عبد الواحد جعفر
14-07-2012, 09:53 AM
أنان يدخل الثورة السورية في رحلة التيه
أمجد العبسي
عمان - هو دبلوماسي أممي يولي اهتماما كبيرا بقيافة مبادراته التي نادرا ما تنجح، لديه قدرة فائقة على "تجميد" أحاسيسه في حواراته مع أطراف النزاع المعني به، حتى لو كان محاوره متهما، أو يكاد يتهم بجرائم مروعة ضد الإنسانية.. في سبيل سمعته كدبلوماسي "عملي" لا يجد غضاضة في صم آذانه عن أولئك الذين يعانون أو يعذبون.. حدث مثل هذا في البوسنة التي قتل فيها أكثر من 800 ألف، وفي رواندا حين قتل أكثر من مليون من المدنيين، وفي كلا المأساتين كان أنان يتحمل مسؤولية كبيرة.
بعد أيام من تكليفه بمهمة الوساطة في المأساة السورية كممثل مشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة رفض كيسنجر روسيا (يفيغيني بريماكوف) وصف أنان بالدبلوماسي "الفاشل"، مستذكرا شكره بعد عملية ثعلب الصحراء الأميركية ضد العراق العام 1998، غافلا أو مستغفلا عن السبب الذي استدعى شكر الدبلوماسي الغاني (أنان) الذي جاء بعد استكمال الجيش الأميركي لجميع العمليات العسكرية المطلوبة.
ربما لهذا الشكر "الغامض" رحبت روسيا بسرعة لافتة بتسمية أنان مبعوثا للأزمة السورية، وربما لسيرته الذاتية "السوداء" في البوسنة ورواندا دور، وربما للقاءات خفية أهمية في اختياره، أو قد يكون لتوافق غربي روسي على استبعاد الخيارات "الحاسمة" في سورية قدر المستطاع بانتظار قرار اسرائيل، مثلا، في مسألة وجود الأسد وعدمه، أو بانتظار انتخابات الرئاسة الأميركية، أو التريث قليلا حتى تمر سحابة الربيع العربي، أو غيرها من القرارات والقراءات تأثير في اصطفاء الرجل.
الأكيد والقاسم المشترك بينها جميعا، هو أن مهارات "اللياقة" الدبلوماسية، والقدرة على قيافة المبادرات حسب المطلوب من العواصم الكبرى، والبلادة اتجاه الدماء المسفوكة، خصائص حاضرة أمام "منسقي" اختياره للمهمة "الفاشلة مسبقا" في سورية.
منذ تسميته مبعوثا أمميا عربيا مارس أنان دبلوماسية "إضاعة الوقت" بمهارة عالية، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن أدخل أنان المأساة السورية في مسارات تائهة انحصرت في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى، بدت منذ تكليفه وسط شباط (فبراير) الماضي حتى 12 نيسان (ابريل)، وطوال هذه الفترة استغرق أنان، وبذريعة الأخذ بمخاوف موسكو وبكين من الثورة السورية، استغرق أنان أكثر من 50 يوما حتى يعلن عن مبادرة من نقاط ست، تضع خريطة طريق لعملية سياسية تصر على الاعتراف ببقاء الأسد رغم مرور أكثر من 11 شهرا على الثورة السورية في ذلك الوقت، وفي نفس الوقت استغرقت 50 يوما قتل فيها أكثر من ألفي سوري برصاص قوات النظام.
في المرحلة الثانية، أي منذ 12 نيسان (ابريل) ولغاية منتصف الأسبوع الأول من تموز (يوليو) الحالي، أي حتى إعلانه عن فشل مهمته في سورية في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية، قتل من السوريين برصاص قوات النظام بحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان نحو أربعة آلاف، وبعضهم قتل بمجازر مروعة في الحولة بحمص والقبير بحماة، ورغم هذه الأعداد المهولة ذهب أنان في نفس المقابلة إلى أن فشله يعود بشكل أساس هذه المرة إلى تغييب ايران عن الحل في سورية، وليس موسكو كما كان سابقا.
وعليه توجه إلى طهران وثم إلى حكومة المالكي في بغداد فيما تجاهل في جولته المذكورة عواصم عربية وازنة مثل القاهرة والرياض وعمان، لتدخل جهود أنان في مرحلة ثالثة من التيه والضياع عنوانها تفهم مخاوف ايران الطبيعية والمصطنعة من الثورة في سورية.
وبما أن ايران الداعم الأكبر للأسد محل رفض واستنكار من الثوار السوريين، فإن أنان قد لا يجد صعوبة في تمديد مهمته إلى أشهر ثلاثة أو أربعة حتى يتمكن من إقناع طهران بالثورة السورية أو حتى يقتنع الثوار السوريون بوجهة النظر الايرانية.
خلال لقاء أنان بالأسد بعد زيارة طهران أوضح رئيس فريق المراقبين الدوليين روبرت مود للأسد إن "المراقبين الأمميين تمكنوا خلال فترة مهمتهم من إجراء نوع من مسح شبه شامل للمجموعات المسلحة العاملة في تلك المناطق.. بتنا نعرف المجموعات الأساسية على الأقل، كما أصبحنا نعرف المسؤولين عنها. صحيح أن لا قيادة موحدة ولا هيكلية واضحة، لا بل هناك فوضى مسلحة كبيرة لديهم، لكننا صرنا على دراية بالمفاصل"، وبعد اللقاء أصبح أنان يتحدث عن مجموعات مسلحة في سورية لا عن ثورة ولا حتى عن معارضة.
أمجد العبسي
عمان - هو دبلوماسي أممي يولي اهتماما كبيرا بقيافة مبادراته التي نادرا ما تنجح، لديه قدرة فائقة على "تجميد" أحاسيسه في حواراته مع أطراف النزاع المعني به، حتى لو كان محاوره متهما، أو يكاد يتهم بجرائم مروعة ضد الإنسانية.. في سبيل سمعته كدبلوماسي "عملي" لا يجد غضاضة في صم آذانه عن أولئك الذين يعانون أو يعذبون.. حدث مثل هذا في البوسنة التي قتل فيها أكثر من 800 ألف، وفي رواندا حين قتل أكثر من مليون من المدنيين، وفي كلا المأساتين كان أنان يتحمل مسؤولية كبيرة.
بعد أيام من تكليفه بمهمة الوساطة في المأساة السورية كممثل مشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة رفض كيسنجر روسيا (يفيغيني بريماكوف) وصف أنان بالدبلوماسي "الفاشل"، مستذكرا شكره بعد عملية ثعلب الصحراء الأميركية ضد العراق العام 1998، غافلا أو مستغفلا عن السبب الذي استدعى شكر الدبلوماسي الغاني (أنان) الذي جاء بعد استكمال الجيش الأميركي لجميع العمليات العسكرية المطلوبة.
ربما لهذا الشكر "الغامض" رحبت روسيا بسرعة لافتة بتسمية أنان مبعوثا للأزمة السورية، وربما لسيرته الذاتية "السوداء" في البوسنة ورواندا دور، وربما للقاءات خفية أهمية في اختياره، أو قد يكون لتوافق غربي روسي على استبعاد الخيارات "الحاسمة" في سورية قدر المستطاع بانتظار قرار اسرائيل، مثلا، في مسألة وجود الأسد وعدمه، أو بانتظار انتخابات الرئاسة الأميركية، أو التريث قليلا حتى تمر سحابة الربيع العربي، أو غيرها من القرارات والقراءات تأثير في اصطفاء الرجل.
الأكيد والقاسم المشترك بينها جميعا، هو أن مهارات "اللياقة" الدبلوماسية، والقدرة على قيافة المبادرات حسب المطلوب من العواصم الكبرى، والبلادة اتجاه الدماء المسفوكة، خصائص حاضرة أمام "منسقي" اختياره للمهمة "الفاشلة مسبقا" في سورية.
منذ تسميته مبعوثا أمميا عربيا مارس أنان دبلوماسية "إضاعة الوقت" بمهارة عالية، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن أدخل أنان المأساة السورية في مسارات تائهة انحصرت في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى، بدت منذ تكليفه وسط شباط (فبراير) الماضي حتى 12 نيسان (ابريل)، وطوال هذه الفترة استغرق أنان، وبذريعة الأخذ بمخاوف موسكو وبكين من الثورة السورية، استغرق أنان أكثر من 50 يوما حتى يعلن عن مبادرة من نقاط ست، تضع خريطة طريق لعملية سياسية تصر على الاعتراف ببقاء الأسد رغم مرور أكثر من 11 شهرا على الثورة السورية في ذلك الوقت، وفي نفس الوقت استغرقت 50 يوما قتل فيها أكثر من ألفي سوري برصاص قوات النظام.
في المرحلة الثانية، أي منذ 12 نيسان (ابريل) ولغاية منتصف الأسبوع الأول من تموز (يوليو) الحالي، أي حتى إعلانه عن فشل مهمته في سورية في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية، قتل من السوريين برصاص قوات النظام بحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان نحو أربعة آلاف، وبعضهم قتل بمجازر مروعة في الحولة بحمص والقبير بحماة، ورغم هذه الأعداد المهولة ذهب أنان في نفس المقابلة إلى أن فشله يعود بشكل أساس هذه المرة إلى تغييب ايران عن الحل في سورية، وليس موسكو كما كان سابقا.
وعليه توجه إلى طهران وثم إلى حكومة المالكي في بغداد فيما تجاهل في جولته المذكورة عواصم عربية وازنة مثل القاهرة والرياض وعمان، لتدخل جهود أنان في مرحلة ثالثة من التيه والضياع عنوانها تفهم مخاوف ايران الطبيعية والمصطنعة من الثورة في سورية.
وبما أن ايران الداعم الأكبر للأسد محل رفض واستنكار من الثوار السوريين، فإن أنان قد لا يجد صعوبة في تمديد مهمته إلى أشهر ثلاثة أو أربعة حتى يتمكن من إقناع طهران بالثورة السورية أو حتى يقتنع الثوار السوريون بوجهة النظر الايرانية.
خلال لقاء أنان بالأسد بعد زيارة طهران أوضح رئيس فريق المراقبين الدوليين روبرت مود للأسد إن "المراقبين الأمميين تمكنوا خلال فترة مهمتهم من إجراء نوع من مسح شبه شامل للمجموعات المسلحة العاملة في تلك المناطق.. بتنا نعرف المجموعات الأساسية على الأقل، كما أصبحنا نعرف المسؤولين عنها. صحيح أن لا قيادة موحدة ولا هيكلية واضحة، لا بل هناك فوضى مسلحة كبيرة لديهم، لكننا صرنا على دراية بالمفاصل"، وبعد اللقاء أصبح أنان يتحدث عن مجموعات مسلحة في سورية لا عن ثورة ولا حتى عن معارضة.