المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شركات المساهمة كائنات شاذة وخطرة على المجتمعات والبيئة.



ابواحمد
22-09-2012, 07:12 PM
عصر الشركات الكبرى والحكومات الهزيلة:
بتاريخ : 27-06-1432 الموافق May 31 2011 10:43:08
يشيع اليوم على ألسنة الكُتّاب وأقلامهم عبارة ( زواج السلطة والثروة ) وصفًاّ لظاهرة جديدة تبدو تجلّياتها عندنا في المجالات التالية :
أولا : وجود رجال أعمال في قمة السلطة .. يشغلون مناصب وزراء وليس لهم رصيد معروف في العمل السياسي ، ولا خبرة في إدارة شئون الدولة .. ولا انتخبهم أحد ، أقصد على وجه التحديد أنهم لا يستندون إلى رصيد شعبي ، فلم يمرّوا بتجربة انتخابات حرّة ، ولا حتى مزوّرة كما هو الحال السائد عندنا ..
ثانيا : على نقيض كل التصريحات الحكومية المتكررة من أن الدولة معنية أكبر عناية برعاية مصالح أصحاب الدخل المحدود .. وأنها دائبة العمل على وصول الدعم الشعبي لمستحقّيه .. إلى آخر هذا الكلام الفارغ من المعنى .. على نقيض ذلك كله نشهد يوما بعد يوم أن القوانين والقرارات التي تصدر من الحكومة ومن مجلس شعبها (الذي نتصوّر خاطئين أنه منتخب من الشعب) ، كلها قوانين وقرارات لخدمة فئة قليلة من الأثرياء ورجال المال والأعمال الذين يملكون السلطة الحقيقية في هذه البلاد ..
هذه القوانين والقرارات واجبة التنفيذ تعمل عملا مزدوجا على طول الخط .. فهي نعمة سابغة على الأغنياء تركز الثروة في أيديهم ، وتزيدهم قوة على قوتهم.. وفى نفس الوقت تقلص فُتات الثروة الوطنية من أيدي الفقراء ، فيزدادون فقرا على فقرهم ، وتحيل كل يوم مزيدا من أبناء الطبقة المتوسطة الذين رضوا بالستر في العيش زمنا طويلا إلى فئة الفقراء المعوزين ..
وهكذا تتسع الهوّة دائما بين أصحاب الثراء الفاحش وبين الأغلبية الفقيرة المسحوقة ومعها الطبقة المتوسطة المتآكلة المقهورة .. والمعادلة المفروضة هنا واضحة الدلالة إلى حد مذهل .. فنحن نعلم من دراسة التاريخ ومن الخبرة الطويلة والعميقة أن أبناء الطبقة المتوسطة كان منهم دائما القيادات الثورية التي استطاعت حشد الشعوب للمطالبة بحقوقها في الحرية والعدالة والمساواة .. والمشاركة الفعلية في إعادة توزيع الثروة وفى إدارة شئون بلادهم عن طريق الانتخابات الحرّة .. والتمثيل في المجالس البرلمانية لمراقبة عمل الحكومة وتصحيح مسارها ونزع الثقة منها إذا اقتضت الضرورة ذلك ..
وما أظن أنني بتقرير هذه الحقائق البديهية أضيف إلى معرفة القارئ معلومة غائبة عن ذهنه .. ولكن الجديد هنا ربما هو أنني أزعم أن هذه المعادلة مقصودة قصدا وصادرة من جهات تخطيط أعلى من السلطات المحلية التي نراها وأكثر ذكاء منها ..
وفى نفس الوقت لا يهمها مصلحة هذا الوطن ولا تقدمه ، ولا استقراره على المدى المتوسط أو البعيد .. بل أزعم أنها لا تعبأ حتى بمصلحة هذه النخبة الحاكمة السعيدة بنهب الثروة واغتصاب السلطة .. وهى لا تدرك أن خطاها تتسارع نحو حالة من الفوضى والانهيار الأكيد .. حيث تتربص بالجميع قوى عالمية أخرى تهبط من الجبال عندما تظلم الدنيا ويدلهمّ ليل الظلم والفساد ويبدأ الانهيار الشامل ..
تهبط هذه الغيلان لتحصد الثمار الناضجة وتستولي على كل شيء .. ولن يدرك فرعون الحقيقة إلا في لحظة الغرق فيصيح صيحته التاريخية : لقد آمنت .. ! ويأتيه الرد الأزلي من خلف الحجب : { آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ...!؟ }
لست معنيا بالحديث عن غيلان الأساطير وقصص الأطفال ، ولكني أتحدث عن غيلان القرن الواحد والعشرين .. غيلان حقيقية قررت أن تستولي على كل شبر في هذا الكوكب الأرضي ، وأن تستعبد الشعوب ، وتسخّرها في خدمة نهمها للثروة والسلطة .. وتجعل من النخب الحاكمة في هذا العالم مجرد خدم يطيعون الأوامر .. يسخّرون شعوبهم بالقوانين والإجراءات القمعية لخدمة سيد العالم .. ويتعبدون له في محراب العولمة ..
غيلان هذا العصر هي الشركات العملاقة التي صنعت عندنا بؤرا سرطانية لتركيم الثروة تحت أسماء أشخاص نجهل عن تاريخهم كل شيء .. ثم فوجئنا بهم يملكون كل شيء .. يحتكرون الثروة والأرض والموارد والسلطة .. كل هذا في بضع سنين .. ومع ذلك فهذه هي المرحلة الأولى فقط .. أما المرحلة التالية فهي مرحلة الطوفان .. ما لم يتداركنا الله برحمة من عنده ...!
الشركات العملاقة :
الشركة المعنية هنا هي الشركة المساهمة .. وهى مؤسسة اقتصادية ضخمة ذات تركيبة خاصة، تحكمها مجموعة من القواعد، ولها قانون خاص يحدد وجودها وصلاحيتها وأوجه نشاطها .. ولها هدف محدد هو السعي بكل وسيلة لتحقيق أقصى قدر من الربح لحملة الأسهم فيها.. فأين هي المشكلة إذن ..؟
هذا النوع من الشركات (بلا استثناء)، وبحكم تصميمه وقانونه الخاصين قد أثبت تاريخياً ، وفى مجال الممارسة العملية أنه خطر على المجتمعات وعلى البيئة .. وأنه قد تسبب – ولا يزال – في كوارث كثيرة وخطيرة على حياة البشر بل على حياة الكوكب الأرضي برمته .
وهذا ما دفع أحد كبار رجال القانون إلى اعتبار الشركة المساهمة كائناً شاذاً يتميز بسلوك َمَرضى بالغ الخطورة ، وليس هذا كلام ناشط يساري ولا متحمس من أنصار البيئة ، بل كلام أستاذ القانون بجامعة "بريتش كولومبيا" ومفكر مشهور إنه "جوئل باكان" الذى خصص لهذا الموضوع كتابا كاملا .. فقد أدرك فى وقت مبكر حقيقة السلوك الخطر للشركات ، ورأى أن هذا السلوك قد أثار كثيرا من الإشكالات والتساؤلات ، ولذلك يحاول في هذا الكتاب الإجابة على هذه التساؤلات:
كيف أصبحت الشركة بهذه القوة الغاشمة ..؟ ما طبيعة هذه الشخصية الباثولوجية ..؟ وكيف تؤثر بنفوذها وقوتها الطاغية على البيئة والمجتمعات .. وأخيرا ً: ماذا ينبغي عمله لكبح جماح هذا الكائن الشرس ومواجهة مخاطره ..؟
ولأن المؤلف يوجه خطابه إلى الجماهير العريضة وليس للمتخصصين وحدهم فقد تجنّب استخدام المصطلحات الأكاديمية المستغلقة ، دون تضحية بالدقة التي يتطلبها البحث العلمي ، ولكي يوضح مجاله الموضوعي يقول: إنني معنىّ بشركات الأعمال التجارية والصناعية (الأنجلو أمريكية) مستبعداً الشركات الصغيرة المحدودة .. والشركات التي لا تقوم على الربح .. وكذا التي يملكها فرد واحد ملكية شخصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة ..
أما لماذا يركز على الشركات الأنجلو أمريكية ..؟ فجوابه : إنها أكبر الشركات العالمية وأكثرها قوة ، وهى التي جاءت العولمة لتنشر آثارها المدمرة فيما وراء حدودها الوطنية ...

ابواحمد
22-09-2012, 07:14 PM
النشأة والتطور:
يرجع ظهور الشركات المساهمة لأول مرة في بريطانيا إلى القرن السادس عشر الميلادي ، وهي غير الشركات التي سادت قبلها، وكانت تقوم على أكتاف عدد قليل من الناس جمعهم معاً الولاء الشخصي والثقة المتبادلة، فوضعوا أموالهم في صندوق واحد لإنشاء شركات يملكونها ويديرونها بأنفسهم.
أما الشركة المساهمة فهي نمط آخر: الملكية فيها منفصلة عن الإدارة .. بمعنى أن هناك مجموعة من المديرين يقومون بإدارة الشركة بينما مجموعة أخرى من حملة الأسهم هم الذين يملكونها .. وهذه التركيبة العجيبة بطبيعتها معرضة للفساد وتفريخ الجرائم، كما يعتقد كثير من المفكرين والباحثين ، ويضرب على هذا مثالاً بواحدة من أقدم الشركات الإنجليزية للنقل البحري التي أنشئت عام 1710م وجعلت نشاطها في أمريكيا الجنوبية .. كانت تعمل في تجارة الرقيق ، ولكنها زعمت لحملة الأسهم أنها تورد الجبنة الشستر والشمع والمخلل ،وغير ذلك من السلع الإنجليزية الرخيصة، وتعود محملة بمكاسب هائلة من الذهب والفضة ..
وباختصار شديد: انهارت الشركة بسبب الفساد والكساد والطاعون، وتبخرت أموال المساهمين في غمضة عين، فتفجرت ثورة عنيفة في "وست منستر" حي الإدارات الحكومية والبرلمان .. وقتل أحد حملة الأسهم مدير الشركة مما اضطر الملك للعودة مسرعاً إلى لندن من رحلة كان يقوم بها، حيث عقد البرلمان الذي استدعى رؤساء الشركة وحاكمهم، وأصدر في النهاية قانوناً يجرّم إنشاء شركة مساهمة ..
منذ هذا التاريخ وعلى مدى ثلاثمائة عام تالية ظلت الشركات تحشد قوى كبيرة رفعتها فوق سلطة الحكومات.
وهكذا تحولت الشركات المساهمة التي استطاعت الحكومة الإنجليزية إلغاءها بجرة قلم سنة 1720 إلى كائن خرافي بالغ الشراسة يسيطر على الحكومات والمجتمعات ...
فكيف تمكنت الشركات من قوتها الهائلة التي أصبحت تمتلكها الآن..؟
يقول المؤلف: أصحاب رءوس الأموال تحت غواية الدعاية بحصد أرباح بلا حدود كان يدفعهم إلى المال نهم غير محدود .. ولكن عائقاً قانونياً كان يحد من قدرة الشركات على اجتذاب مزيد من حملة الأسهم .. ذلك لأن القانون القديم للشركات اعتبر حملة الأسهم مسئولين عن أخطاء إدارة الشركات وديونها ، فإذا صدر حكم بتسديد هذه الديون وقع الغُرم على حملة الأسهم ، لا بسبب فقدانهم لقيمة الأسهم فقط ، وإنما قد يخرجون من كل ما يملكون من مال وعقارات أخرى حتى يتم تسديد الديون...
فماذا فعلت الشركات ..؟ ظلت تضغط على الحكومات لاستصدار قانون (المسئولية المحدودة) الذي بمقتضاه يصبح حملة الأسهم غير مسئولين عن أخطاء الشركة وديونها إلا في حدود ما يملكون فيها من أسهم ...
منذ هذه اللحظة من عام 1898م بدأت تتدفق على الشركات الأمريكية أموال طائلة .. كما تدفق عليها حملة الأسهم من كل مكان .. وشهدت السنوات الست التالية عصر الشركات المساهمة العملاقة التي تقلص عددها خلال عمليات اندماج كبرى من 1800 شركة إلى 157 شركة فقط ..
وخلال القرن العشرين تضاعف عدد حملة الأسهم من عشرات الألوف إلى مئات الألوف من الأفراد المساهمين ... وهنا تبرز مشكلة أخرى: وهى أن هذا العدد الهائل من البشر ليس لهم أي تأثير على القرارات التي تصدرها إدارة الشركة باسمهم .. لماذا ..؟ لأنهم أفراد مبعثرون في مواقع متباعدة لا رابطة بينهم أصبحوا شخصيات مجهولة .. تبددت قوتهم ، وأصبح من المستحيل عليهم أن يتصرفوا تصرفاً جمعياً .. هذا الوضع كان من شأنه أن يطلق يد رجال الإدارة في اتخاذ القرارات والسيطرة على هذه الشركات سيطرة مطلقة ...
ومن ثم برزت مشكلة قانونية وهى: من المسئول عن سلوك الشركة خصوصاً أنه قد أصبح من الصعب الإشارة إلى شخص بعينه باعتباره مسئولاً عنها .. ؟ ولأن القرارات تُتخذ بشكل لا يمكن معه تحديد شخص بعينه مسئولاً عنها فنحن أمام مأزق حقيقي .. فما المخرج من هذا المأزق ..؟ لقد قرر المشرعون أن الشركة المساهمة "شخصية اعتبارية" ومن ثم فهي مسئولة عن نفسها أمام القانون والمحاكم ، يعنى أصبحت الشركة المساهمة كما قال أحد أساتذة القانون سنة 1911: ( كائناً حراً مستقلاً أمام القانون ) ...
ويعلق جوئيل باكان على ذلك قائلاً: " أي كائن بشع غريب هذا الذي لا قلب له ولا عاطفة ولا قدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية ولا الإحساس بمشاعر الآخرين .. !! "
فلما أدرك الناس هذه الحقيقة تزايدت عندهم مشاعر الخوف والكراهية ، واتضح للشركات أنها بحاجة ماسة إلى أن تصطنع وجهاً إنسانياً تستعيد به محبة الناس ، ومن ثم اتجهت الحملات الإعلانية[ لشخصنة الشركة في أعين الجماهير ].. وعكست الشركات صورتها في الإعلام باعتبارها كائنات خيرة صاحبة (مسئولية اجتماعية)..
ولكن ككل دعاية أمريكية: تمضى الصورة الإعلامية في طريق وتسلك المؤسسة صاحبة الصورة في طريق آخر متناقض مع هذه الصورة الوردية .. وظل أثر الشركات في استغلال البشر والإضرار بالمجتمع محسوساً متفاقماً حتى عام 1934م عندما جاء الرئيس "فرانكلين روزفلت" بسلسلة من القوانين والإجراءات عرفت باسم (العهد الجديد) New Deal ليضع حداً لهذا الغول المفترس ...
والعهد الجديد عبارة عن مجموعة من الإصلاحات والإجراءات التنظيمية المتكاملة استهدفت التغلب على الكساد الاقتصادي الذي عم في تلك الفترة .. وإعادة الحياة الصحية للاقتصاد المريض نتيجة للحريات المفرطة والصلاحيات غير المحدودة التي كانت تمارسها المؤسسات الاقتصادية على نطاق واسع ...
وظل تأثير العهد الجديد ملموساً حتى انحسرت موجته تماماً سنة 1980 في عهد الصديقين: رونالد ريجان الأمريكي ومسز تاتشر البريطانية ، وبدأت الحكومات الغربية تحذو حذوهما بإطلاق حرية الشركات التي ألزمت الحكومات بالتخلي عن دورها في توجيه الاقتصاد الوطني .. وعدم اللجوء إلى القوانين والإجراءات التي تستهدف تنظيم عمل الشركات والرقابة عليها .. بل فرضت على الحكومات التوسع في خصخصة القطاع العام .. وتخفيض سقف الإنفاق الحكومي .. وتقليل التضخم المالي ...
وهكذا بحلول التسعينيات من القرن العشرين كان المناخ مهيّئًا تماما لتتربع فكرة (حرية السوق على عرش الاقتصاد ) ..
وأصبحت الليبرالية الجديدة هي إنجيل الاقتصاد العالمي .. وقد دعم سطوة الشركات العملاقة ما حدث من تقدم هائل في تكنولوجيا المواصلات والاتصالات، وأصبحت أكبر خطر يهدد الحكومات، خصوصاً بعد ظهور الشركات متعددة الجنسيات أو عابرة القارات ( كما يسمونها ) فلم يعد لها مكان ثابت يمكن تعيينه أو التصويب عليه... لقد أفلت الجِنَّي ذو القوة الخارقة من القمقم وحلق في سماء العولمة، وأصبح الكوكب الأرضي كله مجالاً لنشاطه ينزل في أي مكان منه حيث يشاء وينطلق منه .. منتقلاً إلى بلد آخر متى شاء بلا حدود ولا قيود ...
المسئولية الاجتماعية على المحك:
تزعم الشركات العملاقة أنها قادرة على تنظيم نفسها بنفسها ، وليست في حاجة إلى حكومات تنظمها، وتفاخر بمبادراتها الاجتماعية والبيئية ، وأن لديها أقساماً وخبراء لتنفيذ ومراقبة برامجها في المسئولية الاجتماعية وانطلقت حملات دعائية كبرى في التليفزيونات تهلل وتبارك لظهور فجر عصر جديد أصبح فيه للشركات دور فاعل في رعاية المجتمع والحفاظ على بيئة نقية وصحية ..
فهل لهذا الضجيج من حقيقة ..؟ وهل يمكن أن يكون لهذا الكلام مصداقية ..؟
يقول المؤلف: من الناحية القانونية .. يجرم القانون أي سلوك يناقض تعظيم أرباح حملة الأسهم .. وليس للمديرين أي حق أو سلطة قانونية لاستهداف أي أعمال خيرية .. ولم يجد رجال الإدارة مخرجاً من هذا المأزق إلا بالاعتراف بالحقيقة ، وهي أنهم بممارسة المسئولية الاجتماعية إنما يسعون بعملهم هذا لتعظيم أرباح الشركة، بما يكسبون من دعاية .. وما يحصلون عليه من تخفيضات ضريبية نظير هذه الأعمال الخيرية ..

ابواحمد
22-09-2012, 07:15 PM
بذلك تبقى الشركة محتفظة بجوهرها ، كائناً جشعاً أنانياً..[ فهي شخصية سيكوباتية من طراز مروّع ] .. ويشرح لنا المؤلف هذه الحقيقة في عشرات الأمثلة نكتفي بالإشارة إلى بعضها .
من هذه الأمثلة شركة فايزر التي ترسل دواء مجانياً لبعض دول أفريقيا لعلاج مرض "التراكوما" الذي يتسبب في حالات كثيرة من فقد البصر .. ولكن لا تخسر الشركة بهذه التبرعات شيئاً .. بل تكسب أضعاف ما تنفق من ناحيتي الدعاية والضرائب كما أشرنا ..
فإذا نظرنا إلى الحقيقة من زاوية أخرى لرأينا الوجه القبيح لشركات الأدوية العالمية .. فهذه الشركات تملك أموالاً طائلة ولديها مراكز أبحاث متقدمة ونخبة كبيرة من العلماء .. وتستطيع لو أرادت أن تطور أدوية جديدة لبعض الأمراض القاتلة التي تحصد ملايين البشر كل عام في بلاد العالم الثالث ، مثل أمراض السل والملاريا والإيدز .. ولكنها لا تفعل ، والسبب المؤلف هو أن تكاليف استخدام أدوية جديدة تفوق العائد منها ، حيث أن 80% من سكان العالم الذين يعيشون في هذه البلاد الفقيرة يمثلون 20% من سوق الدواء العالمي ، يخص أفريقيا كلها 3.1% بينما نجد أن 20% من سكان العالم الغني يعيشون في أوربا وأمريكا الشمالية واليابان، ولكنهم يمثلون 80% من سوق الدواء ، ولذلك تطور الشركات لهذه البلاد أدوية لعلاج أمراض الترف مثل الصلع والعقم والعنّة .
بل إن تطوير أدوية جديدة لعلاج الاضطرابات النفسية لحيواناتهم المنزلية لها أولوية فوق أدوية المرضى في العالم الفقير ...
الشخصية السيكوباتية:
سوف يلاحظ المراقب المحلل أن الدعاية الواسعة للشركات العملاقة لتحسين صورتها والكلام عن (المسئولية الاجتماعية) هو في الحقيقة كلام في الهواء .. ودعايات مبالغ فيها لا تغير الطبيعة الجوهرية لهذه الشركات في سباقها المحموم لتكديس الثروة وعدم المبالاة بحياة البشر أو معاناتهم ، وفي هذا تتجلى الشخصية الحقيقية للشركة فهي كائن سيكوباتي مريض يتسم بكل الخصائص المميزة للشخصية السيكوباتية كما يعرفها علماء النفس ...
ويوضح لنا "روبرت هير" أستاذ علم النفس في دراسة له هذه الحقيقة عندما يستعرض قائمة لسمات الشخصية السيكوباتية في تطبيقها على سلوك الشركة فيقول: " تتمحْور الشركة حول مصالحها الأنانية فقط .. تماماً كما يفعل الشخص السيكوباتي .. وسنجد تماثلاً مذهلاً في جميع السمات السيكوباتية كلما تعمقنا في دراسة سلوك الشركة : الإفراط في تقدير قيمة الذات (نحن الأفضل .. نحن رقم 1)، عدم القدرة على التقمص العاطفي ، أو الشعور بمشاعر الآخرين وآلامهم .. اتجاهات مدمرة ضد اجتماعية .. عدم القدرة على الشعور بالندم .. حتى عندما تعبّر عن أسفها فإن عبارات الندم تخلو تماماً من بطانتها الوجدانية .. فهي مجرد كلمات جوفاء لا تعبر عن ندم جُوّاني حقيقي .. ومحاولة الشركة أن تنتمي إلى الجماهير إنما تسلك سلوك السيكوباتي في محاولة انتمائه إلى الآخرين بطريقة سطحية .. فهي تستخدم الكلمات المحببة كنوع من المهارة اللغوية التي يجيدها السيكوباتي (النصاب) عادة .. إنها تستخدم نفس القناع لتخفي حقيقتها الجوانية ...
إنرون كنموذج للشخصية السيكوباتية:
كانت شركة "إنرون" ( لعهد قريب ) من أكبر شركات الطاقة في الولايات المتحدة .. ظل يُضرب بها المثل في احتضانها للمسئولية الاجتماعية .. ودأبت كل عام على تضمين تقاريرها السنوية برامج المسئولية الاجتماعية التي أنجزتها ، وتعهدت بالعمل الجاد على خفض تسرب الغازات الضارة بالبيئة .. وتدعيم الاتفاقات الدولية لوقف تدهور المناخ الكوني ، كما تعهدت أن تضع في صلب عملياتها الصناعية قضايا حقوق الإنسان والبيئة والصحة والسلامة والشفافية .. واعتذرت عن تسرب 29 ألف برميل نفط من سفنها على سواحل أمريكا اللاتينية ، ووعدت ألا يتكرر هذا الخطأ بعد ذلك أبداً .. كما عدّدت المساعدات السخية التي قدمتها لمجتمعات المدن التي تعمل بها .. وأنها خصصت اعتمادات مالية كبيرة لمنظمات أدبية ، وللمتاحف والمعاهد التعليمية وجماعات المحافظة على البيئة ، ولأغراض خيرية أخرى حول العالم ...
وتكرر في تقاريرها السنوية القول المأثور: إن قيادة المؤسسة ينبغي أن تضع المثل الأعلى في خدمة المجتمع ..! كلام وردي جميل ولكن لا صدى له في الواقع العملي، فهذه القيادة المثالية هي نفسها التي أفسدت الشركة وتلاعبت بأسهمها في البورصة ، ونشرت تقارير مالية زيفتها لها شركة محاسبات أخرى فاسدة ..
فأقبل الناس على شراء الأسهم بأسعار عالية بينما إدارة الشركة على علم تام بأن أسهم الشركة لم تعد تساوى شيئاً .. وهكذا نهبت قيادات الشركة ملايين الدولارات ، ثم تركتها تنهار على رؤوس حملة الأسهم ...
تبرز لنا قصة انهيار شركة إنرون حقيقتين كبيرتين .. أولاهما أن الهوة واسعة بين الصورة الخيرة التي ترسمها الشركات لنفسها بحذق وبين واقعها الإجرامي .. والحقيقة الثانية تتمثل في هوس الشركات بحصد الأرباح وولعها بمخالفة القواعد والقوانين .. والتلاعب بالناس .. وهذه كلها خصائص متجذرة في ثقافة الشركات الكبرى بلا استثناء .. ولكن الفرق في حالة إنرون أنها أخذت هذه الخصائص إلى مدى أبعد من قدرتها على الاحتمال والصمود فانتهت بتدمير نفسها .. ومما يذكر هنا أن هذه الشركة كانت قد أسهمت بأموال طائلة للإنفاق على الحملات الدعائية في الإنتخابات الرئاسية لصالح جورج دبليو بوش .. وبطبيعة الحال ظل الرجل وفيّا للشركة لآخر لحظة فى حياتها .. وسنرى أن شركة هاليبارتون قد قامت بدور مماثل في تدعيم ديك تشينى وإدارة بوش بصفة عامة .. وهى الآن تجنى ثمار ما أنفقته عشرات المليارات من عملياتها في العراق وفى دول أخرى بالشرق الأوسط ...
ربح الشركات لها ومغارمها على الآخرين:
الشركة باعتبارها كائناً سيكوباتياً لا يمكنها أن تسلك سلوكاً أخلاقياً أو تكف عن إيذاء الآخرين في سبيل تحقيق مصالحها الأنانية .. فما دامت الشركة تحقق مزيداً من الأرباح لا يهمها ماذا يخسر الآخرون بسبب نشاطها أو عملياتها الإنتاجيه ، وقد أصبح لهذا الاتجاه مصطلح متداول في إدارة الشركات Externalization والمعنى العملي لهذا المصطلح يجعل من حق الشركة أن تذهب في خفض تكاليف الإنتاج إلى المدى الذي يمكن أن يعود بالضرر على الآخرين ، فهذه ليست مشكلة الشركة وإنما ( في نظرها ) هي مشكلة الآخرين ...
ولتوضيح هذه الحقيقة نضرب المثال التالي : الشخص الذي يتحمل اتساخ ملابسه بسبب (الهباب) الذي ينفثه مصنع قريب من بيته أو مكان عمله .. ويتحمل نفقات إضافية لغسيل وكي هذه الملابس المتسخة ، بينما يحصل صاحب المصنع أرباحاً إضافية وفرها من عدم اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة : مثل بناء مداخن عالية أو تركيب (فلاتر) لمنع العوادم بدلاً من نفثها في الهواء .. أو نقل المصنع إلى مكان بعيد عن المناطق السكنية ..!
والحقيقة أن تأثير هذا الاتجاه في تحميل الآخرين وزر الشركات له أبعاد مأساوية في حياة البشر، وهو يكشف عن خطر هذه المخلوقات المفترسة التي لا تعبأ بشئ في سبيل تحقيق مزيد من الأرباح وتقليص التكاليف .. تذكر كارثة مصنع كاربايد الذى انفجر في قرية هندية وسط السكان .. والذي راح ضحيته آلاف الضحايا ولا يزال يحصد ضحايا من المواليد المعوقين والمشوهين ..
وتذكر أيضا إصرار شركة كندية مماثلة على إقامة مصنعها الكيماوي في دمياط رغم أنف سكان المنطقة ورغم معرفة أصحاب الشركة خطورة وجود مصنعهم في وسط المناطق الآهلة بالسكان .. دعك من مناقشة غباء واستهتار المسئولين في الحكومة التي سمحت [من البداية وبدون دراسة حقيقية ] لهذه الشركة بإقامة مثل هذا المصنع دون اعتبار بسلامة السكان وصحتهم بل وحياتهم أيضا ...!

ابواحمد
22-09-2012, 07:15 PM
جنرال موتورز نموذج آخر :
من أمثلة المآسي المترتبة على تقليص تكاليف الإنتاج يتضح لنا من دراسة قضية السيدة "باتريشيا أندرسون" ضد شركة سيارات "جنرال موتورز" التي سمحت بوضع خزان وقود في تصميم واحدة من سياراتها الصغيرة في موضع معرض للانفجار لأي تصادم خفيف مع سيارة أخرى ، وقد تسبب إنفجار سيارة السيدة باتريشيا بالفعل في حروق مؤلمة غطت 60% من جسمها وأجسام أربعة من بناتها كنّ معها في نفس السيارة ، واضطر الأطباء لقطع ذراع إحدى بناتها لإنقاذ حياتها .. ونتبين من تقرير الخبراء وتحقيقات المحكمة الحقائق الآتية:
1- أن وضع خزان الوقود بالسيارة قريباً أكثر مما ينبغي من الصدام الخلفي للسيارة هو السبب الرئيسي لانفجارها فور وقوع حادثة التصادم .
2- أن جميع السيارات من هذا الطراز بها نفس هذا العيب .
3- أن مصمم السيارة ( باستجوابه ) قرر أنه خيّر إدارة الشركة بين تصميم أكثر أماناً بتكلفة أعلى قليلاً ، وبين تصميم أقل تكلفة ولكنه أقل أماناً ، فاختارت الأقل تكلفة رغم أن الفرق لم يزد عن ( ستة دولارات فقط لكل سيارة ) .
4- أن الشركة ( بوعي كامل ) قامت بتحليل التكاليف والعوائد ، وقدرت قيمة التعويضات المحتملة للضحايا ، ثم اتخذت قرارها بناء على هذا التحليل .
وبناء عليه حكمت المحكمة على الشركة بدفع تعويضات للسيدة باتريشيا وبناتها بلغت أكثر من مليون دولار .. وضمّنت قرارها غياب الوازع الأخلاقي في عملية الإنتاج وعدم مراعاة قدسية حياة البشر .. وهنا كان اعتراض الغرفة التجارية على الحكم لأنه يضرب في الصميم مبدأ (تحليل التكاليف والعوائد) الذي يعتبره رجال الأعمال القاعدة الأساسية للشركات .. لم يكن اعتراض رجال الأعمال على قيمة التعويضات ولكن على تأسيس حكم على الوازع الأخلاقي..!!
جرائم التكلفة الصناعية في العالم الثالث:
مغامرة قام بها باحث اسمه "باتريس كيرنهام" كرّس حياته للكشف عن المخالفات القانونية والإنسانية للشركات عابرة القارات في العالم الثالث .. وشمل بحثه عدداً من البلاد الآسيوية وأمريكا اللاتينية .. وكان عليه أن يحتال لكي يصل إلى مواقع هذه الشركات ويدخلها.. فإدارة الشركات ( بالاتفاق مع السلطات المحلية ) ترفض الإدلاء بأسماء مصانعها أو عناوينها لأي باحث متطفل .. ولكنه وقع على كنز ثمين وهو يبحث في أكوام المخلّفات الصناعية بجمهورية الدومينيكان حيث عثر على دفاتر وسجلات بصندوق مغلق تحتوي على تفاصيل دقيقة لحسابات تكاليف صنع القمصان الرجالي .. وتبين له أن خياطة القميص مقسمة إلى 22 عملية صغيرة تستغرق كلها 6 دقائق للقميص وهو ما يساوي (8 سنتات أجرة للعامل) بينما يباع هذا القميص نفسه في الولايات المتحدة بمبلغ 23 دولارا ً.
أما حياة العمال من الأطفال والبنات الصغيرات فنموذج حي للبؤس والتعاسة ، فقد شاهد كيرنهام كيف تعمل البنات الصغيرات تحت رقابة حُرّاس غلاظ الأكباد ، وكيف يتعرضن للإهانة والضرب على أبسط هفوة يرتكبنها .. ويخضعن بصفة دورية لاختبارات حمل قسرية ، فمن وجدت حاملاً تطرد على الفور من المصنع .. أما العمل فهو روتيني ممل متكرر ، ويتم تحت أنوار مبهرة مدمرة للأعصاب .. وتستغرق دورية العمل اليومية من 12 إلى 14 ساعة .. أماكن العمل مرتفعة الحرارة ولا توجد بها تهوية أو تكييف .. وبها دورات مياه قليلة العدد .
وليس هذا من قبيل الصدفة .. ومياه الشرب شحيحة تصرف بحساب دقيق لتقليل الحاجة إلى ترك العمل والذهاب إلى دورة المياه .
يقول كيرنهام: عادة ما تعمل الفتاة حتى تبلغ الخامسة والعشرين فتطرد من العمل ، لأنها تكون قد استُهلكت تماماً ، ولم تعد تصلح للاستخدام .. ومن ثم تجلب الشركة محصولاً جديداً من الفتيات .. وتحصد من عملهن مليارات الدولارات بينما لا يزيد أجر الواحدة منهن على ثلاثين سنتاً في الساعة ... عمالة شبه مجانية تستغل الشركات عابرة القارات فيها ملايين الأطفال الذين يدفعهم الجوع والفقر للعمل في أتعس بيئة للعمل ، وقبول أجور لا تسمن ولا تغنى من جوع ..
إنها ظروف عمل مهينة – على حد قول كيرنهام – يُقصد بها إنتزاع آدمية الإنسان منه .. وهي جزء لا يتجزأ من منظومة الشركة: طاحونة تجرف كل شيء لتحطيمه .. ففي قلب كل شركة آلية رهيبة تعمل على تعظيم أرباحها ، وترغم الآخرين على دفع مغارمها من حياتهم وكرامتهم ...
شاهد من أهلها:
استيقظت ضمائر بعض رجال الأعمال بعد أن ثبت لهم مدى خطورة الشركات على حياة الناس والبيئة .. وأجرى ( جوئل باكان ) معهم لقاءات تحدثوا فيها عن لحظة يقظتهم .. يقول أحدهم وهو روبرت مونكس: " كانت أول مرة أشعر بأن في الشركات شيئاً خاطئاً عندما كنت مسافراً في رحلة عمل واستيقظت في جوف الليل على التهاب حاد في أنفى وعيني ورأيت من النافذة كميات هائلة من رغاوي بيضاء تطفو على سطح النهر الذي يمر من أمام الفندق ، وعلمت في الصباح أن مصنعاً للورق قد اعتاد أن يلقى بهذه النفايات الكيماوية الكريهة الرائحة في مياه النهر كل ليلة ..
منذ هذه اللحظة أدركت أن الشركة بتركيبتها الاستغلالية خطر محقق على المجتمع .. إننا ونحن نتكالب على الربح نخلق كائناً مرعباً سوف يدمرنا جميعاً ".
وقصة رجل أعمال آخر ومدير إحدى الشركات الكبرى لم يكن يدرك شيئاً عن تأثير عوادم المصانع في تلويث البيئة والقضاء على الحياة فيها .. حتى تبينت له الحقيقة من خلال قراءاته التي اضطرته بعض الظروف الطارئة للقيام بها .. يقول: كان هذا الكشف بمثابة حربة انغرست في صدري .. ومرّت بي لحظات شعور أليم بالذنب تغيرت فيها عقيدتي بل مجرى حياتي كله .. كان "راى أندرسون" يعتقد مثل غيره من رجال الأعمال أن الأرض لا نهاية لما في باطنها من مواد خام .. وأنها مستودع لا نهاية لقاعه في استيعاب السموم والنفايات التى تقذف بها كل لحظة .. ولكنه بدأ يفيق إلى خطورة إلقاء مغارم الشركات على أكتاف الآخرين ...
جنرال إليكتريك:
جميع الشركات الكبرى لها سجل حافل في هذا المجال وهناك عشرات الأمثلة ، تطرقنا إلى بعضها ، وهذا مثل آخر لشركة جنرال إليكتريك التي بلغت مخالفاتها القانونية أبعاداً كارثية .. فبين سنة 1990 وسنة 2000م ارتكبت هذه الشركة 43 مخالفة كبرى .. وصدرت ضدها أحكام محاكم لا حصر لها .. تضمنت هذه المخالفات: تلويثاً رهيباً للتربة والمياه والأنهار والهواء في مواقع عديدة وبأسلوب نمطي متكرر .. وكذلك دفن نفايات كيماوية سامة.. والتسبب في سقوط طائرات نتيجة أخطاء صناعية جسيمة في أجزاء وقطع غيار قامت بإنتاجها .. وكذب في الإعلان عن ماكينات بها عيوب خطيرة تعلم مسبقاً بوجودها ، إلى غير ذلك من مخالفات قانونية .. وقد بلغت الغرامات المالية في بعض القضايا إلى 147 مليون دولار ..
ومع ذلك ظلت الشركة (العالمية المشهورة) تكرر نفس المخالفات بعناد وإصرار غريبين ...
إن مدير أي شركة ( فيما يقول روبرت مونكس ) يسأل نفسه كم تكلفني إطاعة القانون وكم تكلفني مخالفته ..؟ فإذا رجحت كفة المخالفة على كفة الطاعة اتخذ قراراه بالمخالفة ولا يبالى.. إن المجرمين الحقيقيين يتسترون وراء (الشخصية الاعتبارية) التي منحها القانون للشركات فخلق بذلك مسخاً يفوق خطره خطر دراكولا الأسطوريّ ...

ابواحمد
22-09-2012, 07:16 PM
مؤامرة لقلب نظام الحكم في البيت الأبيض:
هذه واقعة موثقة في سجلات تحقيقات الكونجرس الأمريكي ، أُلّفت عنها كتب لعل من أهمها كتاب "جولز آرتشر" بعنوان: المؤامرة على البيت الأبيض صدر سنة 1973. ولكن القصة ترجع إلى سنة 1933 عندما أُنتخب فرانكلين روزفلت رئيساً للإدارة الأمريكية ،وكانت الولايات المتحدة تمر بكساد اقتصادي مروّع ، ورأى روزفلت أنه لا مخرج من هذا الكساد إلا بشل اليد الخفية التي تلعب في السوق .. وكان يقصد يد الشركات والبنوك الكبرى ، ومن ثم جاء بما سمى بـ (العهد الجديد) مما ألمحنا إليه سابقاً .. وهو مجموعة من القوانين والإجراءات التنظيمية وهيئات الرقابة ، كلها تؤدى مهمة متكاملة تستهدف تقوية سيطرة الحكومة على البنوك والشركات ، وتمنح بعض الحقوق العادلة للعمال .. ووصف روزفلت منظومته هذه بأنها (منظومة تستهدف منفعة جمهور واسع من المواطنين ، بدلاً من المنظومة السابقة التي لم تكن معنية إلا بامتيازات طبقة خاصة من الناس ، دأبت على ترديد فكرة أن آليّات السوق وحدها كافية للخروج من الأزمات الاقتصادية وإعادة التوازن الاقتصادي ).. [ وقد ثبت أن هذا الزعم خرافة كبيرة تجرى على ألسنة رجال المال والأعمال وترددها وسائل الإعلام بلا كلل ..
ولكن آليّات السوق المزعومه لم تنقذ أمريكا من أسوأ كوارسها الاقتصادية .. وأزمة الرهن العقاري ماثلة الآن للعيان .. والذي يخرج أمريكا من أزماتها الماحقة عمليات نهب متواصلة لثروات العالم .. وفائض أموال بترول دول الخليج التي تُضخّ كل يوم في البنوك الأمريكية .. وغسيل أموال المخدرات التي تقوم بها أجهزة مخابراتها حول العالم .. وهيمنتها المطلقة على المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية .. وتجارة المخدرات وغسيل الأموال الذي تقوم به سرا أجهزة مخابراتها .. (أذكر القارئ فقط بواقع: واحدة حدثت في عهد الرئيس ريجان فيما أُطلق عليها بفضيحة إيران جيت )
أعود إلى روزفلت لأقول : لقد حقق ( العهد الجديد ) أهدافه وتيقّن كثير من رجال الأعمال أنه كان ضرورياً لحماية الرأسمالية من نفسها .. إلا أن فئة أخرى من رجال الأعمال ، وأصحاب البنوك أعماهم الغضب واعتقدوا أن خطة روزفلت من شأنها القضاء على الرأسمالية الأمريكية ، ومن ثم تجمعوا وبدءوا يفكرون في مؤامرة ضد روزفلت للإطاحة به ، وإقامة دكتاتورية فاشية بدلاً من النظام الديمقراطي .. تقول مستغربا أفي أمريكا يحدث مثل هذا ..!؟ وأقول نعم .. وهى واقعة موثّقة .. عُرفت تفاصيلها وجرت بشأنها تحقيقات على أعلى مستوى..
ثم جرى التعتيم الإعلامى التام عليها لتمّحى من الذاكرة الأمريكية ومن ذاكرة العالم .. وقصة هذه المؤامرة تجرى على هذا النحو :
في 24 أغسطس 1934 تقدم "جيرالد ماجاير" وهو محارب متقاعد إلى الجنرال المتقاعد "سميدلى دارلنجتون بتلر" ليفاتحه في أمر الانقلاب .. وكان سميدلى بطل حرب مشهوراً في البحرية الأمريكية ، نال كثيراً من النياشين وأنواط الشرف .. وكان موضع احترام من الجميع ، أفضى إليه "ماجاير" برسالة شفوية من مجموعة من كبار رجال الأعمال يناشدونه بناء جيش من المحاربين القدامى والاستيلاء على البيت الأبيض ، وإعلان نفسه حاكماً على البلاد وزعيماً فاشياً على غرار هتلر وموسلينى .. وأنه سوف يلقى من المجموعة دعماً بلا حدود ..
وتساءل الجنرال في ذهول: ولمَ دكتاتورية فاشية ..؟ وجاءته الإجابة مفصلة على مراحل خلال جلسات عدة .. حيث تبين له إعجاب هؤلاء المتآمرين بإنجازات الفاشية في ألمانيا وإيطاليا ، وما حققته من إزدهار رأسمالي ، فقد استطاع هتلر وموسلينى تخفيض الدين العام في بلديهما .. واستطاعا كبح جماح التضخم المالي .. وتخفيض أجور العمال وإخضاع النقابات والاتحادات العمالية للسلطة .. وأحكما سيطرتهما على هذا كله بكفاءة عالية .. أما روزفلت الديمقراطي ( فهو في نظرهم ) خائن لطبقته .. يحاول بعهده الجديد تدمير الرأسمالية .. كذلك تبين للجنرال بتلر أن شركات أمريكية كبرى كانت ضالعة مع هتلر في بناء قوته العسكرية مثل شركة "جنرال موتورز" التي تحولت إلى الصناعات العسكرية سنة 1937 وكانت منتجاتها تحقق له التفوق في كثير من جبهات الحرب الأوروبية .. ومثل شركة "آي بي إم" التي ساعدت هتلر بحاسباتها ذات البطاقات المثقبة ، وكان خبراؤها الأمريكيون يساعدون في تدريب الألمان .. وفي تركيب هذه الآلات حتى في معسكرات الإبادة الجماعية لليهود ، وكانوا يعلمون الكثير عن الهولوكوست (انظر كتاب "إدوين بلاك: آي بي إم والهولوكوست") .. وكان هتلر يغدق الأموال على هذه الشركات الأمريكية ...
إنه إذن [ مبدأ الربح حيثما وُجد ] هو ما تتكالب عليه الشركات ، ولا يهمها بعد ذلك الإطاحة بالمبادئ الأخلاقية والإنسانية ، فهي لا تسأل عن ذلك ، إنما تسأل فقط: هل هذا النظام السياسي يساعد أو يعوق سعيها في تحقيق أهدافها الأنانية ..؟ ولم تنسحب هذه الشركات من ألمانيا ( عندما انسحبت ) لدوافع وطنية أو أخلاقية وإنما تجنّباً لمخاطر الحرب عندما اشتد أوارها ...
لم يكن غريباً إذن أن تنشأ في عقول أمثال هؤلاء الرجال الجشعين فكرة التآمر لقلب نظام ديمقراطي وإقامة نظام فاشي في عهد روزفلت ... !
في إحدى زيارات "ماجاير" إلى "بتلر" أخرج من حقيبة معه كومة من الأوراق المالية فئة الألف دولار ، ونشرها على سرير الجنرال في الفندق لتمويل المشروع ، فأمره بتلر أن يعيد النقود إلى مكانها لأنه ليس في حاجة إلى مال في تلك المرحلة .. ولكنه طلب منه قائمة بأسماء الرجال المعنيين بمشروع الانقلاب فزوده بأسمائهم ...
وكشف "ماجاير" للجنرال بتلر عن خطة المتآمرين: فهم يتوقعون بعد إنشاء الجيش المنشود أن يطلب الجنرال من روزفلت تنصيبه نائباً للرئيس ، فإذا قبل يبدأ الجنرال ممارسة سلطات الرئيس ، ويبقى روزفلت مجرد رمز للرئاسة الاسمية ، أما إذا رفض التعاون فعلى الجنرال أن يتدخل بجيشه ، ويطرد روزفلت من البيت الأبيض ويستولى على السلطة كما فعل موسلينى في ملك إيطاليا ، وقدم "ماجاير" ثلاثة ملايين دولار دفعة أولى للبدء في تنفيذ المشروع ، ووضع تحت تصرفه في البنك ثلاثمائة مليون دولار أخرى لمتابعته ...
كان المتآمرون يعتقدون باختيارهم للجنرال بتلر لتنفيذ خطة الانقلاب أنهم قد وقعوا على صيد سمين لما كان له من شهرة وجماهيرية ، ولم يتبينوا أنهم وقعوا على الرجل الخطأ إلا بعد فوات الأوان .. فقد تقدم بتلر إلى الكونجرس وأفشى أسرار المؤامرة بكل تفاصيلها وشخصياتها أمام لجنة التحقيقات ...من أهم ما قاله بتلر في شهادته: "إن هؤلاء المتآمرين يمثلون كل ما أكره وأحتقر في بلادي .. فقد تعلمت من دروس الحروب التي خضتها أن هناك حرباً في وطني علىّ أن أخوضها أولاً وهي محاربة هؤلاء المنافقين .. بعد أن عرفت أن كل هذه الحروب كان وراءها جشع هؤلاء الناس .. وأن جنودي لم يكونوا يحاربون في سبيل مبادئ عليا كما كنا نتصور. وإنما من أجل الشركات الجشعة التي لا تشبع من نهب ثروات الشعوب" ...!

ابواحمد
22-09-2012, 07:17 PM
إستراتيجية جديدة للإضعاف لا الإجهاز:
تعلمت الشركات درساً مهماً من فشل مؤامرة الانقلاب على روزفلت ، وبدأت تستخدم تكتيكاً حديثاً أكثر نعومة وأعمق أثراً .. بهدف إلغاء القوانين والإجراءات التنظيمية التي تقيد حرية الشركات .. وتمييع سلطات أجهزة الرقابة الحكومية على سلوكها .. يعنى باختصار: إضعاف الحكومة بدلاً من الإجهاز عليها.
في هذا السياق يحكى لنا جوئل باكان قصة شركة إنرون وكيف كانت تتلاعب بإمدادات الكهرباء في ولاية كاليفورنيا .. وعمليات الإظلام المتعمد للإضاءة في كل الولاية ومحاولة قهر الجماهير والتلاعب بأسعار الكهرباء .. حدث كل هذا بينما آلتها الإعلامية تضخ أكاذيب عن كثرة الإجراءات التنظيمية التي تعوق عمل الشركة ورغبتها في الإصلاح .. وكانت الاستجابة الفورية من الإدارة الأمريكية متسقة مع هذا الاتجاه حيث أعلن جورج دبليو بوش بإنجليزيته الركيكة : "إذا كانت هناك إجراءات بيئية منعت كاليفورنيا من الحصول على 100% كهرباء .. فنحن في حاجة إلى التخفيف من هذه الإجراءات" .. وكان هذا بمثابة رد لجميل الشركة التي أسهمت بملايين الدولارات في حملة انتخابات الرئاسة لصالح بوش ، وقام رجل آخر في الكونجرس يردد نغمة الشكر بصوت أعلى فيقول موضحاً للهدف: "إن الذين يؤيدون إجراءات التطرف البيئي ويدفعون بالدولة للتدخل أكثر مما ينبغي ، ويعوقون حرية السوق هم الذين يدفعون بنا نحو الكارثة"...
لا يجب أن ننسى أن هذا الموقف الأمريكي لم يقتصر أثره على الولايات المتحدة فقط وإنما امتد إلى البيئة الكونية . فقد رفض بوش الأصغر التوقيع على اتفاقية دولية لحماية البيئة بتقليل انبعاث الغازات المسببة لتدمير الغلاف الجوى ، بزعمه أن هذا التقييد سيعود بالضرر على الصناعات الأمريكية .. وليذهب العالم إلى الجحيم ..!
الشركات الكبرى لديها عقيدة : أن القواعد والإجراءات التنظيمية التي تضعها الحكومات تقلل من أرباحها .. ولذلك فإن وضع إستراتيجيات للقضاء على هذه القواعد والإجراءات بكل الوسائل أمر مشروع .. وخلال العقد السابع من القرن العشرين برز بوضوح شديد أن من أكفأ الوسائل التي استخدمتها الشركات (التبرعات) المالية السخية للحملات الانتخابية بهدف التأثير على العملية السياسية بترجيح كفة مرشح على مرشح آخر .. والمهم أنه "في المحصّلة النهائية .. سواء عن طريق التبرعات أو الرشاوى الصريحة ، أو عن طريق جماعات الضغط السياسي أو حملات العلاقات العامة .. فإن الشركات تسعى للتأثير على العملية الديمقراطية لنفس الأسباب التي استهدفها المتآمرون على روزفلت في الثلاثينيات ، "فأولئك حاولوا تدمير النظام الديمقراطي بانقلاب عسكري ، وهؤلاء يفسدون النظام بالرشوة ...
وقد نظن أن الأموال التي تنفقها الشركات في هذا المجال خسائر عليها ولكن يؤكد لنا "وليام تسكانين" أن الشركات لا تخسر شيئاً لأنها تحسب هذا الإنفاق الهائل جزءاً من تكاليف الإنتاج .. فهو استثمار لخلق بيئة سياسية أنسب لمضاعفة أرباحها ومساعدتها على الاستمرار والازدهار ...يرى رجال الأعمال أن لهم دوراً مشروعاً كشركاء مع السلطة في حكم المجتمع .. وأنه ليس للحكومة دور مشروع في السيطرة على الشركات .. وأن واجب الحكومة أن تترك الشركات تنظم نفسها بنفسها بدعوى أنها مسئولة اجتماعياً ...
الخصخصة والعولمة:
ساد الاعتقاد في القرن العشرين أن الديمقراطية تتطلب حكومات منتخبة تحمى الحقوق الاجتماعية للمواطنين وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية ، فالمصالح العامة أعز وأقدس من أن تخضع لشركات مستغلة غير مسئولة لا هم لها إلى الاسترباح .. من هذه المصالح : المؤسسات الصحية ومرافق المياه .. وخدمات التنمية الإنسانية كالمدارس والجامعات والمعاهد الثقافية .. والأمن العام كالشرطة والمحاكم والاطفائيات .. والمناطق الطبيعية كالمحميات الطبيعية للنبات والحيوان .. والحدائق العامة... كل هذه المرافق والخدمات الحيوية اللازمة لحياة الإنسان ونموه وضعتها القوانين في منأى عن قبضة الشركات أن تعبث بها ...
ولكن للأسف الشديد أصبحت كل هذه المرافق والخدمات الآن عرضة لزحف الشركات في حربها الإعلامية لتحطيم الحواجز القانونية التي تحيط بهذه المنطقة المحرمة .. وصكَت لهذه الحرب شعارين جديدين هما الخصخصة والعولمة ، وبدأت الحكومات تتهاوى أمام زحف "دراكولا" ..هذا المسخ الذي خلقته بيديها .. فلم يعد هناك شيء في المجال العام محرماً أو مقدساً ، بل أصبح كل شيء إما في حالة خصخصة أو في طريقه إلى الخصخصة ..
العالم إذن يتجه نحو مجتمع جديد يصفه لنا أحد دعاة الخصخصة هو "ملتون فريدمان" بقوله: "في هذا المجتمع لن يبقى في حوزة الحكومة أكثر من 10 إلى 20% من الدخل القومي للإنفاق على وظائفها الأساسية كالنظام القضائي والقوات المسلحة ، والتخفيف من حالات الفقر الحادة.." بل إن "وليام تسكانين" يقلّص صلاحيات الحكومة ووظائفها بحيث لا يبقى لها سوى القوات العسكرية .. إن مروجي الخصخصة يرون أن كل بوصة مربعة على هذا الكوكب الأرضي ينبغي أن تكون تحت سيطرة القطاع الخاص ...
انتهاك عالم الأطفال وتدمير صحتهم:
ابتدعت الشركات في إعلاناتها إستراتيجية جديدة للحصول على نقود الآباء عن طريق التلاعب بعقول الأطفال .. لا فيما يتعلق بالسلع الخاصة بالأطفال فحسب بل في السلع المنتجة للكبار أيضاً .. في هذه الإستراتيجية الجديدة تستخدم الشركات أحدث وسائل العلم والتكنولوجيا، وتسخّر طائفة من علماء النفس لبحث أكفأ الأساليب الإعلانية في التأثير على الطفل .. فإذا تعلّقت حاجته بسلعة معينة يلح في طلبها من أبويه فلا يفلتان من إلحاحه المتواصل حتى يتحقق له مطلبه ...
وقد وجدت الدراسات أن إلحاح الأطفال له قوة سحرية في التأثير على الأبوين .. وهم مادة سهلة للتلاعب فلديهم قابلية عالية للاستهواء .. ويتقبلون الرسائل الإعلامية كأنها حقائق مقدسة .. كما أنهم في نظر الشركات المستغلة هم زبائن المستقبل تحت التدريب .. وللدكتورة "سوزان لين" أستاذة الطب النفسي بجامعة هارفارد دراسة مهمة في هذا المجال ، فقد تبين لها أن الطفل الأمريكي يشاهد – في المتوسط – ثلاثين ألف إعلان تجاري في السنة .. وهي إعلانات آسرة تتسلط على الطفل وتحاصر خياله .. وفي هذا المناخ يقذف الإعلان إليه بأنواع من المأكولات المشبّعة بالدهون والسكريات الضارة بصحة الأطفال حتى أصبح من المستحيل على الآباء ضبط غذاء أطفالهم ...
وتتفق مع هذه النتائج دراسات أخرى لطبيب أطفال أسترالي هو "فيرتى نيونهام" مع فريق من الباحثين وجدوا أن التدفق الإعلاني الرهيب على الأطفال يؤثر سلباً على صحتهم واختياراتهم في وقت مبكر من حياتهم ويضعهم في دائرة الخطر الصحي .. وتؤكد دراسات أخرى منشورة في مجالات طبية عالمية ظهور زيادة هائلة من مرضىْ السّمْنة والسكّري عند الأطفال وهما مرضان خطيران يلازمان الطفل بعد ذلك طوال حياته ...
وفي دراسة أخرى أثبت الباحثون أن خطر إعلانات الأطفال لا يقتصر على صحتهم البدنية فقط ، وإنما يمتد إلى قدراتهم العقلية والتخيلية .. خصوصاً ما يتعلق منها بلعب الأطفال الجاهزة التي تثير إعجاب الأطفال وتذهل عقولهم الصغيرة وتسيطر عليهم، بينما يحتاج الطفل إلى ألعاب من نوع آخر يقومون هم بتفكيكها وتركيبها وفق أشكال يتخيلونها هم .. وهذا يعطيهم الشعور بالسيادة على الأشياء ، ويساعدهم على الإبداع والمتعة الحقيقية ...
ثورة كوتشا بامبا هي الحل:
في بحثه عن حلول لمواجهة الخطر لا يرى جوئل باكان أي أمل في الحكومات أن تنهض لمقاومة طغيان الشركات ، ولا أن تتراجع الشركات عن غيها من تلقاء نفسها ، ولم يبق إلا الشعوب والناس العاديون أن ينظّموا أنفسهم في حركات شعبية لمواجهة الخطر بأنفسهم .. وقد بدأت بالفعل مجموعات كبيرة تتحرك في قلب أوروبا وأمريكا ضد الخصخصة والعولمة وضد تلوث البيئة وضد استغلال الفقراء في العالم الثالث ..
هذا ما ينبغي أن نعمل على تقويته بالوعي والكتابة والإعلام والمظاهرات ..
واقتراح الحلول البديلة للضغط على الحكومات بكل وسيلة ممكنة ، والمجال في هذا واسع فسيح .. ويضرب لنا مثلاً بواقعة ذات دلالة على إمكانية نجاح الحركات الشعبية .. حدثت في منطقة بوسط بوليفيا تسمى "كوتشابامبا" :
بطل هذه الواقعة هو "أوسكار أوليفيرا" أحد قادة العمال .. تزعم تمرّداً شعبياً ضد خصخصة مرفق مياه الشرب ، الذي اضطرت إليه الحكومة تحت ضغوط البنك الدولي، واشترته شركة "بكتل" الأمريكية التي سيطرت على كل مصادر المياه البديلة وكان الأهالي يعتمدون عليها ، وذلك استناداً إلى قوانين جديدة أجبرت الحكومة على إصدارها وتنفيذها بقوة الشرطة.
فلما أصبحت الشركة هي المصدر الوحيد لمياه الشرب رفعت أسعار المياه ثلاث مرات عما كانت عليه من قبل ، وهنا تفجرت ثورة شعبية أحسن أوسكار أوليفيرا تنظيمها وقيادتها وجذبت كل يوم مزيداً من الثوار من كل فئات المجتمع وحدثت مصادمات عنيفة استخدمت فيها الشرطة والجيش الرصاص الحي فقتلت ستة من الناس وفقد بعض الشباب أطرافهم وأصبح بعضهم مشلولاً بإصابات في العمود الفقري ..

ابواحمد
22-09-2012, 07:18 PM
ولكن عشرات الألوف من الثوار أجبروا الشركة في النهاية على الفرار من المنطقة .. وتسلّم الثوار المرفق لإعادة تنظيمه وإدارته ..
يقول جوئل باكان :
لا مناص من مجابهة قوة الشركات الزاحفة بقوى الشعب المنظمة .. وذلك لإحياء قيم مناهضة لقيم هذه الشركات .. إنها تحاول قصر هويتنا على كوننا أنانيين وفرديين ولدينا رغبات استهلاكية مستحكمة ، ولكننا نرفض أن تكون هذه كل هويتنا فنحن أيضاً نشعر بروابط إنسانية عميقة والتزامات أخلاقية نحو بعضنا البعض ، ونشترك في مصير واحد وآمال في عالم أفضل .. وكلنا يشعر أن هناك أشياء عزيزة علينا ومهمة لا يمكن أن تكون موضع استغلال من أحد .. إننا بُناة حضارة ولسنا مجرد منتجين ومستهلكين كما تُصوّرنا الشركات المستغلة ...
----------------
*مستشار سابق بمنظمة اليونسكو
رابط الموضوع: http://www.altareekh.com/article/view/206-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A7%D 8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%B2%D9%8A%D9%84%D8%A9.html