عبد الواحد جعفر
31-10-2012, 08:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
دردشات
الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية لمقتل وسام الحسن
جاء مقتل العميد وسام الحسن والذي كان يرأس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني في انفجار ضخم بالعاصمة بيروت يوم 19 تشرين ثاني/أكتوبر 2012، ليؤكد مرة أخرى سهولة قلب الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان وإدخاله في دوامة الحرب التي تعيشها سوريا. ورغم أن كل أصابع الإتهام اتجهت نحو النظام السوري وحلفائه حزب الله وإيران بالوقوف وراء هذا الإغتيال، إلا أنه لا يجب استبعاد أن تكون الدول الغربية نفسها وعلى رأسها أميركا وفرنسا، أو إسرائيل باعتبارها جزءاً من المشروع الأميركي، وراء اغتيال وسام الحسن. وبغض النظر عمن كان وراء عملية الإغتيال فإن المستفيد الأكبر حالياً من ذلك هو المشروع الأميركي المسمى بـ "الربيع العربي" والمتعلق بسوريا، ونعني تحديداً إعادة صياغة الوضع السياسي والجغرافي في سوريا عبر تضييق الخناق على النظام السوري عسكرياً من الداخل وإقليمياً من خلال دول الجوار وعلى رأسها لبنان.
فبعد أن نجحت أميركا في التواجد العسكري في شمال الأردن _بعد نقل القوات الأميركية بطاريات من صواريخ الباتريوت من الجانب الإسرائيلي إلى شمال الاردن، واستقدام أكثر من مائة خبير في الحرب الكيماوية، فضلاً عن الطيارين الأميركيين المقيمين قي القواعد الجوية العسكرية الأردنية لقيادة الأسراب العديدة من طائرات إاف 16_ بحجة حماية أمن واستقرار الأردن من إمكانية تدفق اللاجئين أو تسرب الأسلحة الكيماوية من سوريا، وبعد أن دخلت أميركا وإسرائيل في مناورات عسكرية كبيرة من نوعها في تاريخ علاقات البلدين، وبعد أن دخل الطيران التركي على خط المعارك الجوية مع الطيران السوري وبدأ عملياً في فرض المنطقة الآمنة في الشمال السوري دون إذن أو قرار من مجلس الأمن، وبعد أن فرضت أميركا على حكومة المالكي في العراق عدم السماح لإيران بادخال الدعم والعتاد العسكري للنظام السوري، بعد كل هذه الإجراءات لم يبق من دول الجوار السوري لمحاصرة نظام بشار سوى لبنان الذي تقف حكومته موقف المتفرج مما يجري في سوريا بينما يقوم حزب الله الذي يفرض سيطرته عليها سياسيا وعسكريا عليها بالدفاع عن النظام السوري.
وعليه جاء اغتيال وسام الحسن في غايته الأولى للدفع نحو إحداث تغيير في الحكومة الحالية أو تشكيل حكومة جديدة تدعم الثورة السورية وتخرج لبنان من دائرة الإرتهان لحزب الله والنظامين السوري والإيراني.
كما جاء هذا الإغتيال في غايته الثانية للزج بلبنان نحو الإلتحاق بمواقف دول الجوار في دعم المشروع الأميركي في إسقاط نظام بشار وإعادة صياغة سوريا جيواستراتيجياً.
وبناءً على ما تقدم فإنه يمكن القول أن أميركا هي المستفيدة من وراء عملية الإغتيال، حتى ولو أخذنا بفرضية وقوف النظام السوري وعملائه في لبنان وراءها، فإن الدلائل والإشارات التالية تعزز هذا القول:
1_ أن العميد وسام كان له دورٌ كبيرٌ في كشف مخطط للقيام بتفجيرات واغتيالات في منطقة الشمال تستهدف قيادات دينية نصرانية وتجمعات للمسلمين "السنة". وقد اتهم فيها النظام السوري والوزير اللبناني السابق الموقوف حالياً ميشال سماحة والذي ضبطت بحوزته في آب/أغسطس متفجرات وتم تصويره بالفيديو وهو ينقل المتفجرات بسيارته الشخصية من سوريا واعترف بعلاقته برئيس جهاز الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك وذلك بعد مواجهته بمكالمات هاتفية بينه وبين بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد.
2_ رغم أن الحسن يلتزم بكثير من الحذر في تنقلاته؛ لأنه كان يعرف أنه مستهدف، وهذا ما دفعه لإرسال عائلته إلى العاصمة الفرنسية لحمايتها من أي خطر، إلا أنه يبدو أنه كان تحت المراقبة منذ وصوله من باريس في الليلة التي سبقت اغتياله. وهذا يعني أن جهات استخبارية محلية أو اقليمية أو دولية أو حتى من ضمن حلقته الضيقة كانت تترصده في الداخل والخارج قد قامت بتسريبات عن تحركاته؛ وربما كان ذلك انتقاماً منه بسبب الضربات التي وجهها للنظام السوري ووكلائه من حزب الله في لبنان أو كان من أجل دفع المشروع الأميركي الذي تحدثنا عنه قدماً نحو التنفيذ.
3_ كان العميد وسام الحسن مدير المراسم التابع لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري لدى اغتيال هذا الأخير في عملية التفجير وسط بيروت في شباط/فبراير 2005، وكان من المقربين منه، وبعد ذلك صار قريباً من نجله سعد الحريري. وفي عام 2006 عُيِّن رئيساً لشعبة المعلومات التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وخلال الفترة ما بين 2006 و2010 تمكن من توقيف ما يزيد على 30 شبكة تتعامل مع إسرائيل. وقد شكل وسام الحسن مع الرائد وسام عيد _الذي اغتيل سابقاً_ ثنائياً بارزاً في عملية التحقيقات في حادث اغتيال رفيق الحريري، وأظهر تعاوناً جاداً مع التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، وكشف عن أدلة وضعت سوريا وحزب الله وإيران في دائرة الاشتباه. وهذا بحد ذاته يجعله من المستهدفين من قبلهم بقصد التخلص من رجل محسوب على القوى المعارضة للتواجد السوري في لبنان، ومعارض لتغول حزب الله في الحياة السياسية، وضالع أيضاً فى تقصى وقائع اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريرى. ولذلك دعا رئيس الدولة ميشال سليمان الأجهزة الأمنية والقضاء لكشف جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، كما دعا القضاء للإستعجال بإصدار القرارالإتهامي بقضية الوزير الأسبق ميشال سماحة. ومن شأن اغتيال رجل بهذه الأهمية وبهذا التاريخ أن يوجه أصابع الاتهام إلى سوريا وحزب الله، والمستفيد من ذلك هو أميركا، حيث يعزز هذا الاغتيال لدى اللبنانيين شعبياً ورسمياً خطورة هذا النظام عليهم، وضرورة التفكير جدياً بإخراج لبنان من دائرة الإرتهان لحزب الله والنظامين السوري والإيراني.
لقد استغلت قوى الرابع عشر من آذار حادثة اغتيال وسام الحسن لتطالب باستقالة الحكومة اللبنانية التي يرأسها نجيب ميقاتي والتي يعتبرونها حكومة جاءت تحت تهديدات حزب الله. وتعتبر حادثة الإغتيال فرصتهم للتخلص من هذه الحكومة بدعم أميركي مبطن. فخلال مراسم التشييع الحاشد لجنازة وسام الحسن استغل رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة حالة الغضب ليطالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتقديم استقالته، كما ردد الحشد هتافات تقول "الشعب يريد إسقاط الحكومة" و"ارحل ارحل يا نجيب". وعلى إثر ذلك حاول متظاهرون اقتحام السراي الحكومي القريب من موقع التشييع، لكن قوى الأمن تصدت لهم مستخدمة الغاز المسيل للدموع وسط إطلاق نار في الهواء. وهذا ما جعل سعد الحريري يتدخل في حديث متلفز، مطالباً بإسقاط الحكومة بطريقة سلمية، ودعا كل الموجودين في الطرقات أن ينسحبوا فوراً. ومن جهته، قال رئيس حزب الكتائب أمين الجميل "إن من الطبيعي أن تتجه أصابع الاتهام إلى سوريا في قضية اغتيال اللواء الحسن، نظراً للسوابق المسجلة في هذا المجال". وتوقع أن "تسفر الأزمة الراهنة عن استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني".
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فذكر أنه وضع استقالته بعهدة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي طلب منه "فترة زمنية" لكي يتشاور مع هيئة الحوار الوطني. وفي موقف لافت أكد ميقاتي أنه لا يستطيع الفصل بين اغتيال وسام الحسن وقضية ميشال سماحة المتهم بتهريب متفجرات من سوريا إلى لبنان بهدف زرعها في مناطق متفرقة بالشمال. وجدد ميقاتي _بعد اجتماع استثنائي للحكومة_ موقفه بضرورة الحاجة إلى حكومة توافق وطني وشدد على أنه غير متمسك بالمنصب وسيقرر الاستقالة من عدمها، لافتاً إلى أنه سيعتكف حتى يأتيه الرد من رئيس الجمهورية ثم توجه بعد ذلك إلى الحج بتاريخ 22 تشرين أول/أكتوبر بعد أن أعلن أن مجلس الوزراء اتخذ خمسة قرارات على خلفية اغتيال الحسن أبرزها إحالة القضية إلى المجلس العدلي للتحقيق فيها، والاتصال بمختلف الجهات الأجنبية التي تستطيع المساعدة لكشف الجناة.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع التقى الرئيس ميشال سليمان برئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة وبحث معه ضرورة عقد اجتماع لهيئة الحوار في أقرب وقت ممكن من أجل "النأي بلبنان عن الإنعكاسات الخارجية وتمتين الوحدة الوطنية". إلا أن السنيورة أبلغ سليمان عدم المشاركة في أي جلسة حوار وأي نشاط نيابي حتى استقالة الحكومة وقيام حكومة حيادية من خارج مكونات قوى 8 و14 آذار على أن تعمل على نقل البلاد من حال الاحتقان إلى حال الهدوء والاستقرار. وهذا ما أشار إليه بيان كتلة المستقبل الذي أكد "أن جريمة اغتيال اللواء الحسن تأتي في سياق سياسي وأمني واضح خصوصاً بعد انجازاته بكشف شبكات التجسس وانجاز كشف الجريمة المؤامرة التي كان يحضرها النظام السوري بتكليف ميشال سماحة نقل المتفجرات". وجاء في البيان أيضاً "أن انكشاف مؤامرة النظام السوري دفعه مع أعوان له إلى إعداد جريمة الاغتيال وهذا ما كان ليتم لولا الإنكشاف الأمني بدءاً من المطار ومساعدة داخلية".
من الواضح أن قوى الرابع عشر من آذار تحظى بدعم من الولايات المتحدة لكنه مشروط بعدم زعزعة الإستقرار والإبتعاد عن الفراغ، وهذا ما جعل هذه القوى تتمسك بموقفها المطالب بحكومة جديدة. فقد أبدت أميركا تجاوباً مع إجراء تغيير في الائتلاف الحكومي، من خلال تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند التي اعتبرت أن "عدم الاستقرار المصدّر من سوريا يهدد أكثر من أي وقت مضى أمن لبنان"، مؤكدة أنه "يعود إلى اللبنانيين حقيقة أن يختاروا حكومة يكون بإمكانها القضاء على هذا التهديد". كما أعربت عن دعمها للجهود "التي يقوم بها الرئيس سليمان وقادة مسؤولون آخرون في لبنان لتشكيل حكومة فعالة، ولاتخاذ إجراءات ضرورية بعد الاعتداء الإرهابي في 19 تشرين أول/أكتوبر" الجاري. ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تؤيد تغيير الحكومة في لبنان؟ أجابت نولاند بأن "الرئيس سليمان بدأ محادثات مع جميع الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، ونحن ندعم هذه العملية". وأضافت أن واشنطن لا تريد حصول "فراغ سياسي" في لبنان. كما حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من أن أي "فراغ سياسي في لبنان قد تستفيد منه سوريا وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار"، وأضافت: "ندعو كل الأطراف في لبنان إلى دعم العملية التي يقودها الرئيس سليمان لاختيار حكومة فعّالة تتحمّل المسؤولية"، وأن "لا تعمل كوكلاء أو عملاء لقوى خارجية". أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فدعا "لبنان إلى عدم التورط في الأزمة السورية، التي تحاول دمشق دفعه إليها"، لافتاً إلى أن "ما ينتظره حكم بشار الأسد هو تصدير الأزمة السورية إلى لبنان، ويجب على لبنان ألاّ ينجر إلى هذه الأزمة". واعتبر السفير البريطاني في بيروت توم فليتشر من جهته أنه "في حال توافق اللبنانيون على حكومة جديدة فلا دور لنا بل سنقدّم لها الدعم". ومن ناحيتها أكدت كاترين أشتون المفوضة العليا لشؤون السياسة والأمن في الاتحاد الاوروبي بعد لقاءات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الدولة ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري دعمها خطوات الحكومة لضبط الاوضاع وتحقيق الاستقرار، وأشارت إلى "أن الأعمال الإرهابية تؤدي إلى زيادة التوتر". وأبدت الممثلة العليا تخوف أوروبا على استقرار لبنان معتبرة أن البعض يسعى إلى تحييد الأنظار عن الوضع في المنطقة بافتعال مشكلات في لبنان.
يتبع>>
دردشات
الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية لمقتل وسام الحسن
جاء مقتل العميد وسام الحسن والذي كان يرأس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني في انفجار ضخم بالعاصمة بيروت يوم 19 تشرين ثاني/أكتوبر 2012، ليؤكد مرة أخرى سهولة قلب الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان وإدخاله في دوامة الحرب التي تعيشها سوريا. ورغم أن كل أصابع الإتهام اتجهت نحو النظام السوري وحلفائه حزب الله وإيران بالوقوف وراء هذا الإغتيال، إلا أنه لا يجب استبعاد أن تكون الدول الغربية نفسها وعلى رأسها أميركا وفرنسا، أو إسرائيل باعتبارها جزءاً من المشروع الأميركي، وراء اغتيال وسام الحسن. وبغض النظر عمن كان وراء عملية الإغتيال فإن المستفيد الأكبر حالياً من ذلك هو المشروع الأميركي المسمى بـ "الربيع العربي" والمتعلق بسوريا، ونعني تحديداً إعادة صياغة الوضع السياسي والجغرافي في سوريا عبر تضييق الخناق على النظام السوري عسكرياً من الداخل وإقليمياً من خلال دول الجوار وعلى رأسها لبنان.
فبعد أن نجحت أميركا في التواجد العسكري في شمال الأردن _بعد نقل القوات الأميركية بطاريات من صواريخ الباتريوت من الجانب الإسرائيلي إلى شمال الاردن، واستقدام أكثر من مائة خبير في الحرب الكيماوية، فضلاً عن الطيارين الأميركيين المقيمين قي القواعد الجوية العسكرية الأردنية لقيادة الأسراب العديدة من طائرات إاف 16_ بحجة حماية أمن واستقرار الأردن من إمكانية تدفق اللاجئين أو تسرب الأسلحة الكيماوية من سوريا، وبعد أن دخلت أميركا وإسرائيل في مناورات عسكرية كبيرة من نوعها في تاريخ علاقات البلدين، وبعد أن دخل الطيران التركي على خط المعارك الجوية مع الطيران السوري وبدأ عملياً في فرض المنطقة الآمنة في الشمال السوري دون إذن أو قرار من مجلس الأمن، وبعد أن فرضت أميركا على حكومة المالكي في العراق عدم السماح لإيران بادخال الدعم والعتاد العسكري للنظام السوري، بعد كل هذه الإجراءات لم يبق من دول الجوار السوري لمحاصرة نظام بشار سوى لبنان الذي تقف حكومته موقف المتفرج مما يجري في سوريا بينما يقوم حزب الله الذي يفرض سيطرته عليها سياسيا وعسكريا عليها بالدفاع عن النظام السوري.
وعليه جاء اغتيال وسام الحسن في غايته الأولى للدفع نحو إحداث تغيير في الحكومة الحالية أو تشكيل حكومة جديدة تدعم الثورة السورية وتخرج لبنان من دائرة الإرتهان لحزب الله والنظامين السوري والإيراني.
كما جاء هذا الإغتيال في غايته الثانية للزج بلبنان نحو الإلتحاق بمواقف دول الجوار في دعم المشروع الأميركي في إسقاط نظام بشار وإعادة صياغة سوريا جيواستراتيجياً.
وبناءً على ما تقدم فإنه يمكن القول أن أميركا هي المستفيدة من وراء عملية الإغتيال، حتى ولو أخذنا بفرضية وقوف النظام السوري وعملائه في لبنان وراءها، فإن الدلائل والإشارات التالية تعزز هذا القول:
1_ أن العميد وسام كان له دورٌ كبيرٌ في كشف مخطط للقيام بتفجيرات واغتيالات في منطقة الشمال تستهدف قيادات دينية نصرانية وتجمعات للمسلمين "السنة". وقد اتهم فيها النظام السوري والوزير اللبناني السابق الموقوف حالياً ميشال سماحة والذي ضبطت بحوزته في آب/أغسطس متفجرات وتم تصويره بالفيديو وهو ينقل المتفجرات بسيارته الشخصية من سوريا واعترف بعلاقته برئيس جهاز الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك وذلك بعد مواجهته بمكالمات هاتفية بينه وبين بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد.
2_ رغم أن الحسن يلتزم بكثير من الحذر في تنقلاته؛ لأنه كان يعرف أنه مستهدف، وهذا ما دفعه لإرسال عائلته إلى العاصمة الفرنسية لحمايتها من أي خطر، إلا أنه يبدو أنه كان تحت المراقبة منذ وصوله من باريس في الليلة التي سبقت اغتياله. وهذا يعني أن جهات استخبارية محلية أو اقليمية أو دولية أو حتى من ضمن حلقته الضيقة كانت تترصده في الداخل والخارج قد قامت بتسريبات عن تحركاته؛ وربما كان ذلك انتقاماً منه بسبب الضربات التي وجهها للنظام السوري ووكلائه من حزب الله في لبنان أو كان من أجل دفع المشروع الأميركي الذي تحدثنا عنه قدماً نحو التنفيذ.
3_ كان العميد وسام الحسن مدير المراسم التابع لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري لدى اغتيال هذا الأخير في عملية التفجير وسط بيروت في شباط/فبراير 2005، وكان من المقربين منه، وبعد ذلك صار قريباً من نجله سعد الحريري. وفي عام 2006 عُيِّن رئيساً لشعبة المعلومات التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وخلال الفترة ما بين 2006 و2010 تمكن من توقيف ما يزيد على 30 شبكة تتعامل مع إسرائيل. وقد شكل وسام الحسن مع الرائد وسام عيد _الذي اغتيل سابقاً_ ثنائياً بارزاً في عملية التحقيقات في حادث اغتيال رفيق الحريري، وأظهر تعاوناً جاداً مع التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، وكشف عن أدلة وضعت سوريا وحزب الله وإيران في دائرة الاشتباه. وهذا بحد ذاته يجعله من المستهدفين من قبلهم بقصد التخلص من رجل محسوب على القوى المعارضة للتواجد السوري في لبنان، ومعارض لتغول حزب الله في الحياة السياسية، وضالع أيضاً فى تقصى وقائع اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريرى. ولذلك دعا رئيس الدولة ميشال سليمان الأجهزة الأمنية والقضاء لكشف جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، كما دعا القضاء للإستعجال بإصدار القرارالإتهامي بقضية الوزير الأسبق ميشال سماحة. ومن شأن اغتيال رجل بهذه الأهمية وبهذا التاريخ أن يوجه أصابع الاتهام إلى سوريا وحزب الله، والمستفيد من ذلك هو أميركا، حيث يعزز هذا الاغتيال لدى اللبنانيين شعبياً ورسمياً خطورة هذا النظام عليهم، وضرورة التفكير جدياً بإخراج لبنان من دائرة الإرتهان لحزب الله والنظامين السوري والإيراني.
لقد استغلت قوى الرابع عشر من آذار حادثة اغتيال وسام الحسن لتطالب باستقالة الحكومة اللبنانية التي يرأسها نجيب ميقاتي والتي يعتبرونها حكومة جاءت تحت تهديدات حزب الله. وتعتبر حادثة الإغتيال فرصتهم للتخلص من هذه الحكومة بدعم أميركي مبطن. فخلال مراسم التشييع الحاشد لجنازة وسام الحسن استغل رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة حالة الغضب ليطالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتقديم استقالته، كما ردد الحشد هتافات تقول "الشعب يريد إسقاط الحكومة" و"ارحل ارحل يا نجيب". وعلى إثر ذلك حاول متظاهرون اقتحام السراي الحكومي القريب من موقع التشييع، لكن قوى الأمن تصدت لهم مستخدمة الغاز المسيل للدموع وسط إطلاق نار في الهواء. وهذا ما جعل سعد الحريري يتدخل في حديث متلفز، مطالباً بإسقاط الحكومة بطريقة سلمية، ودعا كل الموجودين في الطرقات أن ينسحبوا فوراً. ومن جهته، قال رئيس حزب الكتائب أمين الجميل "إن من الطبيعي أن تتجه أصابع الاتهام إلى سوريا في قضية اغتيال اللواء الحسن، نظراً للسوابق المسجلة في هذا المجال". وتوقع أن "تسفر الأزمة الراهنة عن استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني".
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فذكر أنه وضع استقالته بعهدة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي طلب منه "فترة زمنية" لكي يتشاور مع هيئة الحوار الوطني. وفي موقف لافت أكد ميقاتي أنه لا يستطيع الفصل بين اغتيال وسام الحسن وقضية ميشال سماحة المتهم بتهريب متفجرات من سوريا إلى لبنان بهدف زرعها في مناطق متفرقة بالشمال. وجدد ميقاتي _بعد اجتماع استثنائي للحكومة_ موقفه بضرورة الحاجة إلى حكومة توافق وطني وشدد على أنه غير متمسك بالمنصب وسيقرر الاستقالة من عدمها، لافتاً إلى أنه سيعتكف حتى يأتيه الرد من رئيس الجمهورية ثم توجه بعد ذلك إلى الحج بتاريخ 22 تشرين أول/أكتوبر بعد أن أعلن أن مجلس الوزراء اتخذ خمسة قرارات على خلفية اغتيال الحسن أبرزها إحالة القضية إلى المجلس العدلي للتحقيق فيها، والاتصال بمختلف الجهات الأجنبية التي تستطيع المساعدة لكشف الجناة.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع التقى الرئيس ميشال سليمان برئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة وبحث معه ضرورة عقد اجتماع لهيئة الحوار في أقرب وقت ممكن من أجل "النأي بلبنان عن الإنعكاسات الخارجية وتمتين الوحدة الوطنية". إلا أن السنيورة أبلغ سليمان عدم المشاركة في أي جلسة حوار وأي نشاط نيابي حتى استقالة الحكومة وقيام حكومة حيادية من خارج مكونات قوى 8 و14 آذار على أن تعمل على نقل البلاد من حال الاحتقان إلى حال الهدوء والاستقرار. وهذا ما أشار إليه بيان كتلة المستقبل الذي أكد "أن جريمة اغتيال اللواء الحسن تأتي في سياق سياسي وأمني واضح خصوصاً بعد انجازاته بكشف شبكات التجسس وانجاز كشف الجريمة المؤامرة التي كان يحضرها النظام السوري بتكليف ميشال سماحة نقل المتفجرات". وجاء في البيان أيضاً "أن انكشاف مؤامرة النظام السوري دفعه مع أعوان له إلى إعداد جريمة الاغتيال وهذا ما كان ليتم لولا الإنكشاف الأمني بدءاً من المطار ومساعدة داخلية".
من الواضح أن قوى الرابع عشر من آذار تحظى بدعم من الولايات المتحدة لكنه مشروط بعدم زعزعة الإستقرار والإبتعاد عن الفراغ، وهذا ما جعل هذه القوى تتمسك بموقفها المطالب بحكومة جديدة. فقد أبدت أميركا تجاوباً مع إجراء تغيير في الائتلاف الحكومي، من خلال تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند التي اعتبرت أن "عدم الاستقرار المصدّر من سوريا يهدد أكثر من أي وقت مضى أمن لبنان"، مؤكدة أنه "يعود إلى اللبنانيين حقيقة أن يختاروا حكومة يكون بإمكانها القضاء على هذا التهديد". كما أعربت عن دعمها للجهود "التي يقوم بها الرئيس سليمان وقادة مسؤولون آخرون في لبنان لتشكيل حكومة فعالة، ولاتخاذ إجراءات ضرورية بعد الاعتداء الإرهابي في 19 تشرين أول/أكتوبر" الجاري. ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تؤيد تغيير الحكومة في لبنان؟ أجابت نولاند بأن "الرئيس سليمان بدأ محادثات مع جميع الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، ونحن ندعم هذه العملية". وأضافت أن واشنطن لا تريد حصول "فراغ سياسي" في لبنان. كما حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من أن أي "فراغ سياسي في لبنان قد تستفيد منه سوريا وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار"، وأضافت: "ندعو كل الأطراف في لبنان إلى دعم العملية التي يقودها الرئيس سليمان لاختيار حكومة فعّالة تتحمّل المسؤولية"، وأن "لا تعمل كوكلاء أو عملاء لقوى خارجية". أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فدعا "لبنان إلى عدم التورط في الأزمة السورية، التي تحاول دمشق دفعه إليها"، لافتاً إلى أن "ما ينتظره حكم بشار الأسد هو تصدير الأزمة السورية إلى لبنان، ويجب على لبنان ألاّ ينجر إلى هذه الأزمة". واعتبر السفير البريطاني في بيروت توم فليتشر من جهته أنه "في حال توافق اللبنانيون على حكومة جديدة فلا دور لنا بل سنقدّم لها الدعم". ومن ناحيتها أكدت كاترين أشتون المفوضة العليا لشؤون السياسة والأمن في الاتحاد الاوروبي بعد لقاءات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الدولة ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري دعمها خطوات الحكومة لضبط الاوضاع وتحقيق الاستقرار، وأشارت إلى "أن الأعمال الإرهابية تؤدي إلى زيادة التوتر". وأبدت الممثلة العليا تخوف أوروبا على استقرار لبنان معتبرة أن البعض يسعى إلى تحييد الأنظار عن الوضع في المنطقة بافتعال مشكلات في لبنان.
يتبع>>