الفاروق
23-08-2012, 02:35 AM
ابن سيده: نبَطَ الرَّكِيّةَ نَبْطاً وأَنْبَطها واسْتَنْبَطها ونبّطها.
واسْتَنْبَطه واستنبط منه علماً وخبراً ومالاً: استخرجه.
واستنبَطَ الفَقِيهُ إِذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمِه. قال اللّه عزّ وجلّ: لعَلِمَه الذين يستنبطونه منهم.
فالله تعالى يخبرنا أن الذي يعلمه هم الذين يستنبطونه, ولا يوجد أي ذكر لكلمة اجتهد أو اجتهاد في القرآن مطلقاً ولا حتى بالمعنى اللغوي.
---------------------------------------------
رابعاً: يقول الله تعالى في عدة آيات دَرَسْتَ, دَرَسُوا, تَدْرُسُونَ, يَدْرُسُونَهَا, دِرَاسَتِهِمْ:
وهذه الدراسة مربوطة بالكتب, أي أن طريقة تحصيل الفهم كما يقررها الله تعالى هي الدراسة:
يقول الله تعالى:
( وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) (سبأ))
( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) (القلم))
( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) (آل عمران)
( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) (الأنعام))
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) (الأنعام)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) (الأعراف)
---------------------------------------------
خامساً: يسمي الله تعالى الراسخون في العلم ويقول أنهم يعلمون تأويله فالله تعالى يقول:
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) وهم يقولون هناك وقف بعد لفظ الجلالة (اللَّهُ) ليثبتوا أن ( الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) لا يعلمون تأويله علماً, بل أن هناك ظن وهناك مجتهدين يطلبون الظن.
يقول الله تعالى في سورة آل عمران:
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7))
ويقول في سورة النساء:
( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا )
أنظر معنى الرسوخ في معاجم اللغة:
الراء والسين والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثَّبات.
ويقال رسَخَ: ثَبَتَ، وكلُّ راسخٍ ثابتٌ.
رَسَخَ الشيءُ يَرْسَخُ رُسُوخاً: ثبت في موضعه، وأَرسخه هو.
والراسخ في العلم: الذي دخل فيه دخولاً ثابتاً.
وكل ثابت: راسخ؛ ومنه الراسخون في العلم.
وأَرْسَخْته إِرساخاً كالحِبْرِ رَسَخَ في الصحيفة.
والعِلم يَرْسَخُ في قلب الإِنسان.
والراسخون في العِلم في كتاب الله: المُدارسون؛ ابن الأَعرابي: هم الحُفَّاظُ المذاكرون؛ قال مَسْرُوقٌ: قَدِمْتُ المدينة فإِذا زيدز بن ثابت من الراسخين في العلم.
خالد بن جَنْبَة: الراسخ في العلم البعيد العلم.
---------------------------------------------
سادساً: يسمي الله تحصيل العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية دون استنباطها فقه:
قال الله تعالى:
( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) (التوبة))
معنى نَفَرَ في كتاب (مقاييس اللغة)
النون والفاء والراء: أصلٌ صحيح يدلُّ على تجافٍ وتباعد. منه نَفَر الدّابّةُ وغيرُه نِفاراً، وذلك تَجافِيهِ وتباعُدُه عن مكانِه ومَقرِّه.
ونَفَر جلدُه: وَرِمَ. ,نَفَرَ فَمُه: أي وَرِم. قال أبو عبيد: وإنَّما هو من نِفَار الشَّيءِ عن الشَّيءِ وتَجافِيهِ عنه؛ لأنَّ الجلد يَنفِر عن اللَّحم للدَّاء الحادثِ بينهما.
ويوم النَّفْر: يومَ يَنفِر النّاسُ عن مِنىً.
والنَّفَر أيضاً من قياس الباب لأنَّهم يَنفِرون للنُّصْرة.
والنَّفير: النَّفَر، وكذا النَّفْر والنَّفْرة: كلُّ ذلك قياسُه واحد.
---------------------------------------------
سابعاً: يسمي الله من يحوزون على هذا العلم ب الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ, والْعُلَمَاءُ, و أُولُو الْعِلْمِ, و الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ, و مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. وليس المجتهدين.
فلنستمع إلى الآيات التالية:
قال الله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) (فاطر)
وقال: ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) (الشعراء)
وقال: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) (الرعد))
وقال: ( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) (النحل)
وقال: (قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) (الإسراء))
وقال: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) (القصص))
وقال: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) (الروم))
وقال: ( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) (سبأ))
وقال: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) (آل عمران)
---------------------------------------------
مما سبق تكون طريقة معرفة الأحكام الشرعية هي الاستنباط الذي هو استخراج الحكم الموجود في القرآن الكريم الخاص بالمسألة المراد معرفة حكمها, ويعتبر هذا الاستنباط معرفة يقينية بحكم الله في تلك المسألة لأنه استخراج للحكم ناتج عن دراسة للقرآن.
وهذا الاستنباط يقوم به الذين سماهم الله في أكثر من آية من آيات القرآن:
العلماء وأولو العلم والراسخون في العلم, ومن عنده علم الكتاب.
بعكس الاجتهاد الذي يؤدي إلى الخروج بحكم بغلبة الظن, أي حكم ظني يُعتبر صواب يَحتمل الخطأ, وغيره خطأ يحتمل الصواب.
وهذا الاجتهاد لا يمكن أن يُعتبر طريقة معرفة الأحكام الشرعية لأنه ليس منصوص عليه كطريقة في القرآن لا بلفظة الاجتهاد ولا بغيرها, ولأنه ينتج حكم يُظَن أنه حكم الله.
كما أنه لا يوجد أي آية في القرآن تنص على أن القرآن الكريم فيه آيات ظنية الدلالة.
واسْتَنْبَطه واستنبط منه علماً وخبراً ومالاً: استخرجه.
واستنبَطَ الفَقِيهُ إِذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمِه. قال اللّه عزّ وجلّ: لعَلِمَه الذين يستنبطونه منهم.
فالله تعالى يخبرنا أن الذي يعلمه هم الذين يستنبطونه, ولا يوجد أي ذكر لكلمة اجتهد أو اجتهاد في القرآن مطلقاً ولا حتى بالمعنى اللغوي.
---------------------------------------------
رابعاً: يقول الله تعالى في عدة آيات دَرَسْتَ, دَرَسُوا, تَدْرُسُونَ, يَدْرُسُونَهَا, دِرَاسَتِهِمْ:
وهذه الدراسة مربوطة بالكتب, أي أن طريقة تحصيل الفهم كما يقررها الله تعالى هي الدراسة:
يقول الله تعالى:
( وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) (سبأ))
( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) (القلم))
( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) (آل عمران)
( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) (الأنعام))
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) (الأنعام)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) (الأعراف)
---------------------------------------------
خامساً: يسمي الله تعالى الراسخون في العلم ويقول أنهم يعلمون تأويله فالله تعالى يقول:
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) وهم يقولون هناك وقف بعد لفظ الجلالة (اللَّهُ) ليثبتوا أن ( الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) لا يعلمون تأويله علماً, بل أن هناك ظن وهناك مجتهدين يطلبون الظن.
يقول الله تعالى في سورة آل عمران:
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7))
ويقول في سورة النساء:
( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا )
أنظر معنى الرسوخ في معاجم اللغة:
الراء والسين والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثَّبات.
ويقال رسَخَ: ثَبَتَ، وكلُّ راسخٍ ثابتٌ.
رَسَخَ الشيءُ يَرْسَخُ رُسُوخاً: ثبت في موضعه، وأَرسخه هو.
والراسخ في العلم: الذي دخل فيه دخولاً ثابتاً.
وكل ثابت: راسخ؛ ومنه الراسخون في العلم.
وأَرْسَخْته إِرساخاً كالحِبْرِ رَسَخَ في الصحيفة.
والعِلم يَرْسَخُ في قلب الإِنسان.
والراسخون في العِلم في كتاب الله: المُدارسون؛ ابن الأَعرابي: هم الحُفَّاظُ المذاكرون؛ قال مَسْرُوقٌ: قَدِمْتُ المدينة فإِذا زيدز بن ثابت من الراسخين في العلم.
خالد بن جَنْبَة: الراسخ في العلم البعيد العلم.
---------------------------------------------
سادساً: يسمي الله تحصيل العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية دون استنباطها فقه:
قال الله تعالى:
( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) (التوبة))
معنى نَفَرَ في كتاب (مقاييس اللغة)
النون والفاء والراء: أصلٌ صحيح يدلُّ على تجافٍ وتباعد. منه نَفَر الدّابّةُ وغيرُه نِفاراً، وذلك تَجافِيهِ وتباعُدُه عن مكانِه ومَقرِّه.
ونَفَر جلدُه: وَرِمَ. ,نَفَرَ فَمُه: أي وَرِم. قال أبو عبيد: وإنَّما هو من نِفَار الشَّيءِ عن الشَّيءِ وتَجافِيهِ عنه؛ لأنَّ الجلد يَنفِر عن اللَّحم للدَّاء الحادثِ بينهما.
ويوم النَّفْر: يومَ يَنفِر النّاسُ عن مِنىً.
والنَّفَر أيضاً من قياس الباب لأنَّهم يَنفِرون للنُّصْرة.
والنَّفير: النَّفَر، وكذا النَّفْر والنَّفْرة: كلُّ ذلك قياسُه واحد.
---------------------------------------------
سابعاً: يسمي الله من يحوزون على هذا العلم ب الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ, والْعُلَمَاءُ, و أُولُو الْعِلْمِ, و الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ, و مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. وليس المجتهدين.
فلنستمع إلى الآيات التالية:
قال الله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) (فاطر)
وقال: ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) (الشعراء)
وقال: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) (الرعد))
وقال: ( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) (النحل)
وقال: (قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) (الإسراء))
وقال: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) (القصص))
وقال: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) (الروم))
وقال: ( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) (سبأ))
وقال: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) (آل عمران)
---------------------------------------------
مما سبق تكون طريقة معرفة الأحكام الشرعية هي الاستنباط الذي هو استخراج الحكم الموجود في القرآن الكريم الخاص بالمسألة المراد معرفة حكمها, ويعتبر هذا الاستنباط معرفة يقينية بحكم الله في تلك المسألة لأنه استخراج للحكم ناتج عن دراسة للقرآن.
وهذا الاستنباط يقوم به الذين سماهم الله في أكثر من آية من آيات القرآن:
العلماء وأولو العلم والراسخون في العلم, ومن عنده علم الكتاب.
بعكس الاجتهاد الذي يؤدي إلى الخروج بحكم بغلبة الظن, أي حكم ظني يُعتبر صواب يَحتمل الخطأ, وغيره خطأ يحتمل الصواب.
وهذا الاجتهاد لا يمكن أن يُعتبر طريقة معرفة الأحكام الشرعية لأنه ليس منصوص عليه كطريقة في القرآن لا بلفظة الاجتهاد ولا بغيرها, ولأنه ينتج حكم يُظَن أنه حكم الله.
كما أنه لا يوجد أي آية في القرآن تنص على أن القرآن الكريم فيه آيات ظنية الدلالة.