الفاروق
26-08-2012, 11:19 PM
ثالثاً: الظَّنَّ
أولا: المعنى اللغوي لكلمة الظَّن:
أ:- المعنى اللغوي لكلمة الظَّن كما ورد في معاجم اللغة:
الظَّنُّ: شك ويقين,
والظِّنَّة: التُّهَمَة.وظَنَنْتُه ظَنّاً وأَظْنَنْتُه واظْطَنَنْتُه: اتَّهَمْتُه.
وأَظْنَنْتُ به الناسَ: عَرَّضْتُه للتهمة. وأَظْنَنْتُه الشيءَ: أَوْهَمْتُه إياه.
والظَّنِينُ: المُعادِي لسوء ظَنِّه وسُوءِ الظَّنِّ به.
والظَّنُونُ: الرجل السَّيِّءِ الظَّنِّ، وقيل: السَّيّءِ الظَّنِّ بكل أَحد.
والظَّنُونُ والظَّنينُ: القليل الخير. وقيل: هو الذي تسأله وتَظُنُّ به المنع فيكون كما ظَنَنْتَ.
ورجل ظَنُونٌ: لا يُوثَق بخبره, ودَيْن ظَنُون: لا يَدْرِي صاحبُه أَيأْخذه أَم لا.
وكل ما لا يوثق به فهو ظَنُونٌ وظَنِينٌ.
وفي التنزيل العزيز: إني ظَنَنْتُ أَني مُلاقٍ حِسَابيه؛ أَي علمت.
فالظَّنُّ شك ويقين. والمعنى الرئيسي للظَّن هو الشك.
-------------------------------------
ب:- الآيات التي وردت فيها كلمة الظَّن بالمعنى اللغوي:
إن جميع الآيات التي وردت فيها كلمة الظن بالمعنى اللغوي جاءت بمعنى اليقين:
ولنقرأ بعض الآيات التي وردت فيها كلمة الظن بالمعنى اللغوي فقط بمعنى اليقين:
قال الله تعالى:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (*) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (*) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ)
وقال: ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )
وقال: ( وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا )
--------------------------------------------
ثانياً: المعنى أو الاصطلاح الشرعي لكلمة الظن في القرآن:
أ:- الآيات التي وردت فيها كلمة الظَّن بالمعنى الشرعي:
قال الله تعالى: ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا )
وقال: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا )
وقال: ( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ )
إن الآيات التي قرأنا تذكر العلم و تذكر الظَّن وهو نقيضُه, وعليه يكون المعنى أو الاصطلاح الشرعي للظن يقابل المعنى الشرعي للعلم وهو نقيضه, وحيث أن المعنى الشرعي للعلم هو كل ما جاء به الوحي فيكون المعنى الشرعي للظن هو كل ما لم يأتِ عن طريق الوحي.
وهذا المعنى جاء في سياق الشك وليس اليقين, ولا يفيد العلم بل لا يفيد إلا الظن والشك وهو ما ذمَّهُ الله سبحانه وتعالى.
ولقد وردت كلمة الظن بالمعنى الشرعي أو الاصطلاح الشرعي في سياق الشك وفي معرض الذَّمْ في كثير من آيات القرآن التي موضوعها الإتِّباع:
قال الله تعالى:( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا )
وقال: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
--------------------------------------------
ب:- الأفراد التي تندرج تحت كلمة الظَّن ضمن المعنى الشرعي:
فلنتعرف أكثر على المعنى الشرعي لكلمة الظَّن من خلال معرفة أفراد الظَّن التي ذكرها الله في آيات كثيرة, يتَّبعُها الذين لا يؤمنون وهي تمثل أفراد الظَّن, وهذه الأفراد نجدها في الآيات التالية:
قال تعالى:( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وقال: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ )
وقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا )
وقال: ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )
وقال: ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ )
وقال: ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )
وقال: ( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا )
وقال: ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ )
وقال: ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )
وقال: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
فهم اتَّبَعُوا إبليس والشياطين بشكل عام, واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم, واتبعوا الهوى, واتبعوا الباطل, واتبعوا الشهوات, واتبعوا ما أترفوا فيه, واتبعوا غير سبيل المؤمنين, واتبعوا ما أسخط الله.
وهذه الأشياء تُعتبر من الأفراد التي تندرج تحت كلمة الظَّن, وهي توضح المعنى الشرعي للظَّن وهو يتضمن المعنى اللغوي لكلمة الظَّن وهو الشك.
وعليه يكون تعريف الظَّن وهو المعنى الشرعي للظن هو:
الظَّن: هو كل ما لم يأتِ عن طريق الوحي
--------------------------------------------
إن المواقع التي وردت فيها كلمة الظَّن وأفرادها في الآيات أعلاه جاءت مع كلمة الإتباع وهي تعني أنهم يتبعون ما يفيد الظن وما هو مبني على الظن بمعنى الشك ولا تفيد العلم, بمعنى هي دليلهم وحجتهم في الحياة, فدليلهم وحجتهم في هذه الحياة ليس مبني على شيء يقيني بل مبني على أشياء ليس لها أساس من الصحة وبالتالي هم يَضِلون و يُضِلون.
----------------------------------
ثالثاً: هل ذم الله تعالى إتِّبَاعْ الظن, في الإيمان فقط أم في الإيمان والعمل.
أ:- إن الله تعالى ذَمَّ إتِّباع الظَّن في العمل كما ذمَّ إتِّباع الظَّن في الإيمان, وهذا واضح في جميع الآيات أعلاه التي تتضمن أفراد الظَّن, ومع ذلك سوف أورد مجموعة من الآيات تذكر إتباعهم للظَّن وموضوعها الأفعال وهي التالية:
قال الله تعالى: ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ).
وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )
وقال: ( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
وقال: ( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
وقال: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )
وقال: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ).
إن اللهُ تعالى في جميع الآيات أعلاه ذمَّ إتباع الظن أو أحد أفراد الظَّن في الإيمان وفي العمل سواء بسواء.
--------------------------------------------
ب:- فلنبحث آية من الآيات أعلاه وسوف نرى أن جميع أفرادها في موضوع العمل:
قال الله تعالى: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
لقد بحثت في آيات القرآن الكريم عن الأفراد التي تندرج تحت عبارة في سبيل الله فوجدتها كلها أعمال, ولم تذكر أي آية ( الإيمان في سبيل الله ), فالله تعالى يقول:
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
وقال: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ )
وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا )
وقال: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ )
وقال: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ)
وقال: ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )
وقال: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
وقال: ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ )
وهذا يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى ذمَّ إتباعهم الظن في العمل كما ذمَّهُ في الإيمان. انتهى موضوع الظن
--------------------------------------------
ملخص الموضوع:
1: العلم: هو كل ما جاء عن طريق الوحي. وتقوم به الحجة على العقيدة أو الأحكام.
2: الظن: هو كل ما لم يأتِ عن طريق الوحي. ولا تقوم به حجة في الدين.
3: ذمَّ الله تعالى إتِّباع الظن في كل شيء, فلا يجوز إتِّباع الظَّن لا في العقيدة ولا في الأحكام.
4: إن المعنى الشرعي لأي كلمة لا يلغي المعنى اللغوي لها, بل ويكون بنفس سياق المعنى اللغوي, فلا يصبح العلم ظن ولا الظن علم عند إعطاء الكلمة معنى شرعي.
5: إن العلم والظن لا يجتمعان في شيء واحد, فلا يجوز أن نصف العلم بأنه ظن حتى من حيث الدلالة, ولو دخل الظن على العلم لأصبح ظناً.
6: وعندما لا يستطيع البشر فهم العلم بسبب قصور فيهم أو تقصير, يتوجب عليهم وصف فهمهم وإدراكهم بالظن, وليس ما لم يستطيعوا فهمه.
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
والحمد لله رب العالمين
أولا: المعنى اللغوي لكلمة الظَّن:
أ:- المعنى اللغوي لكلمة الظَّن كما ورد في معاجم اللغة:
الظَّنُّ: شك ويقين,
والظِّنَّة: التُّهَمَة.وظَنَنْتُه ظَنّاً وأَظْنَنْتُه واظْطَنَنْتُه: اتَّهَمْتُه.
وأَظْنَنْتُ به الناسَ: عَرَّضْتُه للتهمة. وأَظْنَنْتُه الشيءَ: أَوْهَمْتُه إياه.
والظَّنِينُ: المُعادِي لسوء ظَنِّه وسُوءِ الظَّنِّ به.
والظَّنُونُ: الرجل السَّيِّءِ الظَّنِّ، وقيل: السَّيّءِ الظَّنِّ بكل أَحد.
والظَّنُونُ والظَّنينُ: القليل الخير. وقيل: هو الذي تسأله وتَظُنُّ به المنع فيكون كما ظَنَنْتَ.
ورجل ظَنُونٌ: لا يُوثَق بخبره, ودَيْن ظَنُون: لا يَدْرِي صاحبُه أَيأْخذه أَم لا.
وكل ما لا يوثق به فهو ظَنُونٌ وظَنِينٌ.
وفي التنزيل العزيز: إني ظَنَنْتُ أَني مُلاقٍ حِسَابيه؛ أَي علمت.
فالظَّنُّ شك ويقين. والمعنى الرئيسي للظَّن هو الشك.
-------------------------------------
ب:- الآيات التي وردت فيها كلمة الظَّن بالمعنى اللغوي:
إن جميع الآيات التي وردت فيها كلمة الظن بالمعنى اللغوي جاءت بمعنى اليقين:
ولنقرأ بعض الآيات التي وردت فيها كلمة الظن بالمعنى اللغوي فقط بمعنى اليقين:
قال الله تعالى:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (*) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (*) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ)
وقال: ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )
وقال: ( وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا )
--------------------------------------------
ثانياً: المعنى أو الاصطلاح الشرعي لكلمة الظن في القرآن:
أ:- الآيات التي وردت فيها كلمة الظَّن بالمعنى الشرعي:
قال الله تعالى: ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا )
وقال: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا )
وقال: ( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ )
إن الآيات التي قرأنا تذكر العلم و تذكر الظَّن وهو نقيضُه, وعليه يكون المعنى أو الاصطلاح الشرعي للظن يقابل المعنى الشرعي للعلم وهو نقيضه, وحيث أن المعنى الشرعي للعلم هو كل ما جاء به الوحي فيكون المعنى الشرعي للظن هو كل ما لم يأتِ عن طريق الوحي.
وهذا المعنى جاء في سياق الشك وليس اليقين, ولا يفيد العلم بل لا يفيد إلا الظن والشك وهو ما ذمَّهُ الله سبحانه وتعالى.
ولقد وردت كلمة الظن بالمعنى الشرعي أو الاصطلاح الشرعي في سياق الشك وفي معرض الذَّمْ في كثير من آيات القرآن التي موضوعها الإتِّباع:
قال الله تعالى:( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا )
وقال: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
--------------------------------------------
ب:- الأفراد التي تندرج تحت كلمة الظَّن ضمن المعنى الشرعي:
فلنتعرف أكثر على المعنى الشرعي لكلمة الظَّن من خلال معرفة أفراد الظَّن التي ذكرها الله في آيات كثيرة, يتَّبعُها الذين لا يؤمنون وهي تمثل أفراد الظَّن, وهذه الأفراد نجدها في الآيات التالية:
قال تعالى:( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وقال: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ )
وقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا )
وقال: ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )
وقال: ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ )
وقال: ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )
وقال: ( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا )
وقال: ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ )
وقال: ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )
وقال: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
فهم اتَّبَعُوا إبليس والشياطين بشكل عام, واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم, واتبعوا الهوى, واتبعوا الباطل, واتبعوا الشهوات, واتبعوا ما أترفوا فيه, واتبعوا غير سبيل المؤمنين, واتبعوا ما أسخط الله.
وهذه الأشياء تُعتبر من الأفراد التي تندرج تحت كلمة الظَّن, وهي توضح المعنى الشرعي للظَّن وهو يتضمن المعنى اللغوي لكلمة الظَّن وهو الشك.
وعليه يكون تعريف الظَّن وهو المعنى الشرعي للظن هو:
الظَّن: هو كل ما لم يأتِ عن طريق الوحي
--------------------------------------------
إن المواقع التي وردت فيها كلمة الظَّن وأفرادها في الآيات أعلاه جاءت مع كلمة الإتباع وهي تعني أنهم يتبعون ما يفيد الظن وما هو مبني على الظن بمعنى الشك ولا تفيد العلم, بمعنى هي دليلهم وحجتهم في الحياة, فدليلهم وحجتهم في هذه الحياة ليس مبني على شيء يقيني بل مبني على أشياء ليس لها أساس من الصحة وبالتالي هم يَضِلون و يُضِلون.
----------------------------------
ثالثاً: هل ذم الله تعالى إتِّبَاعْ الظن, في الإيمان فقط أم في الإيمان والعمل.
أ:- إن الله تعالى ذَمَّ إتِّباع الظَّن في العمل كما ذمَّ إتِّباع الظَّن في الإيمان, وهذا واضح في جميع الآيات أعلاه التي تتضمن أفراد الظَّن, ومع ذلك سوف أورد مجموعة من الآيات تذكر إتباعهم للظَّن وموضوعها الأفعال وهي التالية:
قال الله تعالى: ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ).
وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )
وقال: ( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
وقال: ( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
وقال: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )
وقال: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ).
إن اللهُ تعالى في جميع الآيات أعلاه ذمَّ إتباع الظن أو أحد أفراد الظَّن في الإيمان وفي العمل سواء بسواء.
--------------------------------------------
ب:- فلنبحث آية من الآيات أعلاه وسوف نرى أن جميع أفرادها في موضوع العمل:
قال الله تعالى: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )
لقد بحثت في آيات القرآن الكريم عن الأفراد التي تندرج تحت عبارة في سبيل الله فوجدتها كلها أعمال, ولم تذكر أي آية ( الإيمان في سبيل الله ), فالله تعالى يقول:
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
وقال: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ )
وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا )
وقال: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ )
وقال: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ)
وقال: ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )
وقال: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
وقال: ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ )
وهذا يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى ذمَّ إتباعهم الظن في العمل كما ذمَّهُ في الإيمان. انتهى موضوع الظن
--------------------------------------------
ملخص الموضوع:
1: العلم: هو كل ما جاء عن طريق الوحي. وتقوم به الحجة على العقيدة أو الأحكام.
2: الظن: هو كل ما لم يأتِ عن طريق الوحي. ولا تقوم به حجة في الدين.
3: ذمَّ الله تعالى إتِّباع الظن في كل شيء, فلا يجوز إتِّباع الظَّن لا في العقيدة ولا في الأحكام.
4: إن المعنى الشرعي لأي كلمة لا يلغي المعنى اللغوي لها, بل ويكون بنفس سياق المعنى اللغوي, فلا يصبح العلم ظن ولا الظن علم عند إعطاء الكلمة معنى شرعي.
5: إن العلم والظن لا يجتمعان في شيء واحد, فلا يجوز أن نصف العلم بأنه ظن حتى من حيث الدلالة, ولو دخل الظن على العلم لأصبح ظناً.
6: وعندما لا يستطيع البشر فهم العلم بسبب قصور فيهم أو تقصير, يتوجب عليهم وصف فهمهم وإدراكهم بالظن, وليس ما لم يستطيعوا فهمه.
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
والحمد لله رب العالمين