلال بالحكم، فبعد دخولهم تشكلت تلك المجموعتين، ولكن قوة مجموعة تلمسان ممثلة في بومدين وبن بله، ومدعمة من الولاية الأولى والخامسة والسادسة وانضمام جماعة فرحات عباس وجمعية العلماء، ووقد دُعمت هذه المجموعة من الخارج من طرف مصر والمغرب... قلت قوة هذه المجموعة هي التي سمحت لها أن تفرض إرادتها فأنشأت المكتب السياسي (بن بلة وخيضر وبيطاط ومحمدي وبن علا)، الذي أعلن عن قيادة البلاد وإعادة هيكلة جبهة وجيش التحرير، وقتمكن من تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي باعتباره الهيئة الشرعية الجديدة التي استلمت أدوات السيادة والحكم من إدارة الاحتلال، وتبع ذلك تعيين أحمد بن بله رئيسا لحكومة الاستقلال، لينتهي بذلك سباق السلطة بفوز هذه المجموعة.
وفي هذا القدر كفاية... فالذي كتب هذا المقال جهل أمور واستنتج أمور وتجاهل امور (مثل اغتيال بوضياف، العقد الوطني بروما، الإنتخابات الرئاسية 1995م، استقالة زروال، هدنة الجيش الإسلامي للإنقاذ، أثر أحداث 11 سبتمبر 2001م على دور الجيش،...) وتكلم حول أمور بشكل عام...إلخ.
فالرجاء ممن يكتب في هذا الشأن أن يكتب عن علم وتحقيق، وممن ينشر له في المجلة أن يتحقّق من صحة ما كتب قبل أن ينشره.
والسلام عليكم ورحمة الله
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.