المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظاهرةعكاظ أخرة احتكار الدعوة



بوفيصيل
03-08-2012, 01:33 AM
ظاهرة احتكار الدعوة.. ظاهرة بائسة!



*

*** إنها ظاهرة بائسة بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى.. على من وجد في نفسه شيئا منها أن يتخلّص منه سريعا!

*

*** وقد تحدّثت سابقا عن "واجب الدعوة" وأنّ كلّ مسلم مسؤولٌ عنه بحسب استطاعته، وذلك في مقال "واجب الدعوة".

*

*** ثمّ تحدّثتُ عن "التوجيه الشرعي" بتفصيل أكبر في مقال "في المعيار الشرعي"، حيث فنّدت النظرية التي ترى أنّ هناك "رجال دين" في الإسلام يختصّون بالحديث في الشرع وتعليمه للناس والتوجيه فيه دون غيرهم، وبيّنتُ فيه أنّ الحصول على "شهادة" إنهاء موضوع الشريعة أو الدراسات الإسلامية في كليّة ما، لا يعني بالضرورة امتلاك القدرة الكافية للتوجيه الشرعي، وكذلك، فعدم الحصول على شهادة "أكاديمية" في العلوم الشرعية، لا يتحتّم عليه بالضرورة عدم امتلاك القدرة الكافية للتوجيه الشرعي!

*

*** وأودّ في هذه الكلمات القليلة أن ألفت الأنظار إلى ظاهرة خطيرة و"بائسة" بكلّ ما في الكلمة من معنى، تتفشّى في وسطنا الدعوي، هي ظاهرة "احتكار الدعوة"، أي محاولة جهة ما التفرّد بالساحة الدعوية التي تعيش فيها، ومنع الدعاة الآخرين من مزاولة واجب الدعوة في الساحة بدعاوى وتبريرات كثيرة.. ليس من ورائها إلا حقيقة واحدة وهي: ادّعاء امتلاك الصواب، والتعصّب المقيت لهذه الجهة أو لأفكارها من قبل أفرادها، وينتج عن ذلك جهد لا بأس به في محاولة إقصاء الآخرين وتهميشهم بأساليب كثيرة منها:

*

-******* محاولة تشويه صورة الداعية الذي لا ينتمي إلى هذه "الجهة"، ولصق الصفات المنفرة منه، وغالبا ما تكون "التشدّد" و"التكفير" و"قلة العلم" والقول بأنه لم يتلقّى العلم الشرعي كما يجب، أما نحن فتلقّيناه على أصوله! وهنا ندلف إلى النقطة الثانية وهي محور الحديث.

*

-******* عمّن تلقّيت العلم؟ هو السؤال الذي تطرحه بعض الجهات الدعوية الموجودة في الساحة؛ سعيا في "تقزيم" المخالف لها، كخطوة نحو حرقه دعويّا كي تفرغ لهم الساحة! وغالبا ما تطرح هذا السؤال الجهات الدعوية ذات الطابع "الحزبي"، والذي يتميّز بادّعاء امتلاك المنهج الأصوب، وتعصّب أفراد الجماعة لجماعتهم، وبذلهم الجهود الكبيرة لضمّ أكبر عدد من الأفراد الجدد إلى جماعتهم، والتعامل مع إطارهم الدعوي كإطار "انتماء" لا كإطار "عمل". وهذا يتطلّب بالضرورة – في حسّهم – إقصاء الآخر الدعوي، وإفراغ الساحة قدر الإمكان من العناصر الدعوية "الخارجة" عن إطار الجماعة، إما بمحاولة احتوائها، أو – إنْ لم يفلح الاحتواء – بالعمل على تشويهها بين الناس وحرقها دعويّا.. كإجراء أخير يتم اتّخاذه لمن يجرؤ ويعمل لأداء دوره في واجب الدعوة إلى الله!!

*

*** والمتتبّع لكثير من هذه الجماعات الدعوية ذات الطابع "الحزبي"، يجد أنّها في منطلق عملها الدعوي تكون فئة قليلة منبوذة من "الجهة" أو "الجهات" الدعوية الأكبر منها حجما، والأسبق في الساحة الدعوية.. وتتمّ مواجهتها بنفس تلك الأساليب والدعاوى، كمحاولة لإقصائها؛ لِما تشكّله من "صراع على النفوذ" في حسّ الجماعات الأكبر منها! ويكون ردّها على تلك الدعاوى هو مقولات مثل: "العبرة بالأدلة" أو "يعرف الرجال بالحقّ ولا يعرف الحقّ بالرجال".. وغيرها من هذه المقولات التي تؤكد على حقيقة جوهرية في الإسلام: أنه لا كهنة ولا سدنة لمعابد في هذا الدين! ولا يحقّ لأحد احتكار الدعوة بدعوى أنه تلقّى العلم عن أهل العلم وغيره لم يفعلْ.. فكلٌّ له وِجهته ومصادره التي يتلقّى عنها التوجيه الشرعي، وتفسير حقائق الدين (مصادر الدين واحدة هي الكتاب والسنة وما حمّل عليهما بطرق الاجتهاد، ولكن تختلف الرؤى والتوجهات وترتيب الأولويات بين المدارس الدعوية المختلفة، وهذا من باب الاختلاف المحمود إن تم وضعه في إطاره الشرعي الصحيح).

*

*** ثم تمرّ السنوات على تلك الفئة القليلة فيصبح لها وجودها الدعوي الأكبر حجما، وتُحْجِم الجماعات الأكبر منها عن محاولات إقصائها بعد أن ثبتت في الساحة.. فتنسى تلك المقولات التي كانت تردّدها من أنّ "الرجال يعرفون بالحق لا الحق يعرف بالرجال" ومن أن "العبرة بالأدلة الشرعية لا بأقوال الرجال".. تنسى هذه المقولات، وتمارس ذات النوعية من الإقصاء والتهميش على العناصر الدعوية الأصغر حجما منها، والتي تنشأ في الساحة تباعا لتحقيق أمر الله عزّ وجلّ بوجوب الدعوة إلى الله!

*

*** فتصير الأمور إلى حلقة مفرغة تتكرّر في كلّ دورة من الزمان: دعوة أو "حركة" تظهر في وسط تُمسك بزمام التوجيه الشرعي فيه "الجهاتُ الرسمية" في المساجد وغيرها.. فتحاول تلك الجهات الرسمية إقصاء "الحركة" الناشئة.. ثم إذا ما أثبتت الحركة وجودها الدعوي الفاعل، واستعصت على الكسر والتهميش تركوها وشأنها، ولجأوا إلى "التفاهم" معها! ثم تمرّ دورة الزمان.. فتمضي فئة دعوية أخرى طريقها في الدعوة، على منهج مغاير لمنهج تلك الحركة التي كانت يوما ما مثلها "ناشئة" و "صغيرة"! فتقوم الحركة التي كبرت وتضخّم في حسّها مفعول "الحزبيّة" بمحاولات إقصاء تلك الفئة الناشئة حديثا وتهميشها.. فإذا ما استعصت تلك الفئة على الكسر مضتْ في طريقها وثبتتْ على أفكارها وتوجهاتها.. حتى إذا ما تضخّم في حسّها مفعول "الحزبية" مارستْ ذات أعمال الإقصاء والتهميش على غيرها من العناصر والفئات الدعوية الناشئة..!! وهكذا يستمر الأمر في دورة وراء أخرى.. وكلّ نموذج من هذه النماذج "الدعوية" يبدأ بمقولات: "العبرة بالدليل" و"يعرف الرجال بالحق".. ثم ينتهي إلى مقولات: "من شيخك؟" و"عمّن تتلقّى العلم؟" و"أنت لا تصلح للدعوة لأنك لا تتلقى العلم عن العلماء" (زعموا).. إلى آخر هذه المقولات التي تصبّ في هدف تشويه العناصر الناشئة ومحاولة إقصائها؛ بسبب ما تشكّله في حسّ الجهة السابقة في الدعوة من خطر عليها وعلى نفوذها الدعوي! هذا هو الدافع الحقيقي.. وليس هو الحرص على عقول المتلقّين، ولا هو الخوف عليها من "التلوث" بطرح "غير مستقيم"، أو "ناقص"، أو "غير أصيل"، أو غيرها من الدعاوى التي يطلقونها لتبرير محاولات إقصائهم وتهميشهم لتلك الفئات الدعوية الناشئة!

*

*** والحقّ أنّ في هذا الطرح من الاستهانة بعقول المتلقّين ما فيه؛ لأنّ الأصل بالمسلم ألا يتّبع فكرة ويحوّلها إلى قناعة في نفسه إلا بعد تحصيل شرط "العلم" أو "البرهان" عليها، والحقّ يحمل دليل كونه حقّا بما يتضمّنه بذاته لا بحامل هذا الحق! ولذلك أوصانا السلف: "إنّ الحقّ لا يعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله". فالفكرة الخاطئة لن تصبح صحيحة إذا حملها "عالم"، والفكرة الصحيحة لن تكون خطأ إذا حملها "داعية" ليس بعالم، ولكنه استطاع أن يدلّل عليها وعلى أدلّتها.. والعلم ليس حكرا على أحد، و"إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرّ الخير يُعطه، ومن يتّق الشرّ يوقه" كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أخرى: "يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". ومتى حصلتْ شروط العلم الصحيح المنضبط بأصوله في نفس الداعية، فليس من الحجة في شيء أن يقال له: من شيخك؟ وعمّن تتلقّى العلم؟ (يقصدون التلقي المباشر).. ليس ذلك من الحجّة التي تنزع "شرعيّة" دعوته! فإنّ المفاهيم الإسلامية التي يحملها، إن كان ينقلها بنزاهة، وعن علماء معتبرين من الأمة (علماء القرون الثلاثة الأولى المفضلة بشكل أساسي)، ويسندها بأدلّتها، ويحسن التعبير عنها والبرهنة عليها، فليس من الحقّ في شيءٍ أن يردّها رادٌّ بحجة عدم وجود التلقي المباشر من شيخ أو عالم! وإنّما تُقرع الحجّة بالحجّة، والفكرة بالفكرة، والدليل بالدليل! ومِلاط ذلك كلّه التعبير المهذّب، وألا يتناول المحاورُ مخالفه في الرأي بالتجهيل والتسفيه أو التنقّص أو التهكّم أو الاستخفاف.. وإنما المعالجة العلمية الموضوعية.

*

*** ولَعَمْري فإنّ الناظر إلى كثير من هذه التجمّعات الدعوية التي تمارس عملية الإقصاء والتهميش على غيرها من العناصر الدعوية، لا يكادُ يجدُ في أوساطها من يقدر على التعبير العربيّ السليم المنضبط بقواعد اللغة والنحو! فكيف بها تحتكر الدعوة بحجّة امتلاك صفة "التلقي المباشر للعلم"! وما هو هذا التلقي؟ وكيف يكون من يتلقى العلم عن "دعاة" ليسوا بعلماء أحقّ بالدعوة عمّن ينقل العلم بنزاهة عن علماء الأمة الثقات؟! فإنّه من المعلوم بالضرورة أنّ بإمكان أيّ مسلم يمتلك القدرة على الفهم الصحيح أن ينهل من علوم كبار أهل العلم القدماء والمعاصرين، دون أن يلتقي بهم مباشرة (وقد يغنيه عن اللّقيا إن تعذّرتْ أن يحضر مجالسهم ودوراتهم ودروسهم وشروحهم من خلال ما توفّره التقنيات الحديثة!) والعبرة كما قلنا أنه ينقل عنهم بأمانة ونزاهة. فلو تمّ استخدام منطق "الاحتكار" الذي تمارسه بعض الجهات، فإنّ الأحقّ بالدعوة هو من يأخذ دينه عن العلماء الثقات المعروفين لدى الأمة، وعلى وجه الخصوص المتقدّمين من العلماء الذين تلقّتهم الأمّة بالقبول، لا ذلك الذي ينقل عن "مجاهيل" من الدعاة ليسوا من علماء الأمة! ولكنّه كما قلنا منطق "بائس".. ذلك المنطق الذي يجعل شرعية الفكرة تستند إلى "هوية حاملها"، أو إلى هويّة من تلقّى عنه، لا (كما هو الأصل) أن تكون شرعيّة الفكرة مستندة على موافقتها للحقّ، وعلى الأدلّة والبراهين التي تسندها!

*

شريف محمد جابر

2.8.2012

عكا

نائل سيد أحمد
18-02-2013, 06:01 PM
للرفع ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ