عبد الواحد جعفر
22-05-2012, 12:25 PM
الديمقراطية الأميركية وإنقلاب غينيا بيساو
جاء الإنقلاب العسكري في غينيا بيساو بتاريخ 12/4/2012 ليوقف ما بدأته أميركا من عملية إعادة هيكلة وتغيير في المؤسسة العسكرية سواءٌ من حيث دروها في الحياة السياسية أو من حيث عدد المنتسبين إليها. وهذا يدخل ضمن خطة أميركا العامة وعلى مستوى العالم فيما يتعلق بتركيز مفاهيمها في الديمقراطية والدولة المدنية والحكم الرشيد والإقتصاد الحر. وبالتالي فلا يعدو أن يكون هذا الإنقلاب سوى صراع داخلي بين مراكز النفوذ في الأحزاب والمؤسسة العسكرية على حكم البلاد، ولا مجال للحديث هنا عن صراع دولي أو إقليمي بين أميركا وسواها من الدول الإستعمارية السابقة وعلى رأسها البرتغال المستعمرة السابقة لغينيا بيساو. فمنذ استقلال غينيا بيساو قدمت لها الولايات المتحدة 65 مليون دولار في شكل منح ومساعدات، ومنذ العام 1998، وهو العام الذي تم فيه اتفاق غينيا بيساو للسلام بين الرئيس جاو برناردو فيرا وبين رئيس أركان الجيش أنسومان ماني وقتها على إثر الصراع الداخلي بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية والذي حصل في أبوجا (نيجيريا) بتاريخ 1/11/1998، فقد كثفت أميركا من معوناتها المالية للمنظمات غير الحكومية وعمليات نزع الألغام، وهي اليوم تلتزم بمبلغ 20 مليون دولار سنوياً لغينيا بيساو من أجل دعم الديمقراطية وإصلاح النظام العدلي وتركيز دولة القانون وإعادة تدريب وهيكلة قطاعي الجيش والشرطة.
إن المتابعة لحيثيات الإنقلاب وإجماع ردود الفعل الدولية والإقليمية على إدانته تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن أميركا ضد الحركة الإنقلابية وقد سخرت كل أدوات ضغطها الدبلوماسية والسياسية والمالية لإفشاله وهي تعمل على إعادة غينيا بيساو على خط الإصلاحات التي بدأت فيها منذ 8/5/1990 عندما دخلت البلاد في مرحلة التعددية السياسية والحزبية. ولتوضيح ذلك وتفصيله نقول التالي:
على إثر هذا الإنقلاب تم إيقاف رئيس الدولة المؤقت ريموندو بريرا ورئيس الحكومة كارلوس غوميز جونيور ورئيس أركان الجيش الجنرال أنتونيو إيندجاي. وكان من المتوقع أن يتم اغتيال كارلوس غوميز لولا الحماية التي لقيها من عناصر الشرطة وجزءٍ من العسكريين الأوفياء له ودعم البعثة الأنغولية. وإنه وإن ظهر للمتابع أن الغرض المباشر لهذا الإنقلاب هو وقف الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية التي كان يتوجب وقوعها في 29 نيسان/أبريل والتي من المتوقع أن يفوز بها رئيس الوزراء الحالي غوميز الفائز بالجولة الأولى في 18/3/2012، إلا أن المجلس العسكري صرَّح في بيان له لاحقاً أن السبب الحقيقي للإنقلاب هو "اكتشاف اتفاق عسكري سري موقع بين الوزير الأول كارلوس غوميز ورئيس الدولة المؤقت ريموندو بيريرا باسم حكومة غينيا بيساو وبين أنغولا"، و"يشرع هذا الإتفاق تواجد قوات أجنبية؛ أي البعثة الأنغولية (ميسانغ Missang) في غينيا بيساو من أجل حماية الحكومة في صورة وجود أزمة". وفي بيان لاحق للقيادة العسكرية جاء فيه: أن "القيادة ليس لديها أي طموحات للسلطة" مضيفاً أنها "اٌرغمت على التحرك على هذا النحو دفاعاً عن نفسها من المناورات الدبلوماسية لحكومة غينيا بيساو الرامية إلى تصفية القوات المسلحة بواسطة قوة خارجية".
لقد أدانت بشدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والبرتغال وإسبانيا والأمم المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإنقلاب وطالبوا جميعاً بضرورة "الحفاظ على النظام الدستوري" و"حل الخلافات سلمياً". من ذلك ما قالته سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن أن الدول الـ15 "تدين العمل العسكري في غينيا بيساو، وتطالب بإلحاج بإعادة الحكم على الفور إلى السلطات المدنية". وكذلك ما قاله جاي كارني الناطق الرسمي باسم باراك أوباما في 14/4/2012: "نحن ندعو إلى تحرير كل المسؤولين الحكوميين ونحث كل الأطراف على حل خلافاتهم عبر المسار الديمقراطي".
وفي استجابة صورية لهذه الدعوة عقد المجلس العسكري بتاريخ 18 نيسان/أبريل اجتماعاً مع كل أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تقطع الطريق على فوز غوميس الذي لا يحظى بدعم من بعض عناصر الجيش وكذلك من بعض أعضاء حزبه (الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر) الذي تم استثناؤه من حضور الإجتماع أو المشاركة في حكومة الوحدة. ورغم إعلان المجلس العسكري أنه سيجري انتخابات في البلاد في غضون سنتين بعد أن أعلن عن حل البرلمان وتأسيس مجلس وطني انتقالي يعهد إليه بمهمة تسمية رئيس جديد مؤقت وتشكيل حكومة انتقالية، إلا أن اتحاد دول غرب إفريقيا (ايكواس) والاتحاد الإفريقي وعدد من المؤسسات الدولية الأخرى أدانوا الاتفاق "غير الشرعي" لنقل السلطة في غينيا بيساو، وقام الإتحاد الإفريقي بتعليق عضوية غينيا بيساو حتى يعود الحكم الدستوري، كما علق كل من البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي معونات قيمتها عدة ملايين الدولارات لغينيا بيساو.
أما الأمين العام للحزب الإفريقي لإستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر لويس أوليفاراس فقد طالب في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية "الأمم المتحدة بإرسال قوة استقرار إلى غينيا بيساو لحماية الديمقراطية الجديدة" رافضاً الإعتراف "بأي حل انتقالي" من قبل المجلس العسكري، مضيفاً "يجب إعادة كل المؤسسات المنحلة وتسليمها للمسؤولين السابقين"، و"إن العودة للحياة الدستورية تعني أن يعود الرئيس المؤقت ريموندو بيريرا والوزير الأول كارلوس غوميز جونيور إلى وظائفهم".
وفي بادرة لتنفيذ وعودهم أعلن المجلس العسكري بتاريخ 19 نيسان/أبريل أنه عين مانوال سريفو نامادجو المتحدر من الحزب الافريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر والخاسر في الدورة الأولى من الإنتخابات رئيساً مؤقتاً للبلاد. لقد جاء هذا الإنقلاب بعد يوم واحد من دعوة زعيم المعارضة كومبا يالا الذي سبق له أن تولى رئاسة البلد بين عامي 2000 ـ 2003 وحل في المركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات، دعا إلى مقاطعة الجولة الثانية المقررة في 29 نيسان/أبريل الجاري،وتحدث كومبا يالا عن "عمليات تزوير كثيفة" في الجولة الأولى، علماً أنه نال نسبة 23.26 في المئة من الأصوات مقابل 48.97 في المئة لغوميز الذي تعمل أميركا على إيصاله إلى حكم البلاد. إلا أن المعارضة وعلى رأسها كومبا يالا لم تعترف بالجولة الأولى من الإنتخابات رغم أن المراقبين الدوليين أثنوا على شفافيتها، ورغم تدخل ألفا كوندي رئيس غينيا للوساطة لكن كومبا يالا رفض ذلك، بل هدد قائلاً "كل من يجرؤ على خوض الحملة سيكون مسؤولاً عما يحدث"، وبعد ساعات من هذا التحذير حدث الإنقلاب.
ومع كل ذلك فقد عبرت دول الإيكواس أنها لن تعترف "بأي تحول منبثق من الطغمة" العسكرية واصفة ما جرى بأنه "اغتصاب للسلطة"، فيما طالب مجلس الأمن في بيان له بضرورة "الإعادة الفورية للنظام الدستوري وكذلك عودة الحكومة الشرعية".
وأمام هذه التهديدات من قبل الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة تراجع المجلس العسكري خطوة إلى الوراء عندما عبر ناطقه الرسمي بتاريخ 21 نيسان/أبريل عن استعداد المجلس لمراجعة آليات الإنتقال التي تم الإتفاق عليها مع المعارضة وأن تسمية رئيس مؤقت كان مجرد "اقتراح" مضيفاً "نحن ملتزمون بكل عمق مع الإيكواس من أجل الوصول إلى حل للأزمة" و"نظل دائماً منفتحين"، وبعد ذلك أعلن الرئيس المؤقت الذي اختاره الجيش بأنه: "لن يقبل هذه التسمية" مضيفاً "أنا من المدافعين عن الشرعية ولن أعترف بأي مؤسسة خارج إطار الشرعية".
هذا من حيث الإنقلاب والحيثيات المتعلقة به، أما ما تريد أميركا إنجازه في غينيا بيساو باعتبارها جزءاً من غرب إفريقيا فهو إيجاد الإستقرار السياسي من أجل تمكين شركاتها في البحث والتنقيب على ثروات البلاد وخاصة منها المعادن مثل البوكسيت والفوسفات والنفط الذي تم اكتشاف بعض حقوله على الشواطئ الغينية. ولتحقيق ذلك فإن أميركا تعمل على معالجة قضيتين في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه قرابة 1.6 مليون نسمة، هما إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية ومحاربة تجارة المخدرات، باعتبارهما سببين في عدم الإستقرار وكثرة الإنقلابات وخاصة هذا الإنقلاب الأخير. ورغم أن عدد المسلمين في غينيا يفوق نسبة 40% بينما عدد النصارى 10% والبقية من الوثنيين حسب الإحصاءات الأميركية، إلا أن المسلمين لا يوجد لهم تأثير حقيقي في الحياة السياسية وفي مراكز صنع القرار
جاء الإنقلاب العسكري في غينيا بيساو بتاريخ 12/4/2012 ليوقف ما بدأته أميركا من عملية إعادة هيكلة وتغيير في المؤسسة العسكرية سواءٌ من حيث دروها في الحياة السياسية أو من حيث عدد المنتسبين إليها. وهذا يدخل ضمن خطة أميركا العامة وعلى مستوى العالم فيما يتعلق بتركيز مفاهيمها في الديمقراطية والدولة المدنية والحكم الرشيد والإقتصاد الحر. وبالتالي فلا يعدو أن يكون هذا الإنقلاب سوى صراع داخلي بين مراكز النفوذ في الأحزاب والمؤسسة العسكرية على حكم البلاد، ولا مجال للحديث هنا عن صراع دولي أو إقليمي بين أميركا وسواها من الدول الإستعمارية السابقة وعلى رأسها البرتغال المستعمرة السابقة لغينيا بيساو. فمنذ استقلال غينيا بيساو قدمت لها الولايات المتحدة 65 مليون دولار في شكل منح ومساعدات، ومنذ العام 1998، وهو العام الذي تم فيه اتفاق غينيا بيساو للسلام بين الرئيس جاو برناردو فيرا وبين رئيس أركان الجيش أنسومان ماني وقتها على إثر الصراع الداخلي بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية والذي حصل في أبوجا (نيجيريا) بتاريخ 1/11/1998، فقد كثفت أميركا من معوناتها المالية للمنظمات غير الحكومية وعمليات نزع الألغام، وهي اليوم تلتزم بمبلغ 20 مليون دولار سنوياً لغينيا بيساو من أجل دعم الديمقراطية وإصلاح النظام العدلي وتركيز دولة القانون وإعادة تدريب وهيكلة قطاعي الجيش والشرطة.
إن المتابعة لحيثيات الإنقلاب وإجماع ردود الفعل الدولية والإقليمية على إدانته تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن أميركا ضد الحركة الإنقلابية وقد سخرت كل أدوات ضغطها الدبلوماسية والسياسية والمالية لإفشاله وهي تعمل على إعادة غينيا بيساو على خط الإصلاحات التي بدأت فيها منذ 8/5/1990 عندما دخلت البلاد في مرحلة التعددية السياسية والحزبية. ولتوضيح ذلك وتفصيله نقول التالي:
على إثر هذا الإنقلاب تم إيقاف رئيس الدولة المؤقت ريموندو بريرا ورئيس الحكومة كارلوس غوميز جونيور ورئيس أركان الجيش الجنرال أنتونيو إيندجاي. وكان من المتوقع أن يتم اغتيال كارلوس غوميز لولا الحماية التي لقيها من عناصر الشرطة وجزءٍ من العسكريين الأوفياء له ودعم البعثة الأنغولية. وإنه وإن ظهر للمتابع أن الغرض المباشر لهذا الإنقلاب هو وقف الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية التي كان يتوجب وقوعها في 29 نيسان/أبريل والتي من المتوقع أن يفوز بها رئيس الوزراء الحالي غوميز الفائز بالجولة الأولى في 18/3/2012، إلا أن المجلس العسكري صرَّح في بيان له لاحقاً أن السبب الحقيقي للإنقلاب هو "اكتشاف اتفاق عسكري سري موقع بين الوزير الأول كارلوس غوميز ورئيس الدولة المؤقت ريموندو بيريرا باسم حكومة غينيا بيساو وبين أنغولا"، و"يشرع هذا الإتفاق تواجد قوات أجنبية؛ أي البعثة الأنغولية (ميسانغ Missang) في غينيا بيساو من أجل حماية الحكومة في صورة وجود أزمة". وفي بيان لاحق للقيادة العسكرية جاء فيه: أن "القيادة ليس لديها أي طموحات للسلطة" مضيفاً أنها "اٌرغمت على التحرك على هذا النحو دفاعاً عن نفسها من المناورات الدبلوماسية لحكومة غينيا بيساو الرامية إلى تصفية القوات المسلحة بواسطة قوة خارجية".
لقد أدانت بشدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والبرتغال وإسبانيا والأمم المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإنقلاب وطالبوا جميعاً بضرورة "الحفاظ على النظام الدستوري" و"حل الخلافات سلمياً". من ذلك ما قالته سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن أن الدول الـ15 "تدين العمل العسكري في غينيا بيساو، وتطالب بإلحاج بإعادة الحكم على الفور إلى السلطات المدنية". وكذلك ما قاله جاي كارني الناطق الرسمي باسم باراك أوباما في 14/4/2012: "نحن ندعو إلى تحرير كل المسؤولين الحكوميين ونحث كل الأطراف على حل خلافاتهم عبر المسار الديمقراطي".
وفي استجابة صورية لهذه الدعوة عقد المجلس العسكري بتاريخ 18 نيسان/أبريل اجتماعاً مع كل أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تقطع الطريق على فوز غوميس الذي لا يحظى بدعم من بعض عناصر الجيش وكذلك من بعض أعضاء حزبه (الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر) الذي تم استثناؤه من حضور الإجتماع أو المشاركة في حكومة الوحدة. ورغم إعلان المجلس العسكري أنه سيجري انتخابات في البلاد في غضون سنتين بعد أن أعلن عن حل البرلمان وتأسيس مجلس وطني انتقالي يعهد إليه بمهمة تسمية رئيس جديد مؤقت وتشكيل حكومة انتقالية، إلا أن اتحاد دول غرب إفريقيا (ايكواس) والاتحاد الإفريقي وعدد من المؤسسات الدولية الأخرى أدانوا الاتفاق "غير الشرعي" لنقل السلطة في غينيا بيساو، وقام الإتحاد الإفريقي بتعليق عضوية غينيا بيساو حتى يعود الحكم الدستوري، كما علق كل من البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي معونات قيمتها عدة ملايين الدولارات لغينيا بيساو.
أما الأمين العام للحزب الإفريقي لإستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر لويس أوليفاراس فقد طالب في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية "الأمم المتحدة بإرسال قوة استقرار إلى غينيا بيساو لحماية الديمقراطية الجديدة" رافضاً الإعتراف "بأي حل انتقالي" من قبل المجلس العسكري، مضيفاً "يجب إعادة كل المؤسسات المنحلة وتسليمها للمسؤولين السابقين"، و"إن العودة للحياة الدستورية تعني أن يعود الرئيس المؤقت ريموندو بيريرا والوزير الأول كارلوس غوميز جونيور إلى وظائفهم".
وفي بادرة لتنفيذ وعودهم أعلن المجلس العسكري بتاريخ 19 نيسان/أبريل أنه عين مانوال سريفو نامادجو المتحدر من الحزب الافريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر والخاسر في الدورة الأولى من الإنتخابات رئيساً مؤقتاً للبلاد. لقد جاء هذا الإنقلاب بعد يوم واحد من دعوة زعيم المعارضة كومبا يالا الذي سبق له أن تولى رئاسة البلد بين عامي 2000 ـ 2003 وحل في المركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات، دعا إلى مقاطعة الجولة الثانية المقررة في 29 نيسان/أبريل الجاري،وتحدث كومبا يالا عن "عمليات تزوير كثيفة" في الجولة الأولى، علماً أنه نال نسبة 23.26 في المئة من الأصوات مقابل 48.97 في المئة لغوميز الذي تعمل أميركا على إيصاله إلى حكم البلاد. إلا أن المعارضة وعلى رأسها كومبا يالا لم تعترف بالجولة الأولى من الإنتخابات رغم أن المراقبين الدوليين أثنوا على شفافيتها، ورغم تدخل ألفا كوندي رئيس غينيا للوساطة لكن كومبا يالا رفض ذلك، بل هدد قائلاً "كل من يجرؤ على خوض الحملة سيكون مسؤولاً عما يحدث"، وبعد ساعات من هذا التحذير حدث الإنقلاب.
ومع كل ذلك فقد عبرت دول الإيكواس أنها لن تعترف "بأي تحول منبثق من الطغمة" العسكرية واصفة ما جرى بأنه "اغتصاب للسلطة"، فيما طالب مجلس الأمن في بيان له بضرورة "الإعادة الفورية للنظام الدستوري وكذلك عودة الحكومة الشرعية".
وأمام هذه التهديدات من قبل الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة تراجع المجلس العسكري خطوة إلى الوراء عندما عبر ناطقه الرسمي بتاريخ 21 نيسان/أبريل عن استعداد المجلس لمراجعة آليات الإنتقال التي تم الإتفاق عليها مع المعارضة وأن تسمية رئيس مؤقت كان مجرد "اقتراح" مضيفاً "نحن ملتزمون بكل عمق مع الإيكواس من أجل الوصول إلى حل للأزمة" و"نظل دائماً منفتحين"، وبعد ذلك أعلن الرئيس المؤقت الذي اختاره الجيش بأنه: "لن يقبل هذه التسمية" مضيفاً "أنا من المدافعين عن الشرعية ولن أعترف بأي مؤسسة خارج إطار الشرعية".
هذا من حيث الإنقلاب والحيثيات المتعلقة به، أما ما تريد أميركا إنجازه في غينيا بيساو باعتبارها جزءاً من غرب إفريقيا فهو إيجاد الإستقرار السياسي من أجل تمكين شركاتها في البحث والتنقيب على ثروات البلاد وخاصة منها المعادن مثل البوكسيت والفوسفات والنفط الذي تم اكتشاف بعض حقوله على الشواطئ الغينية. ولتحقيق ذلك فإن أميركا تعمل على معالجة قضيتين في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه قرابة 1.6 مليون نسمة، هما إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية ومحاربة تجارة المخدرات، باعتبارهما سببين في عدم الإستقرار وكثرة الإنقلابات وخاصة هذا الإنقلاب الأخير. ورغم أن عدد المسلمين في غينيا يفوق نسبة 40% بينما عدد النصارى 10% والبقية من الوثنيين حسب الإحصاءات الأميركية، إلا أن المسلمين لا يوجد لهم تأثير حقيقي في الحياة السياسية وفي مراكز صنع القرار