بوفيصيل
07-09-2012, 07:10 PM
يوسف بلحاج رحومة
قد لا نأتي بجديد لو تحدثنا عن مشروع نظام 'الإسلام السياسي المستورد' أو نظام 'الإسلام السياسي الأمريكي' أو 'الإسلام السياسي النيوليبيرالي' الّذي صنع وصمّم في كواليس صنع القرار الأمريكي بالتنسيق والتعاون مع اللوبي الصهيوني وبالتحالف مع قيادات الحركات الإسلامية. ويسعى الجناح الأمريكي ومشتقاته إلى تطبيق هذا 'الإسلام السياسي' على أكبر عدد من البلدان العربية والإسلامية من المحيط إلى الخليج. ومن ثوابت هذا المشروع هو التحالف مع الحركات الإسلامية الإخوانية وغيرها من الحركات الّتي تبنت الإسلام المعتدل والحداثي الذي يخدم مصالح أمريكا ومن تبعها، يقوم هذا المشروع على تمكين 'الإسلاميين' من حكم 'إسلامي' في أكبر رقعة ممكنة من الوطن العربي والإسلامي انطلاقا من المغرب وصولا إلى سوريا أو ربما أكثر، مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل وخدمة المصالح الأمريكية إضافة إلى تحقيق وحدة جيوسياسية مدروسة تسمح للولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني بالتعامل مع كتلة ليّنة ومطيعة واحدة.
وهذا النمط السياسي طُرح بجدية في كواليس صنع القرار الأمريكي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي استهدف فيها إرهابيون من تنظيم القاعدة بُرجيْ مركز التجارة العالمية في مانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون مخلّفين حوالي 3000 قتيل إضافة إلى آلاف الجرحى والمعوقين، إذ طرح الأمريكان والصهاينة هذه التساؤلات بجدّية : لماذا يكرهنا العرب والمسلمون ؟ وكيف يجب التعامل مع هذه الشحنة الحتمية من الكراهية والحقد التي تمثل تهديدا لا يمكن توقع شكله أو مضمونه على المستوى القريب والبعيد؟ وكيف يمكن التوظيف الإيجابي لهذه الشحنة التي تراكمت عبر السنين بحيث تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية؟
إن من بين متطلبات هذا المشروع هو تدجين الحركات الإسلامية بأنواعها من معتدلة وجهادية وإرهابية مقابل تمكينها من نصيبها في 'الحكم' أو تمكينها من مصالح أخرى قد تكون مادية أو غيرها، والتساؤلات التي تطرح نفسها بجدية هي: هل هذه الهدنة وهذا التدجين للحركات الإسلامية (خاصة المتشددة والجهادية منها) سيمنع بروز حركات أخرى أكثر تشددا وإرهابا في المستقبل؟ وما هي المشاريع التي ستطبق لمقاومة ظهور هذا النوع من الحركات المتشددة أو الجهادية؟ هل سيكون ذلك بتنميط المجتمع وتدجينه باسم الإسلام والتقوى؟ أم باحتواء هذه الحركات والتحالف معها وتوظيفها إذا ظهرت؟ أم بالقمع والرّدع؟.تنميط المجتمع
التصوّر الأول هو تنميط المجتمع وخاصّة الأجيال الصاعدة وتنشئتها على نمط إسلامي ينبذ الإرهاب والتطرف (وهذا مشروع رائع وإيجابي) ولكن التساؤل يبقى مطروحا حول نوعية هذا التنميط وأبعاده وتبعاته على الشخصية الوطنية، إذ يمكن أن يؤدي إلى تدجين المجتمع وإخضاعه باسم التقوى والغيبيات، بحيث يصبح المجتمع استهلاكيا وسلبيا بعيدا عن التفكير في النهوض والإبداع والإنتاج وذلك عبر إغراقه في التنظير لحياة ما بعد الموت... والتساؤل الآخر هو عن جدوى هذا التنميط ودرجته، فهل سيكون كافيا لاجتناب قيام حركات إسلامية متطرفة وإرهابية؟ خاصّة في ظل العولمة المعلوماتية الّتي يمكن أن تكون سببا في اختراق بعض المجموعات لعقول الناس والتأثير على وجدانهم الديني خاصّة 'فئة المراهقين' الّتي تعتبر صيدا سهلا وثمينا، ولكن يبقى هذا التنميط محدود النجاعة باعتبار العولمة الثقافية والمعلوماتية الّتي يستحيل الحدّ من تأثيرها وكذلك أساليب الاستقطاب المتنوعة في ظل توفر مجالات من الحرية.الاستمالة والتودّد
التصور الثاني للتصدي إلى حركات الإرهاب والتطرف الإسلامي هو بكسب ودها واستمالتها من طرف حركات 'الإسلام السياسي المستورد' وجعلها شريكا في المصالح والبرامج و'الحكم' أو ربما تمكينها من مصالح معنوية ومادية مقابل الهدنة والعمل السلمي، وقد بان هذا جليا في تونس من خلال الزيارات الّتي يقوم بها زعماء الحركات الجهادية والمتطرفة من بلدان عربية لمقابلة زعماء حركة 'النهضة' الإسلامية في تونس، لكن هذا الحل لا يبدو مثاليا باعتبار تشعب الحركات الإسلامية وسرعة انشقاقها وتفريخها لحركات أخرى قد تكون أخطر وأكثر غموضا.الردع والقمع
يبقى هذا الخيار مطروحا وممكنا في الحالات القصوى للتصعيد، لكنه خيار خطير ولا يمكن توقع نتائجه باعتبار تشعب مثل هذه الوضعيات التي تختلط فيها السياسة بالعقيدة والعنف. وأيّ مواجهة بين الدولة ومجموعات إسلاميّة ستأخذ ضمنيّا طابع المواجهات بين حركة إسلاميّة وحركات إسلاميّة أخرى، باعتبار أن الوصول إلى السلطة كان باسم الإسلام رغم الحفاظ على مدنيّة النظام، ومن يرجع إلى التاريخ الإسلامي يرى أنّ أبشع الفتن وأكثرها دمويّة كانت بين مسلمين ومسلمين وليست بين مسلمين و'كفّار'.نظرية 'الربح في كل الحالات'
لا يمكن إنكار تخوّف الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني والغرب عامّة من انبعاث حضاري إسلامي جديد في المنطقة الإسلاميّة خاصّة لو تحرّرت شعوب تلك المنطقة من الأنظمة الديكتاتوريّة العميلة وقامت بالإصلاحات الثقافية الدينية الحقيقية، التي توفّر المقوّمات الرئيسيّة للانبعاث الحضاري (الثقة في الذات والشعور العميق بمحورية الإرادة الذاتية في تقرير نوعية الحياة). وبالتالي يعتبر الإسلام السياسي النيوليبيرالي مثاليا لإفراغ الإسلام من مضامينه الحضارية الحقيقية ومواصلة نفس السياسات الّتي تضمن تبعيّة الشعوب العربية والإسلاميّة وجعلها لهّاثة وراء الرّكب العالمي. ولا يمكن لأحد أن ينكر سعي الولايات المتّحدة الأمريكية إلى إعاقة أيّ انبعاث حضاري جديد في العالم، إذ بعد انهيار المعسكر الشيوعي الشرقي أصبح الإسلام بمعانيه العميقة هو العدوّ الحضاري الجديد لو توفّرت له الأرضيّة المناسبة، وباعتبار أنّه ليس من السنن التاريخية كبت انبعاث حضاري بقوة عسكرية عاتية، فمجرى تعاقب الحضارات البشرية لم يرتبط بتقلب ميزان القوى بقدر ما ارتبط تبدل ميزان القوى بتعاقب الحضارات، فالإسلام السياسي النيوليبيرالي هو الحلّ لإفراغ الإسلام من أثمن مضامينه الحضاريّة وبالتالي إعاقة أيّ انبعاث حضاري ومواصلة السيطرة علي المنطقة العربية والإسلاميّة.
إن إعطاء الضوء الأخضر 'للإسلاميين' ودعمهم للوصول إلى الحكم لم يكن بطريقة اعتباطية لأن دوائر صنع القرار الأمريكية بالتنسيق مع اللوبي الصهيوني لا تتبنى مثل هذه المشاريع دون قراءة لكل الفرضيات، باعتبار أن أيّ انزلاق نحو تبني سياسات لا تخدم الولايات المتحدة ومشتقاتها أو انفلات أو فوضى من جراء الجماعات الإسلامية المتطرفة وغيرها سيكون ذريعة للتدخل العسكري وبالتالي إنشاء قواعد عسكرية معدّة للبقاء على المدى البعيد في الأراضي العربية والإسلامية وبالتالي إحكام السيطرة على الشعوب ونهب خيراتها وإعاقة سبل تنميتها الشاملة، ويبدو أن الأمور تسير على هذا النحو في ليبيا وهناك مساعي جدية لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية ثابتة على الأراضي الليبية بدعم قطري.
قد لا نأتي بجديد لو تحدثنا عن مشروع نظام 'الإسلام السياسي المستورد' أو نظام 'الإسلام السياسي الأمريكي' أو 'الإسلام السياسي النيوليبيرالي' الّذي صنع وصمّم في كواليس صنع القرار الأمريكي بالتنسيق والتعاون مع اللوبي الصهيوني وبالتحالف مع قيادات الحركات الإسلامية. ويسعى الجناح الأمريكي ومشتقاته إلى تطبيق هذا 'الإسلام السياسي' على أكبر عدد من البلدان العربية والإسلامية من المحيط إلى الخليج. ومن ثوابت هذا المشروع هو التحالف مع الحركات الإسلامية الإخوانية وغيرها من الحركات الّتي تبنت الإسلام المعتدل والحداثي الذي يخدم مصالح أمريكا ومن تبعها، يقوم هذا المشروع على تمكين 'الإسلاميين' من حكم 'إسلامي' في أكبر رقعة ممكنة من الوطن العربي والإسلامي انطلاقا من المغرب وصولا إلى سوريا أو ربما أكثر، مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل وخدمة المصالح الأمريكية إضافة إلى تحقيق وحدة جيوسياسية مدروسة تسمح للولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني بالتعامل مع كتلة ليّنة ومطيعة واحدة.
وهذا النمط السياسي طُرح بجدية في كواليس صنع القرار الأمريكي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي استهدف فيها إرهابيون من تنظيم القاعدة بُرجيْ مركز التجارة العالمية في مانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون مخلّفين حوالي 3000 قتيل إضافة إلى آلاف الجرحى والمعوقين، إذ طرح الأمريكان والصهاينة هذه التساؤلات بجدّية : لماذا يكرهنا العرب والمسلمون ؟ وكيف يجب التعامل مع هذه الشحنة الحتمية من الكراهية والحقد التي تمثل تهديدا لا يمكن توقع شكله أو مضمونه على المستوى القريب والبعيد؟ وكيف يمكن التوظيف الإيجابي لهذه الشحنة التي تراكمت عبر السنين بحيث تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية؟
إن من بين متطلبات هذا المشروع هو تدجين الحركات الإسلامية بأنواعها من معتدلة وجهادية وإرهابية مقابل تمكينها من نصيبها في 'الحكم' أو تمكينها من مصالح أخرى قد تكون مادية أو غيرها، والتساؤلات التي تطرح نفسها بجدية هي: هل هذه الهدنة وهذا التدجين للحركات الإسلامية (خاصة المتشددة والجهادية منها) سيمنع بروز حركات أخرى أكثر تشددا وإرهابا في المستقبل؟ وما هي المشاريع التي ستطبق لمقاومة ظهور هذا النوع من الحركات المتشددة أو الجهادية؟ هل سيكون ذلك بتنميط المجتمع وتدجينه باسم الإسلام والتقوى؟ أم باحتواء هذه الحركات والتحالف معها وتوظيفها إذا ظهرت؟ أم بالقمع والرّدع؟.تنميط المجتمع
التصوّر الأول هو تنميط المجتمع وخاصّة الأجيال الصاعدة وتنشئتها على نمط إسلامي ينبذ الإرهاب والتطرف (وهذا مشروع رائع وإيجابي) ولكن التساؤل يبقى مطروحا حول نوعية هذا التنميط وأبعاده وتبعاته على الشخصية الوطنية، إذ يمكن أن يؤدي إلى تدجين المجتمع وإخضاعه باسم التقوى والغيبيات، بحيث يصبح المجتمع استهلاكيا وسلبيا بعيدا عن التفكير في النهوض والإبداع والإنتاج وذلك عبر إغراقه في التنظير لحياة ما بعد الموت... والتساؤل الآخر هو عن جدوى هذا التنميط ودرجته، فهل سيكون كافيا لاجتناب قيام حركات إسلامية متطرفة وإرهابية؟ خاصّة في ظل العولمة المعلوماتية الّتي يمكن أن تكون سببا في اختراق بعض المجموعات لعقول الناس والتأثير على وجدانهم الديني خاصّة 'فئة المراهقين' الّتي تعتبر صيدا سهلا وثمينا، ولكن يبقى هذا التنميط محدود النجاعة باعتبار العولمة الثقافية والمعلوماتية الّتي يستحيل الحدّ من تأثيرها وكذلك أساليب الاستقطاب المتنوعة في ظل توفر مجالات من الحرية.الاستمالة والتودّد
التصور الثاني للتصدي إلى حركات الإرهاب والتطرف الإسلامي هو بكسب ودها واستمالتها من طرف حركات 'الإسلام السياسي المستورد' وجعلها شريكا في المصالح والبرامج و'الحكم' أو ربما تمكينها من مصالح معنوية ومادية مقابل الهدنة والعمل السلمي، وقد بان هذا جليا في تونس من خلال الزيارات الّتي يقوم بها زعماء الحركات الجهادية والمتطرفة من بلدان عربية لمقابلة زعماء حركة 'النهضة' الإسلامية في تونس، لكن هذا الحل لا يبدو مثاليا باعتبار تشعب الحركات الإسلامية وسرعة انشقاقها وتفريخها لحركات أخرى قد تكون أخطر وأكثر غموضا.الردع والقمع
يبقى هذا الخيار مطروحا وممكنا في الحالات القصوى للتصعيد، لكنه خيار خطير ولا يمكن توقع نتائجه باعتبار تشعب مثل هذه الوضعيات التي تختلط فيها السياسة بالعقيدة والعنف. وأيّ مواجهة بين الدولة ومجموعات إسلاميّة ستأخذ ضمنيّا طابع المواجهات بين حركة إسلاميّة وحركات إسلاميّة أخرى، باعتبار أن الوصول إلى السلطة كان باسم الإسلام رغم الحفاظ على مدنيّة النظام، ومن يرجع إلى التاريخ الإسلامي يرى أنّ أبشع الفتن وأكثرها دمويّة كانت بين مسلمين ومسلمين وليست بين مسلمين و'كفّار'.نظرية 'الربح في كل الحالات'
لا يمكن إنكار تخوّف الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني والغرب عامّة من انبعاث حضاري إسلامي جديد في المنطقة الإسلاميّة خاصّة لو تحرّرت شعوب تلك المنطقة من الأنظمة الديكتاتوريّة العميلة وقامت بالإصلاحات الثقافية الدينية الحقيقية، التي توفّر المقوّمات الرئيسيّة للانبعاث الحضاري (الثقة في الذات والشعور العميق بمحورية الإرادة الذاتية في تقرير نوعية الحياة). وبالتالي يعتبر الإسلام السياسي النيوليبيرالي مثاليا لإفراغ الإسلام من مضامينه الحضارية الحقيقية ومواصلة نفس السياسات الّتي تضمن تبعيّة الشعوب العربية والإسلاميّة وجعلها لهّاثة وراء الرّكب العالمي. ولا يمكن لأحد أن ينكر سعي الولايات المتّحدة الأمريكية إلى إعاقة أيّ انبعاث حضاري جديد في العالم، إذ بعد انهيار المعسكر الشيوعي الشرقي أصبح الإسلام بمعانيه العميقة هو العدوّ الحضاري الجديد لو توفّرت له الأرضيّة المناسبة، وباعتبار أنّه ليس من السنن التاريخية كبت انبعاث حضاري بقوة عسكرية عاتية، فمجرى تعاقب الحضارات البشرية لم يرتبط بتقلب ميزان القوى بقدر ما ارتبط تبدل ميزان القوى بتعاقب الحضارات، فالإسلام السياسي النيوليبيرالي هو الحلّ لإفراغ الإسلام من أثمن مضامينه الحضاريّة وبالتالي إعاقة أيّ انبعاث حضاري ومواصلة السيطرة علي المنطقة العربية والإسلاميّة.
إن إعطاء الضوء الأخضر 'للإسلاميين' ودعمهم للوصول إلى الحكم لم يكن بطريقة اعتباطية لأن دوائر صنع القرار الأمريكية بالتنسيق مع اللوبي الصهيوني لا تتبنى مثل هذه المشاريع دون قراءة لكل الفرضيات، باعتبار أن أيّ انزلاق نحو تبني سياسات لا تخدم الولايات المتحدة ومشتقاتها أو انفلات أو فوضى من جراء الجماعات الإسلامية المتطرفة وغيرها سيكون ذريعة للتدخل العسكري وبالتالي إنشاء قواعد عسكرية معدّة للبقاء على المدى البعيد في الأراضي العربية والإسلامية وبالتالي إحكام السيطرة على الشعوب ونهب خيراتها وإعاقة سبل تنميتها الشاملة، ويبدو أن الأمور تسير على هذا النحو في ليبيا وهناك مساعي جدية لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية ثابتة على الأراضي الليبية بدعم قطري.