المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلوف افواه الصائمين في الشام يمتزج مع رائحة دماء شهدائهم



المعتز بالله
24-07-2012, 04:49 AM
خلوف أفواه الصائمين في الشام يمتزج مع رائحة دماء شهدائهم

عدد مرات المشاهدة 101
(الخطبة الأولى)

أيها الناس: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، والخلوف هو الرائحة التي يخرجها الإنسان بعد الجوع، وهي كريهة عند الناس، ولكنها أطيب عند الله عز وجل من ريح المسك. قال أَبو عبيد: الخُلوف تغير طعم الفم لتأَخُّرِ الطعام، ومنه حديث عليّ رضي الله عنه حين سُئل عن القُبْلة للصائم فقال: وما أَرَبُك إلى خُلوف فيها. وقال النبي عليه السلام: “والذي نفسي بيده، لا يُكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك”. ودم الشهيد في المعركة عندما تشخب به أوداجه يُفزع من ينظر إليه، وتستكره رائحته ممن يشمه، ولكنه عند الله أطيب من ريح المسك. فما أحسن ذلك وأطيبه! وما أحسن الرائحة والطعم واللون! أما اللون فلون دم الشهيد في المعركة، وأما الرائحة فرائحة خلوف فم الصائم. وقد ثبتت صحة هذه الأوصاف على لسان الذي لا ينطق عن الهوى، علمه شديد القوى. وقد امتزجت الخلوف مع الدماء أول مرة في معركة بدر الكبرى، وبحضور ملائكة السماء الثالثة، في مشهد تاريخي، سطر أسمى معاني التضحية والثبات، واتصال الأرض بالسماء. إنه مشهد نصر تاريخي أذل الله فيه الكفر وأركانه، وقتل ساداته، وأعز الله فيه الإيمان وأهله، ونصر عبده، وأعز جنده، واجتبى شهداءه، وغفر لكل من شهده. فصار شهر رمضان بعدها يسمى شهر النصر، من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه. فكلما حل رمضان، تلوح معاني النصر في أفق الصائمين، لتتجدد سنة امتزاج الخلوف بالدماء، لتعبق رائحة المسك في الأجواء. طوبى لكم يا أهلنا في الشام، طوبى لكم وأنتم تعيدون سيرة الصحابة الأوائل الذين جاهدوا عدوهم في رمضان فامتزجت خلوف أفواههم مع رائحة دمائهم. طوبى لكم وأنتم تحيون بدرا من جديد، وتجددون القتال في سبيل الله مع الطغاة وعتاة المشركين، طوبى لكم وأنتم تقتربون اليوم من حصون الطاغية بشار، فتقتلون أركانه وشبيحته، وتلفون الحبل حول عنقه التي ارتفعت بالباطل واشرأبت، وتاهت على رقاب المسلمين وتطاولت. وطوبى لرقابكم الخاضعة لربها بالحق، ولقلوبكم القانتة لبارئها ومقلبها ومصرفها وهي تدعو على هذا الظالم وأركان حكمه وشبيحته. ولنا أن نتصور دعوة المظلومين يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين! طوبى لكم وقد اقترب تنزل النصر على أرض الشام المباركة التي امتزجت على ثراها خُلوف الصائمين مع دماء الشهداء. فماذا نقول في قوم يرعى الله ثورتهم، بعد أن تكفل بهم وبأرضهم؟ يستنصرون بالله القوي العزيز الجبار، في معركة مع طاغية يستقوي برؤوس الكفر وأساطين الضلال أميركا وأوروبا وروسيا والصين والمراقبين وكوفي أنان؟ لا نقول إلا بقول الله عز وجل: {ولقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ. وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ. أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ. فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ.

أيها الناس: إن هناك مآثر ومفاخر وخصائص لشهر رمضان، لا تقل أهمية عن امتزاج الخلوف بالدم، تزيد الصائمين المجاهدين قربا من الله، ومنزلة أعلى في الجنة، ومنها استغفار الملائكة للصائمين، حيث يقول عليه السلام: “إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"، والملائكة تستغفر كذلك للصائمين، وتسأل الله لهم القبول والتوبة. ومنها تزين الجنة لأولياء الله عز وجل في رمضان. ومنها أنه تصفد فيه مردة الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار. ومنها أن فيه ليلة القدر، قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}. وفي الصحيحين مرفوعاً: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”. فما بالكم بقوم صائمين قائمين صابرين، هبوا لنصرة دين الله، واستعانوا بالله؟ فأصبحوا محاصرين، وتحت لهيب المدافع يقتلون ويدمرون؟ ما بالكم بهم وقد صفدت عنهم مردة الشياطين، وفتحت لهم أبواب الجنة، وغلقت دونهم أبواب النار، يجاهدون عدوهم، فتسيل دماؤهم وتمتزج مع خلوف أفواههم، وكل عند الله طيب محبب؟ إنهم لا شك منصورون، ولعدوهم قاهرون، وإن الله عز وجل سيفك حصارهم، وسيعلي شأنهم، ويكبت عدوهم، تعويضا لهم على إيمانهم وصبرهم وثباتهم. {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية، أنه لما فتح الله تعالى للمؤمنين ما فتح من الأرض، قال المؤمنون: إنا لنرجو أن يفتح الله لنا فارس والروم. فقال بعض المنافقين: أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي تغلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا، من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت.

أيها الناس: من اليوم نقول لكم: إنا لنرجو أن يفتح الله لنا أميركا بشمالها ووسطها وجنوبها، وروسيا وأوروبا والصين وأستراليا وباقي دول أفريقيا، فإن قال قائل: أتظنون حكام تلك الدول العملاقة كالحكام الأقزام الذين أسقطموهم في تونس ومصر وليبيا واليمن؟ أو الذين يترنحون سقوطا كحاكم الشام وباقي الحكام؟ إنكم إذن واهمون!! فنقول له {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. فستقوم الخلافة الثانية الراشدة على منهاج النبوة قريبا بإذن الله، وسيتضح جليا أي الفريقين أحق بالأمن، وأي الفريقين هم الواهمون.

(الخطبة الثانية)

أيها الناس: ها قد أطل علينا شهر الخير رمضان، ونحن في أمس الحاجة لميزاته وخصائصه، فكم نحن بحاجة إلى استغفار الملائكة وتزين الجنة وتصفيد مردة الشياطين، وفتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النار. وكم نحن بحاجة إلى ثواب ليلة القدر وتنزل النصر! كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: اعلم أن الجاه جاهان، جاه يجريه الله على أيدي أوليائه لأوليائه، وأنهم الخامل ذكرهم، الخفية شخوصهم، ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. “ إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة فهؤلاء أولياء الله تعالى الذين قال الله: {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}. فهنيئا لكم يا أهلنا في الشام وأنتم الأخفياء الأتقياء الأبرياء، ولا نزكي على الله أحدا. هنيئا لكم والإعلام الكاذب يتبارى بإحصاء شهدائكم، ولا نسمع منه قولا واحدا يستنصر لكم! هنيئا لكم وأنتم تدفنون شهداءكم في قبور جماعية كبيرة وطويلة، والمترفون من أبناء جلدتكم يفتخرون بأكبر منسف وأطول سدر كنافة! هنيئا لكم فيما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن عليكم كقطع الليل المظلم، ولكن اعلموا أن طول الليل وحلكة ظلامه لا تمنع من بزوغ الفجر مباشرة بعده، فاصبروا وما صبركم إلا بالله، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا. وهنيئا لإخوانكم الأخفياء في بورما يقتلون وينكل بهم ويهجرون، فيستغيثون ولا من مغيث، كما فعل بإخوانهم في الهند وسريلنكا والشيشان وكشمير وفلسطين والبوسنة وكوسوفا وألبانيا وغيرها من بلاد المسلمين الظالم أهلها. واعلموا أن الاستخلاف يأتي بعد الاستضعاف، والنصر بعد الصبر، واليسر بعد العسر، ونور الفجر يبدد ظلمات الليل البهيم، واله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.