عبد الواحد جعفر
06-05-2012, 12:27 PM
قناة الجزيرة الفضائية والأمركة
من محمد إسحاق الريفي في 4 أكتوبر، 2011
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما يلي مقال كتبته بعنوان "هل محطة الجزيرة الفضائية ماكينة أمركة؟" قبل نحو خمسة أعوام، أعيد نشره اليوم بعد إجراء تعديلات طفيفة عليه وعلى عنوانه في ظل الثورات التي شهدتها منطقتنا العربية، والتي كان للجزيرة فيها أثر واضح، ما قد يؤكد ما ذهبت إليه في مقالي، شاكرا لكم سعة صدركم:
قناة الجزيرة الفضائية والأمركة
محمد إسحاق الريفي
استطاعت قناة الجزيرة الفضائية في قطر كسب قلوب مشاهديها والاستحواذ على عقول الكثيرين منهم عبر تقديم نموذج جديد من الإعلام الحر، الذي يختلف تماماً عن الإعلام العربي الرسمي التقليدي، الذي يتمركز حول النظام الحاكم. ومن الأمور التي أدت إلى نجاح الجزيرة في جذب مشاهديها العرب، تبنيها وممارستها لمجموعة من الشعارات التي تشجع على المناظرة وإبداء وجهات النظر ووجهات النظر المعاكسة، ومعالجتها لقضايا عربية مهمشة تقليدياً، وسماحها للجميع بالتعبير عن آرائهم بحرية كاملة. وتهدف الجزيرة إلى أبعد من مجرد كسب قلوب مشاهديها، فهي تسعى إلى إقامة علاقة بناءة معهم ليصبحوا جزءا من عملية نقل الأخبار وصناعتها، أما الهدف النهائي للجزيرة فهو "التقريب بين الناس وبين القارات،" وبذلك تصبح الجزيرة جزءاً فعالا من ماكينة الأمركة التي تسود العالم.
ولكي يتسنى للجزيرة كسب الجمهور العربي الذي تستهدفه، كان عليها أن تضم إلى برامجها المتعددة برامج إسلامية، وأن تعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى القضايا العربية والإسلامية الأخرى، وكان لا بد لها من استقطاب إسلاميين للعمل فيها، حتى إن الإسلامي وضاح خنفر قد أصبح مديراً عاماً لشبكة الجزيرة التي تضم كل قنوات الجزيرة وموقعها على الإنترنت، وهذا هو السبب ذاته الذي من أجله وَكَلَ الأمير الوليد بن طلال إدارة محطة الرسالة الفضائية إلى الدكتور طارق السويدان. ويأتي استقطاب الجزيرة للإسلاميين في سياق محاولات احتواء الإسلاميين واستغلالهم في التصدي لما يسمى الإسلام السياسي، والمقاومة والممانعة العربية، ونشر ما يسمى بالإسلام المعتدل الذي تروجه الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس اتهاماً للإسلاميين الذين يعملون في تلك الفضائيات، وإنما هو تشخيص لحالة موجودة في واقعنا، وأظن أن محاولة الاحتواء من جانب الأمريكيين يقابلها محاولة اختراق من جانب الإسلاميين لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة الإسلام، ولكن من الذي سينجح في نهاية المطاف؟!
لا يمكن اعتبار الجزيرة على أنها مجرد "الشارع العربي،" بكل ما يحتويه من خير وشر وحلو ومر ودماء وعنف وتشرذم وانقسام وتخبط وضياع ...، فقد جعلت الجزيرة من نفسها نافذة لكل عدو وصديق، وطالح وصالح، وفاجر وبر، وخائن ووطني، وكاذب وصادق، لكي يدلوا بآرائهم بكل ألوان الطيف، بحجة عرض الرأي والرأي الآخر، في صورة فوضوية غير مسبوقة في عالمنا العربي، وكما قال المحلل الإعلامي البارز علي أبو نعمة: "الجزيرة هي شارع ذو اتجاهين تنساب فيه المعلومات والآراء العالمية."
ولهذا فالجزيرة تعمل كمؤتمر مفتوح يأتي إليه المحاضرون من البيت الأبيض الأمريكي والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية والكنيست الصهيوني، لإلقاء ما يتناغم معهم من مواضيع ومحاضرات وسياسات واستراتيجيات على الشارع العربي، لتمرير سياسات الأعداء والتمكين لدبلوماسيتهم، ولنقل رسائلهم وبث دعايتهم، وهذا هو الهدف "غير المعلن" من وراء إنشاء قناة الجزيرة الفضائية، بينما يبقى الصهاينة المغتصبين لفلسطين محصنين ضد الإعلام العربي، لاعتمادهم على الإعلام الرسمي للكيان الصهيوني مصدراً وحيداً لتلقي المعلومات والأخبار وتحليل الأحداث، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم الشعب الأمريكي الذي لا يستمد معلوماته إلا من خلال الإعلام الأمريكي، وكذلك الحال بالنسبة لشعوب أوروبا الغربية.
ومن لا يدرك مدى خطر قيام الجزيرة بوضع المشاهد العربي وجهاً لوجه مع القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين والأوروبيين، فهو لا يدرك معنى الحرب النفسية والدعائية، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أهمية تواصلها الفعال مع شعوب العالم، فقد بدأت في وضع خطط لإطلاق محطات فضائية باللغة الفارسية للتأثير على الشعب الإيراني.
وتكمن خطورة الجزيرة في أن عرضها للرأي والرأي الآخر دون تقييد نفسها بأي معايير قومية عربية يضر بالقضايا العربية ، فكان الأولى للجزيرة أن تخدم التوجه القومي والديني والثقافي لواقعنا العربي، كما قال مصطفى عمارة مراسل جريدة الحياة اللندنية بالقاهرة. وهناك خطر لا يقل فداحة عن سابقه يتمثل في أن نجاح الجزيرة في كسب الجماهير العربية أدى إلى نوع من الاحتكار الإعلامي، وفق ما قال سامي خشبة نائب رئيس تحرير الأهرام، الذي أكد أن هذا الاحتكار يضر بحرية الإعلام والحق في تداول الموضوعات.
خرجت فكرة إنشاء الجزيرة في عام 1995م من داخل أروقة محطة بي بي سي البريطانية، حيث تم التوقيع على عقد شراكة مع شركة سعودية لإنشاء شبكة إخبارية عربية، ولكن هذه الشراكة سرعان ما انهارت، لأسباب تتعلق ببرامج الشبكة ورقابة الحكومة السعودية عليها، ولقد تحدث "مايكل موران"، وهو أحد الصحفيين الذين يعملون في محطة بي بي سي، حول هذه القضية قائلاً: "في أحد أيام أبريل 1996، عندما توجهت إلى مكتبي في غرفة الأخبار في مركز تلفزيون بي بي سي، لاحظت تجمعاً غريباً من الصحفيين في الباحة المجاورة لغرف الأخبار ... كانت هناك وجوه مرصعة بالدموع واحتضان بين أعضاء الطاقم وغضب عندما علم المائتان والخمسون صحفياً أن الشبكة سوف تُغلق،" ثم أضاف: "لقد كانت هزيمة مدمرة لمجموعة من الصحفيين الشجعان."
وفي العام ذاته تم إنشاء الجزيرة على أنقاض تلك الشراكة الفاشلة بمبادرة من أمير قطر، وبدعم منه ومن آخرين يصفهم "مايكل موران" بأنهم معتدلون. وقد شكلت تلك المجموعة من الصحفيين، فيما بعد، معظم طاقم الجزيرة الحالي، ومنهم جميل عازر، الذي كان يرى أن إنشاء هذه المحطة الفضائية سوف يؤدي إلى "تغيير المواقف في المنطقة" عبر تقديم الأخبار للعالم العربي دون رقابة صحفية، وبعيدا عن نظريات القرصنة والاتجاهات المعادية لما يسمى (إسرائيل)، ودون تمجيد للأنظمة الحاكمة والتوسل إليها، على حد تعبير أصحاب فكرة الجزيرة، واليوم يضم طاقم الجزيرة فريقاً من محترفي التلفزيون، من بينهم إعلاميون كانوا يعملون في bbc و aptn و itv و cnn و cnbc، وأصبحت الجزيرة تمتلك أكثر من 40 مكتباً في العديد من دول العالم، ووصل عدد مشاهديها إلى أكثر من 40 مليوناً في اليوم.
إذاً جاءت المبادرة لإنشاء قناة الجزيرة الفضائية من محطة بي بي سي، المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني ضد القضايا العربية، والمعروفة بعدائها للتيارات الإسلامية وبثها للدعاية الصهيونية، هذا بالإضافة إلى تزامن إنشاء الجزيرة مع بداية تصعيد النزاع الفلسطيني الصهيوني ودخوله مرحلة حرجة، وكذلك مع بداية الحروب الأمريكية على منطقتنا، بهدف إعادة صياغتها، سياسياً وجغرافياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، لإنشاء ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير، ويؤكد كثير من المحللين الإعلاميين والسياسيين أن هذا التزامن لم يأت صدفة، بل كان تزامناً وظيفياً، من أجل مساعدة الأمريكيين على إنجاز مخططاتهم.
لذلك من الصعب التصديق أن قناة الجزيرة الفضائية، التي حققت نجاحاً إعلامياً مذهلاً، وتقدماً كبيراً، لدرجة أنها أصبحت تضاهي أقوى المحطات الإعلامية العالمية، بل تفوقت على بعضها، هي مجرد وسيلة إعلامية لا رسالة لها، ولا انتماء لها إلى جهة اقتصادية سياسية إستراتيجية. ومن الصعب أيضاً أن ننظر إلى الجزيرة على أنها ميدان إعلامي مفتوح لكل الدول والجهات التي تمتلك القدرة على العمل من خلالها للوصول إلى أهدافها، ففي التاريخ والنشأة والممارسة والأداء دليل على أن الجزيرة تعمل لمصلحة جهة معينة، لتحقيق أهداف محددة مرتبطة بما يشهده عالمنا من تغييرات جوهرية في سياق تكوين النظام العالمي الجديد.
يتبع>>>
من محمد إسحاق الريفي في 4 أكتوبر، 2011
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما يلي مقال كتبته بعنوان "هل محطة الجزيرة الفضائية ماكينة أمركة؟" قبل نحو خمسة أعوام، أعيد نشره اليوم بعد إجراء تعديلات طفيفة عليه وعلى عنوانه في ظل الثورات التي شهدتها منطقتنا العربية، والتي كان للجزيرة فيها أثر واضح، ما قد يؤكد ما ذهبت إليه في مقالي، شاكرا لكم سعة صدركم:
قناة الجزيرة الفضائية والأمركة
محمد إسحاق الريفي
استطاعت قناة الجزيرة الفضائية في قطر كسب قلوب مشاهديها والاستحواذ على عقول الكثيرين منهم عبر تقديم نموذج جديد من الإعلام الحر، الذي يختلف تماماً عن الإعلام العربي الرسمي التقليدي، الذي يتمركز حول النظام الحاكم. ومن الأمور التي أدت إلى نجاح الجزيرة في جذب مشاهديها العرب، تبنيها وممارستها لمجموعة من الشعارات التي تشجع على المناظرة وإبداء وجهات النظر ووجهات النظر المعاكسة، ومعالجتها لقضايا عربية مهمشة تقليدياً، وسماحها للجميع بالتعبير عن آرائهم بحرية كاملة. وتهدف الجزيرة إلى أبعد من مجرد كسب قلوب مشاهديها، فهي تسعى إلى إقامة علاقة بناءة معهم ليصبحوا جزءا من عملية نقل الأخبار وصناعتها، أما الهدف النهائي للجزيرة فهو "التقريب بين الناس وبين القارات،" وبذلك تصبح الجزيرة جزءاً فعالا من ماكينة الأمركة التي تسود العالم.
ولكي يتسنى للجزيرة كسب الجمهور العربي الذي تستهدفه، كان عليها أن تضم إلى برامجها المتعددة برامج إسلامية، وأن تعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى القضايا العربية والإسلامية الأخرى، وكان لا بد لها من استقطاب إسلاميين للعمل فيها، حتى إن الإسلامي وضاح خنفر قد أصبح مديراً عاماً لشبكة الجزيرة التي تضم كل قنوات الجزيرة وموقعها على الإنترنت، وهذا هو السبب ذاته الذي من أجله وَكَلَ الأمير الوليد بن طلال إدارة محطة الرسالة الفضائية إلى الدكتور طارق السويدان. ويأتي استقطاب الجزيرة للإسلاميين في سياق محاولات احتواء الإسلاميين واستغلالهم في التصدي لما يسمى الإسلام السياسي، والمقاومة والممانعة العربية، ونشر ما يسمى بالإسلام المعتدل الذي تروجه الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس اتهاماً للإسلاميين الذين يعملون في تلك الفضائيات، وإنما هو تشخيص لحالة موجودة في واقعنا، وأظن أن محاولة الاحتواء من جانب الأمريكيين يقابلها محاولة اختراق من جانب الإسلاميين لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة الإسلام، ولكن من الذي سينجح في نهاية المطاف؟!
لا يمكن اعتبار الجزيرة على أنها مجرد "الشارع العربي،" بكل ما يحتويه من خير وشر وحلو ومر ودماء وعنف وتشرذم وانقسام وتخبط وضياع ...، فقد جعلت الجزيرة من نفسها نافذة لكل عدو وصديق، وطالح وصالح، وفاجر وبر، وخائن ووطني، وكاذب وصادق، لكي يدلوا بآرائهم بكل ألوان الطيف، بحجة عرض الرأي والرأي الآخر، في صورة فوضوية غير مسبوقة في عالمنا العربي، وكما قال المحلل الإعلامي البارز علي أبو نعمة: "الجزيرة هي شارع ذو اتجاهين تنساب فيه المعلومات والآراء العالمية."
ولهذا فالجزيرة تعمل كمؤتمر مفتوح يأتي إليه المحاضرون من البيت الأبيض الأمريكي والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية والكنيست الصهيوني، لإلقاء ما يتناغم معهم من مواضيع ومحاضرات وسياسات واستراتيجيات على الشارع العربي، لتمرير سياسات الأعداء والتمكين لدبلوماسيتهم، ولنقل رسائلهم وبث دعايتهم، وهذا هو الهدف "غير المعلن" من وراء إنشاء قناة الجزيرة الفضائية، بينما يبقى الصهاينة المغتصبين لفلسطين محصنين ضد الإعلام العربي، لاعتمادهم على الإعلام الرسمي للكيان الصهيوني مصدراً وحيداً لتلقي المعلومات والأخبار وتحليل الأحداث، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم الشعب الأمريكي الذي لا يستمد معلوماته إلا من خلال الإعلام الأمريكي، وكذلك الحال بالنسبة لشعوب أوروبا الغربية.
ومن لا يدرك مدى خطر قيام الجزيرة بوضع المشاهد العربي وجهاً لوجه مع القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين والأوروبيين، فهو لا يدرك معنى الحرب النفسية والدعائية، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أهمية تواصلها الفعال مع شعوب العالم، فقد بدأت في وضع خطط لإطلاق محطات فضائية باللغة الفارسية للتأثير على الشعب الإيراني.
وتكمن خطورة الجزيرة في أن عرضها للرأي والرأي الآخر دون تقييد نفسها بأي معايير قومية عربية يضر بالقضايا العربية ، فكان الأولى للجزيرة أن تخدم التوجه القومي والديني والثقافي لواقعنا العربي، كما قال مصطفى عمارة مراسل جريدة الحياة اللندنية بالقاهرة. وهناك خطر لا يقل فداحة عن سابقه يتمثل في أن نجاح الجزيرة في كسب الجماهير العربية أدى إلى نوع من الاحتكار الإعلامي، وفق ما قال سامي خشبة نائب رئيس تحرير الأهرام، الذي أكد أن هذا الاحتكار يضر بحرية الإعلام والحق في تداول الموضوعات.
خرجت فكرة إنشاء الجزيرة في عام 1995م من داخل أروقة محطة بي بي سي البريطانية، حيث تم التوقيع على عقد شراكة مع شركة سعودية لإنشاء شبكة إخبارية عربية، ولكن هذه الشراكة سرعان ما انهارت، لأسباب تتعلق ببرامج الشبكة ورقابة الحكومة السعودية عليها، ولقد تحدث "مايكل موران"، وهو أحد الصحفيين الذين يعملون في محطة بي بي سي، حول هذه القضية قائلاً: "في أحد أيام أبريل 1996، عندما توجهت إلى مكتبي في غرفة الأخبار في مركز تلفزيون بي بي سي، لاحظت تجمعاً غريباً من الصحفيين في الباحة المجاورة لغرف الأخبار ... كانت هناك وجوه مرصعة بالدموع واحتضان بين أعضاء الطاقم وغضب عندما علم المائتان والخمسون صحفياً أن الشبكة سوف تُغلق،" ثم أضاف: "لقد كانت هزيمة مدمرة لمجموعة من الصحفيين الشجعان."
وفي العام ذاته تم إنشاء الجزيرة على أنقاض تلك الشراكة الفاشلة بمبادرة من أمير قطر، وبدعم منه ومن آخرين يصفهم "مايكل موران" بأنهم معتدلون. وقد شكلت تلك المجموعة من الصحفيين، فيما بعد، معظم طاقم الجزيرة الحالي، ومنهم جميل عازر، الذي كان يرى أن إنشاء هذه المحطة الفضائية سوف يؤدي إلى "تغيير المواقف في المنطقة" عبر تقديم الأخبار للعالم العربي دون رقابة صحفية، وبعيدا عن نظريات القرصنة والاتجاهات المعادية لما يسمى (إسرائيل)، ودون تمجيد للأنظمة الحاكمة والتوسل إليها، على حد تعبير أصحاب فكرة الجزيرة، واليوم يضم طاقم الجزيرة فريقاً من محترفي التلفزيون، من بينهم إعلاميون كانوا يعملون في bbc و aptn و itv و cnn و cnbc، وأصبحت الجزيرة تمتلك أكثر من 40 مكتباً في العديد من دول العالم، ووصل عدد مشاهديها إلى أكثر من 40 مليوناً في اليوم.
إذاً جاءت المبادرة لإنشاء قناة الجزيرة الفضائية من محطة بي بي سي، المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني ضد القضايا العربية، والمعروفة بعدائها للتيارات الإسلامية وبثها للدعاية الصهيونية، هذا بالإضافة إلى تزامن إنشاء الجزيرة مع بداية تصعيد النزاع الفلسطيني الصهيوني ودخوله مرحلة حرجة، وكذلك مع بداية الحروب الأمريكية على منطقتنا، بهدف إعادة صياغتها، سياسياً وجغرافياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، لإنشاء ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير، ويؤكد كثير من المحللين الإعلاميين والسياسيين أن هذا التزامن لم يأت صدفة، بل كان تزامناً وظيفياً، من أجل مساعدة الأمريكيين على إنجاز مخططاتهم.
لذلك من الصعب التصديق أن قناة الجزيرة الفضائية، التي حققت نجاحاً إعلامياً مذهلاً، وتقدماً كبيراً، لدرجة أنها أصبحت تضاهي أقوى المحطات الإعلامية العالمية، بل تفوقت على بعضها، هي مجرد وسيلة إعلامية لا رسالة لها، ولا انتماء لها إلى جهة اقتصادية سياسية إستراتيجية. ومن الصعب أيضاً أن ننظر إلى الجزيرة على أنها ميدان إعلامي مفتوح لكل الدول والجهات التي تمتلك القدرة على العمل من خلالها للوصول إلى أهدافها، ففي التاريخ والنشأة والممارسة والأداء دليل على أن الجزيرة تعمل لمصلحة جهة معينة، لتحقيق أهداف محددة مرتبطة بما يشهده عالمنا من تغييرات جوهرية في سياق تكوين النظام العالمي الجديد.
يتبع>>>