عبد الواحد جعفر
26-08-2012, 11:43 AM
"الحكومة الملتحية": إسلاميون في السلطة؟
" والذي نتوقعه إذا جاءت أية حكومة إسلامية عن طريق الانتخابات في ظل الظروف الراهنة ألا يكون لها من الإسلام إلا اللحية، وستعمل بالتشريع الوضعي، وستلعب لعبة الديمقراطية التي تجعل من البرلمان مجلساً تشريعيا، وستتعامل بالربا، وسوف تستخلص الضرائب من المحرمات كالخمور وغيرها، وسوف تمارس النفاق السياسي المكشوف وتسيء إلى الإسلام أكثر مما تحسن إليه. لأنها من جهة تعجلت الوصول إلى الحكم قبل أن تستكمل أدواته، ولأن الظروف او الأوضاع الحالية لا تسمح لها من جهة أخرى بتطبيق أي برنامج إسلامي على فرض توفرها عليه".
لم يكتب هذا النص بعد ما آلت إليه الأوضاع بعد ما يعرف بـ "الربيع العربي"، بل كتبه قبل ست سنوات، وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي المدغري، في كتابه: "الحكومة الملتحية: دراسة نقدية مستقبلية"، والذي أثار جدلاً عندما نشر أول مرة.
ويصب النص أعلاه في صالح الناقدين لحكم الإسلاميين الجديد في أكثر من دولة عربية، ولعل أبرزها الحالة المصرية بانتخاب محمد مرسي رئيساً، والمغربية حيث أن الإسلاميين يشكلون الحكومة، وتونس، ويبدو أن الإسلاميين باتوا يشكلون المشهد السياسي في العالم العربي بعد الثورات الشبابية التي دفعت إلى تغيير أنظمة قوية في المنطقة.
كتاب المدغري، لا يقتصر على هذه الرؤية النقدية، بل أنه يقدم تصوراً تنبئياً في كتابه لمستقبل العالم الإسلامي، حيث يشير الى أن العالم الإسلامي "سيعرف حكومتين إسلاميتين متتابعتين، ليس مباشرة بالضرورة، إحداهما "الحكومة الملتحية" والتي "لها من مظهر الإسلام وصورته أكثر مما لها من حقيقته... لا يكون لها من الإسلام إلا اللحية". وهي، برأي الكاتب، "حكومة الإسلاميين الذين يتهافتون على طلب الحكم حتى اذا أمسكوا بزمام الحكم وجدوا انفسهم عاجزين عن تطبيق الإسلام بحكم الظروف والملابسات والأوضاع التي تحيط بهم وبحكم سوء الاستعداد". ويضيف الكاتب: "وأما الحكومة الثانية فهي الحكومة الإسلامية التي تأتي لتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة، وتخلق لنفسها ظروف التطبيق، وتلزم نفسها بدستور جديد يرسم إطاراً جديداً للعمل، ويجنبها العمل داخل الإطار القديم". ويرى المدغري، وكما ذكرنا في عام 2006، أن كلتا الحكومتين سيأتي بهما إما "معادلة: شعب مسلم + ديمقراطية = حكومة إسلامية"، أو ثورة وعنف، يعارضهما وزير الأوقاف المغربي السابق.
وقد يجد كثيرون من الناقدين لحكم الإسلاميين فيما سبق تدليلاً على فشل الإسلاميين، وقد انتقد مؤخراً الرئيس المصري، والإسلاميين، مع بدء مفاوضات القروض والمساعدات مع صندوق النقد الدولي، باعتباره دليلاً اضافياً على أن الإسلاميين، غير قادرين على تجاوز أساليب حكم النظام السابق. وفي ذلك يقول المدغري أيضاً إن "الحكومة الملتحية" ستلجأ إلى "تدبير المال والاقتصاد في بنيته وشروطه الحالية، وتوجيهاته الرأسمالية الليبرالية، وتعليمات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وتركيبة الاقتصاد الربوي". ويقدم المدغري نقداً لبرامج كل من يقدم نقداً لكل من "الإخوان المسلمين"، جبهة الانقاذ في الجزائر، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وبمداخل مختلفة كعدم الاشارة إلى الديمقراطية في البرنامج أو التضييق على حرية الرأي...الخ.
ويتضح من النصوص المقدمة أعلاه، سبب استدعاء الكتاب، خاصة وأنه يقدم رؤية تنبئية قد يجد كثيرون أنها تتحقق، ولكن حديثه عن الدولة الإسلامية، وهو يقدم اجتهاداً في طبيعتها بالمناسبة، لا يقدم خرقاً في أدبيات الفكر السياسي الإسلامي، بل هو تقديم رؤية أكثر تناسباً مع العصر، وهي الكلمة السرية، حيث أن إكراهات الواقع توقع الحركات الإيديولوجية، والإسلامية على رأسها بالضرورة، في التناقض بين الإيديولوجية المثالية بطبيعتها، والسياسة الواقعية. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا لا ينطبق على الإسلاميين لوحدهم، فمثلاً التناقض بين حزبي البعث في سورية والعراق كان يتحدث عن الفرق بين الإيديولوجية، والسياسة، وعلى ذلك فإن الحديث عن الانتقال من "حكومة ملتحية" إلى "حكومة إسلامية" فيه قدر كبير من المثالية، ولا أعتقد أن كلا الحكومتان ستختلفان عن بعضهما البعض، الا في التنظير.
وبالمقابل أيضاً فإن تحميل الإسلاميين وزر ممارستهم السياسة وفقاً للشروط الموضوعية على الأرض، محلياً، وإقليميا، ودولياً فيه قدر من التعسف، ولكن أيضاً على الإسلاميين الاعتراف بتناقض خطابهم مع الواقع، فمثلاً المقارنة بين خطابات الإسلاميين في مصر، والمغرب، وسورية، قبل توليهم السلطة، تجاه الحملة الدموية ضد السوريين من قبل النظام، وما بعد توليهم السلطة، يظهر هذا التناقض بين خطابات كبيرة قبل، وإدانات خجولة غير متبوعة بسياسات على الأرض بعد. أيضاً الحملة الأمنية التي تشنها الحكومة المصرية ضد الاسلاميين في سيناء، مثلاً، لا تختلف عن الحملات الأمنية قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.
وهذا ليس، برأيي، نفاقاً سياسياً، كما يحاول البعض تصويره، بل "عدم قدرة" بسبب مقتضيات الواقع، والأهم بسبب فقر الممارسة السياسية كسلطة لدى الإسلاميين، وحيث إن الثورات والتحولات السياسية تتحرك تاريخياً -وليست حركات "الربيع العربي" حتى الآن، سواء اتفقنا أنها ثورات أم لا استثناءً- بمنطق البحث عن آلية جديدة لإدارة الدولة والمجتمع، وليس لتبديل الأنظمة أو الأشخاص، فإن "الدولة الإسلامية"، هدف إيديولوجي، لا آلية حكم.
وعلى ذلك إذا ما عمد الإسلاميون إلى تجاوز فقر ممارستهم السياسية في السلطة، مع الزمن، فإن هذا التطور يتطلب آلية لممارسة السياسة، وهي ببساطة، الديمقراطية، التي اذا ما باتت آلية للحكم وفق مبدأ تداول السلطة، فإن الإسلاميين أصبحوا واحداً من الأطراف السياسية، كما أن متطلبات الناخب، ستبدأ بالاختلاف والتحول، بحكم ممارسة تلك الآلية، من التوق الإيديولوجي لـ "الدولة الإسلامية"، وفق المعادلة التي طرحها المدغري، ووفق ما أفرزت صناديق الاقتراع بعد الربيع العربي بالفعل، إلى البحث عمن يدير الدولة عبر تحقيق حاجياته السياسية، والاقتصادية...الخ، ومن الممكن أن يبقى الإسلاميون في السلطة بالانتخاب، وتلبيتهم لمتطلبات ذاك الناخب، ولكن أيضاً لن تكون هذه "دولة إسلامية"، طبعاً إلا إذا أخذت السلطة عنوة من قبل الإسلاميين، أو غيرهم، وهذا مبحث آخر.
[email protected]
ملاحظة: مع تحفظنا على ما جاء في صدر المقالة مما اقتبسه الكاتب عن وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي المدغري من قوله: (ولأن الظروف او الأوضاع الحالية لا تسمح لها من جهة أخرى بتطبيق أي برنامج إسلامي على فرض توفرها عليه) ذلك أن تطبيق الإسلام لا يحتاج إلى الظرف الدولي، ولا علاقة له بالظرف الدولي. وإنما يتطلب أن تقوم الأمة أو الفئة الأقوى فيها بحمل الإسلام والاستعداد للتضحية في سبيله، مع توفر القوة المادية القادرة على تسليم الحكم وحمايته.. أما الظرف الدولي فهو كذبة اخترعها دعاة التدرج ودعاة الحكم بغير الإسلام حتى يحين الوقت "المناسب" للحكم بالإسلام!.
" والذي نتوقعه إذا جاءت أية حكومة إسلامية عن طريق الانتخابات في ظل الظروف الراهنة ألا يكون لها من الإسلام إلا اللحية، وستعمل بالتشريع الوضعي، وستلعب لعبة الديمقراطية التي تجعل من البرلمان مجلساً تشريعيا، وستتعامل بالربا، وسوف تستخلص الضرائب من المحرمات كالخمور وغيرها، وسوف تمارس النفاق السياسي المكشوف وتسيء إلى الإسلام أكثر مما تحسن إليه. لأنها من جهة تعجلت الوصول إلى الحكم قبل أن تستكمل أدواته، ولأن الظروف او الأوضاع الحالية لا تسمح لها من جهة أخرى بتطبيق أي برنامج إسلامي على فرض توفرها عليه".
لم يكتب هذا النص بعد ما آلت إليه الأوضاع بعد ما يعرف بـ "الربيع العربي"، بل كتبه قبل ست سنوات، وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي المدغري، في كتابه: "الحكومة الملتحية: دراسة نقدية مستقبلية"، والذي أثار جدلاً عندما نشر أول مرة.
ويصب النص أعلاه في صالح الناقدين لحكم الإسلاميين الجديد في أكثر من دولة عربية، ولعل أبرزها الحالة المصرية بانتخاب محمد مرسي رئيساً، والمغربية حيث أن الإسلاميين يشكلون الحكومة، وتونس، ويبدو أن الإسلاميين باتوا يشكلون المشهد السياسي في العالم العربي بعد الثورات الشبابية التي دفعت إلى تغيير أنظمة قوية في المنطقة.
كتاب المدغري، لا يقتصر على هذه الرؤية النقدية، بل أنه يقدم تصوراً تنبئياً في كتابه لمستقبل العالم الإسلامي، حيث يشير الى أن العالم الإسلامي "سيعرف حكومتين إسلاميتين متتابعتين، ليس مباشرة بالضرورة، إحداهما "الحكومة الملتحية" والتي "لها من مظهر الإسلام وصورته أكثر مما لها من حقيقته... لا يكون لها من الإسلام إلا اللحية". وهي، برأي الكاتب، "حكومة الإسلاميين الذين يتهافتون على طلب الحكم حتى اذا أمسكوا بزمام الحكم وجدوا انفسهم عاجزين عن تطبيق الإسلام بحكم الظروف والملابسات والأوضاع التي تحيط بهم وبحكم سوء الاستعداد". ويضيف الكاتب: "وأما الحكومة الثانية فهي الحكومة الإسلامية التي تأتي لتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة، وتخلق لنفسها ظروف التطبيق، وتلزم نفسها بدستور جديد يرسم إطاراً جديداً للعمل، ويجنبها العمل داخل الإطار القديم". ويرى المدغري، وكما ذكرنا في عام 2006، أن كلتا الحكومتين سيأتي بهما إما "معادلة: شعب مسلم + ديمقراطية = حكومة إسلامية"، أو ثورة وعنف، يعارضهما وزير الأوقاف المغربي السابق.
وقد يجد كثيرون من الناقدين لحكم الإسلاميين فيما سبق تدليلاً على فشل الإسلاميين، وقد انتقد مؤخراً الرئيس المصري، والإسلاميين، مع بدء مفاوضات القروض والمساعدات مع صندوق النقد الدولي، باعتباره دليلاً اضافياً على أن الإسلاميين، غير قادرين على تجاوز أساليب حكم النظام السابق. وفي ذلك يقول المدغري أيضاً إن "الحكومة الملتحية" ستلجأ إلى "تدبير المال والاقتصاد في بنيته وشروطه الحالية، وتوجيهاته الرأسمالية الليبرالية، وتعليمات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وتركيبة الاقتصاد الربوي". ويقدم المدغري نقداً لبرامج كل من يقدم نقداً لكل من "الإخوان المسلمين"، جبهة الانقاذ في الجزائر، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وبمداخل مختلفة كعدم الاشارة إلى الديمقراطية في البرنامج أو التضييق على حرية الرأي...الخ.
ويتضح من النصوص المقدمة أعلاه، سبب استدعاء الكتاب، خاصة وأنه يقدم رؤية تنبئية قد يجد كثيرون أنها تتحقق، ولكن حديثه عن الدولة الإسلامية، وهو يقدم اجتهاداً في طبيعتها بالمناسبة، لا يقدم خرقاً في أدبيات الفكر السياسي الإسلامي، بل هو تقديم رؤية أكثر تناسباً مع العصر، وهي الكلمة السرية، حيث أن إكراهات الواقع توقع الحركات الإيديولوجية، والإسلامية على رأسها بالضرورة، في التناقض بين الإيديولوجية المثالية بطبيعتها، والسياسة الواقعية. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا لا ينطبق على الإسلاميين لوحدهم، فمثلاً التناقض بين حزبي البعث في سورية والعراق كان يتحدث عن الفرق بين الإيديولوجية، والسياسة، وعلى ذلك فإن الحديث عن الانتقال من "حكومة ملتحية" إلى "حكومة إسلامية" فيه قدر كبير من المثالية، ولا أعتقد أن كلا الحكومتان ستختلفان عن بعضهما البعض، الا في التنظير.
وبالمقابل أيضاً فإن تحميل الإسلاميين وزر ممارستهم السياسة وفقاً للشروط الموضوعية على الأرض، محلياً، وإقليميا، ودولياً فيه قدر من التعسف، ولكن أيضاً على الإسلاميين الاعتراف بتناقض خطابهم مع الواقع، فمثلاً المقارنة بين خطابات الإسلاميين في مصر، والمغرب، وسورية، قبل توليهم السلطة، تجاه الحملة الدموية ضد السوريين من قبل النظام، وما بعد توليهم السلطة، يظهر هذا التناقض بين خطابات كبيرة قبل، وإدانات خجولة غير متبوعة بسياسات على الأرض بعد. أيضاً الحملة الأمنية التي تشنها الحكومة المصرية ضد الاسلاميين في سيناء، مثلاً، لا تختلف عن الحملات الأمنية قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.
وهذا ليس، برأيي، نفاقاً سياسياً، كما يحاول البعض تصويره، بل "عدم قدرة" بسبب مقتضيات الواقع، والأهم بسبب فقر الممارسة السياسية كسلطة لدى الإسلاميين، وحيث إن الثورات والتحولات السياسية تتحرك تاريخياً -وليست حركات "الربيع العربي" حتى الآن، سواء اتفقنا أنها ثورات أم لا استثناءً- بمنطق البحث عن آلية جديدة لإدارة الدولة والمجتمع، وليس لتبديل الأنظمة أو الأشخاص، فإن "الدولة الإسلامية"، هدف إيديولوجي، لا آلية حكم.
وعلى ذلك إذا ما عمد الإسلاميون إلى تجاوز فقر ممارستهم السياسية في السلطة، مع الزمن، فإن هذا التطور يتطلب آلية لممارسة السياسة، وهي ببساطة، الديمقراطية، التي اذا ما باتت آلية للحكم وفق مبدأ تداول السلطة، فإن الإسلاميين أصبحوا واحداً من الأطراف السياسية، كما أن متطلبات الناخب، ستبدأ بالاختلاف والتحول، بحكم ممارسة تلك الآلية، من التوق الإيديولوجي لـ "الدولة الإسلامية"، وفق المعادلة التي طرحها المدغري، ووفق ما أفرزت صناديق الاقتراع بعد الربيع العربي بالفعل، إلى البحث عمن يدير الدولة عبر تحقيق حاجياته السياسية، والاقتصادية...الخ، ومن الممكن أن يبقى الإسلاميون في السلطة بالانتخاب، وتلبيتهم لمتطلبات ذاك الناخب، ولكن أيضاً لن تكون هذه "دولة إسلامية"، طبعاً إلا إذا أخذت السلطة عنوة من قبل الإسلاميين، أو غيرهم، وهذا مبحث آخر.
[email protected]
ملاحظة: مع تحفظنا على ما جاء في صدر المقالة مما اقتبسه الكاتب عن وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي المدغري من قوله: (ولأن الظروف او الأوضاع الحالية لا تسمح لها من جهة أخرى بتطبيق أي برنامج إسلامي على فرض توفرها عليه) ذلك أن تطبيق الإسلام لا يحتاج إلى الظرف الدولي، ولا علاقة له بالظرف الدولي. وإنما يتطلب أن تقوم الأمة أو الفئة الأقوى فيها بحمل الإسلام والاستعداد للتضحية في سبيله، مع توفر القوة المادية القادرة على تسليم الحكم وحمايته.. أما الظرف الدولي فهو كذبة اخترعها دعاة التدرج ودعاة الحكم بغير الإسلام حتى يحين الوقت "المناسب" للحكم بالإسلام!.