المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحليل السياسي: الأبعاد السياسية وراء اغتيال شكري بلعيد



المحرر السياسي
13-02-2013, 11:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

التحليل السياسي
الأبعاد السياسية وراء اغتيال شكري بلعيد
جاءت عملية اغتيال شكري بلعيد رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بتاريخ 6/1/2013م في سياق الصراع المحموم والذي بات دموياً من أجل الوصول إلى السلطة الذي تخوضه المعارضة التونسية منذ فشلها في انتخابات 23/10/2011م .
وتتمثل المعارضة التونسية في الجبهة الشعبية بخاصة التي تضم الأحزاب اليسارية وبخاصة حزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال برئاسة حمة الهمامي وفي حزب نداء تونس الذي نجح في 30/12/2012م في تشكيل جبهة "الاتحاد من أجل تونس" مع الحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. والذي يتبدى جلياً أن اغتيال شكري بلعيد تقف وراءه عناصر أمنية داخلية محترفة مرتبطة بقوى النظام البائد في وزارة الداخلية وفي قطاع رجال الأعمال الفاسدين بزعامة كمال لطيف وبدعم واضح من عناصر قيادية مهمة في نداء تونس والجبهة الشعبية.
والذي يرجح هذا التصور هو سبب استهداف شكري بلعيد شخصياً دون غيره ثم الغايات المرجوة من وراء عملية الإغتيال نفسها.


1) - سبب استهداف شكري بلعيد:
أما لماذا وقع استهداف شكري بلعيد تحديداً دون غيره من زعماء المعارضة؟ فالظاهر أن هناك سببين:
أولاً: محاولة إلصاق التهمة بحركة النهضة خاصة، ذلك أنه بعد أحداث مدينة سليانة في تشرين ثاني/نوفمبر 2012 اتهم علي العريض وزير الداخلية بشكل مباشر شكري بلعيد بأنه يقف وراء أعمال التحريض والحرق والتكسير للمرافق العامة التي وقعت في سليانة وسيدي بوزيد وغيرهما من المدن، ونفس الشيء ذكره حمادي الجبالي دون ذكر أسماء لكنه اتهم الجماعات التي "تتبنى العنف الثوري".
وكان وزير الداخلية أيضاً ألقى خطابا في 30 كانون ثاني/يناير 2012 على إثر تحركات لبعض النقابات الأمنية التي طالبت برحيله، ذكر فيه "أن هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات دول أجنبية". وهو بذلك يرد على سعي حركات المعارضة بزعامة نداء تونس والجبهة الشعبية إلى توظيف بعض الشخصيات الأمنية التابعة لها في صراعها مع حركة النهضة.
وعندما لم تنجح المعارضة في توظيف النقابات الأمنية لإسقاط الحكومة، أسرعت في تحركاتها لضرب مصداقية حركة النهضة في الحكم وفي الرأي العام عبر عملية اغتيال شكري بلعيد وإلصاق التهمة مباشرة بها.
ثانياً: والأرجح أن التخلص من شكري بلعيد قد حصل بسبب رفضه عملية التحالف بين الجبهة الشعبية اليسارية وجبهة الاتحاد من أجل تونس بقيادة نداء تونس.
ففي حين يسعى حمة الهمامي والباجي قايد السبسي، الذين تربطهما علاقات وطيدة مع رجل الأعمال كمال لطيف صاحب النفوذ القوي منذ أيام حكم نظام بن علي، إلى توحيد الأحزاب الفرنكفونية واليسارية في جبهة واحدة من أجل خوض الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في صف واحد ضد حركة النهضة وحلفائها في الحكومة، نجد أن شكري بلعيد كان يرفض ذلك.
فقد ذكر شكري بلعيد في تصريح لإذاعة اكسبرس أف أم أن حركة نداء تونس تتمنى انضمام الجبهة إلى التحالف من أجل تونس لكن هيهات فنحن الأقوى.
وقال بلعيد: "ليس للتحالف من أجل تونس من برنامج سوى التكتل من أجل إقصاء حركة النهضة وهذا ما يتخالف مع العمل السياسي الوطني"، مضيفاً "ليس للتحالف برامج اجتماعية واقتصادية ولن ننضم له".
وقال أيضاً: "نشكر نداء تونس على أمانيهم لكننا لا ننضم لحركة ليبرالية متوحشة"، مضيفاً "ليس للتحالف من أجل تونس حظوظ في الانتخابات القادمة لذلك تريد انضمام الجبهة الشعبية".
ولعل ما فعله حمة الهمامي من ضم لحزب نداء تونس إلى الهيئة التنسيقية لإسقاط الحكومة التي أفرزتها اجتماعات الجبهة الشعبية وأحزاب المعارضة الفرنكفونية مباشرة بعد مقتل شكري بلعيد لهو أكبر دليل على أن التحالف بين أحزاب اليسار والأحزاب الفرنكفونية ما كان ليتم لولا مقتل شكري بلعيد.
وهذا يعني أن الجبهة الشعبية ونداء تونس وكل المعارضة اليسارية والفرنكفونية هي المستفيد الأكبر من اغتيال شكري بلعيد.


2) - الغايات من وراء الإغتيال:
أما الغايات المتوقعة من تحقيق اغتيال شكري بلعيد فيمكن رصد الأسباب التالية:


أولاً: الإنقلاب على نتائج الإنتخابات:
منذ ما بعد انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2011 دخلت حركات المعارضة اليسارية والفرنكفونية بالتعاون مع الإتحاد العام التونسي للشغل في احتجاجات وإضرابات عشوائية يتخللها تكسير وحرق للمقرات والممتلكات العامة.
وفي الفترة الأخيرة توجهت عمليات الحرق إلى مقامات الأولياء والزوايا وذلك من أجل إثبات أن هذه الحكومة عاجزة عن توفير الأمن والآمان اللذيْن كانا موجودين أيام النظام السابق.
ومن خلال تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة يمكن لخصوم الحكومة بزعامة الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي من الوصول إلى حكم البلاد.
وقد ظلت حركات المعارضة في كل الفترة السابقة تضغط على حركة النهضة من أجل إجبارها على التنازل عن وزارات السيادة وقبول حكومة تكنوقراط باسم الشرعية الوفاقية.
وبما أن الحكومة بزعامة حركة النهضة لم تخضع إلى هذه الضغوطات متمسكة بالشرعية الانتخابية وبالسير في مسألة التعديل الوزاري منذ تموز/يوليو 2012، انتقلت المعارضة، بعد أن نفد صبرها، إلى مخطط الجريمة السياسية عبر تصفية شكري بلعيد لعلها تغير قواعد اللعبة الديمقراطية من خلال حشر النهضة ومن معها في الحكومة في مربع الإتهام بصفة مكثفة وتحت استنكار شعبي تمهيداً لإنهاء شرعيتها الإنتخابية واستبدالها بشرعية "ثورية" في الظاهر ولكنها "انقلابية" في الواقع.
وقد ظهر ذلك جلياً في القرارات التي أعلنها حمة الهمامي في الندوة الصحفية التي تلت اجتماع أحزاب الجبهة الشعبية وأحزاب الإتحاد من أجل تونس إثر مقتل شكري بلعيد بساعات قليلة.
وهذه القرارات هي الإضراب العام وتعليق عضوية أعضاء المعارضة في المجلس التأسيسي وتكوين هيئة تنسيقية تتحمل مسؤولية "المطالبة باستقالة الحكومة العاجزة والفاشلة وتعيين حكومة قادرة على استكمال الفترة الإنتقالية".
أما الباجي القائد فقد كان أكثر وضوحاً في إلغاء الشرعية الإنتخابية من تصريحات حمة الهمامي. فقد صرح السبسي في حوار مع قناة نسمة "أن الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي انتهى دورهما لذلك يجب حلهما بصفة نهائية"، وأوضح أن الحكومة في شكلها الحالي لم تعد مؤهلة لتسيير شؤون البلاد وكذلك الشأن بالنسبة للمجلس الوطني التأسيسي الذي لا يمكن تواصل أشغاله بالنظر إلى مصلحة تونس وأمنها استقرارها.
وهكذا جاءت تصريحات حمة الهمامي والباجي قايد سبسي لتؤكد المخطط الإنقلابي الذي تسير فيه أحزاب المعارضة خاصة وأن منها من طالب بتدخل الجيش وتسلم مقاليد الحكم مباشرة وإلغاء نتائج الإنتخابات.


ثانياً: إيقاف تمرير قانون تحصين الثورة:
لقد تم اغتيال شكري بلعيد في نفس اليوم الذي كان فيه مقرراً مناقشة قانون تحصين الثورة أو العزل السياسي لمسؤولي التجمع الدستوري وكل الذين تحملوا مسؤوليات كبرى في الدولة أيام حكم بن علي، وذلك في جلسة عامة بالمجلس الـتأسيسي.
وحيث أن حزب نداء تونس هو المستهدف الأول من قانون تحصين الثورة، فقد سبق للباجي قائد السبسي أن صرح قائلاً: "لن يمر مشروع التحصين السياسي للثورة لأنه أكبر خطأ تقوم به السلطة ومن شأنه أن يشوه صورة تونس عالمياً".
وكرر السبسي نفس المعنى بشكل واضح في حوار مع جريدة المغرب بتاريخ 28/12/2012 بالقول: "النهضة ستغادر الحكم قبل تطبيق قانون تحصين الثورة".
وقبل أسبوع من اغتيال شكري بلعيد، وعندما بدأت اللجنة التشريعية في المجلس الوطني التأسيسي بمناقشة قانون تحصين الثورة تمكنت أحزاب المعارضة وبخاصة نداء تونس الذي له نفوذ في بعض المستويات القيادية بوزارة الداخلية من تحريك بعض النقابات الأمنية التي لم تكتف في اجتماعها العام يوم 28 كانون ثاني/يناير 2013 بالمطالبة بحقوقها المهنية بل رفعت شعارات سياسية أهمها مطالبة وزير الداخلية بالرحيل والتنديد بحكم حركة النهضة.
وقد دفعت هذه التحركات أن يتدخل وزير الداخلية علي العريض بخطاب في 30 كانون ثاني/يناير 2013 كشف فيه أن "هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات أجنبية".


ثالثا: استثمار الإغتيال شعبياً وانتخابياً:
إذا لم تنجح أحزاب المعارضة في إسقاط حكومة الترويكا بزعامة النهضة فإنها سوف تعمل على استثمار مقتل بلعيد وتحويله إلى ما يشبه "تشي غيفارا تونس"، وسيكون ذلك من خلال الضغط في الشارع للوصول إلى حكومة وفاق وطني تكون هي طرفاً فيه.
وإذا ما نجحت في ذلك فإنها سوف تعمل على تعطيل بعض القوانين منها قانون تحصين الثورة وقانون العدالة الإنتقالية، وما يعنيه ذلك من إحداث ارتباك في عمل الحكومة ومنعها من فتح ملفات الفساد المالي والسياسي وملفات التعذيب والقتل التي كان يمارسها جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي في حق المعارضين لنظام زين العابدين بن علي. وبذلك يمثل اغتيال بلعيد الإستثمار الأكبر بالنسبة للمعارضة للوصول إلى الحكم عبر تحقيق التحالف بين أحزاب اليسار بزعامة حمة الهمامي والأحزاب الفرنكفونية بزعامة الباجي قائد السبسي الذين تربطهما علاقات وطيدة مع رجل الأعمال كمال لطيف صاحب النفوذ القوي منذ أيام حكم نظام بن علي وشركائه من عائلة الطرابلسية.
يتبع>>>

المحرر السياسي
13-02-2013, 11:02 AM
3) - الموقف الدولي من الإغتيال:
أما ردود الفعل الدولية فقد جاءت منددة بعملية اغتيال شكري بلعيد، وبخاصة من أميركا وفرنسا وبقية دول أوروبا. وهذا أمر عادي لكن اللافت في الأمر هو التحذير الذي وجهته أميركا بشكل واضح للمعارضة التي تجر البلاد نحو العنف.
فقد أصدرت السفارة الأميركية في تونس بياناً جاء فيه: أنه لا يوجد مبرر لهذا الفعل الشنيع والجبان كما أن العنف السياسي لا مكان له في خضم مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تمر بها تونس. ودعا الحكومة التونسية إلى إجراء تحقيق عادل وشفاف ومهني قصد تقديم الجناة إلى العدالة وفقاً للقانون التونسي والمعايير الدولية .
أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند فقالت "ليس هناك أي مبرر للقيام بعمل من أعمال العنف الوحشية والجبانة من هذا القبيل.. لا مجال للعنف في تونس الجديدة".
أما فرنسا فقد أدان فرانسوا هولاند "بأشد العبارات" عملية الإغتيال كما جاء في بيان لمكتبه أن "هذه الجريمة تحرم تونس من واحد من أكثر الأصوات الشجاعة والحرة".
وفي هذا السياق هناك من يتهم فرنسا مباشرة أو من خلال نفوذها في بعض رجال المخابرات الجزائرية المرتبطين بها، بالتآمر مع حركة نداء تونس ضد حكم النهضة في البلاد وأن لها يداً في مقتل بلعيد بسبب علاقاتها الوطيدة مع قادة الأحزاب الفرنكفونية وعلى رأسهم الباجي قايد السبسي الذي أشيع أنه تقابل مع السفير الفرنسي قبل يوم واحد من مقتل بلعيد، ويستند هؤلاء إلى تصريحات وزير الداخلية الفرنسي منوال كارلوس فالس (Manuel Carlos Valls ) الذي صرَّح يوم 8/2/2013 على إذاعة أوروبا 1 قائلاً: "ثورة تونس ليست مثالاً للربيع العربي، وعلى فرنسا دعم الديمقراطيين ضد الإسلاميين الظلاميين الذين يريدون سجن المرأة التونسية بالحجاب".
وقد احتج حمادي الجبالي على هذه التصريحات الفرنسية باستدعائه السفير الفرنسي في نفس اليوم وصرَّح قائلاً: "الشعب التونسي لن يقبل أي تدخل خارجي مهما اختلف ومهما كانت الأوضاع" ، كما فنّد الجبالي الإشاعات التي راجت حول ضلوع فرنسا في مؤامرة ضد تونس مؤكّداً أن "فرنسا دولة عظمى وصديق".
ومع ذلك فيجب أن يكون واضحاً أن فرنسا لن يصل بها الأمر بل لا يمكنها أن تكرر ما فعلته في الجزائر في عام 1992 عندما أوقفت العملية الإنتخابية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
والسبب في ذلك أن الوضع الدولي والإقليمي لفرنسا لم يعد كما كان عليه الحال قبل عشرين سنة وذلك بالرجوع إلى تغير طبيعة العلاقات بين فرنسا وأميركا التي صارت تقوم على التفاهم والتعاون المشترك بينهما في القضايا الدولية والإقليمية بما في ذلك مناطق النفوذ التقليدية التي كانت تتبع فرنسا وبخاصة في شمال إفريقيا ودول الساحل وجنوب الصحراء.
ومع ذلك فإن هذا لا يمنع بعض مراكز القوى في فرنسا أن تكون متخوفة من فقدان نفوذها الثقافي واللغوي مما يجري في تونس بعد وصول حركة النهضة إلى الحكم، ولذلك نراها تقوم بتحركات واتصالات مع القوى العلمانية ذات التوجه الفرنكفوني في تونس وتقدم لها الدعم الإعلامي وحتى المالي من أجل أن تحافظ لها على مركزها في قيادة الناحية الفكرية في المجتمع وعلى بعض حضورها السياسي في بعض مواقع الحكم.
إن هذا الأمر لا يزعج كثيراً أميركا لأن فرنسا لا تزاحمها من أجل النفوذ بل ربما يمثل ذلك عامل كبح يحول دون تغول حركة النهضة في الحكم، وأهم من ذلك أنه يحول دون إحداث تغيير فكري جذري على مستوى النمط الفكري للمجتمع الذي بدأ يتجه على مستوى الرأي العام والقاعدة الشعبية نحو تبني الإسلام كطريقة في الحياة داخل المجتمع والدولة.
ومع كل ذلك فإن الأمر لن يصل إلى حد أن تأخذ فرنسا على عاتقها بشكل رسمي العمل على إسقاط حكم النهضة لأن ذلك يتنافى وخطة أميركا في تمكين "الإسلاميين المعتدلين" من الحكم حسب شروط "ثورات الربيع العربي". وما يدل على ذلك هو الإعتذار الذي قدمه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في تصريحات لوسائل إعلام فرنسية قائلاً: نحن الفرنسيون ليس علينا، ويجب الانتباه لهذا، أن نتدخل بما يجري في تونس. لكن نحن بالطبع منتبهون وقلقون لأنهم أصدقاؤنا وأبناء عمومتنا". وأضاف "يجب في كل الأحوال إبعاد العنف والتنديد بقتل شكري بلعيد" و"الأمل في أن تجد السلطات والنواب وسيلة للتوصل إلى حل عبر الحوار". وتابع فابيوس "كنت أعتقد في البداية أن تونس هي ربما البلد الذي يمكن أن تحقق فيه الثورة نتائج إيجابية بالطريقة الأكثر هدوء، لأنه بلد ليس كبيراً جداً لكن يملك مستوى نمو قوي وفيه مستوى تعليم هام وتملك فيه المرأة تقليدياً حقوقاً". ومن أجل إظهار دعم فرنسا للشرعية الإنتخابية قال فابيوس أن وزارة الاقتصاد الفرنسية بصدد دراسة طلب من الحكومة التونسية بـ "تحويل قروض فرنسية إلى برامج استثمار". وقد جاء هذا الموقف الفرنسي المعدّل بعد الهجوم الذي شنه السفير الألماني بتونس يانس بلوتنران الذي اعتبر أن موقف وزير الداخلية الفرنسي لا يرتقي إلى الموقف الرسمي. وذكر أن ألمانيا الاتحادية واعية بالوضعية الحرجة التي تعيشها تونس وستساندها في إنجاح تجربتها كما لم تساندها من قبل، مؤكداً أنه سيكون لألمانيا حديث مع الاتحاد الأوروبي من أجل تشكيل موقف أوروبي موحد لمواصلة دعم الانتقال الديمقراطي في تونس. بل إن ماري لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية تهجمت في قناة بي أف أم تي في على وزير الداخلية الفرنسي بالتساؤل: هل عوّض وزير داخليتنا وزير الخارجية ليهتم بالشؤون الخارجية؟ وتساءلت كيف يحشر وزير داخلية فرنسا أنفه في شؤون خارجية؟ وقالت يجب على وزير الداخلية أن يهتم بالجرائم التي تحدث في فرنسا يومياً، مضيفة أن الأمن الفرنسي من عهد ساركوزي إلى عهد هولاند أصبح يتاجر في المخدرات للأطفال والطلبة عوضاً عن مكافحة هذه الآفة، بل إنها اتهمت هولاند بأنه يعرف قتلة شكري بلعيد ودعت في النهاية إلى استقالة وزير الداخلية الفرنسي بعد هذه الفضيحة على حد قولها.
إن تعامل فرنسا مع الأحزاب الفرنكفونية يشبه كثيراً ما تقوم به "إسرائيل" من ربط صلتها ودعمها لبعض الأحزاب السياسية في مصر وتونس ضد حكم الإسلاميين من أجل إحداث توازن في ميزان القوى السياسي في البلد.
وفي هذا السياق يقع فهم ما دعا إليه نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون من وجوب مساعدة ما أسماها "قوى الديمقراطية" في تونس من أجل الوصول إلى الحكم، قائلاً: "أن حزب نداء تونس هو الضامن الوحيد لحسن العلاقة بين إسرائيل وتونس وعلينا دعمه داخلياً وخارجياً"، وأضاف أن هناك مسؤولية أخلاقية وتاريخية ملقاة على عاتق المجتمع الدولي لمحاربة التطرف الديني ومحاربة القاعدة في شمال إفريقيا.

المحرر السياسي
13-02-2013, 11:03 AM
4) - موقف حركة النهضة وحكومة الترويكا:
بعد أن طالب الباجي قايد السبسي وحمة الهمامي بإيقاف عمل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة، بادر رئيس الحكومة حمادي الجبالي بالإعلان عن سعيه لإيجاد حكومة كفاءات وطنية لا تنتمي إلى أي حزب ولا يترشح أعضاؤها في الإنتخابات القادمة.
وقد كان هذا الإعلان من قبل الجبالي القشة التي قصمت ظهر المعارضة وكشفت خطتها الإنقلابية على نتائج صناديق الإقتراع في محاولة لاستنساخ سيناريو الجزائر عام 1992 عبر استدراج الجيش للتورط في اللعبة السياسية وإنهاء حكم الفائزين في الانتخابات وعلى رأسهم حركة النهضة.
لقد نجح حمادي الجبالي من خلال إعلانه عن حكومة كفاءات وطنية في تحقيق ثلاثة أهداف.
أولاً: تقسيم المعارضة إلى نصفين، فهناك منها من دعم دعوته على أساس أن هذا هو مطلبها منذ فوز النهضة بالحكم وسيطرتها على وزارات السيادة، وصارت تدافع عن مقترح حمادي الجبالي خاصة بعد أن رفضت حركة النهضة تصريحاته. أما السبسي والهمامي فقد ظلا متمسكين بمطلب إسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي. إلا أنه بعد فشلهما في المخطط الإنقلابي صارا يدعوان إلى حكومة أزمة يشاركان فيها ويطالبان بحصر مهام المجلس التأسيسي في كتابة الدستور والقانون الإنتخابي وإفراز الهيئة المستقلة للإنتخابات مع وجوب عدم قيامه بأي تشريع لأية قوانين، وهي محاولة من المعارضة لثني المجلس عن المضي في إصدار قانون تحصين الثورة بخاصة.
ثانياً: بما أن الشق الإنقلابي الذي يقف وراء عملية الإغتيال بزعامة الباجي قايد السبسي وحمة الهمامي قد رفض دعوة الجبالي إلى حكومة كفاءات وطنية، فإنه بهذا الرفض يكون قد كشف نفسه أمام الرأي العام وأظهر نواياه المبيتة في الوصول إلى الحكم ولو بإدخال البلاد في أتون الفوضى وحمامات الدم.
ثالثاً: بإعلان حمادي الجبالي عن حكومة كفاءات وطنية يكون قد فوّت على الحركة الإنقلابية تنفيذ مشروعها من خلال هذا التنازل التكتيكي والظرفي الذي أكسب حمادي الجبالي "مصداقية" عند عموم الناس، وإن بدا بمظهر الضعيف، وأعطاه مزيداً من الوقت في امتصاص حالة الغضب والهيجان التي يقودها زعماء المعارضة في مختلف الجهات والمحافظات بالبلاد بغرض استثمارها سياسياً في محاولة منها للقيام بـ"ثورة" ثانية تسقط الحكومة المنتخبة.
إلا أن خطوة الجبالي بالإسراع في الإعلان عن تشكيل حكومة كفاءات لا تخضع لولاءات حزبية قد تمت دون التشاور مع حزبه الذي أعلن رفضه لتلك القرارات التي يرى أنها لا تتماشى وطبيعة المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، والتي تقتضي وجود حكومة سياسية لا حكومة تسيير أعمال عبر التكنوقراط. لقد كشف هذا الأمر عن وجود خلافات بين النهضة وأمينها العام الذي كان يسعى للتوفيق بين جميع الأطراف السياسية في الحكم والمعارضة. وهنا حاول قسم من الأحزاب سواء في الحكم أو في المعارضة على حد سواء دعم مواقف حمادي الجبالي والتمسك به أكثر من تمسكها بمواقف أحزابها إلى درجة أن بعضها استقال من حزبه بسبب دعمه للجبالي في قضية التعديل الوزاري، بل إن بعض أحزاب المعارضة يعمل على استثمار هذا الخلاف بدعوة الجبالي إلى الإستقالة من حركة النهضة وفك ارتباطه براشد الغنوشي. ولكن الراجح أن حركة النهضة سوف تعمل على احتواء هذا الخلاف وتجاوزه. والسبب وراء ذلك أن حمادي الجبالي يدرك جيداً أنه يحتاج إلى حكومة يدعمها حزبه وإلا فإن مآلها إلى السقوط ولو بعد حين وذلك إما بسبب الإبتزاز السياسي الذي يتعرض له من داخل الترويكا خلال مفاوضات التعديل الوزاري أو بسبب التصعيد المستمر من قبل المعارضة الإنقلابية التي تريد إبطال نتائج انتخابات 23 تشرين أول/أكتوبر 2011.
وعليه فإن الراجح أن حمادي الجبالي سوف يسير في تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات كفاءات بطابع سياسي أو حكومة مصغرة تضم وزراء من التكنوقراط في الوزارات التقنية بالإضافة إلى وزراء سياسيين في وزارات السيادة. وإن أي حكومة غير ذلك سوف ينظر إليها باعتبارها انقلاباً على الشرعية وخذلاناً لخيار الناس ورضوخاً لقوى الحركة الإنقلابية التي سوف يشجعها ذلك على المزيد من التصعيد السياسي وزعزعة الإستقرار من أجل الوصول إلى الحكم.
والذي يرجح هذا المسار أن الحكومة لم تبق في موقع المتفرج بل دخلت في مسار المواجهة السياسية مع زعماء الحركة الإنقلابية وبخاصة بعد أن أعلنت النائبة سامية عبو عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بشكل واضح أن الباجي قايد السبسي هو المتهم الأول في مقتل شكري بلعيد، في حين تنادت الكتل البرلمانية المؤيدة للحكومة إلى تكوين جبهة برلمانية للدفاع عن الشرعية الإنتخابية أمام دعوات حل المجلس التأسيسي.
أما الناطق باسم رئاسة الجمهورية عن حزب المؤتمر عدنان منصر فقد أعلن يوم 7/2/2013 "أن رئاسة الجمهورية ستقاضي كل من دعا مؤسستي الجيش والأمن للخروج عن حيادهما والإنقلاب على المؤسسات الشرعية وكل من دعا إلى حل المجلس الوطني التأسيسي"، واعتبر أن "تصريحات بعض السياسيين الداعية إلى إنهاء العمل بالمجلس الوطني التأسيسي غير مسؤولة وهي تعبير عن مسار انقلابي واضح".
ونختم بالقول أن أميركا مازالت لا تمانع في حكم النهضة بتونس ولن تسمح بتدخل الجيش في الحياة السياسية، كما أنها لن تسمح للمعارضة التونسية أو لبعض مراكز القوى السياسية والثقافية والإعلامية في فرنسا أن تهدم قواعد اللعبة الديمقراطية أو نتائج صندوق الإنتخابات، وكذلك لن تسمح أميركا لأي طرف سواء في الحكم أو في المعارضة باللجوء إلى العنف والفوضى والقتل كوسائل لممارسة العملية السياسية أو للإنقلاب على شرعية الإنتخابات؛ فهذا الأمر يخالف الغايات الأساسية التي من أجلها وجدت خطة الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الكبير.
ولعل أكبر دليل على ذلك هو اللقاء الذي حصل يوم 8/2 بين حمادي الجبالي والسفير الأميركي بتونس بالإضافة إلى العديد من سفراء أوروبا من أجل إظهار استمرار اعتراف الدول الغربية بالشرعية الإنتخابية، كما أنه قد ورد في وسائل الأعلام قبل يوم من مقتل بلعيد بأن رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي سيتوجه يوم 18 من الشهر الجاري شباط/فبراير إلى الولايات المتحدة الأميركية .وتأتي هذه الزيارة بدعوة من الإدارة الأميركية من أجل إظهار دعم أميركا الرسمي لحكومة الجبالي، وسيتم فيها لقاءات مع مسؤولين أميركيين وشخصيات سياسية أميركية رفيعة المستوى وستتركز محادثاتها حول المسار الديمقراطي الإنتقالي في تونس وحول مواضيع عربية وإقليمية ودولية أخرى.

2/ربيع الثاني/1434هـ
12/2/2013م