المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المجلس العسكري في مالي يلاحق أنصار توري



عبد الواحد جعفر
22-05-2012, 12:29 PM
المجلس العسكري في مالي يلاحق أنصار توري

أقدم يومي الإثنين 30/4 و1/5 العقيد عابدين غيندو قائد الحرس الجمهوري للرئيس المخلوع في مالي أمادو توماني توري بالهجوم على مطار باماكو الدولي وعلى مقر الإذاعة والتلفزيون وعلى مركز القيادة العامة لإنقلابيي 21 آذار/مارس في ثكنتهم العسكرية في كاتي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي دفع هذا العقيد أن يقوم بهذا الهجوم مع حولي 300 من رجاله ضد أكبر ثكنة عسكرية في البلاد؟ وهل هذه العملية هي محاولة انقلاب مضادة بسبب تعنت أمادو هايا سانوغو في تنفيذ بعض قرارات الإيكواس ومن ثم إمكانية إعادة الرئيس المخلوع توري أم هي فخ نُصب للعقيد عابدين غيندو في محاولة للتخلص منه أو دفعه للهروب والخروج من البلاد مثلما تم مع الرئيس أمادو توماني توري الذي إستقر في السنغال؟
لا مجال هنا كذلك للحديث كما قد يتوهم البعض عن صراع فرنسي أميركي حول مالي. فبالإضافة إلى ما سبق وذكرناه من بيان حقيقة التعاون الفرنسي الأميركي في حدوث إنقلاب مالي في 21 آذار/مارس، نزيد فنقول أن العقيد عابدين غيندو وهو من أخلص الضباط للرئيس المخلوع هو الذي قام بتهريبه ليلة الإنقلاب إلى معسكر دجيكوروني للمظليين والذي لا يبعد سوى خطوات من السفارة الأميركية بل ويقع تحت حمايتها المباشرة. وحسب تسريبات ويكيليكس فإن واشنطن كانت تتلقى معلومات حول الإنحرافات والفساد الذي يطبع سلوك القيادة العليا المالية المحيطة بالرئيس أمادو توماني توري بما في ذلك أفراد عائلته، وإن عناصر الحماية التي قامت بتهريبه وعلى رأسهم العقيد عابدين غيندو قد تم تدريبهم على يد مشاة البحرية الأميركية.
أما زعيم الإنقلابيين أمادو سانوغو فإنه كذلك تلقى تدريبات عسكرية في الولايات المتحدة في القاعدة الجوية في لاكلاند بتكساس وفي حصن هوشوكا بإريزونا والمختص في مجال الإستخبارات وفي مدرسة الضباط بحصن بينيغ في جورجيا. وهذا يدل على أن الأميركان لهم إطلاع وتحكم بضباط الجيش في مالي أكثر من الفرنسيين أنفسهم وهم الذين يتحكمون بالعقيد عابدين غيندو والقبطان أمادو سانوغو.
وبناءً على ما تقدم فإن الراجح هو أن ما حصل في مالي مؤخراً ليس محاولة للإنقلاب تقف وراءها أميركا أو فرنسا بل هو عمل عسكري راح ضحيته حوالي 70 شخصاً وذلك بقصد التخلص من العقيد عابدين غيندو الذي يعتبر من أوفي الضباط في الدائرة الضيقة للرئيس المخلوع منذ أن أوكل إليه في 26/3/1991 (وهو تاريخ الإنقلاب الذي قام به أمادو توري) مهمة إيقاف رئيس الدولة السابق الجنرال موسى تراوري في قصره بكولوبا. أما القرائن الدالة على ذلك فهي التالية:
1) ـ ذكر زعيم الإنقلابيين القبطان أمادو هايا سانوغو في الساعة الحادية عشر ونصف ليلا يوم 30 نيسان/أبريل قائلاً: "بدأت القصة في معسكر دجيكوروني للمظليين، عندما راجت إشاعة بأن جنود ثكنة كاتي (المقربين من الإنقلابيين) يستعدون للنزول من أجل إلقاء القبض على العقيد عابدين غيندو قائد معسكر المظليين والوفي لرئيس أمادو توماني توري".
ولكن السؤال هنا هو: من وقف وراء إشاعة الإعتقال؟ فمن المعلوم أنه على الرغم من أن قادة الانقلاب سلموا السلطة رسمياً في 12 نيسان/أبريل الفائت، إلا أنهم ما زالوا يسعون إلى القبض على بعض الموالين للرئيس المخلوع سواء كانوا سياسيين أو عسكريين، ولعل هذا هو ما دفع أمادو توري بتسهيل أميركي للجوء إلى السنغال.
2) ـ اعتبر رئيس الوزراء المؤقت شيخ موديبو ديارا حسب الإتفاق الذي أبرمه المجلس العسكري مع المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا أن ما قام به العقيد عابدين غيندو هو زعزعة للإستقرار، قائلاً: "لقد تعرضنا لمحاولة زعزعة للبلاد خلال 48 ساعة الأخيرة، توجت بنصر مؤقت غير كامل لجيشنا والقوات الأمنية، مكونة خاصة من الإنقلابيين السابقين".
3) ـ وتماشياً مع موقف رئيس الوزاء المالي المؤقت، أدانت الإيكواس "بشدة المواجهات بين مختلف قوى الجيش وشجبت تأثيراتها السلبية على أمن السكان"، وطالبت قوى الجيش من المشاة التابعين لسانوغو والمظليين التابعين لغيندو "بالتركيز على المهمات السيادية في الدفاع عن الوطن" مضيفة بأن "كل شخص يقوم بزعزة المرحلة الإنتقالية سوف يتعرض للعقوبات".
4) ـ بعد أن قرر قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في قمة إستثنائية في ابيدجان يوم 26 نيسان/أبريل نشر قوة إقليمية في مالي فوراً، مؤكدين أن قراراهم ينص على أن القوة العسكرية لن تكون مهمتها في مرحلة أولى التوجه إلى الشمال بل المساعدة في "ضمان أمن الهيئات والحكومة الانتقالية" رفض القبطان سانوغو مسألة إرسال قوات إلى مالي قائلاً: "أنا ضد إرسال أي جنود من قبل الإيكواس وسأتحمل مسؤوليتي تجاه الفترة الانتقالية التي يديرها حالياً الرئيس المؤقت ديونكوندا تراوري، فالدستور المالي يحدد الفترة الانتقالية في حال غياب الرئيس المنتخب في 40 يوما فقط".إلا أنه بعد الأحداث الأخيرة قرر قادة الإيكواس الذين اجتمعوا في داكار يوم 3 أيار/مايو أن نشر هذه القوات سوف يكون "بناءً على طلب السلطات المالية" وبالتشاور مع "شركاء التنمية" الذين عليهم توفير التمويل اللازم لهذه البعثة التي ستكلف 577 مليون دولار.
وعليه فإن الراجح من هذا العملية التي قام بها عابدين غيندو أنها كانت فخاً للتخلص منه ورسالة إلى كل الموالين للرئيس المخلوع أمادو توري بعدم التفكير في إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. أما تنديد المجموعة الإقتصادية لغرب إفريقيا بالعملية لأنها تزعزع الإستقرار ومن ثم تراجعها عن قرار إرسال قوات إلى مالي إلا بطلب من الحكومة المؤقتة فهو إقرار بالحاجة إلى سلطة المجلس العسكري في هذه المرحلة ودوره في تثبيت وضع الإنفصال الذي دخلت فيه البلاد بعد إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن قيام دولة الطوارق. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار أنه سيتم عاجلاً أو آجلاً الدخول في مفاوضات بين السلطة المركزية في باماكو والحركة الوطنية لتحرير أزواد تماماً مثلما قال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي في كلمة ألقاها أمام جمعية الصحفيين البريطانيين والأميركيين في باريس بتاريخ 5/4/2012 بأنه "لن يكون هناك حل عسكري مع الطوارق. لابد أن يكون هناك حل سياسي".
15/جمادى الآخرة/1433هـ
7/5/2012م