muslem
21-07-2012, 09:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مراقبة النفس أهم حكمة من حكم الصيام :
أيها الأخوة الكرام، نحن على وشك أن ندخل في ثاني أكبر عبادة في الإسلام إنها عبادة الصيام، ولكن إذا قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ: العبادات معللة بمصالح الخلق، فما المصلحة التي نتوخاها من صيام هذا الشهر؟ لأن الله عز وجل حينما قال:
﴿ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾
[ سورة البقرة: 63 ]
فكأن الله عز وجل يحثنا على أن نفهم حكمة الصيام من أجل أن نراقب أنفسنا، هل نحن على الطريق الصحيح؟ هل نصوم الصيام الذي أراده الله؟ أحياناً مع تقدم الأيام يصبح الصيام عادة من عوائدنا، وينفصل عن التدين، سهرات مختلطة إلى الفجر، وما لذّ وطاب من الطعام، وحديث غير منضبط، فيه غيبة ونميمة، ومن عاداتنا أن لقاءاتنا كلها، سهراتنا كلها، ولائمنا كلها، في رمضان، وكأن هذا الشهر شهر أكل وشرب فقط ليس غير، فحينما نبتعد عن جوهر الدين، وعن حقيقة الدين، تصبح عباداتنا شكلية مفرغة من مضمونها.
الحكمة من الصيام اتقاء الشبهات باليقينيات والشرك بالتوحيد :
يا ترى السؤال الكبير حينما أمرني الله جلّ جلاله أن أصوم هذا الشهر ماذا أراد؟ ما الحكمة المتوخاة من صيام هذا الشهر؟ القرآن الكريم يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 183]
هناك شهوات وهناك شبهات، مطروح بالساحة أفكار لا تنتهي كلها ضلالات، هناك فكر إلحادي، و فكر مادي، و فكر وصولي، و فكر تبريري، الطروحات في العالم الآن ما أكثرها! وهي في أكثرها بعيدة عن منهج الله، فالحكمة من الصيام أن أتقي الشبهات باليقينيات، أن أتقي الشرك بالتوحيد، أن أتقي المعصية بالطاعة، أن أتقي سوء الظن بالله بمعرفة الله،
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الإنسان يتقي من أي شي؟ من شيء مخيف، من شيء خطر، من شيء مدمر.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 183]
من صحّ تصوره صحت حركته :
أيها الأخوة، بشكل تحليل دقيق، أنت قبل أن تتحرك ما الذي يسبق هذا التحرك؟ أنت لماذا ذهبت إلى بيت صديقك لتزوره؟ تنطلق من فكرة، من تصور، إن صحّ التصور صحت الحركة، وإن لم يصح التصور لا تصح الحركة، الإنسان كائن متحرك ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، هذه حاجة أساسية، حفاظاً على بقائه كفرد، ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطرف الآخر، إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع، لولا هذه الشهوة التي أودعها الله في الرجال، وأودعها في النساء لانقرض النوع البشري.
وشهوة التفوق سمِّها إن شئت العلو في الأرض حفاظاً على بقاء الذكر، لولا هذه الشهوة لما كانت بطولات على وجه الأرض، أنت بحاجة إلى أن تأكل من أجل أن تبقى، وبحاجة إلى الزواج من أجل أن يبقى النوع، وبحاجة إلى التفوق من أجل أن يبقى الذكر.
أيها الأخوة، هذه الحاجات يمكن أن تلبى أتمّ تلبية وفق منهج الله، عندئذ ترقى إلى الله، وهذه الحاجات أيضاً يمكن أن تلبى أسوأ تلبية بخلاف منهج الله، هذه القصة كلها، عندك حاجات الشرع اعترف بها يمكن أن تلبيها وفق منهج الله فأنت مؤمن، أنت متق، أنت صائم، أنت معافى في الدنيا، أنت في أمن، أنت في طمأنينة، أنت في حفظ، أنت في توفيق، الله يدافع عنك، إذا انطلقت بدافع شهواتك وفق منهج الله اشتهيت المرأة تتزوج، اشتهيت المال تعمل عملاً مشروعاً، اشتهيت أن يشار إليك بالبنان تكثر من الأعمال الصالحة.
على الإنسان أن يتقي المعصية بالطاعة :
الصوم شحنة سنوية للمؤمن
فيا أيها الأخوة، يا أيها الذين آمنوا:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 183]
لعلكم تتقون الشبهات باليقينيات، لعلكم تتقون غضب الله عز وجل برضوانه، لعلكم تتقون المعصية بالطاعة، لعلكم تتقون سوء الظن بالله بحسن الظن بالله، وحسن الظن بالله ثمن الجنة، كأن الله عز وجل أراد أن تكون الصلوات الخمس شحنات يومية، أنا لا أبالغ شبه نفسك تماماً بهذا الهاتف المحمول، يحتاج إلى شحن، فإن لم يشحن تنطفئ الشاشة ويسكت، لا بدّ من الشحن، عندك شحن يومي، الصلوات الخمس، عندك شحن أسبوعي، شحنة الصلاة تستمر معك إلى الصلاة التي تليها، لكن شحنة خطبة الجمعة قد تمتد معك إلى يوم الخميس، بحث موثق، نصوص، آيات، أحاديث، أمثلة، قصص، مجموعة أفكار تطرح عليك، هذه تزيد في قناعاتك، تزيد توجهاتك، تزيد في خشيتك، تزيد في طاعتك لله عز وجل، هذه شحنة أسبوعية، عندنا شحنة سنوية، مدتها ثلاثون يوماً هي رمضان، الصلوات شحنة، وخطبة الجمعة شحنة، ورمضان شحنة لكن طويلة، ثلاثون يوماً، أما شحنة الحج فهي شحنة العمر، عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه :
الصيام الحق يغفر الذنوب وإن كانت كالجبال
على كلٍّ أقدم لكم بشارة، إنسان يتصور أن عليه سبعة وثلاثين مليوناً، وبيته محجوز، وعليه إقامة جبرية، ومحاكمة، و سجن، أي بلاء كبير، قال له أحدهم: إن فعلت هذا العمل ثلاثين يوماً تعفى من كل هذه الديون فما قولك؟ هل يتردد ثانية بالمستوى المادي؟ سبعة وثلاثون مليوناً، حجوزات، إقامة جبرية، محاكمة، سجن، سيدنا سعد بن أبي وقاص له كلمة مهما رددتها لا أشبع منها، يقول: "ثلاثة أنا فيهن رجل"، ومعنى رجال في القرآن وفي السنة لا تعني أنه ذكر، تعني أنه بطل، قال تعالى:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه ﴾
[سورة النور: 37]
"ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، من هذه الثلاثة: وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
لو عندك ذنوب كالجبال، إذا صمت هذا الشهر صياماً كما أراد الله صيام طاعات لا مسلسلات، صيام عبادة لا عادة، صيام تقوى لا معصية، صيام إقبال لا إعراض:
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم: 3-4 ]
حديث آخر:
(( من قام رمضان ـ صلى التراويح ـ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
لأن بعض العلماء يقولون: أعلى درجة في تلاوة القرآن الكريم أن تقرأه واقفاً في مسجد في أثناء الصلاة، أي أعلى درجة من ثواب قراءة القرآن أن تقرأه واقفاً، وفي مسجد وفي أثناء الصلاة، هذه التراويح، لذلك هذا الشهر شهر القرآن الكريم، هذا الشهر شهر الغفران، هذا الشهر شهر التوبة، هذا الشهر شهر الصلح مع الله، هذا الشهر شهر الإقبال على الله، هذا الشهر شهر قيام الليل، هذا الشهر شهر صلاة الفجر.
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
من ذكر الله أدى واجب العبودية و من ذكره الله منحه الأمن و الطمأنينة :
أيها الأخوة، الصلاة، كما قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ: "العبادات معللة بمصالح الخلق":
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾
[ سورة العنكبوت: 45 ]
من أدق ما قاله الإمام ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: " ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن".
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 152]
ذكر الله واجب عبادي
فذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 81-82 ]
ما قال أولئك الأمن لهم، الأمن لهم ولغيرهم، أما عندما قدمنا شبه الجملة لهم أي العبارة فيها قصر، الأمن لهم وحدهم، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن:
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
إنه إن ذكرته ذكرك، وإن ذكرك منحك نعمة الأمن، وإن ذكرك منحك نعمة الرضا، وإن ذكرك منحك نعمة التوفيق، وإن ذكرك منحك نعمة الرشاد، وإن ذكرك منحك نعمة الحفظ، وإن ذكرك منحك نعمة الفلاح:
(( استقيموا ولن تحصوا ))
[ ابن ماجه عن ثوبان]
ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، هذه الصلاة.
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مراقبة النفس أهم حكمة من حكم الصيام :
أيها الأخوة الكرام، نحن على وشك أن ندخل في ثاني أكبر عبادة في الإسلام إنها عبادة الصيام، ولكن إذا قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ: العبادات معللة بمصالح الخلق، فما المصلحة التي نتوخاها من صيام هذا الشهر؟ لأن الله عز وجل حينما قال:
﴿ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾
[ سورة البقرة: 63 ]
فكأن الله عز وجل يحثنا على أن نفهم حكمة الصيام من أجل أن نراقب أنفسنا، هل نحن على الطريق الصحيح؟ هل نصوم الصيام الذي أراده الله؟ أحياناً مع تقدم الأيام يصبح الصيام عادة من عوائدنا، وينفصل عن التدين، سهرات مختلطة إلى الفجر، وما لذّ وطاب من الطعام، وحديث غير منضبط، فيه غيبة ونميمة، ومن عاداتنا أن لقاءاتنا كلها، سهراتنا كلها، ولائمنا كلها، في رمضان، وكأن هذا الشهر شهر أكل وشرب فقط ليس غير، فحينما نبتعد عن جوهر الدين، وعن حقيقة الدين، تصبح عباداتنا شكلية مفرغة من مضمونها.
الحكمة من الصيام اتقاء الشبهات باليقينيات والشرك بالتوحيد :
يا ترى السؤال الكبير حينما أمرني الله جلّ جلاله أن أصوم هذا الشهر ماذا أراد؟ ما الحكمة المتوخاة من صيام هذا الشهر؟ القرآن الكريم يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 183]
هناك شهوات وهناك شبهات، مطروح بالساحة أفكار لا تنتهي كلها ضلالات، هناك فكر إلحادي، و فكر مادي، و فكر وصولي، و فكر تبريري، الطروحات في العالم الآن ما أكثرها! وهي في أكثرها بعيدة عن منهج الله، فالحكمة من الصيام أن أتقي الشبهات باليقينيات، أن أتقي الشرك بالتوحيد، أن أتقي المعصية بالطاعة، أن أتقي سوء الظن بالله بمعرفة الله،
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الإنسان يتقي من أي شي؟ من شيء مخيف، من شيء خطر، من شيء مدمر.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 183]
من صحّ تصوره صحت حركته :
أيها الأخوة، بشكل تحليل دقيق، أنت قبل أن تتحرك ما الذي يسبق هذا التحرك؟ أنت لماذا ذهبت إلى بيت صديقك لتزوره؟ تنطلق من فكرة، من تصور، إن صحّ التصور صحت الحركة، وإن لم يصح التصور لا تصح الحركة، الإنسان كائن متحرك ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، هذه حاجة أساسية، حفاظاً على بقائه كفرد، ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطرف الآخر، إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع، لولا هذه الشهوة التي أودعها الله في الرجال، وأودعها في النساء لانقرض النوع البشري.
وشهوة التفوق سمِّها إن شئت العلو في الأرض حفاظاً على بقاء الذكر، لولا هذه الشهوة لما كانت بطولات على وجه الأرض، أنت بحاجة إلى أن تأكل من أجل أن تبقى، وبحاجة إلى الزواج من أجل أن يبقى النوع، وبحاجة إلى التفوق من أجل أن يبقى الذكر.
أيها الأخوة، هذه الحاجات يمكن أن تلبى أتمّ تلبية وفق منهج الله، عندئذ ترقى إلى الله، وهذه الحاجات أيضاً يمكن أن تلبى أسوأ تلبية بخلاف منهج الله، هذه القصة كلها، عندك حاجات الشرع اعترف بها يمكن أن تلبيها وفق منهج الله فأنت مؤمن، أنت متق، أنت صائم، أنت معافى في الدنيا، أنت في أمن، أنت في طمأنينة، أنت في حفظ، أنت في توفيق، الله يدافع عنك، إذا انطلقت بدافع شهواتك وفق منهج الله اشتهيت المرأة تتزوج، اشتهيت المال تعمل عملاً مشروعاً، اشتهيت أن يشار إليك بالبنان تكثر من الأعمال الصالحة.
على الإنسان أن يتقي المعصية بالطاعة :
الصوم شحنة سنوية للمؤمن
فيا أيها الأخوة، يا أيها الذين آمنوا:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 183]
لعلكم تتقون الشبهات باليقينيات، لعلكم تتقون غضب الله عز وجل برضوانه، لعلكم تتقون المعصية بالطاعة، لعلكم تتقون سوء الظن بالله بحسن الظن بالله، وحسن الظن بالله ثمن الجنة، كأن الله عز وجل أراد أن تكون الصلوات الخمس شحنات يومية، أنا لا أبالغ شبه نفسك تماماً بهذا الهاتف المحمول، يحتاج إلى شحن، فإن لم يشحن تنطفئ الشاشة ويسكت، لا بدّ من الشحن، عندك شحن يومي، الصلوات الخمس، عندك شحن أسبوعي، شحنة الصلاة تستمر معك إلى الصلاة التي تليها، لكن شحنة خطبة الجمعة قد تمتد معك إلى يوم الخميس، بحث موثق، نصوص، آيات، أحاديث، أمثلة، قصص، مجموعة أفكار تطرح عليك، هذه تزيد في قناعاتك، تزيد توجهاتك، تزيد في خشيتك، تزيد في طاعتك لله عز وجل، هذه شحنة أسبوعية، عندنا شحنة سنوية، مدتها ثلاثون يوماً هي رمضان، الصلوات شحنة، وخطبة الجمعة شحنة، ورمضان شحنة لكن طويلة، ثلاثون يوماً، أما شحنة الحج فهي شحنة العمر، عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه :
الصيام الحق يغفر الذنوب وإن كانت كالجبال
على كلٍّ أقدم لكم بشارة، إنسان يتصور أن عليه سبعة وثلاثين مليوناً، وبيته محجوز، وعليه إقامة جبرية، ومحاكمة، و سجن، أي بلاء كبير، قال له أحدهم: إن فعلت هذا العمل ثلاثين يوماً تعفى من كل هذه الديون فما قولك؟ هل يتردد ثانية بالمستوى المادي؟ سبعة وثلاثون مليوناً، حجوزات، إقامة جبرية، محاكمة، سجن، سيدنا سعد بن أبي وقاص له كلمة مهما رددتها لا أشبع منها، يقول: "ثلاثة أنا فيهن رجل"، ومعنى رجال في القرآن وفي السنة لا تعني أنه ذكر، تعني أنه بطل، قال تعالى:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه ﴾
[سورة النور: 37]
"ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، من هذه الثلاثة: وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
لو عندك ذنوب كالجبال، إذا صمت هذا الشهر صياماً كما أراد الله صيام طاعات لا مسلسلات، صيام عبادة لا عادة، صيام تقوى لا معصية، صيام إقبال لا إعراض:
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم: 3-4 ]
حديث آخر:
(( من قام رمضان ـ صلى التراويح ـ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
لأن بعض العلماء يقولون: أعلى درجة في تلاوة القرآن الكريم أن تقرأه واقفاً في مسجد في أثناء الصلاة، أي أعلى درجة من ثواب قراءة القرآن أن تقرأه واقفاً، وفي مسجد وفي أثناء الصلاة، هذه التراويح، لذلك هذا الشهر شهر القرآن الكريم، هذا الشهر شهر الغفران، هذا الشهر شهر التوبة، هذا الشهر شهر الصلح مع الله، هذا الشهر شهر الإقبال على الله، هذا الشهر شهر قيام الليل، هذا الشهر شهر صلاة الفجر.
(( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
من ذكر الله أدى واجب العبودية و من ذكره الله منحه الأمن و الطمأنينة :
أيها الأخوة، الصلاة، كما قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ: "العبادات معللة بمصالح الخلق":
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾
[ سورة العنكبوت: 45 ]
من أدق ما قاله الإمام ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: " ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن".
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 152]
ذكر الله واجب عبادي
فذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 81-82 ]
ما قال أولئك الأمن لهم، الأمن لهم ولغيرهم، أما عندما قدمنا شبه الجملة لهم أي العبارة فيها قصر، الأمن لهم وحدهم، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن:
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
إنه إن ذكرته ذكرك، وإن ذكرك منحك نعمة الأمن، وإن ذكرك منحك نعمة الرضا، وإن ذكرك منحك نعمة التوفيق، وإن ذكرك منحك نعمة الرشاد، وإن ذكرك منحك نعمة الحفظ، وإن ذكرك منحك نعمة الفلاح:
(( استقيموا ولن تحصوا ))
[ ابن ماجه عن ثوبان]
ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، هذه الصلاة.