المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأصول الأربعة - جمال البنا



سيفي دولتي
27-07-2012, 02:49 AM
أود أن أقدم للرئيس العزيز الدكتور محمد مرسى أحر التهانى للخطوات الموفقة التى اتخذها أخيراً، والتى برهنت أن الإخلاص والبساطة هما أسرع طريق لاكتساب قلوب الشعب، وكان أداؤه القسم أمام الميدان، اعترافاً بالشرعية الثورية، وأنها أسمى الشرعيات، وأنه أعاد بهذا العمل الروح إلى الجمهورية الثانية التى كادت تقضى عليها الانحرافات والأخطاء حتى فقدت روحها الثورية.

وأردت بهذه التهنئة أن تأخذ شكلاً إسلاميًا، ولذلك سأقولها فى شكل حديث عن أصول أربعة، آمل أن تكون من أولى ما يقوم عليها حكمه الجديد.

هذه الأصول الأربعة هى: «حرية الفكر، والنهضة بالمرأة، وعدم التدخل فى الفنون والآداب بما يذهب بها، وأخيراً سراب الخلافة وأستاذية العالم».

وحرية الفكر هى أول هذه الأصول لأنها للمجتمع كالهواء للإنسان، وكما أن الإنسان يختنق إذا حيل بينه وبين الهواء، فكذلك المجتمع يُشل إذا فقد حرية الفكر لأنها تعنى حرية الضمير، وحرية النظر والتمييز بين الحلول للوصول إلى أكثرها سلامة.

وحرية الفكر وثيقة العلاقة بالأديان، لأن الأديان تقوم على الإيمان، والإيمان يتطلب الحرية ولا قيمة لإيمان يتأتى بالضغط أو التعذيب، والإيمان بالأديان يتطلب تفكيراً حرًا، ومقارنة بين البدائل، ومعنى هذا أنه لا يتصور دين دون إيمان، وإيمان دون حرية الفكر.

والآيات التى تأمر بالحرية وتوجب التزامها عديدة منها:

■ «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَىِّ» «البقرة:256».

■ «وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» «الكهف:29».

■ «وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» «العنكبوت:46».

■ «مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» «الإسراء:15».

■ «إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» «الزمر:41».

■ «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» «يونس: 99ــ100».

■ «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» «النحل:106».

■ «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ» «آل عمران:90».

■ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً» «النساء:137».

وتحدث القرآن عن الذين ارتدوا فلم يرتب عليهم عقوبة دنيوية.

■ «وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» «البقرة:217».

■ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً» «النساء:137».

ويتبع حرية الفكر حرية التعبير لأن الإيمان بالحرية وحده لا يكفى، ولابد له من آليات تحميه من العدوان، مثل إقامة الأحزاب وتأسيس النقابات أو إقامة الكنائس، وكذلك الصحافة وحريتها فهذه كلها وسائل تدعم حرية التفكير. والحرية هى الضمان الأعظم لنجاح المجتمع، وقد كان الاتحاد السوفيتى أقوى دولة فى العالم فى أعقاب الحرب العالمية الأولى ومع هذا فإنه لم يستمر سوى سبعين عامًا، ثم تداعت فى السقوط من الداخل لافتقادها الحرية، ودون أن تطلق عليها رصاصة من الخارج.

فإذا قيل ماذا يكون موقفنا إزاء سيل الإهانات والأكاذيب والأباطيل تنسب إلى الإسلام وإلى نبى الإسلام، قلنا إننا نرد عليها، فإذا ظهر كاتب يقول «لماذا أنا ملحد»؟، فليظهر عشرة كل واحد يصدر كتاب يقول «لماذا أنا مسلم»؟، ثم يظهر آخرون يقولون «لماذا هو ملحد»؟، ينتقدون الإلحاد ويوضحون فساد ما ذهب إليه، بهذه الطريقة تموت الدعوة ويموت صاحبها، فى حين أننا لو كنا صادرنا كتابه وألقينا القبض عليه ليحكم عليه بأن يطلق من امرأته وأن يقتل، ولا يدفن فى مدافن المسلمين، لو فعلنا هذا لجعلنا منه بطلاً من أبطال حرية الفكر ولأبقينا على دعوته فى الإلحاد دون أن تجد من يرد عليها.

والأصل الثانى من أصول المجتمع الإسلامى المرأة، والمرأة هى العقدة العياء التى لا انفكاك لها إلا بالقبر، ونحن فى دعوة الإحياء الإسلامى نعنى عناية خاصة بهذا الموضوع، وقد أصدرنا عنه ستة كتب ولا نزال نكافح ما ظلت تلبس ثوباً أسودً، ولا يمكن مقارنة حديثنا بأى حديث آخر،

وسنضطر إلى الأخذ بالأسلوب المختصر فيما سيلى، فالمرأة أولاً إنسان وهى ثانياً أنثى:

أولاً: صفة المرأة كإنسان:

وصفة المرأة كإنسان تعطيها الحقوق التالية :

الحرية الشخصية: وحرية الممارسات العادية واليومية من أكل وشرب أو لبس أو دخول أو خروج، وقد آن للمسلمين أن يعلموا أن قضية الزى تدخل فى هذا، وهى بحكم هذا حق من الحقوق الأساسية للمرأة.

حق التعليم: فلا يجوز أن تحرم المرأة أصلا منه، وإن كان يجوز أن توضع محفزات أو مثبطات داخل إطار الارتفاق بحيث تشجع أو تثبط دراسة مهن وفروع معينة من المعرفة.

حق العمل: بحيث يكون المعيار هو الكفاية؛ فاذا وجدت فى المرأة درجة كفاية أكثر مما لدى الرجل تكون المرأة هى الأحق، ولا يتنافى مع هذه المساواة أن تمنح المرأة إجازات أكثر عند الحمل أو الولادة أو العناية الصحية، لأن هذه مما يتطلبه مبدأ الارتفاق على أن لها جانباً إنسانيًا، وأخيًرا فإنها لا تعود إلى المرأة وحدها، بل إن الرجل شريك فيها فهو يضع البذرة بينما تحملها، وتضعها المرأة.

المشاركة فى الحقوق السياسية: فشأن المرأة هنا شأن الرجل لأنها مواطنة، وليس فى كونها أنثى ما يمس هذا الجانب الذى يجب أن يبدأ من حق التصويت حتى يصل إلى الترشح لرئاسة الجمهورية.

المشاركة فى الخدمة العسكرية: فما دامت المرأة مواطناً فيفترض أن تشترك فى هذا الحق/الواجب، وإن وصل الارتفاق على الأصل إلى غايته بحيث يكون التركيز على التمريض والخدمات المساعدة، وإن لم يخل من التدريب الخفيف، كما يلحظ أن تكون المدة مناسبة «ستة شهور مثلاً» وأن يلحظ فيها، ظروف المرأة.

سيفي دولتي
27-07-2012, 02:50 AM
ثانيًا: صفة المرأة كأنثى:

المرأة المسلمة تفخر بصفتها كأنثى وتعتبر أنها من المزايا التى تفضل بها المرأة الرجل، والتى أشارت إليها الآية: «وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا» (النساء:32)، فلا يستطيع الرجال بقضهم وقضيضهم أن يحملوا، أو يلدوا كما تحمل وتلد أى امرأة عادية من غمار النساء، ولا يستطيعون أن يعطوا الحياة لهذا الوليد من صدورهم كما تفعل المرأة، وهذه ميزة رائعة كافأها الله عليها بأن جعل الجنة تحت أقدامها، وأى فخر أعظم من هذا.

لهذا فإن المرأة ترى أن إنسانيتها تصل إلى القمة عندما تقدم الحياة لإنسان ضعيف ــ عاجز ــ لا يستطيع لولا عنايتها أن ينمو ويكبر، وهى ترى أن الأمومة، وإن كانت السمة العظمى للأنوثة، أعلى قمة إنسانية للمرأة.

من أجل هذا فإن المـرأة المسلمة لا تعدل بالأمومة وظيفة أخرى، وترى أن قيامها بنفسها بتربية الوليد حتى الثانية أو الثالثة من العمر هو المهمة الأولى التى يجب أن تفرغ لها، فتأخذ إجازة من عملها سواء كانت بنصف أجر أو دون أجر حتى تقوم بهذه المهمة المقدسة، وترى المرأة المسلمة أن الأم ــ والأم وحدها ــ هى التى يمكن أن تقوم بهذه المهمة بالصورة المثلى، وأن المحاضن لا يمكن أن تقوم بهذا الدور وإن جاز إدخال الأطفال بعد سن الثالثة دور الحضانة تحت إشراف الأم.

تؤمن المرأة المسلمة بأن تعبيرات من نوع الفتنة والعورة.. إلخ، التى تمتلئ بها كتب التراث والتى تنسب إلى بعض الأحاديث إنما أريد بها عصر انتهى وانقضى وأصبحت هذه التعبيرات مفردات غير ذات موضوع فى العصر الحديث، ولهذا فهى تطوى صفحتها ولا تدعها تلوث مجتمعنا، وقد يشفع لنا أن نقول إن هاتين الكلمتين ــ الفتنة والعورة ــ لم تردا فى القرآن الكريم بمعنى الاشتهاء الجنسى، وليعودوا إلى القرآن الكريم وليحكموا بسياق الآيات على مضمون كل كلمة من هاتين، وقد امتدح القرآن الزينة.. والجمال: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (الأعراف:32).

لما كان الزواج بالنسبة للمرأة قضية حيوية بكل معنى الكلمة، فلا بد أن يتم بناء على رغبة واقتناع تام منها وبعد تفكير طويل من كل من المرشحين واتفاق ما بينهما، وتعد هذه هى الخطوة الأولى، وليس للأب أو الأم إلا رأى استشارى لأنهما ليسا هما اللذين سيتزوجان.

ويجب أن تتولى المرشحة للزواج كل هذا بنفسها وإن كان لها أن تستعين بأهلها، ويجب أن تحضر عقد الزواج وتوقعه بنفسها وتستبعد تماماً فكرة الولى.

ومن حقها أن تعقد اتفاقاً مع زوجها يكون جزءًا من عقد الزواج يتناول الإجراءات والحـلول والقرارات للقضايا التى تطرأ على الحياة الزوجية، مثل السـكن، والنفقة، والعمل أو الدراسة.

وهذا أقرب إلى توجيه القرآن الذى يشترط الكتابة فى الالتزامات المؤجلة «وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا».

ويمكن أيضًا أن ينص فى عقد الزواج على تسوية الطلاق وأن هذا يمكن أن يتم بناء على طلب أحد الفريقين بعد فشل محاولة التوفيق والتحكيم، وآثار انعكاسات ذلك على الطرف الآخر وكيفية تسويتها، وتلحظ فى تقرير ذلك مقتضيات العدالة ومصلحة الأبناء، ويقع ملغى كل طلاق يمارسه الرجل منفردًا أو خارج إطار هذه الشروط، فإذا لم توضع شروط الطلاق فى وثيقة الزواج يكون من المبادئ المقررة أن لكل من الزوجين طلب الطلاق، على أن يتم بالتسوية والتراضى بين الطرفين، ولا يجوز إجراء طلاق من طرف منفرد، فلا يجوز التحلل من اتفـاق غليظ، إلا بمثل الوسائل التى عقد بها هذا الاتفاق، وأبرزها التراضى والشهود والعلانية.. إلخ.

قد يقول قائل هذا ليس دستورًا للمرأة المسلمة، إنه دستور للمرأة الحديثة فى أرقى الدول، وليس فيه ما يميز المرأة المسلمة بوجه خاص.

ونقول...

أولاً: ليس مما يؤخذ على الباحث أو المفكر المسلم أن يقتبس من المعارف والعلوم والخبرات والتجارب من دول أو نظم أخرى، لأن الحكمة أصل إسلامى كالكتاب، وهى طلبة المسلم وعليه أن ينشدها أنى وجدها، فاذا وجدها فى أوروبا أو أمريكا أو الصين فلا غضاضة عليه أن يأخذ بها ولا يجرمننا شنآن بيننا وبينهم أن نعدل ونفيد منهم.

ثانيًا: أن الأصول التى بنى عليها الدستور لها أسانيد من القرآن الكريم، إما صراحة، وإما ضمنا، وما زدناه يدخل فيما أورده القرآن ضمناً عندما وضع المبادئ العامة وقرر المساواة بين الرجل والمرأة، وجعل العدل أساسًا وحكمًا فى العلاقات الاجتماعية، وليس فيما جاء فى الدستور إلا إعمال لذلك، والخلاف فيما قلناه ليس مع القرآن الكريم لأنه يفسح لنا السبيل أو الصحيح الثابت من السُـنة، ولكن مع الفقهاء، ونحن لا نرى الالتزام ضرورة بآرائهم.

على أنه لو فرض أن كان هناك خلاف فليسعنا ما وسع عمر بن الخطاب عندما أوقف مصرف المؤلفة قلوبهم المنصوص عليه فى القرآن الكريم لانتفاء العلة، وهناك من الفقهاء الأقدمين من رأى أن المصلحة هى المقصد الأسمى للشارع ويجب الأخذ بها حتى لو تعارضت مع النص.

ثالثاً: أن ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها هو إيمانها الإسلامى، أى الإيمان بالله واليوم الآخر والثواب والحساب يوم القيامة واتخاذها الرسول أسوة وقدوة. فهذا هو ما يميز المرأة المسلمة، وهو ما يحميها ويرعاها، ويهديها سواء السبيل، وليس الزى، وليس القوانين، وليس التقاليد.

رأيت صورة على إحدى نشرات «النت» وقف لها شعر رأسى، رأيت الإمام الشهيد حسن البنا وهو يمد وجهه نحو الملك عبد العزيز آل سعود الذى أسلمه يده يقبلها، ولم أتردد لحظة فى أن هذه إحدى صور الكيد الرخيص التى يلجأ إليها أحط الخصوم، ليظهروا أعداءهم فى مواقف مخجلة بما توفر لهم من فقه فى التلاعب.

فأولاً ليس تقبيل اليد من عادات «السعوديين» فلهم طرقهم الخاصة، وبالنسبة للإمام الشهيد فمن المعروف أنه حرم على الإخوان تقبيل يده.

إن موقف السعودية من الإمام الشهيد منشور فى «من وثائق الإخوان المسلمين المجهولة»، فبعد الحديث عن لجنة الإخوان للحج جاء فى خطاب الأمير عبد الله بن سليمان وزير المالية الآتى: «وبهذه المناسبة نحب أن نرجو فضيلتكم إذا كان لكم عزم للقدوم إلى هذه البلاد المقدسة للحج أن يكون نزولكم لدينا بدارنا لكى نتمكن من الاجتماع بكم والائتناس بحديثكم وما دارنا إلا داركم، وحبذا لو تلقينا الموافقة على ذلك ليحصل لنا بذلك مزيد السرور، وفى الختام تقبلوا أحسن تحياتنا».

سيفي دولتي
27-07-2012, 02:52 AM
فى مثل هذه الأيام منذ مائتى عام كان المصريون يخوضون المعارك تحت لواء محمد على على أرض مصر جنوباً حتى يبلغ بها منابع النيل، ويضم إليها تلك الممالك التى كانت حولها، ثم يصعد إلى أعلى، فيدخل بلاد العرب ويسيطر على نجد أولاً ويهزم الدعوة الوهابية الناشئة، ثم يسير حتى يسيطر على بقية بلاد العرب بما فيها الحرمان، ويسير يميناً حتى يبلغ الشام، وتلك المنطقة التى تمتد من حدود مصر حتى الجبال التى تبدأ منها حدود تركيا، وفى هذا العهد كانت مصر تمتلك أمراء جيوش وقادة بحريين ومديرين لمصانع الأسلحة والسفن.

باختصار بلغت مصر أقصى نمو وامتداد لها قبل أن تأتى معركة نفارين البحرية المشؤومة سنة 1827م، التى كانت بداية النهاية حيث تجمعت أساطيل أوروبا لتهزم أسطول مصر ولتعيد الأمور إلى ما كانت عليه، وليخرج محمد على من هذه الصفقة بولاية مصر الممتدة جنوباً إلى منابع النيل.

وقد مرت مائة عام قبل أن تفيق مصر من آثار هذه الصدمة المروعة، لتجد نفسها فى حدودها التاريخية التى كانت عليها أيام عهد الملك مينا من الإسكندرية حتى أسوان، واحة هادئة تمثل بداية مصر الليبرالية، التى انتهت إليها مع بدايات القرن الثانى من الهزيمة المؤلمة.

فى هذا العهد كانت مصر بلداً هادئاً وديعاً يعمل أهله بكل قوة ليعوضوا المجد العسكرى الزائل بأمجاد أدبية وفنية، فقد ظهرت الفنون والآداب وكبار الكتاب مثل «رفاعة الطهطاوى وجمال الأفغانى ومحمد عبده وطه حسين وأحمد أمين وتوفيق الحكيم ومصطفى مشرفة وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم والعقاد والمازنى ومحمد مختار».. إلخ، من الدين صنعوا مجد مصر المعاصرة.

كان لابد من ذكر هذه المقدمة لتاريخ مصر الحضارى، ونحن نجتاز فترة عصيبة تهدد باغتيال حلم النهضة الذى تصبو إليه مصر، الذى يتماثل مع تمثال نهضة مصر.

وفى الأيام الحالية ومع انتصار الإخوان المسلمين، قد يوجد ما يهدد بمحو هذا العصر وإيجاد بدائل أخرى من خلال التاريخ العربى الإسلامى.

نريد أن نقول لهؤلاء إن النهضة المصرية التى كادت أن تتم قرناً من الزمان قد أوجدت مجموعات من الشعب تؤمن بها وتعمل لها، وهى تستلهم أفضل ما فى الحياة الحديثة، وتعمل بالمشاركة مع القوى الدولية العالمية بما يحقق الخير حتى تأمن من عواقب العثرات والتجارب الفاشلة، خاصة أننا لم نستطع أن نتوصل إلى حماة ودعاة يحمون تلك النهضة بقوة ويواصلون السير والمسيرة، وهم مؤمنون بأن النصر يكون فى تقدم الأمم، والله تعالى جعل للإنسان عينين فى مقدمة الرأس، لينظر بهما للأمام وليس إلى الخلف.

إننا فى سياقنا التاريخى مع قيام ثورة 25 يناير بدأنا المسيرة للأسف الشديد بالمقلوب، حيث وضعنا العربة أمام الحصان، وانغمسنا فى محاولات ومجادلات عقيمة قبل أن نضع الدستور، وهو بوصلة العمل السليم، فكانت النتيجة انتكاسات متوالية، فهل يريد البعض منا انتكاسات أخرى فى مجال الفنون والآداب، ونتنكر لها ونبحث عن بدائل لها، ولن يزيدنا هذا الأمر إلا خبالاً؟

أريد أن أقول للإخوان المسلمين: سيروا مع إخوانكم حيث انتهى الركب، وإذا كانت هناك شوائب فى ممارسة بعض الفنون والآداب، فليس العلاج هو اقتلاعها، ولكن التخلص من العناصر غير المفيدة، وثقوا فى أن الجيل الحاضر مازال محتاجاً إلى أن يتأدب على أيام طه حسين، وشوقيات شوقى، وذكريات العقاد، وتربية سلامة موسى، وتعادلية توفيق الحكيم، ونظرية مشرفة فى الذرة.. إلى آخر هذا الجيل الذى كافح كفاحاً طويلاً حتى حقق ما وصل إليه.

وأذكر الإخوان المسلمين بأنهم فى ثلاثينيات القرن الماضى استطاعوا أن يكوِّنوا مسرحاً إسلامياً بدأه الشقيق الأستاذ عبدالرحمن البنا الملقب بـ«الساعاتى»، وهو أديب وداعية، وكانت غيرته على الإسلام ونبيه، صلى الله عليه وسلم، هى الدافع إلى التفكير فى إنشاء مسرح إسلامى ليرد هجوم أعداء الإسلام بمثل أسلوبهم وعن طريق المسرح، فليكن للإسلام مسرح يرد الكيد، وقد بدأ بمسرحية «جميل بثينة»، وهى مسرحية شعرية قام بإخراجها الأستاذ زكى طليمات ومثلتها فرقة اتحاد الممثلين وقام بتمثيلها عمالقة التمثيل فى ذلك الوقت «جورج أبيض وأحمد علام وعباس فارس وعبدالعزيز خليل وحسن البارودى وفتوح نشاطى»، وقامت بالبطولة فيها «عزيزة أمير وفاطمة رشدى وأمينة رزق»، ونجحت المسرحية وقوبلت بالإعجاب والاستحسان، ونالت تقدير لجنة تشجيع التمثيل بوزارة المعارف العمومية، وقد عرضت على دار الأوبرا الملكية بالقاهرة سنة 1934م، وتوالت بعد ذلك المسرحيات وكانت تعرض فى الوجهين البحرى والقبلى، وقد نالت تلك العروض الإسلامية النجاح والتوفيق، وكانت مجالاً خصباً لنشر الدعوة، وقد أذيع معظمها فى محطة الإذاعة اللاسلكية المصرية.

إذا كان للإخوان هذا التراث مع المسرح، فلا أرى ما يؤدى إلى خلاف فى المستقبل، بل يمكن البدء من حيث انتهت التجربة.

■ سألنى سائل عن المادة الثانية، فقلت: إن الصيغة الخاصة بها هى أفضل الصيغ، لأنها تستلهم مبادئ الشريعة فى جوهرها وقلبها، فى حين أن كلمة «أحكام»، التى طالب بها البعض، إنما تمثل بضعة من الحلول ستغرقنا فى الجدل العقيم تبعاً للمذاهب والملل والشيع، لأن الأحكام تتأثر بالعوامل العارضة التى يظهر المستقبل فشلها.

■ وسألونى عن وثيقة الأزهر فرأيت فيها خيراً كثيراً، وتطبيقاً لما طلبنا من أن يكون الأزهر حراً غير مقيد بسياسة الدولة التى تنفق عليه من مالها.

ولكننى لم أفهم أن يكون الأزهر هو مرجعية الدولة فى كل ما يتعلق بالإسلام، فهذا ليس من الإسلام فى شىء، إنه «بابوية» تضع العمائم، إن الأزهر ليس هو الإسلام.. والإسلام ليس هو الأزهر، وهل نريد محكمة تفرض حكمها على باقى الأحكام؟ إن من مزايا الإسلام أنه ليست فيه بابوية ولا محاكم، ولأن هذه الفكرة تناقض مبدأ الاجتهاد الذى يجب أن يمنح لكل من يرى فى نفسه الاستطاعة و«حسب ما آلوا» كما قال معاذ وأقره الرسول، فضلاً عن حديث الرسول «استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك».

سيفي دولتي
27-07-2012, 02:53 AM
الخلافة (التراث الذى ضلل الإخوان المسلمين)

القضية الرابعة التى على الإخوان المسلمين تصفية حسابهم معها هى قضية «الخلافة» التى تشتق عن حكم الرسول بالمدينة، وما أدى إليه هذا من نتائج، وما اتسم به من حكمة أسبغت عليها ثوبًا من القداسة، وسنرى أن هذه النقطة ــ القداسة ــ هى مما يجعل أى مقارنة معها أو محاولة لتقليدها ومطها هى أمر لا يمكّن لحقيقة أن الحكم كان فيها للرسول متصلا بالسماء يوجهه الوحى ويصلح له اجتهاداته، وبالطبع فلا يمكن أن نتصور حكمًا يخضع لرسول من الله بعد أن انتهت فترة النبوة بظهور خاتمها محمد بن عبدالله، وظلت هذه الحقبة التى بدأت بحكم المدينة وتوسعت خلال عشر سنوات حتى جذبت للإسلام كل العرب حتى وإن ظهر أن إيمان أغلبهم لم يكن عن صدق وإخلاص ولكن عن استسلام لشمس الإسلام الصاعدة، وأمكن القضاء على هذه الردة بحكم السياسة الحازمة لأبى بكر الذى اختير خليفة للمسلمين بعد موت الرسول، والقيادة الصارمة لخالد بن الوليد، وكانت خلافة أبى بكر ثمرة لتطور الأحداث، فقد عقد الأنصار مجلسًا عامًا فى سقيفة بنى ساعدة ليعلنوا سعد بن عبادة أميرًا عليهم بعد وفاة الرسول، وسمع أبوبكر وعمر بنبأ هذا الاجتماع، فهرعا إليه واستطاع أبوبكر بلباقة ودبلوماسية أن يجعل الأنصار تؤمن بقيادة عرب قريش، لأن العرب لا تذعن إلا لهم، وكسب تأييدهم بحيث بايعوه بالخلافة، وانصرف أبوبكر من هذا الاجتماع التاريخى المهم منتصرًا يضع أول دستور لدولة عربية إسلامية جاء فى منتهى الإيجاز والقوة والوضوح «وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أخطات فقومونى، واعلموا إنما أحكمكم بشرعة الله، فأطيعونى ما أطعت الله، فإن لم أفعل فلا طاعة لى عليكم».

نقول إن هذه السطور القصيرة تقدم أفضل دستور لدولة ديمقراطية فى العالم.

لم يستمر أبوبكر فى الخلافة طويلاً، وبعد سنتين ونصف من خلافته، وعندما أحس بمرض الموت استشار المسلمين فيمن يحبون أن يكون الوالى عليهم؟! فكلهم قالوا عمر، عندئذ وقع أبوبكر العهد الذى كتبه ونصح فيه المسلمين باستخلاف عمر.

فى عهد عمر بن الخطاب انتقل الحكم الإسلامى من حكم مدينة إلى حكم إمبراطورية، ففتحت الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا، وامتلأت طرقات المدينة بالأسرى من هذه البلاد المفتوحة وبوجه خاص فارس، وقامت مؤامرة بين أحد هؤلاء الأسرى الفارسيين وبقية قياداتهم لقتل عمر بن الخطاب، وتطوع لذلك أبولؤلؤة المجوسى، فاندس بين الناس فى صلاة الصبح، وعندما كبر عمر هجم عليه بخنجر فأصابه بجروح جسيمة قبل أن يستطيع المسلمون الإمساك به، وعندما وجد أن الخناق قد ضاق عليه قتل نفسه، وماتت بموته هذه المؤامرة الأولى فى التاريخ الإسلامى.

بمقتل عمر بدأت مرحلة الفوضى، وبدأت مرحلة القلق، لأن الخليفة الثالث الذى انتخب وهو عثمان بن عفان لم يكن فى مثل كفاءة وصرامة عمر بن الخطاب، فبدأت أطراف الإمبراطورية تشتعل فيها الشكاوى والثورات، وساروا إلى المدينة التى كانت مجردة من أى جيش يحمى الإمبراطورية وتسلل بعضهم إلى الخليفة الذى كان يقرأ القرآن وطعنوه طعنات أدت به إلى الوفاة، وخلا مركز الخليفة لأول مرة دون الاتفاق على من سيخلفه حتى انتهى أخيرًا إلى على بن أبى طالب، وهو فارس الإسلام والمسلمين وابن عم الرسول، لكن معاوية بن أبى سفيان الذى كان واليًا على الشام خرج عليه مطالبًا بدم عثمان، وتحرج الأمر حتى وصل إلى حد اللقاء المسلح، فسارت مجموعة وحاصرت هودج السيدة عائشة وضربته بالسهام، بينما من ناحية أخرى استمرت الحرب بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان فى معركة صفين حتى كاد يهزم معاوية، فتفتق ذهن عمرو بن العاص عن حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح، والدعوة إلى تحكيم القرآن، ونجحت هذه المقولة فى تفرقة جيش على بن أبى طالب.

وفى السابع عشر من رمضان كان الإمام على يدخل المسجد داعيًا لصلاة الفجر عندما استقبله أحد المتآمرين بالسيف مجردًا وضربه فقتله.

وبمقتل على بن أبى طالب انتهت الخلافة الراشدة التى استمرت ثلاثين عامًا.

هذه هى الصورة الكلاسيكية التى فى ذهن الإخوان المسلمين عن الحكم، ومنها نرى أنه لا يمكن استخلاص مبدأ سليم باستثناء ما وضعه أبوبكر عقب توليه الحكم وأن الحروب والدماء استغرقت المرحلة حتى أعلن معاوية بن أبى سفيان بدء مرحلة جديدة من الحكم حملت اسم «البيعة» والجماعة، وكانت شر حكم فى تاريخ الإسلام، وهذا الحكم يطلق عليه «الملك العضوض»، وهو ملك ملكى وراثى مستبد مخالف مخالفة كاملة لـ«الشورى» التى كانت على عهد الرسول.

نقول إن هذا الاستعراض لا يكشف عن بطولات باستثناء ما حدث فى المرحلة الأولى «النبوية» والخلافة الراشدة وما حدث فى هذه الحقبة نفسها من اغتيال الخليفة الثانى «عمر» وهو يصلى، واغتيال الخليفة الثالث «عثمان» وهو يقرأ القرآن، واغتيال الخليفة الرابع «على» وهو ينادى لصلاة الفجر.

دع عنك ما حدث فى حرب الجمل التى عرّضت السيدة عائشة للمهانة، وحرب صفين التى كاد نصف المسلمين فيها يحارب النصف الآخر، وانتهت بنهاية مفجعة بإعلان الملك العضوض على يدى معاوية وأبنائه.

لهذا فنحن ننصح الإخوان المسلمين بإعادة النظر فى قضية الخلافة من زاوية التاريخ والواقع حتى لا تضللهم الأمانى، فالخلافة طويت ولن تعود.. وإذا عادت فستكون فى صورة غير التى يتصورها الإخوان المسلمون.

حبيبي محمد
09-08-2012, 11:07 PM
هل نفهم من هذا انّ جمال البنا هو منظّر الاخوان الجديد ؟؟؟