المحرر السياسي
13-02-2013, 11:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
التحليل السياسي
الأبعاد السياسية وراء اغتيال شكري بلعيد
جاءت عملية اغتيال شكري بلعيد رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بتاريخ 6/1/2013م في سياق الصراع المحموم والذي بات دموياً من أجل الوصول إلى السلطة الذي تخوضه المعارضة التونسية منذ فشلها في انتخابات 23/10/2011م .
وتتمثل المعارضة التونسية في الجبهة الشعبية بخاصة التي تضم الأحزاب اليسارية وبخاصة حزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال برئاسة حمة الهمامي وفي حزب نداء تونس الذي نجح في 30/12/2012م في تشكيل جبهة "الاتحاد من أجل تونس" مع الحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. والذي يتبدى جلياً أن اغتيال شكري بلعيد تقف وراءه عناصر أمنية داخلية محترفة مرتبطة بقوى النظام البائد في وزارة الداخلية وفي قطاع رجال الأعمال الفاسدين بزعامة كمال لطيف وبدعم واضح من عناصر قيادية مهمة في نداء تونس والجبهة الشعبية.
والذي يرجح هذا التصور هو سبب استهداف شكري بلعيد شخصياً دون غيره ثم الغايات المرجوة من وراء عملية الإغتيال نفسها.
1) - سبب استهداف شكري بلعيد:
أما لماذا وقع استهداف شكري بلعيد تحديداً دون غيره من زعماء المعارضة؟ فالظاهر أن هناك سببين:
أولاً: محاولة إلصاق التهمة بحركة النهضة خاصة، ذلك أنه بعد أحداث مدينة سليانة في تشرين ثاني/نوفمبر 2012 اتهم علي العريض وزير الداخلية بشكل مباشر شكري بلعيد بأنه يقف وراء أعمال التحريض والحرق والتكسير للمرافق العامة التي وقعت في سليانة وسيدي بوزيد وغيرهما من المدن، ونفس الشيء ذكره حمادي الجبالي دون ذكر أسماء لكنه اتهم الجماعات التي "تتبنى العنف الثوري".
وكان وزير الداخلية أيضاً ألقى خطابا في 30 كانون ثاني/يناير 2012 على إثر تحركات لبعض النقابات الأمنية التي طالبت برحيله، ذكر فيه "أن هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات دول أجنبية". وهو بذلك يرد على سعي حركات المعارضة بزعامة نداء تونس والجبهة الشعبية إلى توظيف بعض الشخصيات الأمنية التابعة لها في صراعها مع حركة النهضة.
وعندما لم تنجح المعارضة في توظيف النقابات الأمنية لإسقاط الحكومة، أسرعت في تحركاتها لضرب مصداقية حركة النهضة في الحكم وفي الرأي العام عبر عملية اغتيال شكري بلعيد وإلصاق التهمة مباشرة بها.
ثانياً: والأرجح أن التخلص من شكري بلعيد قد حصل بسبب رفضه عملية التحالف بين الجبهة الشعبية اليسارية وجبهة الاتحاد من أجل تونس بقيادة نداء تونس.
ففي حين يسعى حمة الهمامي والباجي قايد السبسي، الذين تربطهما علاقات وطيدة مع رجل الأعمال كمال لطيف صاحب النفوذ القوي منذ أيام حكم نظام بن علي، إلى توحيد الأحزاب الفرنكفونية واليسارية في جبهة واحدة من أجل خوض الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في صف واحد ضد حركة النهضة وحلفائها في الحكومة، نجد أن شكري بلعيد كان يرفض ذلك.
فقد ذكر شكري بلعيد في تصريح لإذاعة اكسبرس أف أم أن حركة نداء تونس تتمنى انضمام الجبهة إلى التحالف من أجل تونس لكن هيهات فنحن الأقوى.
وقال بلعيد: "ليس للتحالف من أجل تونس من برنامج سوى التكتل من أجل إقصاء حركة النهضة وهذا ما يتخالف مع العمل السياسي الوطني"، مضيفاً "ليس للتحالف برامج اجتماعية واقتصادية ولن ننضم له".
وقال أيضاً: "نشكر نداء تونس على أمانيهم لكننا لا ننضم لحركة ليبرالية متوحشة"، مضيفاً "ليس للتحالف من أجل تونس حظوظ في الانتخابات القادمة لذلك تريد انضمام الجبهة الشعبية".
ولعل ما فعله حمة الهمامي من ضم لحزب نداء تونس إلى الهيئة التنسيقية لإسقاط الحكومة التي أفرزتها اجتماعات الجبهة الشعبية وأحزاب المعارضة الفرنكفونية مباشرة بعد مقتل شكري بلعيد لهو أكبر دليل على أن التحالف بين أحزاب اليسار والأحزاب الفرنكفونية ما كان ليتم لولا مقتل شكري بلعيد.
وهذا يعني أن الجبهة الشعبية ونداء تونس وكل المعارضة اليسارية والفرنكفونية هي المستفيد الأكبر من اغتيال شكري بلعيد.
2) - الغايات من وراء الإغتيال:
أما الغايات المتوقعة من تحقيق اغتيال شكري بلعيد فيمكن رصد الأسباب التالية:
أولاً: الإنقلاب على نتائج الإنتخابات:
منذ ما بعد انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2011 دخلت حركات المعارضة اليسارية والفرنكفونية بالتعاون مع الإتحاد العام التونسي للشغل في احتجاجات وإضرابات عشوائية يتخللها تكسير وحرق للمقرات والممتلكات العامة.
وفي الفترة الأخيرة توجهت عمليات الحرق إلى مقامات الأولياء والزوايا وذلك من أجل إثبات أن هذه الحكومة عاجزة عن توفير الأمن والآمان اللذيْن كانا موجودين أيام النظام السابق.
ومن خلال تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة يمكن لخصوم الحكومة بزعامة الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي من الوصول إلى حكم البلاد.
وقد ظلت حركات المعارضة في كل الفترة السابقة تضغط على حركة النهضة من أجل إجبارها على التنازل عن وزارات السيادة وقبول حكومة تكنوقراط باسم الشرعية الوفاقية.
وبما أن الحكومة بزعامة حركة النهضة لم تخضع إلى هذه الضغوطات متمسكة بالشرعية الانتخابية وبالسير في مسألة التعديل الوزاري منذ تموز/يوليو 2012، انتقلت المعارضة، بعد أن نفد صبرها، إلى مخطط الجريمة السياسية عبر تصفية شكري بلعيد لعلها تغير قواعد اللعبة الديمقراطية من خلال حشر النهضة ومن معها في الحكومة في مربع الإتهام بصفة مكثفة وتحت استنكار شعبي تمهيداً لإنهاء شرعيتها الإنتخابية واستبدالها بشرعية "ثورية" في الظاهر ولكنها "انقلابية" في الواقع.
وقد ظهر ذلك جلياً في القرارات التي أعلنها حمة الهمامي في الندوة الصحفية التي تلت اجتماع أحزاب الجبهة الشعبية وأحزاب الإتحاد من أجل تونس إثر مقتل شكري بلعيد بساعات قليلة.
وهذه القرارات هي الإضراب العام وتعليق عضوية أعضاء المعارضة في المجلس التأسيسي وتكوين هيئة تنسيقية تتحمل مسؤولية "المطالبة باستقالة الحكومة العاجزة والفاشلة وتعيين حكومة قادرة على استكمال الفترة الإنتقالية".
أما الباجي القائد فقد كان أكثر وضوحاً في إلغاء الشرعية الإنتخابية من تصريحات حمة الهمامي. فقد صرح السبسي في حوار مع قناة نسمة "أن الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي انتهى دورهما لذلك يجب حلهما بصفة نهائية"، وأوضح أن الحكومة في شكلها الحالي لم تعد مؤهلة لتسيير شؤون البلاد وكذلك الشأن بالنسبة للمجلس الوطني التأسيسي الذي لا يمكن تواصل أشغاله بالنظر إلى مصلحة تونس وأمنها استقرارها.
وهكذا جاءت تصريحات حمة الهمامي والباجي قايد سبسي لتؤكد المخطط الإنقلابي الذي تسير فيه أحزاب المعارضة خاصة وأن منها من طالب بتدخل الجيش وتسلم مقاليد الحكم مباشرة وإلغاء نتائج الإنتخابات.
ثانياً: إيقاف تمرير قانون تحصين الثورة:
لقد تم اغتيال شكري بلعيد في نفس اليوم الذي كان فيه مقرراً مناقشة قانون تحصين الثورة أو العزل السياسي لمسؤولي التجمع الدستوري وكل الذين تحملوا مسؤوليات كبرى في الدولة أيام حكم بن علي، وذلك في جلسة عامة بالمجلس الـتأسيسي.
وحيث أن حزب نداء تونس هو المستهدف الأول من قانون تحصين الثورة، فقد سبق للباجي قائد السبسي أن صرح قائلاً: "لن يمر مشروع التحصين السياسي للثورة لأنه أكبر خطأ تقوم به السلطة ومن شأنه أن يشوه صورة تونس عالمياً".
وكرر السبسي نفس المعنى بشكل واضح في حوار مع جريدة المغرب بتاريخ 28/12/2012 بالقول: "النهضة ستغادر الحكم قبل تطبيق قانون تحصين الثورة".
وقبل أسبوع من اغتيال شكري بلعيد، وعندما بدأت اللجنة التشريعية في المجلس الوطني التأسيسي بمناقشة قانون تحصين الثورة تمكنت أحزاب المعارضة وبخاصة نداء تونس الذي له نفوذ في بعض المستويات القيادية بوزارة الداخلية من تحريك بعض النقابات الأمنية التي لم تكتف في اجتماعها العام يوم 28 كانون ثاني/يناير 2013 بالمطالبة بحقوقها المهنية بل رفعت شعارات سياسية أهمها مطالبة وزير الداخلية بالرحيل والتنديد بحكم حركة النهضة.
وقد دفعت هذه التحركات أن يتدخل وزير الداخلية علي العريض بخطاب في 30 كانون ثاني/يناير 2013 كشف فيه أن "هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات أجنبية".
ثالثا: استثمار الإغتيال شعبياً وانتخابياً:
إذا لم تنجح أحزاب المعارضة في إسقاط حكومة الترويكا بزعامة النهضة فإنها سوف تعمل على استثمار مقتل بلعيد وتحويله إلى ما يشبه "تشي غيفارا تونس"، وسيكون ذلك من خلال الضغط في الشارع للوصول إلى حكومة وفاق وطني تكون هي طرفاً فيه.
وإذا ما نجحت في ذلك فإنها سوف تعمل على تعطيل بعض القوانين منها قانون تحصين الثورة وقانون العدالة الإنتقالية، وما يعنيه ذلك من إحداث ارتباك في عمل الحكومة ومنعها من فتح ملفات الفساد المالي والسياسي وملفات التعذيب والقتل التي كان يمارسها جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي في حق المعارضين لنظام زين العابدين بن علي. وبذلك يمثل اغتيال بلعيد الإستثمار الأكبر بالنسبة للمعارضة للوصول إلى الحكم عبر تحقيق التحالف بين أحزاب اليسار بزعامة حمة الهمامي والأحزاب الفرنكفونية بزعامة الباجي قائد السبسي الذين تربطهما علاقات وطيدة مع رجل الأعمال كمال لطيف صاحب النفوذ القوي منذ أيام حكم نظام بن علي وشركائه من عائلة الطرابلسية.
يتبع>>>
التحليل السياسي
الأبعاد السياسية وراء اغتيال شكري بلعيد
جاءت عملية اغتيال شكري بلعيد رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بتاريخ 6/1/2013م في سياق الصراع المحموم والذي بات دموياً من أجل الوصول إلى السلطة الذي تخوضه المعارضة التونسية منذ فشلها في انتخابات 23/10/2011م .
وتتمثل المعارضة التونسية في الجبهة الشعبية بخاصة التي تضم الأحزاب اليسارية وبخاصة حزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال برئاسة حمة الهمامي وفي حزب نداء تونس الذي نجح في 30/12/2012م في تشكيل جبهة "الاتحاد من أجل تونس" مع الحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. والذي يتبدى جلياً أن اغتيال شكري بلعيد تقف وراءه عناصر أمنية داخلية محترفة مرتبطة بقوى النظام البائد في وزارة الداخلية وفي قطاع رجال الأعمال الفاسدين بزعامة كمال لطيف وبدعم واضح من عناصر قيادية مهمة في نداء تونس والجبهة الشعبية.
والذي يرجح هذا التصور هو سبب استهداف شكري بلعيد شخصياً دون غيره ثم الغايات المرجوة من وراء عملية الإغتيال نفسها.
1) - سبب استهداف شكري بلعيد:
أما لماذا وقع استهداف شكري بلعيد تحديداً دون غيره من زعماء المعارضة؟ فالظاهر أن هناك سببين:
أولاً: محاولة إلصاق التهمة بحركة النهضة خاصة، ذلك أنه بعد أحداث مدينة سليانة في تشرين ثاني/نوفمبر 2012 اتهم علي العريض وزير الداخلية بشكل مباشر شكري بلعيد بأنه يقف وراء أعمال التحريض والحرق والتكسير للمرافق العامة التي وقعت في سليانة وسيدي بوزيد وغيرهما من المدن، ونفس الشيء ذكره حمادي الجبالي دون ذكر أسماء لكنه اتهم الجماعات التي "تتبنى العنف الثوري".
وكان وزير الداخلية أيضاً ألقى خطابا في 30 كانون ثاني/يناير 2012 على إثر تحركات لبعض النقابات الأمنية التي طالبت برحيله، ذكر فيه "أن هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات دول أجنبية". وهو بذلك يرد على سعي حركات المعارضة بزعامة نداء تونس والجبهة الشعبية إلى توظيف بعض الشخصيات الأمنية التابعة لها في صراعها مع حركة النهضة.
وعندما لم تنجح المعارضة في توظيف النقابات الأمنية لإسقاط الحكومة، أسرعت في تحركاتها لضرب مصداقية حركة النهضة في الحكم وفي الرأي العام عبر عملية اغتيال شكري بلعيد وإلصاق التهمة مباشرة بها.
ثانياً: والأرجح أن التخلص من شكري بلعيد قد حصل بسبب رفضه عملية التحالف بين الجبهة الشعبية اليسارية وجبهة الاتحاد من أجل تونس بقيادة نداء تونس.
ففي حين يسعى حمة الهمامي والباجي قايد السبسي، الذين تربطهما علاقات وطيدة مع رجل الأعمال كمال لطيف صاحب النفوذ القوي منذ أيام حكم نظام بن علي، إلى توحيد الأحزاب الفرنكفونية واليسارية في جبهة واحدة من أجل خوض الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في صف واحد ضد حركة النهضة وحلفائها في الحكومة، نجد أن شكري بلعيد كان يرفض ذلك.
فقد ذكر شكري بلعيد في تصريح لإذاعة اكسبرس أف أم أن حركة نداء تونس تتمنى انضمام الجبهة إلى التحالف من أجل تونس لكن هيهات فنحن الأقوى.
وقال بلعيد: "ليس للتحالف من أجل تونس من برنامج سوى التكتل من أجل إقصاء حركة النهضة وهذا ما يتخالف مع العمل السياسي الوطني"، مضيفاً "ليس للتحالف برامج اجتماعية واقتصادية ولن ننضم له".
وقال أيضاً: "نشكر نداء تونس على أمانيهم لكننا لا ننضم لحركة ليبرالية متوحشة"، مضيفاً "ليس للتحالف من أجل تونس حظوظ في الانتخابات القادمة لذلك تريد انضمام الجبهة الشعبية".
ولعل ما فعله حمة الهمامي من ضم لحزب نداء تونس إلى الهيئة التنسيقية لإسقاط الحكومة التي أفرزتها اجتماعات الجبهة الشعبية وأحزاب المعارضة الفرنكفونية مباشرة بعد مقتل شكري بلعيد لهو أكبر دليل على أن التحالف بين أحزاب اليسار والأحزاب الفرنكفونية ما كان ليتم لولا مقتل شكري بلعيد.
وهذا يعني أن الجبهة الشعبية ونداء تونس وكل المعارضة اليسارية والفرنكفونية هي المستفيد الأكبر من اغتيال شكري بلعيد.
2) - الغايات من وراء الإغتيال:
أما الغايات المتوقعة من تحقيق اغتيال شكري بلعيد فيمكن رصد الأسباب التالية:
أولاً: الإنقلاب على نتائج الإنتخابات:
منذ ما بعد انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2011 دخلت حركات المعارضة اليسارية والفرنكفونية بالتعاون مع الإتحاد العام التونسي للشغل في احتجاجات وإضرابات عشوائية يتخللها تكسير وحرق للمقرات والممتلكات العامة.
وفي الفترة الأخيرة توجهت عمليات الحرق إلى مقامات الأولياء والزوايا وذلك من أجل إثبات أن هذه الحكومة عاجزة عن توفير الأمن والآمان اللذيْن كانا موجودين أيام النظام السابق.
ومن خلال تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة يمكن لخصوم الحكومة بزعامة الباجي قائد السبسي وحمة الهمامي من الوصول إلى حكم البلاد.
وقد ظلت حركات المعارضة في كل الفترة السابقة تضغط على حركة النهضة من أجل إجبارها على التنازل عن وزارات السيادة وقبول حكومة تكنوقراط باسم الشرعية الوفاقية.
وبما أن الحكومة بزعامة حركة النهضة لم تخضع إلى هذه الضغوطات متمسكة بالشرعية الانتخابية وبالسير في مسألة التعديل الوزاري منذ تموز/يوليو 2012، انتقلت المعارضة، بعد أن نفد صبرها، إلى مخطط الجريمة السياسية عبر تصفية شكري بلعيد لعلها تغير قواعد اللعبة الديمقراطية من خلال حشر النهضة ومن معها في الحكومة في مربع الإتهام بصفة مكثفة وتحت استنكار شعبي تمهيداً لإنهاء شرعيتها الإنتخابية واستبدالها بشرعية "ثورية" في الظاهر ولكنها "انقلابية" في الواقع.
وقد ظهر ذلك جلياً في القرارات التي أعلنها حمة الهمامي في الندوة الصحفية التي تلت اجتماع أحزاب الجبهة الشعبية وأحزاب الإتحاد من أجل تونس إثر مقتل شكري بلعيد بساعات قليلة.
وهذه القرارات هي الإضراب العام وتعليق عضوية أعضاء المعارضة في المجلس التأسيسي وتكوين هيئة تنسيقية تتحمل مسؤولية "المطالبة باستقالة الحكومة العاجزة والفاشلة وتعيين حكومة قادرة على استكمال الفترة الإنتقالية".
أما الباجي القائد فقد كان أكثر وضوحاً في إلغاء الشرعية الإنتخابية من تصريحات حمة الهمامي. فقد صرح السبسي في حوار مع قناة نسمة "أن الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي انتهى دورهما لذلك يجب حلهما بصفة نهائية"، وأوضح أن الحكومة في شكلها الحالي لم تعد مؤهلة لتسيير شؤون البلاد وكذلك الشأن بالنسبة للمجلس الوطني التأسيسي الذي لا يمكن تواصل أشغاله بالنظر إلى مصلحة تونس وأمنها استقرارها.
وهكذا جاءت تصريحات حمة الهمامي والباجي قايد سبسي لتؤكد المخطط الإنقلابي الذي تسير فيه أحزاب المعارضة خاصة وأن منها من طالب بتدخل الجيش وتسلم مقاليد الحكم مباشرة وإلغاء نتائج الإنتخابات.
ثانياً: إيقاف تمرير قانون تحصين الثورة:
لقد تم اغتيال شكري بلعيد في نفس اليوم الذي كان فيه مقرراً مناقشة قانون تحصين الثورة أو العزل السياسي لمسؤولي التجمع الدستوري وكل الذين تحملوا مسؤوليات كبرى في الدولة أيام حكم بن علي، وذلك في جلسة عامة بالمجلس الـتأسيسي.
وحيث أن حزب نداء تونس هو المستهدف الأول من قانون تحصين الثورة، فقد سبق للباجي قائد السبسي أن صرح قائلاً: "لن يمر مشروع التحصين السياسي للثورة لأنه أكبر خطأ تقوم به السلطة ومن شأنه أن يشوه صورة تونس عالمياً".
وكرر السبسي نفس المعنى بشكل واضح في حوار مع جريدة المغرب بتاريخ 28/12/2012 بالقول: "النهضة ستغادر الحكم قبل تطبيق قانون تحصين الثورة".
وقبل أسبوع من اغتيال شكري بلعيد، وعندما بدأت اللجنة التشريعية في المجلس الوطني التأسيسي بمناقشة قانون تحصين الثورة تمكنت أحزاب المعارضة وبخاصة نداء تونس الذي له نفوذ في بعض المستويات القيادية بوزارة الداخلية من تحريك بعض النقابات الأمنية التي لم تكتف في اجتماعها العام يوم 28 كانون ثاني/يناير 2013 بالمطالبة بحقوقها المهنية بل رفعت شعارات سياسية أهمها مطالبة وزير الداخلية بالرحيل والتنديد بحكم حركة النهضة.
وقد دفعت هذه التحركات أن يتدخل وزير الداخلية علي العريض بخطاب في 30 كانون ثاني/يناير 2013 كشف فيه أن "هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات أجنبية".
ثالثا: استثمار الإغتيال شعبياً وانتخابياً:
إذا لم تنجح أحزاب المعارضة في إسقاط حكومة الترويكا بزعامة النهضة فإنها سوف تعمل على استثمار مقتل بلعيد وتحويله إلى ما يشبه "تشي غيفارا تونس"، وسيكون ذلك من خلال الضغط في الشارع للوصول إلى حكومة وفاق وطني تكون هي طرفاً فيه.
وإذا ما نجحت في ذلك فإنها سوف تعمل على تعطيل بعض القوانين منها قانون تحصين الثورة وقانون العدالة الإنتقالية، وما يعنيه ذلك من إحداث ارتباك في عمل الحكومة ومنعها من فتح ملفات الفساد المالي والسياسي وملفات التعذيب والقتل التي كان يمارسها جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي في حق المعارضين لنظام زين العابدين بن علي. وبذلك يمثل اغتيال بلعيد الإستثمار الأكبر بالنسبة للمعارضة للوصول إلى الحكم عبر تحقيق التحالف بين أحزاب اليسار بزعامة حمة الهمامي والأحزاب الفرنكفونية بزعامة الباجي قائد السبسي الذين تربطهما علاقات وطيدة مع رجل الأعمال كمال لطيف صاحب النفوذ القوي منذ أيام حكم نظام بن علي وشركائه من عائلة الطرابلسية.
يتبع>>>