المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من المقصود بالـ"الفرق" في واقعنا المعاصر؟



أبو فارس
29-05-2012, 03:27 AM
مصدر المقال: http://www.alukah.net/Culture/0/39916

شريف محمد جابر

يتداول الكثير من النَّاس الحديثَ عن الفِرَق التي افترقتْ عليها الأمة الإسلامية، مصداقًا لحديث الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلّم - ويختلفون كثيرًا حول الفئات المقصودة بمسمَّى "الفِرَق"، والتي توعَّدها الحديث النبوي بالخُسران؛ لانحرافها عن جادَّة السنة والجماعة؛ فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص: ((ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْوَ النعل بالنعل، حتى إنْ كان منهم مَن أتى أمَّه علانيةً، لكان في أمتي مَن يصنع ذلك، وإنَّ بني إسرائيل تفرَّقت على ثِنْتين وسبعين ملَّة، وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملَّة، كلُّهم في النَّار إلا ملة واحدة))، قال: من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))؛ رواه التِّرمذي، وصحَّحه الألباني، وقد ورد في رواياتٌ أخرى.

وقد أحببتُ في هذا المقالِ الموجز أن أردَّ على قول من قال: إنَّ الحركاتِ والجماعات والأحزابَ الإسلامية الموجودةَ في واقعنا المعاصر تقع تحت وصف التفرُّق المذموم هذا، وهي بذلك محرَّمة على الإطلاق، وهو قول بعيد عن الفهم الشرعي الصحيح، وبعيدٌ عن مفهوم "الفِرَق" كما هو في الأحاديث النبوية، والسبب الأكبر في عدم تحقيق المعنى الصحيح للفِرَق عند هؤلاء هو التعامل مع النصوص الشرعية وَفْقَ منهج "انتقائي"، يتجاهل الكثير من الرِّوايات، ويتجاهل الكثير من الأحكام الشرعية الأخرى، فيأخذ روايةً من حديث ويبني على فهمه الخاطئ لها صرحَ استدلالاته المغلوطة، وقد تجاهل هذا وغيرُه مِمَّن ذهب هذا المذهبَ في الفهم منهجَ: "الجمع بين أطراف الأدلَّة"، وهو من طرائق الاستدلال الصَّحيحة عند أهل السنة والجماعة، بخلاف أهل البدع ومتَّبعي المتشابه.

يقول الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات - الجزء الثالث": "وكذلك الخوارج حيث اتَّبعوا قوله - تعالى -: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]، وتركوا مبيِّنَه: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95]، وقوله: ﴿ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35]، واتَّبع الجبريَّةُ قولَه: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، وتركوا بيانَه وهو قولُه: ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 82].. وما أشبهه، وهكذا سائر من اتَّبع هذه الأطراف من غير نظَرٍ فيما وراءها، ولو جمعوا بين ذلك، ووصَلوا ما أمر الله به أن يُوصَل، لوصلوا إلى المقصود، فإذا ثبَت هذا، فالبيان مقترنٌ بالمبين، فإذا أُخذ المبين من غير بيان صار متشابهًا، وليس المتشابهَ في نفسه، بل الزائغون أدخلوا فيه التَّشابه على أنفسهم، فضلُّوا عن الصراط المستقيم"؛ اهـ.

فإنَّنا لو تتبَّعنا روايات هذا الحديثِ الذي يذكر الفِرق، لوجدنا رواية أخرى تبيِّن أحد أوصافها الذي من أجله آلت إلى مصيرها نحو الهاوية، كما جاء في الحديث الصحيح؛ فعن عوف بن مالك الأشجعي أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تفترق أمَّتي على بضع وسبعين فرقةً، أعظمُها فتنةً على أمَّتي قوم يقيسون الأمور برأيهم؛ فيُحلُّون الحرام، ويحرِّمون الحلال))؛ أخرجه الهيثميُّ في مجمع الزوائد، ورجاله رجال الصحيح.

فأعظم هذه الفِرَق فتنةً، هي التي تستبدل معايير الرأي والهوى الشخصي بالمعيار الشرعي، فتُحلُّ الحرام وتحرِّم الحلال، ومن هنا كان وصف "الانتساب إلى غير الشرع في الأحكام" هو أحدَ الأوصاف الأساسية الملاصقة للفِرَق التي قصَدها الحديث.

وكذلك فإن "الافتراق" هو نقيض "الاجتماع"، قال - تعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]؛ فقد أمر بالاعتصام بحبل الله على هيئة "الاجتماع"، وكان ضده "الافتراق".

ويَزيد في إيضاح مفهوم "التفرُّق" قولُه - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159]؛ فمعنى التفرُّق هنا يدور حول "الدِّين"؛ أي: الافتراق في الدين، ويعني ذلك أن "الاجتماع على غير دين الإسلام" يُدخل في وصف الفِرَق المذمومة في الحديث.

وبِناءً على هذه المدلولات الواضحة في أوصاف الفِرَق، تكون الأوضاع التي تجتمع على غير الإسلام "تتولَّى بغير ولاية الإسلام"، وتنتسب إلى غير الشرع "في الأحكام" - تكونُ داخلةً في وصف "الفِرَق" التي ذُكرت في الحديث الشريف.

وزيادة في تأكيد هذا المعنى، أنقلُ تأصيلاً شرعيًّا رائعًا على طريقة "الجمع بين أطراف الأدلة" لفضيلة الشيخ الأصوليِّ عبدالمجيد بن يوسف الشاذلي، فقد جاء في كتابه "البلاغ المبين":
"...وهذه رواياتُ حديث حذيفة الذي ترجم له العلماء "كيف الأمرُ إذا لم تكن جماعةٌ": جاء في صحيح البخاريِّ باب "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة": حدَّثنا محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جابر - في مسلم: عبدالرحمن بن يزيد بن جابر - حدثني بُسر بن عبيدالله الحضري، أنه سمع أبا إدريسَ الخَولانيَّ، أنه سمع حذيفةَ بن اليمان يقول: "كان الناس يسألون رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الخير وكنتُ أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا اللهُ بهذا الخير[1] ، فهل بعد هذا الخير من شر[2] ؟ قال: ((نعم))، قلتُ [3]: وهل بعد ذلك الشِّر من خير؟ قال: ((نعَم، وفيه دَخَنٌ))، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ[4] يهدون بغير هديِى، تعرِف منهم وتُنكر [5]))، قلتُ: فهل بعد ذلك الخيرِ من شرٍّ؟ قال: ((نعم، دعاةٌ على أبواب جهنَّم، مَن أجابهم إليها، قذفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا، قال: ((هم من جِلْدتنا [6] ويتكلَّمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدرَكني ذلك؟ قال: ((تلزمُ جماعة المسلمين [7] وإمامهم [8]))، قلت [9]: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل [10] تلك الفِرَق كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة حتى يدركَك الموت وأنت على ذلك)).

أقول: واضح جدًّا من الروايات "7"، "8"، "9" أن المقصود بالجماعة هو: الخليفةُ السلطان صاحبُ الشَّوكة والسلطة، وهذا واضح ليس فقط من المعنى؛ وإنما اللَّفظ الصريح، وأن المراحل السابقة أيضًا هي في جماعة التَّمكين: الخير الخالص، الخير المشوب بالدَّخَن، والفتنة، وأن الفِرَق أيضًا أوضاعٌ ممكَّنة، ولكن اجتماع على غير الإسلام، وانتساب إلى غير الشرع، فخرجت عن معنى الخلافة، أو الخليفة، وخرجت عن معنى الشرعيَّة، فوجب اعتزالُها، وليس المقصود بها الجماعاتِ غير الممكَّنة.

فالذي يقول: إن الجماعات الإسلامية فِرَق - من فَهْم هذا الحديث - مخطئ تمامًا، والذي يقول: إن واحدًا من هذه الجماعات خلافةٌ إسلامية، مُلزِمة بالسمع والطاعة، وأنَّ مَن لم يلزمها ويسمعْ ويُطعْ لأميرها - فلان - فهو كافر، مخطئ تمامًا، ومبتدع.

فنحن الآن في الوقت الذي ترجم له البخاري: "كيف الأمرُ إذا لم تكن جماعة"، وأمرُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لحذيفة هو أمرٌ لنا: اعتزالُ كلِّ الأوضاع التي تقوم على الاجتماع على غير الإسلام، والانتساب إلى غير الشرع، لم يأمرْنا بلزوم فلان، ولا بإقامة جماعةٍ من ثلاثة تكون ملزِمةً لغيرنا، ومَن خرج عنها يكون كافرًا، ولا بشيء من هذه البدع المحدثة"؛ اهـ من كتاب "البلاغ المبين" لفضيلة الشيخ عبدالمجيد بن يوسف الشاذلي.

ولئن كان فضيلة الشيخ يردُّ في هذا البيان وغيره على الفِرَق التي تقول: مَن ليس في جماعتنا، فهو كافر، فإنَّ ما توصَّل إليه يردُّ فيه - كذلك - على من يقول: إنَّ جماعات العمل الإسلامي المعاصرة هي "فِرَق" مذمومة، فيسقط مدلول الفرق الوارد في هذا الحديث وغيره عليها! وهذا خطأ محضٌ، وقد تبيَّن لنا ذلك من خلال الاستدلال الصَّحيح المعتمِد على أصول الاستدلال عند أهل السنة والجماعة، وعلى وجه الخصوص قاعدة: "الجمع بين أطراف الأدلة"، وعدم الركون إلى فهم قاصر لرواية واحدة.

ويظهر لنا - إذًا - من خلال بيان الأحاديث - وقبلها الآيات التي أوردناها في مفهوم "الفِرَق" - أنها تحمل بشكل أساسي أوصافَ:
• الانتسابِ إلى غير الشرع في الأحكام؛ أي: اتخاذ معايير أخرى للتحاكم، والإعراض عن المصادر الشرعية المعصومة.

• الاجتماعِ على غير الإسلام (وصف التفرُّق عن الدِّين، والتولِّي بغير ولاية الإسلام).

ومن خلال الوصف الأول "الانتساب إلى غير الشرع" تدخل في معنى الفِرَق: المجتمعات والأوضاع العَلْمانية؛ على اعتبار أنَّها كِيانات ممكَّنة؛ كالنُّظم العربية وغير العربية التي نبَذت شريعة الله، واتَّخذت لها دساتير وضعيَّة تتحاكم إليها، ونسبت مهمة التشريع إلى البشر القاصرين، فيُصدرون القوانين ويلتزمون بهذه الدساتير الوضعية، وبهذا هم منتسبون إلى غير شريعة الله في الأحكام، بل إلى شرائعهم الوضعيَّة التي وضعوها بآرائهم وأهوائهم، وتدخل فيه الكِيانات المجتمعة على البدع المنحرفة عن أصول الدين؛ كالنظام الإيراني الشِّيعي، والذي تختلط فيه المفاهيم الغربية غيرُ الشرعية بالمفاهيم البِدْعية الشيعية، فهو لا يمثِّل "جماعة" بمعنى: خلافة، أو وضع ممكَّن تجب طاعتُه كما ورد في الحديث؛ لأنَّه وقع في وصف الفِرَق التي أوجب الحديثُ اعتزالَها، وكذا هو حال جميع النُّظم العَلْمانية والبدعية التي تنتسب إلى غير الشرع.

ومن خلال الوصف الثاني "الاجتماع على غير الإسلام" تدخل في معنى الفرق كذلك: المجتمعات والأوضاع العلمانية؛ باجتماعها على غير الإسلام كالوطنيَّة والقومية، فهي تتولَّى بغير ولاية الإسلام، فتجعل "المواطنة" بديلاً لمفهوم "الأمة" في الإسلام، وتُساوي بها بين المسلمِ والكافر بدعوى تقول: إنَّهما مواطنان، لهما ذات الحقوق والواجبات، وأمَّا المسلم الذي لا يحمل مواطنةَ هذه الكيانات، فلا ينال حقوق الكافر الحامل لمواطنتها! أو تجعل الولاء في نظامِها للقوم، فتكون "القومية" هي "الراية" التي تناضل من أجلها، وتوالي وتعادي عليها، فتدخل بهذا في وصف الافتراق عن الدين، والاجتماع على غير الإسلام، عن طريق التولِّي بغير ولايته مِمَّا دخل على الأمَّة من المفاهيم الجاهلية؛ (للبيان المستفيض حول هذا الموضوع؛ راجع كتَابنا: "الهوية والشرعية: دراسة في التأصيل الإسلامي لمفهوم الهوية ورفع الالتباسات عنه).

ويدخل فيها أيضًا - كما يقول الشيخ عبدالمجيد الشاذلي في كتاب "البلاغ المبين" -: "مجتمعات الردَّة إلى بدعة مكفِّرة، المجتمعات التي يغلب عليها عقائد الصوفية الفاسدة: الحلول، الوَحدة، الاتحاد، إسقاط التكاليف، الفيض... إلخ، المجتمعات التي يغلب عليها الممارسات الشركيَّة في العبادة، المتغلِّبون أصحاب الرايات العميَّة الذين فرَّقوا أمر الأمَّة وهو جميع، أصول البدع: الخوارج، الرَّوافض، الجهمية، المرجئة، القدَرية نفاة ومثبتة، أصحاب الاتجاه العقلي الذي يعارضون به الشَّرع ويخرجون به عن الأصول، كل ما يستجدُّ من ابتداع في أصل كلِّي من الدين"؛ اهـ.

تكملة المقال في التعليق التالي...............

أبو فارس
29-05-2012, 03:28 AM
ونختم ببيان الوضع الصَّحيح الذي ينبغي أن تكون عليه جماعات العمل الإسلامي؛ حتى لا تقع في أيٍّ من أوصاف الفرقة والبدع والهوى التي تخرجها من أوصاف الشرعية، وحتى تقوم بمهمَّتها الشرعية التي نشأت من أجلها، وننقُل في بيان ذلك كلامًا مهمًّا لفضيلة الشيخ عبدالمجيد الشاذلي من كتابه القيَّم: "الطريق إلى الجنة"، يقول:

وإنَّ هذه الأمة لها هدف واضح، وغاية واحدة في الدُّنيا، وهي العمل لتمكين دين الله في الأرض: ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39]، وإنَّنا لَنُهيبُ بإخواننا رجالات الحركة الإسلامية وأبنائها أن يكونوا على منهج واحد، متمثلٍ في:
1- شموليَّة الدعوة المنبثقة عن شمولية التوجيه الربَّاني.

2- الخروج عن محدودية المقاصد إلى رسالة الإحياء.

وبالتالي: إذا تحققت وحدة المنهج - وقد تحقَّقت قبلها وحدة الهدف - فقد تحقَّقت وَحدة العمل الإسلامي، وإن تعدَّدت أُطرُه، وتنوَّعتْ مدارسُه وتوجُّهاته، وإنَّ هذه الأمة الواحدة لتدعو أبناءها أن يخرج منهم صفوةٌ رائدة تعزم العزمة، وتمضي على الطريق تتحمل التضحيات، تثبُت على المبدأ، وتحتفظ بالهدف، تخرج عن محدودية المقاصد إلى روح يسري في الأمة فيحييها بالقرآن، يتمثَّل فيها قول الله - تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

صفوة لا تنسى أنها أمَّة من أمة الإسلام، جزءٌ منها، وبعضٌ من كلٍّ، تعمل لله من أجل هذه الأمة ومصلحتِها، لا من أجل نفسها وطائفتها وكيانها، متبرئةً في ذلك عن الوصف الذي ذمَّه الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159]، متبرِّئة من هذا الوصف وممَّن اتصفوا به كما بـرَّأ ربُّنـا - تبـارك وتعالى - رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - منهم، وتقول أمُّ المؤمنين "أم سلمة" - رضي الله عنها -: "إنَّ نبيَّكم قد برِئَ ممَّنْ فرَّق دينَه واحتزب"[11].

صفوة تخرج عن وصف التشيع المذموم المتبرَّأ منه شرعًا في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159]، إلى وصف جماعات العمل الإسلامي المحمودة شرعًا، والتي أمر الله - جلّ وعلا - بها في قوله - تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، والتي أخبر عنها - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((ولا يزال من أمَّتي أمَّةٌ يقاتلون على الحق، ويُزيغ الله لهم قلوبَ أقوامٍ، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة))[12].

ولكي تحقِّق ذلك؛ لا بد لها من أن:
1- تقدِّم ولاءها العام للمسلمين على ولائها الخاصِّ لطائفتها إذا تعارضا.

2- يكون ارتباطُها كإطار عمل، وليس إطار انتماء.

3- تحافظ على وحدة الهوية والعقيدة مع غيرها من جماعات أهل السنَّة والجماعة.

صفوة تَحذَر في ممارساتها اليومية من التلبُّس بشيء من أوصاف التشيُّع المذموم، فلا تقدِّم ولاءها الخاص لإطارها على الولاء العام، ولا تنسى أنَّ إطارها إطارُ عمل وليس إطار انتماء، ولا تتفرق في الهُوية أو العقيدة.

صفوة مؤمنة حَبَّبَ الله إليها الإيمان وزيَّنه في قلوبها، وكرَّه إليها الكفر والفسوق والعصيان؛ فضلاً منه - سبحانه - ونعمة، عسى الله أن يحقِّق بها وعده الذي وعد عباده المؤمنين: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]"؛ اهـ من كتاب "الطريق إلى الجنة"، تأليف الشيخ عبدالمجيد الشاذلي، تقديم الشيخ عبدالرحمن بن جبرين - رحمه الله.

[1] زاد مسلم في رواية أبي مسعود عن حذيفة: "فنحن فيه". (إضافة)".
[2] في رواية نصر بن عاصم: "فتنة". (بديل).
[3] في رواية ربيع بن خالد عن حذيفة عند أبي شيبة: "فما العصمة منه؟ قال: ((السيف))، قلت: فهل بعد السيف من تَقية؟ قال: ((نعم، هدنة)). (بديل وإضافة).
[4] في البخاري: ((يستنُّون بغير سنَّتي، ويهدون بغير هديي)). (إضافة).
[5] وفي حديث أمِّ سلمة عند مسلم: ((فمن أنكر برِئ، ومن كرِهَ سلِم)). (إضافة).
[6] وفي رواية أبي الأسود: ((فيهم رجالٌ قلوبُهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)). (إضافة).
[7] في رواية أبي الأسود: ((ولو ضرب ظهرَك، وأخذ مالَك)). (إضافة).
[8] زاد في رواية أبي الأسود: ((تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرَك وأخذ مالك)). (إضافة).
[9] وكذا في رواية خالد بن سُبيع عند الطبرانيِّ: ((فإن رأيت خليفة فالزمْهُ، وإنْ ضرب ظهرَك، فإن لم يكن خليفةٌ، فالهربَ)) الطبراني. (بديل).
[10] في رواية عبدالرحمن بن قُرْط عن حذيفة عند ابن ماجه: ((فلأنْ تموتَ وأنت عاضٌّ على جزلٍ خيرٌ لك من أن تتَّبع أحدًا منهم))، والجَزْل: عودٌ ينضض لتحتكَّ به الإبل؛ (ابن ماجه).
[11] الاعتصام للشاطبي جـ1، ص 60.
[12] رواه النسائي، وفي صحيح البخاري: "باب قول النبي - صلَّى الله عليه وسلّم -: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق))، وهم أهل العلم"، وقد ذكر ابن حجر في شرح هذا الباب في فتح الباري إحدى روايات الحديث، وهي رواية عمر بن هانئ بلفظ: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك))، النسائي جـ6، ص 214 رقم "3561".


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/39916/#ixzz1wDJyeoRN

سياسي
29-05-2012, 12:41 PM
تعبت حالك بالبحث أخي العزيز لأن الاحاديث الفرقة كلها مردودة دراية لأن من خرج عن الامة لم يعد منها اذن بقيت الامة الاسلامية كما هي أي بقيت نفسها الامة الاسلامية و من يخرج عنه و يكفر لم يعد منها!
ثم الحديث به خبث كبير لأن يجعل الأمة أعلن من اليهود و النصارى فالنصارى 71 و اليهود 72 فرقة أما نحن فطلعنا أوسخ منهم وصرنا 73 فرقة !!!!!!

أبو فارس
29-05-2012, 01:39 PM
تعبت حالك بالبحث أخي العزيز لأن الاحاديث الفرقة كلها مردودة دراية لأن من خرج عن الامة لم يعد منها اذن بقيت الامة الاسلامية كما هي أي بقيت نفسها الامة الاسلامية و من يخرج عنه و يكفر لم يعد منها!
ثم الحديث به خبث كبير لأن يجعل الأمة أعلن من اليهود و النصارى فالنصارى 71 و اليهود 72 فرقة أما نحن فطلعنا أوسخ منهم وصرنا 73 فرقة !!!!!!

أخي الحديث صحيح وله شواهد كثيرة، وراجع قول العلماء في خروج الفرق من الإسلام، ولا يعني ذلك أن أفرادها كفار.

ومن قال لك إن زيادة العدد تعني في الفرق يعني أن هذه الأمة أوسخ من تلك الأمم السابقة؟ من أين أتيت بهذا التأويل؟ أي إن هذا التأويل لا يعارض وصفه تعالى لها بأنها "خير أمة أخرجت للناس" لأن مقوّمات خيريّتها مذكورة في الآية، أي كنتم خير أمة في ذلك وهو "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" فهذه هي مقومات الخيرية، وقال فيها في نفس السياق: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس".

والواقع خير شاهد على خروج الكثير من الفرق عن جادة السنة واجتماعها على البدع أو الكفر، وكون الكثير منها على غير تآلف ولا تعاضد ويتشيّع كل منها لفرقته، ولك أن تراجع كلام الإمام الشاطبي في "الاعتصام" حول هذا الحديث من ناحية السند والمعنى.

أبو فارس
29-05-2012, 01:50 PM
ويبدو أنك لم تقرأ المقال كاملا، لأنك لو قرأته كاملا لوجدت شواهد للحديث تتحدث عن افتراق الأمة، وهي أحاديث صحيحة منها:

((تفترق أمَّتي على بضع وسبعين فرقةً، أعظمُها فتنةً على أمَّتي قوم يقيسون الأمور برأيهم؛ فيُحلُّون الحرام، ويحرِّمون الحلال))؛ أخرجه الهيثميُّ في مجمع الزوائد، ورجاله رجال الصحيح.

ومنها حديث حديفة الذي عنون له الإمام البخاري في صحيحه بـ "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟"

فقد جاء في آخره: "قلت: فما تأمرني إن أدرَكني ذلك؟ قال: ((تلزمُ جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفِرَق كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة حتى يدركَك الموت وأنت على ذلك)).

مما يدل أن هناك فرق موجودة، وأنها جماعات "ممكّنة"، وهذا موضع استشهاد عظيم.

ثم إن قولك "يردّ دراية" منكر، لأن الحديث "بتأويلك" فقط تراه يخالف قطعيات إسلامية، ولكن هذا مجرد تأويل لك، وقد بينت لك خطأه في الرد السابق، ذلك أن خيرية الأمة ليست في عدم التفرق، وإنما خيريتها على الأمم الأخرى مذكورة في القرآن الكريم.

فالأحرى عند أهل السنة عند اشتباه معنى حديث بمخالفة قطعيات معينة والحديث سنده صحيح وله شواهد صحيحة كثيرة، الأحرى استفراغ الوسع في الجمع بين أطراف الأدلة لفهمه بالشكل الصحيح، وتأويله على الوجه الأصوب له، وليس ردّه هكذا!!

ابوعبدالرحمن حمزة
30-05-2012, 01:45 PM
قال الشافعي في الام : (الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه وما لم يكن فيه من هذا واحد كان لاهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع فإن ورد امر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشئ وغيره بخلافه وهذا قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت ؟ قلت له الاستدلال بالكتاب والسنة والاجماع قال فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عزوجل (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءتهم البينة) فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف ؟ فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة فكان الاغلب على أنها في جهة والاغلب على غيري في جهة ما الفرض علينا ؟ فإن قلت الكعبة فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن نأوا عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما امكنهم وغلب بالدلالات في قلوبهم فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف وكان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه وقلت قال الله (ممن ترضون من الشهداء) وقال (ذوي عدل منك) أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكانا عند أحد الحاكمين عدلين وعند الآخر غير عدلين قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما وعلى الآخر الذي هما عنده غير عدلين أن يردهما قلت له فهذا الاختلاف قال نعم فقلت له أراك إذن جعلت الاختلاف حكمين فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه قلت فهكذا قلنا وقلت له قال الله عزوجل (ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فإن حكم عدلان في موضع بشئ وآخران في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد اجتهد وأدى ما عليه وإن اختلفا وقال (والآتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع وأضربوهن فإن أطعنكم) الآية وقال عزوجل (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلا واحدا وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها وزوج الاخرى لا يخاف به نشوزها ؟ قال يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجر والضرب ولا يسع الآخر الضرب وقلت وهكذا يسع الذي يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الاخذ منها ولا يسع الآخر وإن استوى فعلاهما قال نعم قال: قال وإن قلت هذا فلعل غيري يخالفني وإياك ولا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة
الاختلاف قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبى هريرة قال وماذا: قلت ما وصفنا من أن الحكام والمفتيين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا فيه وأفتوا وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم عندهم وهذا عندك إجماع فكيف يكون إجماعا إذا كان موجودا في أفعالهم الاختلاف ؟ والله أعلم.)
لعل في هذا الكلام فائدة طبعا الشافعي يعني بالاجماع ما اجمعت عليه العامة مثل وجوب الصلوات والزكاوات .... اي الاجماع عنده ما كان معلوما من الدين بالضرورة .