مؤمن
09-06-2008, 02:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق السياسي
تنفيذاً لاتفاق الدوحة فقد تم تنصيب العماد ميشيل سليمان رئيساً لجمهورية لبنان، الذي تحدث في خطاب القسم أمام البرلمان اللبناني يوم الأحد الماضي (25/5) عن مسائل تتعلق بالواقع اللبناني ومستقبل لبنان، ومما جاء في خطابه قوله (إن سمة الديموقراطية الأساسية تداول السلطة عبر انتخابات حرة، وإذا كان من الأهمية بمكان اعتماد قانون انتخابي يؤمن حق التمثيل ويرسخ العلاقة بين الناخب وممثله، ويكفل إيصال خيارات الشعب وتطلعاته، فالأهم قبولنا بنتائج هذه الانتخابات واحترامنا للإرادة الشعبية) وكان قد سبق ذلك قوله في ذات الخطاب (لقد اختار لبنان السير فيما اتفق عليه في الطائف، وهو مدعو إلى حماية هذا الخيار والعمل على ترسيخه). وتحدث عن المقاومة مبرراً نشأتها وبقاء سلاحها داعياً إلى الاستفادة "من طاقات المقاومة" خدمة للاستراتيجية الدفاعية عن الوطن.
وفي يوم الاثنين (26/5) نوه السيد حسن نصر الله بخطاب مطول طال قضايا عديدة بالرئيس الجديد ومما جاء في حديثه حول مستجدات الوضع اللبناني بعد اتفاق الدوحة وبمناسبة الذكرى الثامنة للتحرير قوله حول الانتخابات أن (المدخل لبناء الدولة، ولإعادة تكوين السلطة والحكومة ومؤسساتها هو قانون الانتخاب) وكان قد وصف قانون الانتخاب الذي تم التوصل إليه في الدوحة بأنه (قانون تسوية) آملاً (أن يأتي الزمان الذي يتمكن فيه اللبنانيون من الجلوس بهدوء ويناقشوا قانون انتخاب حضاري عصري يؤسس لقيام دولة. كل الذين يقولون أنهم يريدون بناء دولة تنكشف نياتهم عندما يتحدثون عن قانون الانتخاب في لبنان، المدخل لبناء الدولة ...).
وكان هذا الشهر قد شهد أحداثاً عديدة خاصة بلبنان بعد إصدار الحكومة اللبنانية لقرارين اعتبرهما حزب الله مساساً بأمن الحزب وتعرضاً واضحاً لاستفزاز المعارضة، حيث تعلق القرار الأول بشبكة اتصالات الحزب والثاني بإقالة مدير أمن المطار العماد رفيق شقير مما أدى إلى أن يقوم الحزب وحلفائه بحسم الخلاف في السابع من الشهر الجاري بسيطرته على بيروت والجبل وتسليمهما للجيش، حيث لم تبد الموالاة ومليشياتها مقاومة تذكر، وقد أعقب ذلك تراجع الحكومة عن قراريها وذهاب أطراف النزاع إلى الدوحة برعاية قطر والجامعة العربية.
والواقع أن الأحداث التي سبقت اتفاق الدوحة لم تكن وليدة لحظة من الانفعال، ولم يكن السبب الرئيسي لها قرارات الحكومة بل إن المدقق يجد أن الأزمة اللبنانية قد برزت للسطح منذ مقتل الحريري، واتجاه الولايات المتحدة لتنفيذ مشروعها الذي أسمته بـ (مشروع الشرق الأوسط الكبير) ولبنان جزء منه، حيث يظهر للمتابع أن أميركا تريد ترتيب الوضع في لبنان بما يتناسب ومصالحها في المنطقة، أي أنها تريد أن يكون "للشيعة" اليد الطولى في لبنان ضمن سياق ترتيبها لما يسمى بالهلال الشيعي، الذي تعمل على إبرازه منذ سنوات سواء بإيجاد دور إقليمي قوي لإيران، أو بإبراز قوة وسيطرة "الشيعة" في العراق، أو بتحركات مقصودة لـ "الشيعة" في البحرين والخليج، أو بالإطاحة بامتيازات نصارى لبنان بإظهار حقيقة حجمهم الذي لا يتناسب مع الامتيازات التي منحتهم إياها فرنسا منذ إنشاء لبنان وتفصيله على وجه يبقي النصارى أصحاب الكلمة الفصل فيه.
واعتماد أميركا على إيران لتكون رأس الهلال الشيعي هو من أجل أن تتمكن أميركا من إحكام قبضتها على ما تسميه بالشرق الأوسط الكبير. وخدمة الهلال الشيعي لمشروعها يأتي في سياق شطر المنطقة على أساس مذهبي، وإجهاض فرصة إقامة كيان يجمع المسلمين دون تدخل عسكري مُكلف منها.
وكانت أميركا قد وضعت حجر الأساس لتوجهها بعدم الاعتماد على موارنة لبنان ـ لولائهم التقليدي السابق لفرنسا ـ في اتفاق الطائف؛ الذي نص على إلغاء الطائفية السياسية في لبنان في البند (ز) واعتبار ذلك (هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية)، ولما كانت المحاصصة الطائفية قد تم قصرها على مناصب الدرجة الأولى في المرحلة الأولى من اتفاق الطائف، وتم إقرار المحاصصة الطائفية في الانتخابات التشريعية في ذات المرحلة مؤقتاً، فإن المرحلة التالية تقتضي دعوة رئيس البرلمان لمؤتمر وطني يحضره كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وشخصيات وطنية للاتفاق على قانون انتخابي جديد تكون من نتائجه إلغاء الطائفية السياسية؛ حيث سيكشف تنفيذ ذلك التمثيل الحقيقي لكل طائفة مما ينزع من أيدي موارنة لبنان امتيازاتهم باستئثارهم بنصف مناصب الدرجة الأولى ونصف مقاعد البرلمان رغم أنهم لا يتجاوزون ربع سكان لبنان في الوقت الذي لا يمثل (شيعة) لبنان سوى 27 نائباً من أصل 128 نائب رغم أنهم يقاربون 40% من سكان لبنان.
ولذلك فإن حديث رئيس الجمهورية الجديد عن واقع تداول السلطة باعتبارها سمة الديموقراطية الأساسية، وحديث السيد حسن نصر الله عن قانون انتخابي (حضاري عصري يؤسس لقيام دولة) واعتبار قانون الانتخاب (المدخل لبناء دولة، ولإعادة تكوين السلطة والحكومة ومؤسساتها) ينسجم تماماً مع التوجه لتغيير بنية الدولة في لبنان الذي برز فيه تماسك المسلمين "الشيعة" أمام تفكك غيرهم، وبرزوا الأكثر قوة والأعلى تأهيلاً للتحكم والسيطرة على القرار في لبنان.
ومن الواضح أن إنهاء الدور السياسي للموارنة في لبنان يسير بوتيرة مطردة، فمع اغتيال بعض رموز الموارنة هاجر إلى خارج لبنان أكثر من 150 ألف نصراني معظمهم من الشباب، وتركزت حالة الانقسام بين قيادات نصارى لبنان مما أدى إلى إضعافهم، وبقي منصب رئيس الجمهورية شاغراً ستة أشهر مما جعله منصباً فخرياً لا قيمة له، ولذلك صرّح كوشنير وزير خارجية فرنسا في زيارته قبل الأخيرة للبنان، ـ أمام الصعوبات التي رافقت التفاهم على شخص رئيس الجمهورية ـ بعصبية واضحة (ما بالكم يا أصدقائي اللبنانيين؟ ما الذي بقي من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف؟). هذا عدا عن أن تغيير قانون الانتخاب في اتفاق الدوحة واعتماد قانون 1960م والذي اعتبره نصر الله (قانون تسوية) هو مقدمة لإيجاد القانون الجديد الذي يتوقع أن يكون منهياً للمحاصصة الطائفية. ويبرز من كل ذلك القصد الواضح لإضعاف الدور السياسي لموارنة لبنان والذي عبر عنه الدكتور أسعد أبو خليل أستاذ العلوم السياسية بقوله (إن هذه الطائفة الآن ـ يقصد الموارنة ـ لم يعد لها دور مهم في الساحة السياسية اللبنانية).
أما عن البعد الدولي والإقليمي لما حدث من مستجدات على الوضع اللبناني فقد حظي الاتفاق بترحيب دولي ولكن ردة الفعل الفرنسية قد عبر عنها وزير الخارجية كوشنير ـ والذي سبق أن فشلت مهمته في معالجة الأزمة اللبنانية ـ بقوله (يبدو أنه لم تتم تسوية أي شيء في العمق غير أنه من الأفضل أن يكون هناك رئيس وتتشكل حكومة يمكن أن تعمل).
أما إقليمياً فإن سيطرة حزب الله وبروزه بكل هذا العنفوان يعني أنه الحاكم الفعلي في لبنان خاصة بعد رضوخ حكومة السنيورة وتراجعها عن قراريها الذين تسببا بالاشتباك المسلح واجتياح بيروت والجبل.
ومع بروز قوة حزب الله وتماسك "شيعة" لبنان وعدم تعرض مؤتمر الدوحة لسلاح حزب الله وإشادة الرئيس الجديد للبنان بالمقاومة، يكون لبنان قد صُوّر على أنه قوة تشكل خطراً على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وهذا معناه زيادة الضغوط على "إسرائيل".
وإبراز الدور الإيراني الذي يستعمل لزيادة الضغط على "إسرائيل" قد أصبح هاجساً للشارع الإسرائيلي خاصة مع تصريحات أحمدي نجاد السابقة الذي توعد بإزالة دولة إسرائيل، وترديد نصر الله في خطابه الأخير لذات العبارة بمناسبة حديثه عن مرور ستين سنة على إنشاء ما يسمى "إسرائيل" يعزز المخاوف المتزايدة لدى الشارع الإسرائيلي ويدفع اليمين لتليين مواقفه تجاه ما يسمى بعملية السلام.
أيها المسلمون في لبنان:
هل وصل بكم الحال أن تستقر لديكم "ثوابت" زرعها الكفار فلا تنظرون إلا على أساسها، فأي إسلام هذا الذي سوغ لكم أن تسفكوا دماء بعضكم لانتخاب رئيس نصراني، وتشكيل حكومة علمانية، وتغيير قانون انتخابي لانتخاب برلمان يشرع لكم بدل شرع الله؟.
إن لبنان الذي هو جبل من جبال سوريا والذي رسم حدوده الكفار ـ كما رسم حدود بلاد المسلمين الأخرى ـ ليصبح كياناً يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من بلاد الإسلام ليحكم بالإسلام وليكون حاكمه مسلماً، وهذا هو الحل الوحيد الصحيح الذي فيه علاج لكل المشاكل التي تتعلق بلبنان شأنه في ذلك شأن كل قطر من بلاد المسلمين.
أيها المسلمون:
ها هي أميركا سائرة في تنفيذ مشاريعها وخططها والأمل الوحيد في إفشال هذه الخطط والمشاريع هو أنتم أيها المسلمون، فعليكم أولاً أن تعوا على غاياتها وأهدافها ثم العمل على إفشالها ثانياً وذلك بالوقوف في وجه أدواتها من سياسيين ومفكرين وقادة، وعدم السير معهم وخلفهم، والعمل مع المخلصين الواعين من أبناء الأمة الغيورين على دينها ومصالحها لإيجاد سلطانها الذي يحمي البيضة ويوحد الأمة ويحمل الدعوة للعالم ليخرجه من ظلمات الكفر (الديموقراطية وأنظمتها) إلى نور الإسلام.
[هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ]
حزب التحرير
23/جمادى الأولى/1429هـ
التعليق السياسي
تنفيذاً لاتفاق الدوحة فقد تم تنصيب العماد ميشيل سليمان رئيساً لجمهورية لبنان، الذي تحدث في خطاب القسم أمام البرلمان اللبناني يوم الأحد الماضي (25/5) عن مسائل تتعلق بالواقع اللبناني ومستقبل لبنان، ومما جاء في خطابه قوله (إن سمة الديموقراطية الأساسية تداول السلطة عبر انتخابات حرة، وإذا كان من الأهمية بمكان اعتماد قانون انتخابي يؤمن حق التمثيل ويرسخ العلاقة بين الناخب وممثله، ويكفل إيصال خيارات الشعب وتطلعاته، فالأهم قبولنا بنتائج هذه الانتخابات واحترامنا للإرادة الشعبية) وكان قد سبق ذلك قوله في ذات الخطاب (لقد اختار لبنان السير فيما اتفق عليه في الطائف، وهو مدعو إلى حماية هذا الخيار والعمل على ترسيخه). وتحدث عن المقاومة مبرراً نشأتها وبقاء سلاحها داعياً إلى الاستفادة "من طاقات المقاومة" خدمة للاستراتيجية الدفاعية عن الوطن.
وفي يوم الاثنين (26/5) نوه السيد حسن نصر الله بخطاب مطول طال قضايا عديدة بالرئيس الجديد ومما جاء في حديثه حول مستجدات الوضع اللبناني بعد اتفاق الدوحة وبمناسبة الذكرى الثامنة للتحرير قوله حول الانتخابات أن (المدخل لبناء الدولة، ولإعادة تكوين السلطة والحكومة ومؤسساتها هو قانون الانتخاب) وكان قد وصف قانون الانتخاب الذي تم التوصل إليه في الدوحة بأنه (قانون تسوية) آملاً (أن يأتي الزمان الذي يتمكن فيه اللبنانيون من الجلوس بهدوء ويناقشوا قانون انتخاب حضاري عصري يؤسس لقيام دولة. كل الذين يقولون أنهم يريدون بناء دولة تنكشف نياتهم عندما يتحدثون عن قانون الانتخاب في لبنان، المدخل لبناء الدولة ...).
وكان هذا الشهر قد شهد أحداثاً عديدة خاصة بلبنان بعد إصدار الحكومة اللبنانية لقرارين اعتبرهما حزب الله مساساً بأمن الحزب وتعرضاً واضحاً لاستفزاز المعارضة، حيث تعلق القرار الأول بشبكة اتصالات الحزب والثاني بإقالة مدير أمن المطار العماد رفيق شقير مما أدى إلى أن يقوم الحزب وحلفائه بحسم الخلاف في السابع من الشهر الجاري بسيطرته على بيروت والجبل وتسليمهما للجيش، حيث لم تبد الموالاة ومليشياتها مقاومة تذكر، وقد أعقب ذلك تراجع الحكومة عن قراريها وذهاب أطراف النزاع إلى الدوحة برعاية قطر والجامعة العربية.
والواقع أن الأحداث التي سبقت اتفاق الدوحة لم تكن وليدة لحظة من الانفعال، ولم يكن السبب الرئيسي لها قرارات الحكومة بل إن المدقق يجد أن الأزمة اللبنانية قد برزت للسطح منذ مقتل الحريري، واتجاه الولايات المتحدة لتنفيذ مشروعها الذي أسمته بـ (مشروع الشرق الأوسط الكبير) ولبنان جزء منه، حيث يظهر للمتابع أن أميركا تريد ترتيب الوضع في لبنان بما يتناسب ومصالحها في المنطقة، أي أنها تريد أن يكون "للشيعة" اليد الطولى في لبنان ضمن سياق ترتيبها لما يسمى بالهلال الشيعي، الذي تعمل على إبرازه منذ سنوات سواء بإيجاد دور إقليمي قوي لإيران، أو بإبراز قوة وسيطرة "الشيعة" في العراق، أو بتحركات مقصودة لـ "الشيعة" في البحرين والخليج، أو بالإطاحة بامتيازات نصارى لبنان بإظهار حقيقة حجمهم الذي لا يتناسب مع الامتيازات التي منحتهم إياها فرنسا منذ إنشاء لبنان وتفصيله على وجه يبقي النصارى أصحاب الكلمة الفصل فيه.
واعتماد أميركا على إيران لتكون رأس الهلال الشيعي هو من أجل أن تتمكن أميركا من إحكام قبضتها على ما تسميه بالشرق الأوسط الكبير. وخدمة الهلال الشيعي لمشروعها يأتي في سياق شطر المنطقة على أساس مذهبي، وإجهاض فرصة إقامة كيان يجمع المسلمين دون تدخل عسكري مُكلف منها.
وكانت أميركا قد وضعت حجر الأساس لتوجهها بعدم الاعتماد على موارنة لبنان ـ لولائهم التقليدي السابق لفرنسا ـ في اتفاق الطائف؛ الذي نص على إلغاء الطائفية السياسية في لبنان في البند (ز) واعتبار ذلك (هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية)، ولما كانت المحاصصة الطائفية قد تم قصرها على مناصب الدرجة الأولى في المرحلة الأولى من اتفاق الطائف، وتم إقرار المحاصصة الطائفية في الانتخابات التشريعية في ذات المرحلة مؤقتاً، فإن المرحلة التالية تقتضي دعوة رئيس البرلمان لمؤتمر وطني يحضره كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وشخصيات وطنية للاتفاق على قانون انتخابي جديد تكون من نتائجه إلغاء الطائفية السياسية؛ حيث سيكشف تنفيذ ذلك التمثيل الحقيقي لكل طائفة مما ينزع من أيدي موارنة لبنان امتيازاتهم باستئثارهم بنصف مناصب الدرجة الأولى ونصف مقاعد البرلمان رغم أنهم لا يتجاوزون ربع سكان لبنان في الوقت الذي لا يمثل (شيعة) لبنان سوى 27 نائباً من أصل 128 نائب رغم أنهم يقاربون 40% من سكان لبنان.
ولذلك فإن حديث رئيس الجمهورية الجديد عن واقع تداول السلطة باعتبارها سمة الديموقراطية الأساسية، وحديث السيد حسن نصر الله عن قانون انتخابي (حضاري عصري يؤسس لقيام دولة) واعتبار قانون الانتخاب (المدخل لبناء دولة، ولإعادة تكوين السلطة والحكومة ومؤسساتها) ينسجم تماماً مع التوجه لتغيير بنية الدولة في لبنان الذي برز فيه تماسك المسلمين "الشيعة" أمام تفكك غيرهم، وبرزوا الأكثر قوة والأعلى تأهيلاً للتحكم والسيطرة على القرار في لبنان.
ومن الواضح أن إنهاء الدور السياسي للموارنة في لبنان يسير بوتيرة مطردة، فمع اغتيال بعض رموز الموارنة هاجر إلى خارج لبنان أكثر من 150 ألف نصراني معظمهم من الشباب، وتركزت حالة الانقسام بين قيادات نصارى لبنان مما أدى إلى إضعافهم، وبقي منصب رئيس الجمهورية شاغراً ستة أشهر مما جعله منصباً فخرياً لا قيمة له، ولذلك صرّح كوشنير وزير خارجية فرنسا في زيارته قبل الأخيرة للبنان، ـ أمام الصعوبات التي رافقت التفاهم على شخص رئيس الجمهورية ـ بعصبية واضحة (ما بالكم يا أصدقائي اللبنانيين؟ ما الذي بقي من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف؟). هذا عدا عن أن تغيير قانون الانتخاب في اتفاق الدوحة واعتماد قانون 1960م والذي اعتبره نصر الله (قانون تسوية) هو مقدمة لإيجاد القانون الجديد الذي يتوقع أن يكون منهياً للمحاصصة الطائفية. ويبرز من كل ذلك القصد الواضح لإضعاف الدور السياسي لموارنة لبنان والذي عبر عنه الدكتور أسعد أبو خليل أستاذ العلوم السياسية بقوله (إن هذه الطائفة الآن ـ يقصد الموارنة ـ لم يعد لها دور مهم في الساحة السياسية اللبنانية).
أما عن البعد الدولي والإقليمي لما حدث من مستجدات على الوضع اللبناني فقد حظي الاتفاق بترحيب دولي ولكن ردة الفعل الفرنسية قد عبر عنها وزير الخارجية كوشنير ـ والذي سبق أن فشلت مهمته في معالجة الأزمة اللبنانية ـ بقوله (يبدو أنه لم تتم تسوية أي شيء في العمق غير أنه من الأفضل أن يكون هناك رئيس وتتشكل حكومة يمكن أن تعمل).
أما إقليمياً فإن سيطرة حزب الله وبروزه بكل هذا العنفوان يعني أنه الحاكم الفعلي في لبنان خاصة بعد رضوخ حكومة السنيورة وتراجعها عن قراريها الذين تسببا بالاشتباك المسلح واجتياح بيروت والجبل.
ومع بروز قوة حزب الله وتماسك "شيعة" لبنان وعدم تعرض مؤتمر الدوحة لسلاح حزب الله وإشادة الرئيس الجديد للبنان بالمقاومة، يكون لبنان قد صُوّر على أنه قوة تشكل خطراً على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وهذا معناه زيادة الضغوط على "إسرائيل".
وإبراز الدور الإيراني الذي يستعمل لزيادة الضغط على "إسرائيل" قد أصبح هاجساً للشارع الإسرائيلي خاصة مع تصريحات أحمدي نجاد السابقة الذي توعد بإزالة دولة إسرائيل، وترديد نصر الله في خطابه الأخير لذات العبارة بمناسبة حديثه عن مرور ستين سنة على إنشاء ما يسمى "إسرائيل" يعزز المخاوف المتزايدة لدى الشارع الإسرائيلي ويدفع اليمين لتليين مواقفه تجاه ما يسمى بعملية السلام.
أيها المسلمون في لبنان:
هل وصل بكم الحال أن تستقر لديكم "ثوابت" زرعها الكفار فلا تنظرون إلا على أساسها، فأي إسلام هذا الذي سوغ لكم أن تسفكوا دماء بعضكم لانتخاب رئيس نصراني، وتشكيل حكومة علمانية، وتغيير قانون انتخابي لانتخاب برلمان يشرع لكم بدل شرع الله؟.
إن لبنان الذي هو جبل من جبال سوريا والذي رسم حدوده الكفار ـ كما رسم حدود بلاد المسلمين الأخرى ـ ليصبح كياناً يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من بلاد الإسلام ليحكم بالإسلام وليكون حاكمه مسلماً، وهذا هو الحل الوحيد الصحيح الذي فيه علاج لكل المشاكل التي تتعلق بلبنان شأنه في ذلك شأن كل قطر من بلاد المسلمين.
أيها المسلمون:
ها هي أميركا سائرة في تنفيذ مشاريعها وخططها والأمل الوحيد في إفشال هذه الخطط والمشاريع هو أنتم أيها المسلمون، فعليكم أولاً أن تعوا على غاياتها وأهدافها ثم العمل على إفشالها ثانياً وذلك بالوقوف في وجه أدواتها من سياسيين ومفكرين وقادة، وعدم السير معهم وخلفهم، والعمل مع المخلصين الواعين من أبناء الأمة الغيورين على دينها ومصالحها لإيجاد سلطانها الذي يحمي البيضة ويوحد الأمة ويحمل الدعوة للعالم ليخرجه من ظلمات الكفر (الديموقراطية وأنظمتها) إلى نور الإسلام.
[هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ]
حزب التحرير
23/جمادى الأولى/1429هـ