عبد الواحد جعفر
06-12-2012, 10:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أجوبة أسئلة سياسية
(حول ما يجري في كل من مصر وتونس)
أولاً: أحداث مصر
لقد سبق الإعلان الدستوري بحوالي أسبوعين حدث بارز كان قد سبق التحضير له، وهو المطالبة بتطبيق الشريعة فيما عرف بـ "جمعة تطبيق الشريعة" يوم 9/11 والتي دعا إليها من أطلق عليهم (الحازمون) _نسبة للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل_ وقد كانت ردة الفعل عند العلمانيين والأقباط في الداخل والمهجر كبيرة وعنيفة، تنبئ عنها تصريحاتهم الحاقدة، وقد توعد حازم أبو إسماعيل القوى الليبرالية والعلمانية الرافضة لتطبيق الشريعة بـ"قندهارات متكررة" قندهار بالليل وأخرى بالنهار، للوصول إلى تطبيق الشريعة. كما صرّح قائلاً: "الدستور أصبح مرفوضاً تماماً حتى بعيداً عن المادة الثانية"، وصرّح الدكتور عمر عبد العزيز قائلاً: "مستعدون للجهاد من أجل الشريعة ومرسي مثل مبارك إذا لم يطبق الشريعة، ومَن لم يطبق الشريعة فهو كافر".
ثم جاء الإعلان الدستوري في 22/11، فثارت ضجة واسعة قادها العلمانيون ودعمها الأقباط بشكل واسع، وكان يلاحظ أن هناك مبالغة واضحة في تصريحات قادة الأحزاب والقوى العلمانية حتى أن تصريحات تلك القيادات العلمانية مثل البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى وغيرهم كانت متشددة لدرجة أنها لم تترك مخرجاً للرئيس أو حتى حل ترضية، حيث خيرته بين إلغاء الإعلان الدستوري أو التنحي، كما لوحظ إفساح المجال لإظهار وإضفاء هالة واسعة على مدى قوة وشعبية التيار العلماني.
لقد بدا واضحاً أنه تم إظهار إن ما جرى ويجري حالياً في مصر إنما هو صراع من أجل الشرعية الدستورية وصلاحيات الرئيس، وأن طرفي الصراع هما مرسي ومن خلفه من (الإسلاميين)، والعلمانيون وامتدادهم الحقيقي في الشارع القبطي على وجه الخصوص.
وإمام تلك الضجة الواسعة التي أثارها رموز العلمانيين، بدعم من معظم وسائل الإعلام وبخاصة الفضائيات المصرية التي أفسحت المجال الواسع لثرثرتهم التي يتضح منها عداءهم الشديد للإسلام، ثم دعوتهم أنصارهم للتواجد في ميدان التحرير الذي كان الكثيرون ممن تواجدوا فيه من الأقباط، اندفع بالمقابل أهل مصر الغيورون على إسلامهم ومعهم معظم من استقطبهم تيار المطالبين بتطبيق الشريعة إلى دعم مرسي في مواجهة العلمانيين.
وكان معظم من استقطبهم تيار المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية قد أصبحوا أمام خيارين إما دعم مرسي وتأييد الإعلان الدستوري والسير نحو الاستفتاء على الدستور في منتصف هذا الشهر، أو التخلي عنه وما يعنيه ذلك من سيطرة العلمانيين على الحكم وضياع ما يتوهم أنه فرصة لتطبيق الشريعة.
لذلك انطلقت المظاهرة المليونية التي تداعى لها (التيار الإسلامي) وأنصاره من ميدان النهضة في الجيزة يوم 1/12 من هذا الشهر لتأييد الإعلان الدستوري والقرارات التي أصدرها محمد مرسي في 22/11 لتأييد ودعم ما سموه "الشرعية وهوية الأمة ورئيس الدولة المنتخب بإرادة شعبية".
وكان اللافت في هذه المظاهرة أمرين: أن عدد الناس فيها تجاوز المليونين على أقل تقدير حسب مصادر عديدة؛ أي أن عدد المشاركين قد تجاوز ما تم حشده في ميادين مصر حتى أيام "ثورة" إسقاط مبارك، كما أن هذه المظاهرة نزلت تحت شعار "الشرعية والشريعة" من باب التضليل لعامة المسلمين.
ومن الجدير بالانتباه ما حصل مؤخراً من تغيير المجلس الأعلى للقضاء من تشدده مع مرسي باستعداده للإشراف قضائياً على الاستفتاء حول الدستور، وكذلك تأجيل المحكمة الدستورية لحكمها بخصوص حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية إلى أجل غير مسمى، وهو أمر استهجنه نادي قضاة مصر الذي طالب بتعليق عمل المحاكم وبعدم المشاركة في الاستفتاء.
وهذا كله يعني أن صفقة قد تم انجازها بين مرسي والقضاة الكبار للالتفاف على مطلب الأمة في تطبيق الإسلام ووضع دستور إسلامي تكون الشريعة الإسلامية مصدره الوحيد. وقد تم تسويق هذه الصفقة على أساس أنها لتلافي دخول البلاد في أزمة صراع حقيقي بين العلمانيين وبين المطالبين بتطبيق الشريعة، في وقت كثر فيه الحديث إعلامياً عن بوادر "حرب أهلية" تتهدد البلاد!
إن ما يجري حالياً في مصر هو في ظاهره صراع من أجل الشرعية الدستورية وصلاحيات الرئيس وحقيقته التفاف وتضليل للمسلمين من أهل مصر للقبول بدستور علماني بثوب إسلامي رضوخاً لإرادة أميركا والغرب الكافرين، وتدجين للأقباط وأنصار العلمانيين واليساريين لتقبل الثوب الإسلامي الجديد.
وينبغي أن يلتفت اللاهثون وراء الديموقراطية لموقف الأحزاب العلمانية الخاسرة في الانتخابات في مصر التي تريد أن تحكم بالقوة وهي التي صدعت رؤوسنا صباح مساء بالحديث عن "الديمقراطية"، بل وصل الحال ببعضها أن تطالب صراحة بتدخل الدول الأجنبية لدعمها في صراعها مع السلطة القائمة كما حصل من محمد البرادعي في مصر الذي استنجد بأميركا وما حصل من الباجي قائد السبسي في تونس الذي استنجد بفرنسا، هذا فضلاً عن طلب البعض منها بتدخل الجيش!
وأخيراً فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هو موقف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا مما جرى ويجرى في مصر؟
والجواب أنه ومنذ بداية الأزمة دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إلى ملء الفراغ الدستوري الحالي في مصر والذي (لا يمكن حله إلا من خلال تبني دستور يتضمن ضوابط والتزامات ويحترم الحريات الأساسية وحقوق الأفراد).
أما وزيرة الخارجية كلينتون فقالت داعمة للرئيس محمد مرسي أن "حكومة مصر الجديدة تتولى المسؤولية والقيادة التي جعلت هذا البلد لزمن طويل حجر زاوية في الاستقرار والسلم الإقليميين".
وعندما تعالت أصوات المعارضة بالمظاهرات قللت المتحدثة باسم الولايات المتحدة من المخاوف من أن يصبح محمد مرسي حاكماً دكتاتورياً كما تدعي المعارضة بشأن الإعلان الدستوري، ووصفت الوضع في مصر بأنه "مأزق دستوري". فقد ذكرت فكتوريا نولاند قبيل لقاء مرسي بالمجلس الأعلى للقضاء: "لا نزال نجهل ماذا سينتج من هذه اللقاءات. لكننا بعيدون من حاكم ديكتاتوري يقول ببساطة هذا أو لا شيء".
وكررت دعوة الولايات المتحدة إلى إنهاء "المأزق الدستوري بهدف حماية المسار الإيجابي والديمقراطي لهذا الدستور وحماية توازن السلطات والسماح لجميع المصريين بقول كلمتهم".
ثانياً: تونس
أما في تونس فقد استغلت أحزاب الجبهة الشعبية (التي يسيطر عليها اليسار الإستئصالي من أمثال حزب العمال والوطنيين الديمقراطيين) والأحزاب الليبرالية الفرنكفونية (من أمثال الحزب الجمهوري) بالإضافة إلى حزب نداء تونس (الذي يضم بقايا النظام المخلوع ورؤساء الأموال الفاسدين وعلى رأسهم كمال لطيف الذي يمثل حكومة الظل والدولة العميقة)، استغلت هذه الأحزاب حاجات الناس الملحة في التنمية والتشغيل بمدينة سليانة لتقوم بعمليات تجييش شعبي قام بتأطيرها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي يسيطر عليه اليسار الإستئصالي مستغلين حادثة شجار شخصي بين سيدة عضو في النقابة الجهوية وموظف في الولاية. وحيث أن والي سليانة، وهو من حركة النهضة، قد بدأ منذ ثلاث أسابيع في استرجاع 4000 هكتار من أراضي الدولة المنهوبة من قبل التجمعيين المنتميين حالياً لنداء تونس بالتعاون مع نقابيي إتحاد الشغل، فقد جعلت المعارضة التي جيشت الناس للتخلص من الوالي تحت غطاء الحاجة للتشغيل والتنمية وبدأت تطالب بإقالته كمطلب شعبي بعد أن نجحت في ذلك سابقاً في سيدي بوزيد وقفصة.
وهكذا فالمعارضة اليسارية والفرنكفونية تعمل على استغلال قضية التنمية في الجهات الداخلية للدخول في صراع مع حركة النهضة من أجل إفشال عمل الحكومة تحت شعار "الصدام، الصدام حتى يسقط النظام"، مستغلة الرد العنيف الذي قامت به الشرطة بعد أن تم حرق ونهب وتكسير أغلب مؤسسات الدولة في المنطقة باسم العنف الثوري.
أما موقف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا مما يجرى من صراع سياسي حاد بين قوى المعارضة والسلطة القائمة في تونس فقد ورد من مصدر موثوق داخل مقر حزب نداء تونس بتاريخ 31/10/2012 أن الباجي قايد السبسي استدعى سفير أميركا إلى مقر نداء تونس لمحاولة إعطاء انطباع أن أميركا تسانده، فرفض هذا الأخير الحضور وتحجج بالسفر.
وهنا تدخل سفير فرنسا في اتصال هاتفي لإقناع السفير الأميركي بالحضور خاصة بعد أن تسرب خبر الاستدعاء مما يعني التسبب في صفعة للسبسي وحزبه في صورة عدم حضوره. وكانت المقابلة باردة بحضور السبسي ومحسن مرزوق وفوزي اللومي (عضوا لجنة مركزية في التجمع الدستوري سابقاً وعضوين حالياً في الهيئة التأسيسية لنداء تونس). وقد اشتكى هؤلاء للسفير الأميركي وأصروا على إقناعه بالتدخل لصالح كل من كمال لطيف (رئيس حكومة الظل وممول نداء تونس) والسبسي وبعض الرؤوس التجمعية الكبيرة التي ستشملها المحاسبة وفق قانون العدالة الإنتقالية وقانون تحصين الثورة.
وقد حاول هؤلاء استعمال الأسطوانة المعتادة حول السلفيين والإرهابيين لإقناع السفير الأميركي بالتدخل بكل الوسائل ودعمهم مقابل التلميح بإمكانية إعادة النظر في طلب الولايات المتحدة في إرساء قاعدة عسكرية في جنوب تونس الذي جوبه بالرفض من الترويكا في صورة وصولهم للسلطة بدعوى مجابهة الإرهاب.
والتزم السفير الأميركي الصمت طيلة اللقاء وبدت عليه علامات البرود والتهكم. وفي الأخير رد السفير الأميركي بشكل غير منتظر وبمثابة الصاعقة بالنسبة لنداء تونس، وكان جوابه: "استغرب من هذا الطلب نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، فما بالك بشأن قضائي. على كل نحن نراقب الوضع ونفهم الموازين والانتماءات في الساحة السياسية ونلتزم بالسيادة الوطنية التونسية مثلما تعلمون".
وأضاف السفير الأميركي فيما يتعلق بالسلفية قائلاً: "معلوماتنا تقول أن جزءاً كبيراً من الأموال التي صرفت والأشخاص الذين حرضوا ونظموا ونسقوا في أحداث السفارة لهم ارتباط بأطراف ليس لها أي علاقة بهذا التيار وتمولهم شخصيات معروفة كنا نظن بعضها صديقاً، لعلها تريد إحراجنا وإحراج الطرف الحكومي أو تسجيل نقاط سياسية على حكومتكم على حساب أمننا وأمن بلدكم، على كل أظن أنكم تعلمون".
وأضاف "أكيد أنكم تعلمون أن جزءاً لا بأس به وليس الكل من لحى السلفيين إما بلاستيكية أو وقع إطلاقها في الأشهر الأخيرة، على كل لدينا الصور والتسجيلات واطلعنا على التحقيقات التي يجريها جهاز الأمن التونسي في العديد من القضايا. يبدو أننا كما تعلمون بصدد التقاء مصالح غريب".
أما فرنسا التي ذهب إليها السبسي يستجدي الدعم، فقد صرح رئيس بلدية باريس أثناء زيارته لتونس لتوقيع شراكة مع بلدية تونس: "العديد من وسائل الإعلام الفرنسية بصدد ترويج الإشاعات وهي تبالغ في وصف الوضع التونسي بعد الثورة" مضيفاً "في العديد من المرات ترتكب وسائل الإعلام الفرنسية حماقات في حق ما يحدث في تونس".
يتبع>>>
أجوبة أسئلة سياسية
(حول ما يجري في كل من مصر وتونس)
أولاً: أحداث مصر
لقد سبق الإعلان الدستوري بحوالي أسبوعين حدث بارز كان قد سبق التحضير له، وهو المطالبة بتطبيق الشريعة فيما عرف بـ "جمعة تطبيق الشريعة" يوم 9/11 والتي دعا إليها من أطلق عليهم (الحازمون) _نسبة للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل_ وقد كانت ردة الفعل عند العلمانيين والأقباط في الداخل والمهجر كبيرة وعنيفة، تنبئ عنها تصريحاتهم الحاقدة، وقد توعد حازم أبو إسماعيل القوى الليبرالية والعلمانية الرافضة لتطبيق الشريعة بـ"قندهارات متكررة" قندهار بالليل وأخرى بالنهار، للوصول إلى تطبيق الشريعة. كما صرّح قائلاً: "الدستور أصبح مرفوضاً تماماً حتى بعيداً عن المادة الثانية"، وصرّح الدكتور عمر عبد العزيز قائلاً: "مستعدون للجهاد من أجل الشريعة ومرسي مثل مبارك إذا لم يطبق الشريعة، ومَن لم يطبق الشريعة فهو كافر".
ثم جاء الإعلان الدستوري في 22/11، فثارت ضجة واسعة قادها العلمانيون ودعمها الأقباط بشكل واسع، وكان يلاحظ أن هناك مبالغة واضحة في تصريحات قادة الأحزاب والقوى العلمانية حتى أن تصريحات تلك القيادات العلمانية مثل البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى وغيرهم كانت متشددة لدرجة أنها لم تترك مخرجاً للرئيس أو حتى حل ترضية، حيث خيرته بين إلغاء الإعلان الدستوري أو التنحي، كما لوحظ إفساح المجال لإظهار وإضفاء هالة واسعة على مدى قوة وشعبية التيار العلماني.
لقد بدا واضحاً أنه تم إظهار إن ما جرى ويجري حالياً في مصر إنما هو صراع من أجل الشرعية الدستورية وصلاحيات الرئيس، وأن طرفي الصراع هما مرسي ومن خلفه من (الإسلاميين)، والعلمانيون وامتدادهم الحقيقي في الشارع القبطي على وجه الخصوص.
وإمام تلك الضجة الواسعة التي أثارها رموز العلمانيين، بدعم من معظم وسائل الإعلام وبخاصة الفضائيات المصرية التي أفسحت المجال الواسع لثرثرتهم التي يتضح منها عداءهم الشديد للإسلام، ثم دعوتهم أنصارهم للتواجد في ميدان التحرير الذي كان الكثيرون ممن تواجدوا فيه من الأقباط، اندفع بالمقابل أهل مصر الغيورون على إسلامهم ومعهم معظم من استقطبهم تيار المطالبين بتطبيق الشريعة إلى دعم مرسي في مواجهة العلمانيين.
وكان معظم من استقطبهم تيار المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية قد أصبحوا أمام خيارين إما دعم مرسي وتأييد الإعلان الدستوري والسير نحو الاستفتاء على الدستور في منتصف هذا الشهر، أو التخلي عنه وما يعنيه ذلك من سيطرة العلمانيين على الحكم وضياع ما يتوهم أنه فرصة لتطبيق الشريعة.
لذلك انطلقت المظاهرة المليونية التي تداعى لها (التيار الإسلامي) وأنصاره من ميدان النهضة في الجيزة يوم 1/12 من هذا الشهر لتأييد الإعلان الدستوري والقرارات التي أصدرها محمد مرسي في 22/11 لتأييد ودعم ما سموه "الشرعية وهوية الأمة ورئيس الدولة المنتخب بإرادة شعبية".
وكان اللافت في هذه المظاهرة أمرين: أن عدد الناس فيها تجاوز المليونين على أقل تقدير حسب مصادر عديدة؛ أي أن عدد المشاركين قد تجاوز ما تم حشده في ميادين مصر حتى أيام "ثورة" إسقاط مبارك، كما أن هذه المظاهرة نزلت تحت شعار "الشرعية والشريعة" من باب التضليل لعامة المسلمين.
ومن الجدير بالانتباه ما حصل مؤخراً من تغيير المجلس الأعلى للقضاء من تشدده مع مرسي باستعداده للإشراف قضائياً على الاستفتاء حول الدستور، وكذلك تأجيل المحكمة الدستورية لحكمها بخصوص حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية إلى أجل غير مسمى، وهو أمر استهجنه نادي قضاة مصر الذي طالب بتعليق عمل المحاكم وبعدم المشاركة في الاستفتاء.
وهذا كله يعني أن صفقة قد تم انجازها بين مرسي والقضاة الكبار للالتفاف على مطلب الأمة في تطبيق الإسلام ووضع دستور إسلامي تكون الشريعة الإسلامية مصدره الوحيد. وقد تم تسويق هذه الصفقة على أساس أنها لتلافي دخول البلاد في أزمة صراع حقيقي بين العلمانيين وبين المطالبين بتطبيق الشريعة، في وقت كثر فيه الحديث إعلامياً عن بوادر "حرب أهلية" تتهدد البلاد!
إن ما يجري حالياً في مصر هو في ظاهره صراع من أجل الشرعية الدستورية وصلاحيات الرئيس وحقيقته التفاف وتضليل للمسلمين من أهل مصر للقبول بدستور علماني بثوب إسلامي رضوخاً لإرادة أميركا والغرب الكافرين، وتدجين للأقباط وأنصار العلمانيين واليساريين لتقبل الثوب الإسلامي الجديد.
وينبغي أن يلتفت اللاهثون وراء الديموقراطية لموقف الأحزاب العلمانية الخاسرة في الانتخابات في مصر التي تريد أن تحكم بالقوة وهي التي صدعت رؤوسنا صباح مساء بالحديث عن "الديمقراطية"، بل وصل الحال ببعضها أن تطالب صراحة بتدخل الدول الأجنبية لدعمها في صراعها مع السلطة القائمة كما حصل من محمد البرادعي في مصر الذي استنجد بأميركا وما حصل من الباجي قائد السبسي في تونس الذي استنجد بفرنسا، هذا فضلاً عن طلب البعض منها بتدخل الجيش!
وأخيراً فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هو موقف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا مما جرى ويجرى في مصر؟
والجواب أنه ومنذ بداية الأزمة دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إلى ملء الفراغ الدستوري الحالي في مصر والذي (لا يمكن حله إلا من خلال تبني دستور يتضمن ضوابط والتزامات ويحترم الحريات الأساسية وحقوق الأفراد).
أما وزيرة الخارجية كلينتون فقالت داعمة للرئيس محمد مرسي أن "حكومة مصر الجديدة تتولى المسؤولية والقيادة التي جعلت هذا البلد لزمن طويل حجر زاوية في الاستقرار والسلم الإقليميين".
وعندما تعالت أصوات المعارضة بالمظاهرات قللت المتحدثة باسم الولايات المتحدة من المخاوف من أن يصبح محمد مرسي حاكماً دكتاتورياً كما تدعي المعارضة بشأن الإعلان الدستوري، ووصفت الوضع في مصر بأنه "مأزق دستوري". فقد ذكرت فكتوريا نولاند قبيل لقاء مرسي بالمجلس الأعلى للقضاء: "لا نزال نجهل ماذا سينتج من هذه اللقاءات. لكننا بعيدون من حاكم ديكتاتوري يقول ببساطة هذا أو لا شيء".
وكررت دعوة الولايات المتحدة إلى إنهاء "المأزق الدستوري بهدف حماية المسار الإيجابي والديمقراطي لهذا الدستور وحماية توازن السلطات والسماح لجميع المصريين بقول كلمتهم".
ثانياً: تونس
أما في تونس فقد استغلت أحزاب الجبهة الشعبية (التي يسيطر عليها اليسار الإستئصالي من أمثال حزب العمال والوطنيين الديمقراطيين) والأحزاب الليبرالية الفرنكفونية (من أمثال الحزب الجمهوري) بالإضافة إلى حزب نداء تونس (الذي يضم بقايا النظام المخلوع ورؤساء الأموال الفاسدين وعلى رأسهم كمال لطيف الذي يمثل حكومة الظل والدولة العميقة)، استغلت هذه الأحزاب حاجات الناس الملحة في التنمية والتشغيل بمدينة سليانة لتقوم بعمليات تجييش شعبي قام بتأطيرها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي يسيطر عليه اليسار الإستئصالي مستغلين حادثة شجار شخصي بين سيدة عضو في النقابة الجهوية وموظف في الولاية. وحيث أن والي سليانة، وهو من حركة النهضة، قد بدأ منذ ثلاث أسابيع في استرجاع 4000 هكتار من أراضي الدولة المنهوبة من قبل التجمعيين المنتميين حالياً لنداء تونس بالتعاون مع نقابيي إتحاد الشغل، فقد جعلت المعارضة التي جيشت الناس للتخلص من الوالي تحت غطاء الحاجة للتشغيل والتنمية وبدأت تطالب بإقالته كمطلب شعبي بعد أن نجحت في ذلك سابقاً في سيدي بوزيد وقفصة.
وهكذا فالمعارضة اليسارية والفرنكفونية تعمل على استغلال قضية التنمية في الجهات الداخلية للدخول في صراع مع حركة النهضة من أجل إفشال عمل الحكومة تحت شعار "الصدام، الصدام حتى يسقط النظام"، مستغلة الرد العنيف الذي قامت به الشرطة بعد أن تم حرق ونهب وتكسير أغلب مؤسسات الدولة في المنطقة باسم العنف الثوري.
أما موقف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا مما يجرى من صراع سياسي حاد بين قوى المعارضة والسلطة القائمة في تونس فقد ورد من مصدر موثوق داخل مقر حزب نداء تونس بتاريخ 31/10/2012 أن الباجي قايد السبسي استدعى سفير أميركا إلى مقر نداء تونس لمحاولة إعطاء انطباع أن أميركا تسانده، فرفض هذا الأخير الحضور وتحجج بالسفر.
وهنا تدخل سفير فرنسا في اتصال هاتفي لإقناع السفير الأميركي بالحضور خاصة بعد أن تسرب خبر الاستدعاء مما يعني التسبب في صفعة للسبسي وحزبه في صورة عدم حضوره. وكانت المقابلة باردة بحضور السبسي ومحسن مرزوق وفوزي اللومي (عضوا لجنة مركزية في التجمع الدستوري سابقاً وعضوين حالياً في الهيئة التأسيسية لنداء تونس). وقد اشتكى هؤلاء للسفير الأميركي وأصروا على إقناعه بالتدخل لصالح كل من كمال لطيف (رئيس حكومة الظل وممول نداء تونس) والسبسي وبعض الرؤوس التجمعية الكبيرة التي ستشملها المحاسبة وفق قانون العدالة الإنتقالية وقانون تحصين الثورة.
وقد حاول هؤلاء استعمال الأسطوانة المعتادة حول السلفيين والإرهابيين لإقناع السفير الأميركي بالتدخل بكل الوسائل ودعمهم مقابل التلميح بإمكانية إعادة النظر في طلب الولايات المتحدة في إرساء قاعدة عسكرية في جنوب تونس الذي جوبه بالرفض من الترويكا في صورة وصولهم للسلطة بدعوى مجابهة الإرهاب.
والتزم السفير الأميركي الصمت طيلة اللقاء وبدت عليه علامات البرود والتهكم. وفي الأخير رد السفير الأميركي بشكل غير منتظر وبمثابة الصاعقة بالنسبة لنداء تونس، وكان جوابه: "استغرب من هذا الطلب نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، فما بالك بشأن قضائي. على كل نحن نراقب الوضع ونفهم الموازين والانتماءات في الساحة السياسية ونلتزم بالسيادة الوطنية التونسية مثلما تعلمون".
وأضاف السفير الأميركي فيما يتعلق بالسلفية قائلاً: "معلوماتنا تقول أن جزءاً كبيراً من الأموال التي صرفت والأشخاص الذين حرضوا ونظموا ونسقوا في أحداث السفارة لهم ارتباط بأطراف ليس لها أي علاقة بهذا التيار وتمولهم شخصيات معروفة كنا نظن بعضها صديقاً، لعلها تريد إحراجنا وإحراج الطرف الحكومي أو تسجيل نقاط سياسية على حكومتكم على حساب أمننا وأمن بلدكم، على كل أظن أنكم تعلمون".
وأضاف "أكيد أنكم تعلمون أن جزءاً لا بأس به وليس الكل من لحى السلفيين إما بلاستيكية أو وقع إطلاقها في الأشهر الأخيرة، على كل لدينا الصور والتسجيلات واطلعنا على التحقيقات التي يجريها جهاز الأمن التونسي في العديد من القضايا. يبدو أننا كما تعلمون بصدد التقاء مصالح غريب".
أما فرنسا التي ذهب إليها السبسي يستجدي الدعم، فقد صرح رئيس بلدية باريس أثناء زيارته لتونس لتوقيع شراكة مع بلدية تونس: "العديد من وسائل الإعلام الفرنسية بصدد ترويج الإشاعات وهي تبالغ في وصف الوضع التونسي بعد الثورة" مضيفاً "في العديد من المرات ترتكب وسائل الإعلام الفرنسية حماقات في حق ما يحدث في تونس".
يتبع>>>