المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الديموقراطية والحريات



عبد الواحد جعفر
13-08-2012, 11:06 AM
سلسلة من الكلمات ألقاها شباب حزب التحرير في مساجد عمان في شهر رمضان المبارك من عام 1433هـ


الديموقراطية والحريات

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بلّغنا رمضان، ونسأله تعالى أن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن نكون من عتقائه
والصلاة والسلام على سيد الخلق وخير الأنام نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى آل بيته، وصحبه، ومن سار على دربه
أمّا بعد،
يقول الحق، تعالى ذِكره، وجلّ ثناؤه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
إخوة الإسلام
وأنا أقلِّبُ بعضَ صفحاتِ تاريخِ أمّتنا المجيدة، استوقفتني صفحة، تملّكتني فيها امرأة، امرأة كان جُلُّ هَمِّها عِزّةُ دينِها ومجدُ أمّتِها. ومن العجب أن التاريخ لم يَحفظ لهذه المرأة اسماً، وإنّما كل ما حفظه عنها: أنها كانت في كل يوم، ودون كللٍ أو ملل، كانت تأخذ معها ابنها إلى الجبل، حاملة إياه على كتفهـا، فهو ما زال في سنوات عمره الأولى. حتى إذا صعدت به ذلك الجبل، وجّهت عينيه باتجاه يدها وهي تشير وتقول: "يا بني، هذه هي القسطنطينية، التي بشّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتحها، وإني نذرتُك لها".
بهذه الكلمات، فَرَشت هذه الأم طريقَ المجدِ لابنها، بهذه الكلمات حَفِظَت هذه المسلمة مجدَ أمّتها، فكان هذا الغلام كلما كبُرَت سِنّه كبُرت معه هذه البشارة، حتى إذا بلغَ رُشدَه واشتدّ ساعدُه، استنهض الهمّة في أبناء الأمّة لتحقيق بشارة نبي الأمّة: "لتُفتحنَّ القسطنطينية، فنِعمَ الأميرُ أميرُها، ونِعمَ الجيش ذلك الجيش"، هذه البشارة التي استعصى تحقيقُها على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن تَبِعَهم من التابعين والصالحين، حتى جاء هذا الفتى وقال قولَته الرائعة: "غداً سيكونُ لي في القسطنطينية عرش، أو يكونُ لي فيها قبر". فحاصر القسطنطينية وخاض غمارَ معاركِها خمسين يوماً، حتى فتحها الله على يديه؛ وهو ابن ثلاثةٍ وعشرين عاماً، إنه "محمدٌ الفاتح".
أم إنها الكلمة؟
بل إنها الكلمة. إنها الكلمة التي غُرست بفمِ أمٍ حنون في قلب طفلها الصغير، فصَنعت منه راهبَ محراب وفارسَ ميدان.
إنها الكلمة أعظمُ وأخطرُ سلاحٍ في الوجود؛ لذلك أمر الله تعالى أنبياءه جميعاً عليهم السلام أن يغيّروا أحوال أممهم بقوة الكلمة.. قوة الحجة، لا بقوة أية مادة أخرى ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
ولأن أمتنا اليوم تتعرض لخطر عظيم، يتمثل في تزيين أفكار الكفر بتلبيسها لباس الإسلام، فقد وجب علينا أن نعمل على توعية أمّتنا بما يكاد لها من أعدائها وأعداء دينها، فنبيّن لأمّتنا خطر أية فكرة دخيلة على الإسلام، فنبين لها مثلاً: أن الديمقراطية ليست هي الشورى، ولا هي من الإسلام أصلاً، وأن الديمقراطية ببساطة هي: أن نضع نحن البشر قوانين وتشريعات ننظم بها حياتنا بدل أحكام ربّنا التي أنزلها لنا، والله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
ونبيّن للأمّة أيضاً: أن الحريات ليست من الإسلام، فالإنسان ليس حراً في أن يعتقد اليهودية أو النصرانية أو العلمانية، وليس حراً أن يلبس زياً يكشف عورته، وليس حراً أن يقول كفراً، وليس حراً أن يكتسب مالاً بالربا أو القمار أو بيع الخمر، وليس حراً في أي شيء، وإنّما هو عبد لله، دوره في الحياة الدنيا أن يطيع سيده، أن يطيع ربّه الذي خلقه وبعث إليه رسوله ليهديه إلى ما يُصلِحُ حاله.
وهكذا نمضي في كشف بطلان كل فكرة تخالف شرع ربنا، مستحضرين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يُؤتَيَنّ مِن قِبلك".
سائلاً الله العلي العظيم، أن يعزّ الإسلام والمسلمين، وأن يذلّ الكفر والكافرين، بأيدينا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تثبتَ قلوبنا وأقدامنا، وأن تقوّي عزائمنا وتستنهِضَ هِمَمَنا، وأن تمكّننا من إقامة دولتك، لتحكيم شرعك، وإعلاء كلمتك.