قتيبة
22-08-2012, 07:21 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إليكم رابط الوثيقة الرسمية للإستراتيجية الأمريكية الجديدة :
http://www.defense.gov/news/Defense_Strategic_Guidance.pdf
يليه تحليل لباحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي :
سنبقى مُتحفّزين ومتيقظين، لا سيما في الشرق الأوسط…سنخفّض من الموازنة، لكن على العالم بأسره أن يعرف أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها النوعي العسكري بقوات أقل عددا، وأسرع انتشارا وتدخّلا، وأعلى تدريبا، وذات قدرة فائقة على التعامل مع أي ظرف أو تهديد طارئ “ . الرئيس الأمريكي، باراك أوباما
بحضور كبار قادة المؤسسة العسكرية الأمريكية، على رأسهم وزير الدفاع ليون بانيتا، Leon Panetta، ورئيس هيئة أركان القوات المشتركة وقادة صنوف الأسلحة المختلفة، ومن على منصة مؤتمر صحفي عقده في مقر وزارة الدفاع، أماط الرئيس الأمريكي اللثام عن أهم ملامح المراجعة الإستراتيجية، أو ما أُصطلح على تسميته بالإستراتيجية الدفاعية الأمريكية الجديدة. الوثيقة الرسمية وردت في 8 صفحات، وحملت عنوانا فيه كثير من الرمزية والإيحاء: “تعزيز -استدامة- قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرين، Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense “، في إشارة واضحة للمعنيين بأمر منافستها أو الطامحين لإرساء نظام عالمي يقطع مع هيمنة القطب الواحد. إشارات، يبدو، لم يرصدها سوى التنين الصيني، في حين ركّز البقية على خفض الموازنة وعدد الجنود، ليخطئ المضامين الفعلية للمراجعة! الموقف الرسمي الصيني عبّرت عنه صحيفة “غلوبل تايمز، Global Times”، التي يشرف عليها الحزب الشيوعي الصيني، بتعليقها: “إن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تمثّل تغيّرا كبيرا يبدو القصد منه استهداف الصين، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة “لا تفهم العقيدة العسكرية الصينية”!
من رحم صدمة التخبّط الذي عانته القوات الأمريكية بأفغانستان والعراق طوال سنوات التيه الإستراتيجي، وترويع الانتخابات الرئاسية التي قد تذهب بأوباما بأسرع ممّا كان يتصوّر، يضاف لذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالإمبراطورية المترنّحة، “تُهندس” هذه الإستراتيجية الدفاعية الجديدة لتشكّل التحوّل الأبرز منذ حرب فيتنام. هذا بعض ما يخفيه وعظ أوباما وتحذيره حين يقول: “علينا أن نذكر دروس التاريخ. لا يمكننا تحمّل تكرار أخطاء الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام حين تُرك جيشنا غير مستعدّ للمستقبل”
لعلّنا لا نبالغ إذا اعتبرنا هذه الإستراتيجية نقطة مفصلية في تاريخ العسكرية الأمريكية، ليس لأنها تتكيّف مع واقع جيو-إستراتيجي متقلّب، وتستجيب للتحوّلات الجوهرية في طبيعة الحروب ومسرحها وأدواتها، وتستأنس بخارطة تهديدات تتوالد داخل مناخ أمني وفضاء سيبيري محفوفين بالخطر، فحسب، بل لأنها تقطع مع الحروب التقليدية الثقيلة وما كان يُعرف ببناء الأمم، Nation Building، ومكافحة التمرّد، -Counter Insurgency، لتؤسّس لحروب ما يسمّيه، وزير الدفاع ليون بانيتا بالـ”تحوّل التاريخي إلى المستقبل”، الحروب”الذكية، Smart Wars”. هذا عن طبيعة الحرب، أما عن أساليبها فجمع بين القصف المنظّم و”دقيق” التصويب، والقوة الجوية والبحرية الضاربة، والتفوّق الإلكتروني والمعلوماتي، في استحضار لنموذج التدخّل بليبيا. في اختصار هو تحوّل جوهري من عقيدة الحرب على جبهتين أو بمسرحي عمليات إلى عقيدة القيادة من الخلف، Leading From Behind، أو الحرب الخاطفة ذات العمليات الجوية والبحرية المحدودة، بفرق خاصة خفيفة، وتوظيف لمنظومة مُعقّدة ومتكاملة لأحدث تقنيات التشويش والجوسسة والاختراق والتصنّت، وتكنولوجيا المعلوماتية والحرب السيبيرية واستخدام الطائرات دون طيار، Drones.
تستند الإستراتيجية العسكرية الجديدة، أو المراجعة التي فرضها قانون الرقابة على الميزانية الذي أقرّه الكونغرس السنة الماضية، والتي أشرف عليها ليون بانيتا المتخصّص بشؤون الموازنة، على 4 محاور رئيسية، يمكن إيجازها كالتالي: نهج سياسة تقشّف في إنفاق وزارة الدفاع، الحفاظ على التفوق النوعي في الوسائل والقدرات، لا سيما في مجال الحرب الإلكترونية والسيبيرية، بما في ذلك أنظمة القتال المتطورة كالطائرات بدون طيار، خفض عدد القوات الأمريكية المتمركزة بأوروبا، والتوجّه نحو تعزيز الوجود الأميركي في آسيا والمحيط الهادي.
المراجعة التي استغرقت حوالي 9 أشهر، قضت بضرورة أن يتولّى البنتاغون خفض الإنفاق بنسبة 450 مليار دور خلال العشر سنوات المقبلة، خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية تنوء تحت عبء الدين العام البالغ: 15.033 تريليون دولار، حسب تقديرات وزارة الخزانة الأميركية. رغم الانتقادات الشديدة لمن رأى في ذلك إضعاف للقوة ومساس بالهيبة وعنوان تقهقر استراتيجي، لا يذهبنّ الظنّ بأحدكم بعيدا فيتصوّر أن الإمبراطورية المترنّحة، استسلمت لقدر الإمبراطوريات المحتوم. واهم من يعتقد أن الولايات المتحدة التي تُقدّر موازنة دفاعها بـــرقم فلكي مرعب بلغ 689 مليار دولار، قد وهنت ودقّت ساعة غروبها. للتذكير فحسب فإن الصين، منافسها المباشر على عرش القيادة العالمية لا تخصّص للدفاع سوى 119 مليار دولار، لتأتي بريطانيا بعدهما برقم خجول هو 59.6، ففرنسا 59.3، فالعربية السعودية التي ترد بالمرتبة السابعة بعد اليابان مباشرة بمبلغ 45.2 مليار دولار. وعليه فإن الموازنة الأمريكية وإن خُفّضت، بمعدّل متراوح بين 10 و15 بالمائة، أي حوالي 500 مليار دولار ، خلال السنوات القادمة، ستظلّ أعلى من مجموع موازنات العشر بلدان التي تليها. مجموع لا يتجاوز 519.8 مليار دولار! وعليه وجب الحذر من استخلاص الاستنتاجات المتسرّعة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار كيف زادت ميزانية الدفاع الأمريكية بنسبة 81 بالمائة، قافزة من 281 مليار دولار فقط سنة 2000 إلى 571 مليار دولار سنة 2010.
ما يجدر بالاهتمام والتمعّن هو تحوّل الإستراتيجية الدفاعية الجوهري من اعتماد أسلوب الحرب الثقيلة و النزول بالقوات البرية في عمليات مكلفة وطويلة الأمد، كما كان الشأن بأفغانستان والعراق إلى أسلوب حرب تزاوج بين العمليات البحرية والجوية في رصد واختيار لما يسمّيه الإستراتيجيون محور الصراع، أو “النقطة المركزية للصراع” ، وتكيّف مع المسارح الجديدة كالباسيفيكي والمحيط الهندي، مع اعتماد مبدأ “القيادة من الخلف” وتوظيف الشراكة الإستراتيجية، كلّما اقتضت الضرورة. وللتعويض عن عدد القوات المخفّض، خصوصا البرية منها، توصي الوثيقة بضرورة دعم المجال الاستخباراتي والتصنّت والمراقبة وفرض الهيمنة الأمريكية على الفضاء السيبيري والتصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة ما تسمّيه الولايات المتحدة “إرهابا”. كما تحثّ العسكريين على تطوير التكنولوجيات الحديثة وأنظمة الدفاع المعقّدة لزيادة قدرات القوات البحرية والجوية “استعراضا للقوة” و”ردعا” للقوى الصاعدة أو المنافسين المحتملين، خصوصا في منطقة آسيا والمحيط الهادي، كما يصرّح بانيتا. الإستراتيجية الجديدة ألمحت أيضا إلى “إمكانية” تقليص الترسانة النووية الأمريكية، وذلك “دون تعريض الأمن القومي الأميركي للخطر”، قارعة في ذات الوقت جرس إنذار بخصوص تنامي القوة العسكرية الصينية، البحرية منها بالخصوص، ونشرها أجيالا جديدة من الأسلحة فائقة التطوّر، ممّا استدعى حث الجيش الأمريكي على “إعادة التوازن” العسكري داخل منطقة آسيا والمحيط الهادي. ذلك ما يفسّر تأكيد واضعي الإستراتيجية الجديدة، المستأنسين بالخيارات التي يقتضيها ما سمّته هيلاري كلينتون،Hillary Clinton ، “عصر أمريكا الباسيفيكي America’s Pacific Century ، ” ، على ضرورة الاحتفاظ بقواعد عسكرية كبيرة في اليابان وكوريا الجنوبية، ونشر قوات من مشاة البحرية، وقطع من السفن الحربية و سرب من الطائرات بشمال أستراليا، إضافة إلى سفن حربية في سنغافورة، وربما بالفلبين. هذه ما يعزّزه تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، الجنرال مارتين ديمبسي، Martin Dempsey، القائل: “إن الاتجاهات الديموغرافية والجيو-سياسية والاقتصادية والعسكرية تتحوّل نحو المحيط الهادئ…نحن قوة عالمية وعلينا أن نكون قادرين على إجراء أنشطة وعمليات عسكرية على نطاق كامل”.
يتبع
إليكم رابط الوثيقة الرسمية للإستراتيجية الأمريكية الجديدة :
http://www.defense.gov/news/Defense_Strategic_Guidance.pdf
يليه تحليل لباحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي :
سنبقى مُتحفّزين ومتيقظين، لا سيما في الشرق الأوسط…سنخفّض من الموازنة، لكن على العالم بأسره أن يعرف أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها النوعي العسكري بقوات أقل عددا، وأسرع انتشارا وتدخّلا، وأعلى تدريبا، وذات قدرة فائقة على التعامل مع أي ظرف أو تهديد طارئ “ . الرئيس الأمريكي، باراك أوباما
بحضور كبار قادة المؤسسة العسكرية الأمريكية، على رأسهم وزير الدفاع ليون بانيتا، Leon Panetta، ورئيس هيئة أركان القوات المشتركة وقادة صنوف الأسلحة المختلفة، ومن على منصة مؤتمر صحفي عقده في مقر وزارة الدفاع، أماط الرئيس الأمريكي اللثام عن أهم ملامح المراجعة الإستراتيجية، أو ما أُصطلح على تسميته بالإستراتيجية الدفاعية الأمريكية الجديدة. الوثيقة الرسمية وردت في 8 صفحات، وحملت عنوانا فيه كثير من الرمزية والإيحاء: “تعزيز -استدامة- قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرين، Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense “، في إشارة واضحة للمعنيين بأمر منافستها أو الطامحين لإرساء نظام عالمي يقطع مع هيمنة القطب الواحد. إشارات، يبدو، لم يرصدها سوى التنين الصيني، في حين ركّز البقية على خفض الموازنة وعدد الجنود، ليخطئ المضامين الفعلية للمراجعة! الموقف الرسمي الصيني عبّرت عنه صحيفة “غلوبل تايمز، Global Times”، التي يشرف عليها الحزب الشيوعي الصيني، بتعليقها: “إن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تمثّل تغيّرا كبيرا يبدو القصد منه استهداف الصين، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة “لا تفهم العقيدة العسكرية الصينية”!
من رحم صدمة التخبّط الذي عانته القوات الأمريكية بأفغانستان والعراق طوال سنوات التيه الإستراتيجي، وترويع الانتخابات الرئاسية التي قد تذهب بأوباما بأسرع ممّا كان يتصوّر، يضاف لذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالإمبراطورية المترنّحة، “تُهندس” هذه الإستراتيجية الدفاعية الجديدة لتشكّل التحوّل الأبرز منذ حرب فيتنام. هذا بعض ما يخفيه وعظ أوباما وتحذيره حين يقول: “علينا أن نذكر دروس التاريخ. لا يمكننا تحمّل تكرار أخطاء الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام حين تُرك جيشنا غير مستعدّ للمستقبل”
لعلّنا لا نبالغ إذا اعتبرنا هذه الإستراتيجية نقطة مفصلية في تاريخ العسكرية الأمريكية، ليس لأنها تتكيّف مع واقع جيو-إستراتيجي متقلّب، وتستجيب للتحوّلات الجوهرية في طبيعة الحروب ومسرحها وأدواتها، وتستأنس بخارطة تهديدات تتوالد داخل مناخ أمني وفضاء سيبيري محفوفين بالخطر، فحسب، بل لأنها تقطع مع الحروب التقليدية الثقيلة وما كان يُعرف ببناء الأمم، Nation Building، ومكافحة التمرّد، -Counter Insurgency، لتؤسّس لحروب ما يسمّيه، وزير الدفاع ليون بانيتا بالـ”تحوّل التاريخي إلى المستقبل”، الحروب”الذكية، Smart Wars”. هذا عن طبيعة الحرب، أما عن أساليبها فجمع بين القصف المنظّم و”دقيق” التصويب، والقوة الجوية والبحرية الضاربة، والتفوّق الإلكتروني والمعلوماتي، في استحضار لنموذج التدخّل بليبيا. في اختصار هو تحوّل جوهري من عقيدة الحرب على جبهتين أو بمسرحي عمليات إلى عقيدة القيادة من الخلف، Leading From Behind، أو الحرب الخاطفة ذات العمليات الجوية والبحرية المحدودة، بفرق خاصة خفيفة، وتوظيف لمنظومة مُعقّدة ومتكاملة لأحدث تقنيات التشويش والجوسسة والاختراق والتصنّت، وتكنولوجيا المعلوماتية والحرب السيبيرية واستخدام الطائرات دون طيار، Drones.
تستند الإستراتيجية العسكرية الجديدة، أو المراجعة التي فرضها قانون الرقابة على الميزانية الذي أقرّه الكونغرس السنة الماضية، والتي أشرف عليها ليون بانيتا المتخصّص بشؤون الموازنة، على 4 محاور رئيسية، يمكن إيجازها كالتالي: نهج سياسة تقشّف في إنفاق وزارة الدفاع، الحفاظ على التفوق النوعي في الوسائل والقدرات، لا سيما في مجال الحرب الإلكترونية والسيبيرية، بما في ذلك أنظمة القتال المتطورة كالطائرات بدون طيار، خفض عدد القوات الأمريكية المتمركزة بأوروبا، والتوجّه نحو تعزيز الوجود الأميركي في آسيا والمحيط الهادي.
المراجعة التي استغرقت حوالي 9 أشهر، قضت بضرورة أن يتولّى البنتاغون خفض الإنفاق بنسبة 450 مليار دور خلال العشر سنوات المقبلة، خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية تنوء تحت عبء الدين العام البالغ: 15.033 تريليون دولار، حسب تقديرات وزارة الخزانة الأميركية. رغم الانتقادات الشديدة لمن رأى في ذلك إضعاف للقوة ومساس بالهيبة وعنوان تقهقر استراتيجي، لا يذهبنّ الظنّ بأحدكم بعيدا فيتصوّر أن الإمبراطورية المترنّحة، استسلمت لقدر الإمبراطوريات المحتوم. واهم من يعتقد أن الولايات المتحدة التي تُقدّر موازنة دفاعها بـــرقم فلكي مرعب بلغ 689 مليار دولار، قد وهنت ودقّت ساعة غروبها. للتذكير فحسب فإن الصين، منافسها المباشر على عرش القيادة العالمية لا تخصّص للدفاع سوى 119 مليار دولار، لتأتي بريطانيا بعدهما برقم خجول هو 59.6، ففرنسا 59.3، فالعربية السعودية التي ترد بالمرتبة السابعة بعد اليابان مباشرة بمبلغ 45.2 مليار دولار. وعليه فإن الموازنة الأمريكية وإن خُفّضت، بمعدّل متراوح بين 10 و15 بالمائة، أي حوالي 500 مليار دولار ، خلال السنوات القادمة، ستظلّ أعلى من مجموع موازنات العشر بلدان التي تليها. مجموع لا يتجاوز 519.8 مليار دولار! وعليه وجب الحذر من استخلاص الاستنتاجات المتسرّعة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار كيف زادت ميزانية الدفاع الأمريكية بنسبة 81 بالمائة، قافزة من 281 مليار دولار فقط سنة 2000 إلى 571 مليار دولار سنة 2010.
ما يجدر بالاهتمام والتمعّن هو تحوّل الإستراتيجية الدفاعية الجوهري من اعتماد أسلوب الحرب الثقيلة و النزول بالقوات البرية في عمليات مكلفة وطويلة الأمد، كما كان الشأن بأفغانستان والعراق إلى أسلوب حرب تزاوج بين العمليات البحرية والجوية في رصد واختيار لما يسمّيه الإستراتيجيون محور الصراع، أو “النقطة المركزية للصراع” ، وتكيّف مع المسارح الجديدة كالباسيفيكي والمحيط الهندي، مع اعتماد مبدأ “القيادة من الخلف” وتوظيف الشراكة الإستراتيجية، كلّما اقتضت الضرورة. وللتعويض عن عدد القوات المخفّض، خصوصا البرية منها، توصي الوثيقة بضرورة دعم المجال الاستخباراتي والتصنّت والمراقبة وفرض الهيمنة الأمريكية على الفضاء السيبيري والتصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة ما تسمّيه الولايات المتحدة “إرهابا”. كما تحثّ العسكريين على تطوير التكنولوجيات الحديثة وأنظمة الدفاع المعقّدة لزيادة قدرات القوات البحرية والجوية “استعراضا للقوة” و”ردعا” للقوى الصاعدة أو المنافسين المحتملين، خصوصا في منطقة آسيا والمحيط الهادي، كما يصرّح بانيتا. الإستراتيجية الجديدة ألمحت أيضا إلى “إمكانية” تقليص الترسانة النووية الأمريكية، وذلك “دون تعريض الأمن القومي الأميركي للخطر”، قارعة في ذات الوقت جرس إنذار بخصوص تنامي القوة العسكرية الصينية، البحرية منها بالخصوص، ونشرها أجيالا جديدة من الأسلحة فائقة التطوّر، ممّا استدعى حث الجيش الأمريكي على “إعادة التوازن” العسكري داخل منطقة آسيا والمحيط الهادي. ذلك ما يفسّر تأكيد واضعي الإستراتيجية الجديدة، المستأنسين بالخيارات التي يقتضيها ما سمّته هيلاري كلينتون،Hillary Clinton ، “عصر أمريكا الباسيفيكي America’s Pacific Century ، ” ، على ضرورة الاحتفاظ بقواعد عسكرية كبيرة في اليابان وكوريا الجنوبية، ونشر قوات من مشاة البحرية، وقطع من السفن الحربية و سرب من الطائرات بشمال أستراليا، إضافة إلى سفن حربية في سنغافورة، وربما بالفلبين. هذه ما يعزّزه تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، الجنرال مارتين ديمبسي، Martin Dempsey، القائل: “إن الاتجاهات الديموغرافية والجيو-سياسية والاقتصادية والعسكرية تتحوّل نحو المحيط الهادئ…نحن قوة عالمية وعلينا أن نكون قادرين على إجراء أنشطة وعمليات عسكرية على نطاق كامل”.
يتبع