المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام ثمين يتعلق بالتغير من كلام الشيخ تقي قبيل اكثر من 30 عام



عمر1
06-07-2012, 03:01 PM
كلام ثمين يتعلق بالتغير من كلام الشيخ تقي قبيل اكثر من 30 عام

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله في كتاب نقض الاشتراكية الماركسية :


وأما من حيث تطبيق النقطة الثالثة على المجتمع فإن الشيوعيين يقولون إذا صح أن الانتقال من التغيرات الكمية البطيئة إلى تغيرات كيفية فجائية وسريعة هو قانون للتطور، فمن الواضح أن الثورات التي تقوم بها الطبقات المضطهدة هي حادث طبيعي تماماً ولا مناص منه. وبالتالي فالانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية وتحرر الطبقة العاملة من النير الرأسمالي يمكن تحقيقها لا بتغييرات بسيطة بطيئة، ولا بإصلاحات، بل بتغيير كيفي للنظام الرأسمالي فقط، أي بالثورة.
وهذا الرأي خطأ، فإنهم يطبقون في هذه النقطة القياس الشمولي، إذ يطبقون ما يجري في بعض الأجسام على حركات الكون، وبالتالي على حركات المجتمع. وهذا هو القياس الشمولي. وهو أن يعطى الطفل برتقالة فيجدها حامضة فيقيس كل البرتقال عليها. فكون الماء يتحول إلى بخار في حالة وإلى جليد في حالة أخرى يقاس عليه الكون كله، وتقاس عليه المجتمعات، وهذا هو عين القياس الشمولي. ووجه الخطأ في قياس الكون والمجتمعات على تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد هو أن الماء وإن كان جسماً وقد أثرت فيه الحرارة التي سلطت عليه فإن هذا لا يعني أن الحرارة تحول جميع الأجسام كما تحول الماء، ولا يعني أن غير الحرارة يحول الأشياء من حال إلى حال كالحرارة. وكون الماء تحول فجأة حين وصل إلى نقطة الحرج لا يعني أن المجتمع يتحول فجأة بواسطة الثورات حين يصل إلى نقطة الحرج لأن المجتمع هو أناس وعلاقات، وتحوله يحصل بتحول الأفكار، وليس بالثورات والاضطرابات، ومن الخطأ قياس طبائع الإنسان على طبائع الجمادات للاختلاف البيّن بينهما. وعلى ذلك فإنه لا ضرورة لأن ينتقل المجتمع من حال إلى حال فجأة، ولا ضرورة لأن يحصل الانتقال من جراء الاضطهاد. فالنظام الرأسمالي وجد في أوروبا وأميركا بشكل تدريجي وليس بشكل فجائي. ونظام الإسلام وجد في جزيرة العرب بشكل فجائي. واضطهاد الأوروبيين للسود في أفريقية استمر مئات السنين ولم يحصل أي انتقال من جراء الاضطهاد، بل لم تحصل ثورات ذات بال مع وجود الاضطهاد، وما شوهد في أفريقية في الأيام الأخيرة من محاولات ما يسمى بالاستقلال جاءت من جراء الأفكار من دول كبرى مثل أميركا وروسيا وليس من الناس أنفسهم، فقد أخذت كل منهما تبث في أفريقية مفاهيم الاستقلال والتحرر وتقوم بأعمال دولية ضد المستعمرين الآخرين، وعليه فإن ما حصل في الماء من التغير لا ضرورة لأن يحصل في المجتمع إذا حصلت فيه ثورات. وتطبيق ما برهنت عليه العلوم الطبيعية من تغييرات في بعض الأجسام على المجتمع الخاطيء لأنه لا يوجد أي شبه بينهما فضلاً عن أن واقع المجتمع قد دل على أن منهاج التغير فيه ـ يعني المجتمع ـ لا يجري على كيفية معينة ثابتة محتومة كما هي الحال في الجمادات حين تتغير أي تنتقل من حال إلى حال. وما دام هذا التطبيق كله خطأ فالتغير من حيث هو لا ضرورة لأن يحصل، أي ليس حتمي الحصول، لأن حصول الثورات ليس حتمياً، وكذلك حصول الانتقال على فرض حصول الثورات ليس حتمياً، فقد تحصل ثورات وقد لا تحصل، وعلى فرض حصولها قد يحصل الانتقال وقد لا يحصل، وعلى ذلك فإن ما ترتب على حتمية حصول الانتقال من النشوء والارتقاء ليس حتمي الحصول، لعدم انطباق ما يجري على الأجسام حسب العلوم الطبيعية على المجتمع.
صحيح أن وجود أفكار ومشاعر في شعب من الشعوب أو جماعة من الجماعات، وسيطرة هذه الأفكار والمشاعر عليها تجعل مجتمع ذلك الشعب أو تلك الجماعة يتحول بشكل حتمي من حال إلى حال ومن نظام إلى نظام، ولكن ذلك لا يحصل كحادث طبيعي بل هو حادث قد جرى قصد وتعمد للقيام به، فهو حادث مقصود أو مصطنع. إذ لولا بث الأفكار والمشاعر، ووصولها إلى حد جعلها مسيطرة لم يحصل التحول، فهو ليس حادثاً طبيعياً، ولم يحصل بشكل طبيعي، وإنما حصل بحركة مقصودة أي مصطنعة. والحتمية ليست في حصوله، وإنما هي في حصوله إذا حصلت سيطرة الأفكار والمشاعر على الشعب أو على الجماعة، وبث الأفكار وسيطرتها لا تحصل طبيعياً ولا حتمياً، فيكون تحول الشعب أو الجماعة من حال إلى حال، ومن نظام إلى نظام ليس طبيعياً ولا حتمياً. والشيوعيون لا يقولون أنه إذا حصلت سيطرة الأفكار والمشاعر على الشعب يحصل تحول المجتمع وإنما يقولون إن حصول الثورات التي تقوم بها الطبقات المضطهدة يجعل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية حتمياً ولا مناص منه، ولا يقولون إذا حصلت الثورات يحصل الانتقال، وإنما يقولون حصول الثورات أمر حتمي ولا مناص منه، فيكون في نظرهم انتقال المجتمع من حال إلى حال ومن نظام إلى نظام أمراً حتمياً ولا مناص منه. وهذا هو الخطأ، لأن حصول الثورات من الطبقات المضطهدة ليس حتمياً، ولأن انتقال المجتمع من حال إلى حال ومن نظام إلى نظام على فرض حصول الثروات ليس حتمياً. فقياس المجتمع على الطبيعة والأجسام بأن تلك تتغير حتماً فالمجتمع إذن يتغير حتماً قياس خاطيء، لأن التغير في المجتمع ليس حتمياً كما هي الحال في الأجسام والطبيعة، ولأن تطبيق ما ثبت بالنسبة للجمادات على الإنسان ومجتمعه خطأ فاحش، لأنه حتى يمكن تطبيق مثل هذه القاعدة على الإنسان أو على المجتمع لا بد أن يكون هنالك قاسم مشترك بين الإنسان ومجتمعه وبين الجمادات يكون هو (يعني القاسم المشترك) موضوع القاعدة حتى يصح القياس أو التطبيق.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التغيرات التي تحصل في الكون ليست حركة تقدمية صاعدة، وانتقالاً من أدنى إلى أعلى، بل هي مجرد تغير، قد يكون صاعداً وقد يكون نازلاً. وكذلك التغيرات التي تحصل في المجتمعات ليست تغيرات صاعدة وإلى أحس، بل هي مجرد تغير، قد يكون صاعداً وقد يكون نازلاً. صحيح هو انتقال من حالة قديمة إلى حالة جديدة ولكنه ليس بضروري أن تكون هذه الحالة الجديدة صاعدة سائرة في طريق الارتقاء، وأن تكون أحسن من الحالة القديمة، بل قد تكون الحالة القديمة أحسن، وقد تكون انتقالاً إلى الوراء بدل أن تكون إلى الأمام، ومن هنا كان تطبيق نظرية داروين في النشوء والارتقاء على المجتمع فاسداً، لأن موضوع النظرية هو الناحية الفسيولوجية في أفراد الكائنات الحية، فتطبيق النظرية على المجتمع البشري هو تطبق ناحية فسيولوجية على ناحية أخرى غير فسيولوجية. فواقع المجتمع شيء والواقع الذي تتناوله النظرية شيء آخر، فتطبيق أحدهما على الآخر باطل لا شك فيه. أضف إلى ذلك أنه ليس ضرورياً أن يكون اتجاه التغير ـ يعني الانتقال من حال إلى حال ـ نحو الأحسن، فقد يكون نحو الأحسن وقد يكون نحو الأسوأ، والشيوعيون أنفسهم يقولون في بحث الماركسية في أبحاث ما يسمى بالردة، أن من الممكن قيام نظام رجعي على أنقاض نظام تقدمي. وواقع المجتمعات في العالم يرى بوضوح أن التغييرات التي تحصل في المجتمعات ليس حتمياً أن تكون انتقالاً من أدنى إلى أعلى وإلى الأمام، بل قد ينتقل إلى أعلى وقد ينتقل إلى أسفل. فالمجتمع في جزيرة العرب انتقل ببعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أعلى، ولكنه حين أسيء فيه تطبيق الإسلام رجع إلى الوراء، وحين انحسر عنه نظام الإسلام وصارت الجزيرة عدة دول انحط إلى أسفل، والمجتمع في أميركا الشمالية حين كانت تحت سلطة الاستعمار كان مجتمعاً منحطاً، وحين تحررت من الاستعمار ارتفع المجتمع، ولكنه حين ازدادت فيه العلوم أزداد ارتفاعاً، في حين أن المجتمع في أميركا اللاتينية ظل منحطاً، وظل مشغولاً بالثورات والانقلابات. والمجتمع في إيران أيام الخلافة العباسية كان في حالة ارتفاع، وحين انفصلت إيران عن جسم الدولة الإسلامية نزل إلى أسفل. وهكذا عشرات الأمثلة من واقع المجتمعات تنطق بوضوح أن التغيرات في المجتمعات لا ضرورة لأن تكون تغيرات صاعدة وإلى أحسن بل قد تكون إلى أحسن وقد تكون إلى أسوأ. وعلى ذلك فإن حركة المجتمع في انتقاله من حال إلى حال ليست حركة تقدمية صاعدة، والانتقال فيها من حال إلى حال ليس انتقالاً من التغيرات الكمية البطيئة إلى تغيرات كيفية فجائية وسريعة، بل هي مجرد انتقال من حال إلى حال قد تكون صاعدة وقد تكون نازلة. وقد يكون الانتقال من جراء الثورة كما حصل في أميركا الشمالية حين تحررت من الاستعمار، وكما حصل في روسيا حين أزالت القيصرية وجاءت بالاشتراكية، وقد يكون الانتقال من جراء زيادة العلوم والمعارف كما حصل في روسيا والولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، وقد يكون الانتقال بشكل تدريجي كما حصل في أوروبا وقد يكون بشكل فجائي كما حصل في جزيرة العرب حين اعتنقت الإسلام وحملته رسالة للعالم. وكذلك قد يكون الانتقال إلى أسفل تدريجياً كما حصل في المجتمع الإسلامي في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد يكون الانتقال إلى أسوأ فجائياً كما حصل في ألمانيا الشرقية حين احتلها الشيوعيون. وبذلك تبطل النقطة الثالثة من نقاط النظرية الديالكتيكية في الطبيعة. وإذا كان انتقال الماء من حالة الجليد إلى حالة السيولة ثم إلى الحالة الغازية يعتبر حركة تقدمية صاعدة فإن تحول بخار الماء إلى ماء ثم إلى جليد يعتبر حركة رجعية نازلة. وبما أن كلتا الحركتين تجريان حسب قوانين طبيعية كان حظ الحركة التقدمية الصاعدة في الكون ليس بأوفر من حظ الحركة الرجعية النازلة. فعلى أي أساس إذن قرروا أن اتجاه التغير في الكون إنما هو اتجاه تقدمي صاعد؟
وعلاوة على هذا فإن الأنظمة التي تطبق على الحوادث والأشياء من قبل الإنسان هي أفكار. فكونها حسنة أو سيئة ليس مرتبطاً بكونها قديمة أو جديدة بل مرتبطة بكونها صحيحة أو خطأ. فواحد زائد واحد يساوي اثنين فكر قديم، ولكن قدمه لم يجعله سيئاً. وكون الإنسان يستر عورته فكر قديم ولكن قدمه لا يجعله خطأ، وإنشاء صناديق التوفير فكر جديد، وكونه جديداً لا يجعله حسناً فإن صناديق التوفير تؤخر اقتصاد البلاد بل تضر به، ومذهب العري فكر جديد، وكونه جديداً لا يجعله حسناً، وهكذا. فلو فرضنا جدلاً أن الطبيعة تنتقل في حركتها من البسيط إلى المركب ومن الأدنى إلى الأعلى فإن ذلك لا ينطبق على المجتمع، لأن الذي يحوله من حال إلى حال هو الفكر، والفكر إنما يكون حسناً إذا كان صحيحاً وغير حسن إذا كان خطأ، وبحسب ما يوضع في المجتمع من أفكار تكون حاله من حسن أو سوء، فلا يكون فيه انتقال حتمياً إلى أحسن، وإنما يكون انتقالاً من حال إلى حال ليس غير، وقد تكون حسنة وقد تكون سيئة. وهذا أيضاً يبطل تطبيق النقطة الثالثة على المجتمع.
وعلى ذلك فإن القول أن التغيرات التي تحصل في المجتمع هي تغيرات من أدنى إلى أعلى خطأ، لأنها مجرد تغيرات، والقول أنها تغيرات فجائية كذلك خطأ لأنها قد تكون فجائية وقد تكون تدريجية. والقول أن الثورات حتمية في حالة الاضطهاد أيضاً خطأ، لأنه قد تكون قوى المضطهدين أكبر من أن تستطيع ثورة أن تقف في وجهها كما هي الحال في المجر، وقد يكون الاضطهاد شديداً وقديماً إلى درجة بعث الذل واليأس من الخلاص كما هي الحال في بعض بلدان أفريقية، وبالتالي فإن الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية غير حتمي وقوعه، لأنه قد لا يحصل اضطهاد للعمال يحملهم على الثورة كما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية في هذه الأيام، وقد يحصل الاضطهاد ولا يحصل على الخلاص منه كما هي الحال في إيران، فإن ما فيها من حركات لا يقوم بها الشعب وإنما يقوم بها عملاء أميركا، ولا يوجد ما يدل على أن الشعب يفكر بالقيام بثورة. ولهذا تكون النقطة الثالثة في تطبيقها على المجتمع خطأ.